صورة المرأة في الحكايات الشعبيّة
العدد 40 - أدب شعبي
د. سليمة ناندا(1)
ترجمة الكاتب
انبثقت الحكايات الشعبيّة، التي يُشار إليها أيضاً بالحكايات الخرافية أو العجائبية، من مجموعة واسعة من الحكايات البسيطة التي تداولتها الشعوب منذ آلاف السنين، وكانت ذات صلة بمعتقداتهم، وطقوسهم، وقيمهم، وبتراث الشعوب الوثنيّة.
ومع تعاقب الزمن، خضعت الحكايات الشعبيّة إلى كثير من التغييرات الجوهرية، وأصبحت ذات طبيعة وروح قابلة للانتشار، كما وصفها الناقد الأدبي (الألماني) دونالد هيس.
وجد البعض في هذا الوصف ما يُشير إلى سردٍ محدّد من الخصائص التي سَهُل التعرّف عليها، لكن بالنسبة للبعض الآخر، فإنّ هذا المصطلح لا يتضمّن نوعاً محدّداً، بل مظلّة تحتمي بها مجموعة متنوّعة من الأنواع السردية الأخرى.
الحكايات الشعبيّة هي جزءٌ مهمٌ من أدب الأطفال، وكان لها دوماً التأثير الكبير على مجتمعنا، منذ أن نشرت (ماري-كاترين دونوا)(2) في عام 1697 مجموعتها الأولى من الحكايات الشعبيّة، وإلى وقتنا الحاضر.
تحتفي حكايات (دونوا) الشعبيّة بالجمال، الكرم، الشباب الدّائم، وحبّ الجنيّات الصّادق. وبطريقة ما، فأنّ حكاياتها الشعبيّة مثل: الثعبان الأخضر، المطر، كيوبيد والروح، دُشنت إعادة الخلق الحداثية للفولكلور الشفاهي، وأثارت الانتباه إلى أنّه على الرغم من وقوع أحداث حكاياتها الشعبيّة في بعض العوالم المجهولة، إلا أنّها كانت تلامس الأحداث الإجتماعيّة والسياسيّة التي عايشتها شخصياً.
منذ العام 1750 أُدرج مصطلح الحكاية الشعبيّة في قاموس اللغة الانجليزية، وانتشرت الحكايات الشعبيّة وتنامت أهميّتها، وأصبحت أكثر تعقيداً وتأثيراً.
في وقتنا الحاضر، ساهمت شركة (ديزني) في تسويق الحكايات الشعبيّة، من خلال سلسلة أفلامها الواسعة الانتشار عن الجنيات، كم تمّ توظيف شخصيّات الحكايات الشعبيّة في الأدب، والأوبرا، والأفلام، وبرامج التلفزيون، وعلى شبكات الانترنت.
إذا استعدنا حكايات الأخوين (غريم) لوجدنا دوراً بارزاً للمرأة، ولتذكرنا شخصيّات مثل: (بياض الثلج)، (ربانزل)، (ذات القبّعة الحمراء)، و(سندريلا)، مثلما نستذكرالعدد الذي لا يحصى من الساحرات وزوجات الآباء الشريرات. لذا من ناحية نجد المرأة الشريرة المتمثلة في الساحرة أو زوجة الأب، وعادة ما تموت في نهاية الحكاية. ومن ناحية أخرى، نجد المرأة البريئة، الجميلة، العفيفة، التي عادة ما تقع في حبّ الأمير الوسيم، الذي بدوره يتزوجها، وينقذها من البؤس والشقاء، وينقلها للعيش في القصر كأميرة تحظى بمحبّة الملك والملكة.
نلتقي في الحكايات الشعبيّة بمجموعة متنوّعة من الشخصيّات النسائيّة، فهناك الشخصيّة الشجاعة والبارعة مثل (غريتل)، التي تستخدم ذكاءها في القضاء على الساحرات الشريرات. وهناك الشخصيّة غير المطيعة في حكاية (طفل مريم)، التي تنكر بعناد أنّها فتحت الباب الثالث عشر المحظور، وتصرّ على عدم البوح بالسر، رغم فقدها لأطفالها الثلاثة، ولا تبوح بالسرّ إلا حين تُقيّد إلى عمود المحرقة لتواجه الموت الرهيب.
على الرغم من أنّ العديد من الشخصيّات النسائيّة في الحكايات الشعبيّة هي شخصيّات سلبية مثل (بياض الثلج)، إلا أنّنا نجد شخصيّات يتحدّين السلبيّة والصمت بقوة المجادلة، كما في حكايات: (بانزل)، (العريس المجرم)، و(شهرزاد). إنهنّ من نوع النساء اللواتي يسعين جاهدات لإعلاء أصواتهنّ، وتحقيق طموحاتهنّ الاجتماعية، رفضاً لكونهنّ مجرد مخلوقات تثير الرغبة، وأفضل مثال على ذلك نجده في حكاية (العريس المجرم) حيث تنقذ البطلة نفسها بفضح جرائم عريسها وعصابته عبر كشفها لسره أمام الجميع.
تدور أحداث حكاية (العريس المجرم) حول طحّان يتمنّى تزويج ابنته الجميلة من رجل محترم يرعاها. ويزوج ابنته رجلاً بدا عليه الثراء والغنى، إلا أنّه ظهر فيما بعد زعيماً لعصابة شريرة من اللصوص الذين يذبحون الفتيات. ومنذ بداية تعارفهما لم تستلطف الابنة الرجل، ولم تشعر حياله بأي ثقة. كان العريس يلحّ عليها زيارة منزله في الغابة، وذهبت رغم خوفها ووصلت إلى بيته فاكتشفت أنّ عريسها وعصابته يسممون شابّة، ويقطعون أصبعها لسرقة خاتم زواجها. وبعد أن ثملوا وناموا، أخذت ابنة الطحّان الإصبع المقطوع كدليل على جريمته وهربت من المنزل.
عند هذه النقطة من الحكاية نشهد قوة وتأثير السرد لدى المرأة في المجتمع البطريركي، فبدلاً من توجيه التهمة مباشرة إلى العريس المجرم، حكت ابنة الطحّان للجميع حلماً كشفت فيه سرّ العصابة.
تجسّد حكاية (العريس المجرم) أسلوب المجتمعات البطريركية في قهر وإذلال المرأة، وأسلوب المرأة في اللجوء إلى السرد للتغلّب على خضوعها، وذلك بسرد حكاية أشبه بالحلم لما حدث في يوم الزفاف، مما أتاحت الفرصة للضيوف في الكشف عن الحقيقة والقبض على العريس المجرم.
في حكاية (ربانزل) نلتقي بفتاة وحيدة، سجينة في برج لا يصل إليه أحد، لكن في نهاية الحكاية، بعد أن قصّت الساحرة شعرها الطويل، استطاعت من خلال صوتها وغنائها أن تكشف الطريق المؤدي إلى حرّيتها. في كلا المثالين كان صوت المرأة العالي هو سلاحها لمقاومة التحديات.
يشير خطاب المرأة في جوّانية وبرّانية الحكاية الشعبيّة إلى مأزق النساء اللائي يعانين ظلم السلطة المهيمنة، ورغبتهن في الإفصاح عن ذلك.
تركّز الناقدة (كوني روز بورتر) في رؤيتها للحكاية، على عملية انجذاب الأمير إلى (ربانزل)، وهي تشير إلى أنّ صوت (ربانزل) هو الذي أحضر الأمير إليها، مثلما انجذب إلى جمال روحها، التي جعلته مبتهجاً وعاقداً العزم على صعود البرج ليلتقي بها.
قاومت (ربانزل) عزلتها بالاستمرار في غنائها، الذي كان يصدح بعذوبة في الغابة، على الرغم من تمكّن الساحرة من فصلها عن حبيبها، ومنعها اللقاء به. ومن خلال صوتها الصادح استطاع الأمير الوصول إليها لينقذها من الساحرة. لقد ربطت (بورتر) عمليّة الوصول إلى المستقبل الجميل بقدرة الصوت الداخلي للمرأة، واكتشافها أنّ في صوتها القوة لجعل الأمور تسير بشكل أفضل.
عادة ما كان يتمّ تصوير المرأة الطموحة في الحكايات الشعبيّة على أنها شريرة، قبيحة، ماكرة، وتحيك المؤمرات ضد الآخرين، على سبيل المثال: زوجة الأب في (بياض الثلج)، وزوجة الأب الشريرة في (سندريلا)، وزوجة الأب في حكاية (هانسل وغريتل) التي تخلّت عن الطفلين في الغابة.
زوجات الآباء في الحكايات الشعبيّة يحملن سمات سلبيّة ومثيرة للاشمئزاز مثل: الغرور، الغيرة، والغطرسة، إلى جانب إلمامهنّ بأمور السحر والشعوذة.
يمكن أن نتخيّل الساحرة تعيش في مكانٍ ناءٍ، أو في غرفة مظلمة في إحدى القلاع، وهي تعدّ مزيجاً من السموم الخطرة. إلا أنّه على الرغم من إلمامها بالخوارق إلا أنّ جمالها يذوي في النهاية.
تجسّد الحكايات الشعبيّة الطرق التي حاولت فيها المجتمعات إسكات وإخضاع المرأة بجعلها كائناً سلبياً. معظم الحكايات تعزّز فكرة أنّ المرأة يجب أن تكون زوجة أو أما، خاضعة ومضحية بالنفس. المرأة الصالحة في القصص هي المرأة الصامتة، السلبيّة، دون أي طموح يذكر، وهي جميلة وتواقة إلى الزواج.
في حكاية (بياض الثلج) يتأكد الأقزام السبعة من أنّ بياض الثلج على دراية بطهو وغسل وتكنيس المنزل، ويفرضون عليها شرط البقاء معهم بعدم الخروج من المنزل، أو التحدّث مع أيّ غريب. كانت بياض الثلج بريئة جداً، ومحرومة من تطوير ذاتها المستقلة، فليس بوسعها مواجهة خطط زوجة أبيها الشريرة، بل تفر منها خوفاً على حياتها، لذا فهي الصورة الأبرز للبراءة، وللجمال الفاضل، والشباب.
الصيّاد في الغابة ينقذها من الموت بعدم قتلها، ويطلب منها الاختباء في الغابة، والأقزام السبعة ينقذونها من الموت، ويفرضون عليها شروطاً نظير العيش معهم، وهي تفي بجميع الواجبات كأيّة ربّة بيت جيّدة، لكن سذاجتها وفضولها أجبرتها على فتح الباب والسماح للساحرة الشريرة بالدخول، على الرغم من تحذير الأقزام الحكماء.
إلى جانب (بياض الثلج) هناك العديد من الأمثلة الأخرى مثل (سندريلا) التي تفي بدقة الواجبات الأنثوية في جميع أنحاء المنزل، وعلى الرغم من تعرضها لسوء المعاملة من زوجة أبيها وأخواتها غير الشقيقات، فهي لا تختار الوقوف ضدّهنّ، بل على العكس، تتحمّل الأمر إلى أن ينقذها الأمير. إن (سندريلا) تملك كلّ الصفات التي يمكن أن تثير انتباه الأمراء، فهي ربّة بيت صالحة وتتحمّل كلّ شيء بصمت.
تتضمّن هذه الحكايات تحذيراً للفتيات الصغيرات عمّا يمكن أن يصيبهنّ إذا اخترن الظهور بسمات غير أنثوية. على سبيل المثال، غناء الفتاة في (ربانزل) هو الذي جذب انتباه الأمير، وبالتالي تتالت المشاكل نتيجة ذلك. ومثال آخر الفتاة البريئة في حكاية (ذات القبّعة الحمراء) التي تقع ضحيّة للذئب الشرير في اللحظة التي تغادر فيها منزلها. انها واثقة، جريئة، تمشي في الغابة وحيدة لتصل إلى بيت جدتها. ونظراً لقلة خبرتها في الحياة، فهي لا تعرف تماماً الشرّ الكامن في الذئب.
المواقف السلبيّة للمرأة هي السمة الأساسية في الحكايات الشعبيّة، وعادة لا تستطيع المرأة إنقاذ نفسها من الخطر أو التخلص من مشاكلها، دون مساعدة من الرجل الذي يتولى إنقاذها.
الفتاة في حكاية (الجمال النائم) أو (وردة الشوك) دخلت في سبات دام مائة عام، ولم تعد إلى الحياة إلا بعد أن قبلها الأمير الوسيم. وتُفلتُ (سندريلا) من وضعها المأساوي بمساعدة الأمير، وهكذا الأمر مع (ميلندا حوريّة البحر) التي لا تتمكّن من السباحة دون مساعدة الفتى (سبدوين).
غالباً ما توصف الفتيات في الحكايات الشعبيّة بأنهنّ جميلات، حسناوات، وأكثر بياضاً من النساء الأكبر سناً. فالحكايات الشعبيّة تبجّل عالياً الجمال، خاصة إذا اقترن بالذكاء، القوّة، اللطف، والأخلاق، وهذا ما يمكن ملاحظته في حكايات الأخوين (غريم)، ففي حكاية (القرنفلة) توصف الفتاة العذراء (بأنها رائعة الجمال ليس بمقدور أيّ رسام أن يبدع أجمل منها). في حكاية (راعية الأوز) توصف جمال الفتاة الباهر بأن كلّ العالم ينظر إليها على أنها معجزة.
عادة ما تكون هناك صلة واضحة بين الجمال والخير، وبين القبح والشر، وأفضل مثال حكاية (الندّافة) حيث الفتاة الجميلة الفاضلة يتزوجها أمير قوي وثري، بينما أختها غير الشقيقة القبيحة تموت بسبب أفعالها الشريرة.
مثال آخر هو (سندريلا) التي هي نموذج الفضيلة عند الجميع، فهذه الصفات هي التي جذبت الأمير إليها. وتوصف (بياض الثلج) على أنّها شديدة البياض، وعيناها بلون السماء، وشعرها الذهبي كقرص الشمس.
جمال الفتاة الباهر هو دائماً ما يدفع الأمير العاشق لطلب يدها للزواج والعيش معها في قصر أبيه الملك.
في حكاية (الجمال النائم) تنعم ابنة الملك بالجمال، اللطف، الصوت العذب، الصحة، النعمة، وصفات أنثوية أخرى تجعل الأمير الوسيم في حالة من الذهول، لأنه لم يرَ في حياته مثيلاً لهذا الجمال.
الخير والجمال يرتبطان أيضاً بالكدح، وهناك دائماً مكافأة على المدى البعيد، وأفضل مثال على ذلك (سندريلا) التي تزوجت في النهاية من الأمير الوسيم، على الرغم من كلّ المحن والمخاطر التي واجهتها.
الجمال الأنثوي هو محرّك الحكايات، وهو ما أعطى العديد منها هذه الشعبيّة الكبيرة في التداول بين الشعوب وإعادة الانتاج مثل (سندريلا) و (بياض الثلج).
ورغم أنّ الجمال يكافيء عادة في النهاية إلا أنّه في نفس الوقت يمثّل مصدراً للخطر، ففي حكاية (الفراء المبرقش) توصف الأميرة في الحكاية على أنّ جمالها لا مثيل له في الدنيا كلها، لكنّها تُجبر على الفرار من القصر بعد أن يقع والدها في حبّها ويبلغ مستشاريه برغبته في الزواج من ابنته.
في أحيان كثيرة، يرتبط الجمال بالغيرة بين الشخصيّات النسائيّة، وهذا ما وجدناه في (بياض الثلج) حيث الأفعال الإجراميّة التي تقوم بها زوجة الأب الشريرة تذكر القراء بتشبّث بعض النساء في الحفاظ على جمالهنّ. في (سندريلا) تتواصل الغيرة بين (سندريلا) وأخواتها غير الشقيقات إلى الحد الذي تتعرّض فيه إلى حالة يرثى لها من المآسى.
وهكذا، فالحكايات الشعبيّة لها دور مهمّ في أدب الأطفال، ولها تأثير دائم على مجتمعنا. الحكايات الشعبيّة أعيد روايتها عبر أجيال كثيرة، وتحوّلت في هذه الأيام إلى أفلام سينمائية ضخمة لن يشاهدها الأطفال فحسب، بل الكبار من جميع الأعمار.
الحكايات الشعبيّة هي أفضل وسيلة للتعرف على التغيرات الذي حدثت في القيم المجتمعية، وكيف تطوّرت وتحوّلت لتعكس المجتمع الحالي وقيمه في يومنا الحاضر. ان دور المرأة قد تغيّر بالفعل في ثقافة اليوم، فأفلام (ديزني) المستوحاة من الحكايات الشعبيّة مثل (حوريّة البحر الصغيرة) و(الجميلة والوحش) تصوّر الإناث في أشكال مختلفة أكثر إيجابية. إنهنّ يملكن المزيد من الحرية والمزيد من الخيارات لتغيير حياتهنّ وهنّ يسعين لتحقيق أحلامهنّ الواضحة.
وهكذا أنتجت (ديزني) مؤخراً أفلاماً مثل (مولان) حيث نرى البطلة الأنثى وهي تتحدى التمييز المفروض عليها في بلدها الصين، حيث لا تسمح العادات بالتحاق المرأة بالجيش والقتال إلى جانب الرجل. (مولان) حققت ذلك، واستطاعت في النهاية أن تحظى بالإعجاب على إنجازها، حتى أنّ جدها أشاد بشجاعتها، وأعرب عن فخره لعصيانها. مثل هذا التغيّر الجذري في بنية الحكايات الشعبيّة يؤكد على أنّ الثقافة يمكن أن تتغيّر نحو الأفضل، وبالتالي على المجتمع أن يبذل المزيد من الجهد لقبول التغيير في الأعمال الفنية الحديثة، لطرح النظرة البديلة لصورة المرأة في الحكايات الشعبيّة.
الهوامش
1. الدكتورة سليمة ناندا: شاعرة وباحثة أكاديمية من الهند، تعمل مديرة للقسم الدولي في جامعة أنديرا غاندي الوطنية المفتوحة. نشرت المقالة باللغة الانجليزية في المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية والابداعات الانسانية، العدد الرابع 2014.
2. (ماري-كاترين دونوا) Marie-Catherine d’Aulnoy كاتبة فرنسية (1650-1705) ساهمت إلى جانب الشاعر شارل بيّرو في إرساء قواعد أدب الأطفال وبخاصة ما يسمى بحكايات الجنيّات، جمعت العديد من الحكايات الخرافية والعجائبية والتاريخية فكانت من الممهدين لكتابة الحكايات الشعبية.
الصور
* من المترجم