مغنّي الرَّبابة في الجزيرة الفراتية
العدد 33 - موسيقى وأداء حركي
تقع منطقة الجزيرة الفراتية بين نهري دجلة والفرات، وتمتد أراضيها في ثلاث دول هي العراق وسورية وتركية، ويتألف معظم سكانها من أبناء القبائل العربية المهاجرة من اليمن والجزيرة العربية الذين توافدوا على الجزيرة منذ القرن الثاني قبل الميلاد وازدادت الهجرات بعد الفتح الإسلامي هرباً من الجفاف والقحط نحو منطقة غزيرة المياه عامرة بالزروع والثمار.
وتعتبر منطقة الجزيرة الفراتية واحدة من أغنى المناطق في العالم بأنواع مختلفة من الغناء الشّعبي بألوانه المختلفة: العتابا والنايل، والسويحلي والموليّه واليايوم والأبوذيه وأبو الخديد والمامر وسواها، حيث كانت هذه الأغاني الشَّعبية تغنّى مترافقة مع العزف على آلة الربابة في معظم الأحيان.
إنَّ الأغاني الشَّعبية الفراتية هي مجموعة من أنواع الشّعر الشّعبي وجدَ نتيجة التفاعل الاجتماعي بين ابن الجزيرة الفراتية وبيئته المحلية المحيطة به، وهي إرث للإنسان الفراتي أصبحت فيما بعد جزءاّ من حضارته التي أوجدها نتيجة معاناته وكفاحه، وهي في تكوينها الأدبي تعتمد على الجماعة، وهي متوارثة من جيل إلى جيل، وهي جزء من الأغنية الشّعبية العربية.
1. آلة الرّبابة:
تعتبر آلة الربابة من أقدم الآلات الشَّعبية الوترية. ويعتبر الغناء على هذه الآلة فنّاً قديماً برع فيه العرب، ولاسيما أبناء القبائل، حيث عرفته كافة أرجاء الوطن العربي وبشكل خاص في البوادي والأرياف.
وكان حضور «مغنّي الربابة» حيويَّاً ومهّماً في الحياة الاجتماعية والفنيّة العربية في القرون الخوالي، ولذلك تعتبر مهنة «مغنّي الربابة» من أقدم المهن التراثية العربية.
كما شكّل مغنو الربابة ظاهرة فريدة بدأت تنحسر تدريجياً من حياتنا تحت وطأة تعقّد وتشعّب وتطور متطلبات الحياة المعاصرة.
وتشكّل آلة الربابة قاسماً مشتركاً بين كافة الأشعار الشَّعبية العربية، حيث يكون غناء هذه الأشعار - كما في القصيد والعتابا والنايل والسويحلي والموليّه - مترافقاً مع العزف على أنغامها.
والربابة هي جلد حمل أو غزال أو ذئب، مدبوغ ومبشور، يرطّب ثم يلفُ على مربع خشبي يميل إلى الاستطالة، ويمر بمنتصف قاعدته والسطح المقابل محور طويل، ينتهي بقبضة مدرَّجة مثقوبة، ويكون وتر الربابة عبارة عن مجموعة من شعر ذيل الحصان.
ويثبَّت على قسم الربابة العلوي ويرفع الوتر عن سطح الجلد بقطعة من الخشب أو العظم على شكل هرم صغير. أمّا قوس الربابة فيكون من عود الرّمان أو الخيزران على شكل قوس محنية يسدّ بين نهايتيه مجموعة أخرى من شعر ذيل الحصان. ويعزف على آلة الربابة بجر القوس على شعرها المشدود والمعالج بمادة صمغية جافة، ويترافق جر القوس مع تلاعب حركات أصابع اليد الأخرى على أعلى الوتر.
2. مغنِّي الربابة في الجزيرة الفراتية:
ارتبطت آلة الربابة بالأشعار الشَّعبية ارتباطاً وثيقاً كما ارتبطت بمغنيّها على الدوام الذين ساهموا مساهمة فعّالة في حفظ التراث الفنّي الشَّعبي العربي.وللعزف على الربابة أصول وقواعد كثيرة، وهو عزف سماعي، حيث لا يوجد للربابة نوتة موسيقية، ولذلك يجد المغنِّي صعوبة في العزف على وترها.
وتعتبر مهارة العزف والغناء والانسجام والتوافق بينهما هي محنة المغنِّي الحقيقية ولا يتخطاها إلاَّ من أوتي موهبة حقيقية في العزف والغناء معاً.
3. مغني الربابة الأول:
و بحسب ما جاء في «لسان العرب» يعتبر عبد اللهّ بن ممدود الربابي هو أول مغنٍ للربابة تذكره الموسوعات اللغوية في القرن الرابع الهجري( 1).
وإضافة لمهمته الفنية ووظيفته الثقافية كان مغنّي الربابة يلعب دوراً مهّما في مراسلات العشاق من أبناء القبائل المتباعدة، فضلاً عن كونه مشاركاً في المفاوضات بين القبائل عند اشتداد النزاعات.
وقد خلّد مغنّي الربابة عدداً كبيراً من أهل الجود والكرم والنخوة في أشعاره وأغانيه.
وعند ما نتحدث عن مغني الربابة الموهوب والمبدع، فإننا «نتحفظ» على فئة من المغنين يجوبون البوادي والأرياف، وخاصة في المناسبات الاجتماعية، مسخّرين رباباتهم للتكسب والارتزاق دون مراعاة للموهبة في العزف والغناء، ودون مراعاة قيم هذا الفنّ العريق الذي أهدروه رخيصاً من أجل تكسّب هو أقرب للاستجداء والتسوّل.
لقد أساء هؤلاء المدّعين إلى جوهر هذا الفنّ ورسالته وأهدافه. ومغنّي الربابة الذي نعنيه هو الفنان الحقيقي الذي يمتلك الموهبة والنبوغ الفنّي في إجادة العزف والغناء على آلة الربابة.
وهذا الفنان هو الذي عزف فأبدع، وغنّى التراث الشَّفوي فأطربَ مرتقياً بفنِّه قدماً في معارج التطور الفنّي والجمالي، فحفظ كنوز التراث الأدبي الشَّعبي من الضياع والنسيان، وقدّمها بأجمل أداء، وأرق لحن، وأروع نغم.
4. نماذج مغني الربابة (2):
بعد جهد ميداني شاق استغرق سنة كاملة تمكنّا من تصنيف مغني الربابة في منطقة الجزيرة الفراتية، الواقعة ضمن الأراضي العراقية والسورية والتركية، وذلك استناداً إلى خبرتنا السابقة في جمع الأغاني الشَّعبية الجزرية والتي استغرقت قرابة الخمس سنوات، وقد بحثنا في مئات أشرطة الكاسيت، وقد اعتمدنا في التصنيف على المعايير التالية:
1ـ جودة الأداء (صوتاً وعزفاً على الربابة والمواءمة المتقنة بينهما).
2ـ الشهرة واستقصاء آراء الناس.
3ـ استشارة أهل الرأي من المغنين والشُّعراء.
4ـ استشارة أصحاب محلات بيع أشرطة التسجيلات والـــCD.
5 ـ مراعاة أساليب الأداء وتنوعها وجودة الأشعار الشَّعبية المغناة.
6 ـ موضوعات وأغراض الأغاني.
وقد تمكنا بعون الله من تصنيف كافة مغني الربابة في منطقة الجزيرة الفراتية وفق النماذج الثلاثة التالية:
4. 1. نموذج المغنِّي الجوال:
هم جماعة من المغنين الجوالين الذين كانوا يجوبون القرى، وهم يغنون ويعزفون على رباباتهم أغاني الطرب الخفيفة دون مراعاة الأسس وقواعد الفنون الغنائية الشَّعبية، وجل غاية هؤلاء هو تحقيق المكاسب المادية.
ويندرج تحت هذا النموذج فئة من المغنيات الشعبيات المدعوات (الحجيات) اللاتي كنَّ يغنين الأغاني الشّعبية ولاسيما فنون السويحلي والأبوذية بمرافقة عازف الربابة، ومنهن على سبيل المثال لا الحصر:
وحيدة خليل، ونورية إبراهيم، وسورية حسين، وسواهنَّ.
ويتميّــــز فنّهـــنَّ الغنـــائــي غالبــــاً بالأصــالـة والإتقـــان والأسلـــوب الخــــلاّب بخــــلاف المغنـــين الجــوالين الــــذكور.
4. 2. مغنّو البرسيم:
وهم عازفون ومغنّون جوالون، يروون إضافة إلى الغناء والعزف على الربابة الحكايات الشَّعبية، والمِلح والماثورات والنوادر وقصص الأجاويد، ممتد حين أهل الجود والكرم والشجاعة، متوارثين هذه المهنة أباً عن جد، ويحضرون في المناسبات، ولاسيما مناسبات الأفراح كالأعراس و نحوها.
وقد التقيت بعضهم في محافظة الحسكة والقامشلي وأقمت بالتعاون معهم عدة ندوات تراثية شعبية، ومن الذين التقيتهم وعملت معهم:
شريف المصطفى البريسم (رحمه الله)، ومصطفى الحمد البريسم، وعايش شريف المصطفى، وإبراهيم المصطفى.
4. 3 . نموذج المغنِّي المبدع:
وهو الفنان الشّعبي الحقيقي الذي يمتلك الموهبة والنبوغ الفنِّي في إجادة العزف والغناء على آلة الربابة في وقت واحد، وهذا الفنان الشّعبي هو الذي عزف فأبدع وغنّى التراث الشَّفوي فأطرب مرتقياً بفنّه قدماً في معارج التطور الموسيقي، فحفظ بذلك كنوز الفنون الغنائية الشّعبية الفراتية من الضياع والنسيان، وقدمها بأجمل أداء وأرق لحن وأروع نغم.
هذا المغني الشّعبي الذي عملت على تصنيفه ودراسته منذ القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن العشرين.
5. مغنّو الربابة في القرن الثامن عشر:
اشتهر في القرن الثامن عشر وتنقَّل بين بوادي الجزيرة الفراتية عدد من الشُّعراء والمغنين الكبار، ومن أبرزهم الشاعر عبد الله الفاضل، حيث كانت المأساة وراء نبوغه فراح ينظم أبياته وينشدها على قوس الربابة.
وكان فنّ العتابا الذي يؤديه على آلة الربابة يبدأ بكلمة هلي: مثال:
هلــــــي عـــــز النــــزيــــل وعـــــز منـــــزال
ودوم الهــــم علـــى الـــدربين منـــزال
إنجــان النـاس تنبت عشب من زل
أهلــــــــــي نيســـــان طــــــم العـــــــالـــيات
**********
هـلك شــالو علامك حول يا شير
وخلــــو لـــك عظــام الحيل يا شير
يلـــو تبجــي بكــل الـدَّمــع يـا شـــير
أهـلك شالو على حمص وحما(3).
ومن المغنين الشَّعراء المعاصرين للشاعر عبد الله الفاضل المغنِّي الكبير واوي الخابوري الجبوري الذي عاش ردحاً من سني حياته على ضفاف الخابور.
ومن نماذج العتابا التي كان يؤلفها ويؤديها على آلة الربابة:
هذه العتابا التي أنشدها بحق الشيخ تمر باش الذي كان يسكن في بلدة (قورنشار) قرب رأس العين:
تمــر مـا عــادلي حجـي النهـارين
صخــــي مثــــل دفـــــك النهــــــاريـن
إنجــان الناس كــرمتهم نهــارين
تمــــر زوزان مـــا يبــــطـــــل نـــدا(4).
6. مغنّو الربابة في القرن التاسع عشر
اشتهر في هذا القرن عدد من الشُّعراء المغنين ومنهم: عقار البغدادي، وحمد الشعيب.
بينما اكتفت الشاعرة فطيّم البشر بتأليف العتابا وإنشادها دون مرافقة آلة الربابة. وقد نبغت موهبة الشاعرة فطيّم البشر بعد غرق ولديها في نهر الخابور، فأخذت تقول العتابا في رثائهما، ومما قالته:
سايلت الشريعه تقول ما جو عيني ما تنام الليل ساعه
ولاجنهم بصدر الحوش ما جو
ولا قلـــبي ســـلا الخـــــلان ســاعـــه
أيـــا قلـــبي عليهــم شبـــه مـوجاي
أحبــابي لـــو سكــوني المـــرّ ســاعه
الهـــديــــر ومناحـــرو صــــافج هــــوا
علــــــى قلـــــبي ألـــــذ مــــــن الشــــراب
**********
يمـــــــن عنـــــده ذلــــــول شــــــداد بكـــــراي
بجــــت عينــــي وبجــــوهـــــا رجـــــاجـــيل
توصلنـــي محـــاري الـــولـــف بكـــراي
زغـــــــــار ومـــــا بهــــــم لكــــــوة رجـــاجــــيل
آنــــــــي الظيعــــــــــــت ثنـــــــــــوي وبكــــــــري
أيا هلْ مالك بكل موجف رجاجيل
ومـــــــا اظـــن الظـــيــــــع الـــــربعــــــى لكــــــا
هـــــــــذاك البـــــــــان حكــــــوا واختفـــــا(5).
7. مغنّو الربابة في القرن العشرين :
قطعت الفنون الغنائية الشّعبية الفراتية في هذا القرن نظماً ولحناً وعزفاً أشواطاً واسعة، حيث تعدَّدت مضامينها وكثر شعراؤها ومغنوها.
وهؤلاء المغنون قمنا بتصنيفهم أيضاً بعد جهد شاق وفقاً للمعايير المومأ إليها آنفاً.
(علماً أنَّ المستوى الفني يكون متقارباً ضمن أصحاب المستوى الواحد)
7. 1. العمالقة الكبار:
المغني الكبير أحمد الإنضباط:
وهو أعظم مغني الربابة وعازفيها في الجزيرة الفراتية، وأعلاهم شأناً وأكثرهم تأثيراً وإبداعاً، وهو مغنّي الربابة الأول في القرن العشرين بامتياز على مستوى الجزيرة الفراتية، ويعتبر أسطورة لا تتكرر، ومدرسة قلَّدها الكثير من المغنين، يمتلك هذا المغنِّي الكبير صوتاً قوياً وصافياً يتدفق عذباً عذباً كالنّبع الزلال، وصوته متعدّد الطبقات والدرجات والمساحات.
أدَّى فنــــــون العتابــا والنايـــل والسويحـلــي والأبــــوذيّـــه وأبـــو الخــــديد وســــــواهــــا.
اعتزل الفنّ الشّعبي في سنَّ مبكرة بعد أن ترك لنا إرثاً موسيقياً جيداً يتمثّل في:
- 15 شريط كاسيت على آلة الربابة.
- 13 شريط كاسيت على آلة المجوز (المطبك).
- 5 أشرطة كاسيت على آلة الزمارة.
وقد غنّى الكثير من أغاني الشاعر عبد الله الفاضل والشّاعرة فطيّم البشر.
ومن أغانيه الشّعبية (العتابا):
مــــن الخــابـور للــدجلة بـــدينا
ولوينـــــا شـــارب العــايل بــــدينا
جثير حقوق أخذنا ولا أديــنا
ولا رحـــنا دحـــايــــس للجـــناب
ومن أغاني السويحلي:
درح الـــــحــــــــــمــــــــامـــــه
لـــــــي أكـــــبل المــــر بوع
عيّــــــــــــــو عمــــــــــــــــامــــــــه
ظلاَّم ما ينطوي(6).
المغنّي الكبير الملاّ ضيف الجبوري:
وهو من أهم مغني الربابة وعازفيها، اشتهر في الجزيرة الفراتية في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي، وتشكل معزوفاته على الربابة وطريقة تعتيبه للعتابا مدرسة فنية متكاملة.
أثَّر هذا الفنان الشَّعبي الكبير على أجيال متلاحقة من مغني الربابة ترك حوالي عشر كاسيتات غنائية تعتبر من الجواهر الثمينة، يؤدي إلى جانب قليلاً من أشعار السويحلي والنايل والزهيري.
المغنّي الكبير سلطان أحمد:
وهو من أهم مغني وعازفي الربابة، وتعتبر معزوفاته على آلة الربابة من أجمل المعزوفات سحراً وجمالاً. شكّل مدرسة فنية هامة أثّرت على الكثير من المغنين.
توفي في ريعان شبابه بعد أن ترك شريط كاسيت واحد يتضمَّن أغاني العتابا والسويحلي وقليلاً من النايل.
ومن أغانيه في فنّ العتابا:
خطم ريم الحمادة وزار عينه
أمانه يناهي لا تقطع ودادك من اللك
ذبـــــت مـــن نظـــرنـــي وزار عينه
وحجــــــلك كــلَّـــــف الصـــــايــق مــــن الــــلك
يـــذكــرون القــرنــفــل زار عــيـنه
عيـــــــــون الــــــــريــــم يــــــانـــــــا هــــــــي منيــــــلك
حـــــــدر فيَّ التــــراجــــي واللــباب
مشـــــراه لـــــــــو مـــــــــــن البــــــــــــاري عطــــــــا(7).
المغني الكبير قاسم محمد:
يعدُّ من أهم مغني الربابة، ويعتبر أهم فنان شعبي غنّى فنّ السويحلي الذي برع في أدائه واشتهر فيه.
شكّل هذا المغنِّي الكبير مدرسة فنيّة هامة أثّرت على أجيال متلاحقة من المغنين.
أدَّى هذا الفنان إلى جانب السويحلي القليل من النايل والعتابا.
له ثمانية كاسيتات غنائية منها ثلاثة محاورة مــع المغــــنَّي الكبير أحمـــــــد الإنضــــباط علـــــى الــــربــــــابة والمجـــوز والـــزمــــارة:
حــــلالـــي مبســمك والحـنج والعـين
ظـــعــنــهـــك شــــــــال عــــــــالــخـابــــور وابـــعد
يبو طولٍ مخزي الشيطان والعين
وبــقـــلــــبـــــــي طـــكـــــوا الــبــســــمــــــار وابــــعد
يــــا نـــاهـــي إنــت الـــريم وآنــي العــين
آني لحجّت الظّعن ولّي الظعن وابعد
تــــــرد مـــــــا بــــــــين جفــــــــني والهــــــداب
وعــلــيــــهـــم لـعــض الشـــاهـــــد بــــــالنــيـــاب
ومن أغاني السويحلي التي غنّاها واشتهر بها:
مــــــو بـــس بـــــــالعـــيون
حــت بدليلي أربيك
انـــــتُـــــه تــــــقــــــــولــــــــــون
مـــا يـرحـض الغـالي
******
يـــــــــــــاريـــــــــــت بــــــــيدي
ساعه واشيل الزين
صــــــــــــاروا بـــعـــــــــيـدي
البيهم فظات البال
******
مـــــــــــــا مـــــــــــرّ عـــــــــلـــيّه
عيـــــدٍ لفـى عـالناس
عــــــــــــمّــــــــــر بـــــنـــــــــــــــيّــــه
الهـــــم بــــــالـــــــــدّلاّل(8)
المغني الكبير حسين بطة:
هو حسين العضيبان نشأ في محافظة الحسكة في الجزيرة الفراتية، وهو من أهم عازفي ومغني الربابة في الجزيـــــرة الفــراتية، ويعتبـــر مـــن أهـــم عمالقــــة فـــــــــن السويحلـــــي الـــذي غنّـــــاه وعـــــزف ألحــــانــــــه علـــــى الـــــــربابـــة بأسلـــوب شجي وحزين.
أثّر على أجيال متلاحقة من مغني الربابة، رحل عن الحياة ولمّا يبلغ عقده الثالث بعد إطلاق نار تعرّض له إثر مدحه لإحدى الفتيات، له كاسيتان غنائيان اثنان، وعدة كاسيتات خاصة غير مكتملة.
المغني الكبير محمد الحمِّيد:
وهو من أهم مغني الربابة في المنطقة الغربية من الجزيرة الفراتية، (محافظة الرقة) يغنِّي الموليّه والعتابا والنــايـــل والســويحــلــي.
له ثلاثة أشرطة ربابة تحمل التواريخ التالية: 1982 - 1983 - 1984.
ومن أغانيه من لون العتابا:
يحلو الطول وشْ لكم معاني
ويــــوم فـــراقـــكم قلــبــي لــــوانـي
يعلـــواه طــوق والصايق لواني
علــى صدرك يــــ أغلى الحباب
******
نهـــض غيـــم جديد وغيم ما طلّ
حبيبي طـــــــوّل الغيبات مـــــــا طــــلّ
يـــا ريتنــي بحــدا الغيـمــات واطــلّ
نـدى واسقــط علـــى زيج الثياب(9)
7. 2 المتميّزون :
وهم مجموعة من المغنين الذين قدّموا عطاءات تراثية متميزة (على مراحل متفرقة من القرن العشرين الماضي) أثبتت حضوراً متميزاً، ومنهم: محمود حامد، أبو العلاء السبعاوي مهدي غايب، الحسراوي، مطلق الفرحان (الجزيرة الفراتية ـ العراق)، ومحمد العبد الله، وإبراهيم الجراد، وحسين الحسن، وعبد السمور، وسلامة الوافي، وجاسم جمعة، وإبراهيم الأخرس (الجزيرة الفراتية ـ سورية)، وخضر القرّه (الجزيرة الفراتية ـ تركيا).
7. 3 المجاهيل :
وسمّوا بهذا لأنهم سجلوا أشرطتهم الغنائية الشّعبية، وانتشرت بين الناس دون أن يذكروا أسماءهم، وهؤلاء يتحرجون من إعلان شخصياتهم، وغالباً ما سجلوا هذه الأشرطة كردة فعل عقب مآس أصابتهم.
والمغنون المجاهيل الأربعة الذين استمعنا إلى أشرطتهم (كل منهم ترك شريط كاسيت واحد) يمتلكون قدرات جيدة في العزف والغناء.
7. 4 المجدّدون:
منذ بداية تسعينيات القرن العشرين الماضي بدأت تظهر بعض التجارب الفنية الهامة التي قدمت عطاءات لافتة للانتباه في محاولة جادة ودؤوبة لتطوير العزف والغناء على آلة الربابة وتجديده، ومن أميزهم:
إبراهيم ملاّ علي السبعاوي، وأحمد عزيز الجبوري، وصالح السبعاوي، وهاشم الجبوري، ومحمد إلياس الجبوري، وهواش الجبوري.
ومن أغاني إبراهيم ملاّ علي السبعاوي :
الليالي السود سم اسود سجني
وخـــوييّ المــاجــل بزادي سجّ عني
شــلـــون بســجـــــن أظـــــلم سجـــني
مـــا مـــرّ علــــيّه الضـــــو والهــــوا(10).
7. 5 المقلدون:
وهم مجموعة كبيرة من مغني الربابة الذين يقلدون واحداً من المغنين العمالقة أو أكثر، وقائمتهم طويلة، ومن الذين درسنا أغانيهم على آلة الربابة من خلال تسجيلاتهم:
- سليم الوافي، سعد سمير الحرباوي، إبراهيم الساير، أحمد سويحل، عبد العلي الخضير، محمد الحسن، وعبادي الحسن، وأحمد بطة، وعبد المرعي «الجزيرة الفراتية: سورية: الحسكة - القامشلي - رأس العين - الشدادي».
- موسى عبد العزيز، وإبراهيم الأخرس، وملك اليتيم، فواز حبيب «الجزيرة الفراتية: سورية: محافظة الرقة».
- أحمد مطر، وصالح المطر، وحسين الحداوي، وحسين المحمد، وإبراهيم الجيجان «الجزيرة الفراتية: سورية: محافظة دير الزور».
- عزيز الجبوري، وطلب الدليمي، وسعيد الحسوني، وعدنان الجبوري، وعباس الجبوري، وأحمد راضي «الجزيرة الفراتية: العراق».
- غسان العلي «الجزيرة الفراتية: تركية».
8. الواقع الرّاهن لمغني الربابة في الجزيرة الفراتية :
يشهـ ــــد غنــــــاء الـــربــابـــة انحســـاراً واضــحـــاً مــــن حـــــــياتـــنا الاجتماعية والثقافية، ويعود ذلك إلى أسباب كثيرة، من أهمها: عدم توفير النزر اليسير من الدعم المادي لمغني الربابة لكي يواصلوا عطاءاتهم وإبداعاتهم.
كما أنّ النظرة السّلبية المختلفة تؤثر على مغني الربابة فتجعلهم يُحبطون، وهكذا تحت وطأة كل هذه الظروف القاسية يضطر هؤلاء لترك الساحة التراثية.
وهناك فئة قليلة منهم تنسحب من الإبداع الأصيل إلى أغاني الأعراس الهابطة التي تدر عليهم القليل من المال لكي يواجهوا أعباء الحياة المادية المتزايدة.
وهكذا خسرنا أغلب عمالقة هذا الفنّ الشَّعبي، ومازلنا نخسر المزيد..... وإذا ما استمر غياب الدَّعم المادي واستمرت نظرتنا السّلبية لهذا الفنّ العريق ... فسوف لن تمر سوى سنوات قليلة حتى لا نجد سوى ربابة معلقة على جدار المتحف تبكي على مغنيها الذي تركها ولن يعود.
9. دعوة لإنقاذ غناء الربابة :
ربما يتساءل البعض: ما الغاية من وجود مغنِّي الربابة في حياتنا المعاصرة، أليس من الحريّ الاكتفاء بوضعه في متاحف تاريخ الفنون الشَّعبية؟ ويبررون رؤيتهم هذه بجواب دفاعي: ما حاجتنا إلى هذا التراث الغنائي ونحن في عصر الكشوفات العلمية المتلاحقة في بداية الألفية الثالثة حيث حققت البشرية أعلى مراحل انتصارات العلم في الإنترنيت والطب وعلوم الذرة والجينوم والاتصالات والخ.
وفي الإجابة عن مثل هذه الأسئلة نقول: إنّ العلوم لا تقوم على الجهالــة، ولا يمكنها مهما تطـورت أن تغيَّب الآداب والفنــون الشَّــعـــــبية الــتــي هـي ذاكـــرة الأمــم ووجـــدانـها النابض بالحياة وبالقيم وعنـــوان شخصيــتها وهــويتهـــا. فمقابـــل كـــــل المكتشفات المــهمّة الــسابقة تــظــل حـاجة العقــل البشـري ملــحّة إلى الأغـــانــي والمـــأثـــورات الشّعــــبية التي تساعد في عملية توازن الشَّخصية وانسجامها مع المحيــط الاجتمــــاعي، والفـــنّ الشَّعــــبي هـــوا أكـــثر هــــذه الأدوات فــاعلــية.
إنَّ التلفزيونات العربية مدعوة لإعادة الاعتبار لآلة الربابة ولمغنِّيها، وذلك بتخصيص برامج لفنون غناء الربابة، ونصرة هذا التراث العريق الذي يشكّل علامة بارزة في وحدة الهوية والشخصية العربية.
كمـــا إن وســــائـــــل الأعـــــلام الأخـــرى مــــدعوة لتســــليط الضوء على هذه الظاهرة الفـريدة، الأمر الذي سيسهم بدعمها وتطويرهــا والأخــــذ بـــــيد مبــــدعيها نحــو الإبداع والعطاء والتطور.
كمـــــــا ندعـــــو لتأسيس نقابات شعبية لدعم مغني الربابة مادياً ومعنوياً.
إنَّ أحداً منَّا ليس بمأمنٍ من عواقب التغريب والغزو الثقافي والحضاري الذي ـ يهزمنا ـ في بيوتنا، وفي فلذات أكبادنا. ولذلك يجب علينا أن نغرس حّب التراث في نفوس أطفالنا كي يشكل حصناً أميناً لشخصياتهم وقيمهم وأخلاقياتهم في عصر يتغيَّر و يسلب هوية كل ما هو غثّ وسطحي ويرتدُّ مهزوماً عن كل ما هو أصيل وذو جذور عميقة.
الهوامش:
1 ـ شوحان، أحمد: ديوان العتابا،حلب 1984. ص 10.
2 ـ تصنيف مغنو الربابة تم نتيجة عمل ميداني ولقاءات وسماع أشرطة كاسيت.
3 ـ شوحان ، أحمد : ديوان العتابا ، ص 325.
4 ـ بركو : عبد : أغاني العتابا والنايل والسويحلي، دار اليازجي، دمشق 2002 ص 45.
5 ـ المرجع السابق.
6 ـ شريط كاسيت لمغنّي الربابة أحمد الإنضباط 1977 م.
7ـ شريط كاسيت لمغنِّي الربابة سلطان أحمد 1979 م .
8 ـ أشرطة كاسيت لمغنِّي الربابة قاسم محمد 1978 ـ 1979 م .
9 ـ شريط كاسيت لمغنِّي الربابة محمد الحميّد 1983 م .
10 ـ شريط كاسيت لمغني الربابة إبراهيم ملاّ على السبعاوي 1998 م .