فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
66

طقوس الخصوبة في المجتمع المصري

العدد 28 - عادات وتقاليد
طقوس الخصوبة في المجتمع المصري
كاتب من مصر

عديدة ومتنوعة هي الموروثات التراثية الشعبية التي تتعلق بموضوعات مثل الزواج والإنجاب في تراثنا الشعبي بمختلف أقطار الوطن العربي
ويعد الإنجاب من القيم الأساسية في مجتمعاتنا العربية،  بل وتسعى إليه المرأة ويكون هو هدفها الأول في الحياة،  فهو الذي يعزز مكانتها في الأسرة وفي حياتها الزوجية وفي نظر بعض المجتمعات الريفية إن المرأة التي لا تنجب هي غير جديرة _ في نظرهم _ بالحياة الزوجية فهم يقيسون مكانة المرأة بقدرتها على الإنجاب.

 


وبالرغم من القيم الكثيرة التي تتحلى بها المرأة عند اختيارها كزوجة مثل الجمال والنسب والأخلاق الكريمة

والمال إلا أنه عند زواجها وعدم إنجابها تتراجع هذه القيم أمام قيمة الإنجاب.
وخلف الأطفال بعامة والذكور خاصة أمر ذو قيمة أساسية كبرى في حياة الريفيين وكثيراً ما نسمعهم يقولون إن الأطفال ( زينة الحياة الدنيا) وهم “ خير وبركة من عند الله “ لأنهم اليد العاملة التي تزيد من الكسب والرزق ومن دخل الأسرة، وهم مصدر طمأنينة الأسرة على حفظ ممتلكاتها وتخليد إسمها وهم كذلك موضوع التفاخر والزهو لأنهم سيكونون عزوة وسيزيدون من حجم الأسرة وتفرعها بالتزاوج والمصاهرة والاندماج في أسر أخرى(1).
وهذا الموضوع مثلما لقي اهتماما كبيرا من الباحثين فقد عبرت عنه عدة أشكال من مظاهر موروثاتنا الشعبية مواكبة لتنامي الاهتمام بقيمة الإنجاب لما لها من أهمية قصوى

قيمة الإنجاب في الأمثال الشعبية
تعد الأمثال الشعبية التي أبدعتها القريحة الشعبية بمثابة حكمة المجموع وناتج خبراته في الحياة بل ولا نستطيع دراسة الشخصية القومية إلا بمساعدة الأمثال التي تجرى على ألسنته، وهناك كثير من الأمثال الشعبية التي تبرز و تؤكد قيمة الإنجاب في مجتمعاتنا العربية ومنها:
( أم الغلام. . تستاهل الإكرام )
( اللي مالوش ولد. . عديم الضهر والسند )
( الولد ضهر أبوه )
( أعز الولد. . ولد الولد )
( اللي خلف ماماتش )
( اللي ماتحبلش في ليلتها. . يا وكستها )
( المرا بلا ولاد. . بحال الخيمة بلا أوتاد )
( الله يعز البيت. . اللي يخرج منه بيت )
( المره اللي مابتخلفش. . زي الشجرة اللي مابتطرحش دواها قلعها )
( لولا الغيرة.. ماحبلت النسوان )
( قبل ماتحبل. . حضرت الكمون. . وقبل ماتولد. . سمته مأمون )
( حبلى ومرضعة وقدامها أربعة وطالعة الجبل تجيب دوا للحبل وتقول يا قلة الذرية)
أما إذا ساء الحظ ولم يكن هناك خلف، فالمحتمل هو الطلاق أو زواج الرجل بأخرى مما يعقد الأمور ويكدر صفو حياة زوجته الأولى.
ومن العوامل المسؤولة عن كثرة المواليد في الأسرة الريفية موقف الزوجة الضعيف تحت التهديد الدائم المستمر بحق الرجل في الطلاق أو في الزواج بأكثر من واحدة، الشيئ الذي يجعل المرأة تهتم اهتماما خاصاً بزيادة عدد الأطفال تدعيماً لمركزها مع زوجها وحماية لأسرتها(2)و هم يؤكدون في معظم الأحيان أن مسؤولية الإنجاب من عدمه، يقع على عاتق المرأة، وينظرون للرجل مادام هو قوي البنيان أو مادام هو رجل في حد ذاته فلا يشوبه عيب، وهذه النظرة تذكي مكانة الرجل دائماً في مجتمعاتنا.

 الاهتمام بالخصوبة في مصر القديمة
اهتم المصريون القدماء بالخصوبة والحمل والإنجاب حيث كانوا يقومون باختبارات عملية دقيقة لتحديد ما إذا كانت المرأة حاملا, منها فحص لون الجلد ومنظر العينين وغيرها من الاختبارات.
وكان من أساليب تحديد الجنين عن طريق بول المرأة الحامل كان على يقين علمي بأنه ما دامت تحمل حياة بداخلها, فلابد لبولها أن يكون محتويا على عناصر خلاقة (هرمون )قادرة على بعث النشاط والحركة في أية مخلوقات تتصل بها.
والفكرة الأساسية في تحديد جنس المولود قائمة على أن خصائص بول السيدة الحامل في ولد يجب أن يختلف عن خصائص بول التي تحمل بنتا. فإذا تم رش هذا البول على القمح والشعير , وكانت الأم حاملا , فان أحد الإثنين سينمو أسرع من الآخر , فإذا كان الأسرع بالنمو هو القمح (وهو مذكر في اللغة المصرية القديمة) فان المولود يكون ذكرا, وإذا نما الشعير (وهو في اللغة مؤنث)كان الجنين أنثى. أما إذا لم يحدث أي نمو لكليهما فإن السيدة لا تكون حاملا(3).
ومع أن المصريين القدماء استطاعوا التنبؤ بالخصوبة عند المرأة وبجنس الجنين , فيبدو أن البعض كان يحاول نوعا من النفوذ المباشر على نتيجة الحمل فمثلا نجدهم يهتمون بحفظ لبن الأم التي وضعت ذكرا , ويصنعون له الأوعية الخاصة على هيئة أم تضع ابنها في حجرها (ويقال أنها ايزيس )هذا اللبن كانوا يعطونه للمرأة التي تريد أن تحمل , خصوصا إذا كانت تريد إنجاب طفل ذكر(4).

علاج العقم عند المصريين القدماء
إن حرص الأزواج المصريين القدماء على إنجاب الأطفال يكون إزاءه حرص مضاعف من زوجاتهم على الحمل ونجاحه , وإشباعا لرعاية أزواجهن الملحة في النسل من ناحية أخرى. وفي المخطوطات المصرية كثيرا ما ينم عن إلحاح المصريات في توقي العقم , عن طريق الالتجاء إلى أهل الطب والى أهل السحر حينا , ثم إلى فيض الآلهة و من يتوسمن فيه إرادة الخير من الموتى حينا آخر(5).  
كما عثر على صحن نقش باطنه كله وما حول حافته بصور الضفادع , وكانت الضفدع (حقت)من أهم رموز الإخصاب والكثرة. ولا يبعد أنه كان في حوزة راق أو ساحر يستخدم في علاج العاقر بطريقة ما.
ومن التمائم التي يرجع لبسها رغبة في الحمل أو نجاحه ما كان يشكل بهيئة الإلهة (تاورت ) ربة الحبالى وبهيئة الضفدعة (حقت).
وكان من نعوت (خنسو) أنه (من يجعل النساء مثمرات. . ويجعل البذرة تنمو في رحم الأم)ووصف ايمحوتب بعد تأليهه بأنه يهب الأولاد لمن لا أولاد له , وفى نص اخروى (..إن حتحور سوف تجعل زوجاتكم يحملن ذكورا وإناثا إذا تلوتم (حوتب دى نيسو )ونسب إلى الحتحورات السبع أنهن يهبن الأولاد(6).

الرقى
لم تكن الأم العادية في العصور القديمة في مصر أو في غيرها ترى طفلها في حاجة إلى مجرد الوقاية من المرض ثم علاجه , وإنما كانت ترى وجوب وقايته كذلك من الحسد ومما يحيط به من الأشباح والأرواح الشريرة. وكان أقرب ما تتوهمه المصرية من الأشباح والأرواح طائفة من أرواح الموتى حرمها الناس نعيم الدنيا أو أهملوا تذويدها بمقومات الآخرة فهجرت قبورها هائمة ناقمة تصب جام غضبها على كل من تتمكن منه في سواد الليل أو في وضح النهار. ولوقاية الطفل منها صيغت على مر الأيام كثير من الرقى والتعاويذ تداولت بعضها أفواه النساء واحتفظ الرقاة والسحرة بأسرار بعضها الآخر.
واحتفظت كتب الرقى بعدد منها , وتتحدث إحداها على لسان الأم لتقي طفلها شر أشباح الليل فتنذر الميت القادم ذكرا كان أم أنثى بخيبة الأمل فيما جاء يسعى إليه من تشمم الطفل ( أو كتم أنفاسه)أو (إيذائه)أو ( انتزاعه) وتخوفه بأنها قد استعدت له بتميمة فيها الأذى كل الأذى له إذا أراد الطفل بسوء, حيث ضمنتها خليطا من أعشاب تورث الهلاك, وبصل معطس وعسل مستحب للأحياء مر للموتى... وتأخذ رقية أخرى فى مناشدة رع حين إشراقه أن يتولى (فلان بن فلانة )بحمايته إذا رأى الميتة تأتي. ويشترط واضع هذه الرقية أن تتلى في الصباح الباكر على ختم يد, أو كما يحتمل ماسبيرو على خاتم تنقش عليه يد مبسوطة, ثم يعمل للطفل (بالختم )حجاب من سبع عقد تعقد عقدة منها في الصباح وأخرى في المساء حتى تكتمل العقد السبع , ولهذه الرقية شبيهة بها تتلى في المساء وعلى هذا توجه إلى الشمس الغاربة عوضا عن الشمس المشرقة(7)..

 طقوس الخصوبة :
ويعنى به في مجتمع البحث تلك الممارسات الشعبية التي تلجأ إليها المرأة التي لا تنجب أو التي توقفت عنه أو التي لديها مشكلات متعلقة بالإنجاب كالرضاعة الطبيعية بغرض تحقيق أمنيتها وهو الإنجاب وكذلك حل المشكلات المتعلقة به، وهناك أيضاً ممارسات لابد وأن تراعيها المرأة في دورة حياتها ( طفلة / عروسة/ امرأة ) وتعتبر طقوس حماية أو طقوس وقائية بهدف ضمان للمرأة أن تكون قادرة على الإنجاب.
وتسمى هذه الممارسات بالخرافات بعيداً عمن يمارسها أما الذي يمارسها وغالباً ما تكون المرأة في المجتمعات الريفية أو الأقل وعياً وتحضراً فهي لديها معتقدات ومسلمات تسلمتها من الأجيال السابقة ومن السلف وهي مازالت مستمرة ومحققة لغايتها.
وعليه يمكن تفسير الخرافات السائدة في المجتمع الحديث بأحد أمرين أولهما : أن تكون الخرافات مخلفات من الماضي البعيد، ومن نتائج خبرات الإنسان، في عصور كانت خبراته فيها محدودة، وإمكانياته في البحث عن المعرفة قاصرة وعاجزة، ثم انتقلت تلك المعتقدات الخرافية من جيل إلى جيل عبر العصور عن طريق التربية والتعليم، حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من التراث الثقافي للمجتمع، والأمر الثاني : أن بعض هذه الخرافات من صنع العقلية الخرافية التي ورثها الإنسان عن الأجيال القديمة والتي قد يطبقها على ما يصادفه من مشكلات معاصرة إذا أعوزته الطرق التي تفضلها(8).

ومن هذه الممارسات التى تلجأ إليها المرأة بهدف الإنجاب.
أن تذهب إلى المدافن ( الجبانة ) ويعبرون عن ذلك ( تشق المدافن ) أو تدور حول القبور أو بأن تخطو على ( الخشبة التي يحملون عليها الميت ) عددا من المرات أو تخطو على ( الليفة والصابونة ) اللتين استخدمتا في تغسيل الميت، أو الدحرجة من فوق بعض الجبال والتي ينسب لها نوع معين من البركة أو بالمرور في حقل باذنجان أسود في وقت الغروب أو الالتجاء إلى السحر لفك العمل المعمول لها والمتسبب في عدم إنجابها.
ويبدو أن السبب الرئيسي في التجاء الإنسان إلى ممارسة السلوك والعادات المتصلة بالتفكير الخرافي، هو العجز والضعف إزاء حاجاته الأساسية أو مشكلاته المستعصية وعدم القدرة على التفكير المنطقي السليم. فالمرأة التي تشعر مثلاً بالقلق لعدم النسل عموماً أو لعدم ( خلف) الصبية بالذات، وتخشى على حياتها الزوجية من التصدع، قد تلجأ إلى السحر لتحقيق غايتها وبخاصة إذا كانت تجهل الحقائق العلمية المتعلقة بالتناسل والحمل. . إذ يتخيلن ويتوهمن أن في هذه الممارسات إنقاذاً لهن من أخطار تتهددهن(9).
وأن موقف المرأة الضعيف وما تعانيه من ضغوط في مجتمع يسوده الرجل بهيبته وقوته ومن مناخ يعزز سلطته، جعلت السبيل الوحيد كي يتمسك الرجل بالمرأة ( زوجته ) هي أن تنجب له كي تعزز مكانتها لدى زوجها ولدى أسرة زوجها ولاسيما حينما تأتي الزوجة من بيت أبيها إلى أسرة الزوج حيث تقيم معه في نفس البيت حيث يضم البيت الكثير من الزوجات الأخريات لإخوة الزوج واللاتي قد يكن أنجبن من قبل ويجيء قولهم ( حطت عجلها ومدت رجلها ) أي أنها عندما تنجب فهي تثبت أقدامها في البيت، بل ويتم الترقب إلى المرأة من ليلة عرسها في أن تنجب أم لا، ويقلقون جداً إذا تأخر الحمل لعدة أشهر، ويجيء قولهم ( اللي ماتحملش في ليلتها.. يا وكستها ).
ولهذا يعد العقم نازلة ترتعد المرأة من هولها، وتحاول بكل السبل النجاة منها فتلجأ إلى ضروب من الممارسات الشعبية تستجلب بها الحمل ويلاحظ أن هذه الممارسات من الكثرة والتنوع والانتشار بصورة كبيرة تعكس بوضوح مدى الحرص الشعبي على توفير الخصوبة، وإزالة أسباب العقم لتمكين الأنثى من أن تنجب(10).
ويرجع أفراد مجتمع البحث أن سبب عدم إنجاب الزوجة أو تعطلها وتأخرها إلى ما يسمى بالكبسة أو المشاهرة.

حول مفهوم الكبسة أو المشاهرة:
والكبسة أو المشاهرة كما يراها أفراد مجتمع البحث أنها ضرر أو أذى يصيب المرأة عموماً في مراحل معينة من دورة حياتها ( طفلة / عروسة / أم ) وفي أوقات معينة مثل وقت ختانها أو زفافها أو إنجابها وأيضاً في وقت فطامها لمولودها، وهذا الأذى والضرر من شأنه أن يعطل خصوبتها.
والأضرار التي تنتج من هذه الكبسة أو المشاهرة فإذا كبست ( المرأة ) أثناء عملية الختان لها وهي طفلة فحينما تكبر وتتزوج لا تنجب، وإذا كبست وهي عروس حديثاً تأخر حملها، وإذا كبست وهي واضعة ( أنجبت حديثاً ) فهي لا تنجب ثانية، أو يجف لديها لبن الرضاعة، وأيضاً إذا كبست بعد فطامها لوليدها ربما قد ينتج عن ذلك عدم الحمل ثانية أو إصابة وليدها، و توضح لنا المادة الاثنوجرافية أن الكبسة أو المشاهرة تصيب أيضا الذكور من الأطفال أثناء إجراء الختان لهم والتي من شأنها أن تعطل خصوبتهم حينما يكبرون. وتحدث المشاهرة أو الكبسة عند دخول أحد الأشخاص على المرأة وهي في حالات معينة كما ذكرنا (مختَّنة عروس واضعة فطمت طفلها ) حديثاً، دون أن ترى هلال الشهر العربي الجديد.
لذا يجب مراعاة دخول الشخص أولاً ثم خروج المرأة ( في حالاتها ) إليه وبذلك تتجنب الكبسة، أما إذا حدثت الكبسة أو المشاهرة، تعرضت المرأة للأذى أو الضرر فيجب عليها أن تسعى لفك الكبسة وهناك طرق كثيرة لفك الكبسة وهي تتوقف على نوعيتها.
ويرى مجتمع البحث أن هناك أشخاصا بعينهم من شأنهم أن يحدثوا الكبسة عند دخولهم على المرأة ( في أوقات تكون عرضة للكبسة والمشاهرة ) وكذلك عند دخولهم على الأطفال الذكور( عند ختانهم) مثل:
القادم من المدافن أو من شارك في واجب العزاء.
القادم من السوق.
القادم ويحمل معه لحماً نيئاً.
القادم ويحمل معه باذنجان أسود.
القادم ويكون حالقا ذقنه حديثاً.
القادم رجل أو سيدة تحمل أو ترتدي ذهباً.
امرأة قادمة تكون عليها الدورة الشهرية.
عروس جديدة أو أطفال مختتنون لم يهل عليهم الشهر العربي الجديد.
ونلاحظ مدى تشابه هذه الأفكار في الأفراد الذين من شأنهم أن يحدثوا الكبسة في الكثير من مجتمعاتنا العربية
ويرى الباحث أن كلمة مشاهرة ( كبسة ) تأتي من كلمة الشهر والمقصود هنا الشهر العربي (القمري) وذلك لأن رؤية هلال الشهر العربي الجديد كما يرى مجتمع البحث هو شرط لتجنب حدوث المشاهرة، أما عدم رؤيته فيساعد ذلك في حدوث المشاهرة، ومن كلمة الشهر أتت كلمة “ مشهرة ” وهي التي تمنع أو تقي من حدوث المشاهرة أو الكبسة.
وهناك “ مشهرة ” معمولة من جريد النخل وهي قطعة صغيرة من جريد النخل ويحفر عليها ثلاث أو خمس أو سبع علامات بآلة حادة وتعلق للطفل المختتن أو العروس أو الأم الواضعة أو الفاطمة لطفلها حديثاً، حتى وقت رؤية الهلال الجديد من الشهر العربي فيرميها صاحبها وهو ناظُُُر ومتطلعُ للهلال ويقول.
( يا شهر يا جديد.. خد مشهرتي الجريد).
( يجعلك بخيت علينا.. وضلامك تحت رجلينا.. ونورك جوه عنينا ).
ويعللون بذلك أن جريد النخل طاهر يرفرف ويسبح الله.
وهناك مشهرة أخرى عبارة عن خيط صغير يعقد 3 أو 5 أو 7 عقدات ويعلق في يد صاحبه وعند رؤية الهلال يرميها في وجه الهلال ويقول نفس الدعاء السابق أو دعاء آخر
( هل هلالك شهر مبارك. . خد مشهرتك وروح لحالك )
وبالرغم من اعتقاد مجتمع البحث أن هذه المشهرة تقي أو تمنع من حدوث المشاهرة أو الكبسة إلا أن البعض يقول
( العين حق. . والمشهرة باطل )، وهم يقصدون أن عمل المشهرة لا يمنع من حدوث الضرر أو الأذى الذي ربما ينتج من العين ( عين الحاسد )
بينما الاعتقاد العام في مجتمع البحث أن رؤية هلال الشهر الجديد يجنبهن العرضة للكبسة أو المشاهرة، لذا فهن يحرصن على أن يكون الختان أو الفطام أو الزواج قبل الشهر العربي الجديد بيومين على الأكثر حتى تكون فترة احتمال تعرضهن للكبسة أو المشاهرة قليلة،
وقد رأى الباحث نفسه في إحدى قرى البحث(11). عيادة طبيب الأطفال المزدحمة جداً لإجراء عمليات الختان، وعندما سأل، أجابه الإخباري بأنه غدا الشهر الجديد وظهور الهلال وبالتالي يمكن تجنب حدوث المشاهرة لهؤلاء الأطفال.
كذلك تحرص الأمهات عند فطام أطفالهن أن يتم الفطام قبل نهاية الشهر العربي، وقبل ظهور الهلال الجديد، حتى يتسنى للأم أن تراه وبالتالي تتجنب عرضتها المشاهرة، وكذلك تحرص العروس الحديثة على عدم خروجها من المنزل أثناء النهار إلا عندما ترى هلال الشهر الجديد.
ويتوافق هذا مع ماعرضته منى حامد الفرنواني في قرية البراجيل مركز إمبابة، حيث تذكر. ...وكذلك الفطام غالباً ما يتم في أواخر أيام الشهر العربي وتختار الأم هذا التوقيت حتى لا يمر وقت طويل لحين بدء شهر عربي جديد وذلك الاعتقاد بأن حالتها من التغيرات التي تصيب الثدي نتيجة لتراكم لبن الرضاعة به تؤهلها لأن تصبح مجالاً خصباً لحدوث المشاهرة التي قد ينتج عنها عدم الحمل مرة ثانية (12).
وهذا ما يؤكد انتشار وثبات الظاهرة في المجتمع المصري كله

 “فان جنب” وطقوس العبور
قدم العالم الفرنسي “ فان جنب” نظريته والمعروفة بطقوس العبور لوضع تصورات نظرية للاحتفالات المصاحبة للطقوس التي تؤدى داخل العادات في المراحل المتعددة لحياة الإنسان، ولقد حاول “ فان جنب “ أن يميز الطقوس التي تصاحب الانتقال من حالة إلى أخرى ومن عالم إلى آخر ( سواء كان كونياً أو اجتماعيا ) إذ أن هذه الطقوس تسير وفق قاعدة عامة أو ترتيب معين، ويعرض “ فان جنب” مخططاً تفصيلياً لهذا النوع من الطقوس
 وقسمها إلى ثلاثة أنواع
- طقوس انفصال Rites de séparataion.
- طقوس اندماج Rites de mariage .
- طقوس انتقال Rites d´ agrégation.
وقد لاحظ “ فان جنب ” في تحديده لهذه الأنماط عدم اقتصار أي نمط منها على مرحلة معينة من مراحل الانتقال التي تتم في حياة الإنسان، حيث ذهب إلى أنها قد تتداخل جميعها في كل نمط احتفالي أو قد توجد متفرقة(13).
 وتنطلق فكرة طقس العبور من صورة بسيطة وناطقة هي صورة العتبة التي يتم تجاوزها سواء كانت هذه العتبة رمزية أم اجتماعية أم روحية حيث يميز “ فان جنب ” فئة معينة من الطقوس التي “ ترافق كل تغير في المكان والحالة والموقع الاجتماعي والسن ” أنها طقوس عبور
ويمكن ربط حالات المرأة ( ختان زواج ميلاد فطام ) و(ختان الذكور) بنظرية طقوس العبور، حيث نجد أولاً في مرحلة الختان- والملاحظ في ريفنا المصري كانت تجرى عمليات الختان للإناث أيضاً كما للذكور- تعد هذه مرحلة من طقوس العبور حيث يتم طقس احتفالي ويعتبر هذا الطقس بمثابة مرحلة انتقال من الطفولة إلى المراهقة والشباب، وأيضاً تعد احتفالات الزواج طقوس انفصال عن حياة ما قبل الزواج وطقوس إدماج للحياة الزوجية في نفس الوقت، وكذلك الإنجاب ( الولادة ) وما قبلها الحمل فقد تحمل في طياتها طقوس احتفال وتمثل مرحلة انتقال من حياتها السابقة وفي نفس الوقت مرحلة اندماج مع جنينها أو وليدها، حيث انتقلت إلى مرحلة جديدة حيث تكتسب الأم وضعاً رمزياً واجتماعيا جديداً بعد إنجابها، أما الفطام فله طقوس خاصة حيث يعتبر الفطام مرحلة انفصال الطفل عن الأم والعكس والانتقال إلى مرحلة جديدة يعتمد فيها على نفسه.
إن انتقال أو تدرج عضو الجماعة من مرحلة إلى مرحلة التي فوقها تتطلب تأدية شعائر معينة وربما تعتبر الشعائر أثناء الحمل كعلامة للميلاد الذي يؤدي إلى الحياة، وشعائر الختان تتطابق مع الانتقال من الصبا إلى سن المراهقة، وشعائر الموت الانتقال إلى الآخرة. كل هذه الشعائر كشعائر انتقال، لديها الكثير المشترك الواحدة مع الأخرى وقد أظهر الانثربيولوجي الفرنسي “ فان جنب ” أنه يمكن بشكل عام تمييز ثلاث خطوات أو درجات، أولا الشعائر التمهيدية التي يترك فيها المبتدئ بعد الإعداد الواجب وضعه السابق ويدخل عتبة الوضع الجديد ـــثانيا الفترة الواقعة على عتبة الشعور أو هامشية الفترة على العتبة معرضاً لمخاطر خاصة وثالثاً شعيرة الانتقال النهائي عند قبوله في الوضع الجديد، ويتخلى عن مختلف الصفات التي كان يحملها في المرحلة الهامشية(14).
وقد لاحظ باخ A. Bach على وجه العموم أن هناك اعتقاداً بأن القوى والشرور تزداد خطورة بصفة خاصة في فترات الانتقال من حالة إلى أخرى عند الميلاد والزواج والموت. . الخ، وينطوي هذا الموقف على نوع من الخوف الذي يستشعره الإنسان البدائي من كل ماهو جديد(15).
وترجمت هذه القوى والشرور وعرفت في مجتمعاتنا بالكبسة أو المشاهرة وهي التي تحدث كما ذكرنا في مراحل ( الختان الزواج الولادة الفطام ) ويؤكد مجتمع البحث أن الخصوبة تتعرض للخطر في هذه الأوقات وهي إذا كبس أو دخل شخص ما على الطفل الذكر أو الأنثى أو دار حولها أثناء عملية ختانهما- فإنهم حسب اعتقادهم- حينما يكبران ويتزوجان لا ينجبان، وإذا كبس أو دخل شخص ما على عروسة جديدة قبل رؤيتها للهلال فإنها حسب اعتقادهم لا تنجب ثانية أو إصابة طفلها.
و’يذكر أيضاً عند حدوث أزمات دورة الحياة كالميلاد والختان والزواج والتي تسيل فيها الدماء يظل الفرد عرضة للشر لمدة أربعين يوماً ويظل الفرد طوال هذه الفترة معرضاً لهجمات الأشباح التي قد تسبب المرض، وفقدان الخصوبة(16).
وترتبط معظم الحالات والخاصة بالمشاهرة والكبسة بالدم حيث نجد ( الختان والزواج والإنجاب ) نرى فيها صورة الدم الذي يسيل، ويعتبر الدم من الأشياء التي يتصل بها الخطر، وفي المفهوم الشعبي صورة الدم تجذب إليها الجن أو تكون عرضة للتأثيرات السحرية وبالتالي فإن هذه الحالات وفي هذه الأوقات يقترب الجن ويسبب الأذى أو بصورة أخرى يعرضهم للكبسة والمشاهرة ويسبب لهم الأذى ويؤثر بالسلب على الخصوبة.

تجنب الكبسة والمشاهرة
هناك عدة أمور يجب مراعاتها لتجنب الكبسة والمشاهرة
1 - يجب مراعاة عند قدوم أي شخص من مكان ما وعند دخوله إلى الأشخاص المهيئين ( أو المعرضين للمشاهرة أو الكبسة ) فلابد أن يدخل هو أولاً في إحدى غرف المنزل ثم يخرج عليه الأشخاص العرض للمشاهرة وبالتالي يمكن تجنب الكبسة والتي تأتي من القادمين من الخارج.
2 - عمل مشهرة من الجريد أو الخيط.
وبذلك تتجنب الكبسة أو المشاهرة.
وهناك ممارسة بالإضافة إلى الممارستين السابقتين يجب الأخذ بها سواء لضمان تجنب الكبسة أو لفكها أن هي حدثت
وهى أن تذهب العروس الحديثة أو الأم الواضعة حديثا أو الأطفال الذين تم ختانهم حديثا أو الأم وطفلها المفطوم إلى الجبانة قبل حلول الشهر الجديد وأن يخطوا على الخشبة التي يحملون عليها الموتى وكذلك (الليفة والصابونة) اللتين استخدمتا في تغسيل الميت.

الفترة الحرجة
وهى الفترة التي يأخذها الفرد للانتقال من مرحلة إلى أخرى كما ذكرنا في طقوس العبور(الفطام والختان والزفاف والإنجاب) تكون فترة خطرة ويكون الفرد فيها عرضة للأشباح والعين الحاسدة والعين الشريرة ويمكن أن تمتد إلى أربعين يوما
حيث تكون مشاعر القلق على سلامة الوالدة والمولود خلال الفترة التي تلي عملية الولادة مباشرة والتي تمتد لمدة أربعين يوماً “ فترة النفاس” تكون الوالدة والمولود عندهم عرضة للضرر خلالها فالبنسبة للوالدة يخشون عليها من الكبسة(17).

وفي النوبة هناك احتياطات يجب مراعاتها عند ختان الصبي :
وهي الإجراءات الوقائية خلال فترة الختان ولمدة أربعين يوماً بعدها، وهي الاحتياطات التي تتعلق بالمشاهرة إذ هناك اعتقاد نوبي سائد أن الإنسان الذي يمر بفترة حرجة مثل الميلاد والزواج والموت يتعرض للخطر لمدة أربعين يوماً أو في حلول الشهر العربي الجديد.
وخلال هذه الفترة يكون الشخص عرضة للعين الشريرة وللجن لذا فهو يضع الحجاب أو التعويذة التي تحميه من المخاطر التي تهدد قدرته على الإنجاب، وفي احتفالات ختان الإناث التي تتسم بالهدوء يتم حرق البخور أثناء العملية لطرد الجن والعين الشريرة(18)، كذلك يتم استخدام الأحجبة والتمائم للأم والطفل في حالة الفطام وللطفل في حالة الختان،
وهذا يؤكد انتشار الظاهرة في النوبة أيضا وكذلك في الكثير من مجتمعاتنا العربية.
ومن المحرمات الواجب مراعاتها بهذا الصدد، أن ( الخلاص ) إذا خرج من الحجرة التي بها السيدة الوالدة، فلا يدخل عليها مرة ثانية لأي سبب من الأسباب خوفاً من مشاهرتها أي انقطاع حملها بعد ذلك(19).
وأيضاً قد جرت العادة بعد أن تزف (المحرمة) على ملإ من الناس في بيت العروس، أن تحتفظ بها أم العروس في مكان أمين، وألا تدخل بها على العروس ثانية قبل مضي أسبوع، فمن معتقداتهم أن دم المحرمة إذا دخل على العروس قبل سابع يوم فإنه ( يشاهرها ) أي يسبب العقم، أو يسبب النفور والشقاق بينها وبين زوجها(20).
الموت والخصوبة:
يسود اعتقاد في المجتمع الريفي عندما يدخل شخص قادم من القبور على عروس حديثة أو امرأة أنجبت حديثاً أو على بنت تجرى لها عملية الختان تحدث الكبسة أو المشاهرة والتي من شأنها تمنع الحمل أو توقف لبن الرضاعة.
والقبور تحمل في مفهومها الموت ويتبع ذلك كل الممارسات التي تجري بداية من رؤية الميت وتغسيله وتكفينه ودفنه في القبور وتلقي العزاء وزيارة القبور فكل من قام بهذه الممارسات فهو من وجهة نظر المجتمع الريفي أو الاعتقاد السائد في مجتمع البحث هناك أنه شخص محظور دخوله البيت الذي به العروس أو المرأة التي أنجبت حديثاً أو أثناء عملية الختان وإن كان لابد، فيدخل هو أولاً ثم تخرج إليه المرأة المقصودة وبذلك لا يكون قد كبس عليها.
وتعد كبسة الميت أو كبسة ( المدافن ) القبور من أقوى الكبسات (المشاهرة ) والتي يعول عليها الاعتقاد السائد في المجتمع المحلي بعدم الإنجاب أو العقم وربما تفسير ذلك أن المقابر مقر للأرواح والتي من شأنها أن تؤذي الآخرين والخوف من تعقب روح الميت أو شبح الموت الذي يؤذي (ويسبب عقم النساء وتوقف لبن الرضاعة.... الخ ).
ويعتقد البعض أن لمس جسد الميت أو الاقتراب منه يجعل الشخص نجساً لذا فهم يتحاشونه ويحولون دون دخوله على امرأة أنجبت حديثاً أو عروسة حديثة أو أثناء عملية الختان والذي من شأنه أن يعطل أمور الخصوبة.

لماذا القبر ؟
ربطت الشعوب الزراعية البدائية بين طقوس الخصب وعبادة الموتى فكانتا في الواقع مظهرين لدين واحد، وتعبيراً عن آمال المجتمع ومخاوفه، ولما كان الأسلاف مصدر الحياة، فقد اعتبروا مستودعاً للقوة وللحيوية والنبع الذي تفيض منه كل القوى التي تمنح النشاط والرزق والنماء.
لذا لم ينظر إليهم المصري بوصفهم أرواحاً فارقت عالمه بل قوة مازالت على فاعليتها ونشاطها، وليس ما يصادفه المرء من خير أو شر في حياته إلا راجعاً إليهم أولاً وأخيراً مثل شطوء القمح، وتناسل القطعان وحيوية الرجال والنجاح في الصيد والحرب.
لذا اعتبر المصريون الموضع الذي يقيم فيه الأسلاف أقدس بقاع العالم، فمنه يفيض الخير على المجموع.
ولولا المقبرة والجبانة، لكانت الحياة على الأرض يائسة.
ولم يحدد الإنسان القديم أسلافه باعتبارهم شخوصاً بل نظر إليهم بوصفهم مفهوماً جماعياً دون أسماء فردية وعرفهم المصريون ( بالأرواح) ودعوهم كاوات( كا )
وكانت هي المسؤولة عن الخصب والقوة الجنسية والحظ الحسن ولم يكن مقرها الأرض في منازل الأحياء بل في مقابرهم.
بيد أن المصريين كانوا مرتبطين أشد الارتباط بماضيهم الجماعي ومتمسكين بمثل تلك الأنماط البدائية في التفكير، وهم لم يعبدوا أسلافهم بل كانوا يودون لو أن بعضاً من قواهم حلت فيهم حتى يستخدموها في قضاء حوائجهم(21).

فك كبسة الميت بهدف الإنجاب :
هناك عدة طقوس تمارسها المرأة بهدف الحمل و الإنجاب أو بهدف فك الكبسة – والتي تعول إليها المرأة سبب عطلها- أو الاتقاء منها قبل أن تحدث وكذلك البنت بعد فطامها والعروس الجديد
فلابد أن تذهب المرأة المكبوسة إلى المدافن ويعبرون عن ذلك ( تشق المدافن ) فإما أن تلف حول القبور أو تخطو على الخشبة التي تحمل الموتى أو على( الليفة والصابونة) واللتان استخدمتا في تغسيل الميت، أو هي تطلب من الشخص الذي يقوم بدفن الموتى ( الحفار ) بأن يفتح لها أحد القبور وترى جثة الميت أو ترى عظام الموتى وبعدها تعود إلى البيت مباشرة دون أن تمر على أحد أثناء عودتها .
وفي أماكن أخرى تطلب المرأة المكبوسة من الحفار أن يخرج لها عظام( أحد الموتى) وتخطو عليه 3، 5، 7 مرات، وتعطي للحفار أجراً مقابل هذه المهمة، وفي منطقة أخرى من مناطق البحث يقوم الحفار بإخراج( يد عروسة) ماتت ليلة زفافها وتكون الحنة في كفها والمنوكير في أظافرها وتخطو عليها المرأة المكبوسة ثلاث مرات أو تأخذها إلى بيتها وتضعها في الماء وتستحم فوقها.
وفي قرية أخرى من قرى منطقة البحث تطلب المرأة التي لا تنجب من الحفار أن يفتح لها أحد القبور فتطل على القبر من الداخل وهي ترفع جلبابها أمام القبر ويشترط أن تكون تطهرت من الدورة الشهرية وتجرى هذه الممارسة وتعود إلى البيت وتلتقي مع زوجها.
كذلك تلجأ بعض السيدات اللاتي لا ينجبن إلى استخدام ( ليفه أو صابونه ) اللتين استخدمتا في تغسيل الميت، وهما بالتالي قد لامسا جسم الميت في الاستحمام وبالتالي تنفك الكبسة وتنجب، وبالتالي يحرص الواقفون من أقرباء الميت والذين يقومون بإعداده بالحفاظ على هذه الأشياء، وبعض الناس يضعون هذه الأشياء في صندوق الميت معه ويعلل البعض (من أخذ حاجة الميت يحبس الميت في قبره)، ويعلل البعض الآخر بأن يرفض أقرباء الميت هذا التصرف من قبل الآخرين في استخدام أشياء الميت ( ليفه صابونه) بأن أقرباء وأهل الميت يكونون في حالة حزن فكيف يستغل حزنهم في فرح الآخرين عن طريق فك الكبسة والإنجاب، لذا يلجأ البعض مستغلين حالة الربكة في تجهيز وإعداد الميت في أن يسرق أحد الواقفين ( ليفه صابونه ) التي استخدمت في تغسيل الميت وإعطائها للمرأة المكبوسة، وقد تحدث كثير من المشاكل بسبب هذه الممارسة.
 أو أنها تدخل في قبر ميت ويغلق عليها في هذه المقبرة اعتقادا أن الرجفة تجعلها تحمل، أو هي تذهب إلى السلخانة وتخطي الدم، وكذلك يمكن أن تخطو على دم ذبيحة منذورة، وقد تطلب امرأة لا تنجب من الحفار أن يخرج لها طفل سقوط ( سقط ) من الجبانة وتخطو عليه ثلاث مرات تنفك الكبسة، والاعتقاد الشائع لهؤلاء القرويين إذا خطت المرأة على طفل سقوط فإن روح الطفل ستولد مرة ثانية في الأم، وهذا الاعتقاد في تناسخ الأرواح منتشر في المجتمع الريفي حيث يأتون بطفل سقوط ويملحوه ويضعوه في علبة وتأتي المرأة التي لا تنجب وتخطو عليه ثلاث مرات.
ويحدثنا “ جيمس فريزر ” عن نفس نمط التفكير ففي ( بلاسبور ) في إقليم الهند الوسطى. فالطفل الجهيض أو ذلك الذي توفي قبل مرور اليوم السادس على ولادته لا يحمل خارج البيت ليدفن بل يوضع في وعاء طيني ( جارا ) ويدفن عند مدخل البيت أو في فنائه، ويقول البعض أنهم يفعلون ذلك لكي تلد الأم طفلاً آخر، ويحدث هذا في حي ( هيسار ) حيث يدفنون الأطفال الموتى عند عتبة البيت معتقدين بذلك أن في هذا ارتداد الروح إلى الأم(22).
وفي مجتمع البحث يحتفظون بالطفل السقط بعد تمليحه في علبة في منازلهم لنفس السبب، وينصح العجائز هؤلاء السيدات اللاتي لا ينجبن بأن يخطين على خلاص طفل ( المشيمة ) كي ينجبن وتتشابه هذه الممارسة مع شعب الباتاك في سومطره إلى دفن خلاص وليدهم تحت البيت لاعتقادهم أنه يحتوي على روح الطفل، بينما تقوم قبائل أخرى في “ سومطره ” بحفظ ذلك الخلاص بحرص عن طريق تمليحه وإضافة التمر الهندي إليه والتوسل إلى الروح كي تدخل فيه(23).
والاعتقاد بأن خلاص الطفل يحوي جزءا من روح ذلك الطفل شائع في أنحاء الأرض جميعاً، وبالتالي فإن ممارسة المرأة التي لا تنجب، بالخطو على خلاص طفل مدلولهً بأن روح الطفل ( الموجود في الخلاص ) سوف تدب في المرأة التي تخطيه وبالتالي سوف تنجب ومن ذلك تعمد المرأة الريفية إلى دفن خلاص الطفل تحت البيت إذا أرادت طفلاً أخر وإذا لم ترد المرأة إنجاب أطفالاً،  وتكون قد اكتفت مما معها من أولاد، وتريد أن تعمل عمل خير فإنها تعطي خلاص وليدها كي تخطو عليها امرأة لا تنجب، وقد ترفض بالرغم من أنها لا تريد إنجاب أطفال آخرين، ويعزى رفض إعطاء أي امرأة خلاص وليدها (المشيمة) إلى امرأة أخرى لا تنجب، إلى اعتقاد سائد في المجتمع الريفي بأنه إذا خطت امرأة لا تنجب على خلاص طفل فإنها تنجب والمرأة الأخرى يحدث لها ( عطل ) ضرر من شأنه أن يوقف لبن الرضاعة أو أنها لا تنجب مرة أخرى.
وتكون فائدة كبيرة إذا خطت المرأة التي لا تنجب على جثة ميت حديث وتفسير ذلك بأن روح الميت هائمة حول الجثة وبالتالي بتخطيها تدب روح الميت في المرأة وتنجب، لذلك يحرص أهل الميت عند تغسيله بأن يكون أقرب الأقربين والموثوق بهم هم الذين يقومون بهذه العملية ويحرسون الجثة من مثل هذه الممارسات وإن لم يتح تخطية الجثة بعد موتها مباشرة فإنها تخطي مكان الجثة أو آثارها وتعتبر آثار الميت لها نفس القوة السحرية التي تحققها التخطية على جثة الميت.
*وهناك ممارسة أخرى شبيهة بذلك وهي إذا كان هناك أحد مقتولا وحملوه على الخشبة ( الحسنية ) التي يحملون عليها الموتى، وتحاول المرأة التي لا تنجب أن تخطو هذه الخشبة التي حملت الشخص المقتول، فتذهب إلى مكان الخشبة وتأخذ معها رغيف خبز وقليلا من ملح وترميهم أولاً فوق الخشبة اعتقادا منها بأن هذه الخشبة يحوم حولها الجن لأن الشخص مقتول، وهي تفعل بذلك استرضاء للأشباح أو أن هذه الأشياء تحفظها منهم ثم بعد ذلك تخطو الخشبة، وتجري هذه الممارسة دون أن يراها أحد وعلى حد قول الإخباري ( لو حست الناس أو شافوها، الناس تقتل بعضها ).
وبالتالي تخاف بعض السيدات اللاتي لا ينجبن من هذه الممارسة إن كانت تحقق لديهن حسب اعتقادهن رغبتهن المرجوة في الإنجاب، لذا فإنهن يستعضن عن ذلك بأن يذهبن في نفس اليوم إلى القبر الذي دفن فيه الشخص المقتول ويدرن حول القبر قبل غروب الشمس، وتجرى أيضاً هذه الممارسة في جو من الكتمان خوفاً من حدوث مشاكل بين هذه السيدة وعائلة المتوقي.
* وهناك ممارسة أخرى على نفس نمط التفكير في أن روح الميت تظل هائمة حول الجسد فترة، وهي أن تذهب المرأة التي لا تنجب إلى المشرحة في المستشفيات وهو المكان الذي تحفظ فيه الجثث قبل دفنها، وقد تكون هذه الجثث أو الأجساد مقتولة أو حدثت لها حادثة وماتت وتخطوها المرأة التي لا تنجب وتتم هذه الممارسة في جو من الكتمان والسرية، وتدفع مقابل ذلك أجراً مادياً للشخص المسؤول عن المشرحة، وفي بعض الأحيان تأخذ المرأة التي لا تنجب معها قطعة خبز وقليلا من ملح وترمي حول الجثة التي في المشرحة قليلا من الخبز والملح في كل جهة من الجهات الأربع حفظاً لها من الجن والأشباح والأرواح أو استرضاء لهم، وبعد ذلك تخطو الجثة أو تدور حولها وبالتالي يحقق هدفها وهو الإنجاب حسب اعتقادهم.
كذلك تذهب المرأة إلى الجبانة وتطلب من الحفار أن يفتح لها العين (القبر) وتكون (غاسلة من الدورة) أنهت دورتها الشهرية، وأما أن تنظر في الفساقي برأسها أو ترفع جلبابها قصاد العين.
ويذكر “ وليم لين” أن المصريين يداوون العقم الذي يصيب النساء بطريقة مميزة ومثيرة للاشمئزاز حيث يذكر مكانا يسمى فسحة “الرملية ” الواقعة غربي قلعة القاهرة مسرحاً عاماً لإعدام المجرمين إذا كانت تنزل عقوبة الإعدام بقطع رؤوس الأشخاص المرتكبين جرائم كبيرة في العاصمة في هذه الفسحة ويقع جنوبي هذا المكان مبنى يعرف ( بمغسل السلطان ) حيث يتم غسل جثة كل من نفذ به حكم الإعدام، فيجعل الميت على طاولة حجرية قبل أن يوارى الثرى. وهناك حوض يجري فيه الماء الذي يبقى بداخله فيتلطخ دماً وتنبعث منه رائحة نتنة، وإلى هذا المكان تتوجه المرأة المصرية إما طلباً للشفاء من التهاب العين وإما طمعاً في ذرية صالحة وإما لتسهيل ولادتها إن جاء حملها متأخراً، فلا تنبس ببنت شفة وتمر تحت الطاولة الخشبية مقدمة قدمها اليسرى أولاً ثم تعبرها وتكرر هذه العملية سبع مرات وأخيراً تغسل وجهها بالماء الملوث في الحوض وتعطي العجوز وزوجته الحارسين للمكان خمس أو عشر فضات(24).  
وفي مكان آخر يذكر، تعتقد بعض النساء أنهن إذا مررن فوق جثة رجل نفذت به عقوبة قطع الرأس سبع مرات متتالية دون أن يتفوهن بكلمة واحدة يصبحن حاملات، وقد تتملك رغبة الحمل بعضهن فيخضلن قطعة من الصوف القطني في الدم ويستخدمنها بطريقة يستميح “وليم لين ” عذر قارئة في عدم نشرها(25).
وهناك نوع من السحر التعاطفي يتضح في بعض الممارسات الموجودة في مجتمع البحث والتي لها علاقة بكبسة الميت أيضاً، وهو أن يحضروا بندقية يكون تم قتل أحد بها ويخبئونها وينادون على المرأة التي لا تنجب ويجعلونها تدخل ( تكبس) على البندقية وتخطو عليها، فالبندقية أو الآلة التي استخدمت في قتل شخص ما، لها علاقة سحرية بالشخص الذي قتل بها الشخص الميت وبالتالي فإن هي ( كبست ) دخلت على البندقية وخطت عليها فهي بالتالي تكون قد خطت على جثة الميت وبالتالي فإن روح الميت ستدخل المرأة وبعد ذلك تنجب.
وتذكر مس بلاكمان أن هناك اعتقادا شائعا في مصر بأن الطفل الميت إذا أحكم لفه بالكفن لا تحمل أمه بعده ولذلك فإن الكفن والأشرطة التي تربطه يفك دائما قبل الدفن مباشرة ويوضع التراب في حجر الطفل. وقيل لي إن التراب يوضع في هذا الجزء لكي يظل الجثمان مستلقياً على ظهره. وقالت لي المرأة التي نقلت لي هذه المعلومة أن الجثة تتلوى عندما تبدأ في التحلل. وإذا حدث ذلك فلن تحمل الأم بطفل آخر. وإذا تم عمل كل هذه الاحتياطات وظهر بعد فترة أن الأم لا أمل لها في أن تنجب مرة أخرى. فإنها تذهب إلى قبر طفلها ومعها إحدى صديقاتها وتطلب من الرجل الذي يتولى فتح المقابر أن يفتح لها المقبرة وهنا تنزل الأم الثكلى إلى داخل المقبرة التي يرقد فيها الجثمان وتخطيه للخلف والأمام سبع مرات، اعتقادا بأن روح الطفل الميت سوف تدخل جسمها وتولد من جديد، وتعلق “ بلاكمان” على هذه الممارسة ويتضح هنا الإيمان بتناسخ الأرواح (26).
وهناك ممارسات مشابهة عند البنجالا. وهي قبيلة تقيم في شمال الكونغو، ففي إحدى المرات شوهدت امرأة من تلك القبيلة تحفر حفرة في طريق عام واستمرت المرأة في الحفر إلى أن أخرجت عظام طفلها الميت التي احتضنتها بحب شديد متوسلة إليه أن يدخل جسدها ليولد من جديد. . وفي هذه الحالة نرى طقوساً مشابهة تماماً لما يحدث في مصر الحديثة ومصحوباً بنفس الاعتقاد.
وهناك ممارسة أخيرة في مجتمع البحث هو أن تخطو المرأة التي لا تنجب أو المرأة العقيم(المومياوات) ويتضح فيها فكرة تخطية الميت لنفس الأسباب التي تحدثنا عنها سابقاً.
ومن هذا نخلص أن كل هذه الممارسات المتعلقة بالموت والميت والقبور لها مدلول واحد وهو أن روح الميت التي تظل هائمة حول الميت أو في القبور تدخل إلى جسم المرأة مرة أخرى وبالتالي يحدث الإنجاب.
وهناك ممارسة لها علاقة بالموت والإنجاب حيث يأتون بخيط رفيع بقدر “ مقاس المتعوقة” بالطول من ضفرها لشعرها ويقدر مقاس “خصرها ” ثم يخيطونه في “ كفن ” ميتة ويدفن معها، فتحمل المتعوقة، ويفسر د/ محمد عبد السلام، هذه الممارسة على أنها عملية “ ميلاد جديد ” فالخيط بـ “ طول المتعوقة وعرضها ” هو بديل لها وهو يمثلها، وحين يخاط في الكفن ويدفن معها فكأنما دفنت “ المتعوقة ” وأن تلك التي بقيت فهي امرأة أخرى كأنما وجدت من جديد بدون “ إعاقة”(27).
كل هذه الممارسات المتعلقة بالموت والمستخدمة لفك كبسة الميت أو لفك أي كبسة أخرى أنهم يستعملون أشياء معينة (الخلاص- السقط –الصابونة أو الليفة الخاصة بالميت) وكأنها ذات صلة بالشخص “الكابس” ويمكن تفسير استعمالهم لهذه الأشياء بأنهم يعتقدون أن المكبوسة قد سلب منها شيء عن طريق الشخص الكابس ومن ثم فهي تعود وتسترده منه من خلال هذه الأشياء الخاصة به.
ولا يوجد تناقض من أن القبور هي مسكن للأرواح وهي مصدر خوف للناس وأن هذه الأرواح قد تؤذي الذي يقترب منها، والالتجاء إلى القبور طلباً للإنجاب.
فكما ذكرنا أن أقرب ما تتوهمه المصرية من الأشباح والأرواح طائفة من أرواح الموتى حرمها الناس نعيم الدنيا أو أهملوا تذويدها بمقومات الآخرة فهجرت قبورها هائمة ناقمة تصب جام غضبها على كل من تتمكن منه في سواد الليل أو في وضح النهار لذا كان هو السبب في الخوف من المقابر أما الالتجاء إلى المقابر بهدف فك الكبسة أو بهدف الحمل والإنجاب سببه أن الإنسان القديم اعتبر أسلافه شخوصاً بل نظر إليهم بوصفهم مفهوماً جماعياً دون أسماء فردية وعرفهم المصريون ( بالأرواح ) وهم أرواح خيرة ودعوهم كاوات( كا )
وكانت هي المسؤولة عن الخصب والقوة الجنسية والحظ الحسن ولم يكن مقرها الأرض في منازل الأحياء بل في مقابرهم.لذا التجأت إليها المرأة بهدف الحمل والإنجاب
وربما يعود الاعتقاد بعودة الروح وإحلالها في الجسد مرة أخرى إلى المصريين القدماء الذين كانوا يؤمنون بعودة الروح وإحلالها في الجسد الميت مرة أخرى والإيمان بالحياة بعد الموت لذا كان المصريون القدماء يضعون أنواعاً من الأكل مع الموتى حتى عندما تعود إليه الروح يقوم ويأكل ويشرب.
وتعد هذه الطرق الخاصة بالميت والقبور من أقوى الاعتقادات السائدة في مجتمع البحث ليست لفك كبسة ( مشاهرة ) الميت فحسب بل تعد من أهم الممارسات لفك أي كبسة والتي لها علاقة بعدم الإنجاب.

الأساطير:
من ضمن تعريفات الأسطورة أنها حكاية إله أو بطل خارق , تحاول أن تفسر بمنطق الإنسان الأول بخياله – أو وهمه – ظواهر الحياة في عالم موحش , يثير دائما السؤال من أجل المعرفة ويقترح الجواب. وهي في كل أولئك تتضمن وجدانا جماعيا تقبلها من أجله الأجيال بسهولة, وتتمثل شكلها التمثيلي بوضوح ,وكذلك ترددها بطقوسها وشعائرها قبل أن تتحول إلى الفولكلور بأحد أشكاله المعروفة(28).
وفى اعتقادي أن أولئك الباحثات عن الخصوبة في مجتمع البحث أو في أي مجتمع آخر , يلجأن إلى الأساطير بحثا عن إجابة لسؤالهن الحياتي وهمهن المضني رغبة في الحمل والإنجاب فيفتشن عن أوزوريس وعن تموز(في عالم الموت) كما فعلت ايزيس وعشتار, فايزيس أعادت الحياة إلى أوزوريس وجعلته قادرا على أن يبعث فيها الخصوبة وتحمل وتلد له وريثه وكذلك عشتار أثناء غياب تموز وبحثها عنه في العالم السفلي, يسود الجفاف بل يكون العقم وعندما تجده يعودان معا إلى عالم الحياة وتعود الخصوبة للكائنات بل لكل الأرض.
 
1 -  أسطورة إيزيس / أوزوريس
تقول الأسطورة : كان “ أوزوريس” الملك الذي يهيمن على مصر والذي علم الناس فنون الحضارة، وكان عهده عصراً ذهبياً وقد دمر ست أخوه هذا النظام المثالي الذي شاده أوزوريس، ويروي لنا “ بولوتارك ” أن ست أغرى أوزوريس في أحد الأعياد أن يرقد في صندوق حتى يتأكد من مطابقته لحجمه. وما أن تمكن “ ست ” من أخيه، حتى أمر أعوانه بإلقاء الصندوق في النيل وتقول نصوص الأهرام أن “ أوزوريس” لقي حتفه في مكان يعرف باسم تدنب ( أي المطروح) فـ “ أوزوريس” قد قتل وقذفت جثته في البحر حيثما أدى المصريون الطقوس الخاصة به وربما كانت رواية “ بلوتارك” صدى قصة قديمة تدعي أن “أوزوريس” لم يقتل بل غرق، وهي قصة موغلة في القدم حيث وردت فيما يسمى باللاهوت المنفى الذي يعد أقدم وثيقة تتحدث عن عبادة “ أوزوريس” في منفى، ويمكن مقارنته بمصير تموز، المقابل العراقي للإله “ أوزوريس ”، الذي قيل عنه أحياناً أنه غرق في النهر(29).
وقصت “ إيزيس” جدائل شعرها، وهامت على الشواطئ تسأل عن الصندوق وتتبعه إلى شواطئ لبنان، حيث علق الصندوق بجذور شجرة أرز سرعان ما كبرت وغطت الصندوق عن عيون الناظرين وقبل سفرها إلى لبنان، عرجت على مستنقعات الدلتا، لتضع وليدها من أوزوريس(30).
وفي هذه القصة نجد ولادة حور كما في متون الأهرام : وذلك أن “ إيزيس” ألقت بنفسها على جسم “ أوزوريس” الميت في صورة رخمه، وحملت منه بأعجوبة ومن ثم وضعت ابنها حور(31).
وعلى الرغم من التباين القائم بين تفاصيل الأسطورة فإنها تجمع على أن “ست” قد مزق جسد أخيه وبعثره وتزعم مصادر أخرى أنه قذف بأشلائه في النيل وتتفق الروايات على أن “إيزيس” هي التي بحثت عن زوجها مثلما فعلت عشتار العراقية التي بحثت عن حبيبها تموز الذي انتزع من أحضانها وألقي به سجيناً في العالم السفلي، وبدأت الزوجة الوفية مرحلة البحث عن أشلاء زوجها، مستعينة بقارب صنعته من أوراق البردي، وكلما عثرت على قطعة دفنتها، وبعد أن تم دفن الجثة كاملة نزل “ أوزوريس” إلى العالم السفلي، واستعاد شكله الأصلي، وصعد إلى العالم العلوي ولقي ابنه واطمأن على وفاء ابنه لذكرى أبيه الذي انتقم لأبيه في معركة مع “ ست”.

2 - أسطورة تموز / عشتار
في الآداب الدينية التي خلفتها حضارة بابل، يظهر ثنائي تموز / عشتار، كزوجين أو محبين، وعشتار هي الآلهة الأم، تتجسم فيها قوى التناسل في الطبيعة ويستنتج من المراسيم المتقطعة والغامضة، اعتقاد الناس في موت تموز كل سنة، متنقلاً من أرض المسرات إلى العالم المظلم تحت الأرض، إن قرينته الإلهية ترحل كل سنة إلى البلاد التي لا عودة منها، بحثاً عن تموز، وفي أثناء غيبتها تنقطع عاطفة الحب عن الشبوب في الصدور، فينسى الإنسان والحيوان تكثر جنسه وتكون الحياة مهددة بالفناء، لأن العلاقات الجنسية مبنية على حضور الإله، ولذا فإن الإله العظيم ( إيا ) يبعث رسولاً كي ينقذها غير أن آلهة الجحيم تسمح مكرهة بأن تضخ عشتار بماء الحياة فتعود إلى الأرض ربما مع حبيبها تموز، وبعودتها تنتعش الطبيعة من جديد، وكان الناس يندبون إلههم في كل عام، مع موسيقى الناي والمزمار صيفاً في شهر تموز الذي سمي باسم الإله وهذا يعني أن هذا الإله واحد من آلهة الخصب (32).
ففي هاتين الأسطورتين تبرز قوة البعث ونفخ الحياة في الموتى ذلك أن “ إيزيس “ الوفية حلقت على هيئة طائر، واقتربت من سيدها المتوفي، ثم احتضنته، وأسدلت عليه فيئاً بريشها، ونسيماً بجناحيها، فبعثت الحياة في قلبه الساكن. حتى استطاع أن يضع فيها نطفته، ومن النطفة كان ابنها حور(33).
وإيزيس الوالهة في بحثها الدائب وراء جثمان زوجها في الدلتا حول مجاري النيل وفي لبنان، وفي المستنقعات، والأهوال التي لاقتها في رحلة البحث، تتلاقى مع عشتا روت أو أفروديت في تضحياتها لاستنقاذ تموز وأدونيس، الأسطورة المصرية رمز البعث، فعودة أوزوريس للحياة تتجسد في قوة الإخصاب عنده.
وفي أقدم المصادر التاريخية التي عرفت للآن، أن أوزوريس والمياه وخاصة الفيضان والتربة والنبات كانت جميعاً نفساً واحدة.
وهذا اتحاد يجعل من أوزوريس رباً للخصب والازدهار ونضرة الطبيعة كما هو الحال في تموز أو أدونيس .
في الأساطير التي عرضناها لعبت فكرة الموت والعودة منه دوراً هاماً، فالطبيعة تموت وتنبعث بشكل متكرر، ولم يكن مقدم الفيضان الجديد مجرد تغير فصلي، بل كان يعني نهاية الخوف والفزع وميلاد الحياة من جديد في قلوب البشر، ولم يكن أوزوريس الفيضان نفسه، بل كان قوة الحياة الكامنة في النباتات وطاقة التناسل في الحيوانات والبشر التي يثريها مقدم حياة الفيضان.
ويطرح أحد نصوص التوابيت تفسيراً لذلك
“ يظهر أوزوريس عندما يفيض الماء”
حينما تنساب المياه على الأرض تجعل البذور تنبت في التربة وهو ما يعد بعثاً لروح أوزوريس(34).   
( ولما كان أوزوريس إلهاً من آلهة الخصوبة مثل ديونيوس وتموز )
لم تستطع ايزيس أن تعيد محبوبها إلى الحياة تماماً،  لكنها أعادت له من الحياة ما جعله قادراً على أن يضاجعها لتحمل منه ولداً، هو حورس، وكما تقول الأنشودة “ أزالت الفتور عن الجسد الهامد،  وأخذت بذرته في جسدها وهكذا منحته وريثاً، أرضعته سراً في مكان مجهول” (35).
أن يصبح قوى البعث التي تتمثل في العالم الجديد هكذا لم يولد أوزوريس من جديد في صورته القديمة، بل باعتباره قوة النماء والتناسل في النبات والحيوان التي تحل مع مقدم عصر جديد(36).
( لم تكن المياه صورة أوزوريس الوحيدة، إذ رآه المصري في الحيوية الجنسية لدى الذكور وخصوبة الإناث )(37).
وفكرة الموت هي التي ألهبت خيال الإنسان، وأثارت أفكاره، ولذا كانت دورة الحياة والموت والبعث هي الفكرة المركزية.

فلماذا إذاً تذهب أؤلئك السيدات اللاتي لا ينجبن إلى القبور، إلى عالم الموتى بهدف الخصوبة، فهن يفعلن كما فعلت إيزيس وعشتار من قبل، فإيزيس هي التي جمعت أشلاء زوجها المتوفي، ودفنت الجثة كاملة، ( وحلقت على هيئة طائر واقتربت من سيدها المتوفى، ثم احتضنته وأسدلت عليه فيئاً بريشها، ونسيماً بجناحيها، فبعثت الحياة في قلبه الساكن، حتى استطاع أن يضع فيها نطفته، ومن النطفة كان ابنها حور ).
وعشتار التي نزلت إلى عالم الأموات بحثاً عن حبيبها تموز وهكذا تتلاقى إيزيس في بحثها عن أوزوريس مع عشتار أو أفروديت في تضحياتها لاستعادة تموز وأدونيس. فأوزوريس وتموز هما رمزان للبعث، فعودة أوزوريس للحياة تتجسد في قوة الإخصاب عنده.

وهذا يفسر لنا التجاء السيدات الباحثات عن الخصوبة والإنجاب إلى مفردات الموت فهن يبحثن عن أوزوريس وتموز آلهة الخصوبة، يبحثن عن الخصوبة في عالم الأموات، وهذه الصورة مشابهة تماما لما يحدث الآن في طقوس الخصوبة، بل تكاد تكون الصورة نفسها، فهن يذهبن إلى القبور، ويخطين الميت، ويخطين الخشبة التي يحملون عليها الميت ويستخدمن أشياء الميت ويخطين عليها، فهن يمارسن كل مفردات الموت، وكما فعلت ايزيس حلقت فوق زوجها المتوفى أو هي نامت فوقه كي تعيد له الحياة مرة أخرى، فيبعث فيها الخصوبة من جديد ويجعلها قادرة على الحمل والإنجاب، هكذا يبحثن عن اوزيريس المتوفى(الميت –الموت) كي يبعث فيهن الخصوبة، وما يؤكد ذلك فهن مازلن يخطين المومياوات ويدرن حول أو يحتضن آلهة الخصوبة وما هذه الممارسات المتعلقة بالموت إلا بقايا أساطير كانت ديانات في عصور سالفة وعاشت قروناً بين الناس، وقد تبنى العادة على معتقد قديم وقد ينسى المعتقد وتبقى العادة.

الهوامش

1 - فوزية دياب - القيم والعادات الاجتماعية _مكتبة الأسرة 2003 صــ 300.
2 - فوزية دياب - مرجع سابق - صــ 310.
3 - د.محمد فياض , د.سمير اديب_الامومة والطفولة فى مصر القديمة_دار البستانى للنشر والتوزيع 2001 ص72
4 - د.محمد فياض , د.سمير اديب  - مرجع سابق  - ص73
5 - د.محمد فياض , د.سمير اديب  - مرجع سابق  - ص78
6 - د.محمد فياض , د.سمير اديب  - مرجع سابق  - ص79
7 - د.محمد فياض , د.سمير اديب  - مرجع سابق - ص151
8 - نجيب إسكندر إبراهيم، رشدي فام منصور التفكير الخرافي بحث تجريبي مكتبة الأنجلو المصرية 1962 - صـــ 138.
9 - فوزية دياب  - مرجع سابق -  صــ 130.
10 - د/ محمد عبد السلام إبراهيم الإنجاب والمأثورات الشعبية - عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية 1996  - ص35.
11 - قرية الصوامعة شرق - محافظة سوهاج –صعيد مصر
12 - منى حامد الفرنواني بعض ملامح التغير الاجتماعي والثقافي في الريف المصري كما تعكسه عادات دورة الحياة رسالة غير منشورة للحصول على درجة الدكتوراه، إشراف د/ علياء شكري، 1989صـ ـ178
13 - منى حامد الفرنواني _مرجع سابق_ص5
14 - ملائكة النيل بعض العادات والمعتقدات عند النوبيين إعداد وترجمة فؤاد محمد عكود، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سلسلة دراسات شعبية، يوليو 2004، صـ 132.
15 - د/ علياء شكري مدخل إلى الفولكلور الفرنسي المعاصر دراسات لأراء وأعمال “ فان جنب “ صـ 296.
16 - جون كنيدي شعائر الختان والبتر في النوبة، ت : د/ أحمد سوكارنو - مجلة الفنون الشعبية صـ 126
17 - د/ محمد عبد السلام _ مرجع سابق _ صـ 102
18 - جون كنيدي شعائر الختان والبتر في النوبة، ت : د/ أحمد سوكارنو صـ 164.
19 - فوزية دياب، مرجع سابق. صــ 321
20 -  فوزية دياب، مرجع سابق- ص306.
21 - رندل كلارك الرمز والأسطورة في مصر القديمة، ت: أحمد صليحه-الهيئةالمصرية العامة للكتاب 1999 -صـ 118.
22 - جيمس فريزر- الغصن الذهبى-جـ 2 – الهيئة العامة لقصور الثقافة-1998- صـ 388 .
23 - محمد الجوهري. الفولكلور جـ 2 صـ 565.
24 - وليم لين -عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم- مكتبة مدبولى 1999 -صـ 264
25 - وليم لين – مرجع سابق صـ265 .
26 - بلاكمان – مرجع سابق- صـ 90.
27 - د/ محمد عبد السلام _ مرجع سابق ص38
28 - د / احمد كمال زكى –الاساطير – ذاكرة الكتابة الهيئة العامة لقصور االثقافة 2000
29 - رندل كلارك الرمز والأسطورة في مصر القديمة، ت: أحمد صليحه صـ 103
30 - د/ مختار علي أبوغالي - الاسطورة المحورية فى الشعر العربى المعاصر- الهيئة المصرية العامة للكتاب صـ 60.
31 - د/ سليم حسن تاريخ الحضارة المصرية العصر الفرعوني مج1 جـ 214
32 - د/ مختار علي أبو غالي، مرجع سابق صـ 57.
33 - د/ مختار علي أبو غالي، مرجع سابق صـ 61.
34 - د/ مختار علي أبو غالي، مرجع سابق صـ 61.
35 - رندل كلارك –مرجع سابق - صـ 109.
36 - رندل كلارك –مرجع سابق صـ 111.
37 - رندل كلارك –مرجع سابق صـ 130.

أعداد المجلة