الخط والحرف والإبداعات مدخل حداثي للتجريد
العدد 12 - ثقافة مادية
كيف نفهم العمل التشكيلي كعمل ثقافي وهل تمكننا مقاربة هذا الإشكال من طرح مسألة على درجة بالغة من الأهمية وتتمثل في القبول بتعدد الهويات والثقافات؟
هل التراث هو مجرد بقايا مشهد حضاري عاطل عن التعبير أم هو من صميم وجودنا بحيث لا يمكن تمرير مشروع حداثة ناجز بدون استعادتنا للتراث استعادة خلاقة تجعلنا مؤهلين عربيا للقبول بالانفتاح والمثاقفة وتبادل الاعتراف مع الآخر.
هناك سؤال جوهري إضافي سنحاول الإحاطة به وبمجمل إشكالياته وهو:
إذا كان الفعل التشكيلي الحاضر في عديد المواد الوراثية إحالة على شكل من أشكال الهندسة التجريدية فكيف تستطيع هذه الهندسة الذاكراتية أن تدفع لإعادة النظر في رموزنا وأشيائنا وتساهم في فهم الملامح الأنطولوجية العامة لتاريخنا؟
إن الذي يمكن استخلاصه من جملة هذه الأسئلة هو أنّ الممارسة التشكيلية هي ممارسة تتمثل الخصائص الأساسية للممارسة الثقافية.
وإذا تبصرنا اليوم المشهد الثقافي العالمي فإننا نلاحظ بعمق الاتجاه إلى نحت ثقافة ذات بعد واحد محددة ببنى تقنية وتكنولوجية واتصالية عالية، هذا الاتجاه يذهب إلى مستوى تحقيق هيمنة خطاب ثقافي إقصائي يرفض الآخر على قاعدة تبرير مفاده أنّ ثقافة الآخر تراثية وهي دليل نكوص وانغلاق ورفض للتحديث. إعادة كتابة التراث وفهمه تشكيليا وجماليا وفكريا إنما هو في الواقع حفر في طبائع وجودنا وإعادة اعتراف ذاتي بالحقائق الأنطولوجية والحضارية لكياننا ومساهمة كذلك في فعل تثاقف وحوار مع الآخر قائم على التفاهم وتشريع ثقافي لشرعية وجودنا ومطلوبنا في التقدم والحداثة.
يمكن أنّ نفهم التجريد من خلال مقاربة تشكيلية للتراث ونظر جمالي وفكري في الإبداعات والحرف بالإضافة إلى محاولة تقديم قراءة للخط العربي.
1-التراث وجماليات الفنّ العربي الإسلامي:
1- الهندسة التجريدية:
في الخطاب العمومي يحضر التشكيل وكأنه نوع من اللامعنى أو كفعل يرادف اللاجدوى.
الفعل التشكيلي هو فعل ينتج المعنى وهو فعل ينشد تحويل وقائع مخيلة حرّة إلى مشهد جمالي وليس المشهد الجمالي إلا التعبير بكثافة تشكيلية عن القصدية والمعنى.
إن عملية إعادة صياغة التراث حرفيا وتشكيليا إنما هو في واقع الأمر عملية تسام بأحاسيس الإنسان وهذه هي حمولته الاجتماعية. يتمظهر العمل التشكيلي الحرفي ذي الأبعاد التراثية تجريديا ويجب أن نفهم التجريدي من زاوية العودة إلى الفن العربي الإسلامي وذلك من خلال وجهتين في النظر:
التجريد كما في الفن العربي الإسلامي من حيث هو محاولة للتقية دون اجتيازنا للضوابط التي حددها النقل بأبعاده الدينية والميتافزيقية.
يجب أن لا نفهم التجريد بأنه فقط انضباط بإطلاق للقول الديني بعدم التشخيص، إنه أيضا محاولة إبداعية لخلق نوع من التوافق الجمالي بين الإبداع من حيث هو عملية خلق «création» للجديد واستعادة منضبطة للحد الأخلاقي.
التجريد إذا بقدر ما هو تعبير عن ولاء للوعي الثقافي الجمعي بقدر ما هو استدراج لهذا الأخير حتى يستأنس بالتنوع ويعترفا تدريجيا بالضروريات الإبداعية. إن الإبداع ليس في الاتباع، الإبداع قيادة – فعل طليعي (Avant – gardiste) لأن الاتباع تكرار والفن العربي الإسلامي ليس بالضرورة تكرارا بإطلاق إنما هو زاوية تشكيل وصورة هوية وعمق ثقافي. ليس الحضارة بنية ردع بالكامل ولا هي فعل ثقافي أحادي كلي إقصائي....الحضارة هي أنظمة ثقافات وهويات ودلالة على فعل الإنسان على الأرض. بهذا المعنى يفهم التجريد الهندسي في الفن الغربي الإسلامي فالاعتراف بفرادته اعتراف بتمايزه عن أشكال التجريد الأخرى وبالنتيجة اعتراف بهوية وثقافة واستدراجها لمناطق الحوار والتثاقف.
لقد عاشت الثقافة العربية الإسلامية أزمنة صراع مريرة ولكنها ضرورية بين إرادة دافعة لسيادة العقل من حيث هو آلية للاجتهاد والابتكار والإبداع وإرادة دافعة لسيادة النقل.
بين هذا وذاك نشأت الفرق والجماعات وفقهاء وعلماء كلام وفلاسفة. كانت اللحظة الخلاقة في تاريخ هذه الثقافة هو محاولة إنتاج مقاربة تربط بين العقل والنقل.
التجريد في الفن العربي الإسلامي يمكن أن يفهم من هذه الزاوية من حيث هو ربط للموروث بمخيلة مبدعة وحرة تتصرف تشكيليا بنوع من التقية – نعم- ولكن تنتج هندسة متفردة وتعاملا مع العناصر والخطوط والنقاط بأقصى ما تسمح به المخيلة. كلما اشتدّ الضبط الأخلاقي والمنع والشدّة والتحريم برع التجريد العربي الإسلامي في تصعيد مضامين حرة ضمن عناصر تشكيلية مجردة تحاول أن لا تتناقض ظاهريا مع الآليات الكبرى المتحكمة في الثقافة والوعي الجماعيين.
هذا مع العلم أن هناك فنّ آخر صريح بتشخيصيته ويمكن أن يظهر ذلك جليا في المنمنمات حيث تظهر الرسوم ذات المضامين الخرافية والتاريخية.
التجريد بقدر ما خضع للضبط الرسمي وانشدّ للمساجد والأضرحة وفضاءات الطقوس بقدر ما عبر عن مهارة في الانزياح إبداعيا إلى مستوى القدرة الخلاّقة على هندسة الرموز وتجريد العلامات
المستوى الثاني للتجريد أنه يحيل إلى هندسة ذاكرتية مرتبطة بفضاء أخلاقي – حضاري – ثقافي محددة حدوده سلفا... ما يهمّ هنا هو قدرة هذه الهندسة على بيان لحظات من تاريخنا وصياغتها جماليا وتجلية وعينا وتراثنا وعمقنا.
إذا كانت العولمة في بعد منها دلالة على حضارة تقنية تكنولوجية وخطاب ثقافي محدود جغرافيا ويطمح إلى الكونية فإنّ إعادة التفكير في تراثنا ورموزنا هو في الواقع إعادة اكتشاف الذات والاعتراف بها إذ الوعي بالذات هو الشرط الأساسي للاعتراف بقيم التنوع والحوار والحداثة وكذلك دفع للآخر للاعتراف بنا. من هنا تفهم المقاربة للتراث علي أنها مقاربة تستخلص الإبداعي من الموروث، فعل المخيلة الحر في المواد والمنتجات والإبداعات المرتبطة بتراثنا.
2- مدخل ثقافي لمقاربة التراث:
إذا كنّا قد بينا طبيعة البناء التشكيلي التجريدي أو الجماليات التجريدية للتراث الإبداعي العربي – الإسلامي فإن ذلك مردّه أن التراث الفني لا يستقيم أمام المقاربة «التقليدية» شبه الفلكلورية التي تسعى لإعطاء طابع «شعبوي» لما مضى تاريخيا من الإبداعات الفنية العربية الإسلامية.
تتعلّق المسألة بخصوصية ثقافية تاريخية للتراث تميزه عن خصوصيات آخرى.
تتأسس الكونية على فعل مثاقفة أو على التواصل بين الثقافات وضمن هذا التمشي يمكن أن يكون التراث العربي أحد مفاعيل هذا التثاقف. يحتضن التراث كل أشكال التعابير الثقافية فهو حاضن الفنون والإبداعات المختلفة للثقافة الشعبية. إنّ الرهان الأساسي لهذا التحليل هو بيان أهمية التراث الإبداعي في فعل التواصل فهو – أي التراث- مكون من مكونات أية خصوصية.
يظهر التراث كلحظة من اللحظات الثقافية المكونة لأية خصوصية. يقوم براديغم (Paradiagme) التواصل على التثاقف أو على تلك الحوارية الخلاّقة بين الثقافات المختلفة. يقول هابرماز: «إن الأساسي في براديغم (Paradiagme) التواصل هو وجود صيغة متفق عليها بين اللذين يشاركون في شكل موحد لفعل مشترك...»(1).
تظهر هذه الصيغة بالأساس في إمكانية أن يكون الحوار الثقافي والاعتراف بالآخر تراثا وتاريخا مدخلا ضروريا لكونية قائمة على التنوع والتعدد والانفتاح. لا يمكن – بناء على ذلك- إلغاء تراث الآخر وحضوره الحالي إلا باسم مركزية ثقافية تسعى إلى «تهذيب الهيمنة». تكون كونية الحداثة من خلال الحفاظ على قيم الاختلاف والتعدد كشرط لأية مثاقفة مفتوحة.
يظهر الحفر في بنية الثقافة العربية الإسلامية وبالضبط في التراث والثقافة الشعبية ضرورة علمية لتقصي الخاصيات النوعية لهذا التراث وضرورة فكرية لبيان أهمية الاختلاف مع الآخر والانفتاح عملية ضمن حوارية ثقافية كونية خلاّقة. يمكن لجماليات الفنون ذات العلاقة بالتراث والثقافة الشعبية أن تكون إسنادا لعملية التثاقف، هذا شرط أن يكون ذلك مبنيا على تبني لكونية قيم التقدّم والانفتاح كقيمة حداثية متجاوزة للاجتهادات الموغلة في الانغلاق والسكون.
2- التشكيل في التراث / التجريد والهوية والحداثة (الحرف والإبداعات):
1- الحرف والإبداعات:
يظهر الجمل في «الزربية» في «المرقوم»(2) من خلال رسمه في قالب مثلث والجمل له وقع في ذاكرة الجنوب، الجمل هو وسيلة العيش والترحال بحثا عن الماء والكلأ.
إنه شرط الوجود في الصحراء التي بقدر جمالها فإنها لا تيسر العيش إذ يعسر الحصول على ما به يطيب العيش من ماء وكلأ. الجمل يحيل إلى عدم الاستقرار وعندما ينعدم المستقر تنفتح المخيلة على فضاءات أخرى للحلم بالحرية والتأمل في الكينونة. الجمل في المنتوج الحرفي يحيل إلى حمولة أنطولوجية وتاريخية فهو وسيلة العيش وتشكيله هندسيا في قالب مثلث يمكن أن يشير إلى دلالات أخرى، إنها هندسة تجريدية هرمية تستبطن خصوصيات بنى اجتماعية أبوية في تركيبة ثلاثية الأضلاع: الأب الأم، الإبن. المستوى الثاني لهذه البنية يدل على انصهار الفرد ضمن إطار القبيلة أولا في رأس الهرم ثمّ العائلة في زاوية من زوايا المثلث ثمّ الفرد في الزاوية المتبقية. هذه الهرمية تستبطن أيضا هرمية أنطولوجية – دينية.
منظور هرمي يظهر تشكيليا من خلال تصرف في الخطوط تصرفا هندسيا تجريديا يدل على قدرة إبداعية وجمالية عالية. إن تكرار هذه «الرقمة»(3) يؤدي إلى وجود صور تشكليلة أخرى كالسمكة أو «الخمسة» وهذا يعني بالأساس تنوعا تشكيليا بالغ الأهمية. تشكيل يروي ثقافة ويستبطن حكاية ويعترف بمعاناة وبأفراح واحتفالات وأحلام وأحزان.
«الخمسة» رمز الحلي وطقس من طقوس الاحتفال بالذات وجعل الجسد فضاء لمختلف الخطوط والأشكال والألوان، هكذا يظهر الإنسان القديم من خلال التراث.
توضع «الخمسة» على الباب الخارجي للبيت العربي أو للحوش أو للدار والطارق للباب يجب أن يفهم منذ البدء أنه يأتي إلى فضاء بتشكيليته المعمارية والثقافية والعائلية. إنه الاستقرار على مفردات هوية وتقاليد ضاربة في القدم من ضيافة وكرم.
«العين» موجودة تقريبا في كل منتوج حرفي ورسمها بإدراك لعمقها التشكيلي أو نوع من التكرار اللاإرادي وهذا هو الفرق بين لمسة الفنان وصنعة الحرفي. «العين» رمز الحسد في بعد من أبعادها كما يظهر ذلك في التقليد ولكنها أيضا رمز الجمال وعمق الرؤية واستبطان لسحر الوجود والعشق وعذابات الكينونة.
إذا عدنا إلى الحرف فإننا نجد أنها قد تأسست تاريخيا على تجريد هندسي وخلاصة فن الرقش إذ يظهر في قالب معالجات تشكيلية مجردة تجريدا تاما وارتبط هذا الفنّ أيضا بتزيين المساجد وتزويق حيطانه وتشكيل منابره. إذن هناك تضافر وتعاضد بين الوظيفي والجمالي في الانتاجات الحرفية والابداعية ذات العلاقة بالتراث. إن الجمالي يتحدد في هذا المستوى وفي نهاية المطاف من خلال الدور والوظيفة كما نجد ذلك في المنمنمات الزخرفية.
يمكن أن نفهم أيضا أن شغل الألبسة والحلي والأغطية كاستعادة مبدعة لصور وروائح التراث عبر تأهيل عديد المواد والتصرف فيها إبداعيا (صوف، خيط، حرير...).
يكون النظر تشكيليا إلى التراث إذن إحياء مبدعا له إذ المسألة لا تتعلق فقط بالانتاج الذي يكرر بل بجمالية تصميم منتوج حرفي تستعيد مثلا الطاقات المذهلة للخيط والصوف والحرير....إلخ. ومن هنا تذهب المقاربة التشكيلية إلى مستوى النظر إلى التنوع في الأشكال والتقنيات وهندسة العلامات في كل ما هو حرفي على أنه تجاوز للبناء التقليدي والشكل البسيط للمنتوج الحرفي. كثافة العلامات وتنوع الخطوط والتجريدات هو توسيع لفضائية المنتوج الحرفي وعليه يمكن أن تظهر جمالية التصميم الحداثي في ما هو حرفي من خلال تنوع الأشكال واللعب بالعناصر والمواد. إن الأغطية والمفروشات ومختلف أنواع البساط والديكورات الحرفية والإبداعات المتنوعة المرتبطة بالحرف هي إحالة على ذاكرة وتراث ولكن الانفتاح على ضرورة الحركة واللعب والتنويع الأقصى للأشكال هو الذي يضفي على ما هو حرفي جمالية لا متناهية
2 ــ الخط العربي: التجريد والجمال:
إن الخط بنية دلالية والكتابة كذلك حاملة لبناء دلالي، وعليه فإن الخط والكتابة يلتقيان من حيث تعبيرهما كل بطريقته عن طبيعة دلالية. يحمل الخط بنية دلالية تشكيلية أمّا الكتابة من حيث هي شبكة ملفوظات فإنها نسيج من الدلالات، نسيج يحتوي على مضامين وموضوعات ذات العلاقة بما هو ثقافي وحضاري واجتماعي.
الخط العربي هو منظمة تشكيلية تعبر من خلال ممارستها من طرف الخطاط عن تمثل منظومة من القيم الجمالية والإبداعية والثقافية. إن الخطاط – الفنان العربي إنما هو حامل لمنظومة ثقافية عربية يحاول أن يجسدها تشكيليا. وإذا كان الخط العربي هو أقصى أشكال التجريد الهندسي فإنه يمثل أيضا جماليات لهندسة ذاكرتية ترتبط ببنية المخيال والثقافة ذات الطبيعة الشرقية.
يتحرك عالم الخط على مستويين:
مستوى المعنى الذي يخطه كتابة وقد يكون شعرا أو نثرا أو نصا يحيل إلى ما هو ديني.
مستوى نظام لعلامات وهو مستوى الأشكال التي يظهر من خلالها المعنى في قالب خط ونلاحظ أن فن الخط العربي قد تميز بنوع من التموج والإيقاع البصريين المرتبطين بعناصر معيّنة مثل الضمة والنقطة والفتحة والكسرة أما حركة الحروف ومختلف أشكال التزويق الظاهرة في الخط العربي فإنها تدل على نوع من الإيقاع الداخلي لبنية الخط. يتعامل الفنان الخطاط في هذا المستوى مع بنية فضاء فالخط العربي له فضاء والمتعارف عليه أن الفضاء هو الشرط البنيوي اللازم لأي إبداع بصري وبالتالي فهو الشرط الضروري لتوزيع الحروف حتى تظهر من خلال مساحة. وبطبيعة الحال فإن التأليف هو الجمع بين عدة عناصر، أي تحويلها إلى بنية تشكيلية وفي الخط يظهر التأليف كجمع لمجموعة من الأشكال والإيقاعات والمفردات بشكل متجانس على مساحة الفضاء (الورقة مثلا).
يقوم الفنان – الخطاط بالربط بين بناء دلالي صناعي وبناء دلالي طبيعي فالخط هو حرفة وتشكيل أما اللفظ فهو منظومة طبيعية. إذن هناك تعامل مع نسق دلالي يتمظهر صناعيا وطبيعيا إذ أن «الخط دليل صناعي واللفظ دليل طبيعي»(7). من هذا المنطلق فإن الخط بشكل عام والخط العربي كمثال هو فن مادته اللفظ الذي يتحول من خلال الممارسة إلى بناء بصري، «خط القلم يقرأ بكل مكان وفي كل زمان ويترجم بكل لسان،... ولولا الكتاب أي الفنانون الخطاطون لانتفت أخبار الماضين وانقطعت أخبار الغابرين»(8) إن هندسة الخط العربي في أقصى أشكال تجريده تشكيليا إنما هي إحالة وتمثل لثقافة وتصورات وقيم حضارية وعلامات ذاكرتية
ملاحظات ختامية:
العربي... ليس ذلك الجنوبي المتسلح بخلاء الصحراء والمكان، العربي يحمل تراثا وكيانا. إن التراث عنصر من عناصر هوية وجودنا واستخلاص عناصر الإبداع فيه استعداد لقبول أنوار التقدم والحداثة والانفتاح. ليس التراث إلا تنويعة من تنويعات وجودنا ولكي يكون وجودنا حيا علينا أيضا القبول بقيم الفرادة والإبداع والاعتراف بالفرد ككائن ينشد الجمال والحب والانفتاح... إن ذلك اعتراف بالإنسان.
التشكيل فيما يظهر من مواد ومنتوجات التراث إنما في ظاهر الأمر وخفيه تشكيل للهوية، للذات، للثقافة بعناصر تشكيلية وفن التراث الأساسي هو الاستخدام الإبداعي لتقنيات وعناصر العمل التشكيلي.
قراءة التراث على ضوء تشكيلياته ليس استرجاعا وثوقيا له ولكن انفتاحا عليه بعين الإبداع والعقل والبصرية الجمالية. الجمال لا يذهب العقل كما قيل في الشعر وإنما ينضج الذوق والرقة ويعطي رونقا لقيم التآنس والتعايش والصداقة والحب. التراث منبع من منابع حضورنا في العالم ولكن الحضور أيضا انفتاح وعدم مغالاة وتلك هي الحداثة التي في معناها العميق اعتراف بالذات، بالجسد، بالآخر وبكل قيم الحرية.
الهوامش
-1 Habermas (j): le discours philosophique de la modernité – Edition Gallimard – 1988 page 356.
2 - منسوج تقليدي تونسي
3 - "الرقمة ": إحدى الأشكال الفنية التراثية الموجودة في المنسوجات التقليدية التونسية مثل "المرقوم"
4 - Ben Mansour(H) tapis et tissage, Histoire et légendes Habib–Page 71- sinpact Eution 1999.
5 - Ben Mansour(H) tapis et tissage, Histoire et légendes Habib–Page 74- sinpact Eution 1999
6 - Ben Mansour(H) tapis et tissage, Histoire et légendes Habib–Page 71- sinpact Eution 1999
7 - ابن حجر:" منهاج الإصابة في معرفة آلات الكتابة:، ورقة 2 المكتبة الوطنية بتونس.
8 - نفس المرجع.