فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

عرض كتاب :دراسات في الفولكلور التطبيقي الإفريقي

العدد 24 - جديد النشر
عرض كتاب :دراسات في الفولكلور التطبيقي الإفريقي

المؤلــــف: سيد حامد حريز
ترجمة: محمد المهدي بشرى
قـراءة : عبدالرحمن سعود مسامح


- الطباعة حصاد للطباعة والنشر - 2010
- من سلسلة دراسات في التراث السوداني (40)
- معهد الدراسات الافريقية والآسيوية - جامعة الخرطوم

يقع الكتاب في اثنتين وثلاثين ومائة صفحة من القطع المتوسط ويشتمل على إهداء، وشكر وعرفان، وتصدير، وتقديم، وفهرس ثم مقدمة وسبعة فصول، إلى جانب ببليوغرافيا عربية وأخرى انجليزية.

صدر الكتاب أول مرة باللغة الانجليزية في عام 1986م لمؤلفه البروفيسور سيد حامد حريز ثم صدرت له طبعة ثانية في عام 2006م بعد أن أخضعه لمراجعة دقيقة وتنقيح، كما أضاف إليه المزيد من المعلومات .
والكتاب الذي بين أيدينا هو في طبعته الثالثة، التي صدرت عام 2010م بترجمة سديدة للبروفيسور محمد المهدي بشرى، كواحد من أهم إصدارات معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم.
ويعتبر البروفيسور حريز من كبار علماء الفولكلور ليس في السودان فحسب بل على مستوى القارة الإفريقية والعالم العربي، وهو المؤسس لشعبة الفولكلور بمعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية. ومعظم المتخصصين في هذا المجال من أبناء الجيل الحالي هم من تلاميذه. وقد  أضاف المؤلف العشرات من الكتب والبحوث والمقالات في مجال اختصاصه الى المكتبة السودانية بشكل خاص وغيرها من المكتبات في العالم.
أما المترجم فهو البروفيسور محمد المهدي بشرى تلميذ وصديق للمؤلف، له جانب إسهاماته في مجال التأليف والنشر، لذلك جمع هذا الكتاب بين عمق المعرفة ودقة الترجمة وسلامة اللغة وجزالة الأسلوب مع سلاسته.
استطاع المؤلف أن يجعل مقدمته خارطة طريق، يعرض فيها ما يشتمل عليه الكتاب في إيجاز متقن، إلا إننا سنتجاوزها محاولين المرور سريعا على فصول الكتاب لأهمية ما تضمنته من معلومات مفيدة ذات بناء علمي رصين.

الفصل الاول
- الحوار حول الفولكلور التطبيقي
وسعيا منه للوصول إلى مفهوم محدد لـ (الفولكلور التطبيقي) استعرض المؤلف مراحل تطور علم الفولكلور، وقال في عجالة أن نظريات ومناهج الفولكلور المبكرة شغلت نفسها بقضايا أصل وانتشار ومعنى (فولكلور). كما أن الفولكلوريين والباحثين قد اهتموا بالعلوم ذات الصلة بموضوعات تصنيف وشكل وبناء ووظائف الفولكلور واتجه دارسو الفولكلور جميعا الى الاهتمام بالسياق والأداء وبالملامح الاجتماعية والسلوكية للفولكلور وبوضعه في العصر الحديث.
وقال بأننا قبل تطبيق الفولكلور أو تطبيق نتائج دراسته، نحتاج إلى دراسة مصادره وبنائه والمناخ الاجتماعي ومعناه، أو بمعنى آخر نحتاج إلى دراسة القضايا التي شغلت اهتمام الدارسين بعلم الفولكلور منذ البدايات.
ويرى المؤلف أن (الفولكلور التطبيقي) يجب أن يقوم على قاعدة صلبة، وبالتالي فإن النظرية والتطبيق لا يمكن النظر إليهما في إطار اتصالهما، وقال أن الدراسات النظرية تشير إلى المواقع المحتملة والاتجاهات للتطبيق السليم.
وقد اعتمد المؤلف في هذه الدراسة نماذج أمثلة من الفولكلور الذي ما يزال محل خلاف. وأشار إلى نقاش شبيه بحقل الانثربولوجيا التطبيقية. وقال إن اختياره لهذا الحقل مبني على اعتبارين إثنين هما: الأول أن الفولكلور وثيق الصلة بالانثربولوجيا. والثاني أن الغلبة من الدراسات في الفولكلور الافريقي قام بها انثروبولوجيون. 
وقرر أنه سيستشهد بعدد من الدراسات من الفولكلور الإفريقي من بينها دراسات من تجاربه هو ومن تجارب قسم الفولكلور بمعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم. وأردف بأن مصطلح (فولكلور) سيعتمد اقتراح ريشارد دورسون في تصنيفه إياه إلى أربعة محاور هي الأدب الشفاهي، والثقافة المادية، والعادات والتقاليد والمعتقدات، وفنون الأداء التقليدية. وأما مصطلح (تطبيقي) فسيستخدمه بالمعنى العام ليعني أن نضع (الفولكلور) موضع التطبيق العملي، وبشكل أدق أي الاهتمام بالقضايا المباشرة على أرض الواقع وليس بالمبادئ النظرية.
ويذهب المؤلف إلى أنه يستخدم مصطلح (فولكلور تطبيقي) مثل ما يستخدم مصطلح علم النفس التطبيقي، أوالانثروبولوجيا التطبيقية، أواللغويات التطبيقية . 
ويقول إن قراءة تاريخ الحوار حول موضوعات الفولكلور التطبيقي سيساعد في فهم لماذا ينظر بعض دارسي الفولكلور بريبة الى الفولكلور التطبيقي، وكيف أنهم ينزلونه مرتبة دنيا. ويرجع سبب اعتماده على أمثلة من حقل دراسات الفولكلور الأمريكي الى التطور الملموس للفولكلور في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وهو لا ينفي وجود حوارات أخرى تمت في مناطق أخرى من العالم.
وبعد استعراض مختصر للحوار، تطرق الى فكرة جديرة بالاهتمام وهي، كيف تم استخدام علم الانثروبولوجيا في بداية الأمر لتحقيق أهداف عملية، وبالتحديد أهداف استعمارية، وفق تدابير وجهود مستدامة لاستخدام الدراسات الانثروبولوجية من قبل الانجليز في حكم مستعمراتهم في إفريقيا على وجه الخصوص. وكان الفولكلور بارزا جدا في كتابات أؤلئك الانثروبولوجيين التطبيقييين. وكان الفولكلور أحد الأدوات الرئيسة في فهم وإدارة السكان المحليين.  
ويستنتج البروفيسور حريز أن مادة (الفولكلورالإفريقي) على الأقل، قد وضعت منذ القرن التاسع عشر الميلادي، لكي تستخدم بشكل جليّ لتحقيق أهداف محددة. فيقول “وعندما نتحدث عن الفولكلور التطبيقي يجب ان نتذكر أن جزءا كبيرا من مادة الفولكلور استخدمت في عدة تطبيقات ووظائف في العلوم المجاورة في الدراسات الانسانية والعلوم الاجتماعية مثل الانثروبولوجيا والسايكولوجي (علم النفس) وعلم اللغويات.»
ويلمح المؤلف الى أن الدراسة النظرية في كل من الانثروبولوجيا والفولكلور كانت أفضل حالا من الانثروبولوجيا والفولكلور التطبيقيين وأن أصداء التطبيقات المبكرة ظلت عائقا لمزيد من الجهد في المجال التطبيقي.
وتعرض المؤلف الى رأي كل من ايفانز برتشارد، ورتشارد دورسون بأن الفولكلوريين الذين رأوا الاستمرار باتجاه الفولكلور التطبيقي قد اختاروا أن يكونوا ناشطين ومصلحين اجتماعيين وليسوا فولكلوريين. وقد شكك الأول في قدرة هؤلاء الباحثين أن يكونوا ناشطين ناجحين أو فولكلوريين جيدين.
ثم خلص المؤلف وهو يعلق على ما أثاره الحوار حول الفولكلور التطبيقي قائلا: ولعله من الخطأ النظر للحوار وكأنه سجال بين مجموعتين متعارضتين، واحدة مع الفولكلور التطبيقي وأخرى تعارضه، ليس هناك خلاف حول جدوى الفولكلور التطبيقي ولا عن دوره في المجتمعات المختلفة، ولكن تركّز الحوارعلى من وماذا يفعل وكيف؟
وفي نهاية استعراضه للحوار حول الفولكلور التطبيقي أكد على جملة من القضايا النظرية التي رأى ضرورة معالجتها بعمق قبل الانطلاق في التطبيق المنهجي للفولكلور. وساق عددا من التساؤلات، من هم الجماعة؟ ما هي نظرتهم للعالم؟ وكيف يرون حقائق الكون من حولهم؟ ما هو موقفهم من عالم متغير يغلب عليه التحديث والتمدين والتصنيع؟ وفوق كل هذا ما وضع فولكلورهم في ظل هذه الظروف؟.
وارتاح إلى النتيجة التي تقول بأن هناك عددا من كبار الفولكلوريين بمن فيهم بعض الذين لا يبدون كمدافعين عن الفولكلور التطبيقي جميعهم، قدموا إجابات لهذه الأسئلة وساهموا بشكل غير مباشر في حقل الفولكلور التطبيقي.
وحول الفولكلور التطبيقي الإفريقي، يمكننا تلخيص رأيه في النقاط التالية:
إن الجماعة الإفريقية كانت ومازالت إلى حد كبير توظف وتطبق المعرفة التقليدية في الكثير من المجالات في حياتها اليومية منذ أزمنة بعيدة.
إن جلّ المعرفة التقليدية تكون في شكل فولكلور في الواقع، بل إن المرء يجد نفسه تحت إغراء الزعم بأن أغلب هذه المعرفة في شكل فولكلور تطبيقي.
في أجزاء كثيرة من إفريقيا ما زال الفولكلور يستخدم في التعليم والطب والقانون والتقنية التقليدية الخ.
إن التعليم التقليدي والاصلاح الاجتماعي يتمثل أساسا في شكل الحكايات الشعبية والالغاز والأمثال والأساطير التاريخية والمهرجانات التقليدية والمهن والثقافة المادية أي التي تكون في شكل فولكلور.
إن الفولكلورالإفريقي يقدم أساس التعليم المهني للرجل العادي وبذات القدر يقدم التعليم التخصصي للخبير التقليدي سواء أكان معالجا أو فلكيا أو رجل دين تقليدي أو شاعرا مرموقا أو حدادا فهو تعليم للحياة عبر الحياة.

يعتبر الطب التقليدي من المعرفة العامة المتوفرة لدى أي فرد، وحين يحتاج الى الخبرة التخصصية فهي متوفرة في القرية أو القرية المجاورة. بل إن هؤلاء الإخصائيين منتشرون في أصقاع إفريقيا بأسماء ووظائف وقدرات علاجية، ومنهم العشابون، والبصراء أو معالجو العظام، والحجامون، والأولياء مثل الكجرة والفقهاء وشيوخ البوري وشيوخ الزار. ولقد ظل الطب التقليدي وما يزال الأكثر انتشارا بسبب محدودية الخدمات الطبية الحديثة، ولثقة الجماعات الإفريقية في قدرات الأطباء التقليديين العلاجية. 

حالة السودان
يجب على الفولكلوري المعاصر كما يقول المؤلف أن يهتم بالفلكلور التطبيقي وأن يوجه بحوثه ودراساته لمخاطبة حقائق الحياة اليومية ومشاكلها. وعلل ذلك بسببين أولهما أن الجماعة تتبنى نظرة وظيفية وتطبيقية تجاه تقاليدها المتوارثة. وثانيهما التحديات التي تواجهها الجماعة لقهر الأمية والجفاف وتحقيق التمدين والتقدم والتنمية.
ويقرر هنا حقيقة تقع في كثير من مجتمعاتنا بأنه نتيجة لقلة الموارد واعتبار الفولكلور من الكماليات التي لا يستطيع الوطن الصرف عليه، فان الفولكلور التطبيقي يصبح ضرورة وليس مجرد منهج يمكن للفولكلوري أخذه أو تركه. إن الفولكلوري الذي يرتبط بقضايا تتعلق بالهموم القومية المعاصرة، كالأمية والجفاف والتنمية والخدمات الطبية، ربما يكون أكثر قدرة على الإقناع. ويصبح برنامجه أكثر قبولا وجاذبية. وبإقناع التربويين ومخططي التنمية والمعماريين والأطباء، بما يربطهم بالفولكلور، وإلى أي مدى يكون الفولكلور في خدمتهم. 
وهكذا يقدم الفولكلوري خدمة جليلة لعلم الفولكلور ولا يعني هذا أن يجعل الفولكلوريون من علمهم مجرد تابع في انتظار الآخرين لتحديد احتياجاتهم والسؤال عن الدعم، بل عليهم أن يبادروا باكتشاف أساليب الفولكلور التطبيقي على قاعدة نظرية صلبة وأساس أكاديمي. وبذات المستوى يجب استشراف موجهات وطموحات الجماعة المعنية.

ثم استعرض المؤلف بعد ذلك مساهمة شعبة الفولكلور بجامعة الخرطوم وهي الوحيدة المتخصصة في هذا العلم في هذا المجال في الجامعات الإفريقية.
إن الدور الجوهري للفولكلوري هو كشف المخفي، لذا عليه أن يسعى لاكتشاف كيف تستخدم الجماعة فولكلورها لتحقيق أهداف عملية لإشباع حاجاتها. وعليه دون أن يفرض نفسه على الجماعة أو على فولكلورها أن يكتشف حيوية عمليات توظيف الفولكلور ويساعد في تطور هذا الاستخدام.

ويزعم المؤلف إنه يقدم الدراسات التي تتصل بمسألة الفولكلور التطبيقي في الفصول التالية من كتابه من منظوره الذي تحدث عنه آنفا، مؤكدا أنه لا يسعى في هذه الدراسة لاقتراح أي نظرية في الفولكلور التطبيقي، ولكن يسوق عددا من (دراسات حالة- (Study cases، مؤكدا كذلك أن النظريات يمكن ربطها في واقع الأمر بدراسة الحالة. ومقررا في نهاية المطاف أن الفولكلوريين في ميدان دراساتهم يمهّدون الطريق للفولكلور التطبيقي.

الفصل الثاني 
ويناقش المؤلف فيه مشكلات التمدن والتحديث وتأثيرهما على الفولكلور في الحالة السودانية التي تلقي بضوئها على الأقطار الافريقية الأخرى.  موزعا البحث فيه على جزئين أولهما تأسيس الصفوة الثقافية المتمدينة في بدايات القرن التاسع عشر، والتي بشّرت بإدخال التمدين والتحديث في الجماعة. ومواقف هذه الصفوة تجاه الفولكلور، وتأثير ذلك على الفولكلور. وثانيهما تجربة قسم الفولكلور بجامعة الخرطوم وخبرتها الجيدة في توضيح تأثيرات التمدين والتحديث على بعض الأجناس الفولكلورية كالشعر الشفاهي والحكاية الشعبية.
وخلص إلى أنه ليس من المعقول تبسيط موضوع تأثير التحديث على الفولكلور. وقال بأن هناك بعض الأجناس الفولكلورية قد اختفت كـ (غنا المرحاكة)  بينما أخرى قد ازدهرت كالحكاية الشعبية. لذلك دعا المؤلف الى ضرورة دراسة كل جنس على حدة ولما كان الفولكلور هو الوعاء الحاوي للمجتمع  فإنه يمكن استخدام علم الفولكلور لدراسة الآلية التي تحكم التمدين والتحديث والعولمة، كما يمكن دراسة مدى تأثير تلك العمليات على مادة الفولكلور.

الفصل الثالث
- الفولكلور والتعليم التقليدي في إفريقيا
إن التعليم التقليدي في إفريقيا هو تعليم عن (ولأجل) الماضي والحاضر والمستقبل لأنه يصعب الفصل بينها بحسب رؤية الافريقي للعالم. ويمكن أن نلمس تلك الرؤية حسب قول المؤلف بوضوح في الحكايات الشعبية، وفي الأديان التقليدية، وفي كتابات المبدعين والقادة والمثقفين الأفارقة.  وقد ظل رواة الحكاية الشعبية يواصلون سرد الحكايات التي تنطلق حوادثها من هذه الرؤية لأن هذا هو الأسلوب الذي يروون به الأشياء. وتجذب الحكايات الشعبية أذهان الجمهور مما يؤكد انتشارها واستمرارها لأنها تجسّد بوضوح حقيقة الأشياء.

ومفهوم التعليم بين الغرب وإفريقيا عند المؤلف ليس متطابقا إذ يرتكز عندهم معنى الأمية على عدم معرفة القراءة والكتابة، بينما المفهوم الذي يعادل المعرفة بالأمية لا يلائم التحديات التي تتولّد عن الحقائق في المجتمع الإفريقي. ومع أن الثقافة الإفريقية هي في الأصل ثقافة شفاهية، وتلعب الفنون الشفاهية دورا كبيرا في التعليم التقليدي الإفريقي، فإن التعليم الإفريقي يملك آلياته الثقافية الخاصة به، وبالتالي فالإدعاء بأن الإفريقي أمي أو غير متعلم لا يستقيم بمجرد تعريفنا للتعليم والأمية في سياق الثقافة الإفريقية.

إن التعليم التقليدي في إفريقيا في الأساس غير نظامي، ولكن توجد هناك تمرينات نظامية، وتعليم نظامي للمهارات. ويتاح هذا غالبا للجميع وربما للخاصة لتأهيل الخبراء والمختصين. ويعتمد التعليم الإفريقي التقليدي على الملاحظة والمحاكاة والمشاركة. ويستمر هذا التعليم عادة طوال حياة الفرد. وهو تعليم لا ينفصل عن التجربة التي يمكن اكتشافها في إطار السياق الاجتماعي، لذا يجب النظر إليه وفق منظور شامل.
ويلفت المؤلف نظرنا ونحن نتفق معه إلى أن التعليم التقليدي الإفريقي يمارس بأسلوب إبداعي مؤسسي عبر أشكال وأجناس الفولكلور، كالأساطير والملاحم والحرف والعرف وألعاب الأطفال والشعر. وكذلك من خلال العديد من التقاليد والمؤسسات الاجتماعية. 

ويضرب مثلا عمليا لمفهوم التعليم التقليدي وأنه الحياة فيقول، إذا حضر طفل أو إنسان احتفالا ذا مغزى تاريخي فإن المعلومات التاريخية  لا تصله بشكل جاف، ولكن بأسلوب غنائي يشارك فيه بنفسه، حين يلعب دور الكورس أو في شكل رقصة يشارك فيها، أو حكاية درامية تأخذ بشغاف قلبه. وعندما ينضج هذا الشاب فهو بدوره يؤدي دورا دراميا، دور الجماعة التي ينتمي إليها وهكذا. فالدروس التي هضمها هذا الشاب تصبح جزءا لا يتجزأ من خبرته التي تعلمها واستمتع بها في نفس الوقت.

ثم توسّع في ذكر ملامح من توظيف الفولكلور في التعليم البيئي والاجتماعي والأخلاقي والجمالي والمهني، وقال إن هذا التوظيف يغطي مساحة واسعة تتضمن الكثير من الأنشطة اليومية. وأكد على أن التعليم التقليدي في إفريقيا يقدم الكثير للتعليم النظامي، بل هو مرشح لما يتصف به من ملامح القوة لأن يكون رافدا للتعليم الحديث في إفريقيا.

ويخلص في ختام هذا الفصل إلى القول، بأن التعليم الإفريقي التقليدي يتمتع بمزايا كثيرة يمكن أن نتعلم منها، فهو وظيفي بالدرجة الاولى، ويتميز بدرجة تكاملية، وهذا أمر نمطي في الحياة الإفريقية. ويتميز كذلك بمنهج يجعل منه أكثر جاذبية للدارس إضافة الى كونه وثيق الصلة بالفولكلور. ويقول أيضا إنه في الواقع وفي الكثير من الحالات (يندغم) التعليم التقليدي مع الفولكلور.
الفصل الرابع
- الفولكلور والأسس الثقافية للتاريخ الشفاهي الافريقي

انشغل الفولكلوريون بالعلاقة بين الفولكلور والتاريخ منذ البداية. وفي السنوات الأخيرة واصل الفولكلوريون اهتمامهم في الملامح التاريخية من مادة دراساتهم. وقد ذهب الكسندر كراب الى أن الفولكلور كان علما تاريخيا لأنه يحاول إلقاء الضوء على ماضي البشرية.  وقد عالج العديد من الدراسات العلاقة بين الفولكلور والتاريخ. وفي السنوات التالية أقيمت مشروعات في التاريخ الشفاهي وغالبا ما تركز على علاقته ببرامج الفولكلور. ونادى سير جورج جوم بمنهج يدرس التاريخ كنشاط جماعي وفق منظور شامل يركز على الوظائف والأنشطة لمختلف فعاليات الحياة.

وفي إطار الدراسات الفولكلورية ما يزال الفولكلور والتاريخ الشفاهي يستخدمان بشكل أساسي مصدرا للمعلومة التاريخية. ودعما لإعادة البناء التاريخي، ظل التركيز حول تجويد منهجية صارمة تجعل من الجمع والتدوين واستخدام التقاليد الشفاهية مغامرة علمية جديرة بالتقدير الأكاديمي. مهما يكن من أمر فإن دور الفولكلوري يمكن أن يذهب الى أبعد من مجرد تجميع أحداث التاريخ.

إن المؤرخ الشفاهي مؤهل تماما للقيام بهذا الدور، وبوسع الفولكلوري شرح وقائع التاريخ وتوسيع الممارسات الثقافية التي تعود للأحداث التي تصنع التاريخ. إن الفولكلور قادر تماما على استنتاج وتوضيح العوامل التي تصنع النسيج الاجتماعي في المجتمع وهذا بدوره يقود إلى صناعة التاريخ.

مفهوم التاريخ 
ويتفق المؤلف مع ما ذهب اليه فانشتا ويقول بأن النظرة للتاريخ من قبل مؤرخ يحمل معه قيمه الثقافية التي تتضمن مفهوم التاريخ الذي يفرضه على الجماعة المدروسة، وأن القيم الثقافية هي (تحيزات المجتمع) وأنها أي (التحيزات) تؤثر حتما على الراوي ومؤرخ القبيلة والمؤرخ الحديث بذات القدر الذي أثرت تلك (التحيزات) على أبطال ذلك التاريخ. إن موضوعات التقابل بين الداخلي والخارجي وبين الذاتية والموضوعية هذه الموضوعات تخلق مفارقة لا مناص منها.

إن مفهوم (التاريخانية) في التاريخ الشفاهي جزء من مشكلة كبيرة هي مشكلة مفهوم المعرفة وإن رؤية الغرب للكون تذهب الى أن المعرفة والتعليم والتاريخ لا يمكن توفرهم في ظل الأمية وعليه فإن عددا من الباحثين الأوروبيين لم يستطيعوا هضم فكرة التاريخ الشفاهي في إفريقيا ولا كون الجماعات الأمية يمكن أن يكون لها تاريخها الخاص. فعندما يقول البعض بأن إفريقيا بلا تاريخ فنحن إزاء مشكلة مفهوم، وقد تنطوي مواقفهم هذه على إزدراء.

إن مفهوم التاريخ في إفريقيا يجب أن يدرس في علاقته بمفهوم المعرفة وكلاهما يجب أن ينظر إليهما في إطار مفهوم أوسع لرؤية الكون الإفريقية. إن مفهوم استمرارية الحياة واحد من ملامح هذه الرؤى وهذه الاستمرارية تصل الماضي بالحاضر، ويؤثران في بعضهما البعض وهذا يبدو جليا في نظام الاعتقاد، وفي التقاليد الشفاهية التاريخية وفي العلاقات الاجتماعية والسياسية.
وتتجلى العلاقة التبادلية بين الماضي والحاضر وأهميتهما في مفهوم التاريخ في كلمة (الياشي) التي تعني (تاريخ) في لغة البمبا وفي المثل الشعبي “من نسي قديمه تاه” إن الفكرة في هذين المثالين هي أن الماضي يرتبط بالمستقبل، ولذا يجب أن يساهم في صياغته. وفي الواقع يساهم الحاضر في صياغة رؤية الجماعة للماضي فالكثير من التقاليد التاريخية كقوائم الملوك وتقاليد الجلوس على العرش تصاغ للحفاظ على الواقع كما هو بغرض تشييد المؤسسات السياسية وتأكيد الحق في الوصول إلى السلطة.

وثمة ملمح آخر من ملامح التقاليد الإفريقية التاريخية والثقافية الإفريقية وهو كونها جماعية ومتكاملة وشاملة، هذا مما يتطلب منهجا شاملا ومتكاملا من المؤرخ.  إن المعلومة التاريخية عادة ما تتجلى في التقاليد الشفاهية

والإبداع الشفاهي والأزياء والرقص الشعبي وتقاليد الصيد والمؤسسات الاجتماعية والدينية..الخ، مثل هذه المعلومات تنتقل شفاهة وبصريا وعبر الوثيقة المكتوبة أو بمجرد التطبيق.  
إن المعلومات التاريخية متوفرة بكثرة في أشكال معاصرة عادة لا يؤبه لها، وربما يبدو من الوهلة الأولى أنها بلا قيمة تاريخية فعلى سبيل المثال الاحتفالات فهي مهمة لتثبيت وبعث التاريخ الإفريقي، وتستحق وقفة خاصة في نقاشنا هذا، لأنها تنطوي على حقيقة بينة هي نسيج من الدين والاجتماع، يحمل تنوّعا في الفولكلور وأجناس الحياة التقليدية، إلى كونها أنها تعكس ما هو (مقدس) عند الجماعة.

محتوى التاريخ الاجتماعي
إن الأحداث ذات الصلة بالقضايا الاجتماعية والسياسية هي بمثابة المرتكز الأساسي للتقاليد التاريخية وهي كذلك تقدم تسلسلا نسبيا للشواهد التاريخية.
إن موضوع التسلسل الزمني مشكلة على أية حال، فالماضي والحاضر يتصلان بشكل وثيق ويثري أحدهما الآخر كما أن التراجم والشواهد على الفترة المعاصرة، يساعدان في شرح الأدلة التي تتناول الماضي.
وأشار المؤلف هنا طرفة جديرة بالاهتمام هي حين سرد لنا حالة مع راو طلب منه تذكر تاريخ عمره فرجع الى الظاهرة الطبيعية والجغرافية والأحداث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي كان لها تاثير كبير على مجتمع الراوي، مثل هذه الظواهر والأحداث علامات بارزة توضح الزمن وتوفر أساسا للتسلسل.
ولاحظ أن الراوي قد قام بملئ الفجوات بين هذه العلامات بالاجتهاد في احتفالات الذكرى بين علامة وأخرى.

الفولكلور وصناعة التاريخ
ناقش المؤلف في هذا الفصل الممتع إشكالية كون التاريخ الشفاهي يتكون من خليط من الخيال والواقع وقال أن الفولكلوري قادر على فرز وتصفية العناصر الأسطورية من ركام الحقائق التاريخية. وقال أيضا إن بعض عناصر التاريخ الشفاهي تشير إلى أحداث محلية ذات قيمة تاريخية وأن واجب الفولكلوري لا ينتهي بتنقيح الأسطوري من التاريخي، بل عليه ألاّ يهمل ويبعد العناصر الأسطورية، ليتمكن من إعادة البناء التاريخي من مادة شفاهية ثم تنقيحها.

وخلص إلى القول بأنّ بوسع الفورلكلوريين المساعدة في دراسة التاريخ الشفاهي الإفريقي من خلال دراسة التقاليد الشفاهية المعتمدة على استخدام المادة الشفاهية لإعادة البناء التاريخي. وأنّ مساهمة الفولكلور ستتركز في الاشارة إلى كيف تؤثر التقاليد الشفاهية في صناعة وتسيير التاريخ.

الفصل السادس
اذا كان الفولكلور تقليديا بطبيعته فإنّ الطب التقليدي يضع قدميه في الفولكلور والطب على حد سواء، لذا يمكن القول حسب تعبير المؤلف بأن الطب التقليدي في وضع جيد لايضاح العلاقة بين العلم والثقافة. إن للاختلافات الثقافية والاجتماعية القدرة على تقييم الفوارق الموجودة أصلا. فالطب يمكن النظر اليه كطب شعبي تمارسه الجماعة، ويختلف عن الطب الحديث وهو المعرفة الطبية والممارسة التي تتميز بها الصفوة، وبالتالي فالطب التقليدي يعتبر ضربا من الخرافات وغير علمي وممارسة بالية ولذا فهو جزء من الفولكلور.
إننا نحتاج لنتذكر بأن فولكلور اليوم كان حكمة الصفوة بالأمس. وما كان بالأمس ذروة المعرفة الطبية لدى صفوة اليونان والعرب والآشوريين والبابليين، والذي يمارسه مشاهير أطبائهم تحوّل عبر العصور الى الجماعة، وهو يشكل اليوم جزءا من ثقافتهم التقليدية.

لذا فإنّ استمرارية الممارسة المجربة في العصور الباكرة، واندغام هذه الممارسة وترقيتها للمعتقدات التقليدية والعادات وممارسات بعض المجتمعات المعاصرة، كل هذا يقدم لنا العلاقة الوثيقة بين الطب التقليدي والفولكلور.

وبعد استعراض مختصر ومقنع من قبل البروفيسور حريز للممارسات التقليدية للطب التقليدي الإفريقي في مختلف الأمراض العقلية والنفسية والجسدية، وبعد التأكيد على أنّ هذه الحكايات والتي  تدور حول المرض والعلاج أردف قائلا بأنّ تقدم رواة يملكون الاطار المناسب لتوفير المعلومات السائدة عن المرض وعلاجه في مجتمعاتهم، كما أن النموذج الأعلى لقبول الروايات والحكايات التي تحتشد بالمعلومات عن البيئة المحلية خاصة الأعشاب الطبية، هي كذلك تحتوي على معلومات ذات قيمة عن طبيعة المرض وأنجع الوسائل للوقاية والبرء منه. وأنّ الفولكلورعامة- والأسطورة والطقوس والأغاني والرقص والدراما الطقوسية بصفة خاصة- يثري الثقافة التقليدية بأساليب متنوعة من الممارسات العلاجية النفسية التي توسّع استخدامها بارتياح كبير طوال قرون عديدة وتهدف هذه الممارسات إلى تحقيق الوقاية والعلاج من المرض.

وفي خلاصته لهذا الفصل أوضح أنّ الثقة المتبادلة والتنسيق الجيد بين المعالجين في النمطين التقليدي والحديث لازمان لتفهم الخدمات الصحية الواسعة الانتشار والانسانية والمؤثرة لتشمل قطاعات أوسع ضمن السكان الأفارقة في الريف والمدينة على حد سواء . إنّ تكامل النمطين  يتطلب فهم التراث الثقافي وبصفة خاصة خبرات الممارسين التقليدين وبذات القدر يتطلب فهم المعدات الحديثة والتدريب لخبراء الطب الحديث.

الفصل السابع والأخير
- التقاليد قاعدة النضال القوم في إفريقيا
يؤصّل المؤلف لقضية فولكلورية جديرة بالدراسة والاهتمام ويسوق مثلا بما هو حاصل في إفريقيا وفي بلده السودان بشكل خاص، وكيف أنّ الجماعة
والدين أو المعتقدات بشكل عام، وبعض القادة من ذوي الشخصيات الكرازماتية، إلى جانب ضغوط المستعمر وإداراته الظالمة/ وعلى الخصوص بالتضييق على الجماعات بفرض الضرائب القاسية، كل ذلك جعل من التقاليد الفولكلورية عنصرا جوهريا في النضال الوطني ضد المستعمر. كما أنّ بعضا منها ما يزال مستمرا في شكل أحزاب فاعلة موجودة على الساحة السياسية إلى يومنا هذا  كما هو في السودان على سبيل المثال.

أولا وليس آخرا
فإنّه من الصعوبة أن نعدد أهمية هذا الكتاب، غير أنّ القارئ غير المتخصص، سيكتشف قصور فهمنا لمصطلح الفولكلور حيث أنّ كثيرا منا يختزل المصطلح في دائرة الموروث المتمثل في العادات والتقاليد والأحاجي وما شابه ذلك، وسنجد من خلال هذا الكتاب أنّ الفولكلور حاضر في جميع مناحي حياتنا، يحكي لنا الماضي، ويفسر لنا الحاضر، ويشكّل الأساس الذي سيقوم عليه المستقبل .
ويعد هذا الكتاب هو الأول في مجال الفولكلور التطبيقي في السودان، وهو تطور جديد في دراسات الفولكلور، يضع الفولكلور في قلب المسعى والاهتمام العام بقضايا التنمية الاقتصادية والتعليم والتربية وعمليات التمدين والتحديث، وكذلك الطب التقليدي وتوظيفه في النواحي السياسية. هذا بالاضافة الى مسألة الفولكلور وكتابة التاريخ.
وقد أصبح هذا الكتاب مرجعا أساسيا يعتمد عليه في تدريس مقرر الفولكلور التطبيقي لطلاب قسم الفولكلور في برنامجي الدبلوم والماجستير بمعهد الدراسات الإفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم وذلك حسب شهادة الدكتور يوسف حسن مدني رئيس القسم المذكور، والتي وردت في تقديم الكتاب.

أعداد المجلة