صون المأثورات الشعبية وسد الفجوة الرقمية
العدد 25 - آفاق
تشهد البشرية اليوم ظاهرة عالمية غربية تسمى (العولمة) تسعى لتوحد فكري ثقافي واجتماعي واقتصادي وسياسي؛ تحمل تحدياً قوياً لهوية الإنسان العربي المسلم خاصة بما يستهدف الدين والقيم المثلى والفضائل من خلال التركيز على الناحية الثقافية وتوظيف وسائل الاتصال ووسائل الإعلام،والشبكة المعلوماتية (الإنترنت) والتقدم التكنولوجي بشكل عام لخدمة ذلك مما حول العالم إلى قرية صغيرة كما يقولون، فلم تعد هناك أية حواجز جغرافية..تاريخية..سياسية أو ثقافية..
ولعل الطابع التكنولوجي والاقتصادي والإعلامي للعولمة زاد من أثرها الثقافي والاجتماعي والسياسي، فصارت الأرض كلها تقوم على مبادئ السوق والتبادل التجاري والإعلامي والتكنولوجي، وانتهت بموجبه كثير من مفاهيم الاستقلال والصياغات المحلية لمفردات الحياة، وتشكل وعي بالوجود المشترك، الذي يصنعه البعض ويستهلك مفرزاته البعض الآخر.
يواجه العالم العربي عدة تحديات كبيرة بدخوله القرن الحادي والعشرين تتطلب منه أن ينهض من غفوته وأن يأخذ بزمام المبادرة حتى يتفاعل مع المستقبل، والمفكرون والعلماء هم أقدر الأمة على استشعار تلك التحديات ودق أجراس الخطر للاستعداد لها والتهيؤ لمواجهتها والارتفاع إلى مستوى الواقع،
إن تقدم الوسائل التقنية يفرض تحدياً كبيراً على العرب لمواكبة التطور العالمي؛ وإعادة تنظيم علاقتنا بها بشكل جيد... فالتحدي التقني الإلكتروني لم يعد مقتصراً على الفجوة الرقمية، أو على الأمية التقنية، وإنما غدا تحدياً ينذر بتدمير بنية الأمّة في ماضيها وحاضرها...
الفجوة الرقمية:
شاع استخدام الفجوة الرقمية في خطاب التنمية المعلوماتية، ويقصد بها تلك الهوة التي تفصل بين البلاد المتقدمة والدول النامية في النفاذ إلى مصادر المعلومات والمعرفة والقدرة على استغلالها.
تتسع الهوة باستمرار بين العالم المتقدم والدول النامية في غالبية المجالات، غير أن أبرز هذه المجالات هي الرقمية والمعلوماتية، ويقصد بالفجوة الرقمية “تلك الفجوة التي تفصل بين من يملك المعرفة وأدوات استغلالها، وبين من لا يملكها وتعوزه أدواتها».
ولكن يظل تناول الفجوة الرقمية أمرا غاية في الأهمية لعدة أسباب رئيسية، منها أن الحديث عن الفجوة الرقمية يفتح الباب للحديث عن التنمية الاجتماعية من زاوية نظرة شاملة، وكذلك تفتح الباب للحديث عن الإصلاحات السياسية والديمقراطية وقضايا الفساد والشفافية، كما أنه يفتح الباب للحديث عن مشكلات العولمة ومساعي النموذج الليبرالي الرأسمالي للهيمنة على العالم.
مجتمع المعلومات في حقيقته هو ثنائية مكونة من بنية تحتية قوامها شبكة اتصالات، ومحتوى معلومات يجري تبادلها عبر الشبكة، وقد انصب الجهد في الماضي على إقامة مجتمع المعلومات على شق البنى التحتية، أي شق الاتصالات، غير أنه في الوقت الحالي فإن الجميع أدرك أن المحتوى هو التحدي الحقيقي، لأن “المحتوى هو الملك” على خلاف ما كان يُقال في السابق من أن “الوسيط هو الرسالة” أي إن قدرة الرسالة الإعلامية على النفاذ تتوقف في المقام الأول على الوسيط الناقل لها.
وترتبط فجوة المحتوى بعدة أمور، هي:
- معدل إنتاج صناعة المحتوى من حيث: معدل النشر الورقي والإلكتروني، والإنتاج الإعلامي والسينمائي، والبرمجيات التطبيقية، ومواقع تقديم خدمات المحتوى على الإنترنت.
- مدى توافر الموارد الخام لصناعة المحتوى وتشمل: قواعد البيانات، وبنوك الصور، والأرشيفات الورقية والإلكترونية، وحجم المكتبات الرقمية والورقية.
- مدى توافر أدوات إنتاج المحتوى وتشمل أدوات تصميم البرامج وصفحات الويب وأدوات النشر الإلكتروني.
الفضاء السيبري وهو «نسق لترتيب وإتاحة كميات ضخمة من المعطيات المخزنة على الكمبيوتر» وهذه المصطلحات أخذت تغزو الثقافة في ظل تمجيد إعلامي كبير لها لما تدره من أموال طائلة، وهؤلاء الواقفون وراء انتشارها يبشرون بحتمية التكنولوجيا، وأن تقدم البشرية مرهون بالتقدم التكنولوجي، ويرتبط بذلك إطلاق حرية الفرد في تشكيل بيئته الافتراضية التي يريدها في ذلك الفضاء، وهنا يجتمع اليقين التكنولوجي مع الفردية، وهو ما يفقد أي مغزى لوجود فكرة القانون في ذلك الفضاء.
اختصرت وسائل الاتصال والمواصلات المسافات الزمانية والمكانية وحولت العالم إلى قرية تنطبق عليها بعض من صفات القرية في سيطرة القبلية والإقطاعية عليها، حيث تتحكم في القرية مجموعة صغيرة من البشر نظرا لتمتعهم بأسباب القوة، وهو ما فرض عليه تناول بعض من أفكار العولمة على المستوى السياسي وحقوق الإنسان، والصراع الدولي.
التوثيق
تعود بدايات التوثيق إلى عصور ما قبل التاريخ ، أي أن بدايات التوثيق سبقت التدوين الكتابي، ذلك أن التوثيق بمفهومه الواسع ، أي حفظ الأحداث التاريخية و المعلومات العلمية ونقلها إلى الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها ، ينطبق أيضاً على التناقل الشفاهـي للمعلومات والمعـارف والمهارات ، وأن التناقل الشفاهي لملحمتي الأوديـسة والإلياذة كان من أول أشكال التوثيق الشفاهي وذلك قبل تدوينهما بقرون عديدة.
التوثيق هو علم السيطرة على المعلومات
ذلك أن هذا التعريف ينطبق على نظم التوثيق التقليدية. كما يستوعب الاتجاهات الحديثة لهذا العلم، فالمعلومات يمكن أن تتضمن جميع أشكال حاويات المعلومات بدءاً من الوثيقة والكتاب وانتهاء بالصورة والتسجيلات الصوتية والفيديوية والنصوص الإلكترونية، كما أن مفهوم السيطرة يتضمن العمليات الفنية التقليدية كالتجميع والاختزان والفهرسة والتصنيف والتكشيف والاسترجاع، كما يتضمن الاتجاهات الحديثة كمحركات البحث والفهرسة الآلية.
توثيق المأثورات الشعبية وأهمية حفظها وصونها
“المأثورات الشعبية”هو المصطلح العربي الدقيق للدلالة على ما هو شائع من مصطلحات محلياً مثل “الفنون الشعبية” و “ التراث الشعبي” “وعالمياً مثل “الفولكلور” و “تعبيرات الفولكلور” و “ التعبيرات الثقافية المأثورة” و“ التراث الثقافي غيرالمادي أو غير الملموس” والحقيقة أن المأثورات الشعبية أو التعبيرات الثقافية المأثورة ( التقليدية ) بالمعنى الواسع للمصطلح، تشكل الجانب الحي من التراث الثقافي للجماعة أو المجتمع، وهي تمثل ذاكرة الشعوب، التي تعد الأساس للإبداع الفني الذي يثري الحاضر، ويلهمه، والتي ترسخ المعارف والخبرات في التاريخ الثقافي للمجتمع ومن ثم يطمئن إلى ماضيه، فيعمل واثقا من أجل مستقبله.
وهذه المأثورات تشكل في الوقت ذاته قوة ثقافية مؤثرة، ودافعا معنويا ضروريا، ومصدرا روحيا لا ينضب ولا يتوقف عطاؤه على مدار التاريخ الإنساني.
وعلى ذلك فإن الحفاظ على هذه المأثورات الشعبية هو خير وسيلة للحفاظ على هذا الجانب الثري من ثقافة الفرد والجماعة أو المجتمع، والعكس أيضا صحيح. فإذا ما غاب الإنسان- حامل هذه الماثورات – غاب معه إرث الماضي، وضاعت هويته. فالمسألة ثقافيا واجتماعيا، تتطلب منا العمل الجاد من أجل الحفاظ على ما يكسب الإنسان وجوده وهويته، وصون هذا الوجود وتلك الهوية، وبمعنى آخر، الحفاظ على بقائه، واستمرار ثقافته.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه يمكن لهذه المأثورات أوالتعبيرات الثقافية المأثورة أن تكون أساسا لنهضة اجتماعية ثقافية، تسهم في التنمية الاقتصادية للجماعة والمجتمع.
إنه يمكن الاستفادة من المعارف والأغاني والحكايات والموسيقى والحرف المأثورة وغيرها من أشكال المأثورات لتحقيق تنمية اقتصادية للمجتمع. ولا يغيب عن الذهن أن كثيرا من الأعمال الفنية المحترمة التي لاقت رواجا وانتشارا وبقاء على مستوى الثقافة الإنسانية كلها، لها أصولها في الأغاني والحكايات والملاحم والسير والموسيقى والرقصات التي أداها مغنون وحكاءون وراقصون مجهولون.
لكن هذا الأمر على بساطته يقتضي إجراءات عملية كثيرة ومعقدة، وأن يخضع لتخطيط علمي سليم، والمحافظة على مستوى معين من الجودة والإتقان والملاحظة، حتى لا يحدث ابتذال لهذه المأثورات أو تشويه لها في شكل منتجات تفتقد الأصالة، وتنزع نحو الانتشار الرخيص، مما ينعكس سلبا عليها وعلى الثقافة التي تعبر عنها.
وهنا ينبغى أن نضع في اعتبارنا أن التقنيات الحديثة مؤثرة بشكل ملحوظ وخطير على تطور المأثورات الشعبية ( التراث الثقافي غير المادي ) وهنا أيضا لا بد من التنبه إلى أن هذه التقنيات إذا كانت في جانبها الايجابي، بتأثير ثورة الاتصالات، تربط هذا الجانب المأثور من الثقافة بما تتجه إليه المجتمعات الانسانية من عولمة، فإنها على الجانب الآخر يمكن أن تفقدها هويتها وأصالتها، وتجعلها مجالا للانتهاب والاستلاب وسوء الاستخدام. إن العولمة في حقيقتها سلاح ذو حدين، فهي من ناحية قد ترفد الثقافات الوطنية بما يثريها، ويضيف إليها ويجددها في تواصلها ومواجهتها مع الثقافات الأخرى. ولكنها من ناحية أخرى قد تكون خطرا عليها، بفعل سيطرتها وهيمنتها التي تتجه إلى أن تكون غير محدودة. من هنا تبدو أهمية هذا الجانب المأثور من الثقافة، بما يحمله من أصاله وعراقة يشكلان في واقع الأمر خط الدفاع القوي الذي يحفظ هذه الثقافة من الاندثار، ويصونها من الذوبان في غيرها، ويجدد شبابها ويصون هوّيتها ويؤكدها، ويعطيها طابعها المتميز المتطور الذي يضمن لها البقاء والاستمرار والتأثير.
ولعلنا لا نضيف جديدا عندما نشير إلى ارتباط هذه المأثورات الشعبية ببيئتها التي نشأت فيها، وبمجتمعها الذي عاشت بين أفراده، وأنها تأثرت بهما، وأثرت فيهما وأنهما أعطياها وجودها، كما أعطتهما هي بدورها قيمة إنسانية، وتراثا ثقافيا وهوّية تميزّها. وليس بعيدا عن أعيننا الآن ما نراه من تشويه للبيئة، وللتراث الثقافي الإنساني بتأثير تلك الصناعات الجديدة، الكثيفة الإنتاج والتوزيع، وما يصحبها من إعلان يروج لها، ويزين لفوائدها، أثر في تحول اهتمامات الناس إلى الجوانب المادية النفعية البحته، مما أدى إلى تلويث البيئة وتشويهها. ولم يقف التلوث عند حدود البيئة فحسب، ولكنه يمتد ليلوث العقل والسمع والبصر أيضا. ولسنا فيما نظن في حاجة إلى أن نشير إلى تأثير ذلك على جوانب التراث الثقافي المتعددة، فهي ليست بمنجاة من هذا كله. كما أننا لسنا في حاجة أيضا إلى أن نضرب أمثلة على ذلك، وإنما يكفي أن نذكر مثالا واحدا هنا لما تفعله السياحة غير المدروسة أو المخطط لها من تأثير – في بعض المجتمعات – على البيئة تشويها وقبحا، وعلى الثقافة رخصا وابتذالا.
على ذلك لا يمكن لنا أن نغض الطرف عن تأثير ذلك – كمثال – على المدى المتوسط والبعيد، على الخسارة الاقتصادية والثقافية التي تنتج عن تدهور المواصفات الموروثة للمأثورات، وفقدانها قيمتها واحترامها المرتبطين بأصالتها وجودتها، مما يؤدي في النهاية إلى أن يهجرها أصحابها، وأن يتنكروا لها، فتنسى أو تهمل، أو تضيع !!! ومن ثم يفقد أصحابها على المستوى المادي ما يعيشون عليه، وعلى المستوى الاجتماعي والثقافي، نظما وعادات وتقاليد صاغت وظلت تصوغ حياتهم وتشكل الأساس الذي تقوم عليه قيمهم، ويحدد أنماط سلوكهم، وتبنى عليه هويتهم.
ولا نظننا نغالي في القول عندما نؤكد على أن الاهتمام بالمأثورات الشعبية كما تتجلى تعبيراتها المتنوعة والمتعددة لا يأتي فقط من أهميتها الثقافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية فحسب، بل إنه أيضا ضرورة إنسانية قومية وعالمية، ذلك أن هذا سوف يسهم في إثراء الثقافة القومية والثقافات العالمية المتنوعة ويصل بينها، ويعمل على ترسيخ أسس قوية من أجل سلام حقيقي لكل البشر،يقوم على التواصل الاجتماعي والثقافي والتنمية المستدامة للجميع.
والحقيقة أن قضايا حفظ المأثورات الشعبية ( التراث الثقافي غير المادى ) وصونها وتعزيز ما تعبر عنه من تنوع ثقافي يثري الثقافة الإنسانية، وكذلك ملكيتها الفكرية،قد أصبحت وطنياً وعالمياً أمورًا هامة وحيوية لغالبية الدول النامية وشعوبها، باعتبارها المالك الأساسي لهذه المأثورات. وعلى ذلك فهي – أي الدول والشعوب – صاحبة الحق في التصرف فيها، بما يحفظ لها حقوقها من الاستغلال غير المشروع وأعمال القرصنة التي تتعرض لها بشكل متزايد، خاصة في ضوء ما شهدته السنوات الأخيرة من تنامي أشكال هذا الاستغلال وتنوعه، نظرا للتقدم الهائل في الأساليب والوسائل العلمية والتكنولوجية المعاصرة.
لقد طالبت الدول النامية – وما تزال تطالب – بضرورة توفير الحماية لمأثوراتها الشعبية (فولكلورها ومعارفها التقليدية أو المأثورة أو تراثها الثقافي غير المادي) من خلال الجمع والتوثيق والصون بهدف الحفاظ على هويتها الثقافية ومنع استغلالها دون مقابل وهو ما دارت، وما زالت تدور، حوله المناقشات والاجتماعات والمؤتمرات خلال ما يزيد على نصف قرن فى إطار منظمات الأمم المتحدة (منظمة اليونسكو والمنظمة العالمية للملكية الفكرية)، ولقد تبين أن حفظ هذه المأثورات وتوثيقها وحمايتها ليس بالسهولة المتصورة، قياسا على عناصر أو موضوعات ثقافية أو علمية أخرى.و لعله من المفيد هنا أن نشير الى ما ورد في وثائق هاتين المنظمتين مما يتصل بصون التراث الثقافي غير المادي ، و تعزيز التنوع الثقافي، و حماية تعبيرات الفولكلور/التعبيرات الثقافية المأثورة، و المعارف التقليدية. و كذلك ما ورد في مشروع الاتفاقية العربية لحماية المأثورات الشعبية
الأرشيف القومي للمأثورات الشعبية - مصر - نموذج
كان إنشاء أرشيف قومي للفنون الشعبية المصرية وفقا للمصطلح الذي كان شائعا في خمسينات القرن الماضي، وكذلك إنشاء معهد علمي متخصص يقوم على ‘إعداد الكوادر العلمية المتخصصة في الفنون الشعبية (المأثورات الشعبية ) لكي ينهض بمهام الجمع والتوثيق والتصنيف والدراسة حلم الرواد: سهير القلماوى وعبد الحميد يونس، وعبد العزيز الأهوانى، وأحمد رشدى صالح. وكانت البداية في عام 1957 هي إنشاء مركز الفنون الشعبية ولجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. وبإنشاء هذا المركز نشطت حركة جمع المأثورات الشعبية وثوثيقها ومحاولة تصنيفها تمهيدًا لإنشاء هذا الأرشيف الحلم. لكن ظروف الستينات قلصت من دور المركز وأهميته، فهجر أبناؤه المؤسسون، لكن حلم إنشاء الأرشيف والمعهد العلمى ظل يراود أيضا تلاميذ الأساتذة الرواد: أسعد نديم وصفوت كمال وعبد الحميد حواس ومحمد الجوهرى وأحمد مرسي، بل تجاوز حلمهم حلم الرواد بالدعوة إلى إنشاء أرشيف للمأثورات الشعبية العربية. ولأسباب يصعب الإحاطة بها هنا، لم يتحقق من الحلم، حتى ثمانينات القرن الماضى إلاّ إنشاء المعهد، لكن ظل الحلم الأساسي وهو إنشاء الأرشيف الذي يقوم على توثيق الذاكرة الشعبية والحفاظ عليها لماّ يتحقق.
ومع بداية القرن الحالي- الواحد والعشرين- أنشئت الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية (عام 2001م ) كجمعية أهلية تضم المهمومين بالمأثورات الشعبية، ووضعت الجمعية هدفا أساسيًا من أهدافها- ولعله أول أهدافها- العمل على تحقيق الأرشيف/ الحلم. واستطاعت بتكاتف جهود أعضائها وعلى رأسهم أسعد نديم وبقيادته أن يبدأوا الخطوة الأولى في عام (2006م ) بالحصول على منحة من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وموافقة السيد وزير الثقافة على تخصيص جزء من بيت الخرزاتي والمجاور لبيت السحيمى بالجمالية (القاهرة التاريخية) ليكون مقرًا لإنشاء الأرشيف القومي للمأثورات الشعبية. أتاحت المنحة البدء في بناء القاعدة الأساسية للمشروع بتوفير أحدث أجهزة الجمع والتسجيل والتصوير، وأجهزة الحاسب الآلي كما أتاحت أيضا تدريب شبان من الجنسين على الجمع والتسجيل والتوثيق يبلغ عددهم الآن 40 شابا، ويشرف على المشروع ويشارك فيه 15 أستاذًا وخبيرًا متخصصا.
ويعتمد الأرشيف على خلق اتصال وثيق «بحمَلة المأثورات»، أي بالناس، للتعرف منهم على ما يحتاجه من معلومات. فلابد من التواجد بينهم وكسب ثقتهم حتى يتعاونوا معنا.
- المرحلة الأولى: تدريب الجامعين الميدانيين
- اختيار المتدربين على الجمع الميداني من الحاصلين على دبلوم الدراسات العليا من المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، والحاصلين على ليسانس آداب قسم اجتماع شعبة أنثروبولوجى وفولكلور والذين تتوفر لديهم خبرات الجمع الميداني وهو ما يمكنهم من استيعاب التدريبات التقنية على الأجهزة المعدة للمشروع .
- وإعداد الجامعين الإعداد العلمى اللازم نظريا وتطبيقا وتدريبهم على عمليات الجمع الميداني وفقا لمنهج علمي موحد، وطرق وصف المادة وسياقها الذي تؤدى فيه، وتدوين البطاقات الخاصة بالمكان والزمان والاخباريين، واستخدام أدلة الجمع.. الخ ، وتوجيههم إلى اختيار مناطق الجمع الميداني وموضوعاته.
ويشتمل على :-
- فولكلور ( الأدب الشعبى – الثقافة المادية– العادات والتقاليد- المعارف الشعبية – المعتقدات الشعبية – فنون العرض – الموسيقى الشعبية – الرقص الشعبي– الألعاب الشعبية – التاريخ الشفاهي – الموتيفات الشعبية - الأزياء ومكملاتها).
- تفنيات (كاميرا الفيديو - كاميرا الصور - جهاز تسجيل الصوت - الحاسب الآلي المحمول)
التدريب على استخدام الكاميرا للتصوير الفيديو والفوتوغرافي.
التدريب على إمكانيات الكاميرا الرقمية : استخدام الزووم الرقمي والزووم البصري، استخدامات الفلاش، وتم استعراض إمكانيات الكاميرا في التصوير في كافة الظروف وتدريب الجامعيين على مكونات الكاميرا مفاتيح التشغيل الخاصة بها واستخداماتها المختلفة وكيفية توصيلها بالحاسوب، وأيضاً كيفية تفريغ الملفات.
التدريب على استخدام مسجل الصوت الرقمي.:
التدريب على إمكانيات جهاز التسجيل الرقمي وكيفية استخدامه في جمع المادة وتفريغها.
التدريب على كيفية استخدام الحاسوب .
التدريب على استخدامات الحاسوب المختلفة كنسخ محتويات الأجهزة بالكاميرا – وأجهزة الصوت ، وعمل نسخ احتياطية وتشغيل ملفات الجمع لتفريغها وكذا إرسال المادة الميدانية إلى الإدارة المركزية للمشروع لتقييم محتواها ومتابعة عمليات الجمع وتوجيه الجامعين الميدانيين بالميدان.
التدريب على استخدام الانترنت اللاسلكي وإرسال المادة الميدانية:
تم الاستعانة بأحدث تكنولوجيا الاتصالات لإرسال المادة الميدانية إلى الإدارة المركزية للمشروع، لتوفير الوقت والجهد للجامعين.
التدريب على استخدام قواعد البيانات المعدة للمشروع .
التدريب على مجموعة من قواعد البيانات التي تم إعدادها بواسطة مهندسي المشروع باستخدام لغة البرمجة سى شارب دوت نت و VB .Net ، وذلك وفقا لاحتياجات المشروع.
التدريب على التخزين الاحتياطي.
تم التدريب على التعامل مع وحدات تخزين ثانوية مثل HDD هارد ديسك خارجى ذي سعة كبيرة وكذا استخدام الاسطوانات المدمجة DVD .
- المرحلة الثانية : الجمع الميداني
يتم تزويد كل باحث ينطلق إلى العمل الميداني – بعد اجتياز التدريب - بكاميرا رقمية تتيح التصوير الثابت والفيديو مضافا إليها جهاز إضاءة بالبطارية، وجهاز تسجيل صوت رقمي يعمل بالبطارية، وجهاز كمبيوتر محمول. وعند نهاية العمل اليومي ينقل كل ما جمعه من ملاحظات وحوارات وصور وفيديو إلى الكمبيوتر المحمول ويرسله عن طريق الإنترنت إلى مقر المركز بالقاهرة.
يتلقى الأرشيف رسائل الجامعين الميدانيين فيتولى فريق متخصص “إدخال البيانات” إلى الكمبيوتر بالمركز. ثم يتناول خبير كل وحدة (الأدب، الثقافة المادية، ...) فحص المادة المجموعة وفهرستها وإعدادها للحفظ. وفي نفس الوقت يمكنهم عبر الانترنت الاتصال الفوري بالجامعين في الميدان لمناقشة أية مشكلات وتوجيههم لتعديل المسار عند الاقتضاء. كما يسافر الخبراء إلى مواقع العمل الميداني لمراقبة سير البحوث على الطبيعة.
- المرحلة الثالثة : الحفظ والتصنيف
تم عمل تصنيف وفهرسة لجميع الموضوعات التي تدخل في التخصص، وتفرعات كل موضوع منها، ثم انقسام كل فرع إلى عناصر، وهكذا. وتكوّن من هذه التصنيفات قدر هائل من الفهارس يجري تحسينه واستكماله باستمرار حسب ما يأتي به الجامعون الميدانيون.
ويتم حفظ المادة الشعبية المجموعة ووضع أسس تصنيفها وفقا لأنواعها وأشكالها ومضامينها ووظائفها وأماكنها ومؤديها، وإعداد المواد المجموعة بشكل يُيِّسر للراغبين في الحصول على مادة شعبية الوصول إليها دون جهد أو عناء، ويتم الحفظ في قاعدة بيانات.
قواعد البيانات Databases
قاعدة البيانات هي مجموعة من التسجيلات المتماثلة مع علاقات محددة بين هذه التسجيلات(1) ولقد شهدت تقنية قواعد البيانات تطورَا كبيرَا منذ بدايتها، ففي السبعينيات من القرن العشرين استخدمت قواعد البيانات التسلسلية Hierarchique، وبعد ذلك في الثمانينيات استخدمت قواعد البيانات العلاقية Relationnelle، أما في التسعينيات فأضيفت إليها قواعد البيانات الهدفية Oriented Object.
ويشهد العصر الحالي تطورات سريعة في مجال تكنولوجيا المعلومات، التي بدأت منذ زمن ليس ببعيد باستخدام الحاسبات الإلكترونية، ثم تطورت بالتزاوج بين الحاسبات وتكنولوجيا الاتصالات فأنتجت الشبكات المحلية، ثم الشبكات الواسعة، التي تطورت وتشابكت بدورها حتى ظهرت الإنترنت (الشبكة الدولية للمعلومات) وتطبيقاتها المتعددة.
ومن أبرز التطبيقات التكنولوجية في هذا الصدد قواعد البيانات ، سواء قواعد بيانات النصوص الكاملة أو قواعد البيانات المزودة بصور للنصوص الكاملة أو لأجزاء منها، وذلك بغرض إتاحة النصوص الكاملة لأوعية المعلومات إلى جانب التسجيلات الببليوجرافية التي تصفها. ومنذ ذلك الحين أقدمت مكتبات كثيرة في العالم على إعداد قواعد البيانات التي تتضمن صورَا من مقتنياتها المخطوطة ، سواء العربية أو الإسلامية على الإنترنت(2).
ومن جهة أخرى برز تحد جديد في كيفية تحويل قواعد البيانات من قواعد تخزين وبحث عن المعلومة إلى مخازن للمعلومات تستنتج المعرفة وتساعد على اتخاذ القرار. لذلك أصبح من الضروري وجود أنظمة معلوماتية جديدة تتعامل مع هذه البيانات من حيث التخزين والاسترجاع والعرض بهدف المساعدة على اتخاذ القرار والتخطيط والرؤية المستقبلية. وتعتبر تقنيات استخراج المعلومات Data Mining وما يتفرع عنها من استخراج المعلومات من النصوص Text Mining مع استخدام مخازن المعلومات Data Warehousing واستخدام هذه التقنيات المتاحة على شبكة الانترنت فيما يسمى Web Mining.
إن الهدف من تخزين المعلومات بكل أشكالها ليس فقط حفظها من الضياع ، بل الاستفادة منها في البحث والتحليل، وهذا يتطلب إمكانية الاتصال بين المستخدم والآلة باستخدام لغة المستخدم، مع ما يتطلبه ذلك من تملك للآلة لبعض الذكاء والمعرفة اللغوية وميدان العمل Context ودوافع المستخدم(3) .
إن قاعدة البيانات (معلومات) هي مجموعة من عناصرِ البياناتِ المنطقية المرتبطة بعضها مع بعض بعلاقة رياضية، تخزن في جهاز الحاسوب عَلى نحو منظّم، حيث يقوم برنامج (حاسوب) يسمى محرك قاعدة البيانات بتسهيل التعامل معها و البحث ضمن هذه البيانات، وإمكانية الإضافة والتعديل عليها. الهدف الأساسي لقواعد البيانات هو التركيز على طريقة تنظيم البيانات، وليس على التطبيقات الخاصة. أي إن تصميم البيانات يراعي أن تكون تلك البيانات خالية من التكرار ويمكن استرجاعها وتعديلها والإضافة عليها دون المشكلات التي يمكن أن تحدث مع وجود التكرار فيها. وهذا يتم عن طريق إيجاد ثلاثة مستويات من التجريد أو النماذج لقواعد البيانات تسمى نماذج التطبيع (Normalizing Forms)،ويقصد بها جعل تركيبة البيانات أقرب إلى الطبيعة التصنيفية.
- المرحلة الرابعة: الإعداد الفني:
ويتم تلافي أوجه القصور والأخطاء التي قد تظهر في المادة المجموعة ميدانيا؛ نتيجة ظروف الميدان أو الجامعين أو الأجهزة المستخدمة ( دون تدخل في شكل المادة أو مضمونها) كي تخرج في أفضل صورة قبل إتاحتها للجمهور في المركز وعلى شبكة الانترنت وهي تضم: (مونتاج - الجرافيك - هندسة الصوت )
نتيجة لتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العصر الحديث -عصر مجتمع المعلومات- وتأثيرها على جميع المجالات والتخصصات، أصبح الإنترنت أحد المصادر الأساسية للمعلومات وأهم أشكال المخرجات، حيث يشجع المهتمين-المهمومين- بالمأثورات الشعبية في جميع أنحاء العالم على التفاعل ويسمح لهم بتبادل ومشاركة المعلومات فيما بينهم، ويقوم باختزان هذه المواد، ويتيح مميزات وفرصاً ملموسة حيث أنه يقدم مخزونا من المعلومات والمالتي ميديا عن المأثورات الشعبية المصرية ولا يتعامل فقط مع النص المكتوب وإنما يتعامل مع النص المكتوب والصوت المسموع والصورة الثابتة أو المتحركة بما يدعم وييسر تقديم المعلومات بطريقة مناسبة.
وبالتالى فإن أحد أهداف الأرشيف زيادة معدل إنتاج صناعة المحتوى من حيث: معدل النشر الورقي والإلكتروني، والإنتاج الإعلامي والسينمائي، والبرمجيات التطبيقية، ومواقع تقديم خدمات المحتوى على الإنترنت في مجال المأثورات الشعبية وذلك عن طريق توفير الموارد الخام لصناعة المحتوى وتشمل: قواعد البيانات، وبنوك الصور، والأرشيفات الورقية والإلكترونية، وحجم المكتبات الرقمية والورقية.
عمليات الجمع والتوثيق بالأرشيف القومي للمأثورات الشعبية
مصر حتى 12/9/2012
بلغ عدد الرحلات الميدانية التي قام بها الجامعون بالأرشيف 3240 رحلة لاستكشاف للمعمور المصري
- تم تسجيل 4059 ساعة فيديو (صوت وصورة) تحوى 34981 مقطعًا
- تم تسجيل 921 ساعة (صوت) تحوى 7613 مقطعًا
- تم حفظ 184537 صورة فوتوغرافية
- تم الجمع من 24 محافظة من بين 29 محافظة تشكل جميع محافظات مصر
الهوامش
1 - أحمد أنور بدر: تكنولوجيا المعلومات وأساسيات استرجاع المعلومات، دار الثقافة العلمية،2003.
2 - وليد غالي نصر: قواعد البيانات الببليوجرافية للمخطوطات العربية في مصر : دراسة تقيمية لبنيتها و أساليب إتاحتها ، اشراف مصطفى حسام الدين – القاهرة ، و غ ، 2005 (أطروحة ماجستير، جامعة القاهرة ).
3 - رمال محمود: تمثيل المعلومات القانونية ـ عقبات وحلول ـ معالجة المعلومات القانونية فـي القرن الواحد والعشرين وتحدياتها ـ تقنيات الاتصال الحديثة والوصول إلى المعلومة ، بيروت 2001 « نبيل علي : العرب وعصر المعلومات ـ عالم المعرفة 1994.