مارسيل أولبرنـت الرحيل المفاجىء .. بصمت وهدوء
العدد 39 - أصداء
استرعى انتباهي للمرة الأولى وقوفه جانباً من قاعة اجتماع الجمعية العمومية للمنظمة الدولية للفن الشعبي بمدينة براغ التشيكية عام 2014، وهو يجادل بهدوء وحماس وبمنطق قوي ليؤكد أهمية أن يتم التغيير في مجريات العمل الإداري بالمنظمة، وأن يكون لهذه المنظمة شأن آخر غير ما هي عليه الآن. ومباشرة من بعد الجلسة ذهبت للتعرف إليه مشيداً بما ذهب إليه في جداله مع الإدارة القديمة، وقد لامني على تأجيل قبولي رئاسة المنظمة وقتها إلى دورة أخرى قادمة. هكذا بدأت معرفتي بالصديق البلجيكي الراحل مارسيل أولبرنت الذي تولى الأمانة العامة في دورة تالية للمنظمة، وبسرعة تطورت هذه المعرفة لانغماسنا معاً في هموم مشتركة لتطوير أعمال المنظمة وتصور الاحتياجات البشريّة والآليّات الإداريّة والماليّة اللاّّزمة لذلك. كان رجلاً عملياً.. كثير الأحلام مولعاًً بالتخطيط لتنفيذها، إذ لم يترك لقاءً عائليّا خاصاً بيننا إلا وحوّله إلى اجتماع للتباحث والتشاور.
تبادلنا زيارات عديدة، وتعرف كلّ منّا على عائلة الآخر والأصدقاء المقربين، ومن هنا تكوّن الفريق الذي عمل على وضع مخطط "حان وقت التغيير" الذي هندسه مارسيل ورتّب اجتماعاته في أمستردام بهولندا وأندورف في النمسا بعد أن وضعت وإيّاه خطوطه الأولى في بروكسل ببلجيكا. ومنذ البداية حدّد هو الدّور الذي سيقوم به في تنفيذ خطة التغيير، وهو الدّور الأكثر مشقّّةً وإشغالاً للوقت، وهو دور الأمين العام.
للتحضير لاجتماع الجمعيّة العموميّة في برغامو بإيطاليا منتصف أكتوبر 2016 حشد مارسيل كل إمكانيّاته الفكريّة لوضع نص خطة العمل التي ستعرض على الحضور، وأجرى اتصالات دوليّة مع جهات عديدة تمهيداً لإنجاح الاجتماع، وكان كسب أصوات دول الاتحاد الأوروبي نتيجة لاتصالاته وجهوده التي شرّقت وغرّبت لنيل ثقة الجمعية العمومية.
بدا لي مارسيل على منصّة إدارة الجلسات في برغامو مهموماً قلقاً ومتوتراً وإن كان صامتاً طيلة الوقت، وبين الفينة والأخرى كنتُ أمرّر إليه ورقة مكتومة بها مُزحة، فكان ينظر إليّ عن بعد ولا يبتسم إلى أن كففتُ عن ذلك. وعندما تحقّق النّجاح الذي يرجوه للخطّة ونالت الإدارة المقترحة ثقة الجمعيّة العموميّة بأغلبيّة ساحقة عانقني هامساً: أحسد هدوءك في مثل هذه المواقف النارية.
اشتغل مارسيل باجتهاد غير عادي كأمين عام للمنظمة الدولية للفن الشعبي، وكان مهموماً بتوفير مصادر ماليّة سريعاً . . متفائلاً بوجود عبدالله صالح الرّئيسي مسؤولاً عن الإيرادات الماليّة معجباً بالأسلوب الحازم الذي أدار به الرّئيسي انتخابات الجمعيّة العموميّة الأخير. وفي أول اجتماع مباشر للمجلس التنفيذي في المنامة خلال مارس 2017 وقد بدأنا الخطوات الأولى لتنفيذ الخطة كان فرحاً بالنّتائج معجباً بما تمّ ترتيبه لافتتاح المكتب الرئاسي بالمنامة.
خلال مشوار العمل القصير مع هذا الرجل كان خلافنا الوحيد هو أنّه عجول كالرّاكض للحاق بشيء قد يفوت الإمساك به، وكنت أطلب منه دائماً التأني وتخفيف السّرعة فلا داعي للرّكض في كلّ الأمور، وكان يجيبني باستمرار بأن لا وقت كافٍ لدينا.
عقدنا بحضور مارسيل عدة اجتماعات للمجلس التنفيذي، كانت الترتيبات لعقدها متقنة ومحاضر الاجتماعات تنجز بوقتها. كان رحيله مفاجئا بالنسبة لنا جميعا وكارثيا بالنسبة للعمل في المنظمة، فليس من السهل إيجاد أمين عام بمواصفاته الإدارية والإنسانية.
في تشييعه لمثواه الأخير، تقاطر أهالي بلدته لوكرين لوداعه، وكنت مع الأصدقاء فبريزيو (إيطاليا)، هنك وجيرت (هولندا) وأفراد العائلة يسير كلّ منّا صامتاً، وشعرتُ بأن في قلوبنا جميعاً غصّة، فقد كان فقد مارسيل، وما يزال، خسارة كبرى نحاول تعويضها قدر الإمكان بالثقة في الكفاءات الجديدة لدى أعضاء المنظمة ممن لم نتعرف عليهم عن قرب بعد، وما يزال الطريق مفتوحاً ..
رحم الله مارسيل كان رجلاً شجاعاً.. ذا خبرة وعلى خلق .