تحديات التدريب على فنون العرضة البحرينية
العدد 37 - لوحة الغلاف
في ظل المتغيرات التي تجتاح كل ما نعايشه، وما تشهده الفنون الشعبية من فقد مبدعيها ومنتجيها ومؤديها من حفظة الأصول الفنية، كان لزاماًً على المعنيين بهذه الفنون الحريصين على استمرارها دون تشويه أو تخريب يغيّر في أصولها، أو يقلل من قيمها الفنيّة والجمالية، وما يمكن أن تشحن به الوجدان من شتى التعابير الإنسانيّة، كان لزاماًً عليهم أن يبادروا إلى نقل أصول وقواعد هذه الفنون إلى محبيها من أبناء الجيل الجديد، إن وجدوا، وإلا فلا بدّ من ترتيب خاص لتقريب هذه الفنون ممن يُتوسم فيهم الخير من الأبناء. ولا شك أنّ مثل هذه المهمة ليست سهلة، كما أنّ الشروع بها يقتضي التخطيط السليم والمثابرة الدؤوبة مع توقع العثرات والعقبات وعدم استعجال النتائج.
فالتدريب على ممارسة هذه الفنون لجيل جديد يعني التعامل مع أمزجة أخرى، غير تلك التي استوعبت هذه الفنون يوماًً ما عفواًً وبمحبّة وشغفٍ وانسجام، لذا لزم علينا العناية ليس بالمتدرب فقط، وإنما باختيار من سيتولى التخطيط والتدريب لتحبيب هذه الفنون إلى هذا الجيل قبل تدريبه عليها. فمن المهم أن يعي هذا الجيل بصورة فنيّة سلسة قيمة كل فن يتدرب عليه، ولماذا؟ وما هو مستقبل ما يستوعبه من أصول هذا الفن؟ وما هي مكانته بين أهله وفي محيطه الشبابي؟ ثم ما هي قيمته كمبدع في مجتمعه ككل؟
والعرضه من الفنون المركّبة التي تؤدى بمجموعات كبيرة تنفرد كل منها بدور مختلف، إلا أنه يأتلف ضمن الانسجام العام في الأداء الكلي. فهناك أولاًً ملقّن أبيات الشعر الذي يتولى إيصال النصوص الشعرية إلى المنشدين الواقفين في صفّّين متقابلين ومتباعدين، ودور الملقّن هنا محوري، فقد يلقّّن المنشدين مما يحفظ، أو قد يكون شاعراًً يبتدع ارتجالاًً النشيد حسب الموقف، وهو أول من يعطي إشارة البدء. تأتي بعد الملقّّن مجموعات عازفي الإيقاع على «الطارات» التي هي الدفوف ومؤديي «التخمير» ضاربي الطبول وعازفي الحِلْْيات الفنيّة ضاربي الطويسات المعدنية وحملة البنادق التقليدية اللذين يؤدون بها حركات فنيّة راقصة.
على غلاف عددنا هذا مجموعة من وجوه أبنائنا الصبوحة ممن التحقوا بالدورة التدريبية التي نظمتها جمعية العرضة البحرينية مؤخرا، وهم يحملون السيوف للتدرب على اللعب بالسيف في ميدان العرضة .
إن التحدي الذي تواجهه جمعية العرضة البحرينية تحد كبير، هي أهل له، لكن لا يجب أن تترك وحدها أمام مختلف التحديات التي تواجه مثل هذه الفنون، فالقضيّة ليست تدريب النشء على حمل السيف وكيفية التحرك به في ميدان العرضة فهو أمر مهما صعب ومهما احتاج من خفة ورشاقة وإحساس فهو بسيط وممكن، إلاّّ أن التدرب على أصول الإيقاع بأنواعه وحفظ أصول وتقاليد الأداء وابتداع النصوص الشعريّة الجديدة المعبرة عن زمن يختلف عن زمان «سمعت حس الصايح .. ولا هياني نوم .. فزيت من حلو المنام».
وفي الوقت الذي نحيي فيه جمعية العرضة البحرينية على البدء بأولى دوراتها التدريبية، نوجه الدعوة إلى كل حفظة أصول هذا الفن ومبدعيه من الممارسين المجيدين لمد يد العون لدعم توجه هذه الجمعية إلى تدريب جيل جديد لتبقى العرضة البحرينية العتيدة في أوج الازدهار والتألق الوطني.