فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الثقافة الشعبية في عصر العولمة

العدد 35 - التصدير
الثقافة الشعبية في عصر العولمة
أستاذ علم الاجتماع، جامعة البحرين

لقد أتاحت لي كتابة هذا التقديم فرصة للإطلاع على بعض أدبيات الثقافة  الشعبية. وهو تخصص ومجال كان في مرحلة من المراحل جزءا من الأنثربولوجيا بل أنه قد أطلق عليه بعلم الفولكور. وقد راج ها التخصص في بعض أقطار المنطقة في فترة السبعينات و الثمانينات مع الاهتمام الرسمي بما سمي حينها بحفظ التراث الشعبي. إلا أن الثقافة الشعبية كمجال بات من الاتساع الذي يتجاوز فيه بداياته الأولى ليمثل بحق في بعض الجامعات تخصصا قائما بذاته وإن تداخل مع التخصصات الأخرى في العلوم الاجتماعية والانسانية.


 ونتيجة لذلك فقد دفع الاهتمام المتزايد  بدراسة الثقافة الشعبية في العقدين أو الثلاثة الماضيين لأن يخضع موضوعه لمعالجات نظرية من فروع مختلفة من العلم الاجتماعي. ورغم أن الثقافة الشعبية كموضوع قد مثلت كما أشرنا المحور الرئيسي ولفترة تطول في الدراسات الأنثروبولوجية، إلا أن التطورات التي جاءت على العلم الاجتماعي ذاته وتداخل تخصصاته وفروعه كما هي التطورات التي جاءت على المجتمع البشري خلال الثلاثة عقود الأخيرة من تطور في تكنولوجيا الاتصال وتداخل بين الشعوب والمجتمعات  لأن تحتل دراسة الثقافة الشعبية أهمية في دراسة السلوك الانساني و فهم  تجلياته.

 وقد كان الفهم التقليدي للثقافة الشعبية قائما على التمييز بين ما يسمى بثقافة العامة والتي تشمل المجتمع ككل مثل العادات والقيم والقصص والسرديات وموسيقى ورقص اتفق على أنه شعبي والتي يسود الاعتقاد بأنها جزء اساسي ممارسات وطقوس الطبقات الفقيرة والجماعات الشعبية من المجتمع، وثقافة النخبة ذات الطابع الطبقي والمهتمة بالموسيقى الكلاسيكية والفنون الجميلة والمتاحف والعروض المسرحية وغناء الأوبرا ورقص البالية.. الخ.

 ورغم أن الاعتقاد السائد عند البعض من أن الثقافة الشعبية هي ثقافة الفئات الفقيرة ولربما الشرائح الدنيا مــن الطبقــة الــوسطــى، إلا أن الـتـغــيـرات الــتي جــاءت علــى المجتمع خلال العقود الثلاثة الماضية بفعل التطور الهائل في تكنولوجيا  الاتصال كما هو بفعل هذا النزوح البشري الهائل قــد حول الكثير من عناصر الثقافة الشعبية او تلك الخاصة ببعض الفئات او الجماعات الأثنية إلى أن تكون جزءا مميزا لثقافة المجتمع ككل.

وتقدم قدرة الثقافة الشعبية لجماعات السود في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقظ من وحي قدرتها على الاستمرار و مقاومة التغيير وإنما في أن تكون بعض  عناصرها ومكوناتها مركبات أساسية في ثقافة المجتمع الامريكي ككل. أي بمعنى آخر في أن تكون جزءا من ثقافة البيض كما هي جزء من ثقافة النخبة الأمريكية التي هي في جلها من البيض. فالكثير من الموسيقى والرقص والغناء والعادات الغذائية للسود.. وغيرها قد أصبحت بمرور الوقت وبفعل التداخل والاندماج في المجتمع الأمريكي جزءا من ثقافة المجتمع الأمريكي. وبالمثل يمكن القول على قدرة ثقافة جماعات الهسبانك «اللاتينو» في الولايات المتحدة الأمريكية لأن تكون جزءا من المكون الثقافي للمجتمع الأمريكي ككل.  ومثل هذا الأمر يدحض المقولة السائدة في بعض نظريات العلم الاجتماعي التقليدي من أن الثقافة السائدة في المجتمع تمثل ثقافة الجانب الأقوى أقتصاديا وسياسيا في المجتمع. وهي مقولة كما يبدو لا تؤكد مقولة سيادة الثقافة «الرفيعة» على أنها ثقافة للمجتمع. بل توحي بقدرة الثقافة التحتية كذلك على اختراق النخب والجماعات الأعلى. وما أنتشار بعض الممارسات الطقوسية الدينية الخاصة بالجماعات الشعبية في اوساط نخب ثقافية واقتصادية في بعض البلاد  العربية إلا دليلا آخر على قدرة بعض المكونات الشعبية على اختراق النخب الثقافية والاقتصادية التقليدية كما هي قد جاءت في بعض حالاتها مع النخب الاقتصادية الطارئة.  

وخلاصة القول أن التحولات الاقتصادية العظيمة التي جاءت مع قوى العولمة  في هذا العالم لم تستطع فقط على «إطمار» عناصر الثقافة الشعبية فحسب بل أنها وبفعل عناصر المقاومة في هذه الثقافة قد استطاعت أن تستمر. وهي في بعضها باتت تمثل بفعل هذه القوى عناصر جديدة من مكونات هويتها، اي أن تحدد هذه الثقافة مسار إنتساب هويتها الأثني  ولربما الديني أو العرقي، كما هي أن تكون جزءا جديدا من مكون الثقافة العالمية.

أعداد المجلة