فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
43

ثقافتنا الشعبية وأيادي الجيل الجديد

العدد 37 - المفتتح
ثقافتنا الشعبية وأيادي الجيل الجديد
رئيس التحرير

عند‭ ‬مفتتح‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬بمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬08‭ - ‬2009،‭ ‬زارت‭ ‬مكاتب‭ ‬‮«‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬للدراسات‭ ‬والبحوث‭ ‬والنشر‮»‬‭ ‬المربية‭ ‬الفاضلة‭ ‬الأستاذة‭ ‬أحلام‭ ‬العامر‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬المناهج‭ ‬بوزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬وقتها،‭ ‬تطلب‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المتاحة‭ ‬لدينا‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬لوضع‭ ‬منهج‭ ‬إثرائي‭ ‬تربوي‭ ‬لإدخال‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬مناهج‭ ‬التربية‭ ‬الحديثة،‭ ‬وتجربته‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬المدارس،‭ ‬وتطوير‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬الإثرائي‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬ليشمل‭ ‬عددا‭ ‬أكبر‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الاستقرار‭ ‬على‭ ‬صيغة‭ ‬تربوية‭ ‬لمادة‭ ‬جديدة‭ ‬تُـعتمد‭ ‬وتُـقرر‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المدارس‭.‬

كان‭ ‬حماس‭ ‬الأستاذة‭ ‬لهذا‭ ‬المنحى‭ ‬محل‭ ‬إعجابنا‭ ‬وتقديرنا،‭ ‬ولم‭ ‬نأل‭ ‬جهدا‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لدينا‭ ‬لبلورة‭ ‬الفكرة‭ ‬ولإنجاح‭ ‬التجربة‭ ‬بشتى‭ ‬الوسائل‭ ‬الممكنة‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬التعاون‭ ‬المشترك‭ ‬الذي‭ ‬تعاقبت‭ ‬على‭ ‬المساهمة‭ ‬به‭ ‬كفاءات‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬إدارة‭ ‬المناهج‭ ‬بوزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬البحرينية،‭ ‬إذ‭ ‬مر‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬قنواته‭ ‬المفترضة،‭ ‬وتمت‭ ‬تجربته‭ ‬بنجاح،‭ ‬وتعاقبت‭ ‬الاجتماعات‭ ‬المشتركة‭ ‬معنا‭ ‬للتداول‭ ‬بشأنه‭. ‬وكنا‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬مسبق‭ ‬بمستوى‭ ‬وحجم‭ ‬التحديات‭ ‬والمعوقات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬النبيل،‭ ‬لكننا‭ ‬وبقرار‭ ‬إداري‭ ‬مسبق‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للمساعدة‭ ‬بالشكل‭ ‬وبالصورة‭ ‬التربوية‭ ‬المناسبة‭ ‬التي‭ ‬يتطلبها‭ ‬كل‭ ‬موقف‭. ‬ويجد‭ ‬القارئ‭ ‬بباب‭ ‬‮«‬في‭ ‬الميدان‮»‬‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬تقريرا‭ ‬فنيا‭ ‬حول‭ ‬آخر‭ ‬اجتماع‭ ‬تشاوري‭ ‬بين‭ ‬خبراء‭ ‬الطرفين‭ ‬وما‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليه‭ ‬لبلوغ‭ ‬الهدف‭. ‬

وقد‭ ‬سعدنا‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬بقرار‭ ‬المجلس‭ ‬التنفيذي‭ ‬للمنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬للفن‭ ‬الشعبي‭ ‬تقديم‭ ‬التهنئة‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬البحرينية‭ ‬على‭ ‬نجاحها‭  ‬في‭ ‬إدخال‭ ‬مادة‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬كمنهج‭ ‬إثرائي‭ ‬متكامل‭ ‬للمرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬وهو‭ ‬إنجاز‭ ‬تربوي‭ ‬عربي‭ ‬جدير‭ ‬بالتهنئة‭ ‬والإشادة،‭ ‬وهي‭ ‬تجربة‭ ‬تربوية‭ ‬حرية‭ ‬بالدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المتابعة‭ ‬والدرس‭ ‬لتتبع‭ ‬مساراتها‭ ‬وبلورة‭ ‬مخرجاتها،‭ ‬وهو‭ ‬منجز‭ ‬رأت‭ ‬فيه‭ ‬المنظمة‭ ‬تمايزا‭ ‬للبحرين‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الخليجي‭ ‬والعربي‭ .‬

في‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬نظمت‭ ‬‮«‬جمعية‭ ‬العرضة‭ ‬البحرينية‮»‬‭ ‬دورات‭ ‬تدريبية‭ ‬نظرية‭ ‬وعملية‭ ‬مكثفة‭ ‬للأطفال‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬الثامنة‭ ‬إلى‭ ‬الثالثة‭ ‬عشرة‭ ‬للتعريف‭ ‬بفنون‭ ‬‮«‬العرضة‭ ‬البحرينية‮»‬‭ ‬وأساليب‭ ‬أدائها‭. ‬والمعروف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬الإنشادي‭ ‬والاستعراضي‭ ‬الراقص‭ ‬من‭ ‬فنون‭ ‬البيئة‭ ‬الصحراوية‭ ‬أو‭ ‬البدوية،‭ ‬قدم‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬وبقية‭ ‬سواحل‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬مع‭ ‬هجرة‭ ‬القبائل‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أواسط‭ ‬نجد‭ ‬إلى‭ ‬أطراف‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬فدمغته‭ ‬كل‭ ‬منطقة‭ ‬بميسمها‭ ‬الخاص‭ ‬فتحول‭ ‬من‭ ‬رقصة‭ ‬للتنادي‭ ‬إلى‭ ‬الحروب‭ ‬القبلية‭ ‬إلى‭ ‬رقصة‭ ‬استعراضية‭ ‬تؤدى‭ ‬في‭ ‬أفراح‭ ‬الزواج‭ ‬وفي‭ ‬المناسبات‭ ‬الوطنية‭ ‬الكبرى‭ ‬يشارك‭ ‬بها‭ ‬الملوك‭ ‬وعلية‭ ‬القوم‭ ‬وتُـنشد‭ ‬بها‭ ‬أهازيج‭ ‬الاعتداد‭ ‬بالوطن‭ ‬وبالقائد‭ ‬والجماعة،‭ ‬ولها‭ ‬أصول‭ ‬فنية‭ ‬وتقاليد‭ ‬مرعية‭ ‬وأدوات‭ ‬ومعدات‭ ‬تدخل‭ ‬بها‭ ‬السيوف‭ ‬والبنادق‭ ‬التقليدية‭ ‬والأعلام‭ ‬وأنواع‭ ‬الطبول‭ ‬والدفوف،‭ ‬وتتنوع‭ ‬مهام‭ ‬المشاركين‭ ‬ومقاماتهم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬فمنهم‭ ‬عازفو‭ ‬الدفوف‭ ‬والطبول‭ ‬والمنشدون‭ ‬وملقن‭ ‬النصوص‭ ‬الشعرية‭ ‬وحملة‭ ‬البنادق‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الراقصون‭ ‬بالسيوف‭ ‬من‭ ‬ملوك‭ ‬وأمراء‭ ‬ووجهاء،‭ ‬وتحتاج‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مائة‭ ‬مشارك‭.‬

وكما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬الفنون‭ ‬الغنائية‭ ‬الشعبية‭ ‬وهي‭ ‬تُـتداول‭ ‬في‭ ‬زماننا‭ ‬على‭ ‬أيادي‭ ‬أجيال‭ ‬متعاقبة‭ ‬بمفاهيم‭ ‬وأمزجة‭ ‬مختلفة‭ ‬تتعرض‭ ‬هذه‭ ‬الفنون‭ ‬إلى‭ ‬التغيير‭ ‬والتحوير‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يضر‭ ‬ببنيتها‭ ‬الفنية‭ ‬وبقيمها‭ ‬الوجدانية‭ ‬ويحولها‭ ‬إلى‭ ‬مسخ‭ ‬هجين،‭ ‬وبالذات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬كبر‭ ‬سن‭ ‬العارفين‭ ‬والممارسين‭ ‬والمنشدين‭ ‬والعازفين‭ ‬وفقدان‭ ‬صلتهم‭ ‬بهذا‭ ‬الفن‭ ‬الرفيع،‭ ‬لذا‭ ‬حرص‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي‭ ‬بمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يرعى‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬رعاية‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬يتولى‭ ‬وزير‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي‭ ‬معالي‭ ‬الشيخ‭ ‬خالد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬مهام‭ ‬الرئيس‭ ‬الفخري‭ ‬لهذه‭ ‬الجمعية،‭ ‬وأن‭ ‬يوليها‭ ‬جهداً‭ ‬واهتماماً‭ ‬خاصاً‭ ‬يليق‭ ‬بمكانة‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬الوطني‭ ‬الرفيع‭.‬

وتأتي‭ ‬الدورة‭ ‬التدريبية‭ ‬التي‭ ‬نظمتها‭ ‬مؤخراً‭ ‬جمعية‭ ‬العرضة‭ ‬البحرينية‭ ‬للأطفال‭ ‬خطوة‭ ‬متقدمة‭ ‬لتواصل‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬مع‭ ‬فنون‭ ‬وأصول‭ ‬وأساليب‭ ‬أداء‭ ‬فن‭ ‬العرضة‭ ‬وهو‭ ‬توجه‭ ‬سليم‭ ‬وإن‭ ‬جاء‭ ‬متأخرا‭ ‬فإنه‭ ‬يسد‭ ‬ثغرة‭ ‬في‭ ‬تعاملنا‭ ‬مع‭ ‬فنوننا‭ ‬الشعبية‭ ‬الذاهبة،‭ ‬إضافة‭ ‬لكونه‭ ‬توجه‭ ‬عفوي‭ ‬أهلي‭ ‬يوازي‭ ‬التوجه‭ ‬الرسمي‭ ‬لوزراة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬في‭ ‬منجزها‭ ‬إدخال‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬مناهج‭ ‬التربية‭ ‬الحديثة‭. ‬علّ‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الأهلي‭ ‬والرسمي‭ ‬يُعلي‭ ‬الدلالة‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬الثقافة‭ ‬الوطنية‭ ‬وأهمية‭ ‬مبدعيها‭ ‬وأصالة‭ ‬انتمائهم،‭ ‬وعلى‭ ‬رفض‭ ‬تغريب‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمع‭ ‬وامتهان‭ ‬كرامة‭ ‬منتجيها‭. ‬والله‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬القصد‭. ‬

أعداد المجلة