فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

المحمولات الثقافية والقيميّة (التراثية والمجتمعية) في رواية زناب (نموذج مقاربة توظيف الثقافة الشعبية في الرواية البحرينية)

العدد 34 - أدب شعبي
 المحمولات الثقافية والقيميّة (التراثية والمجتمعية) في رواية زناب (نموذج مقاربة توظيف الثقافة الشعبية في الرواية البحرينية)
كاتب من البحرين

تتأسس أولى عتبات النصّ الروائي «زَناب» للكاتبة رباب النجار، والمتمثلة في غلاف الرواية، على بنية جناسية تستبطن صياغتها تعالقًا حميميًّا بين شخصية الكاتبة «رباب» ودلالات الحضور المكثّف لـلشخصية  المحورية في المتن الروائيّ «زينب/ زناب» على نحو وجدانيِّ، يشي بخصوصية هذا الاشتقاق في حياة الكاتبة الشخصية والاجتماعية، بصفتها شاهدا على العديد من التحولات الاجتماعية والقيمية التي اكتست صبغة تراثية في المجتمع البحريني بحكم انتمائها إلى فترة الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي؛ إلى درجة يمكن الإفصاح عنها (مجـازيًّا) باشـتياق «زينب/ زناب» الشّجر - الاسم العتيق الذي لم يفارق بعد مسمع ثقافة الذاكرة البحرينية التقليدية ولسانها- إلى حُنوّ بوح «رباب» المطر! الاسم الذي لا يقل حضورا في وجدان تلك الثقافة، وهو ما يمكن استقراؤه (سيميائيًَّا ) في استحضار ملامح ذاكرة المكان والزمان الشعبية في تصميم لوحة غلاف الرواية.

وبالانتقال إلى العتبة الثانية من النص  الروائي، والتي تتخذ من الـ«تنويه» عنوانا لولوج فضاء «زينب» تحيلنا الكاتبة  إلى مجموعة من الإشارات التاريخية - الاجتماعية التي تفصح عن طبيعة المتن الروائيّ، في بعده (الزّمكانيّ) والتي تستحضر دور أبيها وخالها (بتحقيق سيرورة إنتاجه، متصلا بإلحاح ابنتها «آلاء» عليها لإتمامه) وهو ما يقودنا إلى استنتاج سعي الكاتبة إبداعيًّا إلى تحقيق قدر من التواصل بين الأجيال، شكلت فيه حضور شخصية «زينب» الحامل الأمين لمنظومة القيم والعادات والتقاليد المجتمعية؛ لموازاة تفاعلات سيرورة التحولات المجتمعية وما يصاحبها من ميل إلى التثاقف الحضاري الإنساني، عبر الزمان والمكان.
لذا جاء  المتن الروائي لـ«زناب» من خلال صفحة «الإهداء» منفتحا في سيرورة إنتاجه على أفق المستقبل المتمثل في  «بنات الكاتبة وأبنائها» ومتصلاً بـ«حفيداتها وأحفادها» ليشكل في صيرورته انعتاقًا إنسانيا - ذاتيا من عوالم «زينب» الواقعية التي تصفها الرواية إلى عوالم أخرى فنيًّة، وهو ما أحال صفحة الإهداء - وهي العتبة الثالثة للنص إلى «نصّ نوعيّ مواز اختارت الكاتبة ألفاظه بـقصدية توجيه رسالة إلى المعنيين بالإهداء.. وإحالة المتلقي إلى فهم أبعاد النص الروائي ومدلولاته»(1).

1. أهداف الدراسة:
تقـديــم نمــوذج تحليلـي استقصــائـــي للبحـث في مقاربة موضوع توظيف التراث الشعبي في الرواية البحرينية، يقـــوم عــلــى رصـــد المحمـــولات الثقـافـــية والقيميّة (التراثية والمجتمعية) المتضمنة في رواية «زناب» بوصفها نموذجا لإحدى الروايات البحرينية الصادرة حديثا، والتي يعالج متنها السرديّ مظاهر التحولات الاجتماعية والقيمية في المجتمع البحريني في حقبتي السبعينيات من القرن الماضي، استقصاء أثر توظيف المحمولات التراثية الاجتماعية في إغناء بنيـــة المـــتن الســـرديّ، واستخــلاص أثـــره في تعمــيق تقنيات المعالجة الفنية فيه.
استكناه المدلولات الاجتماعية القيمية والرمزية لتوظيف التراث الشعبي في الرواية البحرينية المعاصرة، بوصفها فضاء معرفيّا حاملا لقيم المجتمع ومعارفه، وأنماط حياته، وإحدى تقنيات التثاقف والتواصل الفاعل عبر الأجيال في مجتمع متغيّر.
تمَثّل الدعوة إلى اجتراح مقاربات تحليليّة تعنى برصد وتحليل النتاج الثقافي الإبداعي الذي حاول مبدعوه في الخليج والجزيرة العربية استلهام التراث الشعبي؛ مع التأكيد على تأثير النقلة الحضارية التي عاشتها المنطقة - منذ ما يقارب النصف قرن - في أنماط العيش، «مما كان له أثر بليغ في درجة حساسية المبدع تجاه المتغيرات الجذرية، وبالتالي في مجمل النتاج الفني وصلته بالماضي بصفة عامة وبالتراث الشعبي بصفة خاصة»(2).

2. منهجية الدراسة:
تستند الدراسة إلى المنهجين البنيوي التكويني والأنثــروبــولــوجـــي فــي مـــقـــاربــــة مــــوضـوعــة الـبـحــث، معتمدة فـي تنــاوله الأسلوب التحليـلـي القــائم علــى استقراء المتن النصيّ لرواية «زناب» من خلال تحليل متضمناتـهــا، أفــقــيــا وعــمـوديـــا، ومــحــاولـــة استـقــصــاء بنيتــهـا الأســلوبــية وتـقــنياتــهــا الـفـــنــيــــة، واســتــخـــلاص العـــلائـــم والـمــظاهر والسّــمـات ذات الصــبغــة الــزمــانــية والمكانــية، ومــا يــرتـبــط بــهــا مــن مـــقــولات، أو أفــعـــال، أوأحـــداث تحــمــل دلالات مــاديــة، أو معــنـــويـــة، أورمــزيـــة، تفصح عن تقنيات توظيف الرواية المختارة التراث الشعبي البحرينيّ، وتنبىء عن أثر هذا التوظيف في إغناء البنية السردية للمتن الروائي البحريني في إغناء محمولاتها، وفي إثراء تقنيات المعالجة الفنية لتلك المحمولات؛ استنادا إلى الرؤية القائمة على تحليل مضامين العمل الروائي بوصفه تعبيرا عن الحياة الاجتماعية في تمظهراتها الخارجية ومحاولة استكناه مكنوناتها القيمية والرمزية، التي يمكن سبرها بالنظر إليها اجتماعيا كما يرى(اسكاربيت: 1987) من زاوية تأثرالأدب بالدين والعادات والقوانين، وتأثيره فيها(3).

3. البنية الهيكلية لتنظيم محتوى الدراسة:
استنادا إلى أهداف الدراسة، ومنهجية مقاربة موضوعها، جاءت البنية الهيكلية لتنظيم محتوى الدراسة، وفق  أجزائها الأربعة  على النحو الآتي:
1. التــــقـنــــية النــــاظـــــمة لـــــــرصـــــد التـــــحولات النفـــــــسية والاجتماعية في  فضاء المتن الروائي السرديّ.
2.  توزيع المحمولات الثقافية والقيـــميّة (التراثية والمجتمعـــية) علــــــى خــــارطــة فــي الـمـــــتن الـــــــروائـــــــي السـرديّ.
3. دلالــــة الأمـــــثال الشعـــــبية والتعــــبيرات التــــراثــــية والتـــرنيــــمات فــي محـــمولات النـــص الســـــــــرديّ.
4. دلالة المعتــــقدات والطــــقوس الشعـــبية والــــرمـــــوز والعـــلامـــات التــراثــية في المــــتن الســــــردي.
5.  خلاصة الدراسة.

3. 1. التقنية الناظمة لرصد التحولات النفسية والاجتماعية في  فضاء المتن الروائي السرديّ:
تهيئة لفهم متضمنات المتن السردي في رواية «زناب»؛ وتحليل بنيته الفنية، ومقاربة محمولاته الثقـافـــية والقيـــميّة (التـــراثــــية والمجتـــمعية) يلـــزمــــنا تــــوصـــيف التقــــنيات النــــاظـــمة للتـــــحولات النفـــــسية والاجتماعية التي انعقد النسيج الروائي حولها. حيث تقوم بنية النص السرديّ على تقديم جرعة نصيّة متدفقة، لا تخضع في تقسيم تكويناتها إلى فصول ذات وحدات موضوعية؛ بل إلى محاولة الكاتبة الإمساك بالخيط السردي الروائي الناظم لمجموعة من مشاهد القصّ، ومتابعة بنية الأحداث، من خلال توظـــيف تقنـــية الومضـــة الخـــاطفة «الفلاش باك» وإفساح مساحات محدودة للحوار المدعم بالسرد، أسهمت بتلقائية في رسم ملامح محورية شخصية  «زينــــــب» وفــــاعليـــــتها، بمـــــوازاة مـــلامح الشخـــــصيات المحيطة بها، وفاعلية كل منهافي تشكّل سيرورة المتن السردي ونمائه زمانيّا ومكانيّا.
وباستقراء شخصية «زينب» ورصد فاعليتها في فضاء النصّ؛ نجد حضورها يتمحور حول ثنائية صراع نفسيّ داخلي، يتجاذبه موضوعيًّا معجم القصّ القائم على ثيمة (النمطيّة والرتابة والقلق على الغير) وهو ما يتسم به إيقاع حياة جيل أمهاتنا في زمن القصّ، في مقابل معجم نزوعها إلى الانعتاق من النمطية والرتابة اللتين تمثلان السمتين المـــلازمتـــين لأثــر التحـــولات المجتـــمعية والقيــــمية في حياة الأفـــراد والجـــماعـــات عـــبر المكـــان والزمـــان، ويمـكن تبين نماذج من تواتر هذا الصراع في حياة «زينب» باستقراء متضمنات الخطاطة التالية.

خطاطة بروتريهيّة لرصد التحولات النفسية للشخصية المحورية في  فضاء المتن السردي:

الحقل المعجمي للنزوع إلى الانعتاق الحقل المعجمي للحدث النّمطي اليوميّ
-لن أطبخ اليوم شيئا للغدا...لو يسعها لتخلت عن جميع الأعمال هذا اليوم وارتاحت قليلا... انفرجت أساريرها قليلاً وانتابها إحساس جميل، حين تذكرت  أنها لن تطبخ.. (الرواية: ص10) -  انهت جميع الأعمال الرتيبة المخصصة لفترة الصباح، عدا الطبخ..الطبخ لن يعجزها فهي تقوم به عن طيب خاطر..لكن لا يزال الصبح طويلا، ولا وجود للقيلولة في حياتها... (الرواية: ص 10)
-التكرار سيتوقف اليوم... ويكفي أن يكفّ الزمن عن التكرار ولو لمرة واحدة في العام، ليجعل المرء ينظر حوله بطريقة مغايرة ويشعر بالفرح. (الرواية: ص 10) - تفقدت ببصرها أثاث الحجرة... الأواني... كم عاما مضى دون استخدامها؟ عشرون، ربما أكثر. (الرواية: ص 11)
- خطر على بالها أن العالم لن يتوقف عن الحركة لو استراحت قليلا؛ لترخي عضلات ظهرها المتصلبة... (الرواية:ص11) - لاشيء غير اعتيادي، خلوة تحضر بقسوة... ثمة توطؤ قديم بين عقارب الساعة وأنين المروحة.. إنها أشبه بآلة تصدر نغمات رتيبة.. (الرواية: ص12)
- ... لا لن أسكت بعد اليوم سوف أوقف هذه المخلوقة (ابنتها) عند حدها. (الرواية: 47) - المرة الأولى التي تدخل الماعز غرفتها «لكنها كافية لتشعرهـــا بأن قدسية الحجرة قد انتهكت في غيابها، وبأن تعديا صارخا طال خصوصيتها». (الرواية: ص35)
- شعرت بأن لا رغبة لها في رؤية ابنتها، ليس مطلقا ولكن اليوم على الأقل. (الرواية: ص54) -  «أهذه ابنتي.. بضعة من لحمي ودمي؟! ما الذي اقترفته بحقها كي تبغضتي.. هل تريد أن تفسد بهجتي بأحفادي؟.. آآآه ليت الأرض انشقت وابتلعتني قبل أن اسمع لمياء تتلفظ بهذا الكلام». (الرواية: ص48)
- «لن تستطيع الدنيا أن تأخذ منها ما بقي لها، لأنه يخصها وحدها دون غيرها، تعض عليه بالنواجذ وتشعر بامتنان لن تدعه يفلت منها» الذي بقي لها ذكرياتها التي كلما بعدت في الزمن، لا في الذهن صارت أعزّ  على  قلبهان حتى الموجعة منه». (الرواية: ص124) - «أول مرة في حياتها تنزعج من تكتكة الساعة... ما الذي تفعلينه بحق السماء، صرخت بها، تعدّين أعمارنا عدّا؟ انتابتها رغبة عارمة في تحطيمها، لكنها لم تفعل». (الرواية: ص 76)
- «نظرت إلى شعرها.. تناولت ظفيرتها بيدها وقبلت الشيب، الشاهد على طفولتها وصباها وشبابها، وشعرت نحوه بامتنان». (الرواية: ص139) - هل إذا تقدم العمر بالمرء، يعيد فرز اسراره من جديد؟ ويقصي بعضا منها فلا تعود أسرارا؟ كتاجر نفدت بضاعته وليس لديه ما يخشى كساده . (الرواية:ص137)
- «لم تعد هدهدة زينب حزينة بعد مجيء زينب الصغيرة صارت الهدهدات تملأ المكان بهجة، كان صوتها الممتليء فرحا يثير في لمياء شعورا غامضا، يتلبسها حزن كلما رأتها سعيدة». (الرواية: ص 155) - «فراغ لا ينتهي أيام تلو أيام كلها متشابهة، كما لوكانت يوما واحدا يتكرر، لكنها لا تبتغي من الدنيا أكثر مما أعطتها» (الرواية:ص124)
- «لاشيء في دنياها يستحقّ العجلة غير الذهاب للقاء الأحفاد واطفال الأحفاد... تناولت كيس الحلوى من المطبخ، وابست عباءتها وخرجت». (الرواية: ص156) - «أشاحت وجهها عن المرآة منذ زمن بعيد.. بعد أن ازداد ضعف البصر تركت استخدامها نهائيا.. تأملت وجهها في المرآة طويلا لقد شاخت..». (الرواية: ص139)
  - «حتى الأيام الرتيبة لايمكن أن تمكث على حالها إلى الأبد، كان فرح زينب بضجيج الأحفاد لا يضاهيه أي فرح، لكنه ضجيج كاد يتلاشى... صار السكون أشد إزعاجا...». (الرواية: ص150)
  - بالأمس القريب كانت تقلق على الأحفاد واليوم صارت تضيف على نحو فطري أبناء الأحفاد إلى قائمة الذين تمرض لمرضهم وتفرح لفرحهم. (الرواية: ص 152)


3. 2. توزيع المحمولات الثقافية والقيميّة (التراثية والمجتمعية)  على خارطة في المتن الروائي السرديّ:
بتتبع العلاقة الموضوعية بين الخط التصاعديّ لشخصية «زينب» ومساحات نماء إطارها الزماني، واتساع فضائها المكاني، نستخلص جملة التحولات المجتمعية التي عمدت الكاتبة إلى تضمينها في المتن الروائي، موظفة مجموعة من المحمولات الثقافية والقيمية (التراثية والمجتمعية) المبثوثة في سياقات نصية متعددة لتأصيل متضمنات البنية السردية وإغنائها تراثيا.    
وبفحـــص المـــدلــــولات الـموضوعية والفـــنية لـتلك المحمولات، نجد أن الكاتبة وظفت الكثيرمن المحمولات التراثية في بناء الحبكة القصصية،  لغرض تعميق الحدث الروائي، وتنامي وتيرة تصاعده، عبر ثنائيتي الزمان والمكان، وما يتساوق في تتابعهما روائيا من منظومة المعارف، والعادات والتقاليد الشعبية، وما يرتبط باستحضارها روائيا، وفق التقسيم الثنائي للطقوس وشعائر العبورالذين اختطهما الفلكلوري الفرنسي «أرنولد فان» بتقسيمه تلك الطقوس إلى رئيسة تتمثل في طقوس الانفصال (الموت وما يتصل به) وطقوس اتصال وتجمّع (الزواج وما يتعلق به) وشعائر هامشية ثانوية (الحمل والولادة والتعميد والختان والطهور)(4).
وهو ما ستركز عليه هذه الدراسة، في محاولة استقراء توزيع خارطة المحمولات الثقافية والقيميّة (التراثية والمجتمعية) في ثنايا المتن الروائي السرديّ لرواية «زناب» وفق تصنيف بحثي يخدم أهداف التحليل الموضوعي، ويقوم على تبني المقاربة «البنيوية التكوينية» التي تقوم كما يرى (غولدمان:1987) على اعتبار أن الشكل الروائي ينقل الحياة الاجتماعية اليومية للفرد إلى المستوى الأدبي، وما ينتج عن ذلك من تفاعلات تبادلية - قيَميّة داخل المجتمع نفسه(5).
وفيما يلي تفصيل بتوزيع المحمولات الثقافية والقيميّة (التراثية والمجتمعية) على المتن الروائي السردي، وفق مستويات  تقسيماته الخمسة الآتية:

3. 2 .1. محمولات الزمان والمكان التراثية في فضاء المتن السردي :
في سياق هواجس انتظار «زينب» حفيدتها «لمياء» التي تأخرت في المجيء على موعد زيارتها اليومية المعتادة صباح صيف (الثالث والعشرين من أغسطس عام 1965) تأخذنا الرواية إلى وصف تفاعلات «زينب» الوجدانية، المتصلة بنوستالجيا الحنين إلى المكان والزمان؛ حيث الجو حار لدرجة فظيعة، والرطوبة خانقة، مستحضرة مشاعر «زينب» المتأرجحة التي تمقت «الرطوبة» بقدر ما «تعشق فيه بيتها في الأيام شديدة الرطوبة، إذ تعبق تربته برائحة تأخذها إلى أيام الصبا، حين كانت تحت جناحي أمها وأبيها»   (الرواية: ص9).
تدخلنا زينب في هذا السياق السردي إلى مكان أثير يستحضر حميميّة خصوصية «حجرتها» التي لاتتعدى مساحتها «ثلاثة أمتار في أربعة» مستعرضة في التفاتة بصرية خاطفة، مواقع ترتيب المقتنيات التراثية الأثيرة لديها في شمال وجنوب الحجرة، وأسفل نافذتها الشرقية، وقبالة النافذة الغربية، وفي زواياها وسقفها، كلّ ذلك محاولة الانشغال بذلك عن وطأة صداع شديد ينتابها في الجانب الأيمن من الرأس، ويفرض عليها خلوة تحضر بقسوة.. «يتواطأ على تمزيق سكونها صوت عقارب ساعة خشبية معلقة على الجدار شمال الحجرة، قبالة السرير من جهة الرجل، وأنين مروحة يتداخل مع دندنة أغنية صوت السهارى لعوض الدوخي..» تأخذها لزمن تحاول استحضاره بعدة أمور تربطها  بتذكر عمر «لمياء» الحفيدة، لتكتشف أنها قد «أتمت الخامسة من عمرها وتمشي في السادسة» مستثيرة بذلك تداعيات ذاكرة الزمان التي أخذتها إلى ذات «يوم في الصيف الماضي تخلفت فيه لمياء عن المجيء   «مستذكرة» وجود مظاهرات وفوضى في طرقات المنامة، في حيهم بالذات حيّ المخارقة منع وصول لمياء إليها» (الرواية : ص 12 - 13).
وفي ذروة سياق هواجس تأخر «لمياء» يتداعى سرديًا إلى ذاكرة «زينب» مشهدٌ يختزل مفارقة التحول الحضري، في مجتمع البحرين، في منتصف حقبة الستينيات من القرن العشرين، مستحضرة حادثة «اصطدام سيارة أمريكية، بعربة يجرها حمار، وانقلابها على حفيدها «أخو لمياء» الذي «صادف مروره في تلك اللحظة راكبَا دراجة.. فاصيب بكسر بليغ في إحدى ساقيه» مؤرخة بهذا المشهد تزامن اجتماع «سيارة وعربة حمار ودراجة..» مشهد لا يتكرر كل يوم تلازم استدعاؤه ومعجزة نجاة حفيدها الذي كان ممددا بالكامل تحت عربة الحمار» (الرواية: ص 14).
وباتساع فضاء السرد؛ واستحضار البعد الروائي مايساوق العلاقة الرابطة بين الأزمنة الداخلية والخارجية فيه، وهو ما يمكن تحليله، وفق مرتاض (1988) وفق رؤية سوسيولوجية وتاريخية(6) تستتبع ملاحظة كيفية هندسة الكاتبة مكان السرد، وإسباغ ألفته نفسيا في دخيلة زينب؛ محددة بذلك حميمية موقع بيتها في فضاء بيوت «حي المخارقة» منفتحا على شارع المتنبي، الذي يتوسط الحيّ، ويأخذ زينب في مسار رحلتها إلى بيت ابنتها «أم لمياء» من جهة الغرب إلى الشرق، معرّجا بها شمالا بمحاذاة البيوت التي «تقع غرب الشارع الضيّق الذي لا يتسع عرضه إلا لعبور سيارتين بمحاذاة بعضهما» مسترجعة بسرد حدَث استيقاف «أنور» مجنون الحي لها، وهي في الطريق لحضور مخاض ابنتها موقع   «بقالة الميرزا»  غربي الحيّ (الرواية : ص17).
وفي قلب دائرة تمثُّلات محمولات المتن الروائيّ من تقاليد اجتماعية وعادات ستينية أصيلة تزخر بها ذاكرة «زينب» ومن طرز معمارية بسيطة، مصاحبة لتلك التقاليد، تحضر تقاليد التواصل الاجتماعي الحميم بين ابناء حي المخارقة؛ حيث «أبواب البيوت جميعها مشرعة على بعضها، متلاصقة دون سياج حولها» وحيث «من المألوف انتقال الحديث الذي يدور بين أفراد الأسرة في فناء البيت إلى البيوت المجاورة وإلى الشارع..»، دون أن تغفل الكاتبة في هذا السياق السرديّ التأريخي أصداء تلك الحقبة من زمن القصّ، مفسحة المجال للذاكرة السمعية؛ التي يشغل حيزها الزماني والمكانيّ وسط شارع المتنبي» تناهي إهداءات أغاني برنامج ما يطلبه المستمعون إلى مسامع المارة، مستحضرة وقع صوت ناظم الغزالي - الذي يمثل مكونا غنائيا تراثيا في الذاكرة البحرينية الستينيّة - على قلب زينب التي تردد معه  «عافت عيوني النوم» فتشعر أنه يخصها هي بهذا القول، كما يخترق شغاف قلبها صوته إذا قال «معلّم على الصدعات قلبي»! (الرواية: ص18).
وبمـوازاة الحضــــور البصـــريّ السّــمــعي الطـــــروب للمكونات التراثية الزمانية والمكانية لحي المخارقة تستحضر الكاتبة مكان مأتم الحيّ «العجّة» الذي أشرّت بموقعه شرق شارع المتنبي، مستحضرة في سياق القصّ انعطاف زينب على يمينه، في الطريق إلى بيت ابنتها أم لمياء، مستبطنة سرديات ذكرى حكاية شكوى إحدى الجارات لزينب «عزوف ابنتها التي ترملت وهي في ريعان شبابها عن الزواج» وبراءة مشهد «فتيات صغيرات جلسن على الأرض يسمّعن لبعضهن جدول الضرب بلحن جميل» و«حكاية جليلة ابنة حيدر الراشد، وقصة نذر زينب على ابنتها في حادثة شربها الكيروسين» (الرواية: ص19) مهيئة بذلك إلى استدعاء بوح «زينب» بمكنوناتها إثر هزة وجدانية عميقة، هدت كيانها، بسبب تهكّم أختها الوسطى بعباءتها القديمة أمام الجيران ساعة دخولها بيت ابنتها عند ولادتها؛ وقد ضاعف ذلك استقبال الابنة «بنبرة آمرة.. تبعث على الكدر، دون أن تتيح لها مجالا لحمل حفيدتها المولودة للتو..» (الرواية: ص19-29).
تحوّلات أفق فضاء المتن السردي.. بين زمنين:
بتوالي أحداث المتن الروائي وتتابعها، ينفتح أفق فضاء السرد في طريق عودة زينب المثقلة بهموم يوم ولادة ابنتهاعلى مشهد «فتيات صغيرات لمحن طائرة تحلق في السماء، وهنّ يرددن أهزوجة بريئة من أهازيج ذلك الزمن الستينيّ» لاحت لها على إثره طفولتها التي تسترجعها الكاتبة بتقنية الومض الخاطف (الفلاش باك) - حيث «كان النسوة يغسلن الثياب في العيون وسط البساتين والخضرة»؛ وأمها تأخذها مع أختيها، ليلهين مع صويحباتهن في «السيبان يجلسن على الطرف وأرجلهن تتدلى في الماء» أويلعبن «لعبة اللقفة» أو «والتسلي بأوراق شجر البنسيان والإثل، وإمساك الجراد والفراشات، وجمع ما يتساقط من النخيل في موسم الخلال» (الرواية: ص29-30). وغيرها من محمولات ذكريات لعب الطفولة في ذلك الزمان الذي كانت زينب فيه «تحيا طفولتها خارج الزمن وتظنّ أن لاشيء في الدنيا يستحق غير الضّحك» (الرواية: ص 31).
وعلى نحو مفارق توغل مشهدية القصّ في استحضار أفق آخر يشي بتحولات ذاكرة الزمان والمكان، التي تتبدى على صفحتها النقلة الزمنية في حياة نسوة المخارقة اللواتي «هجرن البساتين والعيون؛ بسبب إيصال المياه للبيوت، فلم يعدن بحاجة إلى البساتين والعيون، من أجل الاستحمام أو غسل الثياب..» وقد شكلت هذه النقلة من وجهة نظر زينب «لطمة» ألجأتها «إلى  اتخاذ سطح بيتها ملاذَا يمنحها شعورا بالتحرّر من الحيطان الأربعة» تنظر من جهة الشمال إلى البحر، ومن جهة الشرق ترمي ببصرها إلى البعيد، حيث لا أبنية مغبرة تعترض الأفق وهنا تتساءل الكاتبة بحسرة على لسان «زينب»: هل من لطمة أسوأ من أن يغدو الإنسان سجينًا؟ مختتمة مشهد التحوّل الاجتماعيّ وما صحبه من تغيرات تراجيدية مست عادات الناس وتقاليد معيشتهم، على لسان حال زينب، الشاهدة على تحولات ذلك الزمان قائلة: «صار الناس ينفقون الكثير من الأموال على تزيين سجونهم، وهم يحسبونها بيوتا يسكنون إليها» (الرواية: ص42).
وفي ثنايا انفتاح فضاء المتن الروائي السرديّ، واتساع أفق التحولات فيه بين زمنين تتبدى مشهدية فضاء احتفاء زينب بمشاركة حفيدتها لمياء إطعام الحمام والاستمتاع بمنظره وهو يهبط ملتقطا الحبوب ليحول «سطح البيت الأجرد إلى مكان تدب فيه الحياة» متخذة منه زينب فضاء لقصّ «خرافة للحفيدة سمعتها الجدة عن عمتها» على إيقاع هديل الحمام أو تعليمها بعض دروس الحياة وخلاصة تجارب الجدة،  التي يوحي بها مشهد «تنازع حمامتين على قطعة خبز صغيرة أوحبة شعير، رغم امتلاء السطح بفتات الخبز أو الشعير» (الرواية: ص44).   
وتحــــت هـــذا الســــــطح تتـــــبدى حــجــــــرة زيــنــــب  الـــــــتي تمثل في فضاء السرد جزءًا حميما من بيتٍ بحرينيّ ذي طراز عتيق، ورثت منه عن والدها بعد تقسيمه حصتها مضافا إليها نصف حصة أخيها، إلا أنه كما تصفه «... لم يتغير فيه شيء، كانت قبته السماء وبقيت قبته السماء» (الرواية: ص37).
لقد شكلت هذه الحجرة موئل حنين لذكريات زينب مع أمهــا، ومكنزا ثريـــا لمقتنيات جميلة ورثتها عــن أبويهـا وزوجهــا «أكـــرم» وأصبحــت تحــت طـائــلة تحولات الزمن مــلاذا آمنــا لأحزانهــا، وفضاء لســـرد حكايــــات الترحـــال والحنــــين والفـقــد، الممتـــدة عـــبر الزمان والمكان على مسمع  «لمياء» حفيدتها. لذا تبدو هذه الحجرة «موضوعيا» بمثابة ما يمكن أن نطلق عليه، حسب باشلار (1984) مكانًا يتيح استعادة ألفة الماضي، داخل البيت القديم، واستقطابها، وتكثيفها، والدفاع عنها(7).
باستقراء المدلول الحكائي لتساؤل زينب « كيف يكون الهبوط إلى الأرض أجمل من الصعود إلى السماء؟!» يمكننا استقصاء العلاقة المتغيرة بين الأماكن المغلقة والمفتوحة في النصوص الأدبية، والتي تمنحنا وفق كوبام (2014) فهمًا للكيفية التي بها يصوّر الروائي الأماكن، وما ينطوي عليه هذا التصوير من منظورات أنثروبولوجية أو ذهنية،  تحيلنا إلى بحث مفهومي المكان الحميم والمكان الخرافي(8) «وهو ما تنقلنا إليه الرواية في سردية خرافة المكان الممتد في ذاكرة زينب التي برّح بها الحنين من شمال العراق إلى ديارها «البحرين» متوسلة الموت كلّ ليلة أن يأتيها قبل مطلع الفجر» (الرواية: ص 131) فقصدت ذات ليلة شديدة البرد كهفا في أعالي الجبال تسكنه الذئاب، تراءت لها خرافية المكان في طريقها إليه، حيث السماء في غاية الصفاء، والنجوم شديدة التألق والوضوح، كان عددها كبيرا جدا، «لم أر في حياتي قط عددا هائلا من النجوم كالذي رأيته تلك الليلة، كانت متراكبة فوق بعضها...حتى لا أكاد أرى مساحة صغيرة في السماء خالية من النجوم..» فتساءلت في نفسي أليست السماء واحدة؟ كيف تكون نجومهم أكثر عددا وتألقا من نجومنا؟ وبين «مجرى نهر.. ومنحدر.. وشجيرات وصخور وأرض موحلة اعترض طريقا إلى مدخل الكهف..» حتى علا نداؤها تحت رهبة السماء ياذئاب اخرجي ياذئاب اخرجي، مستذكرة ما كانت تردده كل ليلة حين «تمد الذئاب صوتها بالعواء.. هذا أحق منزل بالترك.. الذئب يعوي والغراب يبكي، ولكن لاشيء غير السكون» (الرواية: ص134).
وتتعاضد خرافية المكان مع غرائبية الحدث الذي أفضى في النهاية إلى... عواء الذئاب بصوت حزين كأنها تنوح محدّقة في زينب، لكنها لم تتحرك من مكانها، رثاء كما تصورت زينب «بحالها ومتألمة لألمها، تواسيني وتصبرني، لم تكن تنوي مهاجمتي» (الرواية: ص135).
وفي سياق تساؤل لمياء حول غرائبية المكان وخرافيته «هل كانت بلادهم جميلة؟» يأتيها السرد مختصرا الإجابة على لسان زينب «بلادهم قطعة من الجنة أسقطت على الأرض!» (الرواية: ص137) «قلت في نفسي وأنا في القطار: لقد أراني الله الجنة في الدنيا قبل الآخرة.. جبال عظيمة يسمونها زاجروس، بالغة الشموخ تبعث الرهبة في النفس..كنا كلما صعدنا أكثر صار السحاب أسفل منا، نحن في الأعلى والسحاب في الأسفل، تصوري، كانت رحلة شاقة لم تخل من مخاطر، ولكنها أجمل ما فعلته في حياتي» (الرواية: ص146).
وفـي سيــاق ســـرديــــات عــــرض مكــــونــــات «خــــرافـــية المكان» يستحضر المتن الروائي ميثولوجيا لوحات مشبعة بطرز اجتماعية ثرية لمشهديات تنوع عادات الكرد وتقاليدهم الممتدة مكانيا بين «خانقين» في العراق و«قرية كيلوند» في إيران، وهي لوحات تكتسب روعتها من مرأى الجبال المكسوة بالثلج، وعبق زهور الخزامى، وانفتاح ساحات الرقص والموسيقا والغناء على فضاءات تداول المعارف الشعبية، وتقاليد عادات الترحال والعمل» (الرواية: ص147). وغيرذلك مما تكتمل به خرافية الفضاء الاجتماعي للمكان في الرواية .وهو ما ستتناوله الدراسة في الجزء الخاص بميثولوجيا العادات والتقاليد في المجتمعين البحريني  والكردي في العقد الستينيّ من القرن العشرين.

3. 2 .2. الطرُزُ المعماريّة التراثية في  محمولات النص السردي :
تستحضــر الروايــة في ثنـــايــا الســـرد جمـــلة مـــن الطرز المعمارية الشائعة في حي المخارقة والتي تشكل جماليات ملامح زمن السرد، وتكتسي بانتمائها إليه صبغة تراثية، حيث يشيع في فضاء السرد الطراز المعماري لتشييد بيوت العاصمة ذات الطبقتين، والذي يتبدى من خلال  تصور الرواية زينب في بيت ابنتها وهي «تصعد عدة عتبات، وتلتقي بحفيدها لمياء،  التي كانت في هذه الأثناء تركض على السلم نازلة من أعلى...» (الرواية: ص20) كمـا يشـــيع استـــــخدام الســــتائــــر خلف الأبواب، وتزيين البيوت «بالمرايا السادة أو المرسوم عليها طواويس» (الرواية: ص21).
ويحضر في توصيف الرواية الفضاء الداخلي «للبيت العود» قبل تقسيمه بين الورثة سمة المعمار التـقــلــيــدي لــلبـــيوت آنـــــذاك والـمتـــمثل فـي «إحــاطــة الحجرات به من أربع الجهات، مع الإشارة إلى فناء(9) يتوسطه...» تتربع فيه «نخلة وحيدة» و«جَباية(10) لغســــل الأوانـــــي والثــــياب، وســــلّــــم خشــــبي يــــؤدي إلـــــى السـطح» (الرواية: ص36 - 37).
ويلفت في ثنايا السرد تعاطي المعمارفي ذلك الزمن الستينيّ مع فن النحت على الأبواب، الذي تستحضر الرواية نموذجا له في «النقوش المنحوتة على مصراعي باب بيت «زينب» على شكل «طيور محلّقة متداخلة الأجنحة» تتخذ منها لمياء في كل مرة تزور البيت موضوعا  للعدّ، من الأسفل إلى الأعلى وبالعكس؛ للتحقّق من أن مجموعها في كلّ «صُفْقَة»(11) من الباب عشرة طيور» (الرواية: ص97).
وعليه يمكن الاستنتاج أنّ تمثّل تحوّلات الزّمان والمكان في فضاء المتن السردي، واستحضار الطّرز المعمارية التراثية الكامنة في ثناياهما يعكس كما يرى خليفة (2009) «جوهر الاستلهام الذي يشحن المنتج الإبداعي بطاقة خيالية هائلة تمنح المنتج حرية هندسة الأمكنة وتشكيل الأزمنة المتسقة مع منطق الموروث الشعبيّ»(12).

3. 2 .3. قطع الأثاث التّراثيّة وأدوات الزّينة والملابس التقليدية في  محمولات النص السرديّ:
يتلازم حضور قطع الأثاث وأدوات الزينة – التي تشكل جزءا من تمثّلات المخزون التراثي في ذاكرة زينب - مع استحضارها ذكريات علاقتها بأبويها وزوجها ، منتحّية في لحظة حميمة جهة الجنوب في حجرتها، متفقّدة ببصرها مكونات هذا الأثاث المكون من «صندوق خشبيّ من السّاج ورثته عن أمها، وأبقته في المكان نفسه.. أوان للزينة وأوان للاستخدام، وشمعدان فضي يتسع لشمعتين أهداه إليها زوجها.. مطحنة قهوة خشبية سويسرية الصنع... ساعة حائط خشبية من الساج معلقة على الجدار شمال الحجرة، وخزانة ملابس مصنوعة من الساج... وماكينة خياطة ماركة «سنجر» مركونة على طاولة خفيضة أسفل الساعة ومرآة معلّقة على النافذة...» (الرواية: ص11).
أما أدوات الزينة فيتزامن حضورها في سياق المتن السردي مع استحضار زينب كوامن لوعة فقد أمها، في لحظة ضيق نفسيّ، تجيل على إثره بصرها في حجرتها؛ فتقع عيناها على صندوق أمها الحديدي تحت السرير «تخرج مقتنياته بعناية، كما لو كان كل شيء قابلا للكسر، تتمعن في كلّ قطعة، إحرام الحج، قرآن، خنجر أبيها الذي ورثه من أبيه، سبحة من عقيق يمانيّ تعود لزوجها نسيها في البحرين قبل سفرهم، زجاجة عطر فارغة أهداها إليها زوجها، صور شخصية وعائلية قديمة في كيس من قرطاس، إحدى صور لزوجها مطبوعة على منديل قطنيّ فعل الزمن فيه فعلته، نسخته السالبة مصنوعة من زجاج تعرض للكسر وتحول إلى عدة قطع، شموع عسلية اللون صنعها زوجها، باقة يابسة من زهور الخزامى موضوعة في علبة قصدير.. تحمل رائحة خفيفة كأنها آتية من بعيد.. أغمضت عينيها كي ترى أكرم بوضوح أكبر، وهو يناولها هذه الباقة ساعة الوداع» (الرواية: ص 52-53).
ويستحضر السرد خصوصية ملابس المرأة التقليدية، من خلال وصف الرواية خروج زينب إلى بيت ابنتها مرتدية «الملفع.. والعباءة.. والعمامة لاتقاء حر الشمس، ومنتعلة المداس» (الرواية: ص16) وذلك بموازاة ما يذكره النسوة «الثرثارات» في معرض حديثهن عن «الأقمشة الجديدة في الأسواق، في زمن القصّ الستينيّ، أقمشة فيها أهداب زري متدلية، يسمونها بحسب ألوانها شعر شادية وشعر صباح وما شابه» (الرواية: ص27) كما تورد الكاتبة في سياق وصفها لمحتويات الصندوق الذي ورثته «زينب عن أمها» ولم يحركه أبوها من مكانه «محتوياته من ملابس أمها الفاخرة التي تلبسها في الأعراس والمواليد» (الرواية: ص38).
وتردف الرواية استحضار ملابس زينب التقليدية بذكر حليّهاّ التي أوفت بها نذرا لتعافي ابنتها أم لمياء من حادثة «شرب الكيروسين.. باعت الذهب كله، لم تحتفظ بشيء، لا بقلادة، ولابخاتم، حتى الخزامة(13) انتزعتها من أنفها وباعتها» (الرواية: ص29).
ويلفت في سياق سرد آثار التحولات الاجتماعية التي شهدها حي المخارقة في بداية عقد الثمانينيات من القرن العشرين، حضور الجورب النسائي كرمز للالتزام الديني للمرأة، وهو ما جال في خاطر زينب بشأنه «في ما مضى كنا جميعًا مؤمنين، لم يكن لبس الجورب من علامات الإيمان، ولم تتّهم إحدى النسوة اللاتي لايضعن ملفعا على الرأس بقلّة الإيمان» مخاطبة جارتها يعدة بالقول: «حدّثتني عمتي أن النسوة كن في أيام شبابها، لا يُحكِمن لفّ الملفع حول رؤوسهن، ولا يحجبن وجوههن عن البقّال والخبّاز، وبائع الماء العذب، وأيّ رجلٍ آخر يتعامل معهنّ بصورة يومية» (الرواية: ص184-185).

3. 2 .4. العادات والتقاليد الشعبية التراثية في محمولات المتن السردي:
العادات والتقاليد الاجتماعية السائدة:
يستحضر المتن الروائي مجموعة من العادات والتقاليد الاجتماعية، التي تكاد تختفي من حياتنا المعاصرة اليومية في مجتمع البحرين، ومن بين تلك العادات التي شغلت حيزا كبيرا في مساحة المتن الروائي عادة «تربية الماعز» في البيوت، التي شغفت بها زينب وأصبحت جزءًا من حياتها اليومية، على مدى خمسة عشر عاما، بالإضافة إلى عناية زينب على عادة الكثيرين من أهل البحرين «بتربية الحمام على سطح البيت».
ويلتفت المتن السردي في سياق استحضاره علاقة الأجداد بالزمان والمكان إلى عادة توقيت النهار بالمدة الواقعة بين شروق الشمس وأذان الظهر، وهو ما تحدد به زينب في الرواية زمن الانتهاء من أعباء بيتها الصباحية قبل أذان الظهر (الرواية: ص10). وإلى الاستعانة بالجهات الأربع في تحديد أمكنة تواجد الأشياء في حجرتها «السرير في زاوية الحجرو من جهة الجنوب.. الصندوق الخشبي اسفل النافذة شرق الحجرة، والساعة الخشبية المعلقة على الجدار شمال الحجرة» (الرواية: ص11).
كما استعانت الرواية، على عادة الأجداد، بتحديد وجهة حركة زينب اليومية في حي المخارقة، بجهتي الشرق والغرب من شارع المتنبي، جيئة وذهابا، مستحضرة معالم الرحلة ببقالة الميرزا غربًا ومأتم «العجة» شرقا. ويعدّ ذاك استحضارًا لمعارف الأجداد في تحديد علاقتهم بالأمكنة والأزمنة، في زمن تكاد تتلاشى في أذهان أبناء الأجيال اللاحقة مثل هذه المعارف الجغرافية المكانية والزمانية التي كان التفكير الشعبي يتمثلها بالسليقة.
ولم يفت الرواية في سياق استحضار وجدانية الذائقة الغنائية العتيقة في ذاكرة الزمان والمكان التي تحفظ أصداؤها الستينية إهداءات برنامج ما يطلبه المستمعون «الذي تبثه الإذاعة صباح كل يوم» صوت ناظم الغزالي مرددا «عافت عيوني النوم» وعوض الدوخي مرددا أغنية «صوت السّهارى (الرواية: ص18).
كما تستحضر الرواية في سياق إيراد حادثة ولادة بنت زينب عادة أهالي المخارقة في الاستعانة بـ«الدكتورة كوشي» القابلة الهندية لتوليد الحوامل، بالإضافة إلى ما يورده السياق السردي نفسه من استحضار مشاركة «النسوة، الجارات والقريبات اللواتي كان يعجّ بهنّ بيت الابنة ساعة مخاضها» (الرواية: ص: 19) في مشهدية «استنفار تعلن حالة الطواريء القصوى» وهي عادة كانت شائعة قبل توجّه النساء إلى المستشفيات للولادة.
ولم تغفل الرواية في سياق انقضاء حدث الولادة رسم صورة لتداول النساء الحاضرات فيما بينهنّ قصص مكرهنّ بأزواجهنّ، وتباهي إحداهن بأنهنّ «صويحبات يوسف» لترد عليها أخرى متسائلة «ما بهنّ صويحبات يوسف؟» ألسن أفضل من  الرجال؟ «النسوة أحببن يوسف، والرجال غاروا منه وألقوه في غيابة الجب» (الرواية: ص22) فيما تصف زينب بعض أحاديث النسوة المتعلقة بـ«وصفات الطبخ، وشكاوى الأزواج، واستعرض أسماء الأقمشة الجديدة المطروحة في السوق بـ«الثرثرات التافهة» (الرواية: ص:27).
كما تستحضر الرواية عادة «تنفيس» الأم ابنتها على بعد الولادة على مدى أربعين يومًا، مركزة على طقس عمل الرشوفة(14) وإعدادها للسكب، والتقديم النفساء، وزائراتها، وتوزيعها في أوعية صغيرة، مغطاة بالبيض المقلي ودهن البقر على الأهل والجيران (الرواية:ص57-58).
ويستذكر المتن السرديّ، في سياق تذكر زينب حادثة «شرب ابنتها الكيروسين عندما كانت في الرابعة، وكادت تموت، فنذرت إن سلّمها الله أن تتصدق بذهبها كله في سبيل الله، وإن بلّغها الله في زواجها أن تتصدق بنصف مهرها؛ فتعافت الابنة وأوفت زينب بالنذر، وباعت الذهب كله» (الرواية:ص29). وتعدّ «النذور» عادة شائعة، ولا تزال، في أوساط المجتمع النسوي البحرينيّ.
ومن العادات التي ألفها مجتمع نساء المخارقة، كما هو سائد في أطراف مدن البحرين وسائر قراها، خروج «النسوة لغسل الثياب في العيون، وسط البساتين والخضرة، ومرافقة الفتيات أمهاتهن، اللواتي يجلسن على «السيبان»(15) وأرجلهن تتدلى في الماء، أو يلعبن «اللقفة»(16) او يدغدغن وجوه بعضهن باوراق شجر البنسيان، حيث يجمعن ما يتساقط من أعواده في فصل الخريف  لصناعة مخمة من أجل التسلية، وفي الربيع يضفرن من أعواد الأسل لدماهن المصنوعة من القماش، والمحشوة بالقطن(17) حيث كانت زينب تتقن نسج الأسل ببعضه؛ فتبدو ضفائر دميتها أجمل من بقية الدمى..».
وفي ســـياق الحنـــين إلـــى زمـــن العــيون والبساتــين تستحــــضر الــــرواية ذكــــريات مـــــاتجـــمــعه زيــنــــب مـــع صـــويحـــباتــــهـــا مــــما يتـــساقـــط مـــن الخــــــلال(18) عـــلــــى الأرض، ليصــــنعن منـــها قــــلادئـــد(19) تـــؤكــــل لإخـــواتــــهن الصغــيرات..» (الرواية: ص29-30).
ومما يورده المتن السردي من عادات شعبية حميمة تجمع الأهل في ليالي الشتاء الباردة حول منقلة الفحم(20) بما تحمله من ذكريات حميمة يذكر المتن الروائي منها «عادة ارتشاف الشاي «المخدّر» المعد مما يجمعنه النسوة من ماء المطر، وأكل التمر المغموس بالهردة(21) وحبات الكستناء المشوية(22) وهو سياق تتكرر مشهدية تداوله (الرواية: ص 110-113) مستحضرًا دور الجدة التقليدي في قصّ الخرافات والحزاوي، والقصص الوعظية والتعليمية، ونقل الخبرات الحياتية والقيَم الاجتماعية والسلوكات التربوية بين جيلي «زينب» الجدة والحفيدة «لمياء» وهي من العادة الجميلة التي استعاضت عنها الأجيال اللاحقة بدور التلفاز.
كما تورد الرواية عادات استقبال أهل المنامة زوارهم أن «الأبواب لا تطرق، اللهم الإ إذا كان الزائر رجلا غريبًا، أما إن كان قريبا فإنه يتنحنح ويدخل» (الرواية:ص60) وفي هذا السياق تورد الرواية إحدى طرائف «الحيلة» الشائعة في مجتمع ذلك الزمان المتمثلة في «حكاية الأرملة المنقبة التي  طرقت باب بنت زينب طرقا خفيفا، ودخلت ا قبل أن يؤذن لها، مدّعية أنها أرملة في العدة، اضطرتها الحاجة لأن تدور بين الأحياء وتبيع لتطعم أيتامها» إلا أنّ حقيقتها تتكشفت لأطفال الحي الذين قابلوها بالضحك مرددين «إن الفقيرة رجل.. رأوا شاربه وهو يرفع النقاب» (الرواية: ص82) ولم تمض سوى دقائق حتى وصل الخبر عن طريق الأطفال إلى البيوت المجاورة. «وعلى عادة النساء اللاتي تجمعن في بيت الابنة وهن «يكركعن» بالضحك.. قالت إحداهنّ معلّقة» «إن نقش الحناء في كفيها كان عشوائيا.. وكيف تقول إنها في العدّة وتضع الحنّاء؟!».
وتأريخًا لعادة النساء في الستينيات من القرن العشرين في خياطة ملابسهن بأنفسهنّ وتفاضل الفتيات في إتقان هذه المهارة، التي تمنح إحداهنّ رصيدا من المقبولية عندما يتقدم شاب لخطبتها، يورد المتن السردي كيف كانت زينب «تخيط  ثيابها بماكينة خياطة.. إلا أن ضعف البصر الذي جعلها غير قادرة على إدخال خيط في ثقب إبرة» اضطرها إلى الاستعاضة بالماكينة عن الخياطة اليدوية؛ معتمدة على مهارة «لمياء» في إدخال الخيط في ثقب الإبرة، ومده بالطول الذي تفضله وكان ذلك مصدر فرحة  للجدة فرحة (الرواية: ص83).
ومن مفارقات الحوادث المعروفة في ستينيات القرن العشرين، قبل دخول أفران الغاز، تستحضر الرواية حادثة انفجار موقد الكيروسين(23) في عمة زينب.. التي هرعت إليها «ولفتها بلحاف صوف وسحـــبتها بعـــيدا عـــن اللهب.. فـــتأثــرت عيــنا زينب واحترقت أهدابها، وتشوهت العمة من الرأس إلى أخمص القدمين، لكنها بقيت حية.. وتوفيت وقد تجاوز عمرها المائة عام» (الرواية: ص84).
كما تستحضر الرواية في سياق السرد حدث دخول التلفاز في مطلع سبعينيات القرن الماضي، إلى البيوت؛ بوصفه أحد مظاهر التحولات الاجتماعية، حيث فرض حضوره أمام أحفاد زينب وأطفال جيرانهم الذين لا تلفاز لديهم، ليكون بديلا موضوعيا عن حزاوي الجدة، التي «تراهم هكذا لاحس لهم ولا حسيس، عيونهم مسمرة على الشاشة...» فتستذكر في داخلها لعبهم وإثارتهم الضجيج لتردد مع نفسها «جرعة ضجيج من أطفال تبعث الحياة في الجسد» (الرواية:  ص87).
ومن الذكريات التي أثارها لقاء زينب العابر في الطريق بـ«امرأة من حي الحطب» مشاهد الحنين إلى إيام زيارتها للعراق عبر البحر في الزمن الستيني من القرن العشرين، والتي وصفتها المرأة قائلة «كم كانت أياما جميلة تلك التي قضيناها معكم في السفر، دائما أحدث بناتي عنها» (الرواية: ص88). زمن اختصرت زينب ذكرياته بكلمات أغنية عراقية «مرينا بيكم حمد واحنا بقطار الليل واسمعنا دق اقهوة وشمينا ريحة هيل» شاهدا على ذلك الزمن الممتدة ذكرياته من «فرضة المنامة، قبل إنشاء ميناء سلمان، إلى باخرة في وسط البحر يرتقونها عبر تسلق سلمها المصنوع من الحبال، تمخر بهم على مدى يومين او ثلاثة إلى البصرة، مرورا بالكويت وخرمشهر وبوشهر» مستذكرة لحظات اختلاط مياه البحر الخضراء المالحة بمياه شط العرب البيضاء كالثلج العذبة، التي يستقبلها الرجال بالتكبيرات، وصولا إلى منطقة العشار في البصرة، واستراحة المسافرين في «خان ماركيل» ثم ركوبهم القطار إلى بغداد، مرورا بمنطقة «المحاويل» التي يتوقفون فيها لشراء القيمر الطازج والجبنة والحليب... (الرواية: ص92-94).
ومن طريف المعارف المتصلة بعادات الإسعافات الأولية في البيوت ما توردها الرواية عن طريقة نزع شظايا الليف المعدني(24) العالقة بيد النساء جراء عملية جلي أواني الطبخ. «أخذت زينب إبرة وشمعة وكبريتا، وملقطا، ناولتها لمياء.. التي أشعلت الشمعة  وسكبت بعض قطرات من شمعها على موضع الشظية، وانتظرت قليلا ثم أحدثت شقّا بالإبرة وسحبت الشظية بالملقط...» (الرواية:  ص98).
ومما تورده الرواية في سرد حكايات زمن القصّ استعانة الجدات غير المتعلمات بحفيداتهن لقراءة كتب القصص والأدعية والزيارات عليهن، واتخاذ أزمنة خاصة «مثل موسم الحج» وتخصيص أمكنة خاصة في بيوتهن، لأداء هذا الطقس المعرفيّ (الرواية: ص108-109). «كما تستحضر الرواية عادة  تنقل بعض الجارات بين البيوت لنقل أخبار الزواج والطلاق والولادات والخلافات الزوجية والانتحار، والسفر.. وغيرها، من الأدوار التي كانت تقوم به الجارة سعدة» (الرواية: ص116).
وبالموازاة، يستحضر المتن السرديّ ميثولوجيًّا المحمولات الروائية من العادات والتقاليد في المجتمع الكرديّ، في زمن القصّ وهو ما يسعى هذا الجزء من الدراسة إلى تناوله وفق مقاربة إنثروبولوجية تعتمد التمييز بين النماذج والأنماط الثقافية المختلفة في مجتمعي القصّ، البحريني والكرديّ، على نحو يشي بأوجه الاختلاف والتّماثل في طبيعة المحمولات التراثية لكل مجتمع، وذلك من خلال اعتماد منحى تأريخيّ تأصيليّ، يقوم على وعيٍ طبيعة التحولات التي تمس الحياة البشرية(25) في المجتمعين المعنيين.
ومن بين ما يرد في المتن الروائي السردي من عادات يمكن التركيز في هذه المقاربة على (عادات نثر الزهور فوق رؤوس من يستقبلون من أحبتهم، ونحر الخراف تحت أقدامهم، وانعقاد دبكات الرقص المختلطة بين الرجال والنساء، متخذين من الموسيقى والغناء، الفردي والجماعي عشقا وطقسا من طقوسهم المختلفة (الرواية: ص143) كما يستحضر المتن السردي فضاءات  تنافس المرأة الكردية الرجل في الفروسية، وتقاليد اللجوء في الأحكام وحل الخلافات العائلية إلى المرأة الأكبر سنا، لا الرجل؛ في مجتمع ليس من عادات أهله «عزل النساء عن الرجال..» بيوتهم خيام متنقلة، يصنعونها من الصوف، يرعون الأغنام على الجبال فإذا كستها الثلوج نزلوا إلى السهول بصورة مؤقتة إلى حين تبدأ الثلوج بالذوبان «فتشخص عيونهم إلى الجبال في رحلة عودتهم» «يوم عيدهم الكبير» مبتهجين، يلبسون ملابس زاهية، ويتزين نساؤهم بالحلي والزهور..) (الرواية: ص147).
كما يـــورد المـــتن الـــروائـــي عـــادات الأكـراد وتقاليد معيشتهم البدائية المتمثلة في «طرائق طبخهم، وتوفير قوت يومهم، وغزلهم الصوف وحياكته، وقيام نسائهم بحلب الماعز، وجلب الحطب للطبخ، وأطفالهن على ظهورهن، وحين يفاجئ المرأة الكردية المخاض وهي تطحن الحنطة أومنهمكة في الخبز تتوقف وتنادي أقرب امرأتين منها لتدخلا معها الخيمة، تجلس واحدة عند رأسها (بشتوه) والأخرى عند رجليها(بيشوه) وبعد زمن يسير تخرج النفساء وطفلها فوق ظهرها، لإتمام عملها!» (الرواية: ص 148)  على خلاف المألوف من عادات الولادة والنفاس في المجتمع البحريني.
وفي انعطافة سردية لافتة يستحضر المتن الروائي تحولات زمن المخارقة في بداية العقد الثمانيني من القرن العشرين؛ حيث «...وضع الميرزا في بقالته جهاز تلفزيون لمتابعة الأخبار.. وصار طريق الحي يخلو من الفتيات الصغيرات، إذ لم يعد لعب الإناث خارج البيت حلالا، الذكور فقط يلعبون، لا برنامج ما يطلبه المستمعون من الراديو، فقد الزمان عفويته وصار الناس يخافون الذنوب، كلّ شيء تغير في الحيّ، إلا شيئا واحدا روائح الطبخ المنبعثة من البيوت» (الرواية: ص157).

3. 2 .5. عادات الطعام والشراب الشعبية والتقاليد التراثية في محمولات النص السردي:
تتوزع مجموعة العادات والتقاليد ذات الصبغة التراثية التي يوردها المتن الروائي في  سياقات سردية متنوعة لتؤدي وظيفة اجتماعية تتفاعل مع تطور أحداث الرواية، وتتسق مع بيئتها وزمانها ومن بين  تلك العادات والتقاليد السائدة في زمن القص «إعداد الشاي  والبيض المسلوق للفطور وتقديمه مع شرائح الطماطم والخيار» (الرواية: ص9)  و«اتخاذ الخبز واللبن أو الخبز والروب طعاما للغداء» (الرواية: ص10)  وتقديم «الخبز والباقلاء او البيض بالطماطم طعاما للعشاء» (الرواية: ص91) وتوزيع أكياس الحلوى والبرميت على الأطفال في المناسبات كما تورد الرواية ما اعتادت عليه بعض الأسر من الاحتفاظ بـ«سحّارة لجمع الخبز اليابس» لإطعام ما يربونه من حيوانات وطيور في بيوتهم (الرواية: ص31).
كما يستحضر المتن السردي عادة طبخ الحساء التقليديّ المعروف بـ«الرشوف» التي أعدته زينب لإطعام ابنتها «النفساء» مع إيراد الطريقة التقليدية لحمله في قدر خاصّ بواسطة قطعة قماش مربعة محكمة  الأطراف، وطريقة سكبه للنفساء وتوزيعه في أوعية صغيرة وتزيين كل وعاء بالبيض المقلي بدهن البقر، لتوزيعها على الجيران. دون أن تغفل عادة تقديم بضع تمرات في فطور الصباح للنفساء (الرواية: ص54).
ومن تقاليد إعداد الأطعمة والأشربة التي تقدم في الجلسات الخاصة وللضيوف  تورد الرواية عادة طحن القهوة بالطريقة التقليدية، وإعدادها بإضافة قليل من الهيل الناعم و«حبة مسمار واحدة»(26) واستبقاء بقية البنّ المطحون في «وعاء مخصص للمحافظة على مذاقها ورائحتها ...لثلاثة ايام» (الرواية: ص104).
ومن طقوس إعداد الشاي في فصل الشتاء تخديره على الفحم في إبريق صينيّ على جمر منقلة الفحم تمييزا له عن الشاي المحفوظ في «الترموس» الذي تقول عنه زينب: «إنه شاي رائحته لا تعجبني» بالإضافة إلى طقس إعداد «الشاي بما تجمعه زينب من ماء المطر» في ذلك الزمن المترع بكثرة الأمطار، متباهية بمذاقه اللذيذ (الرواية: ص 113).
كما ترد في الرواية الإشارة إلى تقديم «الخبز المحلّى مع الشاي»(27) لحفيدتها لمياء (الرواية: ص130) والإشارة إلى «حليب الريمبو» في سياق طلب زينب كارتونا فارغا من الميرزا، لوضع بعض الأواني فيه وركنه تحت السرير (الرواية: ص141).
وفي سياق إيراد الرواية شقاوة الأطفال في تقليدهم نهيق «حمار البقّال»(28) عندما يمر بالحي، يمكن استنتاج بعض مكونات غذاء أهل الحي من الخضراوات المحلية التي تنتجها أرض البحرين الخصبة في ذلك الزمان (الرواية: ص 118).
ومــــن الـمـــفارقــــات التـــي تستحـــضرهـــا الـــروايـــة في سياق سرد حدث نعي ابن زينب «علي» ترد ألإشارة إلى عادة لجوء الجارات لبعضهن «حين تكتشف أنّ أحد مكونات طبختها غير متوفر في البيت، فتطلبه منها» (الرواية: ص119).
كما تورد الرواية ما يعرف بتقليد «احترام النعمة» ما تقوم به زينب عند «غسل الرز وتصفيته، ومسارعتها لالتقاط حبة أو حبتين بالخطأ، قبل أن تصل إلى البالوعة، وتعيدها إلى الإناء» (الرواية: ص124) كما تورد الرواية إشارة إلى عادة تحديد كمية الرز المطبوخ بـاستخدام «المكيال»(29) في سياق تصوير عدم قدرة كفي زينب الإمساك به، لشدة إعيائها، فتتساقط حبات الرز، وتعود بعد دقيقتين لجمعها..مرددة «لو لم أجمعها لما كنت أنا أنا» (الرواية: ص124).
ويورد المتن السردي في سياق استعداد «أكرم» زوج زينب للسفر معها إلى شمال العراق مكونات الزاد التقليدي للسفر «الذي تضمن رحلين كبيرين من الخوص، ملأهما بالشاي والقهوة والسكر والرز والبيض المسلوق والربيان المجفف ومواعين الطبخ وغيرها» (الرواية: ص142).
ولم تغفل الرواية إيراد عادة المحافظة على الطعام في زمن القصّ باتخاذ «الملالة» التي تتدلى من سقف المطبخ، تضع عليها زينب «الأطعمة التي تخاف أن يصلها النمل أو القطط» (الرواية: ص37).
وفي سياق وصف الرواية التحولات التي شهدها حي المخارقة في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، يشير المتن السرديّ  إلى أنه لم يبق من زمن المخارقة ألا شيء واحد، «روائح الطبخ المنبعثة من البيوت»! (الرواية: ص157) مع استحضار زينب في السياق نفسه ما قالته لها عمتها ذات يوم أن النسوة في ما مضى كنّ «لا يحجبن وجوههن عن البقال والخباز وبائع الماء العذب» (الرواية: ص185) وهي إشارة إلى المزودين الثلاثة التقليديين للطعام والشراب في الأحياء الشعبية بشكل يوميّ.  
   
3. 3.  دلالة الأمثال الشعبية والتعبيرات التراثية والترنيمات في محمولات النص السرديّ:
    تتبدى أهمية تحليل دلالة الأمثال الشعبية والتعبيرات التراثية والترنيمات في محمولات النص السردي برواية «زناب» في ما تعكسه تلك التعبيرات، والأمثال من ثقافة شفاهية تكشف أساليب التواصل الجماعي بين أفراد المجتمع،  وتفصح عن طرائق تعبــيراتــهــم الفطــريـــة الــتـلــقــائــية عـــن مـــواقــفـــهـــم - اســتـحــســانــا أو استهــجــانـــا - مـــن الأشــخــاص والأشـــيـاء والمشكلات اليومية التي تواجههم، مؤرخة بكلمات موجزة وبليغة لطبيعة الأنماط الإنسانية لهذا التواصل. الذي تنظر إليه هذه الدراسة، وخاصة ما يتعلق منها بالأمثال الشعبية،  بوصفها نتاجا أدبيّا شعبيا، يتجاوز كما يرى (جولد مان) الانعكاس البسيط للوعي الجماعي الواقعي، إلى التعبير عن طموحات ونوازع الجماعة التي تتحدث لغة هذه التعبيرات باسمها، معبرة عن وعيها الذي يمثل «حقيقة موجهة من أجل حصول الجماعة المعنيّة على نوع من التوازن في الواقع الذي تعيش فيه»(30).
وقد ميزت الدراسة ما استخلصته من تعبيرات تندرج تحت تصنيف التعبيرات التراثية والأمثال الشعبية والترنيمات بالبنط العريض.
بفــحــص محـــتـــوى الفـــــضـــاء الــــتــــواصــــــلــي لــلـــــمـــــتن السردي؛ يتبدى لنا تنوع التعبيرات التراثية والأمثال الشعبية والترنيمات التي أوردتها الرواية على لسان زينب وبقية الشخوص في محيط تفاعلاتها اليومية. ومن بينها وصف زينب شدة حرارة الطقس في شهر أغسطس بالمثل القائل «آب يذوب المسمار في الباب» مستعيرة دلالة الاستعارية من ذاكرة البيئة العراقية التي تمثل أحد روافد التكوين الاجتماعي لـ«زينب» متصلا بالثقافة الشعبية البحرينية التي أسعفتها في  وصف العمل بالمثل البحريني القائل: «الخدمة ملح العافية» تعبيرا عن عدم  توقفها عن العمل رغم شدة  الحر (الرواية: ص10).
وفي موضع آخر تورد الرواية الدلالة السياقية للتهكم من الرجال على لسان ابنة زينب في استخدام المثل القائل «أكلة راحة ونومة في البراحة» مردفة بالقول: «نحن نلد ونربي والرجال يحصلون على الأولاد دون تعب» (الرواية: ص60) فيما يأتي  رد زينب مخاطبة نفسها مسكين زوجها «لا حمد ولا شكر» مستذكرة روحه المرحة في التعامل مع أولاده، الذين يشاركهم فكاهاتهم وحكاياتهم، حيث فاجأه أحدهم ذات يوم وهو يعصر لهم جزرا في المطبخ  بقوله وهو يقص عليهم إحدى الحكايات الشعبية الهزلية، واصفا أحد الشخوص فيها ، وهو يغط في نوم عميق ولا يتوقف عن «الضراط مرددا المثل الشعبي القائل: «الجسم نايم والفقحة قايمة» فلم بتمالك الأب نفسه من  الضحك؛ فراح «يدغدغ» طفله وهو يردد بتعبيرات شعبية شائعة «آه يالملعون» من أين أتيت بهذه الفكاهة؟
وفي السياق نفسه تورد الرواية موقف زينب من تصرفات ابنتها حين شاغبها أحد الأولاد فهمت بضربه، وفر هاربا إلى الطريق، فدعت عليه بتعبير شعبي مستهجن أثار استهجان زينب «عساك قصّة سيارة» التي علقت «كيف تدعو أم على ضناها بهذه الدعوة»؟! (الرواية: ص62).
ومما يرد في المتن الروائي من تعبيرات شعبية، تشبيه زينب تجمع المارّة في حادثة دهس حفيدها كما «يتجمع النمل حول تمرة» (الرواية: ص14) ثم استدراكها لاستبعاد هاجس تفكيرها في وقوع حادث مماثل لحفيدتها لمياء مستخدمة العبارة الشعبية الشائعة «خــــزاك الله يـــابــلـيــس» (الرواية: ص15) كمـا يــرد تعبيــر «نحن صويحبات يوسف» في وصف النسوة مكائدهن لأزواجهن، وتعبير «سميت عليها بالرحمن» في سياق تعاطف زينب مع  جليلة بنت حيدر الراشد التي احتمت ببيتها من حشد الصبية الذين كانوا يهتفون وراءها بعبارة شعبية «بنت الكافر.. بنت الكافر» (الرواية: ص25) حيث شبهتها وهي ترتجف شاحبة الوجه بتعبير شعبي «كطفل مختون لتوه» مستحضرة وصف نسوة الحي لحال جليلة «حظها نحس» (الرواية: ص 26).
ومن العبارات التواصلية المتداولة في المواقف اليومية الطيبة ما رددته زينب على مسمع القابلة التي أخبرتها بأنها أنجبت أنثى «بشرك الله بالخير» (الرواية: ص29) وتكنية زينب عمتها بـعبارة «عمتي الحنون» وتكنية العمة زينب  بأنها «عينها اليمنى وعلي عينها اليسرى» (الرواية: ص 84) واستقبال امرأة «حي الحطب» لزينب بقولها «زينب بنت الحنون الغالية، «لولا الأعمار ما تلاقينا..» عرفتك من مشيتك» (الرواية: ص88).
وفي مورد آخر يرد المثل الشعبي الشائع على لسان امرأة الحطب «أخي من أبي غريب وأجنبي، أخي من أمي لحمي ودمي» في سياق يدحض دلالته المتداولة (الرواية : ص88) وتتساوق هذه التعبيرات المعبرة عن سياقات المواقف الطيبة مع ما تورده الرواية من تعبير زينب لحفيدتها عندما بادرت بنثر الطعام للحمام بدلا من الجدة بقولها «تردين لي الروح» (الرواية: ص98) وإلحاحها على ابنها بالزواج مرددة أريد أن أحمل أطفالك «قبل أن يأخذ الله أمانته» (الرواية: ص32) وتوظيف الرواية تعبير «يومي قبل يومك» في سياق إيراد النهاية السعيدة لحكاية رجوع علي لآمه بعد أن نُعيت فيه. (الرواية :ص123) فيما يرد تعبير «بيعيني في السوق..» في معرض قطع زينب أفكار حفيدتها لمياء في لحظة صمت (الرواية: ص45) وتعبير «لايهمك..» سوف أبحث لك عن نسخة الذي أردفه بتعبير «من عيني» في سياق رد عبد الحسين صاحب «مكتبة قصر» المعرفة على سؤال زينب عن كتاب «شجرة طوبى» فيما يرد تعبير «بارك الله فيك.. يا گلّو زينو»(31) في سياق امتنانٍ كرديّ تدليلي أبداه لزينب من زوجها أكرم مردفا «إنك تسبقينني دائما للصلاة» (الرواية:ص136).
ومما يورده المتن الروائي في التعبير عن معاناة زينب في البعد عن البحرين التعبير الشائع، حين أوت إلى الفراش «يطير النم من عيني» وتعبيرالشائع: «الغربة كربة..» (الرواية: ص131-136) واستحضار السرد عبارة «زينب أم المصائب والبلاء» في الرد على تسمية لميـــــاء ابنــتهــــا «زينـــب» (الرواية: ص155) مستـــوحـــية دلالـــة ما يكتنزه هذا التعبير الشائع في تمثلات الذاكرة الشعبية الشيعية في ومواساة في أخيها الإمام الحسين (ع) في واقعة كربلاء.
كما تورد الرواية عبارة «صلينا على النبيّ محمد» (الرواية: ص 158) للدلالة على التيمن الشائع على لسان الأجداد قبل الشروع في سرد ما يتوخون منه فألا طيبا. وترد كذلك عبارة «الله إذا أحب عبدا ابتلاه» في مواضع المواساة. (الرواية:  ص120) وعبارة «ياصبح اصبح.. ياصبح اصبح» (الرواية: ص124)  في مواضع توسلات زينب كلما تقطع نومها، وذلك بموازاة التعبير العراقي «معود على الصدعات قلبي» (الرواية: ص18) الشائع في الثقافة الشعبية البحرينية في التعبير عن كثرة المصائب، مقتبسا عن إحدى أغنيات ناظم الغزالي الشائعة في الزمن الستيني.
«أهذه ابنتي من لحمي ودمّي؟!» تعبير شعبيّ  دارج، يتم تداوله في صيغة الاستفهام الاستنكاريّ، أوردته الرواية في سياق وصف ردة فعل زينب الغضبى من تجني ابنتها عليها بادعائها أنها السبب في موت أبيها؛ مستتبعا باسترجاع مشهد عمتها التي كانت تضرب بطنها مرددة «ياليتك كنت سقطا» حين ترى ابنها سكرانا، مشفوعا بعبارة التفجع التي استوحتها زينب من الذاكرة الشعبية «آآآه ياليت الأرض انشقت وابتلعتني» (الرواية: ص48).
وفي تعليقها على ما تسببه لها ابنتها من إحراج تشبه زينب حال ابنتها بأنها «حبة بطيخ انملصت(32) من بين أصابعها» (الرواية: ص58) وفي تعليقها ردا على سماع شكوى ابنتها «ترفض المنحوسة أن تشرب حليبي» قالت زينب «حسنا تفعل كي لا ترث خلقك.. يقال إن «حليب الأم يعدي» ترى هل هذه المقولة صحيحة؟» (الرواية: ص69) ووصفها شج ابنتها رأس أحد  اولاده بأن الدم كان يثور من رأسه «كينبوع»(33).
وفي السياق نفسه يرد جواب ابنة زينب على سؤال أمها «هل اشتريت للبنات ثياب العيد؟ فترد الابنة مستنكرة: ألا ترين بعينك أنني «مدفونة في شغل البيت» (الرواية: ص 126).
وفي سياق آخر تردد الابنة على مسمع ابنتها لمياء عبارة «المدرسة مفسدة للبنات» (الرواية: ص109) السائدة على ألسن بعض الفئات الاجتماعية في زمن القصّ، ممن يرون أن مكان الفتاة مساعدة أمها في تحمل أعباء البيت. كما يرد في سياق ضيق عجائز الحي بلعب الصبية بالكرة وسط الحيّ فيصرخن «لابارك الله فيكم ولافي من صنع الكورة» (الرواية: ص118).
«سود الله وجهك ياعديم الحياء» عبارة شعبية متداولة اختصرت ردة فعل زينب تجاه الرجل الغريب الذي كان «يحشر طفلة في السادسة أو السابعة من عمرها إلى الجدار بدراجته ويأمرها بدخول بيت مهجور» وهي ترتعش مستنجدة «كعصفور مبلل في الشتاء» (الرواية: ص64-65) كما يرد تعبير «ويه على حالتنا.. دخل في فمي تراب المقابر!!» (الرواية: ص86) وتعبير «أوه أهذه فلانة لم أعرفها.. يووو صارت جلد على عظم» في سياق تساؤل زينب عن سبب تقزز ابنتها وهي «تزعق»(34) متهكمة  من امرأة لم تعجبها (الرواية: ص70).
وعلى امتداد مساحة المتن السردي يلفت النظر توارد التعبيرات الشعبية في العديد من المواقف بتلقائية من مثل قولها «والله فشيلة» عندما طلب منها الميرزا كؤوس الروب التي نسيتها (الرواية: ص68). واستحضار تعبير نساء الحي في وصف ملامح لمياء وطباعها «سبحان الخالق كلها جدتها» (الرواية: ص 78 ) وتعبير «يكركع من الضحك» (الرواية: ص79) بالإضافة إلى المسميات الشعبية مثل «سحّارة الخبز» و«خرخشة العنزة» وصوتها «وهي تبمبع» (الرواية: ص53) و«طقطقة الكستناء» وهي تقلب على الجمر وتقليد لمياء صوت جدتها في مناداة الحمام بصوت «بي بي» (الرواية: ص34) واستخدام عبارة «لا لهم حس ولا حسيس» (الرواية: ص87) في وصف الصمت. واستخدام سعدة العبارة الشعبية الساخرة «طبل طبلي وزمر زمري» في الرد على ابنة أختها التي قالت لها: «البسي جورب ياخالة حرام عليك أن تظهري رجليك للرجال» (الرواية: ص158)  كما يرد مسمى الحلوى الشعبي «حلوى الحلقوم» واستفتاح زينب حزاويها بعبارة «كان ياما كان في قديم الزمان» وتعبير «أفاااا» (الرواية: ص90) للعتاب الودود بين زينب وابنها علي.

الترنيمات والتهويدات الشعبية :
يلفت في سياق ما تورده الرواية من بين محمولاتها حضور بعض ترنيمات الأطفال وتهويداتهم على لسان الجدّة، اتساقا مع ماذهب إليه إهداء الكاتبة عملها الروائي إلى «حفيداتها وأحفادها» (الرواية: ص7) مستشعرة بذلك وظيفة الأدب في حفظ مكنونات الثقافة الشعبية البحرينية الأصيلة، وتداوليتها عبر الأجيال، وهو ما يفسر حضور شخصية «لمياء» حفيدة زينب على امتداد مساحة القصّ، بوصفه إحدى تقنيات السرد التي جسدت الامتداد الحميم لجذور «زينب» التي شهدت الرواية مراحل طفولتها وشبابها، وتحولها عبر زمن القصّ الروائي إلى «أمّ زينب الطفلة» التي حظيت هي الأخرى بشيء من تهويدات الجدة الكبيرة. ومن بين ما يورده  المتن السردي من جماليات هذا التداول الطفوليّ استحضار زينب «مشهد فتيات صغيرات يلعبن على جانبي الطريق لمحن طائرة تحلّق في السماء فهتفن معا بصوت عال:
 طيارتي طارت فيها الحكومة،
مرّت على مخيصم شقّت بلعومه»  ( الرواية: 29).
وفي سياق آخر تستذكر الرواية مشهد لهو فتيات صغيرات عند أحد منعطفات حي المخارقة، قرب بيت ابنة زينب وهن يرددن:
«جيت لهذي، هي بالله وهي بالله»
مرددة في نفسها كم هنّ بريئات.. متسائلة «كيف سينتهي بهنّ الأمر مع أمهاتهنّ؟ كانت ابنتي في صغرها بريئة مثلهنّ». (الرواية: ص 56)
كمايرد في سياق المتن السرديّ طلب لمياء من جدتها زينب بعد انتهائها من سرد حزاية «عصفور يطير يطير» أن تغني لها أغنية زمن القصّ الشهيرة «حمامة نودي نودي». (الرواية: ص80)
فيما يستحضر المتن الروائيّ شجن هدهدات الجدة زينب على مسمع الحفيدة الرضيعة أخت لمياء في مثل هدهدتها التي لا تتكرر كثيرا «ثلثٍ من البين .. وثلثٍ من العين.. وثلثٍ معلّق بالجلاليبِ..» وهدهدة سبع حمامات التي تكررها باستمرار: (الرواية: ص101)
سبع حمامات في جو السما طارو
باتو عطاشى ومن حرّ الظما ماتو
جان إنت عالم ولك في العلم ثبّاتو
عطنا نباهم أحباب القلب حيين لو بعد ماتو
وجان إنت عالم ولك في العلم ساس وباس
إطلع لنا جثةٍ تمشي بليّا راس
أربع من البيض واربع خضر وياهم
واربع صراير من المشموم وياهم
يا ما حلاهم ياما صعب فرقاهم
يقول يمه يا محلا القعدات وياهم..
وما بين تهويدات «زينب الجدة» لزينب الطفلة» يستحضر المتن السرديَ على لسان الجدة أغنيات دارجة لا تعود لزمنها بل لزمن أحفادها/ من مثل:
«هيلا يارمانة الحلوة زعلانة»
و«ياللومي ياللومي حامض حلو» (الرواية: ص155).
يترك على إثرها الأحفاد اللعب إذا سمعوها، ويبدأون بالتصفيق والنط متحلقين حول الجدة (الرواية: ص155) على أن أكثر الهدهدات التي حفظها الأحفاد وصاروا يرددونها تلك التي تهاود بها زينب الجدة زينب الطفلة إ ذا نعست(35):
«بتي حياة أبوها..يارجال اخطبوها..
 ناس تعدّ الدراهم وناس تشاور أبوها..
وناس تنذر في المساجد..
 ربي تعطّف قلب أبوها..
قام أبوها وهز راسه..
 وزيدوا له درع وطاسة..
حلف أبوها وقالْ
 ماتطلع الخرخاشة..» (الرواية: ص155-156).

3. 4.  دلالة المعتقدات والطقوس الشعبية والرموز والعلامات التراثية في المتن السردي:
ترصد الدراسة في هذا الجزء الكيفية التي وظفت بها رواية «زناب» المعتقدات الشعبية والطقوس والرموز والعلامات التراثية؛ وذلك من خلال استقراء المـدلولات الإنســـــانـــــية (الإنــثـــروبـــولــوجــيّة) لــلأحــداث، والأشـــياء، والموضوعات، والشخوص، وتحليل الممارسات المرتبطة بها، باعتبار المتن الروائيّ بحثا «أنثروبولوجيًّا» يستعين فيه القاص، بوصفه باحثا، بأشكال القصّ أو الحكيّ في إنجاز حبكته الروائية، من منطلق اهتمامه بإعادة بناء العالم الإنساني الذي يتحلّق حوله العمل الروائي»(36).
ومن بين المعتقدات الشعبية والخرافات والطقوس والرموز والعلامات التراثية والثقافية التي أوردتها الرواية، أو اكتفت بالإشارة إليها في سياق المتن السردي وتحاول الدراسة تقديمها وفق مقاربة انثروبولوجية - سيميولوجية ما يأتي:
 المعتقدات والخرافات الشعبية والطقوس التراثية:
 معرفة جنس الجنين: اعتقاد بعض النسوة معرفة الجنين من شدة الرفسة فإذا كانت الرفسة ناعمة، كأنها على استحياء فهو أنثى، وإن كانت قوية كركلة الكرة، يكون ذكرا، لكن زينب وجدت هذا الاعتقاد «هراء إذ إنّ رفسة ابنتها كانت الأشد من بين جميع أحمالها» (الرواية: ص57).
طعام الجنين في بطن أمه: اعتقاد زينب «كما أخبرتها أمها أن الجنين يفتح فمه لأول لقمة تبتلعها أمه ثم يغلقه» الأ أن لمياء فاجأتها بسؤال الجدة «ما وظيفة المشيمة إذن يا بيبي؟!» (الرواية: ص151) .
طقوس النذر: ويرد ذكرها في سياق تذكر زينب حادثة «شرب ابنتها الكيروسين عندما كانت في الرابعة من عمرها، وكادت تموت، فنذرت أن تتصدق بذهبها كله في سبيل الله إن سلمها الله». ونذرها «إن بلّغها الله في زواج ابنتها أن تتصدق بنصف مهرها» فتعافت الابنة وبلغها الله في زواج ابنتها؛ فأوفت زينب بنذرها (الرواية: ص29) كما تستشهد الرواية بنذر زينب «لحل معضلة رفض ابنتها الرضاعة من ثديها إلا أن هذا النذر لم يسفر عن حلّ، فاضطرت إلى أن تعطيها حليب بقر، وهي لما تزال حديثة الولادة» (الرواية: ص69) ونذر أختها الصغرى بعد أن «دفنت عدة إناث» إن «رزقها الله أنثى في حملها القادم أن تهبها لزينب»( الرواية: ص66).
التطيّر من الدعاوي: ويرد ذلك في سياق اعتقاد إحدى حموات بنت زينب أنّ كسر ساق أحد أطفالها في حادثة السيارة وعربة الحمار والدراجة كان بسبب  «دعاوي أمه المشئومة»(37) وأن ذلك إشارة لها من رب العالمين (الرواية: ص63). كما يرد التطيّر من تقليد حركات ذوي العاهات في سياق مشهد تقليد زينب «مشية الأعمى» فنهرتها أمها متطيرة بفعلها (الرواية: ص 89).
التبرك بذبيح الله: ويرد هذه الشخصية الحقيقية الخرافية في سياق إشارة إحدى صديقات لمياء في المدرسة عليها إن أرادت النجاح أن تمد يدها إلى «سيد ذبيح الله» حين تصادفه في الطريق ليبصق في كفها «فنهرتها الجدة بانزعاج مقطبة حاجبيها» إياك أن تفعلي ذلك «مجيبة عن سؤالها» سيد ذبيح الله ولي من أولياء الله ياعزيزتي، كلنا أولياء الله(38).. ثم إنك تنجحين كل عام (الرواية:ص99).
سكنى الجنّ في المقابر: حيث يشيع في الأوساط الشعبية - كما تساءلت لمياء - أن الجنّ يسكنون المقابر في الليل ويغادرونها في الصباح، لذا يتجنب الناس دفن موتاهم ليلا، ويؤجلونه إلى أن يطلع النهار «فأجابتها الجدة أن الجن يسكنون في  «وادي الجن» وأن التعجيل بدفن الميت هو حفظ لكرامته، ولا يوجد سبب يستدعي تأجيل دفن الناس موتاهم إلى النهار» (الرواية: ص111).
قرابين استرضاء الجنّ: تورد الرواية حكاية تحدي جدّ لمياء ذات غبقة أهل المجلس الرمضاني، أن يقوم بطبخ عصيدة للجن الذين يعتقدون سكناهم في مقبرة النعيم، وبالقرب من المغتسل في المقبرة الذي يعتقدون أنه الأشد خطورة، طبخ الجد العصيدة في الظلام الحالك، واطفأ الموقد، فخرجت له ذراع من أحد النعوش وبسطت كفها تطلب شيئا منه، فوضع فيها لقمة من العصيدة. ولما عاد للمجلس بالعصيدة أخبرهم أنه كسب التحدي، فقالوا ما أدرانا أنك طبختها في الموضع الذي اتفقنا عليه؟ فقال لدي شاهد منكم وطلب من الجميع أن يمدوا أذرعهم ويبسطوا أكفهم، وأشار إلى كف محروقة، وقال هذا شاهدي (الرواية: ص112).
تسكين روع الطفل بالذهب: وهو اعتقاد شعبيّ، تلجأ إليه زينب «عندما يدبّ الخوف في روع أحد الأطفال، لأي سبب، فتنادي لمياء لتحضر لها ماء في وعاء، تلقي بخاتمها الذهب فيه، وتسقي الطفل الخائف؛ الذي يلهو ببريق الخاتم وهو يشرب الماء ويهدأ، والأطفال حوله يحسدونه على عنايتها به، وهو يتفاخر عليهم بما فعلته لأجله» (الرواية: ص87).
رشوفة الحامل: تستبطن عادة تقديم حساء «الرشوفة» للنفساء مع وجبة الإفطارفي  الأيام العشرة الأول من نفاسها اعتقادا شعبيًّا «بفائدتها في تنظيف الرحم، وتقوية الظّهر، ومسهلا للبطن»(39).
خلع النعال في المقبرة: استشعارا قدسية المكان حيث كانت زينب تخلع «مداسها» (الرواية: ص65) حتى لا تطأ به قبور أحبتها. «نحن جسد وروح، فهل من تثريب علي إن رغبت في ملامسة التراب الذي يلامس أجساد أحبتي؟»  (الرواية: ص 66).
المشموم للمقابر: يستبطن طقس حمل المشموم الذي اعتاد الناس على ممارسته عند زيارة احبتهم في المقـــابر عصـــر كــل خميس بعدًا رمزيا تتمثل دلالته في خضـــــــار ورقه وطيب رائحـــــته بـــوصـــفه هـــديــة لســاكـــني المقــابــر الـــذيـــن لا تقـــيد أرواحـــهم القــبور زينب (الرواية: ص64).
إزالة بيوت العنكبوت: يستبطن هذا العمل التقليديّ في تنظيف البيوت طقسا شعبيا يمارسه بعض اهالي أحياء المنامة وسكان قرى البحرين، دفعا للتطيُّر من النحس الذي يعتقدون أنه لازمه خلال شهري المحرم وصفر؛ فيلجأ النسوة في أواخر صفر إلى كسر الأواني الفخارية والجرار، وتبـخـــير الــبـيـــوت وتـــزيـيــنــهـــن، ويصـــاحـــب ذلـك استخدام سعف النخيل لإزالة بيوت العنكبوت العــالقـة في الأسقـف، وهــــو مـــا طلـــبـت لمــياء مــن جدتها زينب القيام به لأنها «ماهرة فيه» كما قالت (الرواية: ص105).
أم الخضر والليف: يستحضر المتن السرديّ «خرافة أم الخضر والليف» الشائعة في الثقافة الشعبية البحرينية بوصفها كائنا خرافيا أو عفريتا، حيث يعرض السياق السردي إلى تصحيح هذه الخرافة على لسان الجدة لحفيدتها لمياء، بأن المقصود بـهذا الكائن الخرافي هو النخلة (الرواية: ص127).
الذئاب: يرد توصيف الذئاب على لسان زينب بأنها «لا تهاجم البشر وسمعتها في القصص مثل سمعة أم الخضر والليف في الأحاديث الشعبية البحرينية الخرافية تأتي لتخويف الأطفال» مستذكرة مشهد الذئاب في  الكهف الذي قصدته، لتضع حدا لمعاناتها من ألم الغربة، إلا أنها فوجئت بها ترثي لحالها وتواسيها، ولم تكن تنوي مهاجمتها» (الرواية: ص134-135) وهو توصيف يحمل إسقاطا رمزيا يؤنسن حضور الذئاب في تجربة زينب في تعاملها مع محيطها الاجتماعي القريب.
الغراب: تستحضر ذكريات «زينب» في سياق المتن السردي رمزية شجرة البلوط ونعيق الغراب فوقها، والتفاتها إليه ساعة عودتها من شمال العراق إلى البحرين قائلة في نفسها «انعق كما تشاء فإني ماضية إلى ما قدر الله» (الرواية: ص52) «مسبغة في مكان آخر من المتن السردي شعورها بوحشة الغربة مرددة» هذا أحق  منزل بالترك، الذئب يعوي والغراب يبكي (الرواية: ص134).
 الحَمَام: يستبطن التساؤل الوجوديّ الذي أطلقته زينب لحظة هبوط الحمام :«كيف يكون الهبوط إلى الأرض أجمل من الصعود إلى السماء؟! كنه الدلالة الرمزية لألفة المكان، الذي أسقطت عليه زينب  مشاعرها الشخصية في الانتماء الحميم إلى المكان، في الوقت الذي استعصى عليها وحفيدتها  فهم دوافع «تنازع حمامتين على قطعة خبز صغيرة أو حبة شعير، رغم امتلاء السطح بفتات الخبز أو الشعير» وهو ما أسقطت زينب الدلالة الرمزية لمغزى حكاية «الغني والفقير» التي قصتها على حفيدتها لمياء قي السياق السردي ذاته (الرواية: ص44-45).
الماعز: يكتسب حضور الماعز حضورا رمزيا لافتا على امتداد مساحة المتن السردي، يتجاذبه تنازع نظرة زينب في تمسكها بوجودها مع نظرة عليّ ابنها الذي يرى ضرورة التخلص منها، فيما يتبدى الأثر الرمزي لأهمية وجودها في حياة زينب، وهو ما وصفته لمياء حين موت الماعز «بدا البيت كئيبا لا وجود للماعز التي كانت تشاغب  في كل مكان، تخلت الماعزعن زينب، ماتت بعد خمسة عشر عاما قضتها معها» (الرواية: ص130).
علاج الأكراد الأمراض بالغناء: ورد في سياق تمثل المـــــتن الســــردي ثقــافـــة عشـــق الأكـــراد الغنــاء مــــا تستذكر زينب في مشهد الكردي الذي «كان  يجلس القرفصاء، ينظر إلى الأرض وراحتاه على مقدم رأسه وهو يغني بطريقة غريبة محركا جذعه إلى الأمام والخلف على إيقاع أغنية» وعندما سألت زوجها عنه «أخبرها أنه يشتكي من ألم في بطنه وهو يعالج ألمه بالغناء» فاردفت زينب ان هذا المشهد صار  فيما بعد يتكرر أمامي يوميا (الرواية: ص143).
الرموز والعلامات التراثية والثقافية:
شجرة طوبى: يستحضر المتن الروائي رمزية الالتفاتة المعرفية التي جسدها تعامل استخراج زينب مع كتابها «شجرة طوبى» - في نهاية يناير 1969 - منذ قدسية لحظة استخراج من صندوق خاص مطليّ بالمينا تزينه رسوم على هيئة أزهار مختلفة الألوان والأحجام، وقد لفته  بقماش وهي تحمله بعناية كما تحمل الأم رضيعها؛ إلى لحظة إجابتها عن سؤال لمياء حول معنى «طوبى» التي أجابتها «إنها شجرة عظيمة في الجنة يقطف أهل الجنة ثيابهم من أكمامها..» مخبرة إياها أن الكتاب يحتوى على «جميع العلوم وفيه خبر اهتزاز الكون يوم مولد النبي، وقصة يأجوج ومأجوج.. «مردفة بحسرة» ليتني كنت أفك الخط، اقرئي لي منه قدر استطاعتك. صفحة أو صفحتين كل يوم سوف يكفيني. وكذلك الحال «كتب الأدعية» التي  أدهش لمياء تدخلّ جدتها التي لاتعرف القراءة والكتابة، في تصحيح قراءتها «دعاء السِّحْر» «دعاء السَحَر» موضحة لها الفرق بين اللفظين.«مما جعل لمياء تستفسر من الجدة عن معاني الكلمات التي تمر عليها ولا تفهمها» (الرواية: ص108-111) .
النخلة: يستحضر المتن السردي الدلالة الرمزية لغرس النخلة في رحاب «حوش البيت التقليدي، بوصفها كائنا جماليا يرمز إلى الخصب والحياة؛ تيمنا بقول الرسول(ص): أكرموا عمتكم النخلة» ومصداقا للحديث النبوي:«يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ، يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ..»(40).
شجرة البلوط: يستحضر المتن السردي «شجرة البلوط العملاقة» بوصفها رمزا كرديا دالا على تشبث «أكرم» زوج زينب بأرض أجداده، إذ كان في يوم سفرها عنه عائدة من شمال العراق يسند ظهره إلي جذعها باكيا ويردد «انظري كلي زينو (الرواية: ص136) إلـــى هــذه الشجـــرة، أخبرنــــي جـــدي أنها كانت هنا قبل أن يولد جده، جذورها ضاربة في قبور أجداده... إنها هنا تحرس قبور أجدادي، كيف يمكنني أن أتخلى عنها ؟!» (الرواية: ص51).
نجم سهيل : تستبطن رؤية زينب «نجم سهيل» في الذاكرة الشعبية البحرينية والخليجية فجر طلوعه متلألئا في السماء حدثا «مبشرا بالخير» وعلامة رمزية ذات دلالة تيمن على أن «القيظ أوشك على الرحيل». (الرواية: ص39)
الآذان: تميز زينب في سياق المتن السردي بين رمزية ثلاثة أصوات لمؤذني الحيّ، تحدث آثار ثلاثة متناقضة في نفس سامعيها، صوت «تمقته» لأنه يزعق زعقا كأنه ينهر السامع أو يهدده، وصوت «يؤذن صاحبه وهو نائم»، وصوت «مزيل للهموم، ومفرج للكروب، يشرح صدرها، ويشعرها برهبة حين تسمعه» إنه صوت مؤذن «مسجد مؤمن» (الرواية: ص71) على الرغم أن هدف النداء للصلاة واحد لدى المؤذنين الثلاثة.
الساعة: يستحضر المتن السردي رمزية حركة عقارب الساعة الخشبية التي ورثتها زينب عن أبيها، في سياق «خلوة قسرية» تواطأ فيها صوت الساعة مع «أنين المروحة» على مسامعها، مسبغا إحساسا نفسيا أسقطـته زينـب علـــى إحســاســها بالزمن صورلهـا عمرهــا بأنـــه «يزحــف كسلحفاة» (الرواية: ص12) كمـــا تحضـــر رمــــزيّة الساعــــة في سياق حواري آخر بين زينب وذاتها حول الموت الذي «يستعصي عليها فهمه» مؤنسنة ذلك الحضور وهي «تحدق فيها وتنزعج من تكتكتها..» فتقابلها الساعة بـــالتحــدي، والسخــريـــة قــائــلة «أنــا الزمـــن الـــذي يحـــدد ســـاعة الـــرحـــيل..» لتصــرخ زينـــب في وجـــه الساعـــة قائلة «ما الذي تفعلينه بحق السماء؟ تعدّيـــن أعمــارنـــا عــــــدّا؟!» انتـــابتــهـــا علـــى إثـــر ذلك رغبة عارمة في تحطيمها.. لكنها بعد أن نهضت من نومها صباحا «أخذت خرقة تمسح بها الغبار عن مقتنياتها، وبالغت في تنظيف الساعة وهي تستــــذكـــر مـــا انتـــابها البــــارحـــة، فلـــم تصـــدق أنها رغبـــت في تحطــيمـهـــا» (الرواية: ص76).
العيش (الرّز): يحضر الرز بوصفه رمزا مقدسًا من خلال  تعامل زينب معه عند غسله يوميا، متخيلة قصة رمزية تتخيل فيها حبات الرز التي تتسرب من بين يديها، منذ لحظة زراعتها، ثم حصادها، إلى أن تصل إلى كيس الخيش.. فإذا سقطت بالخطأ حبة أو حبتان تلتقطهما بسرعة قبل أن تصل إلى البالوعة، مخاطبة إياها ليس بعد رحلتك الطويلة ينتهي بك الأمر هنا (الرواية: ص124) مستبطنة قدسية الزاد في الثقافة الشعبية البحرينية.
برزخية التقاء مياه الخليج بمياه شط العرب: يستحضر المتن السردي ذكريات زينب لحظة «تراكض المسافرين إلى حافة الباخرة عند اقترابها من شط العرب لمشاهدة مياه البحر المالحة الخضراء وهي تمتزج بمياه شط العرب البيضاء كالثلج؛ فيعلو صوت الرجال بالتكبير وتلاوة ﴿مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان﴾(41) وهم يحركون رؤوسهم عجبا». ­
الدلالة الرمزية للعدد  40: يرد العدد أربعون في سياق وصف «انقضاء نفاس ابنة زينب» أربعين يوما يالتمام والكمال هي مدة النفاس (الرواية: ص82) مستحضرة الدلالة الرمزية لهذا العدد، حيث يسود الاعتقاد الشعبيّ «بتوخي الحذر من ذكر الأخبار المحزنة من مرض وموت وحوادث طيلة الأربعين يوماً، وعدم تناول الطعام أمام الناس، وألا ترضع طفلها أمامهم؛ لأن ذلك من شأنه أن «تنـچبس» النّفساء أو «تنربط» أي لا تحمل مرة أخرى»(42).  ومما تورد السليطي(2009) أنّه يكره في فترة الأربعين يوما في حياة النفساء عدم الغضب أو المشاجرة وخاصة ظهراً أو عند الاستحمام .. وألاّ تخاف أو تجري عند سماع أي صوت وهي أمام النار أثناء الطبخ حتى لا يصيبها مكروه من الجن»(43).
 كما تحضر دلالة الرقم «أربعون» في مشهد تحول عدد الحمام على سطح بيت «زينب» من عشرين، وهو عدد الطيور المنقوشة في ذاكرة طفولة لمياء على صفقتي باب جدتها إلى أربعين «بيبي»، صار عددها أربعين، العام الماضي، كان العدد عشرين، هل تذكرين؟ على زينب إذن أن تزيد كمية الشعير.. (الرواية: ص81).
دلالة الجياد الخمسة في حلم زينب: يرد عدد «الجياد الخمسة البيضاء» الذي يستدعيه المتن السردي في حلم زينب مستذكرة سماعها «صراخا كالاستغاثة قادما من جهة الشرق وفرار الناس من بيوتهم التي غشيها الماء وأوشكوا على الغرق ...فخارت قوى زينب من هول مارأت، وجثت على الحائط فإذا «بجياد خمسة بيضاء» تقبل من الشرق وتقف قبالتها «أخذت تصلي كما يصلي البشر؛ قيام وركوع وسجود» فكف الناس عن الصراخ وراحوا ينظرون إلى الجياد، فبدأ مستوى الماء ينخفض، حتى اختفى وتحول الصراخ إلى تكبير» ويمكن تأويل الدلالة العددية للجياد بعدد الصلوات الخمس، المقبلة من جهة الشرق المتجهة في صلواتها جهة الغرب.. وهو ما أكدته الدلالة الرمزية لنقاء اللون الأبيض، الذي قدمته الرواية معادلا موضوعيا للصلاة والتوجه بالدعاء إلى السماء.. الذي بفضله عاد ابنها عليُ سالما (الرواية: ص116-121).
- الزواج: يأتي ذكر الزواج في سياقات كثيرة في  المتن السرديّ، متمثلا في  ترجي زينب من ابنها «عليّ» قائلة: «إن كنت لا تعبأ بالزواج، تزوج لأجل خاطري، أريد أن أحمل أطفالك قبل أن يأخذ الله أمانته» (الرواية: ص 32) سعيا منها إلى  تحقيق بذلك كينونة الامتداد الرمزي لوجودها.
 شارع المتنبي: يحضر شارع المتنبي في المتن السردي بوصفه فضاء تتوزع على جهتيه الشرقية والغربية بيوت حي المخارقة وليكون شاهدا تاريخيا على تحولات الزمن الستيني ثم السبعيني فالثمانيني من القرن العشرين، ويأتي إطلاق اسم الشاعر العظيم «المتنبي» على أحد شوارع العاصمة في ذلك الزمن من تاريخ البحرين قبل الاستقلال، علامة ذات دلالة ثقافية في تاريخ البحرين، مفصحاعما تحمله هذه القيمة الرمزية من دلالات على انتماء البحرين العروبي لمحيطها القومي العربي.
مدرسة الزهراء: يحمل إطلاق اسم الزهراء على إحدى مدارس العاصمة التي تاسست في العام  (1955م) مدلولا رمزيا يحيلنا السياق السردي إلى تلمس دلالته وسط التحولات الاجتماعية التي لامست حياة الفتاة البحرينية في زمن القصّ (الرواية: ص64-65).
جدول الضرب: شكلت مشهدية استعانة الفتيات الصغيرات الجالسات على الأرض يسمعن لبعضهن جدول الضرب بلحن جميل (الرواية: ص19) علامة ذات دلالة رمزية في سياق المتن السرديّ، استعانت بها الرواية في الإشارة إلى شيوع ثقافة إرسال العوائل البحرينية فتياتها إلى المدرسة، والسماح لهنّ بالخروج للعب في طرقات الحيّ، منذ مطلع ذلك الزمن المبكر في  تاريخ البحرين الحديث.
مكتبة قصر المعرفة: ترد هذه التسمية الرمزية لمكتبة الحيّ في سياق المتن السردي لتشير إلى تعظيم شأن المكتبة ودورها المعرفيّ في زمن القصّ، الذي لم يمنع زينب التي لا تعرف القراءة والكتابة، وتمثل رمزا لشغف مجايليها من السعي إلى شراء بعض الكتب التي تحظى بسمعة بين المتعلمين، مثل  كتاب «شجرة طوبى» الذي اعتذر صاحب المكتبة «عبد الحسين» عن أنه لا يبيعه؛ إلا أنه سعى، تقديرا منه لرغبة زينب في اقتنائه  إلى توفير نسخة منه، رفض أن يستلم ثمنها (الرواية: ص106).
 الدلالات  الرمزية لأسماء شخوص الرواية:
تورد الرواية في سياق ذاكرة القصّ إشارة نساء الحيّ على أم «أنور» مجنون الحيّ بتسميته إما «منير أوأنور أوضياء لفرط بياضه وجماله» (الرواية: ص17)  وهي أسماء ذات دلالة معجمية متقاربة يمكن استخلاص دوافع ورودها في التعبير عن دلالة لونية أو سجية ذات قيمة  أخلاقية أو عرفية يسعى المجتمع إلى إسباغ دلالتها على شخص المسمّى بها. وهو ما تورده الرواية في سرد مفارقة انقسام أهل لمياء حول تسمية مولودتهم الجديدة بين «أسماء تقليدية أو حديثة» وإصرار لمياء، التي تحمل اسما غير تقليدي في زمن القصّ، على أنها «لا تريد اسمًا تقليديا» (الرواية: ص22)  وهي دلالة تشي بما ترمز إليه معاني الأسماء في الثقافة الشعبية البحرينية، وتؤشر انفتاحا مبكرا، بحكم السفر، أو تأثرا بالاستماع إلى الراديو الذي يبث في فضاءات أثيره آنذاك أسماء المشاهير من الأدباء والكتاب، والفنانين.. وغيرهم.
ووفقا لليفي شتراوس (1962)  فإنّ اختيار الاسم يمثل من جهة نوعا من الهوية التي بها يثبت انتماء (المسمَّى) إلى طبقة أو فئة معينة؛ ومن جهة أخرى فهو خلق حرّ لكلّ من المُسمِّي والمسمِّى(44).
وستتنـــاول الـــدراســـــة فــــي هــــذا الجــــزء الـــــــدلالات الـــرمــزيــة لأسمــاء الشخــوص الـــروائــية والفاعلة في أحداثها ونماء بنيتها السردية وفق مقاربة معجمية تستقرئ الاشتقاق اللغوي لكل اسم، واستخلاص  دلالته الاجتماعية في نطاق سياق تداوليته في فضاء المتن السرديّ.  
زينب: يـــرد لفـــظ زيـــنـــب معجــــميا بمعــــنى «شجر حسن المنظر طيب الرائحة، به سميت المرأة»(45) ويستحضر المتن السردي هذا الاسم بصفته علمًا على الشخصية المحورية فيه، مستبطنا ما تحمله الذاكرة الشعبية الموازية من رمزية لهذا الاسم الذي يرادف صفة «أم المصائب» كما تستحضر الرواية اسم زينب بوصفه رمزا لحكمة المرأة الأم «أم علي» والجدة «بيبي»(46) كما يحلو للمياء الحفيدة أن تناديها، والأخت والزوجة، والجارة، الحامل الأمين للموروث الشعبي الأصيل لوطنها، وتقاليد مجتمعها، والشاهد على تحولاته، ممارسة بذلك فعل الانتماء الصميم لأرضه؛ مغلّبة قيمة حبه على كلّ ما عداها، وهو ما يمكن الاستدلال عليه في الرواية من خلال توصيف حدث دفن سرة مولودها في شمال العراق «شعورغامض؛ إذ لم يدفن شيء من أجزائها خارج الوطن غير تلك المشيمة» (الرواية: ص41). ولعل ذلك ما يمنح زينب من الدلالات الرمزية لمعاني اسمها الكثير من النصيب.  
عليّ: يرد اشتقاق لفظ اسم «عليّ» معجميا بمعنى العلوّ والشرف والرّفعة(47) ويتأتى حضور شخصيتة في سياق المتن الروائي بوصفه رمزا للشاب المثقف، وشاهدا على جيلِ قارئ «متصفحا للمجلات وقارئا للكتب..» وهو عضو بأحد الأندية، ولاعب كرة قدم، ومحب للرحلات. يسعى تحقيق وجوده الثقافي باقتناء طاولة خشبية، تجاور كرسيّا عتيقا تلبية لمتطلبات أثاث غرفة مثقف ستيني! (الرواية: ص90-91) شكلت مراحل حياته معنى لحياة لزينب ووجودها بعد فقدها جميع أولادها الذكور صغارا، حتى إذا فاجَأها خبر نعيه في ملعب كرة القدم توسلت إلى ربها «إلهي إنك تعلم أني لن أصبر على فقده، أتأخذه مني بعد أن صار رجلا؟!» مستلهمة دعاء أم علي الأكبر بن الإمام الحسين (ع) في واقعة كربلاء حين دعت ربها «ياراد يوسف على يعقوب ردّ إليّ ابني الوحيد علي» فيستجيب الله دعاء زينب بإقبال الشباب في مشهد تراجيدي «ممسكين بعلي  كما يمسك بعريس في زفته وهم يهتفون عليّ لم يمت..عليّ حي يرزق». مما شكل معادلا موضوعيا رمزيا لإشباع زينب رغبتها الملحة في رؤية زواجه وتحقيق ما تصبو إليه أمومتها من علو ورفعة وشرف، كما توحي بذلك معاني الاسم الذي اختارته لتسميته.
 الحفيدة لمياء: يرد معنى اسم لمياء معجميا بوصفها «المرأة بُنيّة اللمى، ذات الشفاه اللطيفة، وللدلالة على تبسم الثغر، ويعنى الشجرة اللمياء الظل: كثيفة الظل، شديدة الخضرة»(48) وهو من الأسماء الحديثة التداول في زمن القصّ، في المجتمع البحريني، ويشكل حضورها في المتن السرديّ - بصفتها حفيدة زينب - رمزا للتواصل بين الأجيال «ترى فيه زينب ذاتها متجسدة في طفولتها» (الرواية: ص78) ممتدا عبر مراحل صباها وشبابها، إلى أن «أصبحت امرأة تبوح لها بأسرارها» (الرواية: ص138) حتى لحظة تحقق حلم الحفيدة في ختام الرواية عبر رمزية «سطوع الشمس وطهور الوضوء، وانسدال الرداء الأبيض على جسم الجدة لحظة توجه روحها للصلاة على غير جهة القبلة المعتادة، في نهاية مفتوحة لختام المتن الروائي» (الرواية :ص159 - 160). محقّقا دلالة معنى اسم لمياء الرمزية المتمثلة في لطف مخارج الكلم الطيب، وتبسم الثغر، وتجدد نماء خضرة الروح، معوضة خيباتها في ابنتها «أم لمياء» فيكون وجود هذه الحفيدة استحضارا للمعنى الذي تحفظه الذاكرة الشعبية البحرينية في تداولية القول السائد: «ما أعز من الولد.. إلا ولد الولد».
أكرم زوج زينب: يرد معنى اسم «أكرم» معجميا بوصفه صيغة تفضيل مشتقة من مادة «كرم»: والكرم كثرة الخير، والجود والعطاء، وهو نقيض اللؤم، «وفي اللسان: أكرم الرجل: أتى بأولاد كرام»(49) ويستحضر المتن السردي اسم أكرم من خلال علاقة بزينب؛ عاشقا يفيض عشقا وسخاء، ووفاء لأرضه وقومه في جبال كردستان الذين تسبغ عليهم زينب صفة معاني اسمه «كانوا كراما إلى أقصى الحدود» (الرواية: ص146) وتتأكد الدلالة الرمزية لاسم «أكرم» في استحضار زينب ذكر اسم ابنه «كريم» ذي الاشتقاق اللغوي المشترك مع أبيه، مشكلا بذلك دلالة ذات قيمة معنوية عالية في ذاكرة زينب.
أنور المجنون: يكتسب الأصل اللغويّ الاشتقاقي لاسم «أنور» (أفعل من النور) دلالته المعجمية من إطلاقه على معنى «الحَسّن المشرق اللون»(50) ويرد حضور هذه الشخصية البريئة في محطات متواترة في زمان السرد القصصي؛ مرة في مستهل الرواية ليحوّل وجهة زينب من الشرق إلى الغرب (الرواية: ص17) ومرة في ختام الرواية متوسلا بزينب «أم علي .. لا ترحلي عني أنا أحبك لا ترحلي عني..، فترد عليه لن أرحل سوف أعود، صدقني» (الرواية: ص156) لتتبين لها رمزية هذا الحضور في مرأى حلم لمياء، نورًا يصل حدّ البصيرة في قراءة السطور الأخيرة للنهاية المفتوحة في متن الرواية «.. يقولون عنه مجنونا.. يراها كل يوم تقطع الشارع نفسه في كل يوم أعوام وأعوام لم يسبق أن قال لها لا ترحلي» (الرواية: ص 160).
ابنة زينب ( أم لمياء ) : يلفت حضور أم لمياء في المتن السّردي، بوصفها الابنة الوحيدة الأنثى لزينب، دون ذكر اسم لها، مجسدة نموذجًا اجتماعيا يرمز إلى التجني وإنكار عطاء الأمومة وتضحياتها، والذي يختصره توصيف زينب لحالها «كم أنّ نبرتها تبعث على الكدر... وأنها لا تعبأ إلا بنفسها، لا تحمد الله على شيء، دائمة التذمر.. لم ترث عنها وعن أبيها أي شيء على الإطلاق» (الرواية: ص:28).
أخت زينب الوسطى: ترد في المتن السّردي، دون ذكر اسم لها هي الأخرى، يمثل حضورها - عبر مشاهد متفرقة في مناسبات ليس بينها زيارة واحدة لأختها زينب - رمزا اجتماعيًّا لفئة تمارس الاستعلاء على الآخرين والتهكم بأقرب الناس إليهم، وإحراجهم. تصفها زينب بأنها «تتقن إحراج الآخرين، شديدة الأناقة، تنفق على أناقتها وتتصرف كما لو أنّ الأناقة منحتها استحقاقا للتدخل في كل صغيرة وكبيرة، تأخذ فريستها بالصوت، دائمة الانتقادات والتوجيهات والأوامر تثرثر» على العكس من النموذج الاجتماعي لأختها زينب التي تكتسب سمات شخصيتها في مقابلة ثرثرة أختها بحكمة الصمت أمام تطاولها، «فلا تردّ إلا نزرًا؛ لتبقي على الخيط الذي يربطها بأختها...» (الرواية: ص49).
جليلة: يرد اشتقاق اسم جليلة معجميا للدلالة علــى عظـــم القــدر والنبـــل(51) ويمثل حضورها في المــــتن السردي تعويضا لزينب عن ابنتها، ونموذجا اجتمــــاعيـــا للأنثــى «العـــازفـــة عـــن الــــزواج» التـــي تتحمل تبعات نظرة المجتمع اليها بـأنّ «حظها نحس» وأنها شؤم على أمها؛ لأنها ثمرة زواج دام ليلة واحدة، مختصرة دلالات معاني عظم قدرها في عيني زينب من خلال مقارنتها بابنتها وعطفها علي حالها «مسكينة جليلة، ليتك كنتِ ابنتي»! (الرواية: ص23-26) .
حيدر الراشد (أبوجليلة): يرد المعنى المعجمي لاسم حيدر بمعنى «الأسد» للدلالة على الشجاعة(52)  في حين يستبطن لقبه «الراشد» (معرّفا بأل التعريف) صفة دالة على رشده ومعرفة مقصده(53) ويستحضر السرد حيدر في سياق يرمز إلى الخروج بجرأة على مالوف أعراف مجتمعه الرمزية «باقتراحه إقامة مواكب العزاء داخل المآتم في العاصمة.. لأنه لا يليق بالمعزين الخروج إلى الطرقات، وهم يلطمون صدورا عارية» (الرواية: ص24) فيخرج الشبان في شهر المحرم في ذلك الزمن الستيني بمظاهرة جابت أحياء المنامة رددوا فيها شعار «حيدر الراشد الكافر..» إلا أن  زينب أبدت تعاطفا مع شخصه؛ معللة ذلك بأنه «يقضي وقته في عزلة تامة حتى عن أبويه  فكيف لهم أن يعرفوا أنه كافر؟».
فؤاد ابن الجيران: يرد المعنى المعجمي لاسم «فؤاد» مـــــــرادفـــا لـ«الــقلـــب، أو أوســطـــه أوغشــائـــه، وحـــبته وسويدائه»(54) وهو اسم شبابيّ حديث التداول في مجتمع القصّ في ذلك الزمن، وقد اكتسب دلالته الرمزية التي أسبغتها عليه الكاتبة من خلال إيراد فاجعة أمه بفقده في ريعان شبابه، حيث يصف المتن السردي نواحها عليه «يقطع نياط القلب، وهي تلطم وجهها بكفيها وتنادي فؤاد، فؤاد، فؤاد»، مذكرة زينب بموت أطفالها، الذي اقترن بأسئلتها الوجوديّة «أين هو جسد فؤاد؟ هل ضاع بين السماء والأرض؟ ألن يكون له قبر تزوره أمه؟» (الرواية: ص74-75).
الجارة سعدة: يرد الاشتقاق المعجمي لاسم سعدة من الطيب، ومن العروق الطيبة الريح(55) ويرد حضورها الاجتماعي في المتن السردي موافقا لمتخيّل الذاكرة الشعبية لمعنى اسمها؛ حيث تميز زينب «مشيتها من طلاء الأظافر الذي لا تخرج من بيتها دونه، تدور بين أزقة الحيّ طوال النهار، تنقل الأخبار بأمانة لجميع البيوت..» (الرواية: ص72) مستحضرة في السياق الدلاليّ نفسه «الابتسامة التي لا تفارق محياها.. بعد أن يئست من الأمومة صارت تحب الثرثرة.. لكنّ ثرثرتها محببة لا تضجر من يجالسها، تأنس زينب بها كثيرا» (الرواية: ص116).
وبمراجعة المعاني المعجمية التي أسبغتها الكاتبة على شخصياتها الروائية، واستخلاص تأثيرات البيئة الاجتماعية والعادات والتقاليد والأعراف،  وتمثل عمليات التثاقف الاجتماعي والقيمي الذي أحدثته عوامل السفر والتزاوج والاستماع إلى الراديو، في زمن القصّ؛ يمكن الاستنتاج مدى تأثير ذلك في إعطاء  أسمــــاء الشخــــصيات مـــدلـــولاتـــها الثـــقافيّة القـيـــميّة والشـعبيّة؛ بما أضـــفى علـــى التقـــنية المستـــخدمة في تداول تلك السماء روائيا، قدرا من التلاؤم مع نسقية المحمولات التراثية والثقافية في المجتمع البحريني.
وبالتركيز في استقصاء مكانة «زينب» في المتن السردي، وعلاقتها مع بقية الشخوص نجد أنها تمثل محورًا تنداح حوله تلك الشخوص، بوصفها رمزا لمكنونات الحكمة في مجتمعها، وترجيعات سردية تمظهراته القيمية والثقافية التي عكست منظومة القيم والعادات والتقاليد والمعتقدات الاجتماعية والتربوية والروحية فيه.
ويمكن إرجاع ذلك إلى تأثر رباب النجار بمنحى الروائي الروسي راسبوتين، الذي تصفه بـ«ملهمها الأول (الرواية: ص5) والذي تشكل المرأة في مجموعته القصصية «ناتاشيا العجوز وقصص أخرى» حجر الزاوية، ورمز الحكمة والذاكرة، ببعديها الروحى والفسيولوجى، مجسدة موروث العادات والتقاليد الشعبية والصور الشخصية، والطبائع الروحية والنفسية ذات الصلة بموضوع الحياة والموت، الذي لا يشكل عند راسبوتين موضوع رحيل وفناء، بقدر ما هو موضوع تفكير وتأمل فيما تبقى(56) ولعل ذلك هو مكمن السر الذي بموجبه يمكننا فهم مغزى النهاية المفتوحة التي اختتمت بها رباب النجار روايتها «زناب».
الخلاصة
خلصت الدراسة إلى مجموعة من الاستنتاجات، من بينها:
إفساح مجال البحث التراثيّ المعمّق في تداولية الثقافة الشعبية في الأعمال الروائية البحرينية المعاصرة، وتطبيق منهجيات بنيوية تحليليّة؛ يمكّن الباحث المتخصص والمبتديء من  رصد «المحمولات الثقافية والقيمية التراثية والمجتمعية» في هذه الثقافة، وتحليل تقنيات السرد المستخدمة في توظيفها؛ وقياس أثر ذلك الاستخدام إبداعيا في إثراء المتن السردي وتأصيل فاعلية تداوليته.
من شأن الدراسات التحليلية التي تبحث تداولية الثقافة الشعبية في الرواية تجسير الهوّة المعرفية المفتعلة بين الثقافتين الشعبية والرسمية؛ القائمة على النظرة المتعالية للمنجز الثقافي الشعبي في حياة الأمم، بما يوجّه النظر إلى أهمية التراث الشعبيّ، والسعي إلى تفعيل دينامياته الحيوية في تطوير حركة الفعل الثقافي الوطني؛ تجاوزا للتصنيف التقليدي القائم على «تراتبية تصنيف هذه الثقافة باعتبارها ثقافة عاميّة، في مقابل الثقافة النخبوية العالمة»(57).
يفضي رصد مفردات الثقافة الشعبية التي يعكسها المتن الروائي السردي البحريني إلى استكشاف تنوع بيئات هذا الثقافة، ومصادر ثراء مضامينها المادية والمعنوية؛ مما يتطلب سعي الباحث المتخصص إلى الكشف عن تقنيات تداوليتها، واستلهام فاعليتها الثقافية في رفد المنتج الثقافي الإبداعي، مع الأخذ في الاعتبار انعكاس التحولات الاجتماعية المتسارعة التي شهدها المجتمع البحريني منذ مطالع السبعينيات من القرن العشرين، على محمولات المتن الروائي السردي البحرينيّ، وصولا إلى اجتراح معايير علمية موضوعية تسعف الباحث الثقافي الشعبيّ في تطوير أساليب دراسة المحمولات التراثية في النصوص الروائيّة، بغية تحديد المشترك بينها في مساحة تداولها النصيّ، واستخلاص ما يمليه تنوع بيئات تداولها في كل من القرية والمدينة من خصائص مميزة، تكوّن في مجموعها الفضاء الأوسع الحامل لأصالة التراث الوطنيّ، والأفق الأرحب الحاضن لتمثيل سعة تنوّع الطيف البحريني العربيّ الخليجيّ المسلم، عادات، وتقاليد، وأنماط معيشة، ومعتقدات، ونظم عمل، وسلوك اجتماعي معرفي وقيمي.
يفـــضي البحــــث الإنــثـــروبـــولـــوجــــي في التمثلات التراثية للمتن الروائي السردي إلى تحديد مدى فاعلية هذا النتاج الأدبيّ في استيعاب ملامح الهوية الوطنية البحرينية الجامعة، وانفتاح أفق أصالة تلك الثقافة على فضاء الهوية الكونية في بعدها الحضاري الإنسانيّ (المعرفيّ والقيمي) تفاعلا، وتأصيلا، وتثاقفا، وإثراء، وهذا ما استنتجته هذه الدراسة من خلال عرض تمثّلات جانب من الثقافة البحرينية الشعبية، بموازاة جانب يسير من الثقافة الكردية العراقية، حيث يمكن للباحث الإنثروبولوجي المقارن - في زمن العولمة الكوكبية- إثبات خلاصة ما توصل إليه (شتراوس) «أنّ درجة الاختلاف بين ثقافتين أنتجهما أناس ينتمون إلى سلالة  بشرية واحدة قد تكون أكثر مما هي عليه الحال بين ثقافتين بشريتين تعودان إلى أناس ينتمون إلى مجموعة  أعراق متباعدة»(58).
السعي إلى تضمين المناهج الدراسية لمادة اللغة العربية «مقرر النّصّ على النّصّ» ومقرر «الثقافة الشعبية» تطبيقات نصية سردية من الأدب البحريني والخليجيّ، تــمــكـــن طـــلاب الـــمرحلــتين الإعدادية والثانوية من امتلاك أساليب تحليل مضامين البنــى النصيّة القصصية والمسرحية، والشعرية، واستكشاف محمولاتها التراثية (المادية والمعنوية) مع التركيز على تدريب الموهوبين منهم على بيداغوجيا إنتاج النصوص الإبداعية، وتمثّل تقنيات توظيف محمولات الثقافة الشعبية البحرينية، على نحو يراعي أصالتها، ويحـــافــظ خصـــوصــيــة انتمـــائهــا لبيئتهـــا الـــوطنيـــة والعربية،  ويثري أفق انتمائها الإنسانيّ - الكوني. إذ لا يمكننا كمايرى (خليفة: 2009) «أن نتوقع مستقبلا عربيَّا لتوظيف التراث الشعبي توظيفيا ديناميكيا في الأعمال الفنية الحديثة وهو خارج حصيلة المعارف التراكمية التي يتأسس ذهن الجيل الجديد عليها الآن»(59).

 

الهوامش:

1. أبو زيد، عبد المنعم: التناصّ النوعي في نماذج من الرواية المصرية المعاصرة، مجلة الراوي، العدد(21) النادي الثقافي، جدة، المملكة العربية السعودية: 2009.

2. خليفة، علي عبدالله: «استلهام التراث الشعبي في الأعمال الإبداعية بمنطقة الخليج والجزيرة العربية”  الثقافة الشعبية، أرشيف الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، العدد(4) 2009، المنامة، مملكة البحرين: ص23-24.

3. اسكاربيت، روبير: سوسيولوجيا الأدب، (ت: آمال عرموني) ط:2، دار منشورات عويدات، بيروت، لبنان: 1987، ص29.

4. الغرّابي، الجيلالي: توظيف التراث الشعبي في الرواية العربية، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، المنامة - البحرين أكتوبر 2015، ص 79.

5. غولدمان، لوسيان: مدخل إلى قضايا علم اجتماع الرواية، (ت: محمد معتصم) مراجعة محمد البكري، عيون المقالات ( العدد6-7): المغرب: 1987، ص81.

6. مرتاض، عبد الملك: في نظرية الرواية بحث في تقنيات السرد، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ديسمبر 1998، ص 218.

7. باشلار، غاستون: جماليات المكان(ت غالب هلسا) المؤسسة الجامعية للطباعة والنشر، ص 68-69 بيروت الطبعة الثانية - 1984م.

8. كوبام، كاثرين: شعرية المكان في الأدب العربي الحديث، ترجمة نهى أبو سديرة، وعماد عبد اللطيف،(ط1) المركز القومي للترجمة، القاهرة مصر: 2014، ص180

9. «الحوش» و«الحوي»: الاسمان الشعبيان المتداولان لمسمى «فِناء»، يطلق الأول «الحوش»  بمعنى «ما يجمع الشيء ويضمّه» ص 1050 ويطلق الثاني  «الحوي» بمعنى: «ما يشتمل الشيء ويضمّه» ص1062: في : ابن منظور «لسان العرب» (ط4) دار المعارف، القاهرة: مصر: 1981، مجلد (2) ص 1871.

10. الحوض الذي يجبى (يجمع) فيه الماء: ابن منظور  «لسان العرب» 1981، المصدر السايق، مجلد (1) ص 542.

11. «الصُفْقة» بضم الصاد وتسكين الفاء: اسم متداول في اللهجة البحرينية المحكية لـ«مصراع الباب» والصّفقة لغة: نسبة إلى «صوت انغلاق الباب: المنجد في اللغة العربية المعاصرة، دار المشرق، بيروت، لبنان: 2000» ص:841

12. خليفة، على عبد الله: «استلهام التراث الشعبي في الأعمال الإبداعية بمنطقة الخليج والجزيرة العربية» مرجع سابق: ص 16

13. الخِّزّامَة: قطعة من الحلي الذهبية التقليدية، تثبتها المرأة الخليجية في ثقب بأحد طرفي الأنف، منشؤها أفريقيّ، انتقلت إلى الهند وباكستان. والخزم لغة  «الثقب: خرم البعير: ثقب أنفه، وجعل في جانب منخره الخِزامة» المعجم الوسيط (ج1) مجمع اللغة العربية، دار الدعوة: للطباعة والنشر، اسطنبول، تركيا، 1989، ص:232.

14. وتسمى الحسو: وهي خليط من حبّ الرشاد مضاف إليه البيض والزنجبيل والفلفل الأسود والسكر: السليطي، فاطمة عيسى: الاستعداد لمراحل الحمل والولادة قديما في مملكة البحرين، الثقافة الشعبية، أرشيف الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر (العدد 4) 2009، المنامة، مملكة البحرين: ص 119.

15. الاسم التقليدي الشائع في اللهجة البحرينية المحكية لقنوات انسياب المياه الجوفية المستخدمة في ريّ النخيل والمزارع البعيدة عن عيون الماء.

16. لعبة شعبية تلعبها الفتيات خاصة، يتقابلن بين أيديهن خمس حصوات تلقفها كل واحدة منهن بالتناوب، وتقذفها في الهواء، وتلتقطها، وتحسب لكل لاعبة نقطة بكل  حصوة .

17. تسمى الدمى المحشوة بالقطن التي يصنعنها الفتيات بأيديهنّ «كُرْجُوّة».

18.  طور من أطوار تكون رطب النخل، ويكون أخضر، يتساقط بفعل «التّخميل» فيسمى «خلال مخمل» وفي بعض بيئات البحرين يسمى  «خلال مخنن».

19. المسمى الشعبي لقلادة الخلال «مرية خلال» يشك الخلال مع وريقات المشموم وزهور الرازقي لإضفاء رونق جمالي على «المُريّة» التي يطوق بها الفتيات جيد اخواتهن الصغيرات.

20. الاسم الشعبي البحريني المتداول في اللهجة البحرينة المحكية لمجمرة الفحم (كانون النار) وتسمى كذلك«الدّوة».

21. الاسم الشعبي المتداول لسائل زيت السمسم المطحون «الطحينية».

22. ويسمى في العامية البحرينية المحكية «الحمبصيص» و «أبو فروة».

23. «الچولة»: المسمى الشعبي التقليدي المتداول في المجتمع البحريني لموقد الكيروسين.

24. يسمى في اللهجة البحرينية «ليف بومباوي» نسبة إلى بلد تصديره، بومباي في الهند.

25. كاريزرس، مايكل: «لماذا ينفرد الإنسان بالثقافة: الثقافة البشرية نشأتها وتعددها» (ت. شوقي جلال) المجلس الوطني للثقافة، الكويت، 1988، ص281.

26. المسمى الشعبي للقرنفل الجاف.

27. ويسمى شعبيا «خبز الخمير»  و«الخبز الأحمر» الذي يقدم مع الحلوى التقليدية البحرينية والرّهش في مناسبات الزواج والختان، ووداع المسافرين إلى الحج أو العراق.

28. بائع الخضار البحريني التقليدي الذي يجوب الأحياء متنقلا  على حمار يحمل الخضروات في  وعائين من خوص تتدلى على جانبي الحمار تتسمى «المراحل» وسمي كذلك بسبب ندائه على بضاعته «بقل الكرّات» «ورويد الفجل» و«حندبان الهندباء».

29. «الچيلة» المسمى الشعبي المرادف لكلمة «مكيال» مقدارها علبة أناناس فارغة.

30. حميد، الحمداني: الرواية المغربية (دراسة بنيوية تكوينية) دار الثقافة – الدار البيضاء: المغرب 1985، ص11

31. من عادة الأكراد أن يضعوا أمام اسم من زار كربلاء «گلّي» تقديرا واحتراما: (الرواية: ص136)

32. تعبير شعبي دارج من أصل فصيح بمعنى «انزلق»: المعجم الوسيط (ج2) مجمع اللغة العربية، دار الدعوة للطباعة والنشر، اسطنبول، تركيا، 1989، ص884.

33. التعبير العامي الدارج «طلع الدم من راسه بمبوع»: بمعنى ينبوع عين الماء: مستوحى من تمثل بيئة البحرين الزراعية الغنية بعيون المياه الجوفيّة والينابيع.  

34. توصيف عامي، من أصل فصيح دال على «الصيحة المفزعة: المعجم الوسيط (ج1) مرجع سابق: 1989، ص 349- وترد شعبيا بصيغة اسم فاعل «زاعـگ» صفة لبائع السمك، نسبة إلى مناداته على سمكه مرددا«أووووه».  

    تستبطن هذه الهدهدة» التراثية دلالة سلطة الآب المطلقة في زمن القصّ في قرار زواج  ابنته.

35. أبو زيد، أحمد:  الرواية الأنثروبولوجية بين الواقع الإثنوجرافي والخيال الإبداعي، عالم الفكر، الكويت، ع 43 م 23، يناير/يونيو 1995 ص 135- 138.

36. يشيع في كلام العامة مثل شعبي متداول بهذا المعنى  «دعوة تصيب، ودعوة تخيب، ودعوة تقطع النصيب».

37. عرف في ستينيات القرن العشرين بجثته الضخمة، التي أكسبت حضوره اليومي متجولا كل يوم في أحياء المنامة؛ مهابة في نفوس الكبار والصغار، تجله النساء ويبجلنه، ويأخذن أطفالهن إليه للتبرك والتداوي من الحسد والأمراض، ومما اشتهر عنه أنه أخذه شيئا من لعابه بإصبعه، ووضعه في فم الطفل المريض ابتغاء الركة والشفاء.

38. السليطي (2009) مرجع سابق ، ص119.

39. صحيح مسلم، كِتَاب الْأَشْرِبَةِ، بَاب فِي ادِّخَارِ التَّمْرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَقْوَات، رقم الحديث: 3819.

40. القرآن الكريم «سورة الرحمن»: آية ( 19-20)

41. محمد، حسين : «طقوس علاج الكبسة والمشاهرة» صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3365 – المنامة، البحرين: 24 نوفمبر 2011م.

42. السليطي (2009) مرجع سابق: ص 117

43. Strauss, Claude Levi:Lapensee Sauvage.Librairie Plon, Paris_ France: 1962, p.240  

44. في : الغرابي، الجيلالي: مرجع سابق، ص 71.

45. ابن منظور «معجم  لسان العرب» مصدر سابق، مجلد (3) ص 1871.

46. بيبي: اسم علم تلقب به سيدة المنزل الكبيرة، يستخدمه الأتراك  لتعظيم الإناث والعمة خاصة، شاع تداوله ولا يزال لدى بعض أوساط العوائل البحرينية ذات الامتداد العراقي في النسب لمناداة الجدات، تعظيما لهنّ وتوقيرا.

47. ابن منظور «معجم  لسان العرب»، مصدر سابق، مجلد (4)، ص388-384.

48. المصدر السابق نفسه، مجلد (5) ص4018.

49. المصدر السابق نفسه، مجلد (5) ص3862.

50. المصدر السابق نفسه، مجلد (6) ص4572.

51. المصدر السابق نفسه، مجلد (1) ص662.

52. المصدر السابق نفسه، مجلد (2) ص 803-804.

53. المصدر السابق نفسه، مجلد (3) ص1649.

54. المصدر السابق نفسه، مجلد(6) ص3334.

55. المصدر السابق نفسه، مجلد ( 3) ص2013.

56. راسبوتين، فلنتين: ناتاشيا العجوز وقصص أخرى، (ت: أشرف الصباغ) المركز القومي للترجمة - المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة : مصر، 1998.

57. الثقافة الشعبية «منتدى الثقافة الشعبية: الثقافة الشعبية والمناهج التعليمية» إدارة الحوار: محمد النويري، أرشيف الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر (العدد4)  المنامة، مملكة البحرين: 2009، ص 158-193

58. شتراوس، ليفي، «العرق والتاريخ» (ت. سليم حداد)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 1988، ص7-10.

59. خليفة، على عبد الله: «استلهام التراث الشعبي في الأعمال الإبداعية بمنطقة الخليج والجزيرة العربية»، (2009) مرجع سابق: ص 12.

الصور:

مصدر الصور مجموعة الأستاذ فؤاد الشكر التراثية معالم من بيوت العاصمة( الإنستغرام)

قبر السيد ذبيح الله بمقبرة الحورة بالمنامة ( المصدر: مجموعة القصاب)

 

أعداد المجلة