دراسات عربية متنوعة حول الرعي والثقافة الشفهية وغير المادية والقهوة وحكايات الحوريات
العدد 33 - جديد النشر
سنعرض في هذا العدد لمجموعة متنوعة من الدراسات العربية المنشورة بالإمارات وسلطنة عمان والسودان وسوريا ومصر، تتضمن موضوعات متعددة؛ حيث سنذهب في رحلة ممتعة في عالم الرعي وعاداته وتقاليده وفنونه في سوريا، ثم نتوقف عند إطلالة متعمقة حول التراث الشفاهي بدولة الإمارات، لنستريح قليلاً مع القهوة السودانية، ثم نعاود السفر مرة أخرى حتى سلطنة عُمان للاطلاع على مفردات تراثها غير المادي، ثم ننهي جولتنا في عالم من السحر في صحبة حكايات الحوريات. ومن ثم فالتنوع هنا جغرافي وموضوعي أيضًا.. ولا زلنا ندعو المهتمين بالثقافة الشعبية العربية لتضافر الجهود لتنفيذ ما طرحناه في ملفات سابقة حول قاعدة بيانات ببليوجرافية للفولكلور العربي حتى نتمكن من التعرف على الإنتاج الفكري العربي في المنطقة أولاً بأول.. ونمد جسور التعاون بيننا لبحث متطور حول الثقافة الشعبية العربية.
1. تقاليد الرعي في سوريا:
من الإصدارات المهمة للهيئة العامة السورية للكتاب عام 2012 كتاب «تقاليد الرعي» لمؤلفه محمود مفلح البكر، ضمن مشروع جمع وحفظ التراث الشعبي رقم (46)، والذي تشرف عليه مديرية التراث الشعبي بوزارة الثقافة، ويقع الكتاب في 517 صفحة من القطع المتوسط، وقد أعد المؤلف هذه الدراسة الممتعة الثرية بهدف توثيق منظومة العادات والتقاليد والمعتقدات، والمعارف والخبرات، وما أفرزته مهنة الرعي من أغنيات وأمثال، وأقوال مأثورة، فضلاً عن معجم لغوي يضم كثيرًا من المفردات وأساليب استخدامها في الكلام شعرًا ونثرًا، بعضها متفق مع المعجم الفصيح، وبعضها تطورت دلالته، وبعضها اشتقاقات جديدة تُلبي حاجات الإنسان في عصره. وقد اعتمد الباحث على منهج الجمع الميداني (الملاحظة المباشرة والملاحظة بالمشاركة) من خلال المشاهدة والمعايشة والمقابلة مع الإخباريين خاصة في منطقة «الزاوية» التي ساعدت جملة عوامل على استقرار سكانها، واعتماد الكثير منهم على تربية المواشي كالغنم والماعز أو البقر أو الجاموس.
ويُعّرف المؤلف «الرعي» بأنه عمل يتفرغ فيه العامل لتربية الحيوانات والعناية بها، والمحافظة عليها، وحمايتها من المخاطر معتمدًا في تغذيتها على ما تأكله تلك الحيوانات من النباتات البرية في المراعي المفتوحة وبقايا الحصاد والبساتين بعد قطافها في نهاية الموسم. أما الراعي فهو من يتولى هذا العمل، موظفًا ما اكتسبه من خبرات لازمة متعلقة بالحيوانات التي يرعاها، ومتسلحًا بالأدوات المساعدة على إنجاز عمله على أكمل وجه في البيئة التي يعمل فيها، ويكون الراعي رجلاً أو امرأة، وفي أي عمر يكون فيه قادرًا على القيام بمهامه، ولا تُطلق هذه التسمية إلا على من يتولى مهمة الرعي مباشرة، فهناك كثير من الناس بدوًا وقرويين يملكون قطعانًا، لكنهم يكلفون غيرهم برعيها مقابل أجر متعارف عليه غالبًا. وقد بدأ المؤلف كتابه بمدخل تاريخي حول فوائد تدجين الحيوانات في فترة ما قبل التاريخ كتأمين مصدر ثابت للطعام، وتأمين مواد السكن واللباس والأوعية، ثم تكوين العائلة الكبيرة. أعقب ذلك لمحة عامة عن نشأة البداوة، والراعي والفلاح في الأساطير القديمة، وبعض المقتطفات حول الرعي في التراث العربي. أما مهنة الرعي فتتكون من ثلاث بيئات رعوية أساسية هي: البيئة الصحراوية، وبيئة البادية، والبيئة الريفية، وهذا التقسيم عام فكل بيئة من هذه تندرج تحتها تنوعات. وتطرق للحديث عن البيئة الرعوية في منطقة الجولان التي تتميز بتنوع بيئي لا مثيل له. كما تناول أهمية مهنة الرعي اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا وثقافيًا، مشيرًا لعشرات الحرف والمهن المرتبطة بها كالحلاب، والقواف (بائع أصناف النعال)، والغرابيلي (الذي يصنع الغرابيل)..إلخ.
أما علاقات العمل الرعوية وما يتصل بها من شئون وفنون فقد تناولت الدراسة فئات الرعيان وأجورهم: الراعي مالكًا، والراعي عند غيره كالفلاج، والشرط (اتفاق بين راع، وصاحب غنم على أجر معين)، ونماذج أخرى من الأجور كالأجور في منطقة اللجاة، والأجور في البادية، والشّكّار (راع مستقل بسكنه وأسلوب حياته) متضمنًا شروط الاتفاق وأجرة الشّكّار إلى جانب فئات أخرى من الرعيان كالحوّاش، والعدولة، والملحاق، والتبوعة. ثم يستعرض مفلح البكر لباس الراعي والذي كان بسيطًا، تُستهدف منه الحماية من البرد، واتقاء الشمس، و رد الأشواك، وصدمات الحجارة، ولسع الأفاعي والعقارب، ولا أهمية للأناقة في هذا المجال. وفي منطقة الجولان والأغوار وما حولها من المناطق، كان يُشترط على المعلم أن يقدم لراعيه الألبسة كالثوب وغطاء الرأس (تسمى شورة أو حطة أو قضاضة)، والحذاء (خف من جلد الإبل أو البقر أو الجاموس لا يحمي إلا راحتي القدم)، والفروة (من جلد الخراف تُلبس فوق الثوب)، والعباءة (تدعى كراع النعجة)، واللباد (الصوف المضغوط)، والبشت (وهو رداء يصل إلى ما فوق الركبة). أما منام الراعي قديمًا فقد يكون النوم في البيت، أو على رصيف حجار، أو النوم في المغر، أو السكن في العُرق. أما أدوات الرعي، فهي أسلحة الراعي كالمحجان، والعصا، والقنوة/الدبسة، والمذروب، والمطرق/القضيب، والشبرية، والموس، وموس الكباس، والريشة، والمقلاعة. أما أوعية طعام الراعي وشرابه فمنها: العليقة/ الجراب/ المخلاة، والذكرة، والكود، والكيلة. وهناك بعض الأدوات والمواد المساعدة للراعي كالمساة، والإبرة، والخيط، والمرآة، والصابونة، وزجاجة العطر. وهناك أيضًا أدوات العزيب، ويقصد بالعزيب أن يمكث الراعي في البرية بعيدًا عن أهله مدة تمتد من أسبوع إلى شهرين، طلبًا للكلأ والماء. وتعد أدوات إشعال النار من أهم أدوات العزيب.
ويتطرق مفلح البكر في دراسته الشيقة، لأعداء الراعي، وهم اللصوص، والحيوانات المفترسة كالسباع والنمور والذئاب والضباع وبنات آوى والثعالب والأفاعي والعقارب والدبابير والزلاقط. كما يُفصل في وصف بيت الراعي من مادة وأثاث ووقود. ويشير للأجراس وأنواعها والغرض منها، وعادة كتم الأجراس، إذ تمثل الأجراس أهمية كبرى لدى الرعيان، لما تؤديه من أغراض مختلفة أثناء وجود المواشي في البراري نهاراً أو أثناء هجوعها ليلاً. كما تعرض الدراسة الخلافات المرتبطة بالرعيان وأسبابها وحلها، ووظيفة قاضي الرعيان. وحول الفنون الشعبية المرتبطة بالرعي تعرض الدراسة لموسيقى الرعيان وأغانيهم: الشبيبة- المجوز- اليرغول، والأغاني التي ترافق الآلات النفخية. ثم تنتقل للعادات والمعتقدات الرعوية كوضع الفيجل في اللبن والسمن، وتعاويذ الجُف، وساجور التين، وغسل يدي الراعي، وقطش أذن الذكر الأول، والقرينية، والطقطيقية، والمنوحة، والتمريح في الحرمل، وعدم تكنيس المراح صباحًا، ولجم الحيوانات المفترسة، والكاسر العاير. أما أعمال الراعي فتتحدد في تفقد الماشية، والسجة، والورد والتوريد (أغاني التوريد)، والمساعدة في أعمال الحلب، ومعالجة الدواب، والاهتمام بالهداد والحنا، والاهتمام بالمعاشير، والعناية بالمواليد، وتولي أمر الفطام، وقص النعاج والمعزى. أما الرعية وما يتعلق بها فهي: رعي الغنم، والمرياع، وحمار الراعي. وتتحدد تسميات الأغنام حسب: الجنس والعمر - لون الجسم - لون الوجه - القرون - لون الأرجل - شكل الأذن- شكل الصوف - شكل الإلية - شكل الضرع - فتحة الحلمة. وهناك طرق وأصوات معينة يستخدمها الراعي للنداء على الأغنام. ومن أشهر الأمثال والأقوال حول الغنم: الغنم غنيمة - مثل نعجة أم عيسى - فلان منعج (أي قليل الشجاعة، جبان، ويقال للجمع: هذي جماعة منعجة، أي أنها تتعرض للذل والإهانة ولا تغضب). وفي إطار رعي المعز، تتحدد تسمياتها أيضًا حسب: الأعمار- اللون - الشكل - شكل الضرع - فتحة الحلمة - حجم الشاة - صوتها - الامتلاء - شربها.
وترصد الدراسة تعابير تزاوج الحيوانات: الحنا - الهداد - الصراف - الشياع - الشنبطة - الإجعال. والولادة والمواليد: علامات ولادة العنز - علامات ولادة النعجة - علامات ولادة البقرة والجاموسة - التعسير- الشاة النافرة - التوائم. ومبيت السخال والخراف والعجول: الدن (دن القصيب - دن الحجارة - قسم من بيت الشعر - فراش الدن. والفطام، فطام الطليان والسخال: الوسم- وسم الجرح - وسم النار. وفي إطار الحديث عن رعي البقر، تفرد الدراسة لشرح: البقر البطال- البقر العمال- أجرة راعي البقر - طعام راعي البقر. وكذا تسميات الأبقار حسب اللون، وحسب القرون، والنداءات والأمثال المرتبطة بها. لنصل بعد ذلك إلى رعي الإبل، ومواسم الحلب والقصاص: الحلب - أوعيته - أدواته - تقاليده - أغانيه. الخض: أوعيته (أوعية الخض الجلدية وملحقاتها- أوعية الخض الفخارية والمعدنية) - تقاليده - أغانيه. شارحًا أوعية الماء الجلدية: القرب صناعتها وأنواعها - إصلاح الأوعية الجلدية- أدوات الخض (الركابة)، ثم أغاني الخضاض، ثم تصنيع الألبان حسب الطرق التقليدية: أوعية حفظ الزبدة والسمن- تذويب الزبدة وعمل السمن - تصنيع اللبن. ثم القصاص: أعماله وأغانيه - صرف المقصات - تحضير أدوية الجراح - القصاص كعمل جماعي - أغاني القصاص- طعام القصاص.
وتشمل عملية الرعي الاستعانة بحيوانات مساعدة كرعي الحمير، وتشير الدراسة إلى راعي الحمير وأدواته، وأجرة راعي الحمير، وتسميات الحمير حسب: أعمارها - اللون - السلالة - المشية والحركة. نداءات الحمير- أمثال حول الحمير. ثم دور الكلاب في الرعي وتسمياتها والأمثال المرتبطة بها وبعض الحكايات والطرائف حولها. أما تربية الدجاج، فقد عرض مفلح البكر لإعداد الدجاج، وتسمياتها، والأمثال والأقوال حولها، لينتهي بالحديث حول أمراض الحيوانات وعلاجها: الأعشاب الضارة، وأمراض الغنم والمعز، وأمراض الأبقار، وأمراض الحمير، والأمراض والحشرات التي تصيب الكلاب. ثم معالجة كسور الغنم والماعز: كسور الأيدي والأرجل- معالجة القرون - بعض الأمراض العامة. ويختتم المؤلف هذا المجلد الضخم والمهم بمسرد للألفاظ التي لها علاقة بالبيئة الرعوية، مع ملحق للصور الميدانية.
2. الثقافة الشفهية بالإمارات:
صدرت الطبعة الثانية عام 2014 لكتاب الثقافة الشفهية: رؤية في أهم منابع الثقافة الشعبية في الإمارات العربية المتحدة لعبد العزيز المسلم، عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة. واحتوى الكتاب 93 صفحة اشتملت على خمسة دراسات مهمة في الثقافة الشعبية الإماراتية، بدأها المؤلف بالبحث في التراث والثقافة الشعبية: دعامة الهوية وإثبات الوجود، متعرضًا لإشكالية الاهتمام بالتراث والتعاطي معه، باختلاف المستويات الثقافية لفئات المجتمع، كما تتبع مفهوم الثقافة الشعبية وارتباطها بالتأدب والتهذيب، أما التعليم فتقابله المعرفة الشعبية. ثم ينتقل لمرادفات أخرى كالتراث والفولكلور والتراث الثقافي. ويصف الوضع الراهن بإشارته إلى أن المطلّع اليوم على ما تعانيه النتاجات الثقافية المحلية، في الخليج عموماً وفي الإمارات على وجه الخصوص، يلاحظ غربة وبُعْد عن المتلقي العادي، وأن هذه النتاجات غير شعبية، ولم تخرج من المنبت الطبيعي للثقافة المحلية (التراث الثقافي). وهي في الغالب إما متعالية مترفعة، أو متجاهلة مستخفة بهذا التراث، مما أوقعها في إشكالية كبيرة، فالصنف الأول المتعالي المتعجرف أعجب بثقافات أجنبية غريبة، جعلته كمن نسى مشيته ولم يتمكن من تقليد مشية الآخر، أما الصنف الثاني المتجاهل المستخف فهو الذي انكبّ على ما يسمى الأدب الرسمي أو الأدب الفصيح، ويلغي كل ما ليس فصيحا بدعوى القصور، متناسياً بذلك أن هذا التراث الثقافي الشعبي هو نتاج تراكمات ثقافية أدبية وفنية فصيحة تناقلت بين الناس شفاهة، وهو نتاج تجارب وممارسات ومعارف وعادات مختبرة وموثقة. أما الدراسة الثانية فجاءت بعنوان «الساحل: الاسم القديم للإمارات العربية المتحدة» حاول فيها الكشف عن ملابسات تسمية الإمارات القديمة، وما يكتنف تلك التسمية من غموض أو عدم وضوح، لأسباب عدة أهمها عدم الاكتراث. والساحل- كما يشير المؤلف- منطقة تاريخية قديمة تقع في شبه الجزيرة العربية في جنوب غرب قارة آسيا مطلة على الشاطئ الجنوبي للخليج العربي، لها حدود بحرية مشتركة من الشمال الغربي مع قطر، من الشمال والغرب مع المملكة العربية السعودية ومن الجنوب الشرقي مع سلطنة عُمان، لها ساحل آخر هو ساحل الشميلية يمتد من رأس الخيمة مروراً بدبا وخور فكان والفجيرة حتى كلبا وينتهي في منطقة خطمة ملاحة الفاصلة بين الإمارات وعُمان، ويتصل ساحل الشميلية جغرافيًا وطبيعيًا بسهل الباطنة في سلطنة عُمان. بانطلاق الكشوف الجغرافية الأوروبية منذ مطلع القرن الخامس عشر كان (الساحل) ضمن المناطق التي أغرت الأوروبيين لاستكشافها والسيطرة عليها، ومن ذلك الحين والساحل يدون في الوثائق و المراسلات والخرائط وفق الحالات السياسية والأحكامات العسكرية والأمزجة الشخصية الخاصة بأولئك الأوروبيين، فيسمى ساحل عُمان أو الساحل المتهادن أو المهادن أو الساحل المتصالح أو ساحل القراصنة. وبسبب الانقسامات الداخلية والفرقة، برزت أسماء إمارات مثل (أبوظبي، الشارقة، رأس الخيمة) المكونة للساحل والأحلاف القبلية القوية (القواسم وبني ياس) التي تقاسمت السيطرة البرية والبحرية وطغى اسمها على الاسم العام للمنطقة. لكن تأصيل هذا الاسم بات صعبًا لغيابه في غالبية الكتابات التي أعقبت الكشوف الجغرافية سواء الأجنبية أو العربية منها، لتأثرها بتداعيات تلك الكشوف، ولاعتماد الكتابات التاريخية العالمية على المنشور التاريخي الأوروبي، حتى دولة الإمارات وهي المعنية بهذه التسمية أكثر من غيرها لم تسع طوال مدة تاريخها الاتحادي إلى تثبيت هذا الاسم الذي نعتبره مشرفًا، ونبذ الأسماء ذات النعوت الاستعمارية المعادية، فتأصيل هذا الاسم كان يستلزم جهدًا خاصًا لاستخلاصه من بين آلاف الكتابات التاريخية، كما يتطلب الاستناد إلى التاريخ الشفوي وإلى الأدب الشعبي (الشعر الشعبي والأمثال الشعبية والحكايات الشعبية والسير) لكن اعتماد الدولة في العقدين الأولين من قيامها على مؤرخين وكتاب من غير الإماراتيين (الساحليين) غيّب الاسم لاعتماد أولئك على المصادر الأجنبية فقط. ويتساءل المؤلف: لماذا الساحل؟ إن من أهم أسباب تسمية الإمارات قديمًا باسم (الساحل) هو وقوع جل مساحتها على ساحل طويل يقدر طوله بحوالي 700كم، كما أن أهم المدن كانت مدن ساحلية تمتد بامتداد الساحل ولايتجاوز عرضها بضع مئات من الأمتار، ثم يحدها سور منيع ليحصرها على الساحل بما يؤكد غلبة هذا الاسم عليها. السبب الآخر هو عدم وجود كيان سياسي موحد، أو زعامة واحدة للمنطقة فغلب ذلك الأسم الوصفي ليعبر عن النطاق الحدودي والجغرافي. ومما يمكن اعتباره سببًا في التسمية أيضًا هو العمل الرئيسي لسكان المنطقة ومورد اقتصادهم الأوحد، وهو المهن والتجارة البحرية، فأهم ست ركائز لاقتصاد المنطقة هي ( الغوص على اللؤلؤ، صيد الأسماك، الحجارة المرجانية، المغر، صناعة المراكب، النقل النهري)، وكل من أراد نموا اقتصاديا قصد الساحل، وكل من جاء بخير جاء من الساحل، فتركزت التسمية. ثم يعرض المؤلف للساحل في اللغة والتراث اللغوي والثقافي المحلي، كما يعرض لها في المصادر والمراجع الأجنبية، ويعرض للخنجر الساحلي الذي كانت تشيع صناعته في الإمارات وعمان حتى الآن، والساحل في الشعر الشعبي، وفي الأمثال الشعبية الإماراتية ومنها المثل الشعبي الشهير «بلادي ما أبيع بها ديار حسا ولا ديار عامر» كناية عن الولاء للساحل وعدم تعويضها بالإحساء أو بعمان (بلاد عامر). ولا يزال العمانيون يسمون أهل الإمارات بأهل الساحل، وينعتون واحدهم باسم «ساحلي».
أما الدراسة الثالثة لعبد العزيز المسلم فجاءت بعنوان التاريخ في الذاكرة الشعبية: ودوره في حفظ الرموز والأحداث المحلية، يحاول فيها إلقاء الضوء على أنماط من التاريخ في الذاكرة الشعبية الإماراتية، ومحاولات حفظ أشكال مختلفة من الأحداث المحلية والرموز التي تعبر عن أصل الحقائق ومجهولها، مع بيان دور الرواة والإخباريين في ذلك. ويضيف المسلم إلى أنه قد ظهر عند أهل الإمارات ما يسمى الغطو، والغطو هو الستر والتغطية، فإذا ألّف الشاعر قصيدة فيها بوح لما يخالف رغبات السلطة يقال له «سو غطو» حتى لا يكتشف وهكذا لو قدر المؤرخون والباحثون عمومًا على تعلّم أسرار الغطو لاستطاعوا فهم الكثير من الأحداث التاريخية والمشاهد السابقة التي لم يستطع كتابها تفسيرها تفسيرًا منطقيًا لجهلهم بحلقات مفقودة هي خبيئة في الذاكرة الشعبية، أما الشيفرات أو الأبجديات السرية التي تستخدم في هذا الغطو فهي أنواع أبسطها «الجمّل» أو كما يحب تسميتها الناس «الأبجدي» وهو حساب «الجمّل» المعروف برموزه العددية، أما النوع الثاني فهو «الريحاني» وهو أصعب من «الجمّل» من حيث أن كل جماعة يمكنها الاتفاق على رموز خاصة بها مع ثبات القاعدة وهذا النوع يسمى في باقي دول الخليج «درسعي» ومثالنا على ذلك:
صافي هوانا صافي واللـــون كــاليـــــــاقوت
في ملتــــــــــقانـــا وافي مشمش وخوخ وتوت
أما دراسته الرابعة فكانت حول «القيظ» والمقصود هنا فصل الصيف والذي يمثل انقلابًا تامًا لنمط الحياة في الإمارات. والقيظ أو فصل الصيف أوله برج السرطان وهو شديد الحرارة يليه برج الأسد ثم السمبلة التي تبشر بنهاية القيظ، وللقيظ معان كثيرة منها بمعنى بشارة نضوج الثمر، فيقولون (قاظت نخلكم) أي بانت تباشير نضوجها، والقيظ عند العرب حمّارة الصيف، و(قاظ) بالمكان و(تقيظ) به في الصيف والموضع مقيظ. و(قاظ) يومنا اشتد حرّه (الصحاح).
وتعرض الدراسة لموضوعات متنوعة مرتبطة بالقيظ كأطباق الفواكه ومنها الرطب، والهمبا، واللومي حلو، واللوز، والفرصاد (التوت)، والنبج، والبطيخ، والتين، والرمان..إلخ. كما يرتبط بالقيظ عادة السفر عند الإماراتيين الذين اعتادوا على الحياة في بيتين مختلفين كل عام، الأول هو «المشتّى» أي بيت الشتاء، والثاني هو «المقيظ» أي بيت الصيف. وتختتم الدراسة بعرض للألعاب الشعبية للأطفال كلعبة الطائرات الورقية، ولعبة «التيلة»، ولعبة «عمبر»، ولعبة «سيوف»، أما الألعاب التي تزدهر في فصل الصيف فتكون في أماكن المقيظ، وجميعها ألعاب ذات علاقة بالزروع ومياه الري والسباحة في البحر أو في الأحواض، ومن بينها: ديك وديايه، الصقلة، القحيف، قرقعانه.
والدراسة الرابعة خصصها المؤلف لبحث المعتقدات الشعبية والبحر، ويرى أن المعتقدات الشعبية تعتبر من أصعب الموروثات الشعبية على الإطلاق، كونها غير معلنة، فمكانها الطبيعي صدور الناس، وكون الغالبية لا تصرح بها علانية لكنها تمارسها في سويعات المواجهة مع اللاوعي أو العالم فوق الطبيعي. ويأتي البحر في مقدمة الأشياء الملهمة للمعتقد الشعبي وهو في ذلك يتكون من ثالوث اعتقادي رئيسي تتشكل منه الملكات الإبداعية للقصص والشخصيات الخرافية وهذا الثالوث هو:
الماء+ الملح+ التيه = البحر.
وتفرد الدراسة لبعض الأمثال الشعبية والمأثورات القولية في هذا الإطار، مشيرة للمعتقدات المرتبطة بالإصابة (مستصيب أي به مس)، وأهم الكائنات الخرافية المرتبطة بالبحر ومنها «بابا درياه» أو «بو درياه»: كائن خرافي ضمن مجموعة كبيرة من الكائنات الخرافية التي كانت منتشرة في الإمارات العربية المتحدة... وقد كانت ضمن الخرافات المنتشرة عند سكان المدن الساحلية وتحديدًا عند أهل البحر. أي فئة الناس التي تشتغل بالبحر مثل الغوص والسفر وصيد الأسماك وقطع وبيع الحجارة المرجانية. و (بابا درياه) كلمة فارسية من شقين بابا وتعني أب أو سيد، ودرياه وتعني البحر إذًا فالمعنى (أبو البحر، أو سيد البحر).
والدراسة الخامسة في كتاب الثقافة الشفهية كانت حول «المطر: صفاته ومعانيه وطقوسه»، وقد تعرض فيها المؤلف لمفهوم الماء وما يحمله من رموز تنحصر في ثلاث موضوعات: مصدر الحياة (ماء الحياة) - وسيلة طهارة (ماء الغسل والوضوء)- مركز تجدد وانبعاث. ثم استعرض موضوع صلاة الاستسقاء وهطول الأمطار وما يرتبط بها من معتقدات ومعارف شعبية. ثم موضوع «الاستطباب» من حيث قدرة مياه الأمطار على الشفاء لكثير من العلل بعد قراءة القرآن على كمية قليلة منها. كما ارتبط المطر ببعض الطقوس خاصة إذا نزل عند ولادة طفل استبشروا به وظنوا به الخير والصلاح. ويعرض المؤلف لمجاري مياه الأمطار، ثم ما يعرف بأهازيج المطر في الإمارات وأشهرها أهزوجة «طاح المطر» التي مطلعها:
طاح المطر بيد الله كسر حوى عبد الله
طاح المطر برعوده كسر حوى سعوده
طاح المطر من فوق كسر حوى بن طوق
والدراسة الأخيرة في هذا الكتاب كانت حول المهن والحرف التقليدية في الإمارات، والتي قسمها المؤلف إلى عدة أقسام هي: الوظائف العليا أو القيادية مثل: الشيخ/الحاكم وهي أعلى منصب يمكن أن يشغله شخص، ثم نائب الحاكم - المشرع - القاضي - الكيتوب/الوزير - الوالي. ثم استعرض نمطًا آخر من المهن وهي «مهن البحر» وفي مقدمتها: الغوص - النوخذا - الطواش - المجدمي - الغيص - السيب - السكوني - الطباخ - الفيلج - الرضيف - التباب - النهام. ومن المهن الأخرى المرتبطة بالبحر: السالفة - الجلاف - السماك - مدوبي - العبار - المحصية (من امتهنوا تقطيع الأحجار المرجانية من قاع البحر). أما مهن المدينة فمنها النساي أو النساج - البناي - الصايغ - الكراني - المحلوي - العطار - الصفار - المقهوي - المشرخ - المخشب. ومن مهن البدو تعرض الدراسة لمهن مثل: الجفير (قصاص الأثر) - المكري أو راعي الجمال - المطارزي - الطناف - المظمر - لمحطبة - المجلاد - الزفين - المخلب - الشباق - البرام - المحطب - الشاوي أو الراعي. كما ترصد الدراسة لعدة مهن وحرف مشتركة كالمعالج الشعبي والعطار. أما المهن النسائية فمنها: المطوعة والمحنية والبدويات اللائي اشتهرن بغزل الصوف. وتختتم الدراسة ببعض المهن المستحدثة والدخيلة كالخياط والبزاز والخباز. ويشير المؤلف في النهاية إلى أن هذه المهن في الفترة ما قبل الطفرة لم يبق منها إلا الذكريات الناقصة والمشوهة أحيانًا.
3. القهوة في السودان:
ومن السودان صدر كتاب «القهوة في السودان» لمؤلفه عبد الحميد محمد أحمد عن دار عز للنشر والتوزيع بالخرطوم؛ ضمن سلسلة تراث وأدب عام 2005. وقد بدأ المؤلف كتابه بتسجيل مفردات (الجَبَنَة - البُن - القهوة)، مشيرًا إلى أنها مترادفات لمدلول واحد، وثلاثتهن يبعثن في الروح والنفس والجسد البشري ما يتساوى فيه المفعول وتتلاقى نتائُجه. ثم يعرض للطقوس التقليدية المصاحبة لشرب القهوة ووجودها في التراث خاصة الشعري فيقول: .. هذا ما دعاني إلى الوقوف أمام موضوع «البن» وما قيل فيه إيجابًا وسلبًا، وقد وجدت شعرًا وافرًا فيه، اخترت منه ما وافق، وما تيسر، ولم أذهب كثيرًا في جمع مادته المبثوثة في الصدور والذاكرة، وبعضها مسطر ومجموع في دراسات وبحوث مشروحة وغير مشروحة، بجانب القصيدتين اللتين أثارتا فيّ همة البحث وموالاة الدراسة، لأنهما جاءتا من شاعرين قوميين سودانيين، بثا خلالهما العديد من القيل والقال والذكر المستطاب، وما جرى من عادة وتقليد. والقصيدة الأولى للشاعر القومي السوداني الزين أحمد عثمان (من مواليد 1933)، والمعروف بين أصدقائه ومعارفه (بالجريفاوي) حتى أصبح اسمًا لاصقًا لابد من ذكره كي تكتمل هيئة اسمه. والملاحظ على قصيدته أنها تمثل المسألة التراثية للقهوة من البداية مرورًا بذكر أهم ما فيها من وقفات وحتى النهاية. أما القصيدة الثانية فهي لشاعر قومي سوداني قديم هو الشيخ أحمد ود عبد الملك وهو من مداحي الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو يعطي الأنموذج الأكثر قدمًا للشعراء، بينما تناولت قصيدته موضوعًا يعد من صلب موضوعات القهوة.
وقد افرد المؤلف فصلاً كاملاً حول المعنى والاصطلاح المرتبطان بالقهوة في المعاجم اللغوية، ووجود المقاهي في الثقافة العربية، وعلاقة القهوة بالخمر في الثقافة السودانية، وعلاقة بين قهوة البن وقهوة الكرم التي تنبئ عن شيء من الفخار والاعتزاز بنفسها وتحاول أن تتسيد، ويأتي بأبيات حولهما:
جمعنا قهوتي بن وكرم
لنعلم من له ثبت الفخار
فقالت قهوة البن اشربوني
متى شئتم في نسي العقار
فأنشد ضاحكًا كأس الحميا
كلام الليل يمحوه النهار
ثم يفرد المؤلف في صورة أدبية لجلسة القهوة وما يشملها من منقد وبمبر وعنقريب والمرأة العجوز التي تحمل «الهبابة» وهي أداة مستديرة الشكل صنعت بأيد محلية من سعف الدوم لجودته وتحمله عنف تحريك اشتعال نار الجمر على المنقد. وتضم جلسة القهوة أفرادًا من أسرة واحدة وقد يكون بعض ضيوف أو جيران اعتادوا شرب القهوة كل يوم في اجتماع نادر، فيه دفء الحضور، وهدوء الموقف، ولطف الطقوس المصاحبة وهم جميعًا ينظرون وينتظرون. والكتاب يتأرجح بين المادة التراثية الشعبية من عادات وتقاليد وغيرها، وبين المادة التاريخية للبن في عدة مناطق أخرى كمصر واليمن وغيرهما. وتعرض الدراسة لمكانة البن في السودان مقارنة بمشروب الشاي، فالبن ذائع الصيت واسع الانتشار يعرفه الكافة، وليس كل من يعرفه يتعاطاه، ولكل قبيلة أو عشيرة في السودان ميل إلى نحو أحد المشروبين: الشاي (وهو الأكثر شيوعًا)، والبن. ولكن هناك من الجهات أو القبائل من يمتاز دون سواه باستحواذه على أحدهما، فمثلما وجد الشاي تقديرًا لدى الشايقية والبقارة، فإن الجَبَنَة وجدت خصوصية في المعاملة والتعاطي لدى قبائل البجا مع المساواة في المعاملة والتعاطي لدى بقية قبائل وسط السودان.
ويرصد عبد الحميد بعض العناصر الأساسية المرتبطة بالتراث الشعبي السوداني ذات العلاقة بطقوس شرب القهوة، إذ تضمنت صناعة القهوة والالتفاف حولها بعض الموروثات، في مقدمتها أن المرأة السودانية كانت ولا تزال عنصرًا مهمًا في تجهيز القهوة. والقهوة على هذا النحو لا تُصنع على عجل، ويشربها الشخص منفردًا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، فقد اعتاد السودانيون على شربها مجتمعين، وهذا يعني ضرورة أن يكون هناك متسع من الوقت واسترخاء فيه، وهذه الدعة تجلب الأحاديث الطيبة وحلو السمر، وقد تؤجل من أجلها أمور عجلى. أما توقيت شرب القهوة في السودان ففي الصباح الباكر وعند الأصيل. وقلما تُشرب القهوة في الصباح قبل أن يتناول متعاطيها كوبًا من الشاي، فالقهوة تأتي ثانية وتالية للشاي، وكأنها متممة لعملية الكيف المبدوءة بالشاي، لكن الأسرة تعرف أن موعدها هو الصباح ما بين البيت و موقع العمل. ومن الأوقات التي تآلف عليها الناس في نواحي من المجتمع السوداني أن تُصنع القهوة وتُشرب عصرًا، وفي بعض أرياف السودان وربوعه، يُتخذ من هذا التوقيت مناسبة وفرصة لتبادل الزيارات العائلية، وعيادة المرضى منهم، والبحث عن الأخبار، واستنشاق عطر الحياة البسيطة الممزوجة بالسودانية المحضة. ومن عناصر التغير في مواقيت شرب القهوة وجودها طوال اليوم في دواوين الحكومة، وفي قارعة الطريق (كافيتريات) وفنادق. وتشرب جماعية كما أشرنا، وقد تُشرب أكثر من مرة خالية من الطقوس الموروثة التي سبقت إليها الإشارة أهمها أنها تُشرب على عجل، وبآنية فيها تجاوز على المتفق عليه، وأهم نواحي ذلك التجاوز أنها تُقدم أحيانًا في أكواب بدلاً عن الفناجين.
وفي شهر رمضان تتصدر القهوة المائدة بعد شرب الماء، وعند بداية الطعام، وقد تشهد ساعات الليل في هذا الشهر المبارك شرابًا مستمرًا للقهوة، ويعدها نفر من الصائمين جزءًا من سحوره لا يتجزأ، لتعينه على ملل النهار وضغوط العمل فيه، ولو إلى حين لأنها ذات أثر ممتد وقوة فعالة. وقد أشار المؤلف إلى أهمية استنشاق راءحة القهوة عند إعدادها، وهي ممارسة تعد كمدخل حقيقي لتناولها، وقد لا يشربها من فاته استنشاق رائحتها المتممة لطقوس شربها.
4. التراث الثقافي العُماني غير المادي:
في إطار حصر وتوثيق التراث غير المادي بسلطنة عمان عكفت إدارة التراث والثقافة بسلطنة عمان على إصدار عدة مطبوعات للتعريف بعناصر هذا التراث حملت عنوان رئيسي «من مفردات التراث الثقافي غير المادي»، وأتبعه عنوان فرعي لكل موضوع، ففي عام 2011 نشرت مطبوعًا حول «الفنون الموسيقية التقليدية العُمانية» احتوى تعريفًا لسبعة وسبعين عنصرًا موسيقيًا في إطار مشروع إعداد القائمة الوطنية للتراث غير المادي المتعلق بالفنون الموسيقية التقليدية العُمانية. وكان المنهج المتبع في هذا الكتاب هو التعريف بكل عنصر موسيقي من خلال بطاقة تعريف شملت خمسة مداخل هي: اسم العنصر- أسماء أخرى للعنصر - نبذة عن العنصر - الموقع الجغرافي - مجالات العنصر ممارسته وتداخله مع العناصر الأخرى. وأشار الكتاب في مقدمته إلى أن التراث غير المادي في السلطنة، وتحديدًا في مجال الفنون الشعبية المغناة وأدوات أدائها، يأتي محور هذا الكتاب الذي يُعد بمثابة قائمة حرة مبدئية، وفهرسًا علميًا لذلك الكنز الثقافي الذي أنتجه فكر الإنسان العُماني في مجال الموسيقى والفولكلور، وتم حصره وفق أسس علمية تتماشى ومعطيات اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003، والتي انضمت إليها السلطنة عام 2005، والتي أوصت في بنودها بأهمية إعداد قوائم جرد وطنية للمفردات الثقافية. ومن هذا المنطلق وحرصًا من السلطنة ممثلة في وزارة التراث والثقافة في الحفاظ على ذلك الإرث، وتنفيذًا لبنود الاتفاقية، فقد تم تشكيل اللجنة الوطنية لإعداد القائمة الوطنية للتراث الثقافي غير المادي للسلطنة، والتي تكونت من عدة جهات وأشرفت عليها وزارة التراث والثقافة لوضع أبجديات القائمة الوطنية للتراث الثقافي غير المادي. وتحتوي القائمة الوطنية على أكثر من مجال، والفنون الشعبية أحد المجالات التي أوصت بها اللجنة لوضع قائمة جرد منفردة لها. وقد تولى مركز عُمان للموسيقى التقليدية إعداد المادة العلمية لكل فن من الفنون العُمانية تتضمن اسم الفن ومناطق ممارسته ومجالاته.
والعناصر السبع والسبعون بالكتاب مرتبة هجائيًا بدأت بأول عنصر وهو: أحمد الكبير (الحضرة)، وانتهت بعنصر «الويلية». وبينهما عناصر متعددة مثل: دان دان - سحبة - الطبل العربي - العيالة - مرداد..إلخ. ويتم عرض العنصر على النحو المبين في النموذج التالي:
العنصر: حمبورة
أسماء أخرى للعنصر: بساير
نبذة عن العنصر: من الأنماط الموسيقية النسائية، ويقتصر دور الرجال فيه على ضرب الطبول، وقرض الشلات الغنائية، والمشاركة بالتصفيق والتنقيط أي طرح النقوط
الموقع الجغرافي: محافظة الشرقية في ولايات: صور، الكامل والوافي، جعلان بني بو حسن، جعلان بني بو علي، وادي بني خالد، بدية، القابل.
مجالات العنصر ممارسته وتداخله مع العناصر الأخرى: آلات إيقاعية من نوع الرحماني والكاسر.
ويقـــدم لكـــل عنــصر صـــورة فـــوتوغرافية تعــبر عـــنه، وفي نهـــايـــة الكـــتاب قــائـــمة موثـــقة بــــالمـــراجع الـــتي تــــم الاستعـــانة بـــها.
وقد أعقب هذا الكتاب صدور كتيبات أخرى تعرف بنوع واحد من مفردات التراث الثقافي العماني غير المادي، ففي عام 2012، صدر كتيب باسم «العازي: فن الفخر والشعر»، أعده جمعة بن خميس الشيدي، وحرص القائمون بوزارة التراث والثقافة على ترجمته إلى الإنجليزية في نفس الطبعة، وقام بالترجمة موسى الرجيبي، وشيماء بنت سعيد الحبسية، وعلياء بنت علي العلي. والعازي نمط موسيقي من أنماط الفخر والمدح والعزوة بالوطن والمجتمع، والعزوة كذلك بالأهل وذوي القربى، وهو كذلك فن الشعر، حيث أن الشعر أساسه وعموده، وهو فن ينتشر في معظم ولايات عُمان. ويعرض الكتيب لطريقة أداء فن العازي وبعض النصوص المصاحبة.
وفي إطار سلسلة «من مفردات التراث الثقافي العُماني غير المادي» أيضًا أصدرت وزارة التراث والثقافة العمانية عام 2013 كتيبًا آخر حول «عصا الجرز»، والجرز عبارة عن رأس فأس صغير الحجم مثبتة بعصا طويلة، يعتز الرجل في محافظة مسندم ويفخر وهو يحملها، وتتفاوت قيمتها حسب جودتها. والجرز لا تفارق الرجال في جميع المناسبات. ويعرض الكتيب لمكونات الجرز، وطريقة صناعته ومراحلها وأماكن إنتاجه. وفي عام 2015 أصدرت الوزارة كتابين ضمن السلسلة نفسها الأول بعنوان «الرواح»، وهو من فنون سكان الجبال في محافظة مسندم، وتؤديه كافة القبائل الجبلية، ويعتبر من الفنون الموغلة في القدم لبساطة أدائه وعدم تكلفه، وفصاحة كلماته ومسمياته. ويُطلق على فن «الرواح» العديد من التسميات من بينها «النحل»، و»الهوى»، وتعود تسمية فن الرواح بهذا الاسم لاعتباره فنًا من فنون الترويح عن النفس والتسلية والمرح. ويتكون من أربعة أجزاء وفقًا للوقت الذي يتم فيه تأديته: السيرحي- الصودري- الرّواح- السيريي. ويعرض الكتيب للمناسبات التي يقام فيها فن الرواح، وصناعة طبل الرواح ومسمياته.
وفي عام 2015 أيضًا أصدرت وزارة التراث والثقافة بالسلطنة كتابا آخر في السلسلة نفسها، بعنوان «أناشيد الطفولة» إعداد يونس بن جميل النعماني. اشتمل على مبحثين الأول احتوى الجانب النظري، حيث عرض فيه المؤلف لمفهوم الثقافة الشعبية والتراث الثقافي غير المادي، وقد أشار في المقدمة إلى أن أناشيد الطفولة خاصة قد أسهمت بدور كبير في الثقافة الشعبية العُمانية، فهذه الأناشيد يتم ترديدها مع تقلب الزمان، كما تم الاحتفاظ بألحانها الأصلية، بل إن بعضها تطور في الشكل والمضمون، فالذاكرة العُمانية تحتفظ بالكثير من مفردات التاريخ الثقافي غير المادي، وهذا يحتم علينا أن نحافظ على هذا الإرث الكثير والمتنوع في الوقت نفسه، وحمايته من الاندثار والقرصنة وإعادة إحيائه من جديد.
وفي المبحــــــث الثـــانــي الـــذي اشتــــــمل علــــى الجـــــانب التطبيقي، يُصنـــف المــؤلــف أنــاشـــيد الطــفولــة إلــى ســتة أنـــواع، الأول أنـــاشــــيد حــــروف الهـــــجاء (الــــهــجـــو) وفيها يتعلم الطالب حروف الهجاء مع معلم القرآن الكريم ويرددها بالتلحين حتى يحفظها عن ظهر قلب، وهذه الأناشيد تسهل عملية الحفظ عند الأطفال المتعلمين، كما يحفظوا أسماء أيام الأسبوع والشهور..إلخ. وتعتبر أناشيد الهجو هـي اللبنة الأولى لتعلم القراءة والكتابة بعــــد ذلك، لـــــذا تُعـــد مــــن الأهـمـية بمكــان، فيـتـنـافـس الأطفال على ترديدها. أما النوع الثاني فهو «أناشيد مدارس تحفيظ القرآن»، حيث ارتبطت بمدارس القرآن الكريم مجموعة من الأناشيد التي يرددها الأطفال عند الخروج من اليوم الدراسي في مدارس تحفيظ القرآن، حيث يقوم الطلاب بترديد أدعية وأناشيد، فرحين بنهاية الدرس، وهذه الأناشيد تصف حالة الود المتبادل بين معلم القرآن الكريم والطلبة ذكورًا وإناثًا، وما يكنه هؤلاء الطلاب من احترام وتقدير للمعلم، فيخرجون وهم ينشدون دعاء للمعلم وشكره على ما يقوم به من تعليمهم وتأديبهم وتفقيههم في أمور الدين. والنوع الثالث من أناشيد الطفولة تحمل اسم «التيمينة»، والكلمة مشتقة من كلمة آمين، وأحيانًا يتم تفخيم الألف الممدودة فتصبح «أومين»، وتسمى أيضًا التأمينة أو التحميدة أو التومينة أو الختم أو الختمة أو الوهبة؛ وهي عبارة عن أناشيد يقولها معلم القرآن مع طلابه الذين يرددون خلفه كلمة «آمين»، وتُقال هذه الأناشيد للذي أتم حفظ القرآن، وقد يكون للذي انتهى من تلاوة القرآن الكريم من دون حفظه. وقد يكون لمن حفظ جزء عمّ، أو تبارك، أو الكهف، أو التوبة، وأخيرًا البقرة، وبذلك يكون الطالب قد أنهى القرآن الكريم ويستحق التكريم.
والنوع الرابع من أناشيد الأطفال هو «أناشيد التهلولة»، وهي مدلول تراثي شعبي متعارف عليه في عُمان، حيث يقوم الأولاد بالتجمع بعد صلاة المغرب في الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، وتعتبر التهلولة من أجمل الأناشيد التي يرددها الأطفال في أيام الحج الأولى، والتي تبعث في نفوس السامعين الراحة والروحانية والطمأنينة، ويقوم الأولاد يتقدمهم أحدهم الذي يتميز بالنباهة والصوت الجهوري، ويقرأ عليهم التهلولة، ويمشي الأولاد عبر الحارات وبين البيوت، وتكون هذه الأبيات عبارة عن رحلة إيمانية حيث تتناول البقاع المقدسة، والجنان، والكثير من الرحلات الإيمانية التي يحتاج الإنسان لها إلى وقفة، والأخذ بمعنوياتها الرائعة بالتهليل والتكبير، وفي العادة يقوم أحد المحسنين بشراء الحلويات أو العصائر للصغار المشاركين في هذه التهلولة. أما النوع الخامس الذي يعرضه النعماني ضمن أناشيد الطفولة فجاء بعنوان «أناشيد المهد»، وهي أناشيد تُقال للطفل في المهد حيث يتم تحريك سرير الطفل (المنز) الذي يُصنع سابقًا من جريد النخل (الزور)، ثم صار بعد ذلك من الخشب. وتقوم الأم أو من يقوم بتنويم الطفل بترديد هذه الأناشيد حتى يكف الطفل عن البكاء وينام. والنوع الأخير من أناشيد الطفولة هو أناشيد الأرجوحة (المريحانة). والأرجوحة مفرد جمعها «أراجيح»، وهي ما تأرجح براكبها، عبارة عن حبل مشدود من طرفيه، يُعلق في العادة في شجرة أو جذوع النخيل، ويقعد فيه البنات والأولاد واحد تلو الآخر، ويميلون به، فيأتي ويذهب معلقًا في الهواء، وتمثل هذه اللعبة إحدى العادات العُمانية الجميلة التي تُقام خاصة في السادس من ذي الحجة حتى يأتي عيد الأضحى، وتستمر طيلة أيام العيد، ولكنه بعد ذلك صارت تُستخدم في كل الأعياد والمناسبات، ومن هذه الأناشيد نورد هذا المقطع:
يا ناه يا ناه يني نا يو الليلي يا ناه يا ناه
كلــــــمة ينــــــي نـــايـــو الليـــــلي مـــــا تضيـــــعني
سمـــــــــيت بــــــــــــالله واســـــــم الله بســمـــــــيبـــه
اســــم الله غـالي علـى طـول ليلي اهاذيبه
يـــــــــــــا نــــــــــــــاه يـــــــــــــا نــــــــــــــاه
5.حكايات الحوريات الرَّاعيات:
ومن أحدث ما نُشر في مجال الأدب الشعبي كتاب «حكايات الحوريات الرَّاعيات: تاريخ جديد»، للمؤلفة روث بوتجهايمر، ترجمة وتقديم عبد الحميد حواس، وقد صدر عن المركز القومي للترجمة عام 2015 في266 صفحة. وكان قد صدر في نسخته الأصلية عن جامعة نيويورك عام 2009، ويشير المترجم في مقدمته إلى أن الجان في المعتقد الشعبي أشكال وأجناس عديدة متباينة، الجامع بينها أنها كائنات غير منظورة ذات قدرات خارقة لاستطاعات البشر، وهي قادرة على التجسد والتقمص في أي هيئة تشاء، وخاصة إذا كانت بصدد التعامل مع عالم البشر، ولكنها تتباين بعد ذلك في تصورات الجماعات والشعوب في أنحاء الأرض، بل إنها تتباين أيضًا داخل الوطن الواحد مثلما هو الحال في الأقاليم والجهات المصرية المتنوعة. ومن أبرز التباينات بين أجناس الجان الاختلاف في طبائعها. فمنها ما هو مستألف يتعايش مع عالم البشر ويكون طيبًا مع أفرادهم عمومًا، بل قد يمد لهم يد المساعدة عندما تتأزم أحوالهم. ومن أجناس الجان ما هو بري نافر يؤذي البشر بمجرد لقياهم، وخاصة إذا ولجوا عالمه ولو بالخطأ، وحتى لو كانوا لا يعلمون. كما أن هناك من أجناس الجان ما يجمع بين الطبيعتين، تغلب أي واحدة منهما حسب الموقف. وقد أشار إلى أن الحكايات التي تُدرج تحت مسمى «حكايات الحوريات»- كما جاء بالكتاب - قد اكتسبت خصائص قصصية مميزة؛ بحيث أفردت نوعًا أدبيًا برأسه. بل إن المؤلفة توضح أن من الحكايات ما تندرج تحت هذا النوع وإن كان لايوجد بها حوريات، ذلك أن المعيار الأساس عندها في تحديد هذا النوع هو مسار الحبكة القصصية والدور الفاعل للسحر الدنيوي في الانقلاب الدرامي، فإذا توفر ذلك دون وجود حورية فاعلاً قصصيًا يوصل إلى النهاية السعيدة، فإنها تكون حكاية من حكايات الحوريات، على النحو الذي نجده في حكاية «بريونتو» المتضمنة بالكتاب.
أما المؤلفة فقد أشارت في مقدمتها إلى أن الكتاب يتناول أكثر الأنواع جماهيرية من الحكايات ذات النهايات السعيدة، تلك التي يُقدم فيها السحر الإشباع الأرضي من الثروة والفرح بالزواج وإنجاب ذرية جديدة. إذ بدأت - في النهضة الإيطالية - تظهر قصص تشارك فيها فتيان وفتيات فقراء الضرب من النهايات السعيدة. وفي آخر الأمر ظهرت قصص عن أناس يصعدون من الفقر إلى الثروة المفاجئة رغم كل المعيقات، أو عن ذوي الأصول المتواضعة ثم يتزوجون ما يعادل في الزمن الحديث أميرة أو - في أغلب الحالات - أميرًا. وقد أُطلق على هذه القصص «حكايات الحوريات» سواء تضمنت حوريات أو لم تتضمن. وفي الفصل الأول تتساءل المؤلفة: لماذا تاريخ جديد لحكايات الحوريات، مشيرة إلى أن التفكير في حكايات الحوريات يبدأ بالتفكير في الفروق بين الحكايات الشعبية وحكايات الحوريات. إذْ تُدعى حكايات الحوريات عادة «حكايات شعبية» بناء على الاعتقاد بأن القصاصين في الجماعة الشعبية أبدعوا كلا النوعين من القصص. غير أن تناول حكايات الحوريات والحكايات الشعبية باعتبارهما الشيء نفسه يُخفي الفروق الأساسية المائزة بينهما. وتشرع بوتجهايمر في التحليل الأدبي لأنواع الحكايات التي تبدأها بالحكايات الشعبية Folk Tales، والفرق بينها وحكايات الحوريات، وما يعرف بحكايات السحر، ثم حكايات الحوريات الشفهية، والأدبية، والاستردادية.. والأخيرة تتأسس برسوخ في عالم الكائنات البشرية. أما حكايات الحوريات الصعودية Rise fairy Tales فتبدأ ببنت أو ولد شديدي البؤس يُعانيان من آثار فقر طاحن، وتستمر قصتهما بالاختبارات والمهام والمحاولات، إلى أن يبدأ السحر في العمل لتحقيق الزواج من شخصية ملكية ووصول سعيد إلى ثروة عظيمة. أما التاريخ الأدبي للحكايات فقد تناولته من خلال بحث الحكايات عن الحوريات وبلاد الحوريات، والتاريخ الاجتماعي، وتاريخ النشر الطباعي.
ثم انتقلت المؤلفة لبحث عدة قضايا حول الحكايات في الفصل التالي الذي حمل عنوانًا مفصلاً: «اعتباران لحكايات الأخوين جريم.. الجماعة الشعبية مبدعةً، الكتاب مصدراً» مستعرضة التاريخ القديم لحكايات جريم ولحكايات الحوريات عمومًا، والأخوان جريم وعالمهما، مستخلصة تاريخًا جديدًا لحكايات جريم. وقد أوضحت الدراسة اعتبارين مختلفين جوهريين لحكايات جريم، يقترح أولهما وجود أناس أميين أو لا يعرفون الكتابة، قوم لم ينالوا تعليمًا مدرسيًا، يتذكرون الموتيفات والحلقات القصصية من اليونان وروما القديمتين ويدمجونهما معًا، بالموازاة مع عناصر من الميثولوجيا الجرمانية العتيقة، لتطور في شكل حكايات الحوريات وحكايات حول الحوريات. ومن المفترض أن الجماعة الشعبية اعتقدت بمجهولية تأليف هذه الحكايات وتناقلها من خلال تقاليد شفهية عبر زمن ألفي حتى وصلت إلى العالم الحديث، أما الاعتبار الثاني فيضع حكايات جريم في سياق تاريخي تنسج فيه الطباعة عددًا كبيرًا من الإخباريين ممن يقرأون ويكتبون، بل أكثر من ذلك.
أما الفصل الثالث فقد خصصته المؤلفة لبحث راقات أواخر القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر (بيرو وليريتيه وأخلافهما)، حيث عرضت للحكايات الثماني التي نشرها بيرو قبل جريم بمائة وعشر عامًا، ونسبها إلى الإخباريين الشعبيين من الجماعة الشعبية، وتعد من أشهر الحكايات وأكثرها تفصيلاً في أوروبا الغربية وهي: «ذات قلنسوة الركوب الحمراء» - «ذو اللحية الزرقاء»- «القط ذو الحذاء العالي» - «الماسات والضفادع» - «سندريلا» - «ريكي والباقة» - «عقلة الإبهام الصغير»، ويصف الدارسون الفرنسيون بشكل نمطي هذه الحكايات بأنها فولكلورية Folklorique. وتشير المؤلفة إلى أن بيرو قد حصل على معظم حكاياته من الكتب الإيطالية مثله مثل ابنة اخته مدموازيل ليريتيه (1664-1734). وقد استمرت حكايات الحوريات التي ألفها بالفرنسية بيرو وليريتيه، ومدموازيل لافورس، ومــــدام دالنـــــوي، ومــــــــدام دي مـــــــورا، في الاستــــعارة مـــــــن جيامباتستا بازيلي (ق17 من نابولي الذي كتب حكاية الحكايات في خمسة أجزاء)، أو من جيوفان فرانشسكو سترابارولا (ق16 من فينسيا وهو مؤلف الليالي اللطيفة في كتابين). وقد خصصت المؤلفة الفصل التالي المعنون «المبتكران لتقاليد حكاية الحوريات» للحديث حولهما بـــاعتبارهما الأوربيــان المؤسســان اللــذان شـكلا ملامـــح حكايات الحوريات، حيث خلق سترابارولا القالب Form، وأضفى بازيلي الكثير للمحتوى الذي تبناه المؤلفون المتأخرون، وهما معًا، الواحد تلو الآخر، خلقا الأسس لتقاليد حكايات الحوريات في أوروبا. أما الفصل الأخير من كتاب حكايات الحوريات فتعلن فيه المؤلفة عن تاريخ جديد لهذه الحكايات، كاشفة عن نواتج تاريخ للحكايات أساسه الكُتب، فضلاً عن رصدها لنظريات أصول حكاية الحوريات. وعلى هذا النحو يغير هذا الكتاب إلى الأبد - كما يشير عبد الحميد حواس- الطريقة التي ينظر بها الدارسون والقراء إلى نوع بقي حيويًا حتى اليوم، هو نوع حكايات الحوريات. كما تدفع روث بوتجهايمر الدارسين والقراء إلى نظرة أكثر قربًا لتاريخ الطباعة، وكيف تدفقت المطبوعات عبر الحدود القومية والثقافية، وكيف امتزجت التقاليد واختلطت. وللكتاب أهمية بين الدوائر الفكرية والثقافية، سواء بموقفه النقدي الجذري أو بمنهجيته الاستقرائية الأركيولوجية أو بنواتجه المعرفية، التي تضيف إلى منجز الدراسات الثقافية المعاصرة، وبخاصة بربطه الجدلي بين نشوء الحاجة إلى نوع أدبي جديد، والتحولات الحضارية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية منذ نهضة مدن شمال إيطاليا إلى قيام المجتمع الأوربي الحديث.