فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
66

المرجحانة في الموروث الشعبي القديم

العدد 11 - أدب شعبي
المرجحانة في الموروث الشعبي القديم
كاتبة من البحرين
كاتبة من البحرين

 عبّر الوجدان الجمعي، والروح الشعبية، بأشكال تعبيرية مختلفة عن العديد من المناسبات الدينية الكبرى التي يحتفل بها المسلمون في أرجاء العالم. ومن هذه المناسبات الدينية الهامة مناسبة الحج إلى مكة المكرمة، والوقوف في عرفة ..

وتتشابه مظاهر الاحتفال في دولنا العربية والإسلامية منذ الاستعدادات الأولى لسفر الحاج وتوديعه وحتى عودته، لكن تبقى النكهة الخاصة لكل بلد في أداء التقاليد بهذه المناسبة أو تلك.

أعود بالذاكرة إلى ما قبل عشرات السنين، عندما كان الناس يشاهدون الحجيج يجوبون القرى حتى يصلوا إلى منطقة الإقلاع، وهم على متن الراكبات التي تحمل مكبرات الصوت يرتلون الأدعية، وجملة من التسابيح، والذكر.

لحظات من الشجن اللذيذ.. مسحة من الصفاء والوجد الروحاني تنتابك عند سماعك أذكار الحجيج.. فلا تملك إزاءه إلا أن تدمع عيناك. كم رأيت أعيناً دامعة وصلوات، وتهاليل تردد من قبل جموع المارة أثناء مشاهدتها موكب الحجيج، وسماعها تلك الأدعية والتسبيحات.

    تقليد كهذا يمارس في المنطقة لا يعيب ولا ينقص أو ينتقص من مظاهر المنطقة، بل بالعكس يزيد من ثرائها.

     وحتى في دول العالم الغربي هناك الكثير من التقاليد الشعبية والتقليدية تمارس في قلب عواصمها، وكلنا نشاهد ما يعرض في القنوات الفضائية من الكرنفالات، وحلقات الرقص الشعبي أثناء أعيادهم القومية.. فلماذا تهمل في أوطاننا العربية مثل هذه التقاليد العريقة والجميلة، لتدخل بعد ذلك في طور التلاشي والموت تحت حجج واهية: التطور، والتقدم..

    في بلادنا نرى وللأسف الكثير من تقاليدنا وممارساتنا الشعبية للعديد من أشكال تراثنا الشعبي والتقليدي تختفي وتنقرض دون تدوين أو توثيق، ومنها تقاليد الحجيج التي سوف تكون محور هذه الدراسة..

فتقاليد الحجيج المتبعة قديماً  اختفت في مجتمعنا واندثرت، ولم يبق لها باقية، وليس هذا فحسب بل إن الناس في مجتمعنا تجهل أن هذه الممارسات وجدت فعلا وربما مارسها أجدادهم وآباؤهم..

    ومن الطقوس العديدة الشعبية التي ارتبطت بفترة الحج «طقوس المرجحانة»، هذا بالإضافة إلى طقوس أخرى لن نتناولها في هذا البحث مثل طقوس الأضحية، والعرضة، المبشر وغيرها من الطقوس.

لذلك أحببنا أن نعيد الماضي بهذه الدراسة البسيطة، للوصول إلى تفاصيل هذه التقاليد، والمتمثلة في طقوس «المرجحانة» التي سوف نتناولها بشيء من التفصيل، لمعرفة ما كان لها من أثر في الزمان القديم، حيث أن هذا الطقس لم يوثق مسبقا في تراث البحرين رغم شعبيته السابقة.

 لمحـــة تاريخـــية:

أسماء المرجحانة

تسمى في البحرين والمنطقة الشرقية في السعودية والإمارات العربية المتحدة «مرجحانة» و«مريحانة». أما في الكويت وعمان فتسمى «ديرفانه». ومن أسمائها في عمان أيضا «الجاروف». أما في اليمن فتسمى «المدرهة» وتسمى في مناطق أخرى من اليمن باسم (التدورة).

المرجحانة لغة:

«المَرْجُوحَةُ« بالميمِ المفتوحةِ: هي «الأُرْجُوحَةُ»، بضمِّ الهمزةِ. وقد أَنكرَ صاحبُ البارعِ المَرْجُوحَةَ.  وقال ابن الجوزي: العامة تقول مرجوحة والصواب أرجوحة.

 وجاء في تاج العروس للزبيدي عن الأرجوحة:

«هي الّتي يُلْعَب بها، وهي خَشَبَة تُؤْخَذ فيُوضَعُ وَسَطُها على تَلٍّ عالٍ، ثمّ يجْلِس غلامٌ على أَحدِ طَرَفَيْهَا وغُلامٌ آخرُ على الطَّرَفِ الآخَرِ، فتَرَجَّحُ الخَشَبَةُ بهما، ويَتَحَرَّكان، فَيميلُ أَحدُهما بصاحِبِهِ الآخَرِ. هكذا في العين، ومختصرِه، وجامع القَزّاز، والمِصْباح، وهو الذي قاله ثَعْلَب عن ابن الأَعرابيّ»وهذا يعني أن الأرجوحة أو المرجوحة هي لعبة شعبية أخرى نلعبها و نسميها في البحرين «التريميزان« أو «الميزان«. وتسمى في الكويت بنفس اسم «المرجحانة» أي «ديرفة»  وربما قيل «ديرفة خشب» للتفريق.

ومن أسماء أرجوحة الخشب هذه في اللغة العربية: الأل والزحلوقة والدوداة المطوحة. كما جاء في تاج العروس للزبيدي و لسان العرب لابن منظور.

قيل في الأل:

«والأُلُّ، بالضم: الأَوّل في بعض اللغات وليس من لفظ الأَوّل؛ قال امرؤ القيس:

لِمَنْ زُحْلوقَةٌ زُلُّ             بهـا العَيْنان تَنْهلُّ

ينادي الآخِرَ الأُلُّ           أَلا حُلُّوا، أَلا حُلّوا

وإِن شئت قلت: إِنما أَراد الأَوَّل فبَنَى من الكلمة على مِثال فُعْل فقال وُلّ، ثم هَمَزَ الواو لأَنها مضمومة غير أنَنا لم نسمعهم قالوا وُلّ، قال المفضل في قول امرىء القيس أَلا حُلُّوا، قال: هذا معنى لُعْبة للصبيان يجتمعون فيأْخذون خشبة فيضعونها على قَوْزٍ من رمل، ثم يجلس على أَحد طَرَفيها جماعة وعلى الآخر جماعة، فأَيُّ الجماعتين كانت أَرزن ارتفعت الأُخرى، فينادون أَصحاب الطرف الآخر أَلا حُلُّوا أَي خففوا عن عددكم حتى نساويكم في التعديل، قال: وهذه التي تسميها العرب الدَّوْدَاةَ والزُّحْلوقة، قال: تسمى أُرْجوحة الحضر المطوّحة»

و جاء عن الزحلوقة:

«الزُّحْلوقة: آثارُ تَزَلُّجِ الصبيان من فوق إلى أَسفل، وقال يعقوب: هي آثار تَزَلُّج الصبيان من فوق طين أَو رمل إِلى أَسفل؛ قال الكميت:

ووَصْلهُن الصِّبا إِن كنت فاعلَه

وفي مقام الصِّبَا زُحْلوقةٌ زَلَلُ

يقول: مقام الصبا بمنزلة الزحلوقة. وتَزَحْلَقُوا على المكان: تزلَّقُوا عليه بأَسْتاهِهم. والمُزَحْلَقُ: الأَمْلسُ. الجوهري: الزَّحاليقُ لغة في الزحاليف، الواحدة زُحْلوقة؛ قال عامر بن مالك مُلاعِبُ الأَسِنَّة:

لما رأَيت ضِرَاراً في مُلَمْلَمةٍ

                 كأَنمــا حافَتاهــا حافَتا نِيــقِ

يَمَّمْتُه الرُّمْحَ شَزْراً ثم قلت له

                  هذِي المُروءَةُ لا لعْبُ الزَّحاليقِ

يعني ضرار بن عمرو الضبي. والزَّحْلقَةُ: كالدَّحْرَجَةِ، وقد تَزَحْلَق؛ قال رؤبة:

لما رأَيتُ الشرَّ قد تأَلّقا،

وفِتْنةً تَرْمي بمن تَصَعَّقا،

مَن خَرَّ في طَحْطاحِها تَزَحْلقا

وقالَ الصّاغانِيُّ: الزَّحالِيقُ: لُغَةُ تَمِيمٍ في الزَّحالِيفِ. ومن المَجازِ: الزُّحلُوقَةُ: القَبْرُ أنَّه يُزْلَقُ فيه. والزُّحْلُوقَةُ: الأُرْجُوحَةُ اسم لخَشَبَةٍ يَضَعُها الصِّبْيانُ على مَوْضِع مُرْتَفِعٍ، ويَجْلِسُ على طَرَفِها الواحِدِ جَماعَة، وعَلَى الآَخرِ جَماعَةٌ، فإِذا كانَتْ إِحْداهُما أَثْقَلُ ارْتَفَعَت الأُخرَى

ووَصْلُهُنَّ الصِّبا إِنْ كُنْتَ فاعِلَه

وفي مَقام الصِّبا زُحْلُوقَةٌ زَلَلُ

وأَنشَدَ الجَوْهَرِيُ لمُلاعِبِ الأَسِنَّةِ:

يَمّمْتُه الرُّمْحَ شَزْراً ثُمّ قُلْتُ له

هذِي المُرُوءَةُ لا لِعْبُ الزَّحالِيقِ

وقد وردت  لفظة «الأرجوحة» عند بعض اللغويين   بمعنى مانسميه «بالمرجحانة», فقد جاء في كتاب «محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء للبلغاء» للراغب الأصفهاني (توفي 1108م) أبياتا لأبي طالب المأموني (توفي 993م)  في وصف الأرجوحة حيث قال:

سفينةٌ لا على ماءٍ ملجلجةٍ

                    تجري براكبها في لجة الريح

إذا انتهت بي إلى أقصى نهايتها

                   عادت كجري أتيٍ سال مسفوح

و«الأتي» هو الجدول توتيه إلى أرضك أو السيل الغريب. و لعله المراد هنا. و يفهم من هذا الوصف أن الأرجوحة تطلق على التي تعلق بالحبل.

      أما إذا أردنا اسم «المرجحانة» الفصيح الوارد في المعاجم و دون خلاف عليه فهو «الرجاحة» وتسمى أيضا النُّوَّاعَة والنُّوَّاطةُ والطُّوّاحَةُ. جاء في تاج العروس للزبيدي:

«الرُّجَّاحَة «كرُمّانَة: حَبْلٌ يُعَلَّق ويَرْكَبُه الصِّبيانُ» فيُرْتَجَح فيه. ويقال له: النُّوَّاعَة والنُّوَّاطةُ والطُّوّاحَةُ، «كالرُّجَاحَةِ»، بالتخفيف؛ قاله ابن دُرُسْتَوَيْه. وظنّ شيخُنا أَنّها الأُرجوحة، فجَعَلَهما لُغَتَيْن أُخْرَيَيْنِ فيها، واعترَضَ على المصنِّف بمخالَفته للجَماعةِ في تفسير الأُرجوحةِ، وأَنّها بمعنَى الحَبْل لم يَقلْ به إِلا ابنُ دُرُسْتَوَيه، ولم يُفَرِّقْ بين الأُرجوحةِ والحَبْل. وما فَسَّرناه هو الظاهرُ عند التَّأَمُّل. من المَجَاز: قال اللّيث: «الأَرَاجِيحُ الفَلَوَاتُ»، كأَنها تَتَرجَّحُ بمنْ سارَ فيها، أَي تُطوِّحُ به يَميناً وشِمالاً. قال ذو الرُّمَّة:

بِلالِ أَبي عَمرو، وقَدْ كان بَيْنَنَا

أَرَاجِيحُ يَحْسِرْنَ القِلاَصَ النَّواجِيَا

أَي فَيافٍ تَرَجَّحُ بِرُكْبانِها. من المجاز: الأَرَاجِيحُ: «اهتِزازُ الإِبلِ في رُتَكَانِها»، محرَّكَةً. «والفِعْلُ الارْتجاحُ والتَّرَجُّح» قال أَبو الحسن: ولا أَعرف وجْهَ هذا لأَنّ الاهتزازَ واحدٌ.

وهذا يعني أن لفظة مرجحانة أتت من جراء تعميم لفظة «أرجوحة» و«مرجوحة» على كلا اللعبتين ومنها حرفت اللفظة فقالت العامة «مرجيحة« و«مرجحانة».  أو هي مشتقة من الإسم «الرجاحة». و أي كان فاشتقاق الإسم جاء من نفس الفعل الأصلي.

أغراض المرجحانة عند العرب الأوائل:

عرفت المرجحانة عند  العرب كما رأينا سابقا بأنها - وإن كانت تسمى بأسماء  أخرى – فهي لعبة مسلية، ولكن نلاحظ أن هناك استخدامات أخرى لها كما نلاحظ في الأبيات الشعرية التالية:

وكبشك العُوسى والأُضحيه

أحدوثة أُرجوحة أُوقيّه

ابن أبي الحديد (1190 م – 1258م)

كَم إِلى كَم أَنتَ في أُرجوحَةٍ

تَتَمَنّى زَمَناً بَعدَ زَمَن

أبو العتاهية (747 م – 826 م)

ففي تلك الأبيات نلاحظ أن بعض الشعراء يسعون لاصطياد مواقف معينة يقولون فيها شعرا و يغنونه عن تلك المرجحانة، كما نلاحظ في البيت الشعري السابق لابن أبي حديد، حيث نرى سخرية الشاعر من أضحية شخص ما. إذن يتضح لنا هنا  تزامن هذه الفترة بتزامن فترة الحج، ولكن لا نعلم هل فعلا في ذلك الزمان كانت تستخدم كطقس من طقوس الحج أم لا؟

 المرجحانة:اصطلاحا:

هي لعبة شعبية يمارسها الكبار والصغار وخاصة الفتيات وهي عبارة عن لعبة الأرجوحة حيث تقوم الفتيات باختيار شجرتين قريبتين من بعضهما البعض ويربطن الحبل الطويل بغصن شجرة قوي وتجلس الفتاة في منتصف ثنية الحبل والتي تكون مرتفعة عن الأرض بحدود 70سم وتبدأ الفتاة بدفعها للأمام والخلف وهي ممسكة بيديها  على طرفي الحبل المربوط بالغصن ويمكن أن تركب فتاتان على هذه المرجحانة مقابل بعضهما البعض بشكل الوقوف واحدة تدفع للأمام وعند الانتهاء من الدفعة تأخذ الأخرى دورها فتدفع للجهة المقابلة وهكذا وبعد أن تنتهيا أو تنتهي راكبة المرجحانة تأخذ مكانها فتاة أخرى وهكذا..

    وليس لها وقت محدد ويهزجن بأغانٍ لهن وتكون بالألحان وخاصة بهذه اللعبة وتلعب في أيام العطل والأعياد وفي المناسبات الخاصة وتعتبر هذه اللعبة من أقدم الألعاب الشعبية..

ولا تستخدم المرجحانة كنوع من الألعاب فقط، ولكن هي طقس من طقوس الحج القديمة...

  إذن يمكننا أن نضع  «المرجحانة» في  قسمين رئيسيين، أي  أنها تعتبر لعبة،  وفي الوقت نفسه تعتبر طقسا تراثيا.

وتوجد عدة طرق لنصب المرجحانة، ورغم أن نصابها الآن قد صار أكثر تطورا وسنركزهنا على كيفية نصابها في السابق..

1-   بين نخلتين

2-   بين جذعين

3-   في السدرة.

فالطريقة الأولى يتم نصب المرجحانة فيها  بين نخلتين طويلتين إلى حد ما، ويوضع في وسط الحبل قطعة خشب لجلوس الطفل عليها، و أحيانا يتم وضع قطعة من الجلد أو قطعة من السجاد،  وقد يستخدم في نصبها حبل مزدوج كما هو موضح في الصورة التالية:

أما الطريقة الثانية فيكون النصب فيها بين جذعي شجرتين، إذا كانتا قريبتين من بعض بالدرجة المطلوبة، وكذلك يتم وضع قطعة الخشب كما ذكرنا سابقا، وفي بعض الأحيان يتم وضع حبلين متباعدين قليلا لجعل المرجحانة تحمل طفلين.

وآخر طريقة يتم فيها النصاب وهي الطريقة التي كان لها ذكر حتى خارج نطاق مجتمعنا، على سبيل المثال في اليمن والمنطقة الشرقية وهي طريقة نصب المرجحانة في السدرة، حيث إن هذه الشجرة تتميز بالقوة وعرض جذوعها.

 المرجحانة نوع من الألعاب:

كانت الأرجوحة، أوالمرجحانة من العهود القديمة مشغلة للصغير والكبير في المناسبات، رغم أنها تستخدم كلعبة في أي وقت ولكن كان لها ارتباط ببعض المناسبات التي سنذكرها لاحقا..

رغم ما طرأ عليها من تغيير في شكلها في زماننا الحالي تبقى «المرجحانة» من الألعاب التي ينجذب لها الصغار...

ففي الزمان القديم، كان للمرجحانة حيز كبير في حياة الأطفال، وقد يتسابق الأطفال في الحصول على فرصة اللعب بها، وقد كان هناك تحديد للوقت الذي يقضيه الطفل في التأرجح عليها، فهناك وقت قصير وقد أسموه بـ«شوط العيدي» الذي يتميز بقصر الوقت الذي يقضيه الطفل على «المرجحانة» وذلك بقصر الأغنية التي يرددها أثناء اللعب، ونذكر جزءا منها:   

(( شوط العيدي ))

شوط شوط العيدي...واحمله وازيدي

واحط عليه المشخال...واخلي....يشغل

شخل شخل يالمشخال..يا آلوه يا آلوه

يا شللوه يا وللوه... رحت البيت صليت

وشفت عجوزة البيت

أما عندما يريد  الطفل أن يلعب لفترة أطول، فتسمى بـ« شوط البطة» وهي تحمل أغنية طويلة يرددها الطفل ومن معه من الأطفال، حيث أن مثل هذه الأهازيج تألفها الأم وترددها على ابنها، ويبدأ الطفل بحفظها وتنتشر لديهم، وشيئا فشيئا يحفظها الأولاد والبنات وتصبح جزءا من ألعابهم، ولنذكر أيضا جزءا من أغنية شوط البطة:   

 ((شوط البطة))

شوط شوط البطة

دور دور وانعل ابو من من حطه

اوحطته خميسة.. خميسة راحت البر

واتجيب عيش الاخضر..واتحطه في الصواني

صواني يا خواني..بيت لعجيز احترق

صبوا عليه قطرة مرق

امي تناديني...تبغي اتحنيني

بغضارتين صيني

صيني على صيني... ياربي تهديني

واحج بيت الله..وازور رسول الله

قاعد على المنبر..فيده اطوير اخضر..

ويلقمه سكر..سكر على سكر...

يا فاطمة بت النبي

اخذي كتابش وانزلي..على محمد وعلي

 المناسبات  الخاصة للمرجحانة:

ومن مناسبات الأرجوحة أيام عيد الفطر،  وعيد الأضحى أو قرب العيد، ولهذه المناسبات أغان خاصة تختلف عن الأغاني التي ذكرناها سابقاً، فعلى سبيل المثال هناك أغان خاصة مرتبطة بفترة انتهاء شهر رمضان وقرب عيد الفطر، فهنا تحمل الأغاني معاني مرتبطة بهذه المناسبة، ومن أمثلة تلك الأغاني أغنية أنت وأنا وهي:-

((انت وانا))

انت علي وأنا علي....ركبنا فوق الجبلي

وشفنا ناس ياكلون..اكلنا معهم مدتين

وقلنا يا عمي حسين.... وشبقى من رمضان

سبعة أيام التمام..قلنا لا:

بكى واحد – بكى  ثاني – بكى  ثالث – بكى رابع – بكى خامس – بكى سات – بكى سابع – بكى ثامن – بكى تاسع – بكى عاشر – بكى احدعشر – بكى اثنعشر – صل الله على لثنعشر

شد لحمار يا حمار عن لا تجيك ام حمار

وليس الأطفال فقط من يتغنون بالأغاني، بل هناك بعض الأغاني تخص النساء، وكانت تذكر عادة عند الحكام في أيام الأعياد، على سبيل المثال أغنية «يالعايدوه» والتي هي أجمل مثال لأغاني العيد وهي:-

(( يالعايدوه ))

يالعايدوه يالعايدوه

مريت بالقلعة وشلعني ارداية

نص على راسي ونص احذايه

يالعايدوه يالعايدوة

مريت بالقلعة وشلعني بخنقي

نص على راسي ونص يسحبي

يالعايدوه

مريت بالقلعة وحس فيها رطين

وحس ابو حمد يهد لمحبسين

يالعايوده.....

مريت بالقلعة وبشرني البشير

كل ضعيف ايصير اله الله نصير

يالعايدوه...

وهناك أيضا أنشودة تقولها الفتيات عند الأرجوحة في مناسبات أخرى وهي:

بربشني يالهولي...  يا ناقش احجولي

احجولي بربع اميه... ياليتها لومية

مزروعة في البستان...  يكشرها عبد الله

وياكلها سلمان...  سلمان يابو جوخة

يمراطن العجمان...  طلوا خواتي طلوا

شوفوا البحر غدران ... شوفوا شراع ابيي

ابيض من الكرطاس...  شوفوا شراع العدوان

اسود من الدخان...  بربش بربش بربش

فهذه الأبيات والأناشيد المستخدمة أثناء اللعب و التأرجح، تتنوع وتختلف من مناسبة إلى مناسبة ومن فئة إلى فئة، وتحمل كلماتها معاني كثيرة

لسنا بصدد دراستها – حيث يطول شرحها وشرح ما تحمله في طياتها من معان جميلة استخدمت في ذلك الزمن..

المرجحانة طقس من طقوس الحج:

   بعد أن ألقينا نظرة على استخدام «المرجحانة« في الألعاب و المناسبات، ننتقل الآن إلى الجانب الأقدم تراثياً للمرجحانة، وهو اعتبارها طقسا من طقوس الحج،حيث أن للحج طقوسا عديدة   فاستعداد الحاج للسفر يليه  نصب المرجحانة ثم انتظار عودة الحاج من مكة، كل هذه المحطات عبّر عنها الوجدان الشعبي بجملة من التغاريد أو الأغاني التي تحمل في طياتها شحنات انفعالية وعاطفية قوية، فرح يختلط بالحزن والترقب، حالات من التوجس والقلق النفسي تظل تحيط بأهل الحاج وأقربائه.. وتنتهي كل هذه الانفعالات بعودته سالما. 

فبسبب هذا الخوف على الغائب الذي ذهب لقضاء مناسك الحج، يبدون بتسلية أنفسهم والترويح عنهم بالدعاء والأماني التي تكون على شكل أغان  يرددونها عن هذه المرجحانة....

    كل هذه الشحنات العاطفية يسكبها الوجدان الجمعي على (المرجحانة) ولمدة من الزمن.. ويبدو أن هذه العملية لها جذور تاريخية ورمزية عميقة نجهلها، وسبب هذا القول هو أننا وجدنا هذه الطقوس في المجتمع اليمني أيضا،  فالأرجوحة كانت ولازالت موجودة هناك...

 مراحل طقس المرجحانة:

ليس هناك تقسيم فعلي للمراحل التي يتم فيها هذا الطقس، ولكن لتسهيل العرض قمنا بهذا التقسيم البسيط لتلك المراحل:

1- نصب المرجحانة:

 تبدأ طقوس المرجحانة عند خروج الحاج من منزله، حيث تقول إحدى كبار السن:  عند خروجه  يدار على رأسه بالعيش(الأرز) بالإضافة إلى مبلغ من المال, ثم  يعطى ذلك للفقراء لدفع البلاء عنه..

وتقول أخرى: عندما يستعد الحاج للسفر, يرفع الآذان ويرمون عليه النقود, كما يوزعون على الحاضرين النقود أيضا بمعنى الصدقة لدفع البلاء عن الحاج ورجوعه بالسلامة.. ويطول الحديث في الطقوس

إذن  تنصب المرجحانة من يوم خروج الحاج من الحي (الديرة) وتبقى حتى يوم التاسع من شهر ذي الجحة ..

وفي البداية تنصب المرجحانة في داخل بيت الحاج إذا كان هناك متسع من المكان، أما إذا لم يكن هناك مكان مناسب فيتم نصبها في «أماكن المرجحانة» أي الأماكن التي تكثر فيها وجود السدر  أو النخيل.

وبعد أن تنصب المرجحانة، يبدأ الأطفال والأهل والجيران بالإقبال عليها و التأرجح يوما بعد يوم إلى اليوم الثامن من ذي الجحة، حيث في اليوم التاسع يبدؤون بنقلها إلى مكان آخر سنذكره في آخر مرحلة..

2- الأهازيج والأغاني:

تتنوع الأهازيج والأغاني التي ترددها النساء في هذه الفترة، فكل من لها غائب تردد هذه الأغاني التي تحوي الدعاء له بالعودة سالما، فهذه الأهازيج والأناشيد يختلف طابعها عن طابع الفرح المستخدم في اللعبة، فهذه طابعها يكون ممزوج بشي من الحزن لرحيل الغائب، وليس في مجتمعنا وحسب، بل إن هذا الطابع موجود عند أهل اليمن أيضا، فطقس المرجحانه ليس حصرا على مجتمع البحرين، بل وجدناه أيضا في اليمن والسعودية، وإن كانت هناك اختلافات بسيطة في التفاصيل...

ومن ضمن هذه الأغاني نذكر مثالا جميلا: -

العيد عيدنا وشكينا لحجول

والف صلينا على الهادي الرسول

وحجوا الحجاج بيام السعود

ياعيدة الزينة على الحجي تعود

العيد باجر والذباح الليلة

وامي تعجفني عجاف انخيلة

قومي يا شيخة ركبي الصفرية

ياشيخة النسوان يالبيبية

فرشوا إلى الحجى على الفراسه

ويراطن العجمان مقوي باسه

فرشوا إلى الحجي على السطحة حصير

يراطن العجمان والمركب يسير

عساك يالحجي حجة امكملة

يحج بيت الله ويجي لمنزله

جتنا اخطوط امن المدينة امشمعه

يقراها الحجي وانا بتسمعه

عساك يالحجي حجة اميدنة

تحج بيت الله وتجينا بالهنى

بيتك يالحجي سيسوا يبنونه

وبيت العدو بالتفق يرمونه

بيتك يالحجي يالمنور من ورى

يعجب المار جنة منظرة

3-- العرس الرمزي «التزويج»:

    وبدخول يوم التاسع من شهر ذي الحجة يقومون بنقل حبل المرجحانة إلى بيت الحاج، لتزويجها بما أسميناه «زواج رمزي»، ومن جهة أخرى تقوم النساء –من الأهل والجيران- بإعداد «الفرشة» وهي تزيين غرفة الحاج بكل أنواع الزينة المستخدمة سابقا في إعداد فرشة العروس..

وعندما يصل حبل المرجحانة يبدؤون بتعليقه على جدار هذه الدار المزينة، وكذلك يتم تزيين الحبل بوضع « المشموم» عليه، ويقال إنهم يضعون الذهب داخل هذا الحبل، فيصير حبل المرجحانة شبيها بالعروس  ليلة زفافها، فإذا وجدت العروس لابد أن يكون هناك «العريس»، فلم تغفل النساء عن هذا الجانب، فالعريس يكون الحاج، ولكن لغياب الحاج يقومون بعمل تمثال للحاج وهذا التمثال إما أن يكون جذع شجرة يلبسونه ثوب الحاج، وإما أن يضعوا «مبخرة» وهي مصنوعة من الخشب وينشروا عليها ثياب الحاج والأدوات التي يستخدمها في مهنته فعلى سبيل المثال، إذا كان الحاج المسافر «نجارا» فيقومون بوضع عدة النجار حول هذه المبخرة مثل « المطرقة، المنشار و المسامير وغيرها»..

وفي بعض الأحيان يقوم رجل بتجسيد دور العريس، وفي هذه الحالة تقوم النساء بوضع كل ما لذ وطاب من أصناف الأكل له، ولكن هذا الأكل يوضع أمامه فقط دون أن يأكله، وما أن ينتهي هذا الزواج الرمزي، يتم التصدق بهذا الأكل للفقراء والمحتاجين..

وطوال هذا اليوم التاسع من الشهر يتغنى النساء بأغاني العرس، وتنتهي المراسيم بانتهاء هذا اليوم، ولكن ما يبقى من ذلك اليوم هو «الفرشة» فهذه تبقى لحين عودة الحاج سالما من سفرته...

 رأينا إذن أن المرجحانة ليست فقط لعبة بل هي طقس تراثي مهم، ولكن مع مرور الزمن انتهى دورالمرجحانة كطقس، وأصبحت تستخدم كلعبة فقط، واستبدلت أغاني الأماني والدعاء إلى أغاني تسلية للأطفال مثل «شوط البطة» وغيرها مما ذكرنا سابقا.

ولم ينته هذا الطقس فقط، بل إنه انمسح من الذاكرة ولم ينقل النقل الصحيح من جيل إلى جيل، فأصبح طقسا غير معروف لدى معظم الناس، ولذلك  سعينا  في هذه الدراسة البسيطة أن نوثق هذا الطقس القديم ليبقى في الذاكرة..

 

هذا النص في أصله بحث جامعي أعد تحت إشراف الدكتورة سوسن كريمي وراجعته وهيأته للنشر مقالاً الدكتورة نور الهدى باديس

المراجع  والمقابلات

المراجع:

1- أروى عبدة عثمان، من تقاليد الحجيج في اليمن ( تغاريد المردهة)، مجلة المأثورات الشعبية،  العدد 64 يوليو 2002

2- حسين حسن مكي آل سيلهام، من تاريخ سيهات، دار الخليج العربي للطباعة والنشر، لبنان، بيروت 1998

3- سيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، 

4- سيف مرزوق الشملان، الألعاب الشعبية الكويتية، الطبعة الثانية،  1978

5- علي ابراهيم الدرورة، الأهازيج الشعبية في الخليج العربي، مركز زايد للتراث والتاريخ 2000

6- لسان العرب للإمام العلامة ابن منظور

7- محمد علي الناصري، من تراث شعب البحرين، المطبعة الشرقية، المنامة، البحرين 1990

 

المقابلات:

مقابلات شخصية مع كل من:

1- الحاجة حبيبة أبو الحسن، العمر 62، من منطقة كرز كان

-السيدة رباب جاسم، العمر 50 سنة، من منطقة النعيم

-الحاجة فاطمة علي،  العمر 70 سنة، منطقة كرز كان

-السيدة زهرة محمد، العمر 65 سنة، منطقة عالي

2 – مقابلة شخصية مع الباحث في التراث: الأستاذ / حسين محمد حسين.

أعداد المجلة