المدرسة البوعنانية شاهد حي على مصالحة الفن المعماري والعلم الشرعي
العدد 32 - لوحة الغلاف
على مقربة من جامعة القرويين التي تعد أقدم جامعة عالمية تجد المدرسة البوعنانية التي شيدها السلطان أبوعنان فارس بن أبي الحسن المريني سنة 751للهجرة 1350ميلادية حسب معظم المصادر؛ وإن كان كتاب «الاستقصا في تاريخ المغرب الأقصى» للناصري يعتبر أبا الحسن المريني هو مؤسس المدرسة وليس ابنه أبوعنان، ويرجع سبب اختلاف التأريخ إلى كون بداية البناء كانت في 28رمضان 750للهجرة/1350م، أي في نهاية ولاية أبي الحسن، وأشرف على بنائها أبو عنان منذ توليه (1351/1358م) حتى متم بنائها في آخر شعبان عام 756 للهجرة/ 1355م.
وسميت بالبوعنانية هي ومدرسة مماثلة بمكناس نسبة لهذا الملك العالم الميال للفن والعمران؛ والمشهود له بالعلم حتى درس العلم للعلماء وناظرهم بل وأجازهم كما يشير ابن خلدون الذي يشهد هو نفسه أنه تتلمذ عليه وأخذ عنه كتاب صحيح البخاري. وقد عرفت هذه المدرسة عناية خاصة واعتبارية لكونها قريبة من مؤسسة علمية ورمزية عالمية؛ ولرغبة مشيدها أن تكون معمارا فريدا، وتجسيدا لسياسة سلطان عالم كما كان يسميه ابن الخطيب. لهذا كانت مساحتها أكبر من المدارس العتيقة عادة؛ حيث تضم مسجدا وقاعتين للدراسة؛ وكان حضها من الزخرفة وفخامة المعمار أكبر من المدارس الإحدى عشر الأخرى التي بناها المرينيون بفاس كما يذكر الحسن الوزان، وتبقى مدرسة الصفارين المقابلة لخزانة القرويين ومدرسة الصهريج ومدرسة السبعين ومدرسة العطارين والمدرسة المصباحية ومدرسة اللبادين ومدرسة فاس الجديد شاهدة على تميز المدرسة البوعنانية على مستوى الحضور الفني الكبير والمتعدد في النقوش والزخارف التي تنتمي للمرينيين؛ والمعمار الأندلسي والصحون المبلطة بالرخام «الذي كان يستقدم من الأندلس؛ فضلا عن الفسيفساء الملونة ونقوش الخط العربي». لأنها معلمة رمزية ومنتمية لسياق ريادة المدارس العلمية المرينية الثمانية التي تعبر عن نهضة مصاحبة لمسار تدريس منهجي (لمدونة بن سحنون ورسالة أبي زيد القيرواني وأمهات التراث الإسلامي..) والذي أسس له السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني؛ وحتى لا تكون هذه المعلمة المسماة على اسم سلطان عالم مجرد نسخة متكررة، فقد كانت معمارا مختلفا يضيف بنية المسجد والمنبر والصومعة والقاعات والزخرفة النادرة، بل إن المدرسة البوعنانية أضافت فضاء جديدا لسكن الطلبة الغرباء القادمين داخل المغرب وخارجه لتبني إشعاعا علميا يناسب رقعة الدولة التي شملت كل شمال إفريقيا ومعظم إفريقيا.
وتذكر المصادر أن المدرسة البوعنانية لم تكن فريدة في جمالية زخارفها وفنونها المعمارية فحسب؛ بل كانت تلعب دورا اجتماعيا جلب إليها الطلبة من كل أنحاء المغرب في العهد المريني لأنها كانت توفر لهم ظروف الإقامة والملبس والمأكل لخدمة التوجه الذي تتبناه الدولة آنذاك على صعيد الاعتماد على مؤسسة المسجد لبناء التنشئة الاجتماعية وتدعيم سياسة الدولة التي عرفت أوج قوتها في عهد هذا السلطان.
وتبدو روعة الزخارف على واجهة هذه المدرسة التاريخية في لقطة فنية بعدسة الأديب الإماراتي الأستاذ محمد المر.