الزاجرة وطرق الري التقليدية في البحرين
العدد 41 - ثقافة مادية
تعرف عملية ري الأراضي الزراعية عند العامة في البحرين، باسم «لتسِگي» (أي السقاية)، ويسمى الشخص الذي يقوم بهذه العملية باسم لمسِگي أي السقاء، وقد كانت الأراضي الزراعية في البحرين قديماً تسقى إما من العيون الطبيعية أو الآبار الارتوازية أو نظام القنوات المتعارف عليه محلياً باسم «الثقب». وأياً كان مصدر الماء، فإن طريقة الري داخل الأراضي الزراعية لها نظام ثابت، وهي تعتمد على وجود شبكة من السواقي (أو السيبان) والأحواض، كالشروب والمشاعيب.
فبعد أن يتم إعداد الأرض للزراعة تبدأ عملية تخطيط الأرض لعدة أقسام تسمى سابات مفردها سابه وكل سابه تشمل عددا من الأحواض، والتي تكون بحسب نوعية المحاصيل التي تزرع بها أما شروب أو مشاعيب. وتتوزع هذه الأحواض داخل السابة بشكل أزواج متقابلة، ويتراوح عددها من أربعة لستة أزواج متقابلة. وبالإضافة للسابات يتم إعداد حوض كبير يسمى الخافور، وهو بمثابة المشتل تزرع فيه الباذرات التي يتم نقلها لاحقاً للمشاعيب أو الشروب. وفي السابة الواحدة يوجد فواصل بين كل شرب أو مشعاب وآخر ليمنع الدوس على النباتات، وتسمى هذه الفواصل گواري (مفردها گاري)، وأحياناً تسمى دوسات (مفردها دوسة) أو جسور (مفردها جسر).
بعد تقسيم الأرض، يتم توصيل جميع تلك الأقسام بشبكة من القنوات المائية. ويوجد نوعان أساسيان من القنوات المائية التي تحفر داخل المزارع، النوع الأول تخرج من مصدر الماء وتسير باتجاه الزرع لتسقيه، وتسميها العامة في البحرين بعدة تسميات هي: الساقية أو الساب أو الجدول أو السجر، أما اسم الساقية فهو الاسم العام الذي كان أكثر استخداماً قبل أن تشيع المسميات الأخرى. أما النوع الثاني من القنوات، فيحمل الماء الزائد من الأرض الزراعية ويتجه للبحر، ويعرف باسم المنجي، لأنه ينجي الزرع من الغرق (صورة رقم 1).
وأياً كان مصدر الماء الذي يروي الأرض فإن طريقة الري وقوانينه لهذه الأراضي الزراعية تكون واحدة، وهي طريقة الربط والهد. وعملية الهداد هي عملية ترك الماء يجري في السواقي دون أن يوقفه شيء، فالماء يجري في القنوات المائية من المصدر (عين أو بئر أو قناة تحت أرضية) إلى الأحواض المائية، وتوجد هناك نقطتان للتحكم في جريان الماء، الأولى عند تفرع القناة الفرعية من القناة الرئيسية، والثانية عند دخول الماء إلى الأحواض المزروعة، فلكل حوض (شرب أو مشعاب أو خافور) عدد معين من الفتحات التي يدخل عن طريقها الماء وتعرف هذه الفتحات باسم مَداوِر والمفرد مِدوَر. وعملية الربط هي عملية سد السواقي في إحدى النقطتين السالفتي الذكر، ويتم ذلك باستخدام ملابس قديمة تعرف باسم «السكرة»، وتسمى عملية السد بالسْكار. هذا ويرجح Holes أن أصل لفظة سكار ربما يكون أكدي (Holes 2002)، حيث وردت في اللغة الأكدية لفظة سَكارُ أو سِكيرُ بنفس المعنى (CAD 2000، v. 15، pp. 74 & 210). كما يشير Holes إلى أن اللفظة ذاتها وردت في اللغة الآرامية (Holes 2002).
وبالطبع، كلما زادت مساحة الأرض كلما احتاجت لكمية أكبر من الماء، وهذا يستلزم طريقة تفريغ للماء داخل السواقي بصورة تضمن تدفق كمية مياه كبيرة بأقل جهد ممكن. في حال كان مصدر الماء عين طبيعية، أو قناة تحت أرضية فإن الماء يتدفق داخل السواقي بصورة طبيعية وذلك بفعل قوة دفع الماء المتدفق من ينبوع العين. ولكن في حال كان مصدر الماء بئر محفورة حيث يكون مستوى الماء في هذه البئر أخفض من مستوى الأرض؛ حينها يستلزم الأمر إيجاد طرق لجعل الماء يتدفق داخل السواقي، فالعملية إذاً تستلزم الحاجة لوجود أدوات وآلات معينة، كما أن نوعية الآلة أو الأداة ترتبط بنوعية البئر، كما ترتبط بمساحة الأرض الزراعية.
هذا، وسوف نخصص هذه الدراسة لطريقة رفع الماء من الآبار الارتوازية وتفريغه في الساقية الرئيسية التي تزود الأرض الزراعية بالماء.
أنواع الآبار عند العامة في البحرين
في الخليج العربي بصورة عامة يستخدم الاسم العام «جليب» ليدل على الآبار المحفورة، وأصل اللفظة القليب بمعنى البئر (لسان العرب، مادة قلب)، وبالإضافة لهذا الاسم توجد أسماء خاصة لهذه الآبار تختلف من منطقة لأخرى، فعند العامة في البحرين توجد ثلاثة أنواع رئيسية من هذه الآبار وهي: المغرس والجفر أو البير والجدحة.
فأما المغرس فهو عبارة عن بئر غير عميق وليس له سور يحيط به، والمغرس أيضاً من طرق زراعة النخيل حيث تحفر حفرة حتى يخرج الماء (فتعرف حينها بالمغرس) وبعدها تزرع به الفسيلة. وتعرف قطعة الأرض التي زرعت فيها النخيل بهذه الطريقة باسم «المغارس».
وأما الجفر أو البير وتلفظ «أجفر»، وهو ما يعرف أيضاً باسم «الجليب»، وهي بئر عميق لها سور يحيط بها. وأما الآبار العميقة التي يتم حفرها بالآلات الحديثة فتعرف باسم «الجدحة» وهذه تسمية حديثة بعض الشيء، فالجدحة هي البئر التي يتم حفرها بآلة الحفر الحديثة ويوضع عليها مضخة تعمل بالديزل لتستخرج الماء وتضخه في حوض خاص يجمع فيه الماء يسمى «البركة». وتعرف المضخة عند العامة باسم «جداحة» أو «جدابة» وقد أشتق الاسم الأخير من لفظة «الجذب» بمعنى الشفط أي شفط الماء من باطن الأرض. أما اسم الجداحة فقد أشتق من الجدح وهو مصطلح عامي يعني الثقب ومنه اسم الآلة «المجداح» وهو عبارة عن مثقاب بدائي يتكون من قطعة خشبية مدببة الرأس يتم تدويرها من قبل قوس به وتر.
وأصل المصطلح مشتق من عملية الدوران أثناء الحفر، فالجدح هي عملية خوض الماء أو اللبن بأداة عرفت بالمجدح تحرك بصورة دائرية (لسان العرب: مادة جدح)، ومنه عُممت اللفظة لتشمل كل عود يتم تدويره سواء لتحريك اللبن أو الماء أو لثقب شيء ما؛ وبذلك اكتسبت اللفظة معنى جديد وهو عملية الثقب ومنه سميت آلة الثقب بالمجداح أو المجدح، وعرف الثقب الذي تحدثه الآلة في الأرض باسم الجدحة وعرفت آلة شفط الماء من الثقب بالجداحة.
وأياً كان مستوى عمق البئر، فإن مستوى الماء في الآبار أخفض من مستوى الأرض، والحل الوحيد لري الأرض من هذه الآبار هو رفع الماء بوعاء معين وتفريغه داخل الساقية الأم أو الحوض الذي يغذي الساقية الأم. والإناء الذي كان يستخدم في السابق لرفع الماء من البئر كان يعرف باسم الدلو والجمع دلاء.
أنواع الدلاء عند العامة في البحرين
الدلاء جمع والمفرد الدلو وهو وعاء يستخدم في استخراج المياه من البئر واللفظة شائعة في اللغة العربية واللغة الأكدية، وقد ذكر في المعاجم العربية أنه يصنع من جلد أنواع من الحيوانات، بينما ذكر في معجم شيكاغو للغة الآشورية أنه يصنع من الخشب أو المعدن (CAD 2004، v. 3، pp. 56 - 58)، وأحياناً تعمم العامة لفظة الدلو على غير المصنوع من الجلد، إلا أن الغالب هو التخصيص، ففي البحرين يخص اسم الدلو للذي يصنع من الجلد، أما ما يصنع من المعدن فيسمى المطارة والجدلة، وهذه أسماء ما عادت تستخدم وقد حلت مكانها أسماء أخرى مثل السطل والزيلة، إلا أن الأجيال السابقة تفرق بين الجدلة والسطل والزيلة.
وكان يستخدم في البحرين نوعان أساسيان من الدلاء، الدلو الصغير ذو الفتحة الواحدة، والكبير ذو الفتحتين الذي يعرف في مناطق أخرى في الخليج العربي باسم الغَرب. والغَرب هو الدلو الخاص بالزاجرة حيث يتم تفريغ الماء منه بصورة آلية، أما الدلو ذو الفتحة الواحدة فهو صغير الحجم ويجب أن يتم تلقي هذا الدلو عند جره من البئر وتفريغه يدوياً في الساقية أو الحوض.
العراگي وربط الدلو بالحبال
سواء كان الدلو صغيراً أو كبيراً، له فتحة واحدة أو فتحتان، فهناك طريقة واحدة لربط الحبال بالدلو وهو عن طريق «العراگي» (أي العراقي). والعراقي عبارة عن عمودين متصالبين من الخشب على هيئة صليب، والعرقاة عند عامة أهل الخليج العربي هو كل ما كان على شاكلة الصليب، واللفظة واردة في اللغة، جاء في لسان العرب (مادة عرق):
«وعَرْقَيْتُ الدلو عَرْقاةً: جعلت لها عَرْقُوَةً وشددتها عليها. الأَصمعي: يقال للخشبتين اللتين تعترضان على الدلو كالصليب العَرْقُوَتانِ وهي العَراقي، وإِذا شددتهما على الدلو قلت: قد عَرْقَيْتُ الدلو عَرْقاةً. قال الجوهري: عَرْقُوَةُ الدلو بفتح العين، ولا تقل عُرْقُوَة، وإنما يُضَمّ فُعْلُوَةٌ إذا كان ثانيه نوناً مثل عُنْصُوَة، والجمع العَراقي».
وتثبت العراقي على الدلو بربط أطرافها الأربعة بفتحة الدلو بطريقة معينة، ويربط في وسط العراقي حبل خاص يسحب به الدلو لأعلى، يسمى «الكراب»، وفي مناطق أخرى في الخليج العربي يسمى الكربة والكرب، وهو عبارة عن حبل مفتول من الليف غير ملفوف بالخرق لئلا يتعفن بالماء، يدخل أحد طرفيه تحت العراقي ثم يدخل فيه طرفه الثاني ويشد على العراقي، ثم يثنى ويدخل طرفه الثاني تحتها ثم يدخل فيه مثناه ويشد على تقاطع العراقي بصفة متقاطعة، تحت العراقي وفوقها، ويكون مثناه عروة جيدة (ابن جنيدل 1427 هـ، ص 100) (صورة رقم 2). وهذه اللفظة أيضاً واردة في كتب اللغة، جاء في لسان العرب (مادة كرب): «الكرب حبل يشد على عراقي الدلو ثم يثنى ثم يثلّث، والجمع أكراب».
تطور عملية سحب الدلو
قبل ابتكار آلة خاصة لسحب الدلو من البئر، كان الاعتماد على القوة البدنية للساقي، وهو شخص يتم تخصيصه لعملية السقاء حيث يقف على شرفة البئر ويقوم بسحب الدلو الممتلئ بالماء من أسفلها لأعلاها بواسطة الحبل، ثم يتلقفه حالما يقترب منه ويصبه في الساقية التي تغذي الأرض بالماء أو يصبه في حوض خاص يغذي الساقية الأم. ويلاحظ أن هذه الطريقة من الري تتلاءم مع الأراضي الزراعية الصغيرة، والأرض التي تسقى بهذه الطريقة تسميها العامة في البحرين باسم الدالية.
إلا أن هذه الطريقة تصبح غير مجدية البتة في ري الأراضي الزراعية الكبيرة، ومن هنا جاءت الحاجة لابتكار آلات توفر جهد الساقي وفي نفس الوقت تسحب كميات أكبر من الماء. إذاً فالحاجة هنا إلى شيئين: وعاء كبير لرفع أكبر كمية من الماء من البئر وآلة تسهل عمل رفع ذلك الوعاء الكبير؛ وهكذا تم التوصل لابتكار النزافة والزاجرة وذلك بحسب نوعية البئر التي تسحب منه الماء، إن كان سطحياً أو عميقاً.
النزافة أو الغرافة
تسمى غرافة أو منزفة (وفصيحها النزافة) وفي مصر تسمى شادوف، وهي تستخدم لاستخراج الماء من البئر القليلة العمق. تتكون الغرافة من عمودين من خشب أو حجر ويثبت عليهما عارضة، ويثبت فوق العارضة عصا خشبية طويلة، بحيث تمثل العارضة نقطة ارتكاز وتمثل العصا الخشبية ذراع الرافعة، وموصل في أحد طرفي هذه الرافعة صفيحة فارغة أو دلو وفي طرفها الآخر يوجد ثقل قد يكون حجر أو كتلة طينية. ويمكن شرح طريقة عمل الغرافة على مرحلتين، في الأولى يبذل الفلاح جهداً ليشد الثقل أو الكتلة الطينية الثقيلة ليجعل الدلو ينزل لقاع البئر ويمتلئ بالماء، وفي الثانية يتولى الثقل رفع الدلو حيث يؤدي لعودة الخشبة الطويلة إلى وضعها الأصلي، وأخيراً يتم إفراغ الماء في الساقية أو الحوض (صورة رقم 3).
ابتكار البكرة
الغرافة أو النزافة لا تصلح للآبار العميقة، ففي حال كان البئر عميقاً لا بد من عملية جر الدلو لأعلى أما بواسطة قوة الإنسان أو قوة الحيوان. ولتسهيل عملية الجر هذه تم ابتكار البكرة، والتي قللت من الجهد المبذول في رفع الماء. إلا أن مشكلة ري الأراضي الزراعية الكبيرة لا يمكن أن يُحَل بالبكرة فقط، فالطاقة البدنية للساقي لا تمكنه من رفع كميات كبيرة من الماء من البئر. وهكذا أستخدم دلو كبير لرفع الماء وأستعيض عن الطاقة البدنية للإنسان بالطاقة الحيوانية؛ حيث أستخدم الثور عند البعض أو البعير أو الناقة عند آخرين، وفي العصور الحديثة استخدمت حتى الحمير.
في هذه الحالة تم تقليل الوقت ورفع كميات أكبر من الماء بجهد أقل، ولكن ظهرت مشكلة جديدة وهي أعداد الأيدي العاملة، ففي هذه الحالة ستكون الحاجة لأكثر من عامل، فهناك شخص سيتولى أمر الثور وتحريكه، وشخص آخر، على الأقل، يتوجب عليه تلقي الدلو وتفريغه في الساقية أو الحوض.
والحل الوحيد، إذاً، كان في تطوير آلة مركبة تعمل بالطاقة الحيوانية (كالثور مثلاً)، وترفع دلواً كبيراً والذي يتم تفريغه بصورة آلية دون الحاجة لشخص آخر يستقبل الدلو. هذه الآلة تم تطويرها بحيث يتمكن شخص واحد يعمل مع ثور واحد في رفع الدلو والذي يتم تفريغه بصورة آلية. هذه الآلة المركبة عرفت باسم «الزاجرة» أو «الجازرة» في البحرين وبعض مناطق شرق المملكة العربية السعودية كالقطيف، ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان (بالخصوص الشمال)، وأما في غالبية المملكة العربية السعودية فتعرف باسم السانية. وهذه الآلة لا تستخدم الدلو الاعتيادي وإنما تم تطوير دلوٍ ضخم له فتحتان يعرف باسم الغَرْب.
الزاجرة هي السانية في التراث العربي
لقد عرف العرب الآلة التي يستخرج عن طريقها الماء من البئر واشتقوا لها اسم السانية، وكانوا يستخدمون الناقة لجر الحبل ومنها سميت الناقة السانية، والجمع السواني، وتسمى النوق التي يستسقى عليها باسم النواضح ومفردها الناضحة، جاء في معجم تاج العروس (مادة سنى):
«السَّانِيَةُ: الغَرْبُ وأَدَاتُهُ... وأَيْضاً: النَّاقَةُ التي يُسْتَقَى عليها، وهي النَّاضِحَةُ أَيْضاً، والجَمْعُ السَّوانِي... وسَنَتِ النَّاقَةُ تَسْنُو سَناوَةً وسِنايةً: إذا سَقَتِ الأرضَ... قال السّهيليّ في الرَّوْض: أَي دارَ حَوْلَ البِئْرِ والدابَّة هي السانِيَة».
وأقدم وصف لهذا النوع من الزواجر جاء في شعر لزهير بن أبي سلمى (المتوفي قرابة العام 609 م)، حيث وصف الدمع الذي يجري من عينيه بالمياه التي تسكب من غربيين أو دلوين يتم استخراجهما من السانية عن طريق ناقة متخصصة في هذا العمل وتسمى الناضحة، ويتم تفريغ الماء في القناة التي تصب في شرب يروي النخيل وذلك الشرب به ضفادع غرقت من كثرة الماء الموجود في الشرب والأبيات هي كالتالي (أنظر فاعور 1988، ص 73 – 74):
كَأَنَّ عَينَيَّ في غَربَي مُقَتَّلَةٍ
مِنَ النَواضِحِ تَسقي جَنَّةً سُحُقا
تَمطو الرِشاءَ فَتَجري في ثِنايَتِها
مِنَ المَحالَةِ ثَقباً رائِداً قَلِقا
لَها مَتاعٌ وَأَعوانٌ غَدَونَ بِهِ
قِتبٌ وَغَربٌ إِذا ما أُفرِغَ اِنسَحَقا
وَخَلفَها سائِقٌ يَحدو إِذا خَشِيَت
مِنهُ اللِحاقَ تَمُدُّ الصُلبَ وَالعُنُقا
وَقابِلٌ يَتَغَنّى كُلَّما قَدَرَت
عَلى العَراقي يَداهُ قائِماً دَفَقا
يُحيلُ في جَدوَلٍ تَحبو ضَفادِعُهُ
حَبوَ الجَواري تَرى في مائِهِ نُطُقا
يَخرُجنَ مِن شَرَباتٍ ماؤُها طَحِلٌ
عَلى الجُذوعِ يَخَفنَ الغَمَّ وَالغَرَقا
كما أورد الشاعر هنا عدداً من مكونات السانية كالمحالة وهي بكرة تصنع من الخشب جاء وصفها في معجم تاج العروس (مادة محل).
«المَحالَة: البَكْرَةُ العظيمةُ التي يَسْتَقي بها الإبلُ، كالمَحالِ بغيرِ هاءٍ، وكثيراً ما تَسْتَعملُها السَّفّارَةُ على البِئارِ العميقة، وهي مَفْعَلةٌ لا فَعالَةٌ، بدَليلِ جَمْعِها على مَحاوِلَ، سُمِّيَتْ لأنّها تدورُ فتنْقُلُ من حالةٍ إلى حالةٍ».
كما ذكر الغرب وهو الدلو، وذكر أنواع من الحبال وهو الرشاء، وهناك مسميات أخرى منها مسميات واردة عند العامة في البحرين وسوف نتطرق لها بالتفصيل لاحقاً. أما المسميات السانية والمحالة فقد حلت محلها عند العامة في البحرين مسميات الزاجرة والمنجور. يذكر أن المسميات العربية السانية والمحالة، وبقية مسميات أجزاء السانية لازالت تستخدم في العديد من مناطق المملكة العربية السعودية (الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية، ج 5، ص 284 – 327). إذاً، من أين جاءت المسميات العامية في البحرين؟ هل هي ألفاظ عربية أم ذات امتداد حضري قديم؟.
«الزاجرة» لفظة أكدية أم عربية
مما سبق يلاحظ أنه بصورة عامة في المملكة العربية السعودية تستخدم مسميات قريبة من تلك المسميات التي وردت في المعاجم العربية وكتب اللغة، بينما في البحرين والإمارات تستخدم مسميات لم ترد في المعاجم العربية أو تعتبر من النوادر أو المعربات. حيث إن الأسماء الزاجرة والجازرة المستخدمة في البحرين والإمارات وعمان لم ترد في كتب اللغة والمعاجم التي أطلعت عليها. ويُرجِح الناصري أن الاسم زاجرة مشتق من الزجر بمعنى الحث على السرعة؛ حيث أن عملية السقي بالزاجرة تحتاج لزجر الحيوان (الثور أو الحمار) الذي يسحب الحبل (الناصري 1990، ص 8 - 9). أما Clive Holes فيرجح أن لفظة «الزاجرة» من أصل أكدي (Holes 2006).
وربما يكون رأي Holes هو الأرجح؛ فيلاحظ أنه في البحرين ودولة الإمارات يسمى الساقي الذي يكون مع الثور ليجر حبل الزاجرة باسم الزاجر أو الجازر أو اليازر، ومن الأرجح أن اشتقاق هذا الاسم جاء من اسم الآلة الزاجرة أو الجازرة. وفي مناطق في مصر يطلق مسمى الجازر على «الولد الصغير الذي يعمل أجيراً لمدة فصل زراعي، يتولى خلاله تسيير البقرة أو الجاموسة المربوطة إلى الساقية لتديرها» (من مذكرات الأبنودي، صحيفة الجريدة الكويتية 13/9/2007م).
وهذا يعني أن لفظة الجازر ربما تكون منتشرة في مناطق عديدة في الوطن العربي، وهذا اللفظ لم يرد في كتب اللغة ومعاجمها التي أطلعت عليها بهذا المعنى لكنه قريب من الفعل الأكدي زَراقُ zarāq بمعنى يسقي (CAD 1998، v. 21، pp. 65 & 167)، ومنها اسم الفاعل زارِقُ zāriqu بمعنى الساقي (CAD 1998، v. 21، p. 68)، ومنه اسم الآلة زِرِقُ أو زُرُقُّ ziriq or zuruqqu بمعنى الساقية (CAD 1998، v. 21، pp. 134 & 167). ويمكن مقارنة اسم الساقي في اللهجات العامية وهو الزاجر أو الجازر الذي ربما أشتق من الاسم زارِقُ فحرف إلى زارِج ثم إلى زاجر وجازِر ومنه جاء اسم الآلة الزاجرة أو الجازرة.
ومما يرجح الأصل الأكدي أيضاً، أن في كتب اللغة ومعاجمها ورد اسم الزرنوق والجمع الزرانيق بمعنى القوائم التي تبنى على طرفي البئر ويعلق عليها البكرة التي يسحب عليها الدلو، إلا أن الزرنوق ورد بمعنى الزاجرة وذلك في «كتاب البلدان» لليعقوبي (توفي قرابة العام 897 م)، حيث جاء في وصف مدينة الرسول الأعظم (ﷺ): «وبها آبار يسقى منها النخل والمزارع، تجرها النواضح وهي الإبل التي تعمل في الزرانيق» (دار إحياء التراث، 1988، ص 67).
والنص يفيد أن الزرانيق (جمع زرنوق) وهي الزواجر، وإن كان البعض يلتبس على هذا النص، فنص المقدسي (المتوفي قرابة العام 990 م) في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» واضح لا لبس فيه، ففي باب خصه للمصطلحات المترادفة بين البلدان ذكر المقدسي من مرادفات الزرنوق: الدولاب والحنانة (دار إحياء التراث، 1987، ص 39). والدولاب هو من مرادفات الزاجرة في البحرين ومنه أشتق اسم «الدولاب» للأرض المزروعة التي تسقى بالزاجرة.
إذاً فالزرنوق هي الزاجرة وقد سبق أن ذكرنا أن في اللغة الأكدية اسم آلة الري التي يستخدم فيها الدلو هو زُرُقُّ zuruqqu، ويمكن لهذا الاسم أن يتحول لاسم الزرنوق عن طريق المغايرة بإضافة حرف النون وإشباع الضمة واو.
تركيب الزاجرة
يوجد نوعان أساسيان من الزواجر، النوع الأول، وهو نوع بسيط، لا يتم فيه التفريغ الآلي للدلو، بل يجب أن يستقبل الدلو أحد الأفراد والذي يقوم بتفريغه (صورة رقم 4)، بينما النوع الآخر فيستخدم فيها ما يعرف بالصوبج وحبل السريح مع دلو خاص يعرف باسم الغَرْب، ويتم تفريغ الدلو أو الغرب آلياً، وكمثال عليها الزاجرة التي كانت مركبة على بئر الحنينية (صورة رقم5). وسوف نناقش هنا تركيب الزاجرة المركبة، ويجب التنويه إلى أنه لا توجد دراسة حول مسميات تركيب الزاجرة في البحرين، كل ما تم توثيقه هو قائمة من المسميات ذكرها الناصري في كتابه «من تراث شعب البحرين» (ص 10) دون أن يشرحها، وتتضمن أسماء الزاجرة ومكوناتها ومكونات الدلو، وقد قمت بعملية تحقيق لهذه الألفاظ فهي معروفة في مناطق أخرى في الخليج العربي. كذلك لم أعثر على دراسة وافية للزاجرة في شرق المملكة العربية السعودية، حيث أن مسمى زاجرة وجازرة معروفة في بعض هذه المناطق كالقطيف مثلاً، ولكن لا نمتلك تفاصيل أكثر حول مكوناتها ومسمياتها.
يذكر أنه في العديد من مناطق المملكة العربية السعودية تسمى الزاجرة بالسانية وتختلف بعض أسماء تراكيبها عن البحرين إلا أن التشابه كبير في طريقة العمل، واعتمدت على وصف السانية الذي ذكر مفصلاً في الجزء الخامس من موسوعة الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية (ص 284 – 327).
هذا، وتكاد تتطابق مسميات أجزاء الزاجرة في البحرين مع مسمياتها في دولة الإمارات العربية المتحدة، غير أني لم أعثر على دراسة تفصيلية حول مسميات تراكيب الزاجرة في دولة الإمارات العربية، لكني اعتمدت، بصورة أساسية، على مقال نشر في صحيفة البيان الإماراتية، وكذلك المقابلة التي أجريت مع السيد راشد عبيد بن تون حول تركيب الزاجرة ونشرت على موقع جمعية النخيل للتراث والفن الشعبي، إلا أن موقع الجمعية تم تطويره وفقدت المقابلة حالياً.
أما بالنسبة لألفاظ الزاجرة في عمان فبعضها وثق في العديد من المواقع على شبكة الإنترنت إلا أني لم أطلع على تركيبها وألفاظها التي تتباين من منطقة لأخرى في عمان، ففي الشمال تسمى الزاجرة والجازرة والمنجور، بينما في المنطقة الجنوبية (ظفار) ربما تختلف المسميات، حيث يستبدل مسمى «غناء الزاجرة» بمسمى السناوة (وزارة الإعلام، من فنون عُمان التقليدية 1990، ص 142)، والتي يبدو أنها لفظة مشتقة من اسم السانية.
من خلال المراجع السابقة سأحاول هنا إعادة بناء مسميات الزاجرة في البحرين، هذا، وسأقارن بين هذه المسميات والمسميات الأخرى السائدة في كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك اعتماداً على المراجع التي سبق ذكرها:
1 – السناطوين:
السناطوين عبارة عن قوائم، عددها إثنان أو أربع، تثبت بصورة عمودية على جانبي البئر، وعادة ما تصنع من جذوع النخيل، وتعرف السناطوين عند العرب باسم الشجار، جاء في كتاب البئر لابن الأعرابي (طبعة الهيئة المصرية 1970، ص 70 - 72):
الشجار خشبتان على جانبي البئر عليهما عارضة، ودون العارضة بقدر ذراع أو ذراعين عارضة أخرى ... إذا كان الشجاران من بناء طين أو حجارة فهما الزرنوقان والقرنان:
تأمل القرنين فأنظر ما هما
أحجراً أم مدراً تراهما
2 – العوارض:
وهي عبارة عن قطع خشبية توضع بصورة أفقية لتصل بين السناطوين.
3 - القرون:
يختلف معنى القرون عند العامة عن لفظة القرنين الوارد ذكرها في كتب اللغة العربية وربما هو من باب الانتقال الدلالي؛ فالقرون عند العامة عبارة عن قطعتين خشبيتين طويلتين يتم وضعهما بصورة مائلة بحيث يكون طرفها مثبت في الأرض أمام البئر ويستقر طرفها الآخر فوق العارضة بحيث تواجه فتحة البئر.
4 - المنجور :
للزاجرة بكرة خاصة تعرف باسم المنجور في البحرين ودولة الإمارات العربية ومناطق من سلطنة عمان، بينما في المملكة العربية السعودية حيث تعرف الزاجرة باسم السانية فإن بكرة السانية تعرف باسم المحالة. والمنجور عبارة عن بكرة خشبية كبيرة تثبت في الزاجرة (صورة رقم 6)، ويتم تثبيته بين الخشبتين اللتين تعرفان باسم القرون، وذلك بواسطة المحوار أو المحور أو (حطبة المنجور). هذا، ويتم ربط محور المنجور بالقرون باستخدام الگد (أي القد)، وهو عبارة عن سيور من جلد غير مدبوغ ويكون من جلد البعير في الغالب لأنه أقوى من غيره، والقد أشد التصاقاً من الجلد المدبوغ فإذا ألتصق بغيره ويبس على ذلك صعب تخليصه (العبودي 2009، ج 10، ص 287). وكذلك في المملكة العربية السعودية يستخدم القد لربط المحالة وهي بكرة السانية (الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية، ج 5، ص 285).
وقد وردت لفظة منجور في كتب اللغة العربية ولكنها من النوادر وكل من ذكر هذا الاسم أرجعه لمصدر واحد وهو ابن دريد الذي انفرد بذكر هذا الاسم في معجمه «جمهرة اللغة»، حيث جاء في (مادة جرن) من هذا المعجم: «المنجور، في بعض اللغاتَ المَحالة التي يُسْنَى عليها».
ولفظة منجور قريبة من اللفظة الأكدية مَگرُّ magarru بمعنى عجلة (CAD 2004، v. 10، part 1، p. 32)، وربما تطورت من هذه اللفظة الأكدية بحسب مبدأي المغايرة والإشباع.
يذكر أن المنجور هو مصدر الصوت الذي يطرب له صاحب الزاجرة، ويكون له لحن معين وينتج الصوت من جراء حركة المنجور وكذلك عن احتكاك الحبل الذي يجره الثور والذي يكون مربوطاً بالدلو ويمر على المنجور.
5 – حبل الرشا:
الرشا (وفصيحها الرشاء) هو حبل سميك يصنع بصورة خاصة، ويربط في كراب الدلو، ويمر فوق المنجور ويربط في الثور.
6 - الصوبج:
الاسم صوبج ذكره الناصري في كتابه «من تراث شعب البحرين» ولم يشرحه (الناصري 1990، ص 10)، وفي دولة الإمارات العربية يوجد جزء من الزاجرة يسمى الصوبي (أي الصوبج) وهو عبارة عن قطعة من الخشب أسطوانية الشكل تستخدم كبكرة وتوضع أسفل المنجور وهي تقع قريبة جداً من فتحة البئر. ويعرف الصوبج في المملكة العربية السعودية باسم الدراجة.
7 - حبل السريح:
حبل السريح كما يسمى في البحرين والمملكة العربية السعودية ويعرف في دولة الإمارات باسم المرص، وهو عبارة عن حبل رفيع يوضع في أسفل الدلو ويعتبر الحبل المساعد للرشا؛ ولذلك يطلق عليه أحياناً اسم (المساعد). ويكون أحد طرفي هذا الخيط مربوطا بالرشا والطرف الآخر بالدلو ولا يمر هذا الخيط بالمنجور بل يمر على الصوبج، وتكمن أهمية هذا الخيط في أنه يقوم بشد الدلو من أسفل لكي يتم تفريغ الماء من الدلو.
8 - الغرب وعملية التفريغ الآلي:
يعتمد عمل الزاجرة على وجود حيوان قد يكون ثوراً أو حماراً ويتم ربط خشبة على ظهره يشد إليها حبل يسمى الرشا والذي يمر عبر المنجور، ويقوم الحيوان بالذهاب والعودة في ممر مائل أمام البئر إذ يتم خلال مرحلة الذهاب جر الإناء مملوءا بالماء من البئر لتفريغه في الجابية، أما خلال رحلة العودة فان الإناء يعود فارغاً إلى البئر ليملأ بالماء مرة أخرى. أما عملية التفريغ الآلي فهي تستلزم وجود الصوبج والسريح والغرب (صورة رقم 7).
مسمى الغرب، وهو نوع من الدلاء، لم يذكره الناصري وربما ليس معروفاً في البحرين، إلا أن هذا النوع من الدلاء كان يستخدم في البحرين وذلك أن الناصري ذكر الأجزاء المرتبطة به وهي السريح والصوبج. والغرب هو المسمى الأشهر له في الخليج العربي وهو اسم ورد في المعاجم وكتب اللغة، جاء في معجم تاج العروس (مادة غرب): «الغَرْبُ: الدَّلْوُ العظيمَةُ».
والغَرْبُ والجمع غروب عبارة عن دلوً طويل يصنع من الجلد، يصل طوله لقرابة المتر أو أكثر، يكون متسعاً في جانب (الطرف العلوي) وضيقاً في الجانب الآخر (الطرف السفلي)، وبه فتحتان، فتحة في كل طرف، وتكون الفتحة كبيرة في الجانب المتسع وهي الفتحة التي يدخل منها الماء لتجويف الغرب، أما فتحة الجانب الضيق فتكون صغيره، وهي الفتحة التي يفرغ منها الماء، ويتم وضع «عراقي» بداخل كل فتحة، ويربط في كل عراقي كراب في وسطه (صورة رقم 8). ولكي تحدث عملية التفريغ الآلية يربط بالطرف العلوي للغرب حبل الرشا الذي يمرر فوق المنجور ويربط بالثور أو الحمار، أما الطرف السفلي للغرب فيربط به حبل السريح والذي يمرر بعد ذلك فوق الدراجة ويربط بعده في حبل الرشا.
9 - الخب:
وهو عبارة عن منخفض أو أرض منحدرة وهي الطريق التي يسلكها الثور، حيث يتم فيها إنزال الثور لأن حركة الثور في النزول والصعود تساعد على جلب الماء من البئر، ويقوم الشخص الذي يعمل على الزاجرة بمساعدة الثور في النزول.
10 - الجابية :
الجابية، وتسمى في الإمارات المغِيلة، هي عبارة عن المكان الذي يفرغ فيه الماء من الدلو.
الزاجرة وارتباطها بالثقافة الشعبية في البحرين
منذ القدم، وقد ارتبطت مهنة ري الأراضي الزراعية بفنون من غناء العمل والذي تطور ليعطي فناً مميزاً من الشعر عرف باسم الموال، فالموال هو ضرب من الشعر يرجح عدد من الباحثين أنه بدأ ظهوره بصورة واضحة في القرن الثاني الهجري في مدينة واسط في العراق وتطور على يد العاملين بتلك المدينة وبالأخص المزارعين الذين كانوا يغنون به في رؤوس النخيل وعلى سقي المياه، وتطور حتى وصل لنا بصورته الحالية (الجابري 2002).
القرية | عدد الزواجر | أسماء المنشدين |
جد حفص | 49 | الحاج عبد الرضا، وأبنائه أحمد ومكي |
عراد | 30 | أحمد الحجري، وأحمد بن علي صديف، وأحمد بن محمد الصغير |
كرانة | 38 | كاظم يوسف، وعبد علي بن فضل، وسلمان بن علي الحساوي |
بوري | 20 | حسين عبدالله أعصيفر، وكاظم بن حسن، وعيسى بن احمد |
السقية | 10 | أحمد بن مبارك، وصالح بن عبيدان، وإبراهيم جاسم مبارك |
الحجر | 15 | |
المصلى | 8 | أحمد بن حبيب بن أحمد، منصور بن شمطوط، وجعفر بن علي البني |
أبو صيبع | 40 | ناصر بن علي الخباز وأبنه أحمد، والسيد إبراهيم السيد علوي |
المقشع | 23 | عبد الله بن يوسف، وحسن بن عبدالله النينون، والحاج أحمد الموالي |
الشاخورة | 15 | |
توبلي | 9 | |
عالي | 14 | يوسف بن أحمد، وسيد عبدالله بن سيد هاشم، وحسن حسين بن احمد |
بلاد القديم | 10 | جعفر عبدالله العويناتي، وعلي بن أغفيل، وسيد شرف سيد علي البزاز |
مقابا | 20 | |
الماحوز | 6 | مهدي بن ناصر، ورضي بن عبدالله، وكاظم بن عبدالله العجوز |
توزيع الزواجر وأهم المنشدين في مناطق البحرين (الناصري 1990، ص 12 - 14)
وفي البحرين ارتبط الموال بالعمل على الزاجرة ارتباطا كبيراً، حيث ارتبط العمل على الزاجرة بأهازيج خاصة كلها جاءت على أوزان الموال المعروفة. ومواويل الزاجرة هذه، ربما، هي الشيء الوحيد الباقي من ذاكرة الزاجرة في البحرين. هذا وقد وثق الناصري مجموعة كبيرة من أهازيج الزاجرة، وذكر أن هذه الأهازيج منها ما هو مشترك في دول خليجية أخرى وأن مصادر هذه الأهازيج جاءت من البحرين والقطيف والإحساء والبصرة وعمان (الناصري 1990، ص 11 - 39)
كما وثق الناصري أهم القرى التي اشتهرت بكثرة الزواجر فيها، فعدد لنا الناصري أسماء بعض القرى وعدد الزواجر فيها، وكذلك ذكر قائمة من أشهر الناشدين في البحرين (أختار ثلاثة من كل قرية) الذين تميزوا بالصوت الرخيم والحفظ الجم لأناشيد الزاجرة في الجدول السابق.
التغني على ألحان صوت المنجور
يختلف تشبيه صوت المنجور من شخص لآخر بحسب التجربة الإنسانية التي عاشها، فيراها البعض «سمفونية تدغدغ كل الحواس»، ويجدها البعض الآخر أنيناً؛ وقد كتب الشاعر المصري الأبنودي متذكراً حياة الصغر عندما عمل جازراً يجر الجاموسة التي تحرك الساقية، فوصف صوت الساقية بالأنين فالساقية «تئن مصدرة لحنها الأساسي وهي تدور، ويئن «الجازر» معها بأغنية تعبر عن شكوى حارة يطلقها غلام فقير، يتيم غالباً، يضطر إلى العمل وحيداً ليلاً في الحقول الموحشة» (من مذكرات الأبنودي، صحيفة الجريدة الكويتية 13/9/2007م).
وقد وثق الناصري في كتابه «من تراث شعب البحرين» العديد من مواويل الزاجرة (الناصري 1990، ص 17 - 39) منها ما يدل على التذمر والشكوى لطول العمل على الزاجرة حتى نسى مواعيد الصلاة، والمناسبات كالأعياد، من ذلك:
إيگول عيدوا گلت العيد للآخره
شمطوطة العيد مرمية على الزاجرة
واحنا محابيس من غبشة إلى الهاجرة
لو بالدجى العين مشبوحة وتظل ساهرة
ومنها أيضاً:
والله بلتني الزاجرة الله يبليها
حتى صلاة المساجد ما أصليها
مرة على گارية ومرة أخليها
نصب أو ننظر بعد وأنشوف تاليها
وفي مواويل أخرى نرى الساقي يطرب لصوت المنجور، فيغني طرباً:
منجورنا صاح ومنجور العشگ غنى
اوحس مجنون ليلى صاح ما غنى
وفراگ لحباب منا للضلع حنى
وايدنا نجلت من قلت الحنا
والدهر غدار فرقنا ولا ونه
لا صيحة منا سمع أبدا ولا ونه
والحزن بحشاي تسمع له الإذن ونه
ومنهاب لگروم من أهل الفزع حنا
وقفة مع ثور الزاجرة
من أهم أسباب شياع أهازيج ومواويل الزاجرة في البحرين على حد زعم أهل الصنعة، كما يذكر الناصري في كتابه، أنه بالإضافة إلى تسليتهم بالشعر بالنسبة للعمل كغيرهم يأتي احتياجهم الخاص إلى تطريب الثور الذي يستعينون به على السقي بالزاجرة. ويذكر لنا الناصري بعض من حكايات الساقي مع الثور منها أن احد السقائين أنشد الأهزوجة التالية:
أسگي على الثور وآكل من لحم راسه
الثور عيار وإله گرنين محتاسه
وإله رمامين كل وحده كبر طاسه
يا دابح الثور جربني لحم راسه
فلما سمع الثور ذلك غضب وتمطى وقطع الحبل وقصد الساقي فولى الساقي هارباً. وعلى هذا، يقول الناصري، كانوا يتجنبون غضب الثور ويتطلبون رضاه بكلمات يكررونها أثناء السقي منها : «دور يا الأحمر» و «دور يا الأبرگ» أو «دور يا أبو سنينة العودة» يقول ذلك وهو يمسح بيده على ناصية الثور وجسمه للتدليل، ومن الأهازيج المشهورة في تدليل الثور:
هذا الملا في ويل
دور يا الأبرگ دور
لول ملافع شيل
واليوم ملافع تور
وكذلك تعمدوا أن يكون للمنجور صوت فيه نظام الثور لحركات السقي ويطربه ويطرب الساقي ويسليه. والبعض يئول صوت المنجور إلى كلام حيث يتشابه أحيانا نغم الصوت مع كلمة معينه.
وقد كان لبعض الثيران شهرة كبيرة ضربت بهم الأمثال في القوة، وقد كانت تسمى الثيران بأسماء العيون أو بألقاب أخرى، ومن تلك الثيران المشهورة: «ثور السمبري» في جد حفص و«ثور هرته» نسبة لعين هرتة في الماحوز و»ثور أبو البراشيم» في السقية، وغيرها، وقد أصبحت هذه الأسماء مضرباً للأمثال.
وهكذا، نجد أن العامة في البحرين كانت تستخدم العديد من آلات الري التي تنوعت بحسب مساحة الأرض ونوعية البئر التي تسحب منها الماء، كما أنتجت مهنة السقاية أو العمل على هذه الآلات ثقافة وإرث شعبي، وكم كبير من الأهازيج، وهذا النوع من الإرث الشعبي لم يكن حصرياً على البحرين وباقي دول الخليج العربي بل يتعدى ذلك لباقي الدول العربية كمصر والسودان وفي أي ثقافة أخرى استخدمت فيها هذه الآلة، فهذا الإرث الثقافي الشعبي في البحرين والخليج العربي لم يأت من عدم بل هو امتداد للموال الشعبي، فتلك الأهازيج ما هي إلا ضروب مختلفة من الموال الذي يرجح أنه ظهر بصورة واضحة في القرن الثاني الهجري في مدينة واسط في العراق وتطور على يد العاملين بتلك المدينة وبالأخص المزارعين الذين كانوا يغنون به في رؤوس النخيل وعلى سقي المياه، وتطور حتى وصل لنا بصورته الحالية.
المراجع:
* ابن الأعرابي، كتاب البئر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1970م.
* ابن جنيدل، سعد بن عبدالله، معجم التراث، الكتاب الثالث، بيت السكن. دارة الملك عبدالعزيز، الرياض 1427 هـ.
* ابن منظور، لسان العرب. دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
* الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية، مجموعة مؤلفين؛ إشراف سعد العبد الله الصويان، دار الدائرة للنشر والتوثيق، الرياض 2000م.
* الجابري، مأمون (2002). المواويل الشعبية. مجلة التراث العربي- مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب- دمشق العدد 86-87 السنة الثانية والعشرون
* الزَّبيدي مرتضى، محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس، دار الهداية، الكويت.
* العبودي، محمد بن ناصر. معجم الأصول الفصيحة للألفاظ الدارجة أو ما فعلته القرون العربية في مهدها. مكتبة الملك عبد العزيز العامة، الرياض 2009.
* المقدسي، محمد بن أحمد البشاري: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان 1987م.
* الناصري، محمد علي: من تراث شعب البحرين، لم يذكر الناشر، المطبعة الشرقية – البحرين 1990م.
* اليعقوبي، أحمد بن واضح الكاتب: كتاب البلدان، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان 1988م.
* جمعية النخيل للفن والتراث الشعبي (الإمارات العربية)، تركيب اليازرة. مقابلة مع السيد راشد عبيد بن تون، موقع جمعية النخيل للتراث والفن الشعبي http://www.al-nakheel.ae/yazra.html. تمت زيارة الموقع وحفظ المقال بتاريخ 14/5/2008م. صفحة المقال غير موجودة حالياً
* صحيفة البيان الإماراتية، علي عبدالله حربوق يتذكر: عشنا في بيئة لم تبخل علينا بالأكل والشرب والعلاج والمسكن، تاريخ النشر: 04 أبريل 2002، النسخة الإليكترونية، على الرابط،
http://www.albayan.ae/five-senses/2002-04-04-1.1295050
تمت زيارة الموقع بتاريخ 26 إبريل 2017م.
* صحيفة الجريدة الكويتية (http://www.aljarida.com) عدد تاريخ 13/9/2007م، لقاء مع الشاعر الأبنودي، نشر في عدة أجزاء.
* وزارة الإعلام في سلطنة عمان. من فنون عُمان التقليدية، وزارة الإعلام، سلطنة عمان، 1990م.
* CAD، “The Assyrian Dictionary of the Oriental Institute of the University of Chicago”. On line edition:
http://oi.uchicago.edu/research/pubs/catalog/cad/
* Holes، C. (2006)، The Arabic dialects of Arabia، in Proceedings of the Seminar for Arabian Studies 36، 2006، 25-34
* Holes، C.، (2002). Non-Arabic Semitic elements in the Arabic dialects of eastern Arabia’، in Arnold W and Bobzin H (eds) “Sprich doch mit deinen Knechten aramäisch، wir verstehen es!” 60 Beiträge zur Semitistik. Festschrift für Otto Jastrow zum 60. Geburtstag، Harrassowitz، Wiesbaden، 2002، 269-280
الصور :
* الصور من الكاتب.
1 - من إعداد الكاتب.
2 – ابن جنيدل، سعد بن عبدالله، معجم التراث، الكتاب الثالث، بيت السكن. دارة الملك عبدالعزيز، الرياض 1427 هـ. صفحة 101
3 - التيمائي، محمد بن حمد السمير. بئر هداج. وزارة التربية والتعليم، وكالة الآثار والمتاحف، الرياض 2005م. صفحة 71.
4 – الحميري، جمعة خليفة أحمد بن ثالث. موسوعة الإمارات البرية: الجزء الأول. هيئة المعرفة والتنمية البشرية، دبي 2013م. صفحة 296.
5 – المؤسسة الوطنية للتصوير. بطاقة بريدية
6 – بشمي، إبراهيم. أيام زمان، مؤسسة الأيام للصحافة والنشر والتوزيع، البحرين، الطبعة الثانية، 2000م. صفحة 52.
7 - Fraenkel، P.L. Water Lifting Devices; FAO Irrigation and Drainage paper 43: Rome، Italy، 1986.
8 - Wheatcroft، A. Bahrain in Original Photographs، 1880–1961، London: Kegan Paul، 1988. P. 117