التَنّاك، ما تبقى من تركة الصفَّار
العدد 35 - لوحة الغلاف
الصفّار والتنّاك، مهنتان مختلفتان، ولكنهما متداخلتان، فلازال بعض التنّاكة تحمل لقب الصفّار، فهؤلاء التناكة إما أنهم كانوا صفافيراً في الأصل أو أن أباءهم كانوا من الصفافير؛ وهكذا اكتسبت تلك العوائل لقبها المشتق من المهنة وهو الصفّار. وهناك فرق كبير بين الصفّار والتنّاك، ليس فقط في نوعية مادة الخام التي يستخدمونها وإنما في تفاصيل العمل أيضاً. فالصفّار هو الشخص الذي يصنع الأواني المختلفة من مادة النحاس أو الصفر، الذي يعرف محلياً باسم «الماو» أيضاً، وهو كذلك، الشخص الذي يقوم بعملية «تصفير» الأواني النحاسية، أي يقوم بصيانتها وإعادة طلائها بمادة الرصاص من الداخل. هذا، وتعتبر مهنة الصفّار من المهن القديمة في البحرين، فهي مرتبطة بصناعة أواني الطبخ والأدوات الأخرى المهمة، ومنهم من تخصص في صناعة دلال القهوة.
ويرجح أن مهنة الصفار استمرت في البحرين حتى الحرب العالمية الثانية، وتوقفت بعد ذلك؛ حيث انقطع وصول النحاس. بعدها، أقتصر عمل الصفارين على عملية تصفير الأواني النحاسية، بينما بدأ عددٌ من الصفافير باستخدام ما توفر في بيئته من صفيح البراميل والصفائح المعدنية لعمل الكثير من مستلزمات الحياة اليومية في البيت البحريني القديم، ثم استمر بعد ذلك في هذا النوع الجديد من الصناعة مطوراً إنتاجه ومبتدعاً فيه، وبذلك نشأت حرفة جديدة هي حرفة التَنّاكَة. وتحول، بعدها سوق الصفافير إلى سوقٍ للتَنّاكة، والتي تغير موضعها عبر الزمن، والتي استقرت مؤخراً بجنب سوق الحدادة، في موقعها الأخير في منطقة البرهامة.
والتَنّاك هو الشخص الذي يصنع الأدوات باستخدام التَنَك Tinplate، والتي تسمى محلياً الچينكو. والتَنَك عبارة عن صفائح من الحديد المقصدر أي الممزوج بالقصدير. هذا، وترجح عدد من المراجع أن لفظة «تنك» دخيلة من التركية، وقيل إنها من الفارسية تُنُكه بمعنى صفيحة معدن، وقد عُربت لفظة التنك حديثاً بلفظة الصفيح.
وقد صنع التنّاك البحريني في الماضي الصناديق والبراميل والصواني والغواري والمشاخيل والطشوت (مفردها طشت) التي تستخدم في صناعة الحلوى، ولاحقاً أصبح أكثر ربحهم من صنع وبيع «المناقيش» و«البوادقير» و«المناقل»، وهي ثلاث أدوات تستخدم في عملية تدخين القدو (الگدو)، وهو آلة محلية الصنع تستخدم لتدخين التبغ؛ فالمنقلة أو الدَوّه يشعل فيها الجمر، والمنقاش يستخدم لرفع الجمر، أما البادقير فهو قطعة توضع على رأس «القدو» لتحافظ على استمرارية اشتعال الجمر. كما أن التنّاك البحريني عمل على تطوير مهنته، فصنع المداخن التي تستخدم في المطاعم وكذلك المنازل، وهناك إقبال كبير على هذه المداخن من قبل أصحاب المطاعم بصورة خاصة. وإلى جانب ذلك، فإن التناك البحريني يلبي كل ما يطلبه الزبائن من أدوات خاصة تصنع من التنك والتي تستخدم لتشكيل أو تزيين أية أداة من الأدوات المصنوعة من مواد مختلفة أخرى.
هذا، وتمثل محلات التنَّاكة واجهةً سياحية، فمنظر التنّاك البحريني وهو يعمل في هذه المهنة وبصورة تقليدية تمثل عامل جذب، وبذلك أصبح مقصداً للسياح الأجانب الذين يسعدون بالتقاط الصور واقتناء بعض الأدوات التذكارية.