صورة الغلاف الخلفي - سلام على ما ترى.. سلام عليك

خلت العجوز الظاهر في صورة الغلاف الأخير  وهو جالس في زحام الحياة متكئا على عصاه مغمض العينين ومن حوله العابرون ليس نائما وإنما ساهما يفكر وتجول بخاطره شتى الذكريات ومختلف الصور، غير عابئ بما حوله. إن التجاعيد والغضون البادية على الوجه الذي لوحته الشمس، بتلك اللحية الثلجية المشذبة، وذاك الرأس المطل على أفق غير مرئي لنا من خلال ياقة ثوب مفتوح بإهمال، لتجمع معا دلالات معبرة عما يكون قد مر وما يحتمل أن يأتي.

إن أغلب ما قرأته بالعربية عن هذه المرحلة في الدراسات التي تناولت مرحلة الشيخوخة ضمن دورة حياة الإنسان، ربما لنقص في قراءاتي أو لقصور في مناهج الدرس، كان تناولا وصفيا من الخارج، ولم أعثر - لحد الآن - على دراسة استبطنت دواخل الإنسان موضع البحث في هذه المرحلة، وتعمقت في تحليل التصرفات والدوافع لاستجلاء العبرة والحكمة المكتسبة.   

إن خريف العمر مرحلة إنسانية صعبة دون شك، يشعر فيها الإنسان بأن العمر قد ولى وانقضى ولا أدنى أمل في استعادة شيئ منه لإعادة تغييره، أو لربما تعديل جزء منه أو تشكيل جانب فيه، أو معايشته بصورة أخرى، وأن لا حاجة لأحد بعجوز ذي عصا، فهو لا يعدو أن يكون محل العطف والشفقة ينظر إليه الآخرون بابتسامة معـذّبة كأنها تقول: متى الرحيل ياهذا ؟

وتختلف مثل تلك المشاعر من إنسان لآخر، فهناك من يشعر بأنها مرحلة اكتمال مشوار المنجز الحياتي الحافل بالعمل وأداء الواجب، وأنها مرحلة الراحة والهدوء وقطف ثمارالشجر الذي اكتمل للتو نضجه. وكثير من شيوخ هذه المرحلة من يشعر بأنه مازال قادرا على أن يفعل ما لم يسعفه الوقت قبل الآن لفعله وتذوق عذوبته.

شتى المشاعر ومختلف الحالات، كل ذلك باختلاف الموقف من الحياة، ورؤيتنا إلى كل ما حولنا. ومقياس ذلك: إلى أي مدى نحب الحياة؟ وبأي قدر من الرضا نعيش؟ ..
سلام على ما يراه ذلك الشيخ البادي في الصورة.. سلام عليه.

تصوير:
جان البلوشي