الألعاب في الفترة العباسية من خلال المكتشفات الأثرية لمدينة آيلة الإسلامية

لا ترتبط الألعاب بزمان أو مكان، كبير أو صغير ذكر أم أنثى، فالألعاب متاحة للجميع كلٌ حسب اهتمامه وخلفيته الثقافية، المادية والاجتماعية، فالألعاب هي ممارسة لسلوك اجتماعي من أجل التسلية والمتعة و تمارس في أوقات الفراغ أو بعد يوم شاق و طويل من العمل فيحتاج الإنسان إلى الراحة وتسلية النفس بطرق متعددة مع أقرانه ورفاقه في العمل أو الحي.

 وفي زمننا الذي نعيش تتركز اهتمامات شباب هذا العصر على الألعاب الإلكترونية كالموجود في الحاسوب أو التلفاز  وربما كان هذا سببا لضعف الروابط الاجتماعية في زمننا هذا مقارنةً مع الأزمنة السابقة. كانت الألعاب في تلك الأيام تمثل روابط اجتماعية ليس بين العائلة وحدها فحسب بل بين كل أفراد الحي الواحد وقد كانت الألعاب تعتمد على الأنشطة البدنية والفكرية فالأطفال من الفتيات والفتية كانوا يمارسون الألعاب التي تعتمد على النشاط البدني والحركي فتراهم يتراكضون هنا وهناك وأصوات ضحكاتهم تتعالى وتملأ المكان فتبهج من حولهم، ومن الألعاب الشعبية الخاصة بهذه الفئة العمرية في مدينة العقبة على سبيل المثال لا الحصر: شد الحبل، الأُرجوحة، الحجلة، أما بالنسبة للرجال فقد كانوا يمارسون الألعاب التي تعتمد على النشاط الفكري والذهني كألعاب المنقلة.

في هذه الورقة البحثية سوف أُلقي الضوء على أهم الألعاب التي تم اكتشافها في مدينة آيلة الإسلامية وتعود إلى العصر العباسي والتي استمر اللعب بها إلى أن أصبحت تعرف الآن بالألعاب الشعبة، ومن أهمها:
المنقلة: هي من الفعل الثلاثي نقل والنقل معناه التحويل عن الشيء من موضع إلى موضع، نقله ينقله نقلاً فانتقل. والتنقل التحول ونقّله تنقيلاً إذا أكثر نقله النُّقلة الاسم من انتقال القوم من موضع لآخر، المنقلة المرحلة من مراحل السفر والمناقل المراحل والنقل هي الحجارة كالأثافي وقيل هي الحجارة الصغار ونَقلـٓت أرضنا أي كُثُر نقلها وأرض مـٓنْقلة ذات نقل(1).
والمنقلة هي كلمة أو تصنيف شامل لمجموعة مختلفة من الألعاب اللوحية التي تلعب في مناطق واسعة من العالم وتختلف التسميات لها من مكان لآخر فهي اسم جامع لجميع الألعاب التي تعتمد في لعبها على نقل الحجارة وتغير مكانها من موضع لآخر، وهي أما أن تكون لوحية محفورة على لوح حجري أو خشبي أو تكون على الأرض، وأقدم ذكر لحجر اللعب أو المنقلة في مصادر الكتب العربية يعود للقرن العاشر الميلادي من خلال مصدر لأحد العلماء العرب وهو أبو الفرج الأصفهاني بكتابه الاغاني المجلد الخامس، ويعرف لغاية الآن 800 نوع من الأسماء التقليدية للعبة المنقلة والتي تلعب في 99 دولة حول العالم و حوالي 200 نوع من الألعاب تم وصفها حيث أن بعض أسماء الألعاب ترمز إلى لعبة واحدة في حين أن لعبة واحدة سميت بأكثر من اسم(2) هذا وقد انتشرت المنقلة إلى مناطق واسعة من العالم وذلك من خلال نفوذ تجارة العرب والمسلمين وبسرعة أصبحت المنقلة لعبة عالمية ومنتشرة في كثير من الأقطار(3).

عرفت روما أنواعا متعددة من الألعاب بما فيها حجر النرد أو ما يعرف بـTesserae ولعبوا Tali or Tropa  وهو من العظم الموجود في الركبة وهناك أيضاً الشطرنج الروماني أو ما يعرف بـ Latrunculi  ولعبوا Tabula وعرفت أيضاً باسم Alea وتعني المقامرة ولكنها عرفت باسم Tabula منذ أن لعبت على ألواح وهي تشبه الى حدٍ كبير لعبة Senet  المصرية (أنظر الشكل رقم 1) والتي تؤرخ إلى 3000 ق. م في أقل تقدير وقد اشتهرت Tabula بين الجنود ووصلت إلى العرب عن طريق توسع حكم الرومان، هذا وقد كانت اللعبة المفضلة لدى الإمبراطور كلاوديوس الذي كان يلعبها في حله وترحاله وقد أُلف كتاب عن تاريخها ولكن هذا الكتاب لم يعد موجوداً للأسف.
ومـــن الألعـــاب اللـــوحـــية الأخـــــــرى Duodecim Scripta  وتعـــنـــي (12 خـــطا) وقــــد لعـــبت علــى لوح ويلعبها شخصان كلاً يقابل الآخر. عدد الحجارة المستعملة باللعبة 15 حجرا كل لاعب له لون خاص به ويرتب كل لاعب حجارته في الصف المحاذي له على اللوح ويتم تحريك الحجارة بعد وضع حجارة النرد الثلاثة داخل كأس ورجها ثم رميها على اللوح أو الأرض ويتم تحريك الحجارة بناءً على مجموعة حجارة النرد(5).
وهذه قائمة ببعض من الألعاب الشعبية التي عرفت في مدينة العقبة وتعتمد على نقل وتحريك الحجارة وهي بذلك تندرج تحت تصنيف المنقلة:
لعبة المنقلة: تتكون من لوحين حفر بداخل كل لوح سبع جرون في كل جرن سبعة حجارة وتلعب بتوزيع الحجارة داخل كل جرن بالتساوي وهذه اللعبة مخصصة للاعبين أو فريقين و الفائز هو الشخص الذي يجمع أكبر عدد من الحجارة.
لعبة السيجة: وهي نوع من الألعاب التي تشبه في شكلها المنقلة إلا أن الفرق بينهما هو أن  المنقلة لعبة محفورة على لوح من الحجر أو الخشب حفر في كليهما أجران للعب الأحجار يتكون كل ضلع من سبع خانات ويضع اللاعب الأول حجرين حجرين و تبقى الخانة التي في الوسط خاليه وكل لاعب يختار حجارة ذات لون موحد ليتم تمييز حجارة كل لاعب عن الآخر.

و المنقلة هي لعبة الوجهاء حيث كانت هذه اللعبة تُمارس من قبل كبار السن في المنزل أو ما يطلق عليه بالديوان على لوح حجري(6) وفي أغلب الأوقات كان اللعب يتم بعد أداء صلاة العشاء حيث يجتمع الأهالي مع الشيوخ وعلية القوم من أجل مناقشة أمورهم الحياتية والمعيشية المختلفة بعد ذلك يقومون بممارسة هذه اللعبة للتسلية والترويح عن النفس، أما لعبة السيجة والتي تشبه إلى حد كبير لعبة المنقلة إلا أن الاختلاف الوحيد بينهما هو أن السيجة تلعب على الأرض في الأماكن المفتوحة.
لعبة الضامة: تتكون من 64 جرن أو حفرة، ثماني صفوف في كل صف يوجد ثماني أجران (حفر) ويلعب فيها شخصان أحدهما حجارته لا تشبه حجارة الآخر ويسمى كل حجر كما يُقال جرو فيمازح أحدهما الآخر ومن بين الجمل التي يتداولها أهالي العقبة أثناء اللعب «ابعد جروك عن جروي» ويكون تحريك الحجارة أما إلى الأمام أو الجوانب دون الرجوع إلى الخلف ويفوز الذي يخرج حجارة الآخر من اللعبة.
لعبة الحجلة: وهي من الفعل حجل أي أن يرفع الرجل رجلا ويمشي على أخرى متريثا(7) وهذه اللعبة تختص بالفتيات وتعتمد على نقل الحجارة من مربع لآخر والنط أو الحجل فوق مربعات مرسومه على الأرض.
لعبة القطار: وهذه اللعبة أيضا تعتمد على نقل الحــــــجـــــارة وتــــرســــــم عــلـــــى الأرض مـــن خـــــلال مربع متوازي الأضلاع يتقاطع بداخله خطان مستقــيمان يقــوم الفــتية والفــتيات بلعـــبها عــن طـــريـــق تحـــريــك ونقـــل الحجارة فــــوق الــــزوايـــــا القائمة.
الطاب : تعتمد هذه اللعبة على لوح حجري وبعض من الحصى كما هو في الألعاب السابقة إلا أن الاختلاف هو أن لهذه اللعبة محرك رئيسي للعب ألا وهو أربع قطع من الخشب تتكون من القشرة واللب ويستهل اللاعب دوره برمي تلك الأخشاب على الأرض ويقول كلمة طاب ثم يبدأ بترتيب حجارته داخل اللوح سواء الحجري أم الخشبي أو على الأرض.

الألعاب الشعبية في مدينة آيلة الإسلامية خلال العصر العباسي:  
عُرفت العقبة منذ دخول الإسلام باسم آيلة ومن أجمل قصص الفتوحات عبر التاريخ تلك الرواية التـــي يســردهــا لنـــا التاريــخ حيــث تتجلـى فيهــا أخـــلاق المـــحبــــة والســــلام مــــن النبــــي الكـــريـــم مــحـــمـــد (ص)، فعندما قدم يوحنا بن رؤبة أمير وصاحب آيله إلى النبي الكريم وهو في تبوك فصالحه على الجزية وقر على كل بالغ بآيله دينارا في السنة فقد وهب النبي الكريم بردته لابن ليوحنه بن رؤبة عندما سار إليه إلى تبوك (8) ويوحنا بن رؤبة أمير وصاحب مدينة آيلة ، حيث أن النبي محمد (ص) أرسل إليه كتاباً يعرض عليه الإسلام  أو دفع الجزية فأتى النبي وهو في تبوك لابسا صليبه الذهبي وحاملاً معهم هدايا للنبي فاستقبله النبي محمد وأكرمه وجعل بلال بن رباح في خدمته وكتب له عهداً وأماناً(9) بعد ذلك قام المسلمون بتأسيس مدينتهم الإسلامية على بعد أمتار قليلة من مدينة آيلة البيزنطية.

والجدير بالذكر أن مدينة آيلة الإسلامية من أقدم المدن التي تم تأسيسها خارج الجزيرة العربية وتتكون المدينة من أربع بوابات رئيسية يحيط بكل بوابة برج ويصل بين البوابات بشارعين رئيسيين ومن أبرز البوابات هي بوابة مصر أو ما يطلق عليها ببوابة مصر الشمالية وبالقرب من هذه البوابة يوجد منزل ذو طراز معماري فريد ومميز (أنظر الشكل 2) حيث قامت جامعة كوبنهاجن الدنماركيه بالتنقيب بإشراف الدكتور كريستوفر داميغارد لعدة مواسم أثرية سبقه بذلك الدكتور دونالد ويتكمب الذي كان قد اكتشف الموقع ونقب فيها سنين عديدة.
في موسم عام 2014م عثر على لوح حجري (أنظر الشكل رقم 2) من الكلسي يأخذ الشكل المستطيل وقياساته هي  (9سم × 21سم × 34سم) حفر على وجه الحجر الكلسي صفان متوازيان في كل صف يوجد أربع أجران (حفر) محفورة في اللوح الحجري ويطلق على هذا اللوح اسم Game board والذي استعمل للعب المنقلة في العصر العباسي وأقدم ذكر للمنقلة يعود للقرن العاشر الميلادي من خلال مصدر من المصادر التاريخية لأحد العلماء العرب وهو أبو الفرج الاصفهاني بكتابه الاغاني المجلد الخامس. بالإضافة إلى اكتشاف أنواع متعددة وأشكال مختلفة لأحجار النرد والتي كانت مشهورة في الفترات العباسية فقد ذكر الجاحظ في كتابه البيان والتبيين «من وصية عثمان الخياط للشطار (عليكم بالنرد ودعوا الشطرنج لأهله)»(10)، والنرد شيء يلعب به أصله فارسي معرب وليس بعربي وهو النردشير، وفي الحديث النبوي من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه. النرد اسم أعجمي وشير يعني حلو(11) فارسية تعتمد على الحظ وتتكون من صندوق وحجارة وتعرف عند العامة بلعبة الطاولة وتعد هذه اللعبة من الألعاب الدخيلة على المجتمع العباسي وانتقلت اليهم عن طريق احتكاكهم بالفرس(12) بعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية.

والنرد حجران اثنان لكل منهما ستة وجوه يتحكمان في نقل أحجار النرد حسب مجموع أرقامهما بعد رميهما على لوح اللعب. (أنظر الشكل رقم 3 ورقم4 ورقم 5)
وقد رافق لعب النرد عدد أو أحد من فعاليات السمر والمسامرة التي يكون بها غناء موسيقى شعر وغيرها (13) ...
 وتم كشف العديد من كسر الفخار المشذب الجوانب ومن المرجح أن تكون قد استعملت كحجارة لعب للألعاب التي تلعب على اللوح الحجري، لأن لعب المنقلة والنرد يتكون من قطع رئيسية هي الحجارة بالإضافة إلى اللوح الحجري والجدير بالذكر أن هذه الكسر الفخارية مختلفة الألوان وهذا يرجح استعمالها خلال تلك الفترات من أجل اللعب، فقد كان اللاعبون يقومون بجمع الكسر الفخارية ومن ثم تشذيب أطرافها لتكون صالحة لاستعمالها كحجارة للعب فمن خلال الشكل الذي يمثل كسرتين مختلفتين من الفخار إلا أن أحدهما مشذبة والأخرى كسرة عادية وهذا دليل واضح على استعمال الكسرة المشذبة لأغراض معينة ألا وهي اللعب (أنظر الشكل6).

لعبة المنقلة في ضوء المكتشفات الأثرية:
لقد تم العثور على حجر اللعب المسمى بالمنقلة في موقع عين غزال العائد إلى فترة العصر الحجري الحديث، ما قبل الفخار في أحد المنازل رقمه C التي تعود لتلك الحقبة الزمنية وقد عثر عليه أثناء حفريات عام 1996م من قبل كفافي ورولفسون وهو عبارة عن لوح حجري من الكلس أشبه ما يمكن بالشكل الدائري قياساته (32سم × 25.5سم × 7سم) ونحت على شكل صفين متوازيين في كل صف يوجد أربع تجاويف أو  أجران وهذا اللوح يسمى بالمنقلة هذا (أنظر الشكل رقم 7).
وفي موقع البيضا الأثري والذي لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مدينة البتراء الأثري تم العثور على لوحين حجريين مكسورين نحت عليهما صفين مكونين من أجران (حفر) للعلب موصولة بخط ملتوي ويبدو أن هذا  الخط وجد لأغراض الزخرفة، وجد أيضا لوح آخر وجد في نهاية كل صف جرن (حفرة) أشبه لشكل المنقلة في العصر الحالي(15).
وتشـــــــيـــر كــــــــــل مـــــــــن  Vesna Bikié & Jasna Vukovié في مقــالتـــيــهــما بعــنـوان Mancala in the Balkans في الصفحة رقم 196 إلى ما قالته  ASSIA  POPOVA في مقالة لها باللغة الفرنسية بعنــــوان Les Mankala  Africains  وتعــــود لعـــــام 1976م وتشـــير إللـــى أن لعب المنقلة كان يتم في العصور القديمة خلال أوقات النهار وذلك لاعتقادهم أن الليل خاص بالأرواح، والآلهة وكان الاعتقاد آنذاك بأن أي شخص يلعب أثناء الليل سوف يصاب بمرض أو جنون أو قد يؤدي إلى وفاته وأن هذه الأرواح المنتشرة بالليل سوف تأخذ روحه أما إن كانت مرتبطة بأحد الطقوس كالدفن على سبيل المثال فإن لعب المنقلة بالليل مسموح لأنها لا تلعب للمتعة والتسلية لكنها قد تطرد الأشباح والأرواح الشريرة.

وبعد انتقال مركز المدينة من موقع آيلة الإسلامية الى موقع القلعة لم يتخلَّ السكان عن لعب تلك الألعاب المسلية والتي يلاقون فيها المتعة والتسلية فقد وجدت بعض الثقوب والأجران المحفورة إلا أنها في هذه المرة ليست على لوح حجري كما وجد منزل التاجر بآيلة الإسلامية ولكن هذه المرة على عتبة بوابة القلعة الخارجية وذات أجران (حفر) متعددة ويبدو أنهم قد لعبوا تلك اللعبة هناك إلا أنه وللأسف بسبب حفرهم للعبة المنقلة على العتبة والتي تعتبر ممر لجميع الداخلين والخارجين للقلعة مما أدى إلى تعرضها للتلف وقياسات المنقلة «السجية» على عتبة بوابة القلعة هي  (26سم × 36سم) (أنظر الشكل8).
 وقد مارس الأهالي هذه اللعبة لعهد قريب فقد كانت من الألعاب الشعبية التي كان يمارسها أهل مدينة العقبة والتي كان لها بمثابة طقوس خاصة عند ممارستها خاصة في ليالي الصيف الحارة حيث يجتمع أهالي المدينة آنذاك حول قلعة العقبة وبعد أن يقوم الرجال برش التراب بالمياه التي تجلب من بئر  الست و الذي يقع على بعد أمتار قليلة من القلعة و على نسيم البحر يبدأ الرجال اللعب هذا وقد انقسم المتواجدون على فريقين كل لاعب له مشجعوه، بينما كان الأطفال  يركضون يمنة  يسرة وهم يلعبون ألعابهم الخاصة بهم والتي كانت منتشرة خلال تلك الحقبة الزمنية من تاريخ مدينة العقبة.