التغرودة الإماراتية «غسان الحسن»
العدد 34 - جديد النشر
ضمن إصدارات هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (أكاديمية الشّعر) صدر حديثاً للباحث الدكتور «غسان الحسن» كتاب «التغرودة الإماراتية»: دراسة علمية في فن التغرودة في التراث الشَّعبي الإماراتي.
ويتخذ الباحث الحسن من مقولة الشيخ زايد(يرحمه الله): «من ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل» نبراساً في جهوده التراثية.
1. التغرودة الإماراتية جمعت بين الشِّعر والغناء :
يقول الباحث «غسان الحسن» في مستهل مقدمته: «سنذهب إلى إلقاء الأضواء على واحدة من مفردات هذه الإبداعات الشَّعبية الرائعة، وهي التغرودة الإماراتية التي جمعت بين فنين هما الغناء والشِّعر، وهما أثرى أنماط الإبداع الشَّعبي في المجالين العلمي والنظري، وسنعرف بهذه التغرودة وبوظائفها الإجتماعية والفنية وبالظروف المحيطة بقولها وممارستها، علاوة على تلمّس أصولها في التراث العربي العريق» (ص5).
2. دواعي إنقاذ فنّ التغرودة :
يقول الباحث الحسن مبيناً دواعي ومبررات إنقاذ فنّ التغرودة: «وهكذا فقد آن الأوان، إن لم يكن هو آخر الأوان لتوثيق هذا النَّمط من أنماط التراث الشَّعبي الإماراتي، بجمع ما يمكن جمعه من نصوصها وتدوينه، علاوة على دراسة هذا النَّمط دراسة علمية تاريخية - وظيفة أسلوبية - فنية - علمية - تربط الحاضر بالماضي القريب، وتربط التراث الشّعبي بتراث الأمة، وتربط الفروع بالأصول - وتكشف عن الجذور الراسخة لثقافتنا العربية» (ص7).
3. ماهيّة التغرودة :
هو لحن غنائي تراثي، ووزن شعري إماراتي. له وجود في مناطق عُمان المجاورة، ويسمونها «تغرودة الهجن» و«شلة التغرودة» وجمعها تغاريد. كذلك يسميها بعضهم «غرودة».
والتغرودة فنٌّ بدوي صرف، ينتمي إلى البيئة البرية ولا علاقة له بالبحر كانوا يؤدونه وهم على ظهور الإبل أو على ظهور الخيل أثناء سيرها فيما لا يتجاوز سرعة خبيب الإبل أو هذيب الخيل، وهي أول سرعة بعد المشي، ولا تؤدَّى إلاَّ في النَّهار، يؤديه الرجال وهم سائرون في أسفارهم وتنقلاتهم السلمية أو تلك التي تتعلق بالغزوات والحروب.
ويمكــــن للتــــغــــرودة أن تـغــــــنَّى فــــي أســـــمــــار الـــنـــاس ومجالسهم يغنونها وهم جلوس للتسلية والاستمتاع.
وهي على الإجمال فنّ حماسي على الرغم من قوله في أغراض ومعان أخرى متعددة كالمدح والغزل والفخر والحكمة (ص9).
4. الشَّكل الفنّي للتغرودة :
«تمتاز التغرودة بأنها قصيرة قليلة الأبيات، كما تنفرد بين الفنون الشِّعرية بأنَّ كل بيت منها هو شطر من الأبيات العادية، وهي تقوم على بحر مشطور الرجز وهو: (مستفعلن مستفعلن مستفعلن) في كل بيت. وتمتاز بالتطريب للمغرّد ومطيته، كما تتميز بإيجازها وجماليتها» (ص10).
5. لماذا يغرِّد المغرِّد؟
التغرودة مثلها مثل سواها من أنماط الفنون الشَّعبية القولية أو الحركية، يمارسها الناس من أجل تلبية حاجة مادية أو نفسية، ضمن ظروف تستدعيها.
وقد اقترنت التغرودة التقليدية بالركوب، فالمغرِّد لا بدَّ له أن يكون راكباً، تسير به مطيته من ناقة أو فرس سير الخبب أو الهذب وهو السرعة الأولى بعد المشي (ص11).
6. البناء الموضوعي للتغرودة التقليدية :
يدرس الباحث ثلاث سمات ظاهرة في التغرودة هي:
1. قصر التغرودة: وهذا نراه بصورة ملفتة، وبخاصة إذا قيس بالقصائد العادية التي قد تطول كثيراً، وقد تقصر، غير أنها لا تصل في قصرها إلى درجة التغرودة كما في التغرودة التالية للشاعر خليفة بن حمد بن قنش المسعودي الذي عاصر الشيخ بطي بن سهيل في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين:
يا طروش لو مني تبون تعوبه
انصوا بُطي بالصدق واختصّوا به
وسألوه وشْ لي جاب له مندوبه
داعي ولا حاضر مع المدعو به
( ص15-16-17 باختصار).
2. أحادية موضوع التغرودة: هذا أمر يغلب على التغاريد ولا يشملها كلها، فالمغرِّد ينشئ تغرودة لغرض معين يذهب إليه ويعبِّر عنه، ولا يتفرع غالباً إلى موضوعات أخرى، لأنَّ التغرودة بنت ظرفها الآني، ويظهر هذا جليَّاً في مثل التغرودة التالية للشَّاعر «محمد العامري» التي قالها في الشيخ «زايد بن سلطان آل نهيان» (رحمه الله). وهو صغير متوسماً فيه من النجابة وعلو الهمَّة والشأن ما يشبه جده زايد الأول بن خليفة، وكان يومها في الخامسة عشرة من عمره، وقد امتطى فرساً:
هزري على زايد يشابه يده
ارغيب ما سدّ العرب ما سدَّه
يسلم زبينه والطليب يردَّه
واللي معاصي يبشّره بالشدّه (ص19-20).
3 . الإيجاز في التعبير عن الموضوع: وهذه من صفات العبارة الشِّعرية في التغرودة، إذ نلاحظ أنها عبارة مكثَّفة مضغوطة فيما يمكن أن نسميه ما قلَّ ودلَّ ويمكن ملاحظة مثل هذا التكثيف في التغرودة التالية للشَّاعر «سعيد بن عبيد ابن خلف الرميثي» الذي عاش في مطلع القرن العشرين:
يا عم ياليتك دريت بحالي
لمبيت في شدّه وفي ولوال
ولوما مطيله ما نجعت شمال
وودي بضيّة بوعيون ثلال (ص20-21).
7. وزن التغرودة :
تقال التغرودة على وزن «مشطور الرجز» وهو وزن:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
وعليه الأبيات التالية من تغرودة الشيخ سلطان بن زايد بن خليفة آل نهيان - وهو الد الشيخ زايد - (يرحمهما الله):
يا راكبٍ صفرا يزيغ جفالها
- ب - - ب - - ب -
ما يقدر الراكب يتوح قذالها
- ب - - ب - - ب -
مستفعلن مستفعلن مستفعلن (ص29-30).
8. غناء التغرودة ولحنها:
يمكن للراكب أن يغنِّي التغرودة منفرداً، ويمكن أن يؤديها اثنان يتناوبان الأداء، يغنِّي أحدهما ويسكت، فيـــغـــنِّي الآخــر أثنــــاء ســكـــوت الأول، بحــيث يضيف الثاني بيتاً جديداً إلى ما قاله الأول وهكذا ... أمَّا غناء التغرودة فيكون بصوت مرتفع وطبقة صوتية حادة، وكأنما يريد المغرّد أن يوصل صوته إلى البعيد في إيقاع ونغم يتوافقان مع حركة الناقة أو الجواد وسرعتهما(ص37).
9. قافية التغرودة :
للتغرودة روي واحد وقافية واحدة، وهما روي موحد وقافية موحدة، وذلك لأنَّ كل بيت في التغرودة هو شطر في أصله، ولذا فإنها لا تحتمل وجود قافيتين كما في الحال في نظام القصيدة ذات الشطرين، وهي القصيدة التي عليها فنون الشِّعر النبطي بشكل عام (ص41).
10. التغرودة وردها بين الشُّعراء :
وثَّق الباحث الحسن في كتابه مجموعة من التغاريد الردّية التي تبادلها الشُّعراء المغردون فيما بينهم وتدور حول مواضيع شتى منها الشَّكوى.
وهاتان تغرودتان متبادلتان، الأولى للشَّاعر حميد النعيمي من عجمان، قالها مخاطباً الشيخ سلطان آل حمود النعيمي (حاكم البريمي) 1860 – 1934 وهي:
يا راكبٍ حيدٍ اذنيه حراب
سنة على فطرين دون حساب
وين المغرّد لي زمانه طاب
برمس واتمنّع برد جواب
أخاف من مطرٍ بلا سحاب
لا له بروق ولا رعد نحَّاب
والثانية تغرودة الشيخ سلطان بن محمد آل حمود الجوابية، وقد تتبع فيها وزن التغرودة الواردة إليه وقافيتها، قال:
يا راكبٍ حول شواخصٍ ناب
هروالهن يشبه نحب ذياب
نبرخ عليهن بالثمن وحساب
وما قد حيمن في الخلا لمصاب
ياللي يبا درب اللياش ينابي
الحرب ما بين القبايل دابي
سنة قديمه ما عليها مثاب (ص53-54).
11. مضامين التغرودة ومعانيها :
1 . الهجن وما يتصل بها: ومن ذلك وصف المطيّة وبيان سرعتها وكفاءتها في أداء مهماتها – كقول الشَّاعر عبيد بن محمد النيادي:
ذي فاطر شروى الغريب اللافي
لمخايل البارج وبي لوَّافِ
يومين معك ويوم عنك جافي
حنَّت وتذكر وقتها لي طافِ
يوم ريعت ردَّت بخير صافي
شافت وطنها ما يقره يافي (ص81).
2 . الحروب وما يتعلق بها: ومن ذلك تغرودة الشَّاعر سعيد بن عتيج الهاملي الذي ذكر فيها المعركة التي قاتل فيها الشيخ بطي بن سهيل وأهالي دبي ضد الإنجليز في 24/12/1910م والذين شاركتهم فيها المدمرة المسلحة ( هاي سنت).
وما يميّز المعركة أنَّه شارك فيها للدفاع عن دبي رجال من مختلف الإمارات، وأوقعوا في العدو ما بين 30 و37 قتيلاً ما اعتبر نصراً للعرب، فراح ابن عتيج يغرِّد فرحاً ويقول:
يوم الغريري ما فخت رشاشه
إلاَّ بُطي حارب ولا قى الباشه
وأصبح محمد عَيْل في مطراشه
ليت البحر دون الخبيصي حاشه (ص91).
3 . التَّحدي: هو مقدِّمات الحرب، وتصاعد الوتيرة بين الخصوم وبدايات استعراض القوة، والاستقواء بالنفس والقوم المؤيدين.
ومن ذلك التغرودة التالية التي لم تنسب لشاعر معين:
يا راكبٍ حيدٍ وقدره عود
سلّم على الفرَّاي والمسعودي
قل له يعزّب بالهدوء والزود
من قبل لا تجمع عليه حشود (ص95).
4 . العتاب: موقف لم يكن متوقعاً من صديق، فجاء على عكس المأمول فحزَّ في نفس الشَّاعر ، ولكنه لم يصل به إلى درجة القطيعة ، وكان هذا يكفي فيه لفت النظر إلى ما حدث ، والتنبيه إلى ما في الموقف من تقصير أو مجافاة لما تقتضيه الصداقة والمصلحة.
يقول أحد الشُّعراء في تغرودة:
يا سعيد يتنا من جداك نبايب
لا لك بردّ ولا لنا بالوايب
عقب المخوّه والجناب الطايب
يا شين مردود اليواب الخايب
الهين لزماهن بخبث وطايب
باتن بحمران العيون خبايب
ما حيدني عندك سكنت بشايب
يا غير بالميدول زين الحايب (ص98).
ومن مضامين التغرودة الأخرى التي أسهب المؤلف في إيراد شواهد وافية لها: النَّدم والاعتذار.
10. أقدم التغاريد:
تغرودة الماجدي بن ظاهر :يعتقد الباحث الحسن أنَّ التغرودة الأقدم منسوبة إلى الشَّاعر الإماراتي الماجدي بن ظاهري الذي عاش قبل (300 سنة).
وفي السِّيرة المروية للشَّاعر الشَّعبي الماجدي بن ظاهر، يذكر الراوي حارب بن علي بن حارب، أنَّه كان لابن ظاهر ناقة عزيزة عليه من بنات ظبيان، كان يغزو عليها ويتنقل، وكان اسمها «إختيله»، وأنها ضعفت في سنيها الأخيرة، ولم يفد معها ورق شجر الغاف الذي كان يقطعه ويجمعه ويطعمه لها ابن ظاهر، فماتت الناقة، فأنشد في موتها التغرودة التالية في قدح شجرة الغاف كغذاء مفيد للنوق:
الغاف لو ينفع نفع اختيله
ماتت وهُوَّه يخط بكيله (ص146).
11. خصائص التغرودة القديمة:
يذكر الباحث خصائص التغرودة القديمة كما يلي:
1. الارتجالية.
2. الشِّفاهية.
3. العملية.
4. الخطابية.
5. المعارضة والردّ.
6. المشاكاة.
7. فنّ يؤدَّى غالباً في النَّهار.
8. فنّ بدوي لأنَّه يتعلق بالركوب والغزو والهجن ... الخ (ص160-161 باختصار ).
12. أثر الرواية الشَّفوية في التغرودة الإماراتية :
يلاحظ دارس التغرودة الإماراتية ظواهر عديدة عن انتقالها بالرواية الشَّفوية، مثل قلة عدد التغاريد المعروفة التي يمكن الحصول عليها، قياساً بغيرها من نصوص الفنون والأنماط الشِّعرية الأخرى، وقصر البعد الزمني الذي تنتمي إليه معظم التغاريد (ص170).
13. التغرودة العُمانية والتغرودة الجزائرية :
ويقدم الباحث نماذج من التغرودة العُمانية والتغرودة الجزائرية ويقارنها بالتغرودة الإماراتية، وهو جهد بحثي يستحق عليه الشكر والتقدير.
14. مستقبل التغرودة:
يطلق الباحث الدكتور الحسن صرخة استغاثة خوفاً على انقراض فنّ التغرودة لقلة استعماله من قبل الشُّعراء، حيث أصبح هذا الفنّ العريق في متاحف التراث الشَّعبي.
ومهما يكن من أمر فالكتاب شامل جامع مانع لهذا الفنّ العريق رغم قلة التغاريد نسبياً التي اعتمد عليها في الدراسة (128) تغرودة.