الحناء والحرمل لطرد السحر و«التبلاج» أقدم عمليات «تسمين» الأنثى في الصحراء
العدد 28 - عادات وتقاليد
في المغرب تتعدد العادات والتقاليد التي تميز كل منطقة على حده لتلتقي في الكثير من المشترك الذي يعكس امتزاجا عجائبيا بين القبائل العربية والأمازيغية من جهة وبين القبائل الصحراوية والعربية الأمازيغية من جهة أخرى.
وقد توارثت كل منطقة من المناطق هذه العادات وتناقلتها بما في ذلك طريقة المأكل والملبس والمشرب وطريقة العيش وحافظت على تداولها كدليل على هويتها رغم أنها تحمل الكثير من ملامح الغرابة والطرافة أحيانا.
من بين المناطق المغربية الحافلة بالعادات القديمة نجد مدينة «شفشاون» بقبائلها المترامية في أحضان جبال الأطلس الكبير في المنطقة الشمالية والتي حافظ سكانها ذوو الأصول الأمازيغية على العديد من طقوس السلف وعلى رأسها طقوس الزواج أو حفل الزفاف.. هذا الحفل الذي يعد شأنا جماعيا دأبت قبائل هذه المناطق على المساهمة في إحيائه بشكل جماعي من خلال تقسيم الأدوار بشكل منظم بين النساء والرجال وفي تناغم عجائبي لا يخلو أيضا من نفحات دينية لاعتبارات عديدة أهمها أن مدينة «شفشاون» كانت وما تزال المنطقة الأكثر إشعاعا على المستوى الديني بالنظر لمساجدها الشهيرة وزواياها العامرة ومدارسها الدينية العتيقة ومواسمها الدينية التي تخلد في تواريخ بعينها لقرون والتي صبغت المنطقة وسكانها بصبغة دينية امتزج فيها ما هو أمازيغي بما هو عربي ولينعكس على الكثير من عادات وتقاليد وطقوس هذه المنطقة.
موكب الخطبة
والد العريس بمعية النساء يتقدمهم إمام المسجد ذاك هو موكب الخطبة الذي يتوجه صوب بيت والد العروس لطلب يدها وهي الخطوة الأولى التي يتم فيها بعد موافقة العروس ووالدها مناقشة تفاصيل الزفاف بحضور جميع موكب الخطبة انطلاقا من المهر الذي يكون دوما عبارة عن مال وحلي الى موعد حفل الزواج ومكانه ولتأتي بعد ذلك مرحلة الحسم التي يتم فيها الدعاء للعروسين من قبل الإمام وقراءة سورة الفاتحة جماعيا كدليل على نجاح مهمة موكب الخطبة.
هدية الخطبة تؤجل دائما لما بعد موافقة أهل العروس وتعد هذه الخطوة إحدى خصوصيات منطقة «شفشاون» حيت يتم الإعداد للهدية بشكل احتفالي وطقوس لا توجد إلا في هذا المكان ابتداء من طقس توسط والدة العريس لموكب الهدية حيث تحمل فوق رأسها طبقا يضم ملابس تقليدية وبعض الحلي الفضية المتواضعة إلى جانب أوراق الحناء.. تستقبل والدة الخطيبة الموكب رفقة مجموعة من قريباتها وينسجم الجميع في الغناء والرقص ثم تتوجه النساء رفقة الهدايا نحو الفناء الذي يتوسط بيت العروس لتوضع الهدايا فوق زربية حمراء تتحلق حولها مجموعة أحواش المحلية التي تلهب الفضاء بإيقاعاتها الأمازيغية مستحضرة في غنائها دائما وفي مثل هذه المناسبات موضوع الزواج وفرحة العرس والتغني بجمال العروس وأخلاق وعلو شأن العريس.
العجين المخمر هدية لبيت العروس
فرحة الخطبة تستمر إلى اليوم الثاني أيضا وتبتدئ باكرا حيث يتوجه نساء بمواصفات خاصة (نساء تزوجن لمرة واحدة من رجل تنطبق عليه أيضا نفس الصفة ) يتوجهن إلى النهر القريب من القبيلة لغسل القمح في طقس غنائي راقص ليتوجب عليهن فيما بعد طحن القمح في الرحى التقليدية ليحصلن على الدقيق هذا الأخير سيعجن فيما بعد ببيت العريس لإعداد ما يطلق عليه ب «تخميرت».
«التخميرت» هو عجين يدل على النماء وعن تحالف الأسرتين وقد دأبت القبائل هنا على الاعتقاد أن العجين بما يتضمنه من قمح وماء يحمل كل معاني الحياة والعيش ومن ثم حافظ كل أهل هذه المناطق على هذه العادة بمن فيهم حتى من هاجروا إلى المدن القريبة أو البعيدة..وهي هدية رمزية ينتظرها أهل العروس بفارغ الصبر حيث تصلهم هذه الهدية بعد أن تكون قد اختمرت ببيت العريس يتوسطها خاتم من الفضة وموضوعة على طبق زينت جنباته بالصوف والبيض وليتم الاحتفاظ بالطبق إلى يوم العرس.
الحناء والحرمل لطرد السحر
طقس الحناء افتتاح يوم العرس البهيج حيث يتناوب النساء على وضع الحناء بيد العروس هذه الأخيرة تتوسطهن في فناء البيت ووجهها مغطى بمنديل أبيض تستقبل هدايا الحاضرات بطريقة فيها الكثير من الإشارات حيث يتم تمرير الهدايا المقدمة فوق رأس العروس بشكل دائري عدة مرات لتتكفل والدة العروس فيما بعد بنثر حفنات من الحنة و الحرمل في المكان طردا للعين وتخوفا من السحر ولتنسحب العروس بعد ذلك من المكان لتتوارى داخل غرفتها إيذانا بانطلاق الرقص والغناء .
بعد أن يشارف الحفل على الانتهاء تعود العروس إلى الفناء الذي يضم الفرق الموسيقية لتجلس من جديد وهي تغطي كل جسدها برداء أبيض أو أخضر تتحلق حولها مجموعة من النساء الواقفات على شكل حائط لحجبها عن العين بالشكل الذي تحرص الواقفات على حجبها جيدا بالرداء حتى لا تصل لها عين أحد من الحاضرين.
عروس على طبق من ذهب
على الطبق الذهبي المزخرف تحمل العروس ليلة عرسها على رأسها تاج الأسرة أو مغطى بمنديل أخضر ويزين صدرها بحلي كثيرة لتجلس بعد أن يتم الدوران بها وسط النساء استعداد للرحيل وهو الرحيل الذي يتم إما عبر الفرس أو على الطبق الذهبي حسب بعد أو قرب المسافة إلى بيت العريس مرفوقة بموكب المكون من أهلها وجيرانها ومجموعة أحواش الغنائية وخلال سير الموكب يعترضه أحد الرجال محاولا إعاقة وصوله مما يدفع الحاضرين إلى ترضيته ببعض الهدايا حتى يفسح لهم المجال، ويعد الطقس إحياء للممارسات القديمة حيث كان قطاع الطرق يحاصرون المواكب فيعمل المرافقون على حماية العروس، أو يقومون بتأمين الطريق مسبقا من خلال ترضية زعماء قطاع الطرق.
بعد وصول العروس تستقبلها والدة العريس بالتمر و الحليب بينما يعمل العريس على استقبال الموكب بطريقته الخاصة وذلك من خلال نثر حبات التمر واللوز والجوز فوق رؤوس الضيوف فيما يتم إدخال العروس إلى غرفتها بعد أن تقوم بإزالة تاج الأسرة حتى يتم إعادته إلى بيت والدها .
«التبلاج» أقدم عمليات «تسمين» الأنثى في الصحراء
والبدانة عند أهل الصحراء رمز للجمال ولهدوء واتزان المرأة
السمنة في العرف الصحراوي عند القبائل المتاخمة للساقية الحمراء في الصحراء المغربية هي دليل المظهر الاجتماعي العالي ودلالة على رغد العيش ووفرة الأكل ..ومن ثم كانت وما تزال مقاييس الجمال عند المرأة بالمقياس الصحراوي هي بدانة جسمها التي تعكس أيضا رصانتها وانضباطها وهي مواصفات تجتهد نساء هذه المجتمعات لتوفيرها ولو تطلب الأمر الشيء الكثير .
المرأة «الرشيقة» ليست هي المرأة المطلوبة في هذا المجتمع الصحراوي الذي ورث مقاييس الأجداد في الجمال ، فالجمال الصحراوي لا تخطئه العين (امرأة سمينة مليحة تسد عين الشمس ) وكلما كانت أسمن كلما ازدادت فتنة وجمالا وزادت مكانتها في قلب الرجل .
وكل أشعار وأزجال وأغاني أهل الصحراء عن النساء كانت و لاتزال مقرونة بالبدانة بدانة المرأة التي تؤهلها للقيام بوظيفة الأمومة والخصوبة ، وطالما شبّهوا الردفين بكثيب الرمل وبالموج وتغنوا بضخامتها وهو ولع ساحر جعل النساء أيضا مهووسات بالحصول على جسم بدين وإن كان بطرق غير صحية في أحيان كثيرة تشكل خطرا حقيقيا .
التبلاج
«التبلاج» هو تقليد صحراوي يتمثل في عملية تسمين المرأة من خلال نظام غذائي خاص تخضع له الفتاة مباشرة بعد بلوغها وبروز أنوثتها قصد تجميلها وتسمينها أساسا للبروز في المجتمع وهو تقليد لا يقتصر على اكتناز اللحم فقط بل يتعداه إلى الاعتناء بالبشرة من خلال تعريضها لبخار مجموعة من الأعشاب التي تصقل الوجه والوجنة والاعتناء بالفم والأسنان الناصعة البياض
عدم الجلوس طويلا من شروط الفتاة ، فعدم الجلوس الطويل يحميها من أن تصبح فطحاء والجلوس على المرافق (مرفق الذراع) ممنوع لأنه يجعل مرافقها سوداء وتلك أكبر العيوب أما الساق فيجب أن تصقل حتى تصير في بياض وشكل قالب السكر لأن الساق السمين غالبا ما يكون مؤشرا لشكل الجسم وامتلائه
ولا تستقيم عملية « التبلاج» إلا خلال فصل الربيع حيث تكون الألبان واللحوم متوفرة ليتم نحر بعير من صغار الإبل سنا لأن لحمها يكون طريا ويجفف اللحم تحت الشمس «قديد» ليطهى على نار هادئة في شحم الأمعاء ولتأكل منه الفتاة قدر الإمكان وهي الفترة المهمة في العملية حيث يتزامن الأكل مع ضرب مناطق محددة من جسم الفتاة بسوط رقيق كي تكتنز اللحم وتسمى تلك الفتحات التي يتركها أثر السوط ب «لبطط» ويحبذ أن يتم كل ذلك في البادية حيث تتوفر ألبان الماعز بكميات كبيرة وهي من المواد المهمة في العملية التي يشترط في نجاحها خلود الفتاة إلى الراحة وتجنب كل مجهود فكري أو بدني .
رواية أخرى
البدانة عند النساء في القبائل الصحراوية إرث فيه الكثير من الحكمة فالسمنة فضلا عن كونها مقياسا للجمال فهي رمز للرصانة والانضباط ،وعندما يتحدث الباحث في عادات وتقاليد القبائل الجنوبية بوشعيب البصير عن أصل ذلك فهو يستحضر أن دافع السمنة قديما يكمن في أن النساء السمينات تحميهن سمنتهن من الاختطافات التي كن يتعرضن لها في زمن صراع وغارات القبائل على بعضهم البعض إذ يصعب اختطاف وحمل امرأة سمينة في حين يسهل حمل أكثر من إمرأة نحيفة
والمتخيل الشعبي الصحراوي يقول الباحث بوشعيب البصير يعتبر السمنة نوعا من الحد من العين والحسد في فترات الحمل اعتبارا لأن بدانة أجساد النساء تساعدهن على إخفاء بطونهن المنتفخة وبالتالي درء لكل الأخطار التي تنجم عن أعين الحاسدين .
فوائد وفوائد
«راضية ش» إحدى المشرفات على عملية “التبلاج” والتي سهرت على المئات من عمليات تسمين فتيات,,, سعيدة بعملها وتعتبر أن في ذلك أجرا كبيرا عند الله لأن المرأة السمينة شرف وافتخار لعائلتها ولزوجها ، فجسد المرأة البدينة حسب “راضية” يساعدها على تجنب الإحساس بالبرد لأن السمنة تعين على توفير الحرارة المناسبة للجسم والحفاظ كذلك على تلك الحرارة تجنبا لبعض الأمراض التي تنجم عن البرودة كآلام المفاصل وآلام الصدر وهي مزايا تنفع حتى الزوج أيضا ....تقول المشرفة على عمليات “التبلاج»
الاتزان والهدوء صفات يشهد بها الجميع في المجتمعات الصحراوية للنساء الأكثر بدانة حسب «راضية ش» فنمط حياتهن يتغير حيث تتغير مثلا طريقة جلوسهن أثناء السمر وتبادل الحديث لتأخذ شكلا مغايرا لما هو مألوف لدى الناس العامة إذ أن النساء لا يجلسن على مؤخراتهن اعتقادا منهن أن الجلوس على المؤخرة يحول دون نموها وكبرها فيتخذن من الجلوس على جنوبهن سبيلا لكل جلوس متخذات من الوسادة مسندا في هذه الوضعية خاصة وأن الزي الصحراوي الفضفاض الواسع يساعد كل وضعيات جلوس النساء تختم السيدة المشرفة على عملية «التبلاج».
ما كل مرة تسلم الجرة
الخطورة تبقى قائمة دائما في كل بحث عن المستحيل ، والتبلاج الذي كان طبيعيا بمواد من الطبيعة أصبح اليوم بمواد كيماوية لها مضاعفات خطيرة جدا على جسم وصحة المرأة خاصة عندما نعلم أن عملية « التبلاج « التي كانت شأنا عائليا داخليا صارت مهنة احترفتها العديد من النساء وصارت مشاعة للجميع وقد تغيرت المواد المستعملة في التسمين من مواد طبيعية وصحية إلى أدوية كيماوية اكتسحت السوق وأقبلت عليها النساء بشكل جنوني ما شجع بعض الشركات الجشعة على استيراد كميات كبيرة من تلك الأدوية السريعة المفعول وذات التبعات غير المحسوبة .
فالطلب على هذه الأدوية تضاعف إلى مستوى يستدعي تدخل الدولة لحماية النساء يقول أحمد بابا ولد بيه الناشط في جمعية حماية المستهلك فرع مدينة العيون فالمستحضرات التي تباع علانية تصرف دون إذن من طبيب وهي جميعها تحتوي على هرمون « «الاستيرويد « الذي يسبب الكثير من الأمراض وهي أمراض ترتبط بالضرورة بالسمنة كالسكري وارتفاع الضغط الدموي وصعوبات في التنفس ناهيك عن الوفيات التي نتجت جراء تعاطي بعض الوصفات التي تستقدم من دول أوروبية وهي في الأصل لتغذية وتسمين البهائم ..وفي ذلك ما يعكس المثل المغربي العميق الذي يقول « اللي ابغا العسل يصبر لقريص النحل» أي ( من يريد العسل عليه أن يصبر للدغ النحل.)
«الملحفة»
لباس نساء الصحراء
إذا كانت «الدراعة» كلباس ارتبط دائما بالرجل الصحراوي فان «الملحفة» الزي النسائي الغني بالألوان ارتبط أكثر بالمرأة الصحراوية إلى أن صار علامة مميزة للنساء في الصحراء ليتجاوز كونه لباسا أو غطاء (لحافا) إلى رمز للهوية والانتماء للمكان والزمان .
«الملحفة» في الأصل عبارة عن ثوب يختلف طوله من امرأة إلى أخرى حسب الطول ولا يتجاوز في الغالب الأربعة أمتار بعرض ينقص عن المتر الواحد بقليل ، وهو ثوب يغطي كامل جسم المرأة من القدمين حتى الرأس بفنية عالية ومتقنة تتقنها في العادة كل النساء اللواتي بلغن سن الرشد ، ولعل الفنية الأكثر بروزا في «الملحفة» هو ذلك التناسق الزاهي بين الألوان والتي تبدو كلوحة تشكيلية أو معارض فنية متحركة وسط مباني المدن الجنوبية في المغرب الداكنة أصلا
الألوان في ثقافة الصحراء تعني الكثير وتشكل عنصرا رئيسيا في جملة من الاختيارات والسلوكيات في مجتمع ينبني أساسا على المحافظة على ما توارثته من أعراف وتقاليد وعادات عن السلف ، وبالقدر الذي تتفاعل فيه الألوان مع المناسبات فإنها أيضا بمثابة رمز للوضع الاجتماعي والانتماء الطبقي والسن والقبيلة
فالبنات غير المتزوجات يلبسن في الغالب ألوانا معينة تكون فاتحة وزاهية في حين تتفنن السيدات المتزوجات في ألوان «ملاحيفهن» حد الفتنة «فالمرأة المتزوجة لا حرج عليها « حيث يعمدن إلى اختيار «ملاحيف» بألوان كثيرة مشرقة يشترك فيها الأحمر القاني بالأخضر والأزرق والبرتقالي فيما يشبه مهرجانا من الألوان في شكل لوحة تشكيلية جميلة تمشي على قدميها ..أما اللون الأسود الذي عادة ما يشير إلى المكانة الرفيعة في المجتمع فالنساء اللواتي يرتدين «ملاحف» سوداء هن في الغالب سيدات للقبيلة أو زوجات أو أمهات لأسياد القبيلة ولذلك كان ولا يزال سعر الملحفة السوداء الأغلى سعرا والأفضل ثوبا .
أنوثة الصحراء
زائر مدن الصحراء في الجنوب المغربي (العيون،الداخلة ، سمارة ،الكويرة....) لابد وأن يثيره لباس المرأة في هذه المجتمعات التي كانت فيها المرأة سباقة لنيل كامل حقوقها بما فيه الحق في العمل وهي الحقوق التي لم تجعل من أنوثة المرأة الصحراوية أمرا ثانويا بل بقي الأمر أحد ثوابت المرأة في مجتمع يحترم ويقدر المرأة كثيرا
فالكثير من النساء يعتبرن «الملحفة» كلباس هو ميزة أنوثة المرأة في الصحراء وحجتهن في ذلك أن الملحفة صارت اللباس المفضل لكثير من نساء الداخل (المدن المغربية الداخلية ) اللواتي صرن بدورهن يقبلن على لباس «الملحفة» في مناسبات عدة وساهمن بشكل أو بآخر في ارتفاع سعر هذا اللباس خاصة حين نعلم أن القبائل في الصحراء لا تزال تعتبر «الملحفة» إحدى الهدايا المهمة والأساسية المهداة للعروس في حفل زواجها شرط أن تكون من الأثواب الممتازة ويفوق عددها العشر «ملحفات» ولعل الصورة الأكثر تعبيرا والتي تجسد مدى ارتباط النساء في الصحراء بهذا اللباس هو ما قالته الفنانة المطربة سعيدة شرف الفنانة التي اشتهرت بلباسها الصحراوي حين عبرت عن تشبثها بلباسها قائلة (عندما أنزع الملحفة أشعر وكأنني أسير عارية)
الجلابة المغربية
لباس لكل الأجيال
الزائر للمغرب لابد أن يثيره ذاك اللباس الفضفاض الواسع والطويل الذي يغطي الجسم باستثناء الرأس ، ولابد من أن يلحظ تشبث المغاربة نساء ورجالا بهذا اللباس التقليدي الأصيل المسمى «الجلابة « (الجلباب) وبرغم طفرة الموضة الحديثة المنتشرة في المملكة .
« الجلابة سترة في الصيف والشتاء»، هذه العبارة التي يرددها المغاربة تعكس أهمية هذا اللباس عندهم حيث لا تكاد تخلو خزانة ملابس نسائية أو رجالية في المغرب من « الجلابة « اللباس التقليدي المحتشم والفضفاض بالأكمام الطويلة والغطاء المتصل مع فتحة الرأس أو ما يسمى « بالقب» وهو بمثابة الرأس من الجسد والذي يشكل أحد العناصر الأساسية المكونة للجلباب لأنه بدون «قب» فان الجلابة تتحول فقط لقميص عادي وفي ذلك ما يعطي لهذا اللباس المغربي الفرادة والاختلاف عن الجلباب المصري أو «العباية» الخليجية
فخامة نسائية ورجالية
ظاهريا وبرغم بعض مظاهر الزينة والألوان فإنه يبدو أن الجلابة النسائية والرجالية تتشابهان ، لكن أحد أهم عناصر الاختلاف بين الاثنين هو طبيعة الخياطين ، فخياط «الجلابة « النسائية لابد أن تتوفر فيه المهارة والبراعة الفنية كما يشترط فيه التخصص اعتبارا لطبيعة العناصر التي تستعمل في خياطة وفصالة « الجلابية « النسائية حيث يتطلب الأمر التطريز بعدة خيوط منها أحيانا الذهبية أو الفضية أو هما معا وعلى أقمشة فاخرة بألوان نسائية فاتحة وتتلاءم مع كل فصول السنة حيث تتوفر أغلب النساء في المغرب على أكثر من «جلابة» بألوان وأشكال مختلفة تتناسب مع كل الفصول وجميعها تتشابه في عنصر الاحتشام الذي يعد أحد العناصر الأساسية في خياطة « الجلابة» مع استثناءات قليلة حيث تعمد بعض النساء إلى فصالة « جلابية « بذوقهن الخاص وبما يتماشي وبعض صيحات الموضة كالمزاوجة بين الجلابة وسروال الجينز أو تفضيل «الجلابة « القصيرة من الأسفل في إشارة لإبداعات المصممين المغاربة والذين تعاملوا وعلى مر السنين مع هذا اللباس بنوع من التقدير حيث حافظوا على شكله وتصمامية رغم بعض أشكال التجديد التي أنجزت من داخله وليظل باستمرار لباس الفخامة والوقار للنساء والرجال على حد سواء .
مآرب كثيرة
الجلابة والبلغة (خف تقليدي )والجبدور ( لباس رجالي داخلي يلبس تحت الجلابة) مع الطربوش الأحمر أي ( القبعة) ذاك هو اللباس الذي ارتبط بالمغاربة في الصور التي تروج للملكة سياحيا وقد ارتبط بهم هذا اللباس منذ النزوح الأندلسي وأصبح علامة مميزة للمغربي المتشبث بالأصالة والتقاليد ولا يزال يلقى هذا الشكل من اللباس الإقبال الكبير عند جميع الأعمار والشرائح الاجتماعية في المملكة من شمالها حتى جنوبها ويبدو ذلك جليا في الأعياد الدينية والوطنية وفي صلاة الجمعة وعند المناسبات خاصة في الأفراح حيث يفضل العديد من الرجال هذا اللباس التقليدي ويتنافس في ذلك الصغار والكبار والشباب .
ومثل الجلابة النسائية لا تخلو جلابة الرجال من تفنن في التصميم والصنعة حيث يتخصص خياطون بعينهم في عدة أسواق عريقة تقليدية في خياطة الجلابة المغربية الرجالية ومن أشهر هذه الأسواق سوق مدينة أزمور ومدينة فاس ومدينة مراكش ومدينة الحاجب ...وهي أسواق اشتهرت بخياطة « الجلابة» الفاخرة التي يشترط فيها الثوب الفاخر أو الصوف الممتاز والحرير والتي تخاط بتقنية لايعرفها إلا هؤلاء الخياطون المغاربة الذين توارثوا هذه الحرفة عن أبائهم وأجدادهم وحيث تستعمل الكثير من التقنيات القديمة والتي تتطلب خبرة كبيرة بعلم الحساب وفك شفرة تداخل الخيوط والتنسيق بين الألوان والتزويقات والمزاوجة بين الأشكال والأنماط والسطور والتلوينات في نمط حرفي بديع لايخلو من إبداع ساحر .
أهل الحرفة
وإن كان أهل هذه الحرفة من « معلميات ومعلمية « يعتبرون أن العصر الذهبي للجلابة قد ولى فإنهم يتشبثون بصنعة وحرفة تعد مفخرة لهم باعتبارها أحد ملامح الشخصية المغربية
فالسيدة غيثة الخياطة بأحد القيساريات العتيقة بحي الأحباس بالدار البيضاء والمتخصصة في خياطة الجلابة النسائية تقول إن المرأة المغربية بطبيعتها الجميلة تحب الشيء الجميل والشيء الجميل حسب السيدة غيثة لايزال موجودا في شكل الجلابة القديم بفخامته وإتقانه الذي يزيد هذه المرأة جمالا ، فالجلابة التقليدية تتميز بطولها وفضفضتها اللذين يخفيان مفاتن المرأة مع الحرص على أناقتها وأنوثتها تقول السيدة غيثة مضيفة أن هذه الجلابة عرفت بعض التجديد والتطور لتصبح مواكبة لعصرها ولتنافس الأزياء العالمية وذلك لايمس في شيء قيمة الجلابة بل بالعكس يزيدها إقبالا وإعجابا تختم السيدة غيثة.
المعلم إبراهيم السطيف خياط تقليدي للجلابة المغربية فاقت شهرته في فترة من الفترات المدن المغربية ، له أكثر من محل بعدد من القيساريات في المدن المغربية ويعمل رفقته الآن أكثر من مائة خياط تعلموا الصنعة منه شخصيا بالإضافة إلى أبنائه وبناته ، يعتبر أن الجلابة المغربية سترافق الإنسان المغربي إلى نهاية العالم منتقدا المسؤولين المغاربة الذين عجزوا عن ترويج هذا اللباس المغربي في الخارج حتى يصبح عالميا ، الحاج إبراهيم يقول إن الجلابة الرجالية تختلف باختلاف أصحابها ومناخ مدنهم بالجلابة في الريف المغربي ليست هي الجلابة في وسط البلاد أو في جنوبه ففي الصيف مثلا يستحسن أن تكون ألوان الجلابة فاتحة لتعكس أشعة الشمس كاللون الأبيض ويستحسن استعمال أثوابا من القطن أو الحرير مع اعتماد فصالة وخياطة خفيفة ، فيما يستحسن يضيف الحاج إبراهيم أن تصنع الجلابة من قماش الصوف مع اعتماد ألوان داكنة مثل اللون الأسود أو البني لمقاومة البرد والشتاء مع استعمال العقاد من الحجم الكبير وتلك من الأمور التي تعلمناها ونعلمها بدورنا لجيل جديد عسى أن لايبخل بدوره على جيل لاحق يختم المعلم إبراهيم.
الشربيل (خف نسائي)
سحر خاص
قصائد الملحون وأزجال الفنانين الشعبيين كلها تغنت بالمرأة صاحبة « الشربيل» (مولات الشربيل والشعر الطويل )حيث ارتبط هذا النعل التقليدي الجميل بالمرأة الأنيقة والمحافظة على أصالتها وتقاليدها في تماه ساحر يجعل من هذا الخف الصغير في الأرجل عنوان أنوثة ضاجة .
«الشربيل « في الأصل كلمة إسبانية تناقلتها الوفود المهاجرة من الأندلس إلى الشمال المغربي لتأخذ شكلها الجديد والمختلف في النطق بالعامية المغربية حيث صارت تنطق بتسكين حرف الشين ما يعطي للكلمة المنتهية باللام صوتا رنانا عند نطقها ..وهي الرنة الجميلة نفسها التي تعنيها الكلمة عند المحبين والعاشقين للأنوثة المفرطة ، فالشربيل في مخيّلة الرجل المغربي هو الحذاء أو النعل النسائي التقليدي الذي ارتبط بالمرأة الوقور والأنيقة باللباس الأصيل والمحافظة على تقاليدها وذات المكانة الاجتماعية الرفيعة
وتحكي قصص أهل مدينة فاس العريقة أن أحد المحبين وعد محبوبته بأن يفرش لها الأرض ذهبا إن قبلت زواجه ، وهو الأمر الذي عجز عنه لما تحقق المراد فأفتت عليه هذه المرأة الفاسية الأصل بأن يخيط لها «شربيلا» مطرزا بخيوط من ذهب وهو ما يعني أن قدميها ستطأ الذهب أينما وضعتها وهي قصة بليغة تناقلها الرواة في إشارة لرجاحة عقل المرأة الفاسية صاحبة «الشربيل»
وفي الأغاني الشعبية الكثيرة التي تتغنى «بالشربيل» والمرأة صاحبة الشربيل العنوان الكبير
لوحات تشكيلية
يحرص النساء في المغرب على زيارة المدن المغربية العتيقة المشهورة بخياطة وصناعة الشربيل «الحر المغربي» ومن أشهر هذه المدن هناك مدن فاس ومراكش واسفي والرباط وهي مدن اشتهرت بالشربيل العالي الجودة من ناحية الجلود والتصميم والتزيين والمواد والألوان ، والزائر لهذه المدن تحديدا ولأسواقها العتيقة لابد وأن تسحره المحلات والحوانيت العتيقة بواجهاتها التي تتزين بشتى ألوان وأشكال «الشربيل» النسائي التي يتم عرضها في شكل إكسسورات بألوان جميلة وبهية في ما يشبه لوحة تشكيلية مفعمة بالألوان والأشكال التي تعكس جاذبية هذا الخف النسائي « الشربيل» كما تعكس مهارة الصانع التقليدي المغربي الذي طور هذه الصناعة التقليدية لسنين طويلة .
وإذا كان المغني الفاسي مافتئ يردد كلمات شاعر يطلب من امرأة أن تطأ عليه «بشربيلها» وطأة عزيزة ( الله ..الله يالغزال مولاة الشربيل دوزي اعلي دوزة اتكون معزوزة ) فإن نعومة المواد التي يصنع منها الشربيل من جلد ناعم وثوب حرير وقطن حر يحيل على الأناقة العالية والتي تسعى إليها النساء من خلال التوجه إلى محلات بعينها وفي مدن متعددة اشتهر صناعها بالإتقان في إخراج هذا الخف الجميل.
تقول «عائشة» الصانعة التقليدية في سوق الأحباس العتيق بمدينة الدار البيضاء إن النساء في المغرب يطلبن تحديدا «شربيل» مدن فاس ومراكش علما أن شربيل الأطلس المغربي حيث القبائل الأمازيغية أفضل وأجمل بألوانه الطبيعية المستخرجة من الطبيعة وبتصميمه البديع وبخلاخيله (جمع خلخال) التي تعطي لخطوات المرأة إيقاعا جميلا وفاتنا .
المعلمة «عائشة» تقول إن أسعار الشربيل تختلف من نوع إلى آخر محددة السعر مابين عشرة دولارات أمريكي إلى 300 دولار ومابين السعر الأول والثاني مسافة كبيرة فإذا كان الأول صمم بجلد عادي ومواد متوفرة ورخيصة فان الثاني وغالبا ما يكون شربيلا فاسيا مزينا بخيوط الذهب الخالص والمبطن بأثواب الحرير والقطن الخالص والذي يعرف إقبالا كبيرا في موسم حفلات الزفاف حيث تقبل العرائس على اقتناء «شربيل مزين بخيوط الذهب» ليتماشى مع القفطان المغربي اللباس التقليدي المغربي الذي ميز دائما وأبدا المرأة المغربية.
الصين تغزو الأناقة المغربية
في قيسارية (سوق عتيق) مدينة مكناس لم يبق من أصل 120 محلا مخصصا لخياطة الشربيل الحر المغربي سوى 31 محلا وهو ما يعني بوار هذا النوع من الصناعة التقليدية التي كان يلتف حولها صناع برعوا في هذه الحرفة وأخلصوا في الوفاء لها وتعليم أجيال عديدة أصولها
المعلم أحمد الصبار أحد هؤلاء الصناع الذين يتأسفون لحال هذه الصناعة عائدا باللائمة في ذلك للمنافسة الشرسة التي أغرقت أسواق المدن المغربية «بشربيل» بآلات لا روح فيها أفقدته وقاره وهيبته التي طالما باركتها أيادي الصناع والصانعات المغربيات
المعلم الصبار يبتسم بمرارة ويتساءل باستغراب « هل الصينيون أيضا يصنعون الشربيل؟؟»
سؤال يعرف الإجابة عنه كل المغاربة أو على الأقل كل المغربيات اللواتي جربن أو ربما تعودن أن يلبسن «شربيلا» طبع عليه (صنع في الصين) فما الذي تبقى من أناقة المرأة المغربية إذن ...؟