فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

صورة الغلاف الخلفي - ما الذي يبوح به الريحان .. ؟

العدد 26 - لوحة الغلاف
صورة الغلاف الخلفي - ما الذي يبوح به الريحان .. ؟

عندما يُذكر الريحان فإن الذاكرة تستدعي أعذب الذكريات التي تحملك إلى أجمل أمسيات السمر وليالي الأفراح والأعراس. إن للريحان أو كما يطلق عليه في الخليج العربي (المشموم)، ذاكرةً جماليةً ورمزيةً موحية ومعبرة في زمن كانت المعاني والدلالات والإيحاءات تختزل في أدق تفاصيل الحياة، وهكذا كان ما يحمله العبق المنبعث من رائحة المشموم الزكية ولونه الأخضر المنعش مرافقاً لأجمل البدايات وواعداً بنعيم كالجنة وبالحياة الخصبة والمثمرة.

ينتمي الريحان أو الحبق إلى الأعشاب الورقية العطرية، ويعتبر الموطن الأصلي له الهند، وينبت الريحان في ظروف مناخية تقاوم الحرارة والجفاف والبرودة أيضاً. ولا يقتصر استخدامه للزينة أو التطيب برائحة عطره، حيث تشكل هذه النبتة جزءاً هاماً من الثقافة الهندية، فأوراق نبات الريحان صالحة للأكل وتستخدم كنوع من التوابل، وفي إيطاليا واليونان تطبخ أوراق الريحان وتعد منها أطباق ذات مذاق طيب، وفي المصطلح اليوناني تعرّف كلمة الريحان (بالعشبة الملكية) وذلك لما يتميز به هذا العشب العطري منذ قرون طويلة بخصائصه الطبية المذهلة، إذ يمتلك العديد من المنافع الصحية والعلاجية التي لا تعد ولا تحصى.

ويعتبر المشموم أحد أهم رموز الثقافة الشعبية في تراث شبه الجزيرة العربية، ويحظى باعتناء خاص في المناسبات السعيدة مثل الزواج والأعياد والعودة من رحلة الغوص أو السفر. وقد حظيت الكثير من الأهازيج الشعبية بذكر المشموم وكان يتغنى به في أبيات الشعر الشعبي، يقول الشاعر:

يا زارع المشموم فوق السطوحي
لا تزرعه يـا زيـن عذبت روحي

ويشتهر استخدامه من قبل النساء باستخلاص عطره لصنع خلطات مميزة والحصول على مزيج من روائح عطرية فواحة، فقد كانت النسوة يفصلن أوراق المشموم عن «عوده « ثم يضعنه بعد غسله وتجفيفه في وعاء فخاري عميق، ويضاف عليه المسك والعنبر وماء الورد والزعفران والصندل، ويتم توزيعه في أرجاء البيت، وتحت الأسرة وبين ثنايا الفراش، وداخل خزائن الملابس، فتظل رائحة البيت عابقة بالطيب طيلة أيام الأسبوع.

ومنذ زمن بعيد ارتبط المشموم والفل والعود والبخور، بالعادات الحميمة بين الزوجين وبيوم الخميس وهو ملتقى الأزواج بعد أسبوع عمل شاق، حيث يؤكد الآباء والأجداد ما لهذه النبتة العطرية من سحر سريع المفعول في تحريك وإثارة الغريزة وقدرتها على تنشيط القدرات الجنسية.

ويُحرص على وجود المشموم ضمن عادات الاحتفال بليالي الخطوبة والزواج، ففي «ليلة الحناء» -وهي الليلة التي تسبق العرس- تحضر المقربات من الأهل والصديقات لمشاهدة العروس وهي تُخضَّب، ويتم تسريح شعرها بعمل ضفيرة أو ما يسمى بـ» العجفة» وتزيينها باستخدام المشموم الأخضر، حيث ترمز هذه العادة إلى تحول الفتاة من عذراء إلى امرأة متزوجة.

وفي ليلة العرس يستعمل المشموم المعطر ذو الأوراق الكبيرة لـ «شكه» باستخدام إبرة صغيرة، وتعليق وريقاته بعد كل عقدة في الضفيرة لتعطير الشعر، ويكتمل جمال العروس وزينتها بوضع قلادة المشموم والفل والرازجي على صدرها.

وهناك في الحجرة المعدة للزواج «الخِلّة» أو «الفرشة» يعطر غطاء السرير بالروائح العطرة مثل البخور ودهن العود والياسمين، إضافة إلى طبق كبير من المشموم المعطر يتم توزيعه بأنحاء الحجرة وخاصة تحت سرير الزوجية وتعطر الوسائد بالمشموم الذي يكسب الوسادة والغرفة كلها رائحة طيبة وجواً من الراحة.

إن التاريخ المشترك والقرب الجغرافي بين الأقطار العربية صنعت ذاكرة تكاد تكون متشابه في ما يتعلق بتفاصيل الاحتفالات وطقوس الزواج، ورغم اختلاف عوامل الزمن وتطور الأوضاع المعيشية والاجتماعية في كثير من البلدان، مازالت أغلب هذه الطقوس محافظاً عليها، ويظل الريحان أو المشموم الأخضر رغم كل هذه السنين محتفظاً بمكانته الخاصة ورمزيته ودلالته في ثقافتنا الشعبية العربية، لذلك جاء غلافنا لهذا العدد احتفاء وبهجة به.

تصوير:
شيماء طالب

أعداد المجلة