فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
12

الطب الشعبي في البحرين «آخر العلاج الكي»

العدد 12 - لوحة الغلاف
الطب الشعبي في البحرين «آخر العلاج الكي»

برغم التقدم الهائل للمخترعات والاكتشافات العلمية الحديثة، وتنوع الخبرات البشرية في مجالات الطب وصناعة الأدوية، ووسائل العلاجات المتقدمة الأخرى, إلا أن بعض المجتمعات والفئات والأفراد ظلت على ولائها الأول للطب الشعبي، ولما رسخ في وجدانها الجمعي من معتقدات وممارسات ومعارف وتجارب حياتية متعددة حول طرق وأساليب وفنون العلاج، وتأثير بعض عناصر الطبيعة كالأعشاب وبعض المستخلصات من الفواكه والخضروات ودورها في التطبيب للشفاء من العديد من الأمراض.


وتعود أصول الطب الشعبي إلى بدايات محاولات الإنسان الأولى في معالجة الجروح والكسور والأمراض. وظل المرض طوال قرون أمرا محيرا للإنسان وبحاجة إلى حل ما، إلى أن ارتبط بالسحر والخرافة لعلاج الأمراض غير الظاهرة أو التي لا يعرف سببها. وتشير بعض المكتشفات الأثرية إلى نشوء مهنة الطب لدى السومريين والبابليين ببلاد ما بين النهرين قبل الميلاد ببضعة قرون. وفي قانون حمورابي أحكام تشير إلى ممارسة الطب. وقد أحرزت المدنيات القديمة في الصين والهند ومصر وفارس درجات متفاوتة من التقدم في العلاجات الطبيعية والمعلومات التشريحية. وقد ساهم العرب في علم الطب، وبدأت نهضته مع الفتوح الإسلامية وبداية رواج ترجمة الكتب القديمة في الكيمياء والطب والفلك عن اليونانية والسريانية والفارسية والسنسكريتية .

ويعتمد الطب الشعبي في التشخيص على الخبرة الذاتية المتوارثة أو المكتسبة في المعاينة البصرية والجس الموضعي باستخدام أصابع اليدين واستخدام الزيوت الطبيعية في التدليك وتحضير اللدائن للتجبير من مختلف العناصر الموجودة في الطبيعة إلى استخدام الفصد والحجامة، وهي سحب الدم بالكأس، وأخيرا الكي بالنار، ومن ثم مداواة أثر الكي بالزبدة إلى أن يبرأ. ويقول المثل الشعبي الشهير (آخر العلاج الكي) أي استخدام الكي يكون آخر ما يمكن اللجوء إليه لما يسببه الحرق بالنار من آلام ومن تبعات قد يظل أثر بعضها باقيا على الجلد لا يمحوه الزمن.
ويبدو أن الطب الشعبي قد توقف عند هذا الحد من الأساليب البدائية في تشخيص وعلاج الأمراض البسيطة التي بدأ بها علم وفن الطب الحديث عموما، في الوقت الذي ظل فيه المعتقد بالطب الشعبي راسخا يتوارث لدى فئات اجتماعية عديدة سواء في القرية أو المدينة في أوساط غير المتعلمين أوالمتعلمين على حد سواء، وبالذات في الحالات المرضية النادرة التي لا ينجح في علاجها الطب الحديث، ويصل فيها المريض حد اليأس والاستعداد لقبول أي نوع من أنواع العلاج. وهناك حالات مرضية في كل مجتمع لم يوفق في علاجها الطب الحديث بكل وسائله المتقدمة ونجح في علاجها الطب الشعبي بخبراته وأدواته البدائية.
وفي البحرين توارث أفراد من بعض الأسر الشهيرة ممارسة الطب الشعبي، وتخصص بعضهم في تجبير الكسور والبعض الآخر برع في تحضير الوصفات العشبية، وامتهن البعض الآخر بيع مختلف الأعشاب والمكونات الطبيعية التي يعتقد بأنها ذات نفع وفائدة في استخدامات الطب الشعبي.

وعلى الرغم من الجدل الدائر علميا منذ زمن حول جدوى الطب الشعبي، ومدى ارتباطه بالجهل وبالخرافة والسحر، إلا أنه لا يمكن نكران ما توصلت إليه بعض الدراسات العلمية المتقدمة من ثبوت جدوى استخدام الأعشاب الطبيعية في تركيب العديد من الأدوية المهدئة للسعال أو المنشطة للدورة الدموية  أو المحفزة للقدرة الجنسية أو ذات المفعول المخدر أو المسكن لبعض الحالات، على سبيل المثال، ورواج استخداماتها على نطاق عالمي واسع.

أعداد المجلة