فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
66

القانون .. دستور الآلات الموسيقية

العدد 29 - موسيقى وأداء حركي
القانون .. دستور الآلات الموسيقية
كاتب من مصر

القانون من أهم الآلات الموسيقية العربية وآلة رئيسية في التخت وفى جميع الفرق الموسيقية العربية بجميع تشكيلاتها القديمة والحديثة وينتشر القانون في العالم العربي كله وتركيا وايران كآلة تحمل طابع وروح الموسيقي العربية والشرقية. وهي آلة هامة جدا في دراسة الموسيقى العربية وخير مبرز لخصائصها ومقوماتها كما تشترك في الفرق الموسيقية المصاحبة للأغاني والرقصات الشعبية والمجموعة الآلية التي تصاحب بعض المغنين الشعبيين المشاركين في الاحتفالات والموالد والمناسبات الدينية والاجتماعية بينما يقل استخدامها كآلة شعبية فولكلورية بين الهواة والعامة من الطبقات الشعبية...

 لكن من ناحية أخرى لا تخلو منها أية فرقة موسيقية تحت أي وصف أو تشكيل فني من أبسطها الى الفرق ذات المستوى الفني الرفيع حتى أدخلت أيضا الآلة في بعض المؤلفات السيمفونية العالمية .وآلة القانون شأنها شأن باقي الآلات الوترية تحتاج إلى عقل أكثر خبرة ودراية في تفهم طبيعة الأصوات والآلات كما تحتاج إلى مصمم مهندس فنان على قدر كبير من الذكاء والتحضر لأن الآلة الوترية تحتاج إلى عدة عناصر متكاملة ومتوافقة يجب توافرها تحت شروط ومواصفات معينة حتي يتم الحصول على الصوت بشكل واضح وبصورة مرضية نغميا . ومن الجدير بالذكر أنه لازالت الوتريات قليلة الاستخدام حتى اليوم في مناطق عديدة من العالم خاصة في إفريقيا وبعض أجزاء كبيرة من أمريكا اللاتينية كما في حوض الأمازون وجزر المحيط الباسيفيكي بينما وصلت صناعتها إلى غاية الدقة والروعة الفنية والتنوع خاصة آلات الأعواد والقوانين .

الأصول التاريخية
كلمة قانون في اللغة العربية و Canon في الإغريقية يعنيان ويرمزان إلى النموذج أو القاعدة أو النمط المحدد ليكون القانون نموذجا للآلات الوترية عامة ونموذجا للعلاقة بين أطوال ونسب الأوتار وتحديد العلاقة النغمية بينهما (د/ فتحي الصنفاوي – تاريخ الآلات الموسيقية – الهيئة المصرية للكتاب – 2009م – ص159) ويرى غطاس عبد الملك الخشبة أن القانون kanoun لفظ معرب  عن الفارسية “كانون canon” بمعنى أصل الشيء وقياسه وهو اسم آلة مصرية من جنس المعازف ذات الأوتار المطلقة والمراد بالتسمية كذلك أنها بمثابة دستور الأنغام (غطاس عبد الملك – آلات الموسيقى الشرقية – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2009م – ص159 ) ولقد أطلق عليه اليونانيون كلمة القانون على غير ما أطلقه العرب فهو عندهم آلة موسيقية من نوع المونوكورد Monochord أو الصونومتر اللتين تستخدمان لقياس الأصوات والنسب الموسيقية على خلاف العرب الذين استخدموا القانون في الموسيقى العملية ( صميم الشريف – الموسوعة العربية  - المجلد الخامس عشر – التربية والفنون – http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=162779&m=1
وفي الفترة التي سبقت اليونان الكلاسيكية بعدة قرون لوحظ في الآثار اليونانية عدة آلات شبيهة لآلة القانون سواء منحوتات أو رسومات وجداريات كما نجد هذه المعلومات من خلال كتابات أرسطو وفيثاغورس وغيرهما من مفكرى اليونان حيث سموا القانون بأسماء يونانية “تريجونون” “بسالتيرون” “مغاديس” ومن المعروف في اليونان أن القانون قد قام المفكر فيثاغورس برسم وتحديد أبعاده وشرح العزف عليه وهو أول من خطط لهذه الآلة بالصورة الغربية من آلة القانون الحالية ولذا فإن الرسوم التي تمت في الفترة البيزنطية وما قبلها خاصة الجداريات توضح صورة القانون وشكلها وطريقة حملها والعزف عليها ( د/صالح حمدان – العودة إلى اليونان ( قانوناكى) – مجلة الكويت – العدد 278- وزارة الإعلام الكويتية – ص 101)وبزيارة إلى متحف الآلات اليونانية الشعبية في أثينا الذي يحتوي على كل الآلات الموسيقية اليونانية نعجب كثيرا من تفرعات كل آلة فالعود مثلا والذي يطلق عليه باليونان اسم العود أضا استطاع اليونانيون تصنيع آلات كثيرة مشتقة منه كل منها له تسميته طبقا للاستخدام  كذلك لاتزال تسمى بعض الآلات بأسمائها العربية كالقانون ( قانوناكى) الذي يعتقد طبقا لمدير المتحف البروفيسيور ليافاس وإذا كان اليونانيون أول من صنع هذه الآلات فماذا صنع العرب ؟ ( د/ صالح حمدان – اليونان موسيقيا – مجلة الكويت العدد 277- ص 103) فعندما نتتبع الرحلة التاريخية لآلة القانون عبر مختلف العصور سنجد حتما أن لها سلسلة حلقات تطورية فاختلفت الآراء حول تاريخها ونشأتها وفقا للمراجع لكن الأرجح أننا نعتمد على ما ذكره الدكتور صبحي أنور رشيد في جميع مؤلفاته خاصة مرجعه القيم “ الآلات الموسيقية المصاحبة للمقام العراقي “ أن أصل القانون يرجع إلى آلة وترية مستطيلة الشكل شدت أوتارها بصورة موازية لسطح الصندوق الصوتي وهي تعود إلى ق 9 م ( العصر الأشوري الحديث ) وقد أطلق العرب عليها في العصر العباسي اسم ( النزهة )  ومع مرور الوقت تشعبت آلة النزهة إلى القانون إلى أن سيطر وانفرد؟ ولعل أقدم عصر جاءتنا منه اثار موسيقية لشكل القانون هو العصر العباسى  وأن الكلمة الإغريقية قانون لا تدل على آلة القانون المعروف بل تدل على آلة ذات وتر واحد تعرف باسم ( المونوكورد ) لقياس نسب أصوات السلم الموسيقي والواقع أن الآثار الموسيقية الإغريقية والرومانية ليس فيها ما يثبت استعمال آلة القانون, مصدر آخر يذكر أن أقدم استخدام لآلة القانون يعود الى العصر العباسي وعلى وجه التحديد فى ق 10 م حيث ورد ذكرها فى “ألف ليلة وليلة” وجاء في الجزء الأول من كتاب “السماع عند العرب” لمجدي العقيلي أن القانون مستوحى من آلة الهارب الفرعونية وشاع استخدامها عند العرب إلا أنهم استعاضوا عنها بالقانون بعد ذلك شاع استخدامها عند الغربيين وأدخلت في فرقهم الموسيقية الكبيرة . تطور شكلها بالنسبة لما كانت عليه قديما إذ نجد شكلها في اللوحات الأثرية الكنعانية وفي المعابد الفرعونية يختلف كل الاختلاف عما هو عليه الآن كما نجد مثلها في بقايا الآلات المكتشفة في بابل وآشور ( منتدى قيثارة - معلومات مهمة عن آلة القانون – الاثنين 4/8/2008م –http://guitara.yoo7.com/t1357 -topic ) ويعد القانون قانونا وتطبيقا عمليا للمقامات في الموسيقى العربية  وهو آلة إسلامية أرجعها بعض المؤرخين إلى العصر العباسي وبعضهم الآخر نسب اختراعها إلى أبي النصر الفارابي وهناك من يقول أن بدايات هذه الآلة يرجع استخدامها عند العرب إلى ما قبل هذا التاريخ (صميم الشريف –مرجع سابق) ويدل شكل القانون شبه المنحرف والعدد الكبير من الخطوط النسبية التي يتكون منها سطحه الواقع بين الضلعين المتوازيين والذي شدت عليه الأوتار على أن هذه الآلة كانت تستخدم في الماضي كقاعدة أو سلمة نسبية أو قياسية للمقارنة بين الأطوال المختلفة للأوتار ولذلك عدت هذه الآلة كنمط أو نموذج لكل الأوتار مثلما كانت طوال تاريخها في مصر القديمة فيبدو أنها من مشتقات الجنك المثلث المصري بأن جعل له صندوق من الخشب قليل الارتفاع على هيئة شبه المنحرف القائم الزاوية من الجهة اليمنى تشد عليه الأوتار مستعرضة أقصرها في أعلاه وهي الأحد طبقة وأطولها في أدناه وهي الثقيلة النغم ولقد استخدمها عالم الموسيقى والرياضيات بطلميوس الاسكندري (المولود بمدينة نقراطيس بالدلتا والذي ترعرع في مدينة بيلوزيوم اوتل الفرما ق 2 م أو بالوظة حاليا) مثلما كانت العادة في مصر القديمة لتكون مقياسا لصحة العلاقات الهارمونية للنغمات عن طريق ضبط طول الأوتار وأطلق اسم “قاعدة القانون” Basis canon على هذه الآلة وذكر ذلك مؤلفه “الهارمونيات” واشتق العرب منها اسم القانون وكان بطلميوس يستخدم هذه الآلة للمقارنة بين أطوال ونسب الأوتار إلى بعضها في أية آلة وترية وكذلك لتحديد العلاقات المختلفة بين النغمات وهو النظام الذي اقتبسه العرب واعتبروه لب النظام الموسيقي وجوهره المقتبس عن الإغريق في حين أنه كان سائدا في مصر القديمة منذ أزمان سحيقة .

القانون وحيد الوتر
أصل القانون هو القيثارة وحيدة الوتر والتي كانت في مصر القديمة تعد معيارا موسيقيا وتستخدم قانونا مبدئيا وكانت وظيفة هذه القيثارة تقتصر على تقسيم وقياس الوتر إلى كل من أجزائه الرنانة فتحدث نغمة رئيسية مميزة عن نغمات الأجزاء الرنانة الأخرى للوتر وذلك عن طريق طول الجزء الرنان والعلاقة بين النغمة التي يحدثها أي من هذه الأجزاء بالنغمة التي تصدر عن الوتر ككل وهذه القيثارة الفرعونية كانت النموذج الأول للنظام الموسيقي المصري والتي استخدمت لتبيان التقسيم الهارموني وأطلق عليها بطلميوس اسم “القانون وحيد الوتر” Monocordus Canon ورسم لها شكلا شاهدها في المعابد المصرية القديمة خاصة من الدولة الوسطى والتي كانت لقيثارة مزودة بوتر واحد ( أي عصفورة ) أو وترين وجاء الرومان أيام القيصر أغسطس حينما غزا مصر عام 30 ق.م فوجد هذه القيثارة في مدينة اون (هليوبوليس) فنقلها إلى روما (وكانت مزودة بوترين) ونشرها في كل أوروبا وكان للقانون وحيد الوتر أو ذو الوترين اهتمام ديني كبير في مصر القديمة إذ وضعت في عداد الرموز والشعارات المقدسة في الخط الهيروغليفي للغة المصرية القديمة ودخلت في رسوم تبين مشاهد من الطقوس الدينية المصرية وقد ذكر أفلاطون في مؤلفه”حوار تيماوس مع سولون أن كاهنا مصريا أخبره بأن المصريين القدماء كانوا لا يهملون نقش أي شيء قد تكون له فائدة ولذلك خلدوها فوق المباني الدينية وأعمال الزراعة والتمرينات الرياضية ومعالم التاريخ والمعارك وغيرها فالفيتارة أو القانون ثنائي الأوتار كان في صمر القديمة رمزا للنهار والليل أو لنصفي السنة التي تنتقل الشمس خلال كل منهما من مدار لآخر كما أن الغيتارة وحيدة الوتر كانت تعد النمط المبدئي لنظام الهارمونية الموسيقية كلها وبالتالي رمزا لنظام الهارمونية الكونية والفلكية كلها وقد ذكر أفلاطون وفيثاغورث (اللذان نهلا من فلسفة مدرسة الكهان بمصر القديمة وتعلما الموسيقى والرياضيات) أن المبادئ الأساسية للموسيقى المصرية كانت وثيقة الصلة بمبادئ الفلك عندهم أو كانا توأمين وبينا أن العيون قد خلقت لتراقب النجوم وكذلك خلقت الآن لتلتقط الحركات الهارمونية وقد دأب المصريون القدماء على المقارنة بين الهارمونية الكونية والهارمونية الموسيقية وأقاموا مقابلات بين الكواكب السبعة والأنغام الموسيقية كما مثلوا الفصول بأوتار القيتارة ( وقد ظل هذا الرابط قائما حتى القرن 8م) لذلك استخدمت القيتارة وحيدة الوتر كآلة موسيقية بعد أن استخدمت طويلا كرمز لهارمونية حركة الكون وتقلبات الفصول الدورية والمسافات الخاصة بالكواكب والنجوم فيما بينها وخلدوا في آثارهم المعرفة بقوانين الطبيعة وقد نصح فيثاغورث تلاميذه دائما بالعودة إلى الغيتارة وحيدة الوتر للتعبير عن الحركة الكونية التي كان الكهان يعتقدون أنها تشكل تناغما هارمونيا محسوسا كما أكد الفيلسوف الفيثاغورسي (بانا كموس panacmus) بأن الواجب الموسيقي هو تنظيم النغمات فيما بينها ودراسة القوانين الهارمونية في كل ما تضمه الطبيعة ولقد أضاف العلماء أوتارا أخرى إلى هذا القانون وحيد الوتر بدلا من اقتصاره على قياس أطوال الأوتار وتحديد العلاقات الهارمونية بين النغمات واختيار أفضلها في الميلودي والتطريب وفي مدينة لاليديمونيا الإغريقية القديمة كان أهلها يعاقبون بشدة كل من حاول ابتكار بدع في الموسيقي تؤدي إلى تغيير المسار النافع للقيثارات أو القوانين عن طريق استخدامها في مجالات جديدة تساعد على زيادة الطيش والنزوات العابرة الضحلة التي تجافي كل ما هو سليم من عقل وإحساس وذوق مما يعتبرون خارقين للقوانين ومفسدين للتقاليد باتلافهم للموسيقى.

القانون الثلاثي والمتعدد
ظهر في مصر القديمة القانون الثلاثي الأوتار من ابتكار كهنتها وعدت رمز الفصول الثلاثة التي تقسم السنة في مصر وحيطت بكل التبجيل والتقديس وقد اقتبس الإغريق هذه الآلة وأطلقوا عليها اسم قيثارة عطارد القديمة ثم ابتكر قدماء المصريين القانون متعدد الأوتار وله شكل شبه المنحرف وبعدها ظهرت أنواع جديدة من آلات موسيقية مماثلة مثل السنطير (السنطور) في الشرق كما ظهرت آلات البسالتريون والتمبانون والهارب القديم ومنها ظهر البيانو الحديث في عصر النهضة الأوروبية (د/ سمير يحيي الجمال – تاريخ الموسيقي المصرية – الهيئة المصرية للكتاب - 2008م - ص 213 – 216 بتصرف)
القديم من القوانين كان يشد فيه عشرة أوتار لمدى النغم التي يحيط بها المع بذي الكل وكانت الأوتار تجعل في مجاميع ثلاثية لتشييع النغم فعدتها جميعا ثلاثون وترا ذكر ذلك صاحب كتاب “الميزان في علم الأدوار”(مخطوط 506 فنون جميلة بدار الكتب المصرية  - ضمن المجموعة 3 – مأخوذ بالتصوير المخطوط 2130 بمكتبة أحمد الثالث باستانبول  وينسب إلى صفي الدين الحلي المتوفي 750هـ) حيث قال : “..... وذكر الشيخ صفي الدين (ويعني صفي الدين الأرموي البغدادي المتوفي 693 صاحب كتابي “الأدوار” والرسالة الشرفية في الموسيقى”) رحمه الله أن  القانون يفتقر إلى ثلاثة دساتين ولكن لم يكن له ساعد تشد عليه الدساتين وهي ثلاثة وله ثلاثون وترا وأصلها عشرة مواجب كل موجب ثلاثة أوتار وقصده بذلك زيادة النغم...”  أما القانون بشكله المتداول الآن يعتبر آلة عربية إسلامية ترجع إلى العصر العباسي ويقال إن الفارابي (874 - 950م) هو مخترع أقرب شكل لآلة القانون الحالية حيث ركب الأوتار المستعرضة المطلقة على الصندوق الرنان شبه المنحرف وعزف عليها نبرا  نغمات ارتاحت لها النفوس وكما ألمحنا  فالآلة يعود تاريخها لأقدم من ذلك لكن يعود للعرب وللفارابي فضل تحسينها واستكمالها لتنتشر في العالم العربي ومنه إلى الأندلس منذ القرن 12م ( د / فتحي الصنفاوي – ص 146)

القانون في الموسيقى الأندلسية
القانون المستخدم في شمال إفريقيا والجزائر يبدو أنه كان أصغر حجما وأقل كمالا من القانون المصري أو التركي ولا تعدو أوتاره واحدا وعشرين وترا ثلاثية القو فعدتها جميعا ثلاثة وستون والأشبه أنه كانت تحيط بالنغمات من “اليكاه” ثقلا إلى ثان صياح “الجهاركاه” في الطبقات الحادة غير أن الذي تعلم عن تسوية أوتار القانون هو أنه يحيط بثلاث طبقات ندي الكل في مقام “الراست” على التسوية أو صياحها على الأساس “لا la” “فا” وسط هذه طريقة مقام راست نوا على الأساس (مي mi) والوسطى الثقيلة هي طريقة مقام “الراست” على الأساس “لاla” والوسطى الحادة هي نغم مقام “راست كردن” على الأساس (لاla) ثم يؤخذ من الجانب الأثقل ذي الخمس مما يلي نغمة الراست أو ذي الأربعة وقد يؤخذ الأربعة أو ذي السادسة والأمر كذلك من الجانب الأحد أما أن يؤخذ ذو الأربعة أو ذو الخمس والأهم في ذلك أن تؤخذ النغم على قياس تردداتها بالحقيقة دون النظر إلى طبقات كيفما  اتفق وهذا بفرض أن جنس الراست “في التسوية الطبيعية انما هو على الأساس (لا la) كما أن جنس (العجم) إنما يؤخذ من المبدإ على أساس (صول sol) (غطاس عبد الملك – ص 164)
وهو يخلو من الطبقة الجلدية التي ترى في القانون المصري من الجانب الأيمن منه ويشبه أن يكون صنفا من الأنواع القديمة ولقد حمله العرب الفاتحون إلى المغرب والاندلس وعرف فيهما تارة بالقانون وتارة أخرى بالسنطور أو السنطير ولقد ذكره الشقندي (ت 626 هـ) بإسم القانون وذكره بعد ذلك بسنوات قليلة العلامة ابن خلدون من بين الآلات الوترية الشائعة على عهده بالمغرب أما محمد بن الدراج السبتي (ت 693 هـ) فلم يورد ذكره بالرغم من اهتمامه بتعداد آلالات ووصفها وقد أحيا (العلمي) في “الانيس المطرب” ذكر هذه الآلة تحت اسم السنطير واتي بعده ( التادلي ) فساقها تحت اسم القانون . ولعل مما يفسر تفرد العلمي بتسمية هذه الآلة بالسنطير بدل القانون أن يكون أخذ ذلك عن البوعصامي الذي نعلم أنه أقام بمصر حقبة من الزمن حيث تلقى جملة من المعارف الموسيقية الشرقية ومن ضمنها أسماء الآلات ذاتها ومن هنا فإن اختلاف التسمية ليس إلا من باب تعدد الأسماء بمسمى واحد وقد شاع استخدام القانون في أوساط أجواق الموسيقى الغرناطية بالرباط من استقرار الموريسكوس بها وهو أمر يتأكد من خلال شهادة عالم الرباط  سيدي إبراهيم التادلي (ت 1331 هـ) الذي منح هذه الآلة في كتابه “أغاني السيقا” المرتبة الرابعة من بين أحسن آلات الطرب كما تأكد  فيما قبل من خلال مشاهدة سجلها المؤرخ المغربي محمد الضعيف ( ت 1233هـ) عندما قال “في ليلة الأحد 17 صفر عام 1226هـ بعث السلطان المولى سليمان في طلب الحاج بن الطيب نباني لرباطي فطلع عليه لأنه يعرف ضرب السنطير مع الآلة فبات يضرب السنطير مع العود والرباب فأعطى القانون ذاته ومن ثم فإن القول أن “أول من أدخل استعماله في عزف الموسيقي الأندلسية هو المرحوم الفنان احمد بلمحجوب زنيير” قد يعني نقل استخدامه من حظيرة الطرب الغرناطي بالرباط إلى حظيرة “الآلة الاندلسية” بالمدينة نفسها على يد هذا الفنان الذي يعتبر في آن واحد من رواد الطرب الغرناطي وأحد تلاميذ المدرسة الفاسية التي انتقلت مؤثراتها الرباط حديثا وتسوي أوتار القانون طبقا لنظام السلم الطبيعي في حالة عزف الموسيقي الأندلسية ونظرا لضعف رناته وخفوت صوته فغالبا ما تسند إليه مصاحبة منشدي المواويل التي شجعت ظاهرة إدخال الأنغام الشرقية إلى الآلة الأندلسية (عبد العزيز عبد الجليل – الموسيقي الأندلسية المغربية – المجلس الوطني الثقافة عالم المعرفة – العدد 129 – سبتمبر 1988 م الكويت ص 147 )

ابتكار السنطير
أما السنطور فاسمه في اللغة الهيروغليفية سنطير وتعرف أيضا بأسماء سنتر وسنتير وصنتر ويقال أيضا سنطير أو santier أو santour وكلاهما محرف عن الفارسية سان تار san- tar) يراد به أنه القانون ذو الأوتار من السلك والأصل فيه مشتق من الصناعة عن أصناف المعازف البدائية القديمة من ذوات الأوتار المطلقة ورد ذكرها في التوراة ثم ترجمت إلى العربية تارة مرادفة لاسم القانون وتارة مرادفة لاسم السنتير (غطاس عبد الملك – ص165) ولقد استخدمت بقلة في مصر الفرعونية لاعتقادهم بأن القانون آلة أرقى منها بكثير لذلك لن يستخدمها سوى المسيحيين والإغريق ويتكون السنطير من صندوق مسطح خشبي على شكل معين ويماثل القانون في هيئته إلا أن له جانبين مائلين ( بدلا من جانب واحد للقانون ) كما يمثل السنطير شكلا ثلاثيا مجدوعا عند قمته ولهذه الآلة أوتار ثنائية التصفيف ومصنوعة من المعدن وينقر عليها بعصوين صغيرتين من الخشب ( د/ سمير الجمال – ص 217 ) ولقد تبين من كتاب “ الميزان في علم الأدوار” المنسوب لصفي الدين الحلي (ت 750هـ) أن أول من أظهر آلة السنطير ورتب أوتارها الترتيب المعهود إلى زماننا  أو الأقرب إليه هو صفي الدين الأرموي البغدادي ( ت 693 هـ) فقد جاء فيه : “ ......... وقال صفي الدين رحمه الله:- لما رأيت أن أكثر الناس لا يلتفتون إلى كمال الآلة إلا إلى زيادة الضرب ويفضلون الجنك على العود لزيادة أوتاره وقوة نغمه فاخترعت لهم آلة غريبة وسميتها (النزهة) وهي قانونان مخالفة (أي مهيأة من قوانين أحدهما يخالف الآخر في وضعه ويمكن استعمالهما كالقانون بجذب الأوتار) فهي مربعة الشكل أحد قانونيها يمين والآخر يسار ولها أحد وثمانون وترا كل ستة منها نغمة واحد مواجب التمشي صياحات وسجاحات باليمين (أي الأنغام الثقيلة أوتارها مرتبة عليها من اليمين والصياحات أي الحادات: يسارا) وملاويها وسط الآلة ويضرب عليها بزخمتين (بمضربين خشبيين) وشدها على هيئة الجنك والمغني والقصد بها زيادة الضرب لا كمال الآلة ....” وقد انتشرت هذه الآلة بعد أن تهذبت صناعتها وعمت أنحاء العراق وما حواليها وظهرت أيضا جنوب أوروبا وفي السنطير العراقي لا تزال ترى مسطرة الملاوي إلى يمين الآلة كما كانت في القديم ولم تختلف في غير الدق على أوتارها ثم في ترتيب دعامات لها بوسط الآلة وأنها صارت أقرب إلى هيئة شبه المنحرف وعلى الرغم من أن السنطير العراقي لا يزال يستعمل بأنحاء العراق إلا أن الصنف المحدث منه عند أهل الشرق يبدو على هيئة شبه المنحرف التام المتساوي الجانبين وقاعدته السفلى تقرب من ثلاثة أمثال قاعدته العليا الموازية لها وصندوقه المصوت يصنع عادة من خشب الجو زاو ما يماثله وارتفاعه لها بعدد بوصتين ويقسم سطحه بدعامات من خشب النارنج تمر عليها أو خلالها أوتار من النحاس بعضها ثلاثي القوى وبعضها ثنائي وتسوية الأوتار وترتيبها في دعامات في وسط الآلة أو في طرفها يكاد يكون مشابها في جميعها فهي  في مد أقصاه ثلاث طبقات بذي الكل على قياس ترتيب النغم من جنس (الراست) وتجعل وكأنها في ثلاثة صفوف تبعا لاختلاف طبقاتها تقع ملاويها أكثر الأمر في الجهة اليسرى من الآلة فبعض الأوتار يمثل النغم السجاحات أي الفرارات الثقيلة وهذه تقع على يمين الآلة مستعرضة لها من أسفل وبعض يختص بالنغم السبع الأساسية الأوساط مع صياحاتها وبعضها يختص بالنغم الفرعية التي تحول عن تلك الأساسية بقصد استيفاء نغم مقامات الألحان التي تؤدى عليها هذه تقع إلى يمين الآلة من الأعلى ولها دعامات في الوسط وقد يختلف ترتيب الأوتار وعددها قليل تبعا للصناعة وعدة النغم المسموعة منها غير أنها أكثر الأمر ثلاثون نغمة أو أقل كل منها في وتر ثلاثي القوى وقد يكون الوتر في بعض ذلك ثنائيا من جنسه فعدتها جميعا لاتجاوز اثنين وتسعين وترا وطريقة العمل عليه كما في آلة القانون وذلك أن يجعل الضارب أمامه على حامل ثم يدق على أوتاره المعدنية بمضربين صغيرين من الخشب ينتهي كل منها بقاعدة ملتوية مغلفة بالسن وفي جنوب أوروبا صنف منه يعرف بالسنطير الهنغاري قريب الشبه مما في الشرق يسموه بلغتهم ( سمباك cymbal) غير أن هذه التسمية قد يراد بها من المبدإ ما هو من جنس الصنج ذي الإيقاع والأشبه أنهم يسمونه كذلك على هذا الرغم . وعلى هذا الوجه يختلف علماء أوروبا في اسم هذه الآلة وقد ذكرها المستشرق الانجليزي هنري فارمر بقوله “ أما السنطير والجمع سناطير فكان عادة ما نسميه : دلسيمير Dulcimer وفي هذه الآلة تسمى في مصر في القرن الخامس عشر “القانون ” كانت تسمى في سوريا “السنطير” وفي الحقيقة لم يكن السنطير إلا نوعا من القانون يعزف عليه أفقيا بقضبان ضاربة بدلا من العزف عليه رأسيا بالدق على أوتارها بدلا من جذبها كما في القانون بالدارة الصغيرة المسماة “الإصبع” وكان الإسمان يطلقان على آلة واحدة في القرن الخامس عشر ولكن ذكر الآلتين في مصر عام 1520م حين ذكر ابن اياس “القانون والسنطير” معا مما يدل على أنهما كانتا متميزتين الواحدة عن الأخرى ....” ورغم ذلك فالسنطير آلة قليلة الاستخدام في مصر وشمال إفريقيا اكتفاء بآلة القانون لكنها تستخدم أكثر في العراق و موطنة ابتداء ثم في سوريا غير أن المشاهد أن هذه الآلة في طريقها إلى الانقراض لقلة الحذاق الذين يألفون العمل عليها ثم لاعتقاد بعض أهل الصناعة بأن السنطير قد لا يساوق الألحان الطبيعية المقرونة بحروف الأقاويل على الوجه الذي تسمع به من القانون (غطاس عبد الملك – ص 165 – 169 بتصرف ) ولا زال هناك خلاف على موطنها الأصلي بين علماء الآثار وعلماء الاثنوغرافيا الذين يرجعونها الى مرحلة ما قبل الميلاد فإذا كانت هناك آراء تصر على أنها آلة تنتمي إلى الشرق القديم فإنهم أيضا لا يختلفون عن أنها ابنة حوض البحر الأبيض المتوسط والحضارة الفرعونية وهناك رأي أنها قدمت من حضارة الإغريق ورحلت مع مسيرة الغزو والجيوش نحو الهدف أما كيف رحلت فهناك اختلاف في الزمن  والمسار ودقة التوقيت البعض يعتقد أنها مرت إلى تركيا ثم إيران مرورا بمنطقة حضارة الرافدين وبلاد الشام أو أن العكس هو الصحيح أي ارتحلت من إيران إلى حضارة الإغريق عبر المنطقة الثرية بالحضارة وهي  بلاد الرافدين وبلاد الشام حيث استوطنت فيها الحضارة الأشورية والأكادية والسومرية والبابلية كل تلك السلالات محظورة حقائقها في الحفريات والآثار والنقوش وبعض المختصين بتاريخ الآلات الموسيقية يرون أن السنطور انبثق من تطور موضوعي لآلة الهارب الأشورية وهذه إحدى الفرضيات ولكن هناك رأي يرجعها إلى الحضارة الفارسية إذ أن لقطة الصنتور فارسية مما يفرض احتمال أن أصلها المادي جاء من هناك بالإضافة إلى النقوش الجدارية وحضورها المنتظم في القرن 17 وظلت برغم قدمها محصورة بين بعض البلدان كايران وتركيا واليونان وبعض بلدان المنطقة العربية إلا أنها محدودة الاستخدام ولم يتم إدخالها إلى الاوركسترات العالمية ونتيجة لتشابهها مع آلة القانون فقد انكمش استخدامها أيضا وانحصرت بين المهتمين بالعزف على الأغاني الفلكلورية والقديمة والتراثية وطائفة الغجر في منطقة البلقان ومن شاهد فيلم زوربا اليوناني الشهير الذي مثله الممثل الأمريكي المعروف انتوني كوين فإنه سيرى العلاقة الحميمية بين زوربا والآته السنتور والتي تلفظ في اليونانية سنتوري وقد ركز على أهميتها الكاتب نيكوس كازنتزاكيس كونها تحمل دلالات إنسانية وروحية بين شخصية في الرواية وهو زوربا وعلاقته بالآلة والعزف والرقص ومن المعروف أن السنطور تستخدم أكثر في الجزر اليونانية القريبة من الحدود التركية مثل جزيرة مدليني نتيجة العلاقة التاريخية بهذه الجزر والحضارة الهيلينية ومع التأثر والتأثير كانت رحلة آلة السنطور من شرقنا القديم إلى حضارة الإغريق وفي الوقت الذي انكمش حضورها في موطنها الأصلي إيران وجدت لها مكانة مرموقة بين الغجر والجزر اليونانية (من الآلات الموسيقية التقليدية – مجلة نزوي العمانية – العدد 13 يناير 1998 – Nazwi.com  )
ورد أيضا في الموسوعة الألكترونية ويكيبيديا أن أول حضارة عرفت استخدام السنطور هي الحضارة البابلية الذين جسدوا السنطور في ملاحمهم التاريخية مثل ملحمة كلكامش مع وجود رقميات نقشت عليها آلة السنطور وهو آلة مصاحبة للجافلي البغدادي والمقام العرقي وله دور كبير في السيطرة على إيقاع الأغنية ونقل المفردات الموسيقية وهو من الآلات الموسيقية صعبة الاستخدام مما تسبب في قلة العازفين عليها وهي تدرس في معهد الفنون الجميلة بالعراق قسم الموسيقى الشرقية ومن بين الأساتذة البارزين في مجال تدريس العزف عليها ( قاسم عبد ) وهو من العازفين المتخصصين فيها ( wikepedia.org)

أسرار التكوين والصناعة
القانون أغنى الآلات أنغاما وأطربها صوتا بما تتميز به من مساحة صوتية واسعة تشمل ثلاثة دواوين (اوكتا) ونصف الديوان تقريبا لتغطي كافة مقامات الموسيقى العربية إضافة لاعتماد كل عازفي آلات الموسيقى عليها في ضبط ودوزنة آلاتهم وتمركزها وسط الاوركسترا العربية ولقد عثر على علبة من عاج الفيل منقوش عليها آلة القانون في العاصمة الآشورية نمرود ( الاسم القديم: كالح) التي تبعد حوالي 35 كم عن مدينة الموصل والآلة في هذا الاثر الأشوري مستطيلة الشكل وقد شدت أوتارها بصورة أفقية متوازنة على وجه الصندوق الصوتي (الموسوعة الالكترونية ويكيبيديا ) ويؤكد هنري جورج فارمر في مرجعه القيم “تاريخ الموسيقى العربية ص 248 ” وجد من عائلة القوانين القانون والنزهة والأخير من اختراع  صفي الدين عبد المؤمن  وهو يؤكد ذلك أيضا في مرجعية الهامين “مخطوطات موسيقية عربية” و “دراسات في الآلات الموسيقية الشرقية” كما يؤكد أن صفي الدين ابتكر أيضا آلة أخرى هي “المغني”وتوصف بأنها شبيهة بالقانون من ناحية وتصور كالعود من ناحية أخرى وحافظت النزهة على شكلها المستطيل وظلت تستخدم جنبا الى جنب مع القانون في الشرق والغرب ثم اختفت النزهة وانفرد القانون حيث اقتبسه الغرب من الشرق وظهر في أوروبا منذ العصور الوسطى في القرن 11 م وقد استمر استخدامه في القرون اللاحقة إلا أنه أخذ يفقد أهميته ويقل استخدامه بظهور وانتشار آلة البيانو منذ القرن 17 م ولم يقتصر انتقال القانون على أوروبا بل انتقل للهند وأواسط آسيا والصين والقانون حتى أواسط القرن 19 م   كان طوله يبلغ 99.4 سم وعرضه 40 سم وسمكه 5.25 سم لكن القوانين الأحدث يبلغ طولها 84.2 وعرضها 68.8 سم وسمكها 4.7 ويصنع من خشب الجوز بينما تكثر به الزخارف على سطحه الأعلى وأحيانا يصنع وجهه العلوي والسفلي من نوع جيد من الخشب الأبيض (الشوح أو الموسكي ) بينما تصنع جوانبه من خشب الزان وكذلك الجزء الذي تمر منه الملاوي وكذلك الحافة التي تمر عليها الأوتار أما الأوتاد فتصنع من خشب الجوز بينما يصنع الكوبري من خشب الموسكي الفاخر وتوجد في الجزء الأوسط من وجه القانون قطعة مستديرة خشبية ذات لون أحمر مليئة بالثقوب بينما توجد قطعة أخرى صوب الجزء المثلث من الآلة مملوءة تماثل الخمسة أرجل للكوبري وفوقه مثبتة قطعة من جلد السمك عرضها 22.50 سم كما يرقد الكوبري ذو الخمسة أرجل فوق هذا الجلد الذي يغطي الخمسة ثقوب بحيث يعمد الى الضغط لأسفل على الجلد ( سمير الجمال - ص 261) والقانون عامة مؤلف من قطعتين خشبيتين تشبهان مستطيلا يتممه مثلث تضمان فيما بينهما تجويفا يساوي الحجم المحصور بين القطعتين الخشبيتين كان يشد عليهما قديما أربعة وعشرون مقاما ( صوتا ) وكل مقام مؤلف من ثلاثة أوتار ومجموع عدد أوتار اثنان وسبعون وترا وهي تصنع من أمعاء الخروف كي تحدث صوتا لينا طبيعيا  وتكون أوتارا كل مقام أغلظ من أوتار المقام الذي يليه وأدق من الذي سبقه أما الآن فيشدون على القانون مقامين أو ثلاثة مقامات في القرار أي زيادة ستة أوتار أو تسعة على الأربعة والعشرين مقاما فيصبح عدد مقاماته سبعة وعشرين مقاما (صميم الشريف – مرجع سابق ) 

      
تقنيات العزف
تسوى الأوتار تسوية السلم العربي في النغم الأصلية الثمانية لمقام الراست وترتب في ثلاث طبقات بذي الكل وقد تزيد قليلا وكل وتر منها يجعل في مجموعة ثلاثية من جنسه لتعزيز النغم فعدد الأوتار جميعا ما بين 63 الي 81 وترا والمعتاد عند إدارة تحويل بعض النغم بالرفع أو بالخفض يعمد المؤدي إلى الوتر المختص بها فيضغط على أقرب جزء في نهايته قرب الانق بحيث يستوفي الطبقة التي يعنيها وذلك إنما يكون بمراعاة مقام اللحن عند التسوية ابتداء وربما سويت الأوتار جميعا في طريقة مقام لحن بعينه مع مراعاة ما هو من المقامات المساعدة قريبا منه وقد جعلت أخيرا في صناعة القانون روافع صغيرة بحيال بعض الأوتار التي تخرج عليه إلا يلجأ إلى الضغط على الوتر أو إعادة تسويته وتلك الروافع يسميها أهل الصناعة : “عرب” جمع عربة غير أن الأصح في ذلك ألا تحول نغم الأوتار التي تمثل الطبقات الأصلية في استقرارات مقامات الألحان إلا عند العمل وبالضرورة والمراد بذلك ألا يلجأ المؤدي إلى عمل الألحان المشورة الطبقات بالنقل على طبقات آخر قد تكون ملائمة لتلك الأصلية فإن في ذلك إجهاد لذهن الضارب وإفساد لتمييز لطبقات بالسماع فإن المقامات التي تصاغ فيها الألحان محدودة بمقاديرها المميزة لكل منها . وطريقة العزف أن يجلس الضارب ثم يجعله أمامه مستندا على ركبتيه أو على حامل ويجذب أوتاره بأداة أو ريشة دقيقة تهذب من قرن الحيوان وتوضع في كستبانين يلبسهما العازف في إصبعي السبابة من كلتا يديه ( غطاس عبد الملك – ص161) ومداه الصوتي 4 أوكتاف تقريبا وتكتب مؤلفاته على مدرجي صول وفا  كآلة البيانو ( عبد الحميد توفيق زكى – التذوق الموسيقى وتاريخ الموسيقى المصرية – الهيئة المصرية العامة – 1998م – ص73) كل ذلك بعد أن تسوى الأوتار تسوية مقام اللحن المراد العمل به مع توابعه من النغم الفرعية وتؤدي اليد اليمنى لتلك النغمات في طريقة اللحن وهي التي تعد في جملة محاسن الألحان الطبيعية ( غطاس عبد الملك ص 162) وكل درجة صوتية واحدة يخصص لها وتران أو ثلاثة للقانون أو ثلاثة أو أربعة أوكتافات ويكون النبر عادة على مسافة أوكتاف أو يونيسون – ( نفس الدرجة ) بين اليدين بحيث تكون اليد اليسرى عادة هي الطبقة المنخفضة ويوجد تحت نهايات الأوتار من الجهة اليسرى مجموعة من الركابات الصغيرة أو العرب لكل وتر أو صوت ثلاثة أو أربعة منها يتم بها رفع أو خفض الدرجة الصوتية للوتر ( المجموعة المتشابهة من الأوتار ) بمقدار 1.4 تون لكل عربة يرفعها أو يخفضها العازف بيده اليسرى أثناء العزف في حالة تغيير الدرجات أو تلوينها عند الانتقالات اللحنية أو المقامية أو التحويلات فيما بينها ( د/ فتحي الصنفاوي ص 146) تجدر الإشارة إلى أنه في حين تكون السبابة اليمنى على مقام تكون السبابة اليسرى على قراره وعندما يحتاج العازف إلى أرباع المقام أو إنصافه يعمد إلى لائحة الحوامل المعدنية التى تقع تحت الأوتار إلى يسار الآلة عند مفاتيحها فيرفع أو يخفض ما يشاء بيده اليسرى حسب إشارات التحويل أو بعفق الوتر في موضع نغمته الأصلية ويمكن تطوير طريقة العزف على آلة القانون تطويرا جوهريا يدمي على العلم من أجل استخدامها في الفرق الموسيقية الغربية في مؤلفات الحوارية (كونشريتو concereto) أو في أي قالب موسيقي غربي آخر على نحو ما فعل الموسيقي أبو بكر خيرت في متتاليته الشعبية التي عزفتها فرقة بالغراد ألفها رميني بمرافقة عازف القانون الشهير عبد الفتاح منسي وصلحي الوادي في بعض الألحان الشعبية التراثية “ يا مايله على الغصون يا أبو عيون اللوزة” فلم تعد اليدان تؤديان نغمة واحدة معينة قرارا وجوابا بل نغمات منوعة وفق رغبة المؤلف وقد هدف صلحي الوادي الذي أولى هذه الآلة عنايته مع عازف القانون الشهير سليم سروة التي جعلها آلة قريبة في استعمالها من آلة البيانو فلا يقتصر العزف بها علي الريشتين المحصورتين في كل يد بين السبابة والإبهام بل على أصابع اليدين العشرة وبذلك يتحقق التنويع المفروض وفي هذه الآلة وهذه التجربة لم تستمر بسبب مرض صاحبيها غير أن الأكاديمية اللبنانية تلقفت ما بدأه صلحي الوادي ونجحت عام 2001 في تحقيق العزف  بآلة القانون بثلاثة أصابع في كل يد وقدمت مقطوعات للمشاهير من الموسيقيين في حفلات عامة والقانون نوعان: الكبير وهو المستخدم في فرق الموسيقى العربية عموما والقانون الصغير الذي اختفى من التخت الشرقي منذ أمد بعيد في حين ظل آلة أساسية في التخت الشرقي التركي والإيراني ويمتاز القانون الصغير بأصواته الحادة ويعد اسماعيل شنشيلر التركي أبرع من عزف بآلة القانون الصغير ويعد كل من رجب خلقي وعثمان قطرية وجمال الدين الهبل وعبد الحميد القلطقجي وسليم سروة وأمين الخياط وعدنان جارور من أبرع عازفي القانون في سوريا وكذلك أحمد منيمنة ومحي الدين الغالي في لبنان وسليم غزالة وإبراهيم عبد العال في فلسطين وحسن المغربي في تونس ومحمد العقاد الكبير ومصطفي بك رضا وإبراهيم عثمان العريان والعقاد الصغير وسيد محمد ومحمد عبده صالح وعبد الفتاح منسي وأحمد فؤاد حسن في مصر ( صميم الشريف – مرجع سابق )  ولقد كان عبد الفتاح منسي أستاذ الآلة وعازفها الأول يعتبر من الرواد الذين درسوا آلة البيانو لذلك كان يستطيع العزف على طريقة عزف البيانو أي أن اليد اليمنى تعزف جملا موسيقية تختلف تماما عن الجمل الموسيقية التي تعزفها اليد اليسرى في توافق موسيقي يتماشى مع قواعد علم الهارموني وقد رحل عبد الفتاح منسي وهو يعزف على آلة القانون عزفا انفراديا رائعا في حفل أقيم بقاعة سيد درويش بالهرم ولقد ولد عازف القانون الأول محمد عبده صالح ( 1916 / 1970م ) في بيت فني فهو ابن عازف القانون ( عبده علي صالح ) إبن أول مصري صميم ينبغ في العزف على آلة الناي الراحل علي صالح . كان عازف القانون الأب يعيش في الاسكندرية ولما أحس أن إبنه موهوب في القانون عهد إلى صديقه عازف القانون السكندري ( محمد ابراهيم ) بتدريس العزف على القانون لمحمد عبده صالح الابن ولمّا اشتد عوده انتقل الأب والابن للقاهرة وفي صالون صديقه أمين بك المهدي – عزف العود المتميز – استمعا إلى أئمة العزف والغناء ولبراعة محمد عبده صالح في ترجمة أو إعادة ماغناه المطرب من جمل موسيقية عزفا منفردا بالقانون من خلال ذاكرته القوية وحدة سمعه وصفائه تمسك به فارس الغناء الراحل صالح عبد الحي عازفا ممتازا ورئيس الفرقة واعتبره صديقه حتى أصبح بعد سنوات رئيسا لتخت كوكب الشرق أمام أم كلثوم وأثناء العزف السماعي مع غنائها أبدع بدوره جملا موسيقية جميلة سمعية بتصرف وزخرفات وحليات وهو نوع من الإبداع الموسيقي يصطلح عليه في الموسيقي الشعبية “فردشة” وهناك نوع آخر هام وأساسي في موسيقانا العربية هو الارتجالات اللحنية أو التقاسيم اشتهر بها محمد عبده صالح وهي نوع من الارتجال الذي يعبر عنه في الموسيقي العالمية بأنه الجمع بين التفكير والأداء الموسيقيين في آن واحد ولا شك أن هذا الارتجال كان محمد عبده صالح من فرسانه كما تميز في مجال التقاسيم بمصاحبة الدف والرق ( الارتجال على تقاسيم الوحدة ) كما ألف قليلا من المؤلفات والصياغات في قوالب شرقية وفي مقدمتها (سماعي هزام) والمقطوعة الموسيقية (مناجاة) كما حرصت الإذاعة المصرية على تسجيل معزوفات المنفردة اما العازف الممتاز كامل ابراهيم ( 1912 – 1948 ) فتتلمذ على روائع صالح عبد الحي وأم كلثوم وعبد الوهاب فضلا عن أمهر عازفي القانون فكان الركيزة الأولى في تحف عبد الوهاب ولقد عزف منفردا في مقدمة غنائية ( الفن ) مع صديقه احمد فؤاد حسن عام 1928 ودرس بمعهد الموسيقى العربية عام 40 والمعهد العالي للموسيقى المسرحية وتخرج منه عام 48 أما دراسة القانون فكانت على محمد العقاد الصغير ثم سيد محمد وعمل في الأربعينيات عازف لآلة القانون بفرقة عبد الرحمن الخطيب فتحولت إلى أشهر فرقة شرقية في الوطن العربي ( الفرقة الماسية ) بقيادته وظهرت في حفل تخرج دفعة 45 بمسرح معهد الموسيقى العربية وحيث عزفت من مؤلفاته المقطوعة الموسيقية ( البوهيمية ) وتدرج من مدرسي للأناشيد بمدرسة عابدين إلى ( عبد الحميد توفيق زكي – المعاصرون من رواد الموسيقي العربية – الهيئة المصرية العامة – سلسلة تاريخ المصريين – العدد 60 1993 – ص 259 + 261 + 309 بتصرف ) مساعد أستاذ بالمعهد العالي للتربية الموسيقية للعزف على آلة القانون ثم أستاذ ونائب لرئيس جمعية المؤلفين الملحنين وعضو المجلس الأعلى للثقافة ولجنة الموسيقى بالمجلس الأعلى للفنون والآداب كما أصبح نقيبا للموسيقيين منذ عام 79 وحتي وفاته 93 (  محمد قابيل موسوعة الغناء العربي – الهيئة المصرية العامة – سلسلة تاريخ المصريين – العدد 139 – 1999 – ص 36 )

إبداعات لاّلة القانون
كان أول من استخدم القانون مع الاوركسترا المؤلف الموسيقي المصري الموهوب إبراهيم حجاج (1916 – 1987) عندما كتب موسيقى فيلم “زينب” عام 52 وقام بعزف القانون حينها العازف المتميز عبد الفتاح منسي (1924 – 1990 ) بقدراته التكنيكية البارعة بين معاصريه والنادرة آنذاك وقد شجعت قدراته أن يفكر إبراهيم حجاج في اشتراك آلة القانون في موسيقاه وعندما عرض فيلم “زينب” في المهرجانات العالمية فاز بجائزة في الموسيقى لمذاقها الخاص والجديد بسبب استخدام آلة القانون وجاءت التجربة الثانية عندما أبدع فؤاد الظاهري (1916 – 1988 ) مؤلفه “ فانتازيا للقانون والاوركسترا” ولم يعمد فيه إلى استعراض إمكانيات وتقنيات عازف القانون كالمعتاد في مؤلفات الكونشيرو وإنما أراد أن يوجد نوعا من التعايش الموسيقي بين آلة القانون والأوركسترا وجاء عمله في ثلاث حركات ( الأولى سريعة – الثانية – بطيئة – الثالثة سريعة ) وحمل ملامح موسيقية عربية واضحة وجاء الإبداع الثالث عام 58 عندما كتب الراحل ابو بكر خيرت ( 1910 – 1963 ) متتالية الشعبية التي جاءت حركتها الثانية بعنوان ( أغنية وقانون ) مستخدما آلة القانون بحذر شديد فلم يمزج بينها وبين باقى آلات الأوركسترا وإنما بدأ بمقدمة أوركسترالية انتهت بالتمهيد لظهور عازف القانون المنفرد ليصول ويجول مستعرضا قدراته التكنيكية وبراعته في الانتقال بين المقامات الموسيقية المختلفة وقد قام العازف القدير عبد الفتاح منسي أيضا بعزف القانون في الأسطوانة المسجل عليها المتتالية وبعد أن انتهى دور القانون يعود الاوركسترا للعزف حيث تختتم المقطوعة ولقد فاز عنها أبو بكر خيرت بجائزة الدولة التشجيعية في التأليف الموسيقي عام 59 . وجاء العمل الرابع في مؤلف بعنوان “نور من المشرق” أبدع ألحانه عبد الفتاح منسي وكتب له التوزيع الموسيقي عطية شرارة ثم جاء العمل الكبير “كونشيرتو القانون والاوركسترا” الذي أبدعه محمد رفعت جرانة عام 24 وأكمله وانتهى منه عام 66 فجاء عملا متميزا في تاريخ الموسيقى العربية المعاصرة حيث أنه لأول مرة تقف آلة القانون موقف الند من الأوركسترا فقد استعان المؤلف بصديقه عازف القانون عبد الفتاح منسي للتعرف على أسرار إمكانيات الآلة وكتب جرانة العمل بحيث جعل العازف المنفرد يستخدم أكثر من ريشتين بأصابعه بدلا من الريشتين اللتين يستخدمها العازف عادة ولهذا جاء دور القانون جديدا بالنسبة لأسلوب العزف وثراء النغمات في عمل عملاق وقد بنى جرانة الكونشيرتو متوسط السرعة على لحن تكبيرات صلاة العيد تقدمها الاوركسترا أولا ثم القانون بأشكال مختلفة الحركة الأولى : بطيئة غنائية مبنية على لحن كلمات ( طلع البدر علينا ) التي استقبل بها أهل يثرب الرسول صلى الله عليه وسلم تتقدمها  أولا آلات النفخ النحاسية ثم الوتريات بقوة وتجاوبها الخشبيات مع عرض كامل لإمكانيات القانون ,الثالثة : سريعة دون إسراف بنيت على لحن آذان الصلاة يتقدمها القانون في اللحن الأساس ثم الاوركسترا كاملا وقد عزف الكونشيرتو عند تسجيله العازف القدير سيد رجب بمصاحبة الأوركسترا العربي بقيادة شعبان أبو السعد وكتب عبد الحليم نويرة ( 1916-1985) مؤلفا للقانون مع الاوركسترا جاء امتدادا لمؤلفات التحميلة المعروفة للموسيقى العربية التقليدية والتي تعتمد على لحن اساسي متكرر وتؤديه الفرقة وبين كل تكرار وآخر يقوم أحد العازفين المهرة بأداء تقاسيم موزونة وتختتم التحميلة باللحن الأساسي ولكن العمل احتفظ من صفات الكونشيرتو بأنه جاء في ثلاثة أجزاء وكذلك إبرازه للمهارات التكنيكية للعازف المنفرد وتبادل الحوار مع الأوركسترا. وأبدع حسين جنيد ( 1918 – 1990 ) مؤلفا قصيرا نسبيا بعنوان ( خواطر عربية للقانون والاوركسترا) وفيه يتبادل عازف القانون الحوار مع آلات الأوركسترا المختلفة في أسلوب عربي واضح المعالم كما صاغ أبو بكر خيرت طقطوقة “اية العبارة” لسيد درويش ليؤديها مغن منفرد وكورس من الجنسين مع الاوركسترا السيمفوني محافظا على طابعها العربي قام بأداء اللحن الأساسي آلات النفخ الخشية يليها آلة القانون بمصاحبة التي طبلة ورق ثم تكرر الوتريات اللحن وتقوم آلات الإيقاع بدور بارز في مصاحبة الجميع.
وبعد استعراضنا لإبداعات آلة القانون والأوركسترا نتساءل من ذلك العبقري الذي ألهم كل هؤلاء المبدعين بكتابة أعمال متميزة للقانون أنه المبدع البارع عبد الفتاح منسي الذي لقبه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بالأسطول تقديرا منه لقدراته الفنية غير العادية ( د / زين نصار – دراسات موسيقية – الهيئة المصرية العامة – 2006 م – ص 19 – 61-78 - بتصرف )

أعداد المجلة