فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الجمل

العدد 40 - لوحة الغلاف
الجمل
كاتب من تونس

 

الجمل والناقة من أقرب الأنعام إلى العربي خصوصا في مرحلة حياته البدوية. في تلك المرحلة كان العرب يوغلون في الصحراء يتخذونها موئلهم. يقول ابن خلدون «وأما من كان معاشهم في الإبل فهم أكثر ظغناً وأبعد في القفر مجالاً لأن مسارح التلول ونباتها وشجرها لا يستغني بها الإبل في قوام حياتها عن مراعي الشجر بالقفر وورود مياهه الملحة والتقلب فصل الشتاء في نواحيه فراراً من أذى البرد إلى دفء هوائه وطلباً لماخض النتاج في رماله إذ الإبل أصعب الحيوان فصالاً» وكانت الإبل قوام حياتهم. يتخذونها في تنقلهم ويستفيدون من وبرها فيما يتخذون من بيوت لكنِّهم. ويتغذون على ألبانها ولحومها. ولقد قضت طبيعة البادية الصحراوية ونمط العيش الذي اتخذه العربي فيها أن تكون الإبل أقرب إليه من غيرها من الدواب. فلها قدرة على تحمل عنت الصحراء وحرارة شمسها وتحمل قلة مواردها المائية كما لا يستطيع أي كائن آخر أن يتحمله. فهو قادر على تحمل العطش أياما دون أن تخور قواه. أما الناقة ففي وسعها أن تدر اللبن مع ضمئها الشديد فتحمي صغارها من الهلاك ولا تقدر غيرها على ذلك. ويمكن للجمل أن يشفي ضمأه من الماء المالح أوالمستنقع أو ماء البحر دون أن يخشى ضررا. وذلك لما حبا الله به كليتيه من قدرة على نفي الضار من المياه. والجمل وفيّ لصاحبه. حريص على سلامته حتى شاع في الموروث الشعبي ان الضرر لايكاد يحصل لمن يقع من فوق جمله لأنه يدعو له بالسلامة! لكن الجمل معروف أيضا بحقده الشديد على من يسيء إليه. و يثأر لنفسه ولو بعد سنوات. وللجمل قدرة عجيبة على تحمل مشاق السفر يحمل صاحبه ومتاعه في صبر شديد. واشتهرت بعض أصناف النوق بكرم أصلها وقدرتها على السباق. فتغالت أثمانها وتسابق أثرياء الناس في شرائها والتنافس فيها والتباهي بها.

ولقد حفلت الحكايات الشعبية القديمة بذكر طويل لسلالات معينة من الإبل لا تتوفر إلا عند كبار القوم من ملوك أو من يضاهيهم . ولقد كنا نقرأ في شيء من الانبهار كيف كان عنترة ابن شداد يواجه مطالب عمه وهو يشترط عليه عددا كبيرا من النوق العصافير حتى يوافق على زواجه من ابنته عبلة. ولم يكن يدور في خلدنا أن كلمة «العصافير» هي صفة تتعلق بلون معين لكرام الابل وإن كنا ندرك أن مالك بن شداد قد غالى في مهر ابنته مغالاة شديدة أرهقت الفارس. فهذا النوع منها لا يحصل عليه المرء إلا بعد مكابدة الأهوال وبذل الغالي والنفيس.

إن تطور الحياة لم تحجب عن الجمل قيمته باعتباره من أكثر الحيوانات قربا من الانسان العربي وأعمقها رمزية بالنسبة إليه.

 

أعداد المجلة