دراسات حول فولكلور القبائل السودانـية وأمثالها الشعبية
العدد 39 - جديد النشر
كنا قد عرضنا في العدد رقم 15 من المجلة ملفًا بعنوان "إطلالة على فولكلور السودان"، ضمن مجموعة ملفات جديد النشر لبعض الدول العربية، وقدمنا للقارئ أربعة دراسات متنوعة حول فولكلور السودان هي: "الحامداب: التصوف والتراث الدينى"- " الفولكلور والحياة الشعبية في منطقة أمري"- "الإبل البئر في كردفان"- "الفولكلور في المسرح السوداني". وفي هذا العدد نقدم مجموعة جديدة من الدراسات اهتمت بفولكلور القبائل السودانيةبدأناها بكتابين حول "قبيلة البطاحين"،حيث نطلع على العديد من الروايات الشفهية التي تم جمعها من شيوخ القبائل، فضلاً عما ورد حول تراث القبيلة في المخطوطات، كم سنتعرف على عشرات النصوص الشعرية التي تمثل معظم أوجه الحياة التى يعيشونها. ونتعرف في كتاب ثالث على روايات مهمة حول عادات قبيلة أخرى في نسيج المجتمع السوداني وهي "قبيلة الحمران". أما الكتاب الرابع والذي حمل عنوان "حكمة من النيل" فيضم أكثر من مائة قصة شعبية سودانيةجُمعت من القبائل النيلية التي تسكن شمال السودان. كما آثرنا أن نقدم عملاً يعكس طبيعة المجتمع السوداني مقارنة بالمجتمعات العربية فاخترنا" معجم الأمثال السودانية المقارنة" الذي يحوي آلاف الأمثال الشعبية السودانية والعربية، وقد أشرنا إلى أن هذه المادة الضخمة قد تكون نواة لقاعدة بيانات كبرى حول الأمثال الشعبية العربية. ونختم العدد بعرض لمجلتين متخصصتين في الفولكلور والثقافة السودانية، الأولى هي مجلة "وازا"، والثانية هي مجلة "الثقافة السودانية".
كتابان حول قبيلة سودانية
صدر خلال عام 2016 كتابين حول موضوع واحد هو فولكلور "قبيلة البطاحين" السودانية، وهو ما جعلنا نهتم بعرضهما، إذ يمثلان من الناحية المنهجية درسًا مهمًا في التاريخ الشفاهي للجماعات حسب مصطلحات اليونسكو، والكتاب الأول من إعداد الطيب محمد الطيب (1934-2007)، وهو من رواد التراث الشعبي السوداني-حمل عنوان "التراث الشعبي لقبيلة البطاحين"، والذي تشير صفحة العنوان إلى أنه أعد مادته العلمية عام 1970، وقد صدر الكتاب عن هيئة الخرطوم للصحافة والنشر، وفي إطار التعاون بين الهيئة ومعهد الدراسات الإفريقية والأسيوية- شعبة أبحاث السودان. ضمن سلسلة كتاب الخرطوم رقم 99. ويقع الكتاب في 366 صفحة من القطع المتوسط. والكتاب الثاني لميرغني ديشاب- وهو باحث في علم اللسانيات والموروث الشعري الشعبي- بعنوان "البطاحين: تاريخهم- شعرهم- شعراؤهم" صدر عن مطبعة السودان للعملة المحدودة، ويقع في 185 صفحة من الحجم المتوسط.
التراث الشعبي لقبيلة البطاحين
الكتاب كما اشرنا للطيب محمد الطيب، ويشير يوسف فضل في تصديره للكتاب إلى أن شعبة أبحاث السودان قد كلفت المؤلف عام 1970، والذي كان باحثًا بالشعبة حينئذ- للقيام بمهمة جمع وإعداد للأدب الشعبي لقبيلة البطاحين، وقد اعتمد الطيب في إعداد الكتاب على عدة روايات شفهية فضلًا عن المخطوطات التي تحصل عليها من بعض شيوخ القبيلة، والتي تحكي الكثير عن تاريخ وأدب القبيلة. والبطاحين من القبائل النادرة التي جمعت بين ظاهرتين اجتماعيتين على طرفي نقيض هما: الظاهرة الدينية المتمثلة في كثرة الأولياء والصالحين عندهم، والظاهرة البدوية المتمثلة في حبهم وممارستهم لحياة الصعلكة (الهمبتة). وقد شرع المؤلف في شرح تجربته الميدانية في جمع المادة الشعبية من شيوخ وأهالي القبيلة وأعلامها، ثم عكف على تفريغ المادة الصوتية وتدوينها في كراسات. وقد عثر على عدة مخطوطات مهمة حول البطاحين، منها وثيقتان بأبو ديلق ومخطوطتان بود ساقرتة ومخطوطة واحدة في سنار.
وقد انشطر البطاحين في وقت مبكر من أبناء عمومتهم الجعليين بسبب تكاثر مواشيهم التي لا يسعها مرعى النيل، وأقاموا حول شرقي همبات الحالية مدة من الزمن، ثم أخذوا في البعد عن النيل طلبًا للكلأ إلى أن وصلوا أماكنهم الحالية. وتقوم حياة البطاحين على البداوة وهي الترحال بالماشية طلبًا للماء والكلأ، لهذا كانت حياتهم غير مستقرة ردحًا من الزمن، وقد جنحو منذ عقود للاستقرار النسبي وأصبحوا يحفرون الحفائر والآبار والأعداد وهي اللبنة الأولى للاستقرار، ثم أصبحوا يبنون المنازل (المربعة) وهي بيوت الجماعات المستقرة. كذلك اشتهر البطاحين بتربية الضأن الأبرق (ضأن أبو دليق) وهو من أجود أصناف الضأن، هذا بجانب تربيتهم للجمال والبقر والماعز..إلخ. وبرغم استقرارهم فإنهم يضربون أحيانًا خلف الماشية إلى أماكن بعيدة تصل إلى مشارف أرتريا وجهات الدندر والرهد وأرض الجزيرة المروية ونهر عطبرة، وربما عبروه لجهات القاش وبلاد البجا، ولذلك فإن علاقتهم تمتد من القضارف إلى الدامر إلى الخرطوم بسبب الماشية وتسويقها وتنميتها.
وتنقسم مادة الكتاب إلى قسمين رئيسيين: النثر والشعر من خلال أربعة أبواب يتصدرها فصل عن حياة ونسب البطاحين. يتحدث الفصل الأول عن الأولياء الصالحين من الذين طبقت شهرتهم معظم أنحاء السودان، بل فيهم من ذاع صيته خارج السودان مثل الشيخ"فرح ود تكتوك". ومن مشاهيرهم أيضًا الشيخ "نعيم الأجواد" والشيخ "طه البيض" أستاذ الشيخ "إبراهيم الكباشي" الصالح المعروف وغيرهم من الرجال، وقد تناول كل واحد من هؤلاء في حديث موجز، وافرد في الحديث عن الشيخ فرح وعن الشيخ عبد الباقي، إذ لاحظ أن الرواة الذين قابلهم قد وقفوا عندالشيخ عبد الباقي كثيرًا بحسبانه نموذجًا تجسدت فيه تطلعاتهم زمانًا طويلًا. وفي الفصل الثاني من الباب الأول أورد الطيب نماذج من شعر هؤلاء الصالحين خصوصًا مطولة الشيخ فرح وبعض قصائد من المديح النبوي والمعرفي، ونموذجًا من صلاة الشيخ عبد الباقي. وفي الباب الثاني يقول المؤلف أن الذي يستمع لرواة البطاحين يحسبهم لا يعرفون شيئًا غير سير الحرب، وأنه تحدث بشكل مختصر جدًا عن الحروب التي خاضها البطاحين،والمعارك الكبيرة التي كان معظمها مع الشكرية والكواهلة، خصوصًا فرع الكواهلة (المرغوماب). كذلك تحدث عن مواقف الأفراد الأبطال الذين كانوا يسعرون هذه الحروب، ومزايا هؤلاء الرجال، واختتم الباب بمعارك البطاحين مع المهدية في آخر عهد خليفة المهدي. وفي الباب الثالث تكلم عن (المَهَاجِرة) وهم صعاليك الإبل ويعرفون أيضًا باسم (الهَنْباتة)، ويعتبر البطاحين مدرسة قائمة بذاتها في فن(المَهْجَر)، وأغلب أعلام هذه الصعلكة خصوصًا في الأقاليم الواقعة شرقي النيل من البطاحين أو يمتون لهم بصلة. وقد ذكر المؤلف ملامح عن حياة أولئك الرجال، ثم تحدث عن الصعاليك وأشعارهم، وظاهرة تفشي (المَهْجَر) في بيئة البطاحين التى يكثر فيها الأولياء والصالحون الأمر الذي يدعو للتأمل!. والملاحظ أن الذين يمارسون (المَهْجَر) وقطع الطريق لا يفرطون في أداء الصلاة بصفة خاصة وسائر الشعائر الدينية الأخرى!.
أما الباب الرابع - والذى يعتبر أكبر أبواب الكتاب- فقد جمع فيه المؤلف معظم أشعار البطاحين الذين يشهد عليهم مجتمعهم بالجودة والفحولة والتعبير الدقيق عن حياتهم. ويعتبر المؤلف هذه المجموعة الشعرية تمثل معظم أوجه الحياة التى يعيشونها. حيث تحدث شعرهم عن الفخر، الهجاء، المدح، الرثاء، الغزل، الحكم، ووصل الطبيعة، وهذا الضرب الأخير أمر نبغ فيه البطاحين بشهادة الكثيرين. ومن أحدث أشعارهم نظمهم خلال العشر سنوات المنصرمة الذي قالوه في وصف أرض البطانة وإنشاء مدينة (حلفا الجديدة)، وهو قاموس رصدوا فيه كل حركة صحبت إنشاء المدينة والمشروع الزراعي. والذي يلفت النظر كذلك أنهم من خلال هذا الشعر مدحوا الشكرية مدحًا عظيمًا, وتحدثوا عن تاريخهم الغابر حديث العليم الخبير. ومن الرجال الذين جمع قدرًا من أشعارهم، الفنجري طه الشلهمة، عثمان جماع، الشيخ عبد العزيز وآخرون.. ونسجل هنا نموذج من هذه الأشعار، التي صدرها المؤلف بقصيدة للفنجري نظمها في أخيه عمر الذي شُنق عام 1946 إثر الحكم عليه بالإعدام في صدام قبلي سقط فيه من الجانب الآخر قتيل واتهم به عمر:
نحن جدودنا فرسانًا بصادموا الخيل
ونحن دروبًا للكايسين مشيهن هيل
معلوم فوق شوارع الحطة ما بنميل
مجبورين على الدًّبًر أب وِعًاية نَشِيل.
وقد حرص المؤلف على شرح بعض الكلمات المستغلقة.. ففي الأبيات السابقة شروحات للكلمات: الكايسين: الكايس المتقفي، وتُستعمل لمن يطلب ثأرًا- هيل: من الهيل وهو المكان الذي لا تصله إلا بمشقة فهو الوحل- الدًّبًر: قروح في ظهر الدابة مفردها دبرة وتجمع على دبر ودبور- وِعًاية: الوعاء هنا بمعنى الصديد. كما أورد المؤلف بعض النماذج من الشعر النسائي لقبيلة البطاحين، وهي نماذج جلها من الشعر الحماسي. وقد عُرف نساء القبيلة ببراعتهن في نظم الشعر الحماسي والفروسي فضلاً عن شعر المناحة بصفة خاصة والمراثي بصفة عامة، وأغلب هذه الأشعار تغنى بلحن وتوقيع خاص لحن وتوقيع الدلوكة، وهي من الموروث القديم عدا قصيدة واحدة (الباقي ضو) وهي حديثة نسبيًا ولكنها تجري مجرى الشعر الموروث ولا تختلف عنه كثيرًا.. قالت الشاعرة:
قول البنويا مفهوم
حرنات اللزوم
خٍلقا العُمير ما بٍدوم
ولا بعرف الجري
ويشرح المؤلف المقصود بكلمة "حرنات" وهي من حزن إذا شبت للقتال. والكتاب يعد وثيقة مهمة لحياة هذه القبيلة وبنائها الثقافي والجتماعي والفولكلوري.
تاريخ البطاحين وأشعارهم
أما الكتاب الثاني حول الموضوع نفسه-والذي أشرنا لبياناته في المقدمة- فهو كتاب "البطاحين: تاريخهم- شعرهم- شعراؤهم" لميرغني ديشاب الذي أهدى كتابه لأهل قبيلة البطاحين بكلمات تحمل الكثير من الدلالات: إلى شباب البطاحين، ورجالهم وشيوخهم.. عسى أن نبدأ معًا دراسة أنفسنا والآخرين، لنمحو المسافات ونتقارب ونتعارف، الأوراق ما زالت بيضاء، وفي الأيدي أقلام، وفي الأفق ضياء وهجُه لابد أن يكون منا جميعًا.. وقد تكون تجربة عرض كتابين لموضوع واحد مفيدة في التعرف على وجهات نظر متعددة من ناحية، والوقوف على ملامح التغير على بعض الممارسات من ناحية أخرى.. إذ أن إهداء المؤلف يلمح إلى أن هناك الكثير الذي لم يسجل بعد حول هذه القبيلة. كما أشار المؤلف إلى أن كتاب الراحل الطيب محمد الطيب قد ركز على التراث الشعري وأهل الدين ولم يرصد التراث الشعبي رصدًا شاملاً.
ويحتوي الكتاب خمسة فصول بدأها بموضوع "شعر أرض البطانة"،ويُعرف البطانة بأنها أرض الشرقية في شرق السودان، بحدودها التي تمتد إلى ما يسمى الآن ولاية الجزيرة جنوبًا، والمشارف الجنوبية لولاية نهر النيل شمالاً، وشرقًا نهر أتبرا، ومجرى النيل الزرق غربًا. وهي سهل واسع يسكنها من القبائل العربية: الشكرية- وهي أكبرها- والبطاحين والكواهلة واللوحيون والدليقاب والخوالدة والأحامدة والبوادرة وبعض جيوب الجعليين والمسلمية، إضافة إلى الفادنية والركابية. وشرح المؤلف المفردات المرتبطة بالمنطقة وبعض المصطلحات كمصطلح "دوبيت"، والشعراء المعروفين بها كخليل فرح وعمر البنا وحسان الحرك وأبو دقينة ود قلبوس والحاردلو وعلي ود الحلال وعلي ود حمد ود كريز..إلخ، مشيرًا إلى أهمية تصنيف الشعراء في مدارس شعرية في امتداهم الزمني. ومؤكدًا على أن وزن الطويل هو أكثر أوزان الشعر استخدامًا في أرض البطانة. ويختلف المؤلف مع سابقيه من الباحثين في بعض الآراء والأفكار المرتبطة بشعر البطاحين ووظيفته، ومنها نشأة الشعر في أرض البطانة الشرقية، فضلاً عن القراءات التي ذهبت إلى أن هنالك مدارس شعرية، والفرق الجوهري بين مصطلحي "دوبيت" و"الشعر القومي". ويقول ديشاب أن «تاريخ البطاحين»يتداخل مع القبائل الأخرى في أرض البطانة الشرقية وهو تاريخ حروب في أغلبه، إضافة إلى أنه لم يُدرَس دراسة شاملة وإن كنا نجد إشارات هنا وهناك كما عند الراحل الطيب محمد الطيب ونعوم شقير وكتاب الطبقات، وقد حاول أن يلم بهذا التاريخ في بعض المدوّنات. فرصد بعض الوقائع والحروب التي خاضها البطاحين والتي اختلف تناولها من مؤرخ لآخر، كواقعة المندرة بين البطاحين والشكرية عام 1711 وما حولها من شعر، وواقعة ريرة التي تحالف فيها الشكريةمع البجا للإغارة على البطاحين عام 1744، وواقعة الدرو بين البطاحين والكواهلة، وواقعة أب جبه..إلخ.
كما عالج المؤلف في فصل مستقل موضوع "أهل الدين من البطاحين"، مشيرًا إلى أن الأثر الديني الذي خلفه هؤلاء واضحًا في عقبهم، وكذا مفهوم الهجرة بالعلم والهجرة للعلم وإعادة التشكيل السكاني في البلاد، مما ساهم في توطين رؤى دينية بعينها ما زال أثرها ماثلًا حتى الآن.. وقد توقف عند سيرة علمين من أهل الدين لدى البطاحين هما: الشيخ نعيم البطحاني والشيخ فرح ود تكتوك ونماذج من شعرهما، فقد تركا أثرًا واضحًا في التاريخ والتراث الديني لدى البطاحين. كما توقف ديشاب عند موضوع "الهمبتة والهمباتة" مشيرًا إلى أن الباحثين يكادون يتفقون في أن الهمبتة إنما نشأت عند البطاحين أولًا ثم انتشرت حتى عمل بها الآخرون، ولم يعتمد على ما قال السابقون ممن درسوا الهمبتة والهمباتة في السودان إلا قليلًا.
وقد عرض راي شرف الدين عبد السلام الذي يصف الهمباتة بأنهم يمثلون مجموعة فولكلورية ينطبق عليهم ما ينطبق على تلك المجموعات (يعني المجموعات الفولكورية) ومن أبرز العناصر المميزة لهذه المجموعة هي أنها تقوم بعمل واحد هو نهب وسلب الإبل دون غيرها. وكل من يفعل غير هذا- وإن كان نهبًا- لا يعد منتميًا لهذه المجموعة. ولهم قيم ينقلونها عن طريق تداولها وتوارثها. أما المؤلف فيختلف مع هذا الرأي فيما يخص كون الهمباتة يمثلون مادة فولكلورية، ويشير إلى الشعر لما كان هو المُعَبِّر الرئيسي عن الشاعر فقد اعتمد عليه في تحليلاته، وخلص إلى أن الهَمْبَتَة هي "علم الفروسية".. ويرصد نصًا للشاعر الكاهلي الكمالابي سليمان ود دريس ود الضو (1902-1970) أفضل من تحدث عن قانون الهمباتي عندما قال:
ماني الخايب الـ دايمًا بقول سويت
وما نهروني عن ساعة السعال قريت
إن بَرَدَن نِقود ماني البخيل صريت
وان حرن يُكار ما هم صفايح زيت
أما الفصل المعنون "من شعراء البطاحين" فقد قدم المؤلف فيها استبيانًا لرصد الشعراء عندهم، لكنه لم يتمكن من رصدهم كما يجب، مما دعاه للإعتماد على مخطوطات خاصة به ليقف عند من أورده من الشعراء والشاعرات، ليكون ذلك مدخلًا للترجمة لهم والتعريف بهم. وتأتي أهمية ذلك لاختلاف الباحثين في من هو أول من قال الشعر في أرض البطانة الشرقية. وللشكرية - في هذا رأيهم - وتبقى آراء الآخرين. وقد لفت نظر المؤلف أن هنالك ضربًا من الشعر يسمى "السرياني" عند البطاحين، ودعا لدراسته في أبحاث مستقبلية.. وقدم الشعراء والشاعرات بقبيلة البطاحين بنبذة عن سيرتهم الذاتية ثم نماذج من أشعارهم مذيلة بشرح ما يحويه النص الشعري من معنى. وعلى هذا النحو قدم لأربعين شاعر وشاعرة بدأها بالشاعر إبراهيم ود قدور (1897-1937) وأحمد ود حضري وأحمد الزبير عدلان...إلخ ومن الشاعرات: زينب بنت الشلهمه وفاطمة البطحانية.. وطبيعي أن يكون عدد الشاعرات أقل من عدد الشعراء، غير أنه اختتم الحديث عن شعراء البطاحين بشاعرة مجهولة قال أنه لم يقف على اسمها وخبرها كاملاً ويأتي خبرها مقترنًا مع خبر الفارس البطحاني الحاج علي الذي صار ملكًا على البطاحين عام 1119هـ في ريرة. وكان هذا الفارس الملك قد قُتل في حرب مع الشكرية والبجا. وقالت فيه هذه الشاعرة تلك الأبيات:
يا حليل ناس ابوي قَبل الزمان ما يزل
لابسين الرفيع خاتين سياب المَل
من عَجَمي وفصيح تَجِي إن تهم تتجر
وكم بَلَّج حُمُول تاجرًا بشيل بَربَر
ويشرح المؤلف معنى الأبيات: واشوقاه لآبائنا قبل تبدل الزمان، لبسوا الخشن مبتعدين عن ثياب المجالس. يأتونك- إن دعوت- عربًا وعجمًا، كم أنزلوا حمول تاجر يريد بربر. أ.هـ.
التراث الشعبي لقبيلة الحمران
في إطار الدراسات التي ترصد فولكلور القبائل السودانية، صدرت عام 2016 الطبعة الأولى لكتاب الطيب محمد الطيب بعنوان "التراث الشعبي لقبيلة الحمران"، وهو دراسة ميدانية جديدة لقبيلة جديدة، إذ بدأ الطيب بدراسة قبيلة البطاحين التي عرضنا لها منذ قليل، كما شارك على السعد في إعداد كتاب "التراث الشعبي لقبيلة المناصير" والذي لم نحظ بنسخة منه، ومن ثم فنحن أمام مشروع علمي حول فولكلور القبائل السودانية الذي بدأه المؤلف عام 1970 كما أشرنا. وقد تبنت الدار نفسها وهي "هيئة الخرطوم للصحافة والنشر" نشر الكتاب، ضمن سلسلة كتاب الخرطوم رقم 95. ويقع كتاب "التراث الشعبي لقبيلة الحمران" في 176 صفحة من القطع الصغير.
وتقع ديار الحمران شرقي القضارف على ضفاف نهر سيتيت واتبرا وبا سلام، يحدهم من الشمال الهدندوة، ومن الجنوب الضباينة، ومن الشرق الباريا والبازا والأسورتا وغيرها من القبائل الأثيوبية، ومن الغرب الشكرية. ويتبعون من الناحية الإدارية لريفي شمال القضارف تحت نظارة الشكرية، وتم ضمهم لهذه الإدارة الأهلية سنة 1943. وهناك رواية تفيد بسبب تسمية "الحمران" على هذه القبيلة، وهي أن اسم "الحمران" أٌطلق على جدهم «محمد» قبل دخولهم السودان من حضرموت. والسبب أن محمدًا عندما توفي والده تراضى مع الورثة أن يكون نصيبه كل شئ أحمر: النوق الحمر- الخيل الحمر- الذهب الأحمر وغيرها، ومن يومها لُقب بمحمد الأحمر، وانسحب الاسم على بنيه فيما بعد. وهذا يخالف الرأي القائل إن اسم "الحمران" أطلقه عليهم البجا، والمعروف أن البجا يستعملون كلمة "أدروب" بدل "الأحمر"، ولو كان الاسم أطلقه البجا لجاء "أدروب"، والشاهد أن البجا يسمون الحمران "همرن" تحريف "أحمر" أو "حمران". وللقبيلة العديد من الفروع الكبيرة كالمحمداب والجيقناب والعريبات والكريمات والمطواب والشرفة وغيرها.
ويفرد الطيب في شرح مجتمع الحمران تاريخيًا، كما يشرح طبيعة الأرض الخصبة التي يعيشون فيها. ثم يبدأ أولى فصول الكتاب برصد بعض الروايات التاريخية الشفهية حول هذه القبيلة، على لسان شيوخ القبيلة، بدأها بروايات حول حروب الحمران مع القبائل، منها الحروب التي دارت بين الحمران والهدندوة، وبينها وبين الشكرية (الطرق) والشكرية (النوايمة)، وبين الحمران والضباينة، ثم الحرب بين الحمران والحبش. وسجل الطيب هذه الروايات كما جاءت على لسان الإخباريين. ثم انتقل لرصد العادات والتقاليد والفنون المرتبطة بقبيلة الحمران وفي مقدمتها اشتهارهم بمهارة العزف على الربابة التي أودعوها أشجانهم وآمالهم، ولهم مقطوعات ظلت عائشة أكثر من ثلاثة قرون بفضل محافظة الأجيال المتعاقبة على هذه الألحان ونقلها كما هي.. ويشير الطيب في إطار هذه الدراسة أنه كلما وقع حدث شرًا كان أم خيرًا تبارى العازفون في تسجيله على الربابة خصوصًا الرقصات الحربية، ولكل فارس طريقة خاصة عندما يقدم على الحرب أو يقبل منها، والحمران أهل قتال، وربما هو حرفة عندهم. وبجانب الربابة يضرب الحمران الدلوكة المعروفة والزمبارة والنحاس كل في مناسبته.
ومن المعارف التقليدية لقبائل الحمران استخدامهم "الوسم"، وهي الرموز التي تسجلها القبائل على الماشية والإبل. فلكل قبيلة من قبائل السودان وسم خاص بها تضعه على ماشيتها بطريقة معينة معلومة، وللوسم حرمته ورعايته فلا يعتدى عليه بالتقليد والمحاكاة أو غيرهما. وقد اتفق الحمران منذ عهد بعيد على شكل يسمى "الحرداوي" يكون في فخذ البعير الأيمن، ويكون على البقر من الخلف في أعلى الفخذ الأيمن، ويتحور قليلاً شكل الوسم. أما في الغنم المعز والضأن فإن الوسم يكون على الأذن اليمنى. ويسمى الحمران الذين اتخذوا الجزيرة المروية موطنًا لهم منذ مئات السنين شكلاً يعرف بالباب، وهو في مضمونه لا يختلف عن وسم الحمران الأصل. كما اشتهر الحمران بقسم "المداييت" وهو قسم الحمران الأكبر والأشهر. ومهما يقسم الحمران ويغلظ في قسمه يمكن مراجعته وإثناؤه بأية وسيلة عن قسمه إلا إذا أقسم بـ "مداييت" فدونها ضرب الرقاب، وقد زعموا أن الشيخ ود الهاكين بعد أن ضاق بغناء محلق في ابنته تاجوج وتعرض لاسمها واسم أمها واسمه هو أقسم بـ "مداييت" ألا ترجع تاجوج لمحلق لزوجه. وحكي أن أحدهم أقسم ألا يبارح مكانه حتى تعود له ماشيته المفقودة، وقد أرسل في طلبها أبناءه وعاد الأبناء بالماشية المنهوبة ولكنهم ضلوا الطريق فأرسلوا في طلب والدهم وأخبره الرسول بمجيء الماشية فأصر الرجل ألا يبرح مكانه لأنه أقسم بـ "مداييت"، وعاد الرسول بالخبر وذهب أبناء الرجل بالماشية لمكان أبيهم فوجدوه بعد جهد ميتًا. وقس على هذا كثيرًا من ضحايا "مداييت"، ولم يزل حتى اليوم نافذ المفعول، وبعض القبائل قلدوا الحمران في هذا القسم، وساروا يقولون "مداييت حمران" لا نفعل كذا وكذا.
وقد رصد الكتاب مجموعة من العادات الأسرية شديدة الخصوصية بقبيلة الحمر، لعل أبرزها مكانة "النسيبة" أو "أم الزوجة" بالنسبة للزوج. إذ تشير الدراسة أن للنسيبة حرمة ومكانة مرموقة عند الحمران، آية ذلك أن الواحد منهم لا يرى نسيبته منذ أن ينوي الزواج بابنتها ولا تراه إلى أن يدخلا القبر، ولا تجد منهم من يعرف نسيبته أبدًا حتى وإن لقيته في مكان عام كالمرعى والمورد وغيرهما، وتفاديًا للقاء النسيبة يتحاشون المناسبات التي تجمع الجنسين كالسير للبكاء جماعة أو الذهاب للعرس أو غير ذلك. ومن تقاليدهم إذا مر ركب على نساء يسرن على أرجلهن، على الركب - حسب العرف- أن يتخطاهن، ثم يترجلون عن دوابهم ويتركونها مربوطة على قارعة الطريق فتأتي النساء وتمتطي الدواب، وكل امرأة تترك الدابة عند مدخل الحي فيأتي صاحب الدابة ويأخذها. ويسوق المؤلف رواية ميدانية شديدة الدلالة بعلاقة النسيبة بزوج الإبنة، تقول الرواية أن الحسن ود أحمد كان سائرًا في طريقه لأهله، وعند منتصف الطريق رأى امرأة فتخطاها وترجل من "جمله" وأناخه وعقله في الطريق وذهب برجليه واتت المرأة وركبت الهجين وسارت به حتى وصلت أهلها، ونادت على ابنها أن يربط البعير لصاحبها فاندهش ابنها ونادى على إخوانه واستنكروا عليها ركوب جمل نسيبها فسقطت مغشيًا عليها. وعندما فاقت أقسمت ألا تركب هجينًا طيلة حياتها، وقد فعلت وعلم الحسن ود أحمد بخبر نسيبته، واقسم بـ "مداييت" ألا يركب جملاً ولا ناقة ولا يأكل لحمًا ولا يشرب لبنًا إلى أن يدخل القبر وقد فعل، كذلك ترك بعيره يذهب حيث شاء. وكل هذا إكرامًا لنسيبته وإعزازًا لها، وكان قسمها أيضًا إعزازًا لنسيبتها. غير أن الطيب لم يفسر لنا السبب وراء هذه العادة وارتبطاها بقبيلة الحمران.
كما رصد الكتاب بعض العادات والتقليد المرتبطة بمكانة الأم التي لا يجب ذكر اسمها بل منادتها بـ "بنت فلان"، كما عُرف عن الحمران بين الأهالي كونهم أعف الناس سلوكًا وخلقًا، خاصة نفورهم من رزيلة الزنا، إذ يُعتقد أن الزاني عندما يريد الرقص بالسيف بين الناس لا يستقيم السيف بيده بل يسقط منه، وبهذا نما الشعور في نفوس النشء وأصبح له سيطرة نفسية عليهم. ومن العادات أيضًا أن المرأة الحمرانية لا تحلب اللبن، وكذلك شأن جميع نساء البجا، ويُفسر الأمر بأنه إعزاز وتكريم للمرأة، على حين يُفسر آخرون ذلك كون المرأة شيطانًا وغير طاهرة، ومن ثم لا يُسمح لها أن تحلب هذا اللبن الطاهر، حتى وإن هلك أطفالها، وفي هذا الصدد قصص شتى راح ضحيتها أطفال أبرياء بسبب غياب أبيهم وعدم إقدام أمهم على حلب الماشية، وبلغ بهم عمق هذا الشعور أن الواحد منهم إذا شرب لبنًا في مكان ما وكانت قد حلبته امرأة تقيأه في الحال. أما إذا حلب الرجل لبنًا فلا يذوقه ولا يطعمه أولاده إلا بعد أن يشرب منه شخص آخر، وإذا لم يمر عليه شخص لا يشرب اللبن مطلقًا ويظل يحلب ويصب على الأرض بعد ملء أوعيته.. وعليه إذا أردت أن تغضب الحمراني بعد "اسم أمه" أن تقول له "حلاب شراب" ولا يدرأ هذه السبة إلا السيف. أما المأثور الشعبي الأخير الذي رصده المؤلف العادات المرتبطة بالمآتم، إذ للبكاء عادات وتقاليد، فعندما يتوفى منهم رجل عظيم يضربون النحاس إعلانًا للوفاة وإشعارًا لسكان القرية وما حولها، ويُرسل الخبر للأماكن النائية على الجمال والخيل ويتوافد الأهالي لمكان البكاء، وعندما يصل المعزون يجأرون بالبكاء ويطوفون حول بيت المتوفى وهم يسجعون عبارات الحسرة والتوجع ومن قولهم: وا خرابي وا خرابي.. وا شلت يميني.. الليلة يا ضراعي الليلة يا سيفي.. كما يرصد عادات الموت الأخرى كعقر العقيرة وهي ذبيحة تذبح عند خروج النعش للمقبرة، وفترة الحداد ومظاهره كالامتناع عن حلاقة الرأس..إلخ.
وقد خصص المؤلف فصلًا مستقلاً لقصص وأحاجي قبيلة الحمران، والتي اشتملت على ثمان حكايات هي: أبو عجيبة- الراجل الحكيم- الأعمى والمكسر- ود النمير- النعجة والحصان والديك- الأسد والبعشوم- المرفعين والأسد- التور والبعشوم. وقد دونت هذه الحكايات بلهجة أهل القبيلة. أما الأحاجي فقد سجل المؤلف حوالي 25 حجوة، معظمها أحاجي قصيرة منها: جملي أب دومات من وصل البر مات (الملح)- هي فيك وانت نسيها (الصرة)- عمي تيه: ومصارينه مية (العنقريب). عمي طويل ما يخاف الليل (الدلو)..إلخ. كما سجل في هذا الجزء لعبة شعبية وحيدة هي «لعبة غراب». كما خصص الفصل التالي لحكاية طويلة حملت اسم «تاجوج ومحلق»، وهي قصة طبقت شهرتها الآفاق وقعت حوادثها على عهد الفونج ومسرحها نهر سيتيت، ورغم إن القصة واقعية فقد نسج حولها الذهن الشعبي الكثير من الخرافات والمبالغات مع الإضافة والحذف حتى حسبها الناس أو كادوا يحسبونها قصة خيالية. إذ ينتهي بقوله: وقد توفى محلق ببقعة تقع بين عناتر والقرقف اسمها "أم ساقط" ودُفن في منابر الشيخ حماد بعناتر، ويقع القبر شمال المدفنة، وقد دلنا على قبره مرافقنا الشيخ بخيت ابراهيم، وهو من أكثر أهالي سيتيت معرفة ودراية بالمنطقة. أما الفصل الأخير من الكتاب فقد خصصه المؤلف لتسجيل وتوثيق مجموعة من الإبداعات الشعرية لأهل القبيلة، وقد صنفها لخمسة أنواع: شعر المحلق- شعر عجيل- شعر النساء- شعر حسن كرار.. وقد ألحق كشافًا بالكلمات المستغلقة- والتي قاربت الخمسمائة كلمة- التي وردت بالنصوص بلهجة الحمران، وقام بشرحها.
حكمة من النيل
صدر هذا العام 2017 الطبعة الأولى لكتاب مهم في إطار بحث التراث الشعبي الأدبي بالسودان، وهو كتاب "حكمة من النيل: قصص من القبائل النيلية" جمعها وقدم لها أحمد الشَّاهي وتِمْ مور، صدر عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بأم درمان. ويضم 114 قصة شعبية سودانية، تم جمعها عام 1970 من القبائل النيلية التي تسكن شمال السودان (أي المنطقة التي تمتد جنوبًا من الحدود السودانية المصرية حتى بعد ملتقى النيلين الأزرق والأبيض بقليل)، وإذا استثنينا مجرى نهر النيل نفسه فإن هذه المناطق عبارة عن صحراء تغطيها الرمال والصخور. وقد خرجت طبعة الكتاب إلى النور باللغة العربية هذا العام بعد مرور ما يقرب من نصف قرن من جمعها. إذ تشير توطئة المؤلفان إلى أن الكتاب قد نُشر منه ثلاث قصص من قبل في طبعة إنجليزية صدرت عن مكتب أوكسفورد للأدب الأفريقي عام 1978. ومن ثم فإن الطبعة العربية التي بين أيدينا هي الأوسع. ويشير الباحثان إلى أنهما قد رعيا في إعداد المادة أربعة جوانب مهمة، بقولهما: أولا: لم نفرض على هذا الكتاب وحدة اللّغة والأسلوب ولهذا السبب نجد الأسلوب يختلف من قصَّة إلى أخرى. فهو فى بعض القصص أسلوب مزخرف نسبيًا، وفى البعض الآخر أسلوب دارجي بحت. ولقد حافظنا على الاختلاف والأصالة فى الأسلوب لأهميتهما باعتبارهما جزءًا مُتممًا لطبيعة هذه القصص. ولربما يكون في ذلك بعض الصعوبات التي ستواجه القارئ العام، ولكن كان ذلك أمرا لابد منه. وقد احتطنا له بمعجم الكلمات الدّارجة التى ذيلنا به هذا الكتاب.ثانيًا: لقد أبقينا الروايات المختلفة لبعض القصص على حالها فلم نبدل فيها شيئا، نرى ذلك في قصة "فاطمة السَّمحة" مثلا.ثالثًا: هنالك ذكر لبعض الأشياء الخاصة بالسودان يرد في هذه القصص ولقد أبقيناها في النص على حالها وفسرناها في معجم الكلمات.رابعا: أن القصص لم ترتب على أساس المناطق التي جمعت منها أو على أي أساس آخر. هذه المجموعة لا تمثل كل الاختلاف الحضاري واللغوي في السودان كله ولكنها تمثل هذا النوع من القصص في شمال ووسط السودان، وخاصة مناطق القرى الريفية. ولهذا فهي ترجع إلى مجموعة حضارية واجتماعية متجانسة إلى حد كبير.
ويقدم الباحثان دراسة متعمقة حول القبائل النيلية التي جمعت منها هذه القصص الشعبية، والبيئات التي يعيشون فيها، ومناخ المنطقة الصحراوي، وتأثير ذلك من الناحية الإيكولوجية على الجماعات، فطبيعة الأرض والمناخ على سبيل المثال لا تسمح بانتشار الحيوانات البرية الوحشية، ولكن يوجد التمساح وبعض الحيوانات الصغيرة مثل الثعلب والصبرة والغزال وأنواع كثيرة من الطيور مثل الزرزور والعصفور والطير الخضاري والصقر والحمام (الذي يعتبر من أطباق الطهي المشهورة في المنطقة). كما يقدم الكتاب شرحًا للتنظيم الإداري للمنطقة وثرواتها ونشاطها الاقتصادي والزراعي والحيواني، وأماكن سكن الجماعات كأهالي الريف والعرب الرحل..إلخ. ومن ثم فإن المدن والقرى التي جُمعت منها القصص المتضمنة الكتاب تقع جميعها على النيل ما عدا مدينة بارا.
ورواة هذه القصص ينتمون إلى أصل عربى وغير ذلك. وتفتخر القبائل السودانية بأصلها العربى ولو أن كلمة عربى "تدلّ" على مركز اجتماعى أقل، وهو لفظ يطلق على الرُّحّل الذين لهم فهم معين فى أسلوب التعامل والحياة فى المدينة. ويشير المؤلفان إلى أنه إذا غضضنا النّظر عن أصل الرُّواة فيمكن تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات قبلية: العباسية وجهينة والأشراف. ومجموعة العباسية تتكون من القبائل التى تنتسب إلى العباس عم النبيﷺ ويُطلق عليها أحيانًا لقب الجعليين. والعباسية ترجع أصلاً إلى قريش وقد جاءوا عن طريق مصر إلى السُّودان واستقرّوا على ضفتى النيل بين الدبة حتى شمال الخرطوم ويحترفون الزراعة ومن ضمن هذه المجموعة القبلية: البديرية، الشّايقية، الرّباطاب، المناصير، الميرفاب والجعليين. أما مجموعة جهينة والتى تنتسب إلى قحطان وحمير فى جنوب الجزيرة العربية، فقد جاءوا عن طريق البحر الأحمر وأغلبهم ظلّ محافظًا على طبيعة حياته كعرب رُحّل. ومن هذه المجموعة قبيلة الشُّكرية (التى تسكن البطانة فى مديرية كسلا) والكبابيش (تسكن الصَّحراء المشتركة بين مديريتىّ الشّمالية وكردفان) ورفاعة ( تسكن بين النِّيلين الأبيض والأزرق). وينضم لهذه المجموعة المغاربة ولو أنَّهم يدَّعون بأنهم هاجروا من شمال أفريقيا إلى السودان خلال القرن السادس عشر الميلادى. أما الرّكابية فيدعون الانتساب إلى الأشراف الّذين ينتسبون إلى سيدنا علي (رضى الله عنه). وهذه القبيلة تحترف الزراعة وأغلب أفرادها يسكنون منعطف النيل قرب كرمكول فى شمال السودان وفى جبل الحرازة فى مديرية كردفان.وتنتمى مجموعة أخرى من رواة القصص إلى قبائل الدناقلة والمحس وهاتان القبيلتان يمكن دمجهما نظرًا لتشابه اللهجتين النوبيتين. ويدَّعى الدناقلة الانتساب إلى العباسية ويسكنون منطقة دنقلا، أما المحس فيسكنون فى المنطقة الواقعة شمال دنقلا. وأفراد هاتين القبيلتين يحترفون الزراعة. والهجرة إلى داخل وخارج السودان منتشرة بينهم نظرًا لضعف الموارد الطبيعية فى هذه المنطقة. كما تنتمى مجموعة أخرى إلى الفونج والمماليك والمواليد ولكن من الصعب اعتبار هذه المجموعات قبائل بالمعنى المفهوم.فأصبح أصل الفونج موضوع مازال تحت البحث وأنَّ الكثير مِن المؤرخين يرون أنهم من أصل غير عربى. ولقد أسس الفونج مملكة سنار فى بداية القرن السادس عشر الميلادى وامتد نفوذهم شمالاً حتى دنقلا. وفى سنة 1820م غزا إسماعيل باشا السُّودان وبذلك انتهت سيطرة الفونج وبالرغم من ذلك ظلت بعض المجموعات تدَّعى الانتساب أو الارتباط بالفونج. وعلى كل حال من الصعوبة إثبات حقيقة هذا الإدعاء. أما المماليك فقد جاءوا إلى السُّودان قبل القرن التاسع عشر، واستقروا مع النوبيين ونزح جزء منهم إلى بعض المدن السُّودانية. أما المواليد فهم ذُرية الأتراك أو المصريين الذين تزوّجوا من الرّقيق. والمواليد كالمماليك لا يكونون مجموعات قبلية تسكن على أرض معينة بل نراهم فى كثير من مُدن وقرى شمال السودان.
وقد سجل الباحثان بعض العادات والتقاليد التي تحكم القبائل الذين يطلقون اسم الجد الأكبر أو المؤسس على فرع القبيلة، فيُعرف أبناء كامل «بالكاملاب» وأبناء حسن «بالحسناب»..إلخ. كما أشارا لطبيعة الوحدات القرابية البسيطة والمتشعبة، ونظام التعليم والنسب والزواج وتأثرهم بالأمور الدينية ومكانة الشيوخ.وقد بدأ القسم الخاص بالمادة الشعبية القصصية بالكتاب بقصة "نقلة ونقلتين" وانتهت بالقصة الأخيرة رقم 114 بعنوان «فقير الله»، وقد استخدم الباحثان مصطلح «قصة»، وليس «حكاية»، رغم انطباق المصطلح الأخير على هذه المجموعات. ونقدم هنا نموذج من تلك «القصص» وهي القصة الأولى التي أشرنا إليها والتي تم جمعها من منطقة نوري والتي جاءت تحت عنوان «نقلة ونقلتين»: كان فى راجل اسمه «نقلة» وامرأته اسمها «نقلتين» وكان عندهم جمل مشوا يسقوه فى البحر ولما شافوا ظلّه فى المويه صاحت الزوجة: نقلة، فقال لها: نقلتين، قالت له: جملنا بقى جملين، ورجعوا البيت وذبحوا جملهم ومشوا يفتشوا للثانى فى موية البحر فلم يجدوه. وفى طريقهم لاقوهم عرب فقال لهم نقلة: عندنا لحم فى البيت ودافنين المفتاح فى الرّماد وخاتين فوقه طوبة أوع تمشوا تشيلوه. ومشوا العرب للبيت وأخذوا المفتاح وأكلوا اللحم. وعندما رجع نقلة للبيت لقوا الذُباب كابس الصّينية. ومشو للقاضى وقالوا له: الضُّبان أكل لحمنا وقال لهم القاضى تلقوا ليكم أى ضبانة أكتلوها. وركت ضُبانة فوق أنف القاضى فضربها نقلة بعصاته ضربة شديدة قتلت القاضى.وعندما رجعوا للبيت نقلة قال لنقلتين أنا بعمل لى عصيدة وأمسحك بها عشان الضّبان يتكبس. وعندما مَسحّها بالعصيدة واتكبس فوقها الضُّبان صار يضرب فى الضُّبان إلى أن قتلها وكانت فتحة خشمها فقال لها نقلة: أنا بتكلم معاكى وأنتِ تضحكى.
وقد اهتم الكتاب بتسجيل اسم المنطقة التي تم جمع القصص منها، وهي مناطق: أم الطيور- جزيرة مُقرات- كرمة النُزل- العبيدية- ود راوة- عنيبس- شندي- الدامر- المناقل- البرصة- كرمكول- بارا- نوري. وقد سجل الكتاب أيضًا معجمًا مصغرًا للكلمات المستغلقة التي وردت بالقصص والتي اشتملت حوالي 200 كلمة. ومن بينها: أقرض: أقطع- بايرة: عانس- تقرق: تمزح- برديس: قرية في مصر- فكي: فكيه...إلخ. وقد لاحظنا أن معظم القصص حملت أسماء شخصيات مثل: نقلة ونقلتين- ليلى الهاشمية- زينب دقاقة- محمود الشجاع- محمد الشاطر- حسن وخطيبته- فاطمة ومحمد- الأميرة وأخوها سالم- يوسف السفاني..إلخ. كما اشتملت الحكايات عناصر من التراث العالمي أيضًا، فيما يرتبط بالقصص التي تتناول بنت السلطان- المصباح السحري- الغول- جحا..إلخ. كما اشتملت على نماذج من قصص الحيوان مثل: مكر الثعلب- أبو الحصين والأسد- قرضمة الفار..إلخ. غير أن هناك بعض القصص التي تحمل العنوان نفسه كقصة "فاطمة السمحة" أو "فاطنة السمحة" والتي جمعت منها عشرة نصوص من عدة مناطق.. والأمر نفسه نجده في قصص: محمد الشاطر- شاطر محمد- حاج كديس..إلخ. وربما آثر الباحثان المحافظة على تعدد النصوص للقصة الواحدة وعدم التدخل، تاركين الأمر لمرحلة التحليل العلمي للمادة.
معجم الأمثال السودانية المقارنة
صدر هذا المعجم المهم "معجم الأمثال السودانية المقارنة" لمؤلفه سمير محمد عبيد نقد، والكتاب يقع في ستة مجلدات بلغ إجمالي صفحاتها 3224 صفحة، بدأها بالجزء الأول الذي نُشر عام 2014 عن هيئة الخرطوم للصحافة والنشر ضمن سلسلة كتاب الخرطوم. واشتمل الكتاب على ما يقرب من 14000 مثل شعبي سوداني مع رصد نظيره العربي. وهذا العمل يذكرنا بجهود عربية رائدة في هذا المجال منها على سبيل المثال ما قام به عبد الرحمن التكريتى في وضعه لمعجم الأمثال البغدادية المقارنة منتصف الستينات، وعلاء الإدريسي في دراسته حول الأمثال العراقية والمغربية المقارنة منتصف السبعينات، وتجربة صفوت كمال وأحمد البشر الرومي في جمعهما للأمثال الشعبية الكويتية المقارنة منتصف الثمانينات..إلخ وهناك تجارب متعددة في هذا الإطار مما يجعلنا ندعو للبدء في إعداد قاعدة بيانات الأمثال الشعبية العربية المقارنة، وهي مادة جاهزة تمت في أعمال متفرقة على مدى عقود، وتحتاج فقط لتوحيد المنهج في التوثيق والعرض والنشر. ويشتمل كتاب سمير نقد على قسمين رئيسيين: أولهما دراسة عامة عن الأمثال العربية القديمة والمولَّدة والشعبية، وعن الأمثال السودانية خاصة، والقسم الثاني جمع معجمي شامل للأمثال السودانية، مقارنة مع الأمثال العربية، فضلًا عن مجموعة فهارس فنية لتكشيف المادة.وتشتمل الدراسة التحليلية على بحث الأمثال العربية من خلال تعريف الأمثال، وأنواعها، والعبارات التي تشبهها، وصيغ الأمثال، والإيقاع فيها، وخصائصها، وقصصها، وشخصياتها، وعلاقتها بالبيئة والزمان والمكان؛ ثم الأمثال في القرآن والسنة، والشعر، كما يستعرض وظائف الأمثال وفوائدها، وعيوبها، ومنهج شرحها وتفسيرها، وتاريخها وجمعها، ومقارنة الأمثال، ووحدة الأمثال العربية، ومنهج جمع الأمثال الشعبية، والأخطاء الشائعة في كتابة الأمثال. ثم ينتقل لبحث "الأمثال السُّودانية" مستعرضًا الشخصيات المشهورة في الأمثال السُّودانية، وموضوعات الأمثال السُّودانية، والجهود التي تمت في جمعها.
أما القسم الثاني من المعجم فيشمل مادة الأمثال الشعبية المقارنة التي عكف المؤلف على جمعها من مصادرها المدونة والشفهية منذ رحلة ابن جبير، ومروره بميناء عيذاب إلى العصر الحاضر. وبعضها جُمِع من كُتب الأمثال السُّودانية التي ألفها نعوم شقير، وبابكر بدري وغيرهما، أو الأمثال الخاصة بمناطق أو قبائل معينة من السودان، ومن سائر الكتب المهتمة بالتراث الشعبي السُّوداني، كمؤلفات الشيخ عبد الله عبد الرحمن الأمين الضرير، والدكتور عبد الله الطيب، والدكتور عون الشريف قاسم، والدكتور عبد المجيد عابدين. وغيرهم من الباحثين في التراث الشعبي واللغوي إلى الوقت الحاضر. ويزاد على المكتوب ما تمَّ جمعه من المسموع من الناس والرواة، وما هو موجود في الشبكة العنكبوتية، والمواقع السُّودانية، بعد التأكد من صحته، مع الشرح الواسع، والمقارنة مع الأمثال في البلاد الأخرى.
وقد سجل سمير نقد منهجه في جمع وتوثيق مجموعة الأمثال الشعبية السودانية المقارنة مشيرًا إلى أن الأمثال الواردة رتبت جميعها على حروف المعجم، وجُعل على كل حرف باب يخصه، وقد ضُبطت الأمثال السودانية ضبطًا تامًا بالشكل لجميع حروف الكلمة، وليس لأواخرها فقط، مع إيراد الصيغ المختلفة للمثل السوداني إذا تعددت صيغه في المناطق المختلفة أو في المصادر التي حرص المؤلف على تسجيلها. وقد أورد المؤلف شرحًا لكل مثل، وكذا المفردات المستغلقة، مع إيراد الآيات والأحاديث والأشعار التي لها رابط واضح وكبير بلفظ المثل ومعناه. ويؤكد المؤلف أن للدراسات المقارنة للأمثال فوائد كبيرة في بيان أصل المثل وقصته وصيغه ومعاني مفرداته، وفي هذا الكتاب تُقارن الأمثال السودانية بنظائرها من الأمثال الشعبية في الدول العربية الأخرى كلها تقريبًا، وبكل ما وقعت عليه اليد من كتب الأمثال الشعبية في البلاد العربية، وعددها كبير وقد تصل أحيانًا إلى أربعة كتب عن القطر الواحد. ثم قارن المؤلف بالأمثال المولدة في العصر العباسي، وبالأمثال الواردة في كتب الأدب العربي، وبالأمثال الشعبية التي كانت منتشرة في العصور الماضية، خاصة في مصر والأندلس، لوفرة مصادرها المكتوبة، وذلك لأن هذه الأمثال المولدة تمثل حلقة وسطى بين الأمثال العربية القديمة، وبين الأمثال الشعبية المعاصرة، ثم تُقارن بالأمثال العربية الفصيحة في العصر الجاهلي، وفي صدر الإسلام من أمهات كتبها القديمة، كمجمع الأمثال للميداني، والمستقصى في أمثال العرب للزمخشري، وجمهرة الأمثال للعسكري، وغيرها من الكتب القديمة. وتبدأ المقارنة بأقرب الأمثال صيغة إلى المثل السوداني، تدرجًا نحو الأبعد ما أمكن، وابتداء من الأمثال الشعبية المعاصرة، ثم تليها الأمثال الأندلسية والمولدة، ثم يختتم بالأمثال العربية القديمة. وغالبًا ما يكون الشبه في اللفظ مطابقًا لهذا التدرج نفسه. ويؤكد المؤلف على أن هذه المقارنة قد أتت بنتائج مهمة، وحلت إشكالات عديدة في الثقافة السودانية، وبينت أصول العديد من مفردات اللهجة العامية السودانية، وكشفت عن مدى الصلة بين الأمثال السودانية ونظيراتها في الدول العربية. وقد قام أيضًا بإجراء مقارنة بين الأمثال السودانية نفسها، من خلال جمع الأمثال المتشابهة في المبنى، أو المتطابقة في المعنى، في موضع أول مثل منها، ثم يشير إلى الموضع الأول في المواضع اللاحقة لتلك الأمثال في الكتب.
ولما كان ترتيب متن المعجم قائمًا على الترتيب الهجائي، فقد كانت المادة في حاجة إلى تصنيف موضوعي حتى تعين الباحثين على الوصول إلى موضوعات وسياقات كل مثل ومضربه.. ومن ثم فقد قام المؤلف بترقيم كل مثل برقم مسلسل، ثم قام بعمل مجموعة فهارس موضوعية مشيرًا خلالها إلى رقم المثل في مكانه المصنف موضوعيًا. وقد جاء التصنيف الموضوعي متفرعًا لعدة مجالات هي: الأعلام، والأمكنة والبقاع، والدول والممالك، والقبائل والشعوب والفئات، والعادات والتقاليد، والأطعمة والأشربة، والألبسة والزينة وأدواتها، والطب الشعبي والأدوية والأعشاب، والألعاب الشعبية والألغاز، والأساطير والمعتقدات الشعبية، والمباني والمعمار والمؤسسات، والمكاييل والموازين والمقاييس، والمهن والحرف والرتب والوظائف، والآلات والأدوات والأسلحة والمصنوعات، والعملات والضرائب، والأنواء والأبراج والمنازل والنجوم.
وتحفل الدراسة التحليلية للمعجم بالعديد من النماذج التي يستشهد بها المؤلف في شروحاته كالأمثال التي تنزع إلى الإطلاق والتعميم والتجريد (باب النجار مُخلَّع-الصبر طيب)، وكذا الأمثال المرتبطة بأسماء معينة في التراث العربي (عَلَى نَفْسِهَا جَنَتْ بَرَاقِش- البصيرة أم حمد- كله أحمد وحاج أحمد)..إلخ. فضلاً عن أمثال الإيجاز اللفظي والدقة في التعبير(الإِضَيْنَةْ دُقُّهْ وَاعْتَذِرْ لُهْ)، واستعمال المجاز والتشبيه (أَعْمَى وْمَسَّكُوهُ العُكَّازْ)، وما أطلق عليه إثارة الدهشة (سَفَرَ الخَرِيفْ، وأَكْلَ التَّفَاتِيفْ، وْزَامْلَةْ أَمْشِي وْأَقِيفْ، وْجِيزَةْ بِنْتَ اللَّفِيفْ، إِنْ قَالُوا لَكْ: أَقِيفْ مِنَّهِنْ، أَقِيفْ). كما يورد المؤلف في تحليله للشخصية السودانية من خلال أمثالها بعض النماذج التي تشير إلى الأمثال السُّودانية التي تصلح لحل كثير من النزاعات والسلوكيات السالبة في المجتمع (اليابا الصلح ندمان- الصلح سيد الأحكام)، وللإعراض عن كلام الناس (الناس ما بتريح- الكلب ينبح والجمل ماشي)، وللتقليل من معاتبة الناس (كترة العتاب جفا- كترة النقر تكسر الحجر)، وللتحذير من القتل والظلم (قاتل الروح وين يروح)..إلخ. وسنورد هنا نموذج من منهج عرض الأمثال الشعبية السودانية ومقارنتها بنظائرها والشروحات المتعددة التي أوردها المؤلف:
أبعد من الشر وغني له وصفق له (عون102 و515 سودان8). يرى (مح8) أن المثل يعني: ابتعد عن الشر، واسع إلى تهدئته وتملقه، بدلاً من مصادمته وإزالة آثاره، ويرى في هذه الوصية دعوة إلى التخاذل والسلبية تجاه مواقف الحياة، وانظر: (أبعد النار عن القطن، وأنت ترتاح)، و(الشر برمة سوداء، واليهبشها تملاه). ولا يقصد بالمثل تملق الشر، ولا التخاذل والسلبية، وإنما يضرب للبعد عن الشر، والابتعاد عن المشاكل والفتن أمر مرغوب فيه عقلًا وشرعًا، وقال أبو العتاهية في أرجوزته(444):
يُغنيك عن كل قَبيح تَرْكُهُ
يَرتهن الرأي الأصيل شَكُّهُ
ورد هذا المثل في أكثر البلاد العربية بلفظه نفسه، ففي (اليمانية 6 الشامية 20 أردنية 2/123 معان 76 فلسطين 1947 فرات 1/48 سورية 386 و1566 مصر 97 قطر 6 البحرين 89 كويتية 1493 سلطنة 53 و100 عمان 619): (أبعد عن الشر، وغني له). في (لبنانية 81): (ابعاد عن الشر، وغني له). في (ليبيا 11 ليبي 4 مغربية371): (بعد من الشر، وغني له). وورد بتغيير قليل في (اليمن 37): (أبعد من الشر، وارقص له). وفي (شرارات 19): (أبعد عن الشر شبر، ونم). وورد بزيادة لها دلالتها في الشام (شق 92): (قال له: أبعد من الشر وغني له، قال له: لا يغني لي، ولا أغني له)، أي يبتعد عنه بعدًا تامًا.وفي (تيمور2184): (قال: أبعد عن الشر وقني له، قال: وأغني له)، قني: اجعل بينك وبينه قناة من الماء. في مصر (شق 138 لبنانية 81): (اترك الشر، يتركك). في (مقاصد 808 تمييز 985): (كف عن الشر، يكف الشر عنك)، لم يرد في حديث مرفوع. في (جمهرة 188 مستقصي 1/35 مجمع 1/358): (اترك الشر يتركك). في (ليبية 240): (غير خليني، ونخليك). في (ليبي 5): (أبعد م الشر يبعد عنك). في (الأردن 2): (أبعد من الشر، وغني له، وهات فاس، وقني له). في (فريد عرب 2/200): (أخر الشر، فإن شئت تعجلته).من أمثال العرب: ادفع الشر (عنك) بعود أو عمود)، لا ترد الساءل إلا بعطية؛ قليلة أو كثيرة؛ لتقطع بها لسانه عن ذمك، وقال آخرون: ادفع الشر بما تقدر عليه، (مستقصى 1/117 مجمع 1/638)، زيادة (عنك) في (مجمع).
هذا المنهج العلمي لتتبع المثل الواحد في مصادره العربية المتنوعة مع ذكر رقم المثل في كل مصدر، وبيان تطابقه أو اختلافه في لفظة أو أكثر، أو في مجمل المثل، نقول هذا المنهج يكشف لنا الجهد المبذول لواضع المعجم من أجل الوصول للعديد من النتائج المهمة على المستوى الوطني والعربي، سواء فيما يتعلق بتراثنا الشعبي أو اللغوي.
مجلتان حول الفولكلور السوداني
نعرض في هذا الإطار لمحتويات عددين جديدين لمجلتين سودانيتين متخصصتين في الفولكلور السوداني، الأولى هي المجلة الأشهر والأعرق في التخصص وهي مجلة "وازا" وهي مجلة علمية فصلية محكمة تُعنى بالموروث الثقافي السُّوداني تصدر عن وزارة الثقافة الإتحادية ومركز تسجيل وتوثيق الحياة السودانية،وكلمة «وازا» تشير إلى آلة نفخ موسيقية شعبية معروفة في السودان. وقد صدر العدد19من المجلة عام 2016، وتضمن عدة دراسات مهمة بدأتها المجلة بدراستين حول التراث الثقافي غير المادي واتفاقية اليونسكو، الأولى بعنوان "حول تاريخ صون التراث غير المادي في السودان" لصادق محمد سليمان، وتهدف الورقة إلى رصد المجهودات التي تمت لصون التراث الثقافي غير المادي في السودان منذ دولة الفونج (1504 – 1821) وحتى عام 2015، ولا يعني ذلك الإحاطة بكل ما تم في هذه الفترة، ولكن تم الحديث عن المجهودات الرائدة والبارزة في الفترات المبكرة ثم التطور الذي حدث في هذه المجهودات خلال الفترات اللاحقة، وقدمت الورقة تعريفًالبعض المفاهيم التي وردت في الدراسة كفهوم " صون التراث غير المادي"، ومفهوم "الصون". والدراسة الثانية بعنوان "واقع صون التراث الثقافي غير المادي في السودان لأسعد عبد الرحمن عوض الله، الذي بدأ بتعريف اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003م، مركزًا على الأهداف والتعريفات، حيث قدم خلفية تاريخية عن التجارب التي تمت في مجال جمع وتوثيق التراث في السودان قبل صدور الاتفاقية، مع ذكر الجهات التي قامت بذلك، وتقيِّيم هذه التجارب مقارنة بمطلوبات بنود اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، كما تطرقت الورقة إلى المخاطر والمشاكل والمعوقات التي تواجه صون التراث في السودان، وواقع التدابير التي اتخذها السودان كدولة طرف في هذه الاتفاقية لتطبيقها بالاستفادة من بنودها للحفاظ على التراث الثقافي غير المادي في أراضيه. أما الدراسة الثالثة فقد تناولت موضوع "الحكم اللامركزي وإدارة التنوع الثقافي" لسليمان يحيى محمد الذي تناول مدى أهمية التنوع الثقافي السوداني في تطوير وتحسين العلاقة بين المركز والولايات بالسودان، ذلك اهتداءً بما جاء في الاستيراتيجية القومية الشاملة (1992–2002م) من موجهات لتحقيق أهداف الوحدة الوطنية باستقلالية نسبية للولايات، وتخفيف سلطة المركز وتحقيق التنمية المتكاملة المتوازنة والأمن والسلام، وتوطيد دعائم الحكم اللامركزي، لخلق الرضى الشعبي والتصالح والتسامح والمعافاة اجتماعياً وسياسياً بين جميع أهل السودان. الأمر الذي ركزت عليه أوراق المؤتمر القومي لتقييم تجربة الحكم اللامركزي. الذي عقده ديوان الحكم الاتحادي برئاسة الجمهورية.ثم توالت موضوعات المجلة في معالجة قضايا فولكلورية متنوعة كدراسة قيصر موسى الزين المعنونة "السلام والحب وموسيقى الكلام: نحو بناء نظرية في تحليل الفولكلور والغناء السوداني"، وتسعى الدراسة إلى توضيح جملة من المفاهيم المترابطة حول معاني "السلام والحب" وعلاقة ذلك بما أسمته "موسيقى الكلام"– وهو مصطلح خاص يأتي بيانه – وذلك من خلال منحى تطبيقي على نماذج مختارة من الفولكلور والغناء السوداني، وتحليلها في محاولة لتوضيح الارتباط والتداخل بين مفهومي الفولكلور والغناء، وتراعى في ذلك البعدين الإنساني والمحلي في الوقت نفسه الذي تهتم فيه بالبعدين الثقافي والاجتماعي. ويتحدث شول دينق يونق عن "دور الفولكلور في تنمية ثقافة الطفل"، بلفت الانتباه إلى أهمية دور الفولكلور في تنمية مواهب الطفل الذي ابتعد عن تراثه الفولكلوري الذي كان يرتشفه من خلال المجتمع، وحكاوي الحبوبات وكل المظاهر الثقافية والاجتماعية التي كانت تقام في البيئة المحيطة بالطفل، ومن ثم يرى الكاتبوجوب تقديم المواد الفولكلورية في شكل مقرارات دراسية في الروضة أو مرحلة الأساس، إلى جانب تخصيص برامج إذاعية وتليفزيونية، لتقديم القصص والحكايات الفولكلورية والحكم والأمثال الشعبيية، وتوسيع مساحات رعاية وتنمية مواهب الطفل، حتى يتمكن من سد فراغ الحبوبات التي كانت تمثل منطقة الدفء والإعداد الفني للطفل، حتى يتوازن النمو الجسمي مع النمو العقلي والفكري. أما هداية تاج الأصفياء حسن البصري فقد كتبت حول "الثقافة مدخل لتعلّم اللغة العربية للناطقين بغيرها" نظرة خاصة لجامعة السودان المفتوحة، حيث ترى أن مشكلة الدراسة تكمن في الكشف عن أهمية الثقافة في خلق الدافعية والقدرة لتعلُم اللغة العربية للناطقين بغيرها، وبالتالي تحقيق رغباتهم في التعرُف عليها، وتمكينهم من التعايش في البيئة والمجتمع الهدف، برغم أنّ اللغة تعبر عن سلوك فردي واجتماعي ذي علاقة مباشرة بالبيئة الثقافية التي يعيش فيها الإنسان مباشرة، ويسعى للحصول على حاجاته بأيسر السبل، وبأقل مجهود يبذله حيالها دون عناء أو مشقة. وترجع أهمية الورقة لكونها تناولت الثقافة باعتبارها أحد أهم المداخل الأساسية في عملية التعلُم والتعليم بالنسبة للغات عمومًا، واللغة العربية للناطقين بغيرها بصفة خاصة على حين اهتمت ثريا الشيخ أبو بكر بدراسة "مراحل الزواج التقليدي في السودان"، حيث تناولت بعض المواد التراثية في الزواج السوداني وهي ذات أهمية فنية واجتماعية وتاريخية، تتضمن نماذج من الإرث والعادات والتقاليد الأفريقية ذات الطابع (الوثني)، والمسيحية والإسلامية ذات الطابع العربي، امتزجت جميعها لتشكل الطقوس المتفردة في الأفراح السودانية، وتوثق العادات والتقاليد والأعراف في مناسبة الزواج التي تضفي على المناسبة طعم خاص وطابعًا سودانيًا مميزًا، وتكسبها شرعيتها، من الخطوبة وحتى الرحول والاستقرار في منزل الزوجية. كمااهتم عصام محمد إبراهيم بدراسة "طقوس العبور والتكريس عند الميدوب: بإشارة خاصة لطقس البازا"، وهي إحدى الطقوس التي كانت تمارس بواسطة مجموعة الميدوب التي تقطن دارفور، بهدف التعريف بالتراث الشعبي لهذه المجموعة العرقية السودانية، كما تسلط الضوء على طقس "البازا" أو كما يسمونه "البارجا" من منظور تاريخي وأنثروبولوجي علمًا بأن ممارسة هذا الطقس توقف تمامًا منذ ثلاثينيات القرن الماضي تقريبً حسب إفادات الرواة. والبازا هو مهرجان طقسي عند الميدوب يعني الرقص والهدف منه هو تأهيل الشباب لمرحلة الرجولة والنضج. ويتحتم على أي شاب في القبيلة الذهاب إلى البازا قبل أن يعتمد رجلًا من رجال القبيلة، ولعدة أسباب أخرى كان لزامًا عليه الذهاب للبازا حيث أنه لن يتزوج دون أن يعبر بطقس البازا، وعندما يموت الشخص ولم يذهب إلى البازا تقل مراسيم تشييعه، وتصل إلى حد التجاهل. كما تضمن العدد دراستين في فنون التشكيل الشعبي الأولى بعنوان "السبحة حبل الوصال: مدخل فولكلوري" لمصطفى محمد أحمد الصاوي،الذي يدرس السبحة كواحدة من أدوات التراث المادي التي يُنظر إليها باعتبارها محصلة الإنتاج الشعبي الذي يبدعه المجتمع، وهي من منتجات الحرف والصناعات التقليدية التي تحتكم إلى مكونات البيئة وتتسق مع الزوق العام، ولا يمكن النظر إلى عناصر التراث المادي بمعزل عن بقية مكونات مجالات التراث الشعبي، إذ لا بد من أن يجعل المجتمع الحرف التقليدية والحرفيين موضوعًا لتراثه المادي والفني. ويستعرض المقال تعريف السبحة في اللغة، السبحة في الاصطلاح،أسماء ومسميات السبحة، أدبيات السبحة، تاريخ السبحة، حرفة السبح، المواد الأولية ومصادرها، مكونات السبحة ووظائفها، كرامات السبحة. أما الدراسة الثانية فقد جاءت بعنوان "القيم الجمالية للفنون التقليدية في السودان" صناعات سوق أم درمان نموذجًا لليلى أحمد مختار، والتي تهدف إلى تقصي معارف الفنون التقليدية في الثقافة المادية والخاصة بالفنون التشكيلية، والتي تشمل كل أثر فني مرئي ثنائي أو ثلاثي الأبعاد معبرًا عنه بالنحت والخزف وأدوات وتقنيات العمل الفني المختلفة. وتهدف- أيضًا – إلى التعرف على موقع ودور ووظائف هذه الفنون في البناء الاجتماعي، حيث اعتمد منهج الدراسة على وصف البيئة المادية والمجتمعية للفنون التقليدية بالإضافة إلى تحليل البناء السسيولوجي لعدد من العينات التي تدعم فرضيتها من سوق المصنوعات الجلدية بأم درمان، حيث تعتبر المجتماعات التقليدية أن القيمة الأساسية لأي عمل فني لا تقاس جماليًا، بل عمليًا ونفعيًا. وأخيرًاالقسم الإنجليزي بالمجلة الذي اشتمل مقالاً حول العلاقات الثقافية الهندية السودانية ليوسف حسن مدني، والمقال مكتوب باللغة الإنجليزية.
أما المجلة الثانية التي نعرض لمحتوياتها فهي مجلة "الثقافة السودانية" وهي مجلة فصلية محكمة تعنى بالثقافة السُّودانية والعربية والإسلامية والإفريقية، تصدر عن وزارة الثقافة- إدارة النشر الثقافي والترجمة، ونعرض هنا لمحتويات العدد 45 الصادر عام 2016، وهو ما توفر لدينا من هذه المجلة التي تحوي مقالات حول الثقافة السودانية عامة والتراث الشعبي السوداني خاصة، إذ تبدأ بدراسة مهدي ساتي بعنوان "الرحلات العلمية وانتشار المذهب المالكي في السُّودان"، وتهدف الورقة إلى التعريف بالمذهب المالكي، نشأته وانتشاره، ثم تتبع المراحل التاريخية لانتشار المذهب المالكي في السُّودان، وكذلك تصويب النظر في (الرحلات العلمية) علميًا ومحليًا وإقليميًا مع تتبع الآثار الاجتماعية لظاهرة الرحلات العلمية. وأعقبها دراسة لصادق محمد سليمان بعنوان "ملحوظات حول التاريخ الشفاهي للقبائل والمجموعات السُّودانية، قصد منها المؤلف أن ينبه المهتمين من الهواة الذين لديهم الرغبة في جمع تاريخ وتراث مجموعاتهم أن هذا العمل له قواعده وأصوله المنهجية، وعليهم أن يبحثوا عن المساعدة فهناك العديد من الجهات الأكاديمية التي لها صلة بهذه الموضوعات، وعلى استعداد أن توجههم وترشدهم للطرق الصحيحة التى تجعل من هذه المجهودات الطوعية ذات فائدة لهم ولغيرهم. خاصة أن الكتابة عن هذه القبائل وتاريخها وتكويناتها الإجتماعية والإقتصادية وأعرافها وثقافاتها كمكون من المكونات الإجتماعية للمجتمع السُّوداني حظي باهتمام كبير من الأكاديميين والباحثين المختصين وغير المختصين، فهناك كتابات الرحالة الأجانب أمثال بوركهارت وغيره، ثم المؤرخين وكتاب النسبة السودانيين أمثال ود ضيف الله وغيره، ثم جاء الإداريون البريطانيون، ومن بعدهم الأكاديميون السُّودانيون يوسف فضل وحريز وغيرهم، ومجموعة أصحاب الأطروحات إبراهيم إسحق وآخرون، ثم مجموعة جامعي التراث وفي مقدمتهم الطيب محمد الطيب، وهذه الكتابات التي اعتمدت المنهج العلمي في جمع مادتها.واشتمل العدد أيضًا على دراسة حول الموسيقى الشعبية لعلي الضو الذي تناول موضوع "المعتقد حول الموسيقى"، والذي يرى أن المعتقد حول الموسيقى يُعد أحد العناصر الرئيسية المكونة للثقافة الموسيقية التي تشتمل بجانب ذلك على التنظيم الاجتماعي والمخزون الموسيقي والثقافة المادية. وهو أمر بالغ الأهمية لما ينطوي عليه من تأثير على الإنسان وسلوكه ونظرته للوجود ككل. كما ناقش غسان علي عثمان "سؤال الهوية السودانية" مشيرًا إلى السودان حالة التركيب وجدليته، والمثقف الموصوف بإدمان الفشل، وناقش تأسيس الهوية وتعريفاتها، والإدارة البريطانية ومحاولة التشويش، ويقترح المؤلف اللغة باعتبارها الحل. وفي مجال الأدب الشعبي كتبفرح عيسى حول موضوع "السمات العربية في الشعر الشعبي والعامية السودانية" عرض خلاله السمات العربية للشعر الشعبي السوداني، كما رصد عدة ظواهر شعرية شعبية لها نظائر في اللغة الفصحى، وشعر الغزل الشعبي (غُنا البنات). واختتم مقاله برصد بعض المفردات اللغوية في العامية السودانية ومقاربتها للفصحى. وقد حوت المجلة عدة مقالات أخرى متنوعة بدأت بدراسة مطر عبد الله دراسة بعنوان "الاتساع النحوي: دلالته في الأساليب العربية: إقامة المضاف إليه مقام المضاف نموذجًا". وفي باب "بستان الشعر" قدمت المجلة تقريرًا عن الشنقري وبني غبراء وسيل العرم لشيخ الشعراء عبد الله الشيخ بشير. ثم مقال الخليفة الماحي الخليفة بعنوان "أثر أفكار شعراء الرابطة القلمية على شعراء الشرق المحدثين"، كما تناول سليمان التوم عبد الله موضوع "طرق التفكير والاستدلالبين المشركين والمؤمنين في القرآن الكريم"، ثم عرض آدم يوسف لموضوع "الفيسبوك والاستثمار الثقافي في إفريقيا"، وكتب عبدالله سليمان محمدين حول "اختلال النحويين في معنى كلمة لو"، واختتم العدد بدراسة في الأدب الشعبي لعمر شاع الدين بعنوان "الأمثال الشعبية الضاحكة" تناول فيها موضوع المثل من خلال عدة محاور منها: تناقضية ضاحكة- توظيفية ضاحكة- اللغة الفاحشة الضاحكة- الألعاب والألغاز الضاحكة.