ابتسامة تشع .. وتــنير
العدد 32 - لوحة الغلاف
منذ القدم استدخم الإنسان كل منتوج النخيل ووظفه في مختلف جوانب حياته، وتظهر الصور الفوتوغرافية القديمة بيوت أهل البحرين عامة عبارة عن مجموعة أكواخ مصنوعة من سعف النخيل المشدود لبعضه بالحبال ومدعم بأغصان شجر يطلق عليه في البحرين (دنجل) وفي الكويت (جندل) من صفاته القوة والمتانة والاستواء طولا دون أي انحناءات، كانت تجلبه السفن من الهند، وامتد استخدامه في تشييد المساكن لفترات متعاقبة بعد ذلك، أهمها دعامات تسقيف بيوت الطين ومن بعدها بيوت الحجر حتى منتصف القرن الماضي.
يسمى الكوخ المصنوع من سعف النخيل في البحرين (برستج) أو (برستي) وجمعه (رستيّه) ويعتبر حجرة في مكونات البيت العائلي الكبير صمم بحيث يتخلله الهواء من الأسفل ويسقف بعدة طبقات من نسيج متماسك من خوص النخيل والحبال يمسى (حصير) للوقاية من أشعة الشمس في صيف الخليج اللاهب. ويتم تشييد الـ (برستي) من قبل حرفي يتقن فن (الزفان) وهو إجادة ضم سعف النخيل إلى بعضه باستخدام الحبال لتشكل جدارا ساترا بين كل قطعة (دنجل) وأخرى تكون مثبتة في حفرة بأرض المكان. وقد تطور بناء الـ (برستي) بدخول مادة الـ (جص) و(النوره) وهي أنواع من الجير أو الطين الذي استخدم كعجينة تضاف إلى الجدران المصنوعة من السعف والحبال وذلك للوقاية من برد الشتاء. ومع تطور بناء المساكن في البحرين ظل الـ (برستي) يبنى للسكنى المؤقتة عند رحيل الأهالي وقت الصيف إلى الإقامة على السواحل، وتسمى هذه الإقامة المؤقتة (المقيظ).
دخلت صناعة الـ (برستيّة) كحاجة إنسانية ملحة لتكون حرفة لها أربابها وفنانوها المجيدين في زمانها، أما من بقي من أحفادهم الآن، وهم قلة، تتكسب كلما احتاج زماننا هذا أن يبرز شكلا من أشكال الماضي أو أن يتوسل ملمحا من ملامح الماضي الذي أصبح في خبر كان.
وعلى غلافنا الأول صورة لفتاة بمشروع ابتسامة مشرقة، بحلي وبلباس تقليدي جميل مقصب ومحلـّى بعدة ألوان زاهية، تطل علينا حاملة لفانوس مضيئ ممسكة بعمود بيت قديم، خلفها الماضي وأمامها أمل البحرين بتلك الابتسامة لجيل تنوير جديد .. يجتاز ويتخطى مفسحا في الطريق لكل معاني الحب السامية والتسامح الإنساني النبيل.. فما أجمل هذه الابتسامة وما أروع البراءة وهي تشع وتنير.. مؤكدة نهج شعب يحب الحياة.