فنّ ''المالوف'' في ''تستور'': تراث شعبيّ ذو تقاليد شفويّة
العدد 35 - موسيقى وأداء حركي
إنّ في رصيد التّراث الموسيقي التّونسي من الثّراء والغزارة ما جعل عديد الدّارسين والباحثين يُقبلون عليه بكلّ شغف للارتواء منه والتشبّع به، فتعدّدت بذلك الدّراسات والبحوث في معرفة أصول هذا التّراث وخصوصياته الأدبيّة منها والموسيقيّة. ويمثّل «المالوف» في تونس جزءا هامّا من رصيد هذا التراث الموسيقيّ والذي تكوّن عبر مئات السّنين من طرف موسيقيّين مجهولين وانتقل مشافهة من جيل إلى آخر، فكان من الطّبيعيّ له أن يتعرّض خلال مسيرته إلينا لبعض التّغييرات والتّحويرات الشّيء الّذي أدّى إلى وجود روايات عديدة ومختلفة في بعض المناطق التّونسيّة. من هذا المنطلق، ستنطوي دراستنا على إحدى هذه الروايات وهي رواية «تستور» للمالوف الّتي لها من الخصوصيّات الفنيّة ما دفعنا للخوض في عبابها والتّنقيب في مادّتها الأدبيّة والموسيقيّة.
وبحكم تخصّصنا العلميّ المتمثّــل في «اثنولوجيا الموسيـقــى» (ethnomusicologie)، والّـــذي يُعْنــــى بـــدراســة الأنمـــاط المـــوسيـقيّة في إطارها الاجتماعي والثّقافي، سنقوم من خلال هذه الدراسة بمحاولة كشف وفهم العلاقة الّتي تربط بين هذا الموروث الموسيقـــــيّ بـــــــواقـــعـــــــه الاجتمــــاعـــي وتـــوضـــــيــح أبعــــــاده الاجتمـاعـــــية والثّقافيّة ومدى تأثيره في الحياة اليوميّة لأهـــالـــي المــــنــــطــــقة.
ماهيّة المالوف:
«المالوف» هو نمط موسيقيّ ذو تقاليد شفويّة في الحفظ والتّداول، يمكن إدراجه ضمن التّراث الموسيقي التّونسيّ باعتباره موروثا موسيقيّا يحتوي على أشعار غنائيّة منتخبة من قصائد وموشّحات وأزجال متعدّدة من كلام الأندلسيّين وأهل المغرب وبعض التّونسييّن(1).
والحديث عن الأصول التّاريخيّة لموسيقى المالوف بتونس يبقى في محدوديّة دائمة، وذلك باعتبار أنّ محاولة أيّ باحث في هذا المجال لا تعدو أن تكون إلاّ ملامسة لتاريخ هذا الفنّ والّتي تتعمّق كلّما ازداد الدّارس تعمّقا في الكشف عن خبايا هذه الموسيقى وفهمها وتحديد أصل نشأتها والبحث عن دوافع تواصلها.
ومن الطبيعيّ جدّا، أنّ الخوض في هذا الجانب لا يمكن أن يتمّ بمعزل عن المصادر المكتوبة الّتي تناولت بالدراسة وبالتحليل الجوانب التّاريخيّة لموسيقى المالوف والّتي تعدّدت بتعدّد المختصّين والمؤرّخين في هذا المجال.
فمن جانبه ذكر حسن حسني عبد الوهّاب في كتابه «ورقات» في جزئه الثّالث يقول:
«.. تاريخ المالوف هو تاريخ الهجرة الأندلسيّة إلى شمال إفريقيا، عندما بدأ نزوح المغاربة الأسبان إلى تونس في عهد الحفصيّين..»(2)، وفي موضع آخر يضيف قائلا: «.. ذلك هو هجرة أهل الأندلس الأخيرة إلى القطر التّونسي - أوائل القرن الحادي عشر هجري - إذ أنّهم جلبوا معهم ما بقي لديهم من أغانيهم الكلاسيكيّة وألحانهم الشّعبيّة»(3).
وفي المنحى نفسه، يقول الرزقي(4) في كتابه الأغاني التّونسيّة: «من أحسن النّغم والأعاريض الّتي أتى بها مهاجرو الأندلس تلاحين الموشّحات والأغاني المعبّر عنها عندنا بالمالوف...»(5).
والواقع، أنّ انتشار الموسيقى الأندلسيّة في البلاد التّونسيّة لم يتزامن فقط مع مهاجري الأندلس إليها وإنّما سبق ذلك بفترة، حيث ازدهرت الفنون الأندلسيّة في عهد الموحّدين(6) الّذين بسطوا حكمهم على كامل المغرب الكبير، وتطوّرت أساليبها على الأهواء والأذواق... ودام هذا التيّار الجديد آخذا بنفوس السكّان طيلة ثلاثة قرون ونصف، وشاعت بينهم أغاني اشبيلية وغرناطة، وارتكز الفن التلحينيّ على النوبات والموشحات(7).
يبدو إذن أنّ توافد الأندلسيّين إلى القطر التّونسيّ في كلّ الأحوال كان له بالغ الأثر في تغيير الحركة الموسيقيّة بتونس، خاصّة في عهد الدّولة الحفصيّة(8) الّتي تألّقت فيها الحضارة التّونسيّة وبلغت أعلى درجات الازدهار، وفي هذا المعنى يقول ابن خلدون(9): «اجتمع بحضرته (أي المستنصر بالله الحفصي(10)) من أعلام الناس الوافدين على أبيه وخصوصا الأندلس من شاعر مفلق، وكاتب بليغ، وعالم نحرير... متفّيئين ظلّ ملكه.. وفي أيّامه عظمت حضارة تونس، وكثر ترف ساكنها، وتأنّق النّاس في اللّباس والمراكب والمباني ... وتناغوا في اتّخاذها وانتعاشها إلى أن بلغت غايتها»(11).
ولعلّ اعتراف كلّ دول المغرب والأندلس بقيمة سلطة الحفصيّين وتوجّه أغلب علماء الغرب الإسلامي نحو تونس، من بين أهمّ العوامل الّتي ساهمت في انتشار الموسيقى الأندلسيّة المسمّاة ـ كما أسلفنا باسم المالوف وفرضها على كلّ الأذواق(12) حتّى أنّها صارت الأكثر طغيانا على مسامع التّونسيّين في ذلك العهد وحتّى من بعده(13).
إنّ الجذور التّاريخيّة للمالوف، مكّنته من أن يجسّد التّراث الموسيقي التّونسيّ وذلك لما يحتويه من رصيد موسيقيّ يتكوّن ـ وبدرجة أولى. من نوبات(14) على عدد الطّبوع التّونسيّة(15) وذلك إذا ما استثنينا بعض القوالب الموسيقيّة كـ «الشغل»(16) و«الفوندو»(17) و«البشرف»(18).
1. تقديم منطقة البحث «تستور»:
تقع تستور في الشّمال الغربيّ للبلاد التّونسيّة، وهي معتمديّة من بين تسع معتمديّات(19) بولاية باجة، عُرفت هذه المنطقة بعراقتها وبتاريخها(20) إذ تعدّ من بين أبرز المناطق التّونسيّة الّتي اعتمرت بها الجالية الأندلسيّة المهاجرة من بلاد الأندلس إلى تونس(21) وهي بشهادة ابن أبي دينار «.. أعظم بلدان الأندلسييّن وأحضرها..» ولعلّ احتضان هذه المنطقة لأهمّ مظاهر التراث الأندلسي يؤكّد الفكرة القائلة بأنّ «تستور هي وريثة الأندلس على ضفاف وادي مجردة».
2. مظاهر الإعمار الأندلسي بتستور:
من المؤكّد أنّ الهجرة الأندلسيّة الأخيرة إلى القطر التّونسيّ سنة 1609م، كان لها بالغ الأثر خاصّة بجهة تستور الّتي احتضنت مظاهر كثيرة من تأثير الإعمار الأندلسي بها والّذي شمل العديد من الجوانب من ذلك الجانب المعماري والإجتماعي والثّقافي.
الجانب المعماري:
تتميّز تستور بطابع معماري أفردها عن سائر القرى الأندلسيّة - إن صحّ التّعبير - بتونس، ومن الطبيعيّ جدّا أن يكون حديثنا عن الفنّ المعماري بهذه الجهة انطلاقا من آثار المسجد الكبير الأوّل بالرّحيبة وصومعة(22) الجامع الكبير الموجود بحيّ التّغرين(23)، إضافة إلى القباب المرتفعة فوق المساجد والزّوايا(24) والحمّامات وكذلك الدّيار(25) ذات الطّابع الأندلسي.
والواقع أنّ اختيار الموريسكيّين لموقع «تشيلاّ» الأثري كان صائبا إلى حدّ كبير، إذ أنّ وفرة الحجارة الرّومانيّة سهّلت عليهم عمليّة تشييد المباني بطابع أندلسيّ إسبانيّ تتجلّى ملامحه في النّقوش و«القرميد» والآجر البارز، كما أنّ الموقع الجغرافي ومناخه الطّبيعيّ خفّف لهؤلاء المهاجرين من غربتهم ومكّنهم من استحضار بيئتهم الأصليّة بالأندلس، ومهما يكن من رأي وافتراضات في هذا الجانب، فمن المؤكّد جدّا أنّ الجالية الأندلسيّة نجحت إلى حدّ كبير في تحويل «تيشيلاّ» الرّومانيّة إلى تستور الأندلسيّة.
الجانب الإجتماعي:
إنّ الجالية الأندلسيّة المهاجرة إلى تونس عموما وتستور بصفة خاصّة وغيرها من القرى الّتي أسّسوها وشيّدوها، هم من الموريسكييّين الّذين أُطردوا من موطنهم الأصلي بحكم حملة التّنصير عليهم وبعد أن عاشوا فترة من الزّمن بإسبانيا تحت وطأة الاضطهاد لدينهم الإسلاميّ. لذلك، كان من الطّبيعيّ أن يتهافت هؤلاء الأندلسيّون - في موطنهم الجديد تستور - على الدين الإسلامي بكلّ لهفة وحماس، وهو ما أدّى إلى طغيان الظّاهرة الدّينيّة في سلوكهم الاجتماعي وفكرهم الثّقافي.
والـــواقـــع، أنّ ثــــــــراء الحيــــاة الــــدّينــــيّة في الـمــجتــــمــــــع التّستوري عموما لم يقتصر على العنصر الأندلسيّ وحده، وإنّما كان نتيجة لإسهامات عناصر اجتماعية أخرى ونعني بذلك «الوِسْلاَتِيِّين» وهم قبائل نزحوا من جبل وسلات بالجزائر وغيرهم من الّذين التحقوا بالأندلسيّين وتقاسموا معهم تستور ونعني بهم «المانسيّون» وهم أصيلو منطقة «مانس» قرب «جبل وِسْلاَتْ» بالجزائر، و«الزْوَاوِيُّون» أصيلو منطقة «زواوة» بالجزائر، و«الحنفيّون» واليهود والبَلْدِيِّون.
وعلى الرّغم من اندماجهم مع الوسلاتيّين وغيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى، فقد حافظ الموريسكيّون على عاداتهم وتقاليدهم وتمكّنوا من نقل حِرفهم ومِهنهم ونشرها لدى المجتمع المحلّي بتستور.
ونورد فيما يلي جدولا بيانيّا(26) يحتوي على أسماء بعض العائلات(27) الأندلسيّة المتبقيّة منها والمندثرة بتستور، مع قناعتنا الراسخة بأنّ العائلة الأندلسيّة تمثّل النّواة الأولى للمجتمع التستوري والّتي لها الدّور الأوّل والأساسي في نقل عادات وتقاليد وثقافة المجتمع الموريسكيّ:
اسم العائلة |
الأصل |
ملاحظات |
ابن الشّيخ |
نسبة إلى اسم الأب أو الجد. |
يوجد هذه النسب أيضا في كلّ من مجاز الباب، العالية، غار الملح. |
ابن عاشور |
نسبة إلى اسم الأب أو الجد. |
يوجد هذه النسب أيضا في كلّ من تونس، العالية، السلوقيّة، طبربة. |
ابن موسى |
نسبة إلى وادي موسى بجزيرة «ميّورقة» (Majorque) «Moussa de val» |
يوجد هذه النسب أيضا في كلّ من العالية، السلوقيّة، قريّش الوادي. |
ابن هجّالة |
نسبة إلى صفة المرأة المتوفّي زوجها. |
وجد هذه النسب أيضا في واكدة. |
ألكانتي |
نسبة إلى«Alicante» مدينة إسبانيّة تقع على السّاحل الأبيض المتوسّط. |
وجد هذه النسب أيضا في السلوقيّة. |
الأندلسي |
«Andaluz» 50كلم جنوب غربي صوريا بإسبانيا«Soria». |
هذه النسب متواجد في عدّة مدن تونسيّة. |
بشكوال |
إسم إسباني «Pascual». |
يوجد هذه النسب أيضا في كلّ من سليمان، وطبربة. |
بلنسين |
نسبة إلى «بلنسية» «Valencia» |
يوجد هذه النسب أيضا في مجاز الباب. |
بنتور |
نسبة إلى الرسّام بالإسبانيّة «Pintor» |
يوجد هذه النسب أيضا السلوقيّة ومجاز الباب. |
بلانكو |
نسبة إلى اللّون الأبيض «Blanco» |
يوجد هذه النسب أيضا في غار الملح وقريّش الوادي |
الطبيب |
نسبة إلى مهنة. |
يوجد هذه النسب أيضا في السلوقيّة ومجاز الباب. |
الطويل |
نسبة إلى صفة خلقيّة. |
يوجد هذه النسب أيضا في السلوقيّة. |
لقد حافظت العائلات الأندلسية على عاداتها وتقاليدها واحتفظت بمهنها وحرفها بالرّغم من اندماجها في المجتمع التّونسيّ بصفة عامّة وخاصّة بالعناصر الاجتماعيّة المكوّنة لسكّان تستور، كما تمسّكت بقيم التّسامح والتّعايش مع العنصر اليهوديّ مثلما كان هو الحال بالأندلس. وبالتّالي يمكننا القول بأنّ العائلة الأندلسيّة في تستور كان لها الدّور الأساسي في تطوير البنية الاجتماعيّة والعمرانيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة لهذه المنطقة.
الجانب الثقافي:
لم تحتوِ الهجرة الأندلسيّة الأخيرة إلى تونس عامّة وتستور بصفة خاصّة على علماء وأدباء، وإنّما ضمّت حرفيّين وفلاّحين موريسكيّين، وهؤلاء هم الّذين لم يجدوا حريّة ممارسة شعائر الدّين الإسلامي في إسبانيا مثلما وجدوها في مستقرّهم الأخير تستور، لذلك كان من الطبيعيّ أن يزداد تعلّقهم بالإسلام لغة ودينا ولعلّ هذا ما أدّى إلى تطوّر ثقافتهم الدّينيّة.
إذ أنّهم أقبلوا على حفظ مبادئ الإسلام ونشرها بين الأحفاد، فتعلّموا اللّغة العربيّة بعد أن كانوا يتكلّمون اللّغة الإسبانيّة وقاموا بنسخ المخطوطات(28) التي تمثّل في اعتقادنا خير دليل على مدى تعلّق الموريسكيّين واهتمامهم البالغ بالثّقافة الدّينيّة ومدى لهفتهم وحماسيّتهم في اكتساب علوم الدّين بعد أن كانوا قد فقدوها في موطنهم الأصلي.
لقد أدّى التعلّق الكبير بالدّين الإسلامي من طرف الجالية الأندلسيّة بتستور إلى إثراء الرّصيد الثّقافي الدّيني بأدب المدائح والخطب والفتاوى، وكان من الطّبيعيّ أن تكون المساجد والزّوايا مقرّا لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم وإنشاد القصائد المدحيّة(29) والأوراد الصّوفيّة.
وبما أنّ الأدب الشّعبيّ جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع التّستوريّ، كان من الضروريّ أن نقف عند بعض الجوانب من هذا الأدب الّذي يعبّر عن قيمة فنيّة تعكس وبدرجة أولى واقع الحياة الاجتماعيّة الثّقافيّة لهذا المجتمع.
وفي لقائنا مع شيخ المدينة بتستور، حدّثنا «عمّ رشيد»(30) عن مضمون الأدب الشّعبي الموجود بالجهة والمتكوّن أساسا من أمثلة شعبيّة وأقاصيص وشعر شعبيّ الّذي اتّخذ في نظمه اتّجاهين اثنين: الأولّ ديني والثّاني دنيوي.
ونورد فيما يلي جدولا قمنا فيه بإدراج بعض الأمثلة الشّعبيّة الّتي مدّنا بها هذا المخبر والّتي كانت نتاجا للتّواجد الأندلسي بتستور:
المثل الشّعبيّ |
لفظه باللّغة العربيّة |
المعنى |
«الدَّارْ فِي التَّغْرِينْ وِالسَّانْيَهْ فِي الْبَرْقِينْ» |
المَنْزِلْ فِي التَّغْرِينْ وِالضَّيْعَة فِي البَرْقِينْ. |
يقال هذا المثل الشّعبي على العائلة الأندلسيّة في تستور الّتي تعرف بالشّرف والثّراء، فهي شريفة لأنّها تسكن بحيّ التّغرين الّذي يعتبر أوّل حيّ أسّسه الأندلسيّون، وثريّة لكونها تملك ضيعة في «البرقين» وهو موقع على ضفاف وادي مجردة يعرف بالخصب ووفرة المياه. |
«دْخَـلِّـنَّا الأَرَبِشْ» |
دَخَلَ عَلَيْنَا الأَعْرَابْ. (الأَرَبِشْ «Arabes» هي لفظة إسبانيّة معناها الأعراب). |
يقال هذا المثل عندما يدخل على المجتمع التّستوري غريب فينعت بـ«الأَرَبِشْ» للدّلالة على كونه لا ينتمي للمجتمع التّستوري الأندلسي. |
«المَالُوفْ الأَنْدُلْسِي فِي الجِدِّ وَالْهَلْسِ» |
المَالُوف فِي الوَرَعِ وَالهَزْلِ |
بمعنى أنّ نوبة المالوف لها اتّجاهين: الأوّل ديني يقتصر على المدائح النّبويّة والثاني دنيوي ويشمل الغزل والعشق. |
«يْسِبْ وِيْقَشْتِلْ» |
يَسُبُّ وَيَشْتُمُ بالقَشْتَالِيَّة. ( القشتاليّة هي لهجة إسبانيّة كانت تتلفّظ بها الجالية الأندلسيّة الأولى القادمة من قشتالة شمال إسبانيا). |
ومعناه، أنّ شخصا يسبّ ويشتم بألفاظ قشتاليّة وهي بالتّالي ألفاظ غير مفهومة. |
«الحَضْرَه فِي الْعِرْيَانْ والرَّقْصْ فِي الْملِّيتِي» |
الحَضْرَة فِي زَاوِيَة «العِرْيَانْ» والرَّقْصُ فِي زَاوِيَة المِلّيتي |
بمعنى أن يقع إنشاد المدائح الدّينيّة والأوراد الصّوفيّة في زاوية العريان وهذا ما يسمّى بمالوف الجدّ، أمّا الرّقص في الملّيتي فمعناه أنّ ينشد مالوف الهلس في زاوية الملّيتي وهو أمر غير مألوف لأنّ الزّوايا لا ينشد فيها إلاّ مالوف الجدّ. ويقال هذا المثل الشّعبي عندما تختلط الأمور وتتفرّق. |
يمكن القول بأنّ هذه الأمثلة الشّعبيّة، هي نتاج ثقافيّ محلّي للمجتمع الموريسكيّ بتستور والّتي تعكس واقع الحياة الاجتماعية والثّقافيّة بالجهة، ولعلّ ما يدعّم رأينا فيما ذهبنا إليه هو وجود بعض الألفاظ الإسبانيّة مثل «الأَرَبِشْ» أو أسماء بعض الأماكن بتستور مثل «التَّغْرِينْ» .
أمّا بالنّسبة للشّعر الشّعبيّ، فقد اتّخذ هذا النّوع من الأدب في شكله النّهائي اتّجاهين مختلفين أحدهما ديني والآخر دنيوي. والواقع، أنّ هذين التيّارين في الشّعر الشّعبي بتستور يشتركان تقريبا في الشّكل والمعنى ولعلّ التّداخل بينهما طبيعيّ جدّا، فمن ينشد اليوم المدائح الصّوفيّة بإحدى الزّوايا تجده غدا يترنّم بالمالوف في مناسبة احتفاليّة اجتماعية كالزّواج.
يبدو أنّ الطّرق الصّوفيّة في تستور، كانت ولا تزال لها تأثير واضح على المجتمع التّستوريّ الّذي تعلّق بشكل كبير بالدّين الإسلامي وبعقائده وهو ما أدّى إلى تواجد ثقافة دينيّة متميّزة ظلّت منحصرة في أنشطة الطّرق بالزّوايا، ولعلّ هذا ما يفسّر بوضوح مدى إقبال المهاجرين الأندلسيّين لكلّ ما له صلة من قريب أو بعيد بمظاهر دينيّة إسلاميّة الشّيء الّذي أدّى إلى إضفاء صبغة عقائديّة متميّزة دوّنتها الذّاكرة الشّعبيّة لتصبح فيما بعد خاصيّة اجتماعية وثقافيّة انفردت بها كلّ العناصر الاجتماعية المكوّنة للمجتمع التّستوري.
3. خصوصيّات فنّ المالوف بتستور وأشكال ممــارســته:
عرف «المالوف» بتستور إقبالا كبيرا من طرف الجالية الأندلسيّة والّتي اعتبرته تعويضا نفسانيّا لموطنهم الأصليّ المسلوب وذلك بعد أن فقدوا الأمل في استرجاعه يوما ما.
فبعد يأسهم من العودة إلى الأندلس واندماجهم في المجــتمـــع التّــــونســـيّ، قــــام أندلسيّو تستور بالتّخلّي شــــيـئـــا فــشـــيئــا عـــن الــبــعـــض مـــن مـــلامــــــــح الثّــــقـــافـــــــة الإسبــــانـــــيّة الّــــتــي حــمــلــوهــــا مــعــهــم كـــاللّـــغـــة وبــعـــــض الألقـــــــاب النّـــــصــــــرانــــــيّة إلـــــــــى جــــــــانــــــــب العـــــــــزف على القيثارة(31) الّتي وقع استعمالها مع أولى العائلات الأندلسيّة بتستور في مناسباتهم الاجتماعية ليتمّ تعويضها فيما بعد من طرف الأحفاد الأندلسيّين بخــير بديـــل يميّـــز ثقــافــتــهـــم الأصـــلـــيّة والّـــذي يعــــبّر عـــن هــمــومــهـــم(32) ونـــعـــني بـــــذلك المـــــوســــيقى الأندلسيّة المتعارف عليها في تونس باسم «المالوف».
وما من شكّ أنّ شهرة تستور بفنّ المالوف تعود إلى وفرة روّاته وحفظته(33) في هذه المنطقة والذين تتلمذ على أيديهم الكثير من الشّيوخ(34)، فمنهم من توفّي منذ فترة غير بعيدة ليُدوّن التّاريخ أسماءهم ومنهم لا يزال على قيد الحياة يجود بما يكتنزه في ذاكرته من هذا الموروث الفنّي.
والـــــواقــــع أنّــــه لــــم يكــــن لهــــؤلاء الشّــــيوخ مــكـــانـــــا مخصّصا ينشدون فيه المالوف، فقد كانوا يترنّمون به في البساتين تحت ظلال الأشجار وعلى خرير مياه وادي مجردة(35)، حيث كانت تنعقد مجالس طرب في «السّواني»(36) وتقام أمسيات لإنشاد المالوف وهي الصّورة الّتي تحملها معاني كلمات أغنية شعبية في تستور مطلعها:
غَـــــنَّـى غَـنَّـى الوَرْدْ مِـــــــــــنْ كُــــــــــثْــــــــــــرِ الـــــــــــــوَرْدْ
****
اتْــنَـزَّهْ وشُـــــــــــــــوفْ وَاسْمَعْ نَوْبَاتِ المَالُوفْ
مَـــــــــــالُــوفْ حْـنـِينْ فِي ظِلّ سْــــــــوَانِي البَرْقِينْ
مْـوَشَّــــــــــــــحْ بْـنِــينْ(37) يِجْـعَلْ القَلْـبِ يــــــــــــــلِيـــــــــنْ
فيكْ يَا تَستُور
4. المالوف في المناسبات الاحتفالية - العرس التقليدي أنموذجا - (مالوف «الهلس»(38)):
لا تخلو أيّة مناسبة في تستور من فنّ المالوف وخاصّة في احتفالات الزّواج، والعرس التّستوري كغيره من الأعراس التّقليديّة بالبلاد التّونسيّة، له عادات وتقاليد وترتيبات خاصّة يتمّ إعدادها واتّباعها من طرف أهل العريس وأهل العروس.
فعادة ما يُقام العرس ليلة الاثنين أو ليلة الخميس أو ليلة الجمعة وفي ذلك تبرّكا بهذه الّليالي وبما لها من فضائل، وتدوم الاحتفالات سبعة أيّام كاملة لكلّ يوم له أنشطة خاصّة به. والواقع أنّ اليوم الرابع(39) والسابع(40) هما أكثر أيّام العرس احتفالا لدى الأهالي في تستور، وذلك باعتبار تواجد فرقة المالوف على مدى هذين اليومين والّتي تضفي على العرس جوّا احتفاليّا بهيجا نتيجة لما تنشده عناصرها من وصلات مالوف تتماشى مع الحدث الاحتفالي.
تجدر بنا الإشارة إلى أنّ النّوبات الّتي تؤدّيها عناصر الفرقة في غالب الأحيان هي نوبة العراق ونوبة الحسين، هذا إلى جانب وصلات في طبع المزموم وطبع الماية وطبع السّيكاه، أمّا الإيقاعات المستعملة عند إنشاد الفرقة للمالوف، فهي تتدرّج حسب تدرّجها داخل النّوبة(41) من وزن «البطايحي» إلى «دخول براول» و«البرول» ثمّ «الدرج» و«الخفيف» وأخيرا «الختم». وقد نجد في أغلب الأحيان استعمالا مكثّفا لوزن «البرول» أو «دخول البراول» وذلك تماشيا مع الحدث، باعتبار أنّ هذه النّوعيّة من الإيقاعات تتّسم بالحيويّة إضافة إلى كونها أكثر شيوعا وشعبيّة لدى أهالي تستور.
5. المالوف في الزّوايا (مالوف «الجدّ»(42)):
تتعدّد الزّوايا(43) في تستور بتعدّد الأولياء الصّالحين بها، ولقد اتّخـــذها أتباعهـــا ومـــريدوهــا مقــرّا لهــم لممـــارســة أنشطـــتهم الطّـــرقـــيّة. وقــد احتــضــنـــت هــــذه الزّوايا فنّ المالوف شأنه في ذلك شأن الأوراد والأذكار الدّينيّة والقصائد المدحيّة والّتي كانت تُنشد في حلقات صوفيّة من طرف المريدين.
ولعلّ من أبرز الزّوايا في تستور الّتي كان يُنشد فيها المالوف، نذكر زاوية «سيدي نَصْرْ القَرْوَاشِي» وزاوية «سيدي بِنْ عِيسَى» الّتي تُعتبر في نفس الوقت مقرّا للعيساويّة ومدرسة لتحفيظ المالوف وإنشاده.
ويبدو أنّ إقبال أهالي تستور على إنشاد المالوف بالزّوايا أمرا طبيعيّا، وذلك لأنّهم يعتبرون الأوراد الصّــــوفـــيّة ونــوبـــات المـــالـــوف شــيــئـا واحـــدا في اللّفـــظ وفي الشّكــــل، وبـــالتّـــالـــي فـــإنّ شـــيخ المــدائــح الصّــوفـــيّة والقصائد الدّينيّة في الطّريقة هو في نفس الوقت شيخ المالوف.
نورد فيما يلي مراوحة بين بعض الأبيات الواردة في المالوف وفي القصائد المدحيّة التّابعة للطّرق الصّوفيّة:
في المالوف:
ياَ عَاشِقِين بُعْدَ الحَبِيبْ قَدْ زَادَنِي عِشْقا
في الطّريقة:
ياَ عَاشِقِين بُعْدَ الحَبِيبْ مَا تِطْفَاشِي
النَّارْ فِي كْنِينِي لهِيبْهَا يِصْهِدْ
6. المالوف في الحياة اليوميّة :
يمكن القول بأنّ المالوف يمثّل محور الحياة بجهة تستور وذلك لمواكبته الحياة اليوميّة للأهالي ومختلف أنشطتهم المهنيّة.
فمنذ القدم، كان المالوف يتغنّى في كلّ مكان وزمان، كان يترنّم به السّاقي وهو يحمل الماء إلى الدّيار، و«الطَرَّاحْ»(44) وهو يوزّع الخبز على المنازل، والفلاّح وهو يسقي أو يزرع أرضه. ومن الحكايات الشعبيّة بتستور، أنّ فلاّحا تستوريّا قام بتدريب الدابّة المحرّكة للنّاعورة على السّير وفق نغمات المالوف وطبوعه وإيقاعاته، فربط «جَلاَجِلْ»(45) بقوائم هذه الدابّة ممّا جعلها تحدث أصواتا موزونة عند السير والّتي على وقعها راح ينشد المالوف.
وممّا يُحكى أيضا في تستور، أنّ الفلاّحين الأندلسيّين استنبطوا طريقة فريدة من نوعها لمراقبة سير الدابّة والتحكّم في حركتها عن بعد، وتتمثّل هذه الطّريقة في إنشاد الفلاّح زجل(46) في طبع السّيكاه:
الذَّهَبْ يَزْدَادُ حُـــــــسْـنًا إِذَا انْـتـَــــــــقَـشْ
أَيُّــــــــــــــهَـا الـــــــــــــــــــــوَاشِـي
والزَّهرْ مِنْ خَـــــــدّ بَدْرِي كَمَـا النَّــــمَشْ
شَكْل شَــيْ عَـــــــنْ شَيْ
خَدُّ ذَا المحْبـوبْ يِشْرَقْ بالفُـشُـــــوشْ
تَــــــــحْتَ زَوج أطْمَاشْ
كَأنّـهُ بَـــــــدْر عـــــــــــــــلى تِـلْـكَ العُـــــرُوشْ
لِيلَــــــــــــــــــــــةْ أَرْبَـعْـطاشْ
حَلَّلُوا عَمَلْ عَـلى قَـــــــــــــــــــــــــتْـلِي فَـتـَـشْ
مَــــــــــــا علِمْتْ عْلاَشْ(47)
لَوْ علِمْتْ إِنُّو عْلَى قَــــــــــــــــــتْـلي فَـتَـشْ(48)
إلَـــــــــيـْـهْ مَــــــــــــا نِـمْشِي
والزَّهرْ مِنْ خَدّ بَدْرِي كَـمَـا النَّـــــــــمَشْ
شَـــكْل شَيْ عَنْ شَيْ
هَذَا الغَــــــــــــــزَالْ إلِّـي بْعَقْــلِي قَدْ مَـشَا
ذَابِـــــــلُ التَّــــــــــــرْمِــــــيشْ
ظَـرِيف زَعْــــــــــــــــــبُلِي مِثْلُو مَــــــا انْــتَـشَا
فِي وَطَنْ تَرْشِـــــــيــــــشْ(49)
ادِرْسِتْـنَا الجُـــــــــــــيُـــــــــــــــــوشْ البَـاطِـــشَهْ
جِيشْ يَــــعْقُـبْ جِيشْ
جِيـشْ مِنُّو نْحَسْ قَلْـبِي انْـــــــــــــتَهَــشْ
وِانْـــــــــــــــــــتَـكَدْ عَـيْـشِي
والزَّهرْ مِنْ خَدّ بَدْرِي كَــــمَـا النَّمَـشْ
شَكْل شَيْ عَـنْ شَيْ(50)
السرّ في هذه الطّريقة أنّ وجود حرف الشّين(51) وتواتره بكثرة في النص الشعري للزجل، يؤدّي إلى توقيف الدابّة عن السّير وذلك باعتبار أنّ المقاطع اللّفظيّة «أَشْ» و«إِشْ» و«شِيشْ» هي من الألفاظ الّتي تجعل الدّابة تتوّقّف عن سيرها عندما تسمعها.
وحتّى يمكّن الفلاّح دابّته من استئناف سيرها، ينشد بعض الترنيمات الموجودة في بعض الموشّحات والأزجال في المالوف مثل:
« أَتْلِي تَالِي إِرْ لَيْ طِرْ لَيْ»(52)
«تِرْ أَتْلِي تَلاَلَيْ يَا لَلاَنْ تِرْ لَيْ طَرَ تِرْ لَيْ تِرْ لَيْ طَرَ تِرْ لَيْ»(53)
يكمن السرّ هنا في أنّ المقاطع اللّفظيّة «إِرْ» و«تِرْ» و«طِرْ» هي من الألفاظ الّتي تجعل الدابّة تستأنف سيرها من جديد عند سماعها.
6. خصوصيّات إنشاد المالوف بتستور:
تتميّز تستور باحتضانها لمجموعات مردّدة للمالوف والّتـــي عملـــت علــــى حفــظـــه «خَـــامًــــا» أي كمـــا أخــــذوه وحفظوه عن أجدادهم، ومن بين المجموعات المنشدة للمالوف والمشهورة في تستور نذكر مجموعة محمّد بن اسماعيل والمعروفة في تلك الجهة بـ«مجموعة المالوف الشَّشْتَرِي» وذلك نسبة إلى الشّيخ أبي الحسن عليّ الشَّشْتَرِي(54) الصّوفيّ الشّهير.
والمقصود هنا بالمالوف الشَّشْتَرِي(55) هو المالوف الّذي يُصَاحب إنشاده بآلات إيقاعيّة فقط والمتمثّلة أساسا في آلة «الطّار» وآلة «النّغّارات» و«الدّربوكة» وأحيانا آلة «الطبل»(56)، وهذا ما نجده اليوم بفرقة المالوف الخام والعيساويّة بتستور الّتي تضمّ عناصر تميّزوا بحفظهم الجيّد لأغلب نوبات المالوف وبأدائهم المتميّز لمختلف الطّبوع.
والمعروف أنّ فرقة المالوف بتستور تميّزت بطريقتها المتفنّنة والمميّزة في اختتام الحفلات والسّهرات وفي توديعها للجمهور، حيث تنشد عناصر الفرقة في نهاية أدائها لوصلة المالوف مقطعا غنائيّا في وزن الختم يكون بمثابة الإعلان عن اختتام السّهرة:
تِبْقُوا عْلَى خِيرْ(57) هَانِي مْـــــــرَوَّحْ(58)
وِالمْؤَذِّنْ فِي الصُّومْعَة يْـــطَوَّحْ
تِبْقُوا عْلَى خِيرْ آهْ يَا سْـــيَادِي
وِالمْؤَذِّنْ فِي الصُّومْعَة يْنَادِي
تِبْــــــــقُوا عْلَى خِيرْ هَـانَا مْـــشِينَا(59)
وِالِّي يْحِبْنَا غُـــــدْوَهْ يْــــــــــلاَقِينَا(60)
تِــبْقُوا عْلَى خِيرْ بَــــــاشْ انـْــــــــــــــبَاتُو(61)
وِالِّي مْـــــــــــــــرَوَّحْ يِقْفـِلْ صَبَّاتُو(62)
فِـــي لَـمَانْ(63) فِـي لَـمَانْ
فِـي لَـمَانْ فِـي لَـمَانْ
الخاتمة:
لقد تميّزت تستور بمحافظتها على موروثها الأندلسي، وقد طال هذا الحفاظ الموسيقى الأندلسية والمتعارف عليها باسم «المالوف»، حتّى صارت بالجهة رواية خاصّة لهذا الموروث الفنّي والّذي اكتسى طابعا مميّزا تمثّل أساسا في إنشاده بمصاحبة الآلات الإيقاعيّة كـ«الطّار» و«النّغارات»، وهذا ما يقترب في ملامحه من مالوف «الششتري» الّذي يُعتبر إنشادا صوفيا.
وما من شكّ، أنّ تواجد المالوف في جهة تستور بروايته الحاليّة، يفسّر لنا بوضوح تداول هذه الرواية مشافهة بين مجموعة هامّة من الشّيوخ على امتداد أحقاب من الزّمن والذين امتازوا بحفظهم الجيّد لجميع نوبات المالوف بمختلف طبوعه وإيقاعاته الموسيقيّة. والواقع، أنّ شيوخ المالوف بتستور اليوم (وهم قلّة مقارنة بفترات سابقة) يسعون جاهدين - وأمام عزوف أغلب شباب المنطقة عن حفظ نغمات هذا الموروث الفنّي - إلى المحافظة على المالوف كما يسمّونه «خَامًا» أي كما أخذوه عن أسلافهم من المشايخ.
إنّ أهمّ ما يميّز فنّ المالوف في تستور هو طريقة أدائه الّتي تختلف تماما عن طريقة تنفيذ الرّشيديّة للمالوف، ويكمن عنصر الاختلاف بين الطّريقتين أساسا في غياب الآلات اللّحنيّة عند إنشاد شيوخ تستور للمالوف والاعتماد فقط على الأصوات البشرية والآلات الإيقاعيّة كـ«النّغّارات» و«الطّار» و«الدربوكة» هذا فضلا عن آلة الطبل المقتصر استعمالها في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعيّة.
إنّ ما استعرضناه في هذه الدراسة كان مجرّد محاولة منّا في تقديم صورة شاملة لمالوف تستور الّذي قاوم تطوّرات الزّمان وتحوّلاته وظلّ إلى يومنا هذا صامدا متشبّثا بخصوصيّاته الفنيّة. ولقد كان اختيارنا لدراسة رواية تستور للمالوف سبيلا للتأكيد على أنّ هذا الفنّ هو تراث شعبيّ له مميّزاته التي تُفرده عن باقي روايات المالوف بالبلاد التونسية. ومن هذا المنطلق، فإنّنا نرى بأنّ نجاح عمليّة جمع الرصيد «الشفوي» لمالوف تستور من أفواه المشايخ المتبقّيين على قيد الحياة بالجهة وتصنيف محتواه وتحليل خصائصه الفنيّة، يؤدّي دون شكّ إلى صيانة هذا التراث الفنيّ وحفظه من الاندثار والتّلاشي وبالتّالي إحداث الإضافة في الموسيقى التّونسيّة بصفة عامّة.
الهوامش:
1. الرزقي (صادق)، الأغاني التّونسيّة، الدار التونسية للنشر، الطبعة الثّانية، 1989، ص 194.
2. عبد الوهّاب (حسن حسني)، ورقات عن الحضارة العربية بإفريقيا التونسية، الجزء الثالث، منشورات مكتبة المنار، الطبعة الثانية، تونس، 1981، ص 258.
3. نفس المصدر السابق، الجزء الثاني، ص 261.
4. هو محمد الصّادق بن البشير بن الطّاهر بن عبد الله الرزقي ولد بتونس سنة 1874م وتوفيّ في 22 ديسمبر 1939م، وهو من أب مثقّف، نشأ على حفظ القرآن وتعلم الخطّ العربي، أصدر مجلّة العمران وجريدة افريقيا سنة 1922، كتب عدّة أبحاث ونشرها في الصّحف التّونسيّة، له عدّة مؤلّفات أبرزها: «التقويم الذّهبي التونسيّ» و«الأمثال الشّعبيّة» و«الأغاني والعادات التّونسيّة».
5.الرزقي (صادق)، المصدر السابق، ص 56.
6. 554هـ - 626هـ/ 1129م - 1268م.
7. عبد الوهّاب (حسن حسني)، المصدر السابق، الجزء الثاني، ص 260.
8. 626هـ- 932هـ.
9. هو وليّ الدّين أبو زيد عبد الرّحمان بن محمّد بن خلدون الحضرمي التّونسي العلاّمة الفيلسوف والمؤرّخ الشّهير ولد بمدينة تونس سنة 1332م، تعلّم اللّغة العربيّة فأتقنها وتضلّع في الفنون والأدب والتاريخ، سافر إلى مصر سنة 1382م فأخذ يبثّ العلم لكل الطلبة فدرّس بالجامع الأزهر إلى أن وافاه أجله المحتوم سنة 1406م، له عدّة مؤلّفات أهمّها: «العبر» و«المقدّمة».
10. هو عبد الله محمد بن أبي زكريّاء االحفصي، أحد ولاّة الدّولة الحفصيّة في إفريقيّة(1249م - 1277م)، لقّب بأمير المؤمنين عندما تلقّى البيعة بالخلافة من طرف أمير مكّة وأهل الحجاز سنة 1259م، عرفت تونس في عهده ازدهارا منقطع النّظير على جميع الأصعدة.
11. ابن خلدون (عبد الرّحمان)، المقدّمة، الجزء السادس، ص 675 : 676.
12. عزّونة (جلّول)، نظرات في الموسيقى العربيّة التّونسيّة الكلاسيكيّة والشعبيّة والحديثة، مجلّة الحياة الثّقافيّة، عدد 95، ماي، 1998، ص 39.
13. في هذا الصّدد يقول حسن حسني عبد الوهّاب في كتابه ورقات عن الحضارة العربيّة بافريقيّة في جزئه الثّاني صفحة 260: «وقد أعان على جلبها وإقرارها في البلاد التّونسيّة ملوك بني حفص لا سيّما بعد ما اعترفت لهم ممالك المغرب والأندلس بالخلافة، فانساقت أوضاع الفنون الأندلسية وأساليبها واستحوذت على الهواء والأذواق، ومن ذلك الحين تغيّر مجرى التّأثير وأصبحت موجاته تأتي من المغرب و الأندلس بعد ما كانت تأتي من المشرق».
14. النّوبة التّونسيّة هي نوع من الغناء الذي ينتمي إلى التّراث الموسيقي الأندلسيّ والّذي يمارس في كلّ بلدان المغرب العربيّ حسب نظام معيّن يختلف من بلد لآخر. وبعد مرورها بعدّة مراحل تاريخيّة استقرّت النّوبة التّونسيّة على شكلها الحالي والمتمثّل في كونها قالبا موسيقيّا يتكوّن بالأساس من أقسام آليّة وأخرى غنائيّة:
القسم نوعه |
الاستفتاح |
المصدّر |
دخول الأبيات |
البطايحيّة |
آلي |
X |
X |
||
غنائي |
X |
X |
القسم نوعه |
التّوشية |
البراول |
الأدراج |
الخفايف |
الأختام |
آلي |
X |
||||
غنائي |
X |
X |
X |
X |
ونورد في ما يلي جدولا نقدّم من خلاله مختلف أقسام النوبة التونسية:
15. تترتّب الطبوع التونسية على النحو التالي: نوبة الذّيل، نوبة العراق، نوبة السّيكاه، نوبة الحسين، نوبة الرّصد، نوبة رمل الماية، نوبة النّوى، نوبة الأصبعين، نوبة رصد الذّيل، نوبة الرّمل، نوبة الأصبهان، نوبة المزموم، نوبة الماية.
16. جمعها أشغال، وهو غناء من نوع التّوشيح يتميّز باستعماله للموازين الّتي تتجاوز تلك المستعملة في قالب النّوبة نذكر على سبيل المثال: شغل «رفقا ملك الحسن» وهو في نغمة فرع الحسين عجم.
17. جمعها فوندوات، وهو تأليف غنائيّ من العامّة يكون على شاكلة المالوف من حيث الطّبوع والإيقاعات ومن أشهر الفوندوات التّونسيّة نذكر: «نَمّيت نمّ المخاليل» و«العين تبكي من فراق غزالي» وهما ملحّنان في طبع راست الذّيل.
18. هي كلمة من أصل فارسي (بيشرو) وتعني مقدّمة أو مطلع، والبشرف هو قالب آلي تركيّ النشأة، لم يأخذ شكله النّهائيّ إلاّ في سنة 1830م وهو متحرّر في استعمال كلّ الإيقاعات ما عدا أنواع السّماعيّ أمّا المتداول اليوم فهو الإيقاع الرّباعي تسهيلا للعزف. ويبلغ عدد البشارف التّونسيّة تسعة وكلّها مجهولة المؤلّف، ويتركّب البشرف التّونسي من قسمين: الأوّل يكون على إيقاع بطيء كالسماعي الثقيل والثّاني يسمّى الحربي يكون على إيقاع سريع كالختم أو وزن الحربي.
19. معتمدية نفزة، وعمدون، وباجة الشّماليّة، وباجة الجنوبيّة، وتيبار، وتبرسق، وتستور، ومجاز الباب، وقبلاّط.
20. في القرن الثّالث قبل الميلاد، أسّس اللّوبيّون قرية فلاحيّة على ضفاف وادي مجردة أطلقوا عليها اسم «تِشِيلاَّ» (معنى هذه التسمية بالبربريّة «العشب الأخضر»)، وقد ازدهرت هذه القرية في العهدين الفينيقيّ والقرطاجنّي باعتبارها كانت تمثّل محطّة على الطريق الرّابطة بين قرطاج و«تْبِسَّة» (مدينة جزائريّة تبعد 45 كلم عن الحدود الجزائريّة التّونسيّة وتعتبر أهمّ مركز فلاحي وتجاري للبلاد) للقوافل التجارية الّتي كانت تمرّ بها، وفي سنة مائة وست وأربعون قبل الميلاد تَرَوْمَنَتْ «تِشِيلاَّ» وبلغت أعلى درجات الازدهار الفلاحي والمعماري (راجع: تستور، نشريّة صادرة عن جمعيّة مهرجان «المالوف»، العدد الأوّل، سنة 1968، ص15.). وبعد مرور فترة طويلة من زمن الإستقرار والرقيّ، شهدت «تِشِيلاَّ» انحطاطا عمرانيا وتراجعا اقتصاديّا نتيجة لتخريب الوندال لها واستمرار الحروب بين البيزنطيّين والبرابرة، إلى أن جاء الفتح الإسلامي والّذي عرفت فيه هذه القرية - خاصّة في العهدين الأغلبي والصنهاجي - انبعاثا نسبيّا للحياة الإقتصاديّة، إلاّ أنّه لم يدم طويلا بسبب التّطاحن بين القبائل البربريّة والهلاليّة، وهذا ما أدّى إلى تخريب «تِشِيلاَّ» مرّة أخرى وتحويلها إلى أطلال. واستنادا إلى بعض المصادر التّاريخيّة والروايات الشّفويّة من أهالي تستور، فإنّ أوّل مجموعة من العائلات الأندلسيّة المهاجرة نزلت بمنطقة تسمّى «خْرُوفة» لتنتقل فيما بعد إلى «تِشِيلاَّ» المختفية وتأسّس على أنقاضها «تستور» (راجع: الحمروني، أحمد، معجم المدن التّونسيّة، ميديا كوم، الطبعة الأولى، تونس، 1997، ص61./ الحمروني، أحمد تستور - وثائق ودراسات -، سلسلة مدائن، ميديا كوم، الطبعة الأولى، تونس، 1999، ص33-35/ الحمروني أحمد، تستور- تاريخ ورحلات -، ميديا كوم للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، تونس، 1994، ص16. ).
21. عرف القطر التّونسيّ ثلاث فترات من الهجرة الأندلسيّة وهي:
- الفترة الأولى: كانت في القرن السّابع للهجرة وذلك إثر سقوط قرطبة واشبيليّة وقد كان معظم المهاجرين من نخبة العلماء والأعيان.
- الفترة الثّانيّة: كانت في القرن التّاسع للهجرة والّتي تزامنت مع سقوط غرناطة ولقد توجّه أغلب المهاجرين إلى المغرب الأقصى بينما قصدت الأقليّة منهم التّراب التّونسيّ.
- الفترة الثّالثة: وهي الفترة الّتي عرفت فيها تونس أكبر توافد أندلسيّ وكان ذلك في القرن الحادي عشر للهجرة بعد قرار الطّرد النهائيّ من طرف ملك اسبانيا للموريسكيّين، وفي هذا الصّدد، ذكر محمّد بن الخوجة في كتابه صفحات من تاريخ تونس يقول: «ومازلت وفود اللأندلس يتوافدون على شمال افريقيّة ومنها تونس، إلى أن كان الجلاء الأخير لعامّة المسلمين بأسبانيا في سنة 1016 هجري وفي السّنة بعدها...» فلقد توجّه هؤلاء المهاجرين الأندلسيّين إلى المغرب الأقصى والأوسط ولكنّ أغلبهم استقرّوا بالبلاد التّونسيّة لِمَا وجدوه من ترحاب وحسن استقبال من قبل أميرها «عثمان داي» (هو أحد الدّايات الّتي حكمت تونس في العهد التّركي 1598م - 1610م). ولعلّ من حسن حظ هؤلاء المهاجرين من فئة الموريسكيّين، أنّ قدومهم لتونس كان في عهد هذا الدّاي الّذي أقطع لهم ممّا اختاروا من الأراضي ووزّع على محتاجيهم الأموال والنّفقات، فانتشروا في أكناف البلاد يشيّدون وينشئون المزارع والبساتين وأدخلوا على المجتمع التّونسي حياة اقتصاديّة جديدة وصناعات محدثة وضروبا من الزّراعات والإنتاج الفلاحي لم تعهدها البلاد التّونسيّة من قبل، وتجمّعوا في مراكز متعدّدة منها القرى الكبيرة كـ«سليمان» و«قرنبالية» و«زغوان» و«مجاز الباب» و«السلوقيّة» و«تستور» وهي أعظم بلدانهم وأحضرها، و«العالية» و«القلعة» وغير ذلك...فصار لهم مدن عظيمة وغرسوا الكروم والزّيتون والبساتين ومهّدوا الطرقات بـ «الكَرَاِريطْ» (مفردها «الكَرِّيطَة» وهي وسيلة نقل بضائع أو أشخاص، تُجرّ هذه العربة بواسطة دابّة) للمسافرين وأصبحوا يُعَدّون من أهل البلاد.
- لمزيد الإطلاع راجع:
. بن الخوجة (محمّد)، صفحات من تاريخ تونس ، تقديم وتحقيق حمّادي السّاحلي والجيلاني بن الحاج يحيى، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، بيروت، لبنان، 1986، ص 226.
. عبد الوهّاب (حسن حسني)، المصدر السّابق، ص 114.
. الوزير السرّاج (محمّد بن محمّد الأندلسيّ)، الحلل السّندسيّة في الأخبار التونسية، الجزء الأوّل، القسم الأوّل، تقديم وتحقيق محمّد الحبيب الهيلة، الدّار التّونسيّة للنشر، تونس، 1970، ص 49.
. ابن أبي دينار(أبوعبد اللّه)، المؤنس في أخبار افريقيّة وتونس، تحقيق وتعليق محمّد شمّام، المكتبة العتيقة، تونس، ص 204.
22. ومن الأشياء الّتي تلفت نظر المتأمّل للجامع الكبير فيعجب بها، تلك السّاعة المعكوسة والمتواجدة في أعلى الصّومعة والّتي تتميّز بعقاربها المتّجهة من اليمين إلى اليسار، وهو ما ألهم أحد الشعراء فقال:
عُجْ بتَستُور وذَاك الجَامِع رُسِمَت سَاعَتَهُ أَعْلَى المَنَـارْ
أَبْدَعَتْ فِيهَا يَمينُ الصَّانِع سَيْرهَا يأْتِي يَمينًا وَيَسَـــــــــــارْ
23. بالرّجوع إلى المصادر التّاريخيّة، فإنّ بناء المسجد الكبير كان في النّصف الثّاني من القرن السّابع عشر ميلادي على يد الموريسكيّين الوافدين إلى تستور وتحديدا سنة 1630م على يد محمّد تغرينو(راجع: الحمروني (أحمد)، الموريسكيّون الأندلسيّون في تونس، ص 101. Les Mosquées de Tunisie, Maison Tunisienne de l’édition, 1973, Tunis, p.163./)
24. من بين الزّوايا في تستور نذكر: الزّاوية الرّحمانية (ق17م)، الزّاوية العيساويّة (ق17م)، الزّاوية العزّوزيّة (بداية القرن 18م)، زاوية سيدي عبد االلّه الملّيتي (ق18)، زاوية سيدي محمّد بن عطيّة (ق19)، الزّاوية القادريّة (1885م)، الزّاوية الصّالحي(ق19م)، زاوية سيدي إبراهيم الرعّاش (ق19م)، زاوية سيدي أحمد بوغرارة (ق19)، الزّاوية التّيجانيّة (سنة 1805م)، زاوية سيدي صلح بن الحاج (ق19م)، زاوية سيدي الصغيّر صاي (سنة 1820م)، زاوية «لَلاَّ» زهرة بنت العريان (بداية ق18م).
25. إنّ تشييد هذه الديار كان على نمط واحد، ففي وسط «الدّار الأندلسيّة» نجد مساحة كبيرة مبلّطة تتوسّطها شجرة اللّيمون وفي أركانها شجرة الياسمين أو الفلّ، وتعتبر الغرفة القبليّة أهمّ الغرف الموجودة بالدّار يكون مدخلها وراء رواق يتكوّن من ثلاثة أقواس. لمزيد التعمّق راجع: الحمروني (أحمد)، الموريسكيّون الأندلسيّون في تونس، ص49.
26. لمزيد الإطلاع على أسماء العائلات الأندلسيّة التي سكنت تستور راجع: الحمروني، أحمد، تستور - وثائق ودراسات، سلسلة مدائن، ميديا كوم، الطبعة الأولى، تونس، 1999.
27. نستنتج أنّ أسماء بعض العائلات الأندلسيّة يعود أصلها إلى قرى وأرياف اسبانيّة وهي في أغلبها المناطق الّتي هجّر منها الموريسكيّون مثل عائلة «ألكانتي» «Alicante» وعائلة «بلنسين» «Valencia». كما نلاحظ بعض الألقاب الّتي وردت بأسماء اسبانيّة مثل «بشكوال» «Pascual» وأخرى وردت بصياغة اسبانيّة مثل «بلانكو» «Blanco» و«بنتور» «Pintor»، كما نرجّح أنّ بعض العائلات الأندلسيّة اتخذت لها أسماء جديدة عند استقرارهم بموطنهم الجديد تدلّ على صفة خلقيّة مثل «الطويل» أو على مهنة مثل «الطبيب»، أو أنّهم قاموا بتعويض ألقابها باسم الجدّ أو الأب ذي الأصل العربيّ مثل «ابن الشّيخ» و«ابن عاشور»، ولعلّ ذلك يكون سعيا منهم للتّخلّص من الألقاب ذات الصيغ الإسبانية.
28. تجدر بنا الإشارة إلى أنّ المكتبة الخاصّة بالجامع الكبير لتستور تحتوي على مخطوطة لصحيح البخاري، قام بنسخها أحد أحفاد الأندلسيّين وهو محمّد بلنسين الثّغري في الفترة المتراوحة بين 1656م و1661م. كما توجد مخطوطة للقرآن الكريم تمّ نسخها سنة 1764م وهي موجودة وسط بيت الصّلاة بالجامع الكبير.
29. في خضم البحث الميداني وجدنا مجموعة من القصائد المدحيّة في مكتبة الجامع الكبير بتستور وهي في شكل مخطوطات قام بنسخها الشيّخ محمّد عبيد بن الطيّب بن حسين زبيس الأندلسي أحد الأحفاد الأندلسيّين.
30. رشيد السوسي (75 سنة) هو شيخ ملمّ بتاريخ المنطقة.
31. اسم آلة وتريّة قديمة يشدّ بها سبعة أوتار تهزّ بمضراب وقد تغمز بالأنامل، اشتهر استعمالها في أوروبّا خصوصا في اسبانيا وإيطاليا.
32. تحمل أبيات نوبة الرّصد معاني تعبّر عن مشهد يوم وداع بلاد الأندلس ورحيل الأندلسيّين منها:
لَمَّا بَدَا مِنْهَا إِلَيْنَـا التَّـــوادُعَ أَكْبَـادُنَا مُزِّقَتْ وَالأَضَـــــــــالِـعُ
أقُولُ وَعَيْنَهَا تَفِيضُ بِعَبْرَةٍ بِعَيْشِكِ خَبِّرْنِي مَتَى رَاجِـعُ
غَــــــــرْناطَة سَتْرُ اللَّهِ عَلَيْـكِ نِـــــــــعْــــــــــــــــــمَ البــــــِـــــــــــــــــــــــــــــــلاَدِ
مَــــــــا زَالَ قَلْبِـي يَشْــتَـــــــهِيـكِ دُونَ الــــــــــــــــــــــــــعِــــــــــــــبَـــــــــــــــــــــــادِ
لَـــــوْ تَــــــــــرَى يَـوْمَ الرّحـــــــــيلْ وَالنّـــــــــَــــــــاسُ وُقُـــــــــــــــــــــــــــــــــــوفْ
وَالدَّمْعُ مِنْ عَيْنِي يَــــــــسِيلْ بَــــــيْــــــــــــــــــــــنَ الصُّــــــــــــــــــفُـــــــــوفْ
33. من بين الشّيوخ الّتي كان لها الفضل في تحفيظ من نجده ينشد المالوف اليوم بتستور نذكر: «قاسم جاهين» (تـ1881م)، و«محمود الباي»(تـ1924م)، و«محمّد الصّالح عبد الجوّاد المانسي»(تــــ1970م)، و«أحمد بن اسماعيل الوسلاتي»(تــــ1978م) و«البشير الزّرقي»(تـــ1978م)، و«المختار بن شعبان الوسلاتي»(تـــ1981م)، و«الحاج محمّد بن اسماعيل الوسلاتي»(تـــ1984م)، و«عثمان مرجوع الوسلاتي»(تـــ1986م)، و«الحاج الملاّح الأندلسيّ»(تــ2000م)، و«حسن بن عاشور الأندلسي»(تـــ2000م)، و«الطّاهر جلّول»(تـــ2002م)، عمر قصد الّله المانسي (شهر «حمّادي بكر»)(تـ2008م)، و«محمّد بن خميّس مامي»(ولد سنة 1938م)، و«عمر صراطة الأندلسي» (ولد سنة 1963م)، و«فتحي بن محمّد الفرياني» (ولد سنة 1963م)، و«البحري الفرياني» (ولد سنة 1988م)، و«وسام قصد اللّه المانسي» (ولد سنة 1988م)، و«أنور العيّاري» (ولد سنة 1989م)، و«خميّس الهمّامي» (ولد سنة 1992م).
34. شيخ المالوف: تطلق هذه الصّفة - حسب ماهو متعارف عليه في تستور - على الشّخص الّذي يحفظ جيّدا نوبات المالوف والمتمكّن من نغماته وطبوعه، وبالتّالي ليس في نعت هذه الصّفة أيّ علاقة بالسنّ.
35. يًعدّ وادي مجردة من أبرز أنهار البلاد التونسية حيث يبلغ طول 350 كم ليكون بذلك من أطول الأنهار في تونس.
36. جمع سانية ومعناها ضيعة أو بستان.
37. موشّح لذيذ والمعنى هو أنّ الموشّح تستطيبه وتتمتّع به الآذان عند سماعه.
38. يسمّى « مالوف الهَلْسْ « عندما يُنْشد المالوف بأبيات لها علاقة بالحبّ والغزل والخمرة في مجالس احتفالية.
39. يُعرف بـــ«نْهَارْ الجْهَازْ» (يوم نقل الأثاث والملابس من دار أهل العروس إلى بيت الزّوجيّة)، وفيه تقوم النسوة من دار أهل العريس بإعداد «الإسْفَنْجْ» (فطيرة بالعسل وهي أكلة شعبيّة تستوريّة ) ليتمّ توزيعه على الأصحاب والجيران والأحباب ثمّ يرسلون منه في «صِينِيَّة كْبِيرَة» (طبق كبير) إلى أهل العروس مع إناء بالعسل. بعد ذلك، ومع انتهاء صلاة العشاء، يتوجّه أصحاب العريس إلى دار أهل العروس لنقل ما أُعِدَّ من أثاث وملابس إلى بيت الزّوجيّة مصحوبين في ذلك بفرقة المالوف.
40. يُعرف بــــ «نْهَارْ المِرْوَاحْ» (يوم خروج العروس من دار أهلها نهائيّا إلى بيت زوجها)، وفيه يأتي الحلاّق إلى دار أهل العرس ويقوم بحلق شعر العريس. لتقوم إثر ذلك ثلّة من الأصحاب والأحباب باصطحابه إلى الحمّام فيمكثون فيه للاغتسال ثمّ يخرجون منه بعد أن كان العريس قد ارتدى زيّه التّقليدي (الجُبَّة والبُرْنُسْ) متّجهين في موكب إلى دار أهل العروس تتقدّمهم في ذلك فرقة المالوف الّتي تضمّ عددا من المنشدين وضابطي إيقاع (الطبل والرق).
41. راجع الهامش رقم 14.
42. يسمّى «مالوف الجِدْ» عندما يُنْشد المالوف بأبيات لها علاقة بمدح الرّسول (ص) في حلقات صوفيّة.
43. زاوية سيدي بن عيسى حاضنة الطّريقة العيساويّة، زاوية سيدي محمّد بن عبد الرّحمان حاضنة الرّحمانيّة، زاوية سيدي عبد القادر حاضنة القادريّة، زاوية سيدي علي العريان حاضنة السّلاميّة، زاوية سيدي أحمد التّيجاني حاضنة التّيجانيّة.
44. عامل بالمخبزة، دوره توزيع الخبز للنّاس وهم في ديارهم.
45. قطع من نحاس تصدر أصواتا فيها شيء من الحدّة.
46. حسب ما ورد في السفر هذا الزجل هو من تأليف قاسم السراج .
47. «مَـــا علِمْتْ عْلاَشْ»: لم أعلم لماذا
48. «لَوْ علِمْتْ إِنُّو عْلَى قَــــتْـلي فَـتَـشْ»: لو علمتُ أنّه بحثَ عَنْ قَتْلِي
49. «تَرْشِيشْ» هو الاسم القديم لتونس في العهد الروماني.
50. اعتمدنا في كتابة نصّ هذا الزّجل على ما تلفّظ به الشّيخ عمر صراطة الأندلسيّ بالإضافة على كتاب «جامع المغاني» لصاحبه محمّد بن عطيّة، علما وأنّ هذا الزّجل مدوّن في «السفر التّاسع» من التّراث الموسيقي التّونسي والصّادر عن وزارة الشّؤون الثّقافيّة بالجمهوريّة التّونسيّة إلاّ أنّ الكلمات وردت فيه مغايرة بعض الشّيء عمّا جاء في رواية المصدر الشّفوي.
51. حرف الشّين هو من الحروف المهموسة (أي أنّ الأوتار الصّوتيّة لا ترتجّ عند النطق به) والصّفيريّة ( أي أنّ الصوت يصدر صفيرا عند النّطق به).
52. توجد هذه الترنّمات في الختم الثّاني من نوبة الرّصد (أبشر لقد نلت ما تريد).
53. توجد هذه الترنّمات في الختم الأوّل من نوبة الأصبهان (حلو المراشف).
54. هو شيخ صوفيّ معروف، ولد بـ«شَشْتَرْ» سنة 610هـ/1213م، وفد على تونس من الأندلس فسكن قابس ثمّ ارتحل للشّرق أين توفّي فيه سنة 668هـ/1269م.
55. يقال شيخ الشّشتري، وهو الّذي يكون في أغلب الأحيان عارفا بالطّبوع وأسمائها بالإضافة إلى مباشرته لنقر الطّار أو ضرب النغّارات.
56. يطلقون عليها كذلك اسم «الطبلة» ويكون استعمالها أغلب الأحيان في الاحتفالات بالزّواج.
57. «تِبْقُوا عْلَى خِيرْ»: أترككم على خير
58. «هَانِي مْـرَوَّحْ»: بصدد التهيّؤ للذهاب
59. «هَانَا مْشِينَا»: هَا قَدْ مَشَيْنَا
60. «وِالِّي يْحِبْنَا غُـدْوَهْ يْـلاَقِينَا»: ومن يُحِبُّنَا غَدًا يُلاَقِينَا
61. «بَــاشْ انـْـبَاتُو»: سَوف نَبِيتُ
62. «وِالِّي مْـرَوَّحْ يِقْفـِلْ صَبَّاتُو»،:ومن سيذهب يغلق حذاءه.
63. «فِـي لَمَانْ»: في الأمان
الصور:
الصور من الكاتب.