صورة الغلاف الأمامي كان يا ما كان
العدد 24 - لوحة الغلاف
مثل خيوط الاحلام الهاربة،مثل الزمن الذي ينسل ماضياً دون عودة، مثل الوقت الذي يغير محطاته،تبدو لنا الحكاية الشعبية وهي تضيع وتنسى، مثل ذلك الزمن الجميل الذى مضى ولن يعود،زمن كان على الناس ان تروى حكايات،حكايات شكلت خزانة معرفية شاملة لا حدود لها، تحمل في مكوناتها مدلولات تاريخية واجتماعية ونفسية ودينية تستند فى ذلك الى عملية التثاقف الحضارى والتغيير الثقافي، والتفاعل الحيوي بين الانسان وبيئته الطبيعية والاجتماعية
كان للجدة في ذلك الزمن دور هام وحيوي في محيط الأسرة، فلم تكن كما الأن مجرد امرأة مسنة ذات تجربة تعد السنوات البطيئة الباقية من عمرها المعزول، بل كانت مؤسسة تربوية ومربية ومعلمة تعيد تنظيم العالم عبر رواية الحكايات والاغاني والأهازيج والأمثال والحكم وتغرس القيم والأخلاق النبيلة..مفعمة بالمخيلة الخصبة وجمالية السرد وبالأسلوب المشوق الساحر وبالنفس الفانتازي الذي ينطلق مع مقدمة الحكاية (كان يا ما كان .. في قديم الزمان).
الجدة كانت تراث الأمة وتاريخها وحضارتها، ومخزوناً لا يكاد ينضب من المخيلة الجماعية عن اعتقادات المجتمع وأعرافه وثقافته.
لكن هذا الزمن توارى وراء التطور التقني الهائل،وظهور الوسائل الإعلامية الحديثة،وأصبحت الجدة الحكواتية مجرد ذكرى.. لم تعد لحكاياتها وصوتها وتجاربها ومعاناتها ذلك البريق والسحر، ولم تعد عبارة (كان يا ما كان) تغري أطفال التلفزيون والأنترنت والأيباد.
ظلت الحكاية شكلاً من أشكال التجاعيد والغضون التي تمسح ملامح الجدة وتحيلها إلى مجرد كائن في عالم العزلة والنسيان والذاكرة المتعبة.
هذا ما أثارته صورة السيدة الظاهرة على الغلاف الأول التقطت في بداية الزمن الذي أضاع الحكاية الشعبية حيث لم يبق للجدة أكثر من عمل بسيط يتمثل في تنقية حبات الأرز من الشوائب قبل الطبخ، حيث يصل الأرز إلى الخليج مخلوطا بشوائب جمعه وتعبئته فتقوم سيدة المنزل في كل يوم بوضعه في «المنسف» وتتولى تنقيته واستبعاد ما به من دخيل فيتهيأ لها أن تقدمه إلى أفراد عائلتها خالصا من كل ما يمكن أن يكدر عليهم وجبتهم.