فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الفولكلور كمصدر للتاريخ

العدد 39 - التصدير
الفولكلور كمصدر للتاريخ
كاتبة من مصر

 

ظلت معظم الدراسات الفولكلورية حتى نهاية القرن العشرين، ترى أن موضوع علم الفولكلور هو موضوع تقليدي يرتبط بروح وقيم الثقافة المحلية المتوارثة التي نتعرف عليها بطريقة شفهية، ونتعلمها بالطرق المباشرة .أي تنتقل من الأب إلى الإبن، أو من المعلم إلى الصبي عن طريق التجربة والخطأ، دون الرجوع الى الجهات الأكاديمية.

وترى بعض الدراسات الحديثة نسبيا ، أن الثقافة التقليدية ترتبط بالإبداع الإنسانى في الحياة اليومية، وأن الفنون الشعبية هى نوع من الإبداع الجماعي يقابل الإبداع الفردي في الفنون الجميلة . فرسالة الإبداع الشعبي هي: "أن الإبداع ليس حقا فرديا ، وهو من الناحية الروحية يرتبط بالبهجة لأنة يعتمد على الألوان الصارخة كنهاية للكآبة وهو يعبر عن التحام الانسان بالطبيعة".

أما الاتجاهات الحديثة فترى أن مجال الفولكلور أصبح يرتبط بالمجال العام، والمجال الأكاديمي وتقاطع فروع المعرفة المختلفة، وقد أدى هذا الاتجاه إلى تطور الاتجاهات النظرية في الدراسات الفولكلورية.

أدت النظريات الحديثة إلى الاهتمام بالفولكلور كعلم تاريخي.فدراسة التاريخ الاجتماعي كانت تعتمد على الأرشيف الرسمي للدولة الذي يحصل على الوثائق من المحاكم، أو سجلات الشهر العقاري، أو تحقيقات الشرطة والنيابة، أو سجلات المواليد والوفيات، أو عقود الزواج والطلاق. ولكن في السنوات الأخيرة بدأت الدراسات التاريخية تعتمد على المصادر الشفاهية التي تسد الكثير من الثغرات التاريخية التي سكتت عنها المصادر الرسمية، وتوضح لنا وضع الجماعة من الجماعات الأخرى، والصور التي يرسمونها لأنفسهم، أو يضعون أنفسهم داخل إطارها. وأدى تطور الدراسات التاريخية إلى الاهتمام بالفولكلور كعلم تاريخي، فالمصادر الشفاهية يمكن أن تكون مصدرا تاريخيا، وإن كانت تتميز بخصائص تميزهاعن غيرها من المصادر المكتوبة. فالمؤرخ الذي يبني أبحاثة على المصادر الشفاهية عليه أن يكون على دراية تامة بالمجتمع الذي أنتج هذا المأثور، وعلى معرفة باللغة التي كتب بها، أو تم ترجمته اليها وبأسلوب الحكي الذي حكيت به. إن الدراسات التي تربط بين التاريخ والفولكلور أصبحت فرعا جديدا في علم التاريخ مثل العلاقة بين التاريخ والاقتصاد، أو التاريخ والسياسة، والأنثرروبولوجيا التاريخية التي تهتم بدراسة الشعوب الأصلية، والعلاقات العرقية بين الشعوب. وفي منتصف القرن العشرين طور فرانس بواس نظريتة التي تربط بين الفولكلور والتاريخ، فقد ركزت الدراسات الاجتماعية على الأحداث ومكان حدوثها، إلا أنها لم تكن قادرة على شرح أسباب نشأة السلوك وتطوره، فاهتمت الدراسات الثقافية بأسباب التغير الثقافي، وكيفية حدوثه وقد اقتربت في ذلك من المدرسة التاريخية.

وقد شرح ألآن دندس العلاقة بين الفولكلور والتاريخ و تأكيد الهوية الثقافية، فالدراسات في مجال الفولكلور التاريخي ساعدت على فهم التاريخ الواسع بالتوصل الى نصوص لها تنوع كبير في الأفكار والدوافع. ولعب الاتجاه التاريخي دورا هاما في تطوير الدراسات الفولكلورية فقد استخدم هيردر الفولكلور في تأكيد هوية الشعب الألمانى ،ودرس رتشارد دورسون الثقافة الأوروبية التي أدخلت إلى أمريكا لتأكيد الهوية الأمريكية. وقد ازدهرت الدراسات عن تاريخ الفن في الولايات المتحدة وبدأ تأسيس ببليوجرافيا عن الدراسات الميدانية وتحديد ما هو تقليدي وما هو شعبي فليس كل ما ينتج يدويا يعتبر فنا شعبيا، ومن أهم الدراسات دراسة Theodore Begin "المرعى وجذور التاريخ" فتناول دراسة الفولكلور النرويجي الأمريكي، وقدم نماذج من العمارة المبكرة. وأدى الاتجاه التاريخى إلى إلاهتمام بالمتاحف الاثنوجرافية، فالمدرسة الاسكندنافية كانت تجمع كل أنواع المنازل الريفية وأقيم متحف بالقرب من ستوكهولم، وأقيمت المتاحف في الدنمارك وشرق أروبا.

اتجاه هنرى جلاسى الجغرافي :

أوضح هنرى جلاسى أن التنوع في الثقافة المادية يرتبط بالاستخدام، ولذلك يجب البحث عن الأنماط التى تنتجها المناطق المختلفة، وهذا البحث عن الأنماط يؤدي الى معرفة الفترة التي تم بها الإنتاج، فمعظم المواد الشعبية تظهر التنوع من خلال المكان وأيضا الزمان. ولكن هنرى جلاسى اعتقد في استقرار العناصر الثقافية، ومن السهل تقديم الأمثلة التي اعتبرها جلاسى فولكلورية تتناقض مع رأيه ،لأن الطقوس تتغير نتيجة الاتصال الثقافي، وهذا يؤدي الى تغيرالثقافة مع الوقت، فالتغير يحدث نتيجة التفاعل الثقافي بين السكان الأصليين والسكان الجدد، فكل منهما يستخدم نفس الشيء بطريقة مختلفة ورموزمختلفة رغم أنهم يعيشون متجاورين في نفس المنطقة، وذلك بسبب الاختلاف في البناء الفكرى والثقافي، والاتصال بين المواطنين الأصليين والقادمين الجددليس دائما أحادي التأثير، فقد ينقل القادمون الجدد طريقة السكان الأصليين في الأشياء ، أو العكس ينقل السكان الأصليون القدامى بعض الطرق الحديثة من السكان القادمين. فقد اهتم جلاسى بالتفاصيل المحلية والبحث في المقارنات المحلية، فاهتم بالجغرافيا الاجتماعية بدلا من التاريخ ذو البعد الواحد والتطورات الثقافية .

مفهوم التاريخ في الفولكلور:

تتجه الدراسات الحديثة إلى الربط بين الهوية الفنية والفولكلور، يقول Ben Amos "ان فكرة ربط الهوية بالماضى لم تعد مقبولة، بل أن معنى الماضى في الفولكلور هو ذلك الارتباط بمرحلة زمنية معينة تراها الجماعة ذات أهمية خاصة بها، فيبدعون فولكلورا يعبر عن هويتهم".

لقد قام (ابن عاموس ) في دراساته بجع التفسيرات القديمة لكلمة تراث ولخص هذه المفاهيم في مقالات عديدة .

وشرح Frances Gunmen نظريته عن دراسة الملاحم وأصلها، وتوصل الى أن بعض القصائد لم تكن من إنتاج السكان المحليين، وإنما تكونت تحت ظروف بدائية حيث كان يوجد نوعان من التعبير ، التعبير الشعري الذي يغنى أثناء الرقص، والعناصر الشفاهية التي كانت العدو الأول للشعر الفصيح.

وشرح هيردر قائلا "الفن الشعبي إبداع عفوي طبيعي يعكس الهوية بدون تشويش، فهو يترجم الأشياء العادية وعناصرالحياة اليومية إلى منتج غير عادي، وبذلك يقدم الأحداث العادية مصورة من منظور الأفراد والجماعات، ويعكس طبيعة المكان الذي تم إبداعه فيه، فهو قصة يحكيها الناس لأنفسهم عن أنفسهم".

أما مشيل فوكو فقد أحدث تحولات عديدة في مجال النقد الأدبي فاللغة ارتبطت لديه بتجارب خاصة، فالخطاب لديه ليس هدفه تحليل المعانى أو وصف البنى اللغوية، وانما دراسة الوظائف المختلفة في التاريخ . فلا يمكن الفصل بين التاريخ وبنية اللغة وبنية الخطاب، فالخطاب يتشكل من وحدات صغرى هي المنطوقات، ووحدات كبرى هي التشكيلات الخطابية وهي مقولات خطابية تحكمها قوانين التكوين والتحول، وهكذا يختلف تحليل الخطاب في الجملة واللسانيات عن تحليل القضية في المنطق، ويتأسس عل التحليل الأركيلوجى الأثري.

إن المنهج التاريخي ينظر إلى التحولات من خلال الزمن، ويعتمد على السجلات الفنية للثقافة، ولكن الفولكلوريون يواجهون قلة في المصادر المكتوبة عن المجتمعات التي يدرسونها. ولكن المشكلة التي تواجه الباحث في مجال الفولكلور التاريخي هي مشكلة الحدود الفاصلة بين الأحداث الواقعية، وإبداعات الخيال، ونوع التفاعل بينهما وتداخلهما معا.

وهذا موضوع صعب وشائك ويؤلف جانبا من مجال اكثر اتساعا وتعقيدا، وهي مشكلة العلاقة بين التاريخ والقصص والخيال الشعبي، فعلى الرغم من أنهما يعبران عن الوجود الإنسانى ويسهمان في وصف الوضع التاريخي للإنسان، فكل من الأدب الشعبي والكتابة التاريخية لكل منهما طريقة وأسلوب خاص يختلف بها عن الآخر وهذا يجعل للتارخ في الأدب الشعبي مفهوما خاصًا يرتبط بالجماعة التي انتجته.

 

أعداد المجلة