فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الفولكلور الفلسطيني تراث يسكن قلب الوطن العربي

العدد 23 - جديد النشر
الفولكلور الفلسطيني تراث يسكن قلب الوطن العربي
كاتبة من مصر

أشرنا في العدد الماضي المعنون «التراث الشعبي الأردني معاجم ودراسات ومؤتمرات» إلى أننا سنحاول استكمال ملف الشام الذي بدأناه بسوريا ثم الأردن، وذلك بتقديم ملف حول بعض الدراسات التي تناولت الفولكلور الفلسطيني. وقد سعينا للحصول على بعض الدراسات الحديثة والمهمة في هذا الإطار، غير أننا آثرنا أن نذكر القارئ ببعض الدراسات الرائدة في المجال.

وقد لاحظنا أن الإنتاج الفكري في الفولكلور الفلسطيني منشور معظمه بالدوريات العربية، وخاصة مجلة التراث الشعبي العراقية التي حفلت بالكم الأكبر من هذه الدراسات، وتشير الأدبيات التي عدنا إليها إلى أن مجال الدراسات الأدبية الشعبية هو المجال الأوفر في البحث، ثم تأتي مجالات العادات والمعتقدات والمعارف في المرتبة الثانية، على حين تتراجع الدراسات المرتبطة بفنون الأداء كالموسيقى الشعبية والرقص والمسرح والتشكيل في المرتبة الأخيرة من اهتمام الباحثين الفلسطينيين.
وعند شروعنا في إعداد هذا الملف استشعرنا دون إرادة منا أن فلسطين تسكن قلب الوطن العربي بحق، فوجدنا دراسات يشترك فيها مؤلفون من الأردن ولبنان ومصر.. وتوقفنا عند مأثورات فلسطينية متداولة في معظم بقاع الوطن العربي.

دراسات فلسطينية خلال نصف قرن
عند استعراض الدراسات التي عالجت الفولكلور الفلسطيني خلال نصف القرن الماضي سنجد مجموعة من الدراسات تناول أصحابها الفولكلور الفلسطيني في عمومه كدراسة فؤاد عباس مدخل إلى الفولكلور الفلسطينـي (القاهرة، 1985). ومعالجة فؤاد ابراهيم للموروث الشعبي الفلسطيني فى ثورة 1936-1939 (بيروت، 1989). أما دراسات الأدب الشعبي الفلسطيني فهي متنوعة، على نحو ما نجده في كتاب توفيق زياد حول الأدب الشعبي الفلسطيني (بيروت، 1970)، وصور من الأدب الشعبي الفلسطيني (بيروت، 1974). وفي الحقبة نفسها نشر عبد اللطيف البرغوتى كتابه حول حكايـات جحا من بني زيد (فلسـطين، 1970). كما نشر نمر سرحان كتابه حول الحكاية الشعبية الفلسطينية (بيروت، 1974). وامتد الاهتمام ببحث الأدب الشعبي والحكاية الشعبية لخارج فلسطين ليبحث محمد العبد جابر في أطروحته للماجستير موضوع «الحكاية الشعبية الفلسطينية: دراسة ميدانية بين الفلسطينيين المقيمين في الكويت بكلية الآداب جامعة القاهرة (القاهرة، 1986).
وامتداداً لحركة الاهتمام بدراسات الأدب الشعبي الفلسطيني ظهرت بعض الدراسات التي تناول أصحابها الأمثال الشعبية بالجمع والتحليل مثل دراسة سليم عرفات المبيض حول ملامح الشخصية الفلسطينية في أمثالها الشعبية (القاهرة، 1990). وموسوعة مازن الشوا، وسمير الشاعر حول الأمثال الشعبية الفلسطينية (القاهرة، 1996). وفي مجال العادات والتقاليد ظهرت بعض الدراسات الرائدة في هذا المجال نذكر منها دراسة فؤاد عباس حول العادات والتقاليد في المورث الشعبي الفلسطيني (القاهرة، 1989). ودراسة سليم عرفات المبيض حول الحصيدة في التراث الشعبي الفلسطيني (القاهرة، 1990). والإبل في التراث الشعبي الفلسطيني(القاهرة، 1993).
أما في مجال فنون الأداء الغنائي الشعبي فقد سجلنا دراسة يسري جوهرية عرنيطة حول الفنون الشعبية في فلسطين (بيروت، 1960). ودراسة نمر سرحان حول الأغاني الشعبية في الضفة الغربية (عمان، 1968). ودراسة عبد اللطيف البرغوثي حول الأغاني العربية الشعبية في فلسطين والأردن (فلسطين، 1979). أما نمر حجاب فقد كتب حول الأغنية الشعبية في شمال فلسطين: القوالب (عمان،1981). ودراسة أحمد عبد ربه موسى حول الفولكلور الموسيقي الفلسطيني (فلسطين، 1997). وقد ظهرت بعض الدراسات المهمة في عقد الثمانينات حول فنون التشكيل الشعبي، مثل دراسة وداد قعوار حول الفن الشعبي الفلسطيني (عمان، 1981). وموسوعة عبد الرحمن المزين حول الأزياء الشعبية الفلسطينية (بيروت، 1981). وفي عقد الثمانينات أيضاً ظهرت دراسة عبد السميع أبو عمر حول التطريز والحلي في التراث الشعبي الفلسطيني (القدس، 1987)

الاهتمام الموسوعي بالفولكلورالفلسطيني
ذكرنا في الفقرة السابقة اهتمام بعض الدارسين ببحث موضوعاتهم من خلال المدخل الموسوعي، فظهرت موسوعات في الأمثال الشعبية والأزياء الشعبية.. إلخ، غير أن الموسوعة الأشهر في تاريخ حركة الفولكلور الفلسطيني هي الموسوعة التي أصدرها نمر سرحان بعنوان «موسوعة الفولكلور الفلسطيني» والتي نشرها في أجزاء متفرقة ثم صدرت طبعتها الكاملة بعمان 1989. وهذه الموسوعة تضم مئات المواد حول جميع مجالات التراث الشعبي الفلسطيني، بداية من المعتقدات والمعارف الشعبية ومروراً بالعادات والتقاليد والأدب الشعبي، وانتهاء بفنون الأداء والتشكيل والحرف. كما اهتمت الموسوعة بأسماء بعض الأعلام من الدارسين والفنانين الشعبيين. وتفاوتت المواد من ناحية الحجم فهناك مواد متناهية الصغر يُعبر عنها بجملة صغيرة مثل:
- زاف: قطعة الملابس هو ذيالها
- الزردة: رز ولبن ميص وزيت
- شاشة: الخرقة المصنوعة من قماش الشاش
- شاكرية: يطبخ اللبن باللحم ويضاف للرز المفلفل
- سليته: أسوارة ذهب
ومثل هذه المواد تحتاج في تقديرنا لبعض الاستفاضة في الشرح، إذ أن القارئ من خارج الثقافة الفلسطينية قد لا تكفيه هذه الكلمات للتعرف على مضمون الظاهرة أو الأداة أو الممارسة..إلخ.
وعلى الجانب الآخر هناك بعض المواد التي اشتملت على عشر صفحات كاملة مثل مادة “الوشم”، وهناك مواد أخرى ارتبطت بالتاريخ السياسي الفلسطيني كمادة “الوطن والمقاومة في سنوات الانتداب البريطاني”، وقد استطاع المؤلف أن يبرز العلاقة بين المقاومة وما أبدعته الجماعة الشعبية الفلسطينية، من فنون وخاصة الأغنية الشعبية والشعر الشعبي. ومع ذلك فقد استغرقت هذه المادة وحدها أكثر من 25 صفحة.
أما مواد الموسوعة في مجملها فقد عرضت للعديد من الأدوات والأكلات والألعاب والممارسات التقليدية بفلسطين، والتي اعتمد فيها المؤلف على دراسات ميدانية لعشرات الباحثين الذين اهتموا برصد العناصر التراثية بفلسطين. كما اهتم المؤلف بتزويد الموسوعة بالصور التوضيحية غير أنها مطبوعة بالأبيض والأسود فيما عدا مادة “الموضة” التي زودت بصور ملونة. وعلى مدار المجلدات الثلاثة للموسوعة التي طُبعت في قطع كبير يشير المؤلف لبعض المراجع التي استعان بها، كما اهتم بعمل فهرس وكشاف هجائي لمواد الموسوعة بالمجلد الثالث.

الرواية الفلسطينية والتراث
في هذا الإطار نعرض للطبعة الأولى لكتاب سمير الجندي حول الرواية الفلسطينية والتراث الذي قدم فيه روايات ديمة السَمان أنموذجًا. وصدر الكتاب عام 2011 بالقدس عن دار الجندي للنشر والتوزيع في 255 صفحة من القطع المتوسط. ويشير المؤلف إلى أن الروائية المقدسية ديمة السَمان لا يوجد أي دراسات سابقة لرواياتها في المكتبة العربية، ولم يتناول أحد أعمالها بالبحث والتحليل. كما أن هناك بعض الأسباب التي دفعته للكتابة عن رواياتها وهي أن القارئ يلمس في هذه الروايات ميلَها إلى محاورة التراث، ولاسيّما الشعبي منه، من أجل إحياء هذا التراث، وتأكيد وجوده، بوصفه ممثلاً لأحد الركائز الأساسية في ربط الفلسطيني بأرضه، وماضيه، وهويته الإنسانية والوطنية، ويرسخ القواعد الثابتة أمام حركة الاجتثاث والتغريب، ومحاولات طمس الهوية الفلسطينية وإزالتها من الوجود. وتتنوع أنماط التراث التي تحاورها الكاتبة ديمة السَمان، لتشمل الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والمعتقدات الشعبية، والأشعار العربية، والأمثال الشعبية الفلسطينية والعربية.
وتعرض الدراسة للسيرة الذاتية للكاتبة الروائية ديمة السَمان مشيرة إلى أنها ولدت في مدينة القدس سنة 1963، ودرست في كلية شميدت، وأكملت تحصيلها العلمي في جامعة بير زيت بكالوريوس لغويات، وحصلت علي دبلوم عالٍ في إخراج أفلام وثائقية قصيرة، وعملت محررة في العديد من الصحف والمجلات، وقد حصلت على جائزة أفضل رواية كتبت عن القدس لعام 2008 في مهرجان القدس زهرة المدائن (اتحاد المثقفين المقدسيين).
وقد حدد المؤلف مداخله لقراءة إبداعات الكاتبة فهو يبحث عن التراث المعنوي الذي تتضمنه الروايات، ويشمل كل من التراث الديني، والتراث الأدبي، والتراث التاريخي، والتراث الشعبي الذي وصفه بالإنساني وهو ما يشكل ذاكرة الأمة، ووعاءها الحافظ. وعلى هذا النحو بدأ المؤلف بعرض لمضامين الروايات الخمس للمؤلفة، وهي: الضلع المفقود- القافلة- الأصابع الخفية-جناح ضاقت بالسماء- برج القلق. ثم يبحث في كيفية تعامل المؤلفة مع التراث الديني الإسلامي والنصراني واليهودي. ثم يبحر بنا في آفاق أخرى ليكشف عن توظيف المؤلفة للتراث الأدبي والشعري والنثري العربي في تلك الروايات. أما توظيف التراث التاريخي في الروايات الخمس فقد بحث الجندي في عناصر التراث التاريخي الإسلامي، والأحداث التاريخية العربية، والعالمية، والأحداث التاريخية الفلسطينية كما تعكسها الروايات. غير أنه أدخل توظيف الأسطورة ضمن التاريخ على خلاف تصنيف العديد من الدارسين.
وقد خصص المؤلف الفصل الخامس من الكتاب لبحث توظيف التراث الشعبي في روايات السَمان، متناولاً توظيف الأمثال الشعبية ثم توظيف الحكاية الشعبية. مشيراً إلى أن الأمثال الشعبية كان لها نصيب كبير عند الكاتبة، وقد راح توظيفها للمثل الشعبي بين الاستغراق الكلي والتلميح الفني، ويتوقف هذا على المقام الذي يستدعي هذا التوظيف، فتذكر لنا بعضاً من الأمثال الشعبية التي تأخذ منها موقفاً رافضاً؛ لأنها أمثال سلبية يستخدمها الناس في دعم حججهم في أحوال لاتتناسب مع القيم النبيلة، من مثل: «أطعمني اليوم واشنقني بكرة.. واصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب.. والكريم حبيب الله.. وكل يوم يأتي ويأتي رزقه..». استخدم الناس تلك الأمثال الشعبية لدرجة أن أصوات قائليها علت فوق كل صوت، فهي تقول: « ولكن للأسف كان صوت الأمثال في ذلك الوقت يعلو على صوت العقل والحكمة..». فالكاتبة تؤكد موقفها المعادي لتلك الأمثال، وتتهم قائليها بالتخلف والجهل، إلا أنها لم تجعل الشخصية تتحدث عن ذاتها من الداخل، إنما وصفت تأثرها بتلك الأمثلة تأثراً باهتاً من الخارج، ولم تدمجه في الحوار، فكان أقرب إلى الموعظة منه إلى الفن الروائي.
وفي إطار توظيف الكاتبة للحكايات الشعبية يشير المؤلف إلى أنها تستند إلى مضامين في نسج روايتها من روح الحكاية الفلسطينية عندما تقول على لسان الملك العجوز: من ينقذها أعطيه الذهب والمال.. وعندما يئس قال من ينقذها أزوجها له وهنا تحدد الكاتبة بهذا التوظيف ملامح شخصية (عناد) الذي جاء من وراء البحار، وتفوق على شباب الجزيرة، ويرمي بنفسه إلى البحر في سبيل إنقاذ الأميرة، التي وضع الملك المكافأة لمن ينقذ حياتها، فينجح في إنقاذها، وهذا يشبه ما ورد عن حكاية الشاب الشجاع: « باقيلكم في هالمدينة ملك، وإله بنت حلوة كثير. هاظا الملك قال إنه بده يجوز بنته للي بيقدر يقتل الغول». في الحكاية، يخصص الملك جائزة كبيرة لمن يقتل الغول، بتزويج من يفعل ذلك بالأميرة الجميلة، فيأتي الشاب الشجاع ويخلصهم من الوحش... هي الحكاية نفسها تقريبًا، ولكن بتصرف من الكاتبة، نلمس اعتمادها على توظيف الحكاية الشعبية الفسطينية في رواياتها الأصابع الخفية، وبالتالي أستطيع القول إنها خصصت مساحات كبيرة من نسجها الروائي لفظًا ومضمونًا مستعينة بالحكاية الشعبية، وهي بذلك تخرج عن التوظيف المحدود باللفظ أو المعنى، لتبحر في مجمل الحكاية الشعبية المروية على لسان الجدات.
 والكتاب في مجمله دراسة تحليلية ممنهجة ومفصلة للروايات- تقترب من السهل الممتنع - نحتاج إليه كثيراً في هذه الحقبة من الزمن لنثمن الأعمال الجيدة، وليحتذي بها الأجيال الجديدة التي باتت تفتقر للقدوة، حيث ترى أنها في الأغلب الأعم منقسمة على بعضها بشكل غير مبرر.

كتابان حول الزجل الفلسطيني
وفي مجال فنون الشعر الشعبي والغنائي صدرت الطبعة الأولى من كتاب طاهر سيف عبد الرحمن عيد، والمعروف في الأوساط باسم (أبو هشام الصافوطي)، والكتاب بعنوان «الزجل الشعبي والعُرس الفلسطيني»، صدر الكتاب بعمان من نشر المؤلف عام 2008. والذي يشير في المقدمة إلى أنه يقدم نماذج مختصرة لمختلف فروع الفن الشعبي الفلسطيني الأصيل الذي تغنى به أبناء شعب فلسطين، ولا زالوا يتغنون وسيتغنون به في مناسباتهم وخاصة ليالي الأفراح، وقد حاول أن يكون هذا الكتاب شاملاً لمختلف أنواع الغناء الشعبي الفسطيني والأهازيج التي يرددها هذا الشعب، آخذاً بعين الاعتبار بساطة الكلمات والمعاني المختارة فيه كي لايخرج عن كونه شعبياً، بإمكان مختلف المستويات الثقافية قراءته وفهمه وترديده ليبقى هذا التراث محفوظاً بصدور أبنائه، وعدم المساس به والسماح بضياعه والتغلب عليه من قبل الفنون والأهازيج الأخرى التي تمتلك من مقومات القوة والبقاء والازدهار ما لايملكه شعبنا حالياً.
ويقدم المؤلف لكل فن بتعريفه وشرح بنيته وتقديم نماذج منه، فيبدأ بفن الموال وهو بيت عتاب من ناحية كونه أربع شطرات، ومن حيث كونه على البحر الوافر ولكنه لايشترط الجناس التام في الكلمة الأخيرة للشطرات الثلاث الأولى (فقط يشترط السجع)، ولايشترط الألف والباء في نهاية كلمة الشطرة الرابعة والأخيرة. وهذا النوع نادر الاستعمال ولايغنيه إلا المبتدئون في الغناء والغير قادرين على نظم بيت العتاب على أصوله الحقيقية وشروطه التي يجب أن تتوافر مثال:
كل إنسان عيـدُه بِعَيـدو
         ورب الكون من علْمه بزيدو
رب الكون ما بنسي عبيده
         كريــمُ ولعبـــادِهِ قَـــدْ عطـــا

ثم يستمر المؤلف في شرح ألوان متعددة من فنون العتاب فهناك العتاب العادي وألوانه المختلفة، والعتاب السباعي، والعتاب غير المنقوط، والعتاب المرصود، والعتاب المصروف. ثم يشرح جوازات العتاب (المرصود)، حيث يقول لبيت العتاب جوازان فقط: أولاً العتاب المركبة وفيها يتكون البيت من كلمتين لا من كلمة واحدة، أو من كلمة وجزء من كلمة أخرى مثال:
يارب الكون تِبقي الصَّدر عامَرِّ
     العُمر بالإيمان والقرآن عامر
أبو محمود وحسن وبي عامر
     سواسي يوم ميزان الحســــاب

ثانياً العتاب الممزوجة وهو استبدال أحد حروف كلمة العتاب بحرف قريب له من ناحية اللفظ والسجع، والحروف التي يحدث بها المزج هي: السين والصاد/ الطاء والتاء/ القاف والكاف/ الضاد والظاء/ الظاء والذال، مثال المزج علي الطاء والتاء
حمل الأحبة عكتافي عَتَلْتي
        وفيها أولصلت للقمه عَتَلّتي
أمي البيبة تتلهف عطلتي
        ولابد انعود من بعد الغياب

هنا يبدو استبدال حرف الطاء بالتاء ليكتمل معنى الكلمة، وهي عطلتي في الشطر الثالث في حين القافية الأصلية هي عتلتي، وينتقل المؤلف إلى رافد آخر للثقافة الشعبية الفلسطينية هي الميجنة بنوعيها، العادية وهي إحدى فروع الغناء الشعبي الفلسطيني المهمة وتُغنى عادة في بداية الحفل ويتلوها العتاب، أما الميجنة المجدولة فهي تمتاز عن الميجنة العادية بوجود سجع داخل كل شطرة من الشطرات الأربع.
ثم يستعرض المؤلف الفنون الغنائية الأخرى لنكتشف أننا أمام فنون متنوعة للمربعات كالمربَّع العادي، والمربَّع المنقوط وغير المنقوط، والمربَّع المقسوم، والمربَّع المردوف، والمربَّع المصروف، والمقسوم، والمثمَّن، والمثمَّن الطويل، والمثمَّن المقلوب. ثم يعرض للطلعات الشعبية التي تُغنى في بدايات الزفة ونهايتها. ثم يبحر بنا في فن الزجل المغنى الذي يأخذ طابع القصة، والشروقي وهو عبارة عن قصائد شعبية قد تطول أو تقصر وقد تأخذ طابع القصة أيضاً. أما المحاورة فهي فن يقوم على حوار بين شاعرين على موضوع معين بين مؤيد ومعارض. ثم يعرض المؤلف لفنون أخرى كباب البوابة وهي نموذج لسرعة الكلام والتلاعب بالكلمات. كما اهتم المؤلف بتقديم بعض الألحان الشعبية، ونماذج من السامر الفلسطيني، وليلة الحنة، والسحجة، والزفة الفلاحية. وتحت عنوان «وصايا العريس» يقول المؤلف أنه في آخر الزفة يوصي العريس ببعض الوصايا مثل:

مثال1
حافظ على الخلاق / وامشي بدرب الخير
ظلك اله تواق/ بتريح الضَّمير
أم وأبو اعطاك/ هالمولي هالقدير
لاتز عِلُم إيّاك/ مهما جري ويصير
والزوجة بالاعناق/ أمانة فيها طير
لا تحلف الطلاق/ أسأل به خبير
بلغ عن السراق/ لو كان إلك مُجير
لاتمشي بالأنفاق امشي درب مُنير
تبقي علمَ اخلاق/ في عالم التقدير
وبختم كلامي معاك/ تصبح علي ألف خير

مثال2:
حافظ على العادات        والعُـرف والتقليـد
والسُّنـــــة والآيــــات        والمبـــدأ للترشيـــد
والوالديـن بـالـــذات    عن حُبهم لاتحيد
وعروسـة الزهــرات        خلـــيِّ لقــاهـا عيد
لربنـــا الــــدعــــوات        يعطيكـــم الــوَليـد
وبنختـــم السهـــرات                 تصبح بأجمل عيد
 الف مبروك

ولا زال المؤلف حتى السطور الأخيرة يفاجئنا بفنون جديدة كالصافوطيات ومنها: العتاب الزائد- العشاري المسترسل– السداسي الأعرج- مربع التقارب- مربع المحدث – مربع البسيط– معجزات الحروف: أي بعد الانتهاء من مقطوعة المربع أي أربع شطرات «يا حلالي يامالي» تأتي معجزة الحرف المذكور قبل ردة الجمهور أو الكورال (يا حلالي يامالي)...مثال: معجزة (ش) الشين:
ان كنت فعلاً شاعر شَعشِع الأشعار/ شرقي وشمالي وشو صار/ شرح الشَّين شَبُّه/ شرقي وشعبي وشُعلة نار/ شايف شو شاف الشيّاب/ وشِعر الشاعر شل الشر/ (يا حلالي يامالي)
ويختم المؤلف كتابه مشيراً إلى أن هناك أساليب مختلفة وأسماء متعددة لغناء فن الزجل لم يتطرق إليها وذلك لكونها أسماء فقط خالية من الجوهر الجديد الذي يستحق الذكر والوقوف عنده.
نرجو من القارئ الكريم أن يلتمس لنا بعض العذر إن كانت هناك بعض الأخطاء..حيث أن الكتاب على صغر حجمه غزير بالموضوعات المهمة والقيمة حول الفولكلور الفلسطيني، إلا أنه حافل بالأخطاء المطبعية التي حاولنا تجنبها قدر الإمكان.
أما الكتاب الثاني حول الزجل الشعبي فقد صدر هذا العام 2013 تحت عنوان «موسوعة الزجل الشعبي لشيخ الزجالين أبو هشام الجلماوي» والكتاب من إعداد درغام الشيخ، وقد صدر عن دار آمنة بعمان. ويفتتح الكتاب بقصيدة المقدمة لشيخ الزجالين:
يا أحبابي ويا أهلي اعذروني
        وإذا قصرت لا لا تعاتبوني
أنا حاولت حتي أكون كامل
        الكمال لله وحدو يا عيوني
وتنتهي بـ
أنا عندي الوفا وحدو يعادل
         كنوز الكون واللي بعشقوني
بنشر قصتي يكل الوسائل
     لحتي إن متت ياأحباب تبقوا
بحياتي وبمماتي تعرفوني

ويرصد المؤلف السيرة الذاتية للزجال الشعبي أبو هشام الجلماوي، وقد تم العثور على سيرته الذاتية مكتوبة بخط يده وتشير إلى أن اسمه أحمد خليل «الشيخ خليل» وقد ولد في الأول من شعبان عام 1944 في قرية الجلمة قضاء جنين، وترعرع في أرضها الخصبة الجميلة المطلة على مرج ابن عامر وأتم دراسته الإبتدائية والإعدادية فيها، وقد حالت الظروف بينه وبين إكمال مراحل التعليم، فلجأ إلي الأرض ليعمل مع والده في الزراعة وليثبت مدى حبه وإخلاصه للأرض، وتراب الوطن. وقد بدأت هواية الزجل الشعبي عند الجلماوي وهو في المراحل الأولى من عمره حيث أن والده الحاج خليل محمود كان ينظم الزجل الشعبي ويتقنه ويتغنى به أثناء العمل في الأرض، وكان شقيقه محمد الذي يكبره بعشر سنوات ينظم الزجل ويتقنه أيضاً. وكان مجموعة من أهالي القرية ينظمون الزجل ويتقنونه ويتغنون به أمثال: مقداد موسي/ طلحة موسى/ روحي مصطفى/ أبو بسام الجلماوي وغيرهم الكثير الكثير من أهالي القرية، علماً بأن جميع أهالي الجلمة يتغنون بالزجل ويطربون له. تزوج أبو هشام الجلماوي في السابعة عشرة من عمره، وبعد زواجه قرر احتراف الزجل الشعبي حيث تتلمذ على يد الزجال الشعبي «أبو آمين البرقيني» وبدأت حياته الفنية في إحياء الحفلات مع كبار الزجالين الشعبيين مثل: أبو الأمين البرقيني/ أبو بسام الجلماوي/ أبو جمال العجاوي/ إبراهيم العراني/ الريناوي/ الجبعي/ الحطّيني/ الكفرذاني/ القلقيلي. وغيرهم الكثير من عمالقة الزجل الشعبي إلى أن وصل مرحلة أن يقارن اسمه بأسماء هؤلاء العمالقة الكبار.
وفي عام 1977 سافر إلي المملكة العربية السعودية باحثاً عن الرزق ولم يطل غيابه حيث عاد من السعودية بعد سبعة أشهر إلى الأردن وسكن مدينة الزرقاء، حيث بدأ بإشهار الزجل الشعبي بكل الوسائل المتاحة من أعراس ومناسبات وإذاعة وتلفزيون مع الزجال الشعبي «أبو جمال العجاوي» وتعرف على الزجالين الشعبيين الذين كانوا ينظمون الزجل في الكويت مثل: أبو أشرف العرابي وأبو فراس العنبتاوي وأبو حسين العينابوسي وأبو بسام الياموني وأبو جاسر البيتمريني، وقد أرسل إلى الزجال الشعبي أبو إبراهيم الياموني ليأتي إليه إلى الأردن من الضفة الغربية وقد عمل مع هؤلاء الزجالين مدة كبيرة من الزمن. تعرف على مجموعة كبيرة من الزجالين المقيمين في الأردن مثل: أبو زهير البرغوثي، وأبو منير الصيداوي، وأبو محمد الكفرذاني، وجمال الدلة، وأبو أشرف السيلاوي، وأبو جعفر البلعاوي، وأبو باسل القبطاوي، وأبو فراس اليعبداوي، وأبو رائد السيلاوي، وسميح سمك، ومثقال الجيوسي، وياسين أبو الرب، وأبو توفيق اليعبداوي، وعزام عجاوي، من الزجالين الذين بدأوا بالظهور على الساحة الفنية والكثير ممن تتلمذوا على يد أبو هشام الجلماوي الذي كان يُعَد مرجعا للزجل الشعبي.
وقد احتوى الكتاب شرحاً علمياً لأنواع الزجل الشعبي كالميجنا الذي يميل الغناء فيه لطابع الحزن، والعتابا بأنواعها، والقصيد.. ثم يقدم المؤلف عشرات النماذج الشعرية الغنائية للجلماوي، وجميعها حافلة بالعديد من القيم الإنسانية التي تعارفت عليها الجماعة الشعبية، نختار منها هذا النص الذي يحمل عنوان «الحسد»:
ما بحسد اللي معو مصاري
        وفارش بدارو غير عن داري
ومابحسد اللي بوكلو الترياق
     لو كنت شو اتعشى مش داري
وما بحسد اللي بيرمو الأفاق
     وسفرتهم زادت عن أسفاري
وما بحسد الخوان والبواق
         لو يتنصبلو نصب تذكاري
وما بحسد اللي معبيي الأعناق
         لولو وجواهر لو كنت عاري
بحسد فقير يكون عنده أخلاق
         مرتاح سالم من كلام الناس
وبيتو بها الحالة شرف متواري

بين فولكلور فلسطين وفولكلور الأردن
وفي إطار البحث عن الدراسات الشعبية بفلسطين نجد بعض الدراسات التي اهتمت بالمقارنة بين فولكلور الأردن وفولكلور فلسطين، على أساس الجوار من ناحية، ووجود الآلاف من الأسر الفلسطينية التي تعيش بالأردن من ناحية أخرى. ومن بين هذه الدراسات كتاب جديد ظهر هذا العام 2013 لعمر عبد الرحمن الساريسي حول الوعي الفولكلوري في الأردن وفلسطين، وهذه هي الطبعة الأولى التي صدرت عن المكتبة الوطنية ومركز الكتاب الأكاديمي في 344 صفحة من الحجم المتوسط.
والكتاب يقع في تمهيد وثلاثة فصول عالج التمهيد ماهية المأثورات الشعبية من خلال التعريف بمصطلح المأثورات الشعبية، والتنوع في الثقافة الشعبية متخذاً الأردن الإكراد نموذجاً، ثم استكمل البحث في نظريات الأدب الشعبي وأقسامه، والمدارس المعاصرة في قراءة المأثورات الشعبية كالمدرسة التاريخية والجغرافية والنفسية والوظيفية، فضلاً عن المدارس الكلاسيكية والأنثروبولوجية. كما خصص المؤلف الفصل الأول من الكتاب لبحث موضوع الحكاية الشعبية بوجه عام، متناولاً الحكاية الشعبية في الأردن وبحث هذا النوع الأدبي في العقدين الأخيرين، ثم بحث عن الحكاية الشعبية الأردنية في الثقافة الشعبية الفلسطينية ورصد الهوية والتأصيل وما يمكن أن يكون فيها من ألوان الحكمة الشعبية، وكيف يفهم الصغار حكايات الغيلان، وكيف يبرز معنى العدو في الذهن الشعبي البسيط. وفي نهاية هذا الفصل يعرض المؤلف لما أطلق عليه «افتراءات على التراث العربي والفكر الإسلامي تحت غطاء الفولكلور» تضمنها كتاب الحكاية الشعبية العربية لشوقي عبد الحكيم». وقد اختتم المؤلف هذا الفصل بمقال حول المسرح الشعبي المكشوف في فلسطين.
ويخصص الساريسي الفصل الثاني من الكتاب بعنوان «كتب في بعض بلدان فلسطين المحتلة» يعرض فيه لما في بعض الكتب عن بعض البلدان المختلفة من فلسطين وما تمثله من تاريخ وثقافة وأرض وحياة، كان أهلها قبل الاحتلال الصهيوني- كما يشير المؤلف- هانئين، منها منطقة بئر سبع، ومثل قرى بيت محسير والسافرية وزيتا جماعين (ام الكروم) وساريس (عروس باب الواد)، وقديتا صفد (بركان الجليل)، فضلاً عن كتب أخرى تناولها المؤلف في عجالة. وفي هذه العروض يبرز المؤلف ما في هذه البلدان من ألوان الصمود والذكرى الموجهة للأجيال التالية من أهل البلدان الفلسطينية. ويستكمل هذا الفصل بفصل آخر- الثالث- بعنوان «نظرات في كتب تراثية معاصرة»، قدم فيه قراءة نقدية في بعض المراجع المنشورة حول التراث الشعبي في فلسطين والأردن. وقد بدأ بقراءة الجانب التراثي في مسيرة روكسي العزيزي الثقافية من خلال عملين رئيسيين، الأول حول قاموس العادات واللهجات والأوابد الأردنية، والثاني حول مصنفه المهم «معلمة التراث الأرني». كما تناول كتاب «الوشم» لطه الهباهبة وهناء صادق، و«معجم أسماء الأدوات الشعبية واللوازم» لنايف النوايسة، «والتراث الشعبي في العقبة» لعبدالله كرم المنزلاوي، «وحكايا الجليل» لجهاد أحمد دكور، ومقال باسم «لوحات من الصمود والأصالة» حول كتاب قالونيا بوابة القدس الغربية لعثمان محمد عسكر، «ومراجعة كتاب الحكايات والأساطير الشعبية في منطقة الخليل» لشدي الأشهب، وكتاب «الشاعر الشعبي الشهيد نوح إبراهيم» للباحث نمر حجاب، وكتاب نايف أبو عبيد «بين الشعر الفصيح والشعر»، ويختتم بكتاب «كتب ومؤلفون في التراث الشعبي الأردني» لهاني العمد.
وباستعراض كتاب الساريسي سنجد أنه يمثل حلقات منفصلة متصلة في التراث الشعبي الفلسطيني والأردني، وهناك بعض المواضع التي خصصها المؤلف لرصد ما عاينه من مظاهر فولكلورية منذ صباه (أكثر من ستين سنة) منها ما أورده حول مشاهداته حول المسرح الشعبي في فلسطين، لنجده يقدم لنا وصفاً ميدانياً دقيقاً لظاهرة تلاشت تقريباً، ولنقرأ معاً بعضاً مما سجله المؤلف حول المسرح المكشوف:
«.. والمسرح الذي أعني هو المسرح المكشوف الذي يعقد في الهواء الطلق، بقليل من الإعداد، وقليل من الإفادة من التسهيلات الكهربائية والصوتية، ينهض لأدائه بعض أفراد الشعب غير المتفرغين، وفي صبيحة اليوم الثاني يزاولون أعمالهم العادية في مزارعهم وحقولهم وأشغالهم. في قرية الجِيب (بجيم مكسورة وياء ساكنة)، وهي من قرى شمال غربي القدس، استقر بنا المقام، بعد أن أخرجنا الأعداء من فردوسنا - ساريس-عام ثمانية وأربعين، في هذه القرية التي ترتفع على تلة تحيط بها السهول والوديان من الجهات المختلفة، وفيها من الآثار الرومانية ما فيها، في هذه القرية شهدت المسرح الشعبي المكشوف. وذلك في أثناء حفلات الأعراس التي تمتد عدة ليال قبل يوم الزفاف. وفي هذه الليالي يشترك شباب القرية في الدبكات الكثيرة المتنوعة وفي حلقات السامر التي تسمى الصَحجة، من صحجات الأيدي بعضها ببعض. وتدور هذه الحلقات حول موقد كبير للنار التي تهيء الإنارة للمحتفلين، ويهيأ لها الحطب الجزل لتظل مشتعلة. ذات ليلة من ليالي العرس برز شباب بألبسة بيضاء تشمل الجسم كله، وأخذوا يتحاورون حول النار، وهما فريقان متخاصمان حول موضوع معين، وقد يستعرّ الحوار، ويرتفع الصراخ، ويصل الأمر بهم إلي المطاردة حول النار وحول الناس، وربما الاشتباك بالأيدي، ويقدم كل فريق إثباتاته، ويرد الآخر بما يعاكسه، وقد يكون من الحوار والحركة اختفاء بعض الرموز، ليجري البحث عنها، وهكذا تستمر المواقف المتصارعة ساعتين أو ثلاثاً، والناس من حولهم متابعون بكل ما لديهم من صمت وتتبع، وتوقع لما يحدث لهذا الفريق أو ذاك، وبعد منتصف الليل بقليل يصل الفريقان إلى الحل، وهو إما بتعهد أحدهما بالدفع للآخر أو بتقريره بالنتيجة التي يرضاها خصمه، وتنتهي المسرحية، ولا ستار يُسّْدل، ولكن الناس يخرجون وقد شدت أعصابهم طيلة مدة التمثيل، وكأنهم بين يدي مسرح يدخلونه لأول مرة، ويتابعون فيه أناساً لايعرفونهم. وكنت أنا من هذا الجمهور المشدود إلي التمثيل من أوله إلي آخره، وكنتُ حدَثاُ دون الخامسة عشرة، ولكن هزني إعجاباً بقدرة الشباب الممثلين، ولم أزل أذكره، وقد مر عليه أكثر من ستين سنة. ويختم المؤلف هذا الجزء بالتأكيد على أن هذا اللون من العمل المسرحي الشعبي المكشوف الذي يعقد في الهواء الطلق يمثل الحرية والانطلاق اللذين كان يسبح فيهما هذا الشعب قبل أن يبتلي بالعدو الذي أخذ يتربص به ليل نهار ويكيد له بكل مقدرات العداوة والبغضاء.
وتجدر الإشارة إلى أن عمر الساريسي قد نشر عام 2011 كتاباً مهماً بعنوان «أدب الحكاية الشعبية في فلسطين والأردن» (في قوالب تمثيلية) ضمن سلسلة كتب ثقافية التي تصدر عن وزارة الثقافة بعمان. ويقع الكتاب في 365 صفحة، لخص المؤلف في المقدمة مضمون الكتاب ومنهجه في العرض، إلى أن الكتاب كان في أصله حلقات أعدت لتكون مادة إذاعية متكاملة، تعنى بتوضيح معنى الحكاية الشعبية، على نحو تفصيلي، يضع هذا المصطلح في مكانه بين فروع الأدب الشعبي، الذي شكل جزءاً من المأثورات الشعبية (الفولكلور)، كما هي معروفة في فلسطين والأردن وفي بعض البلدان العربية. وقد وضع المؤلف هذه الحلقات الإذاعية في العقد الأخير من القرن الماضي، وقد تولى الإعلامي الجاد إحسان عماشة أمر إخراجها وإذاعتها في الناس، على مدى شهر كامل، في ثلاثين حلقة، قد تستغرق كل حلقة نصف ساعة. وتقوم الحلقة الواحدة على شرح مصطلحات الحكاية المختلفة، وتوضيحها في شكل حواري تمثيلي، بعد أن يستمع الناس لهذه الحوارات، إنها أشبه ما تكون ببعض برامج «كان ياما كان»، الذي يتردد في بعض الإذاعات العربية. والقيمة الموضوعية التي تنهض عليها هذه الشروح قائمة أصلاً على ثقافة جامعية أكاديمية، توفر عليها معدّها بعد الحصول على درجة الماجستير، في الآداب من قسم اللغة العربية في جامعة القاهرة أواخر السبعينات.
إنها باختصار دراسة علمية لموضوع الحكاية الشعبية، صبت في قوالب تمثيلية، ينهض بأدوارها مجموعة من الفنانين المتخصصين، تتيح للمستمعين فرص التسلية بالاستماع إلى القصص الشعبي الممتع أولاً، كما تتيح لهم- ثانياً- أن يتعلموا شيئاً علمياً عن هذا النوع من القصص الشعبي.
وفي إشارته للمادة العلمية في هذه الحلقات يوضح الساريسي أن الحلقة الأولى تفصل في مفهوم الحكاية الشعبية بكل ما فيها من معاني القصص الشعبي، المجهول الأصل، المتناقل عن الأجيال، بالأسلوب الشفوي. فمن حكاية «حنكة الشيوخ» استنبط خصائص الحكاية- التي ذكرها عبد الحميد يونس في دراساته حول الحكاية. والحلقة الثانية تعرض لمصطلح الحكاية الخرافية، بما فيها من الإغراق في مجهولية الزمان والمكان والتعاون مع بعض القوى الغيبية. حيث سرد حكاية «بنات الطرنج» في ثلاث صفحات تم التركيز فيها على حكايات الجان، وما فيها من عناصر واقعية ونفسية وخرافية. وتقارب الحلقة الثالثة بين هذين الضربين من أنماط الحكاية. على حين تناقش الحلقة الرابعة الحكاية المرحة من بعض جوانبها وخصائصها من خلال سرد حكايات: الدردبة، جحا وحماره، من حكايات أبو نواس، الباحث عن سعده، القرقسة. كما تناولت الحلقة الخامسة حكاية الحيوان بنوعيها الشارحة والخرافية من خلال حكايات: منع القدر، شركة الأرنب والثعلب، نوح الغراب والحمام، سليمان والصقر، مراحل العمر،الأرنب والأسد، وكانت وقفة آخر هذه الحلقة عند كليلة ودمنة. أما الحلقة السادسة فقد تناول فيها حكاية المعتقدات من خلال حكايات: المرأة المتدينة، وعرض سريع لحكايات نوح والحمامة والهدهد والغراب والعنقاء، سبب الجدب، صبر أيوب، امرأة الحطاب. أما الحلقة السابعة فقد خصصها لحكاية التجارب الشخصية وشرح معناها وأنواعها مثل حكايات: شريكة الحصاد، جريمة قتل ونجدة انقاذ.. أما الحلقة الثامنة فقد خصصها لحكايات الشطار بأنواعها، مثل عايق الشام وعايق مصر، حسن الشاطر والحصان المسحور، حكاية أولها كذب وآخرها.
ويضيف المؤلف أن الحكاية الشعبية هي جزء من الأدب الشعبي الذي تتكفل الحلقة التاسعة بتفصيله وتوضيح طبيعته، مع سائر أنواع المأثورات الشعبية القولية. ومن ثم يعرض سريعاً للأغاني والأمثال والنداءات الشعبية. وفي الحلقة العاشرة يعرض لمفهوم «الأسطورة»، وهي لون من ألوان القصص الشعبي الذي تتفرع عنه الحكاية. فيقدم المؤلف في الحلقة أنواع الأسطورة وكيف يمكن التفريق بينها والحكاية. وتتشابه جزئيات كثيرة من الحكايات في مختلف أنحاء العالم مجتازة اللغات والحدود، ومن ثم تتحدث الحلقة الحادية عشرة عن أسباب التشابه الكبير بين الحكايات في العالم وطرق انتشارها. ومن هذا القبيل ماتحدثت به الحلقة الثانية عشرة عن حكايات ألف ليلة وليلة وانتشارها العجيب في جميع أنحاء العالم، بدءاً من أصولها.
ويورد المؤلف في إشارته للمادة العلمية في الحلقة الثالثة عشرة أن الاهتمام بالحكاية الشعبية قد سبقنا إليه الغربيون. ثم تحدث بالتفصيل في الحلقة الرابعة عشرة عن جهود يوكاتشيو، وبيرو، وغوتيه، وهردر، في جمع الحكاية. أما الحلقة الخامسة عشرة فتتخصص في جهود الآخوين جريم الألمانيين في هذا المجال. أما عن جهودنا نحن العرب في هذا المجال فنراه واضحاً في الحلقة السادسة عشرة، حيث اهتمام العالم العربي بالحكاية الشعبية والملاحم والسير الشعبية وبعض مجهودات الأجانب فيها، مشيراً لحكاية الملك سرحان.
أما الحلقات التسع التالية فتتحدث عن الوعي الفولكلوري في البلدان العربية، كما تشير الكتب المطبوعة فيها، ويذكر المؤلف حكاية أو أكثر كنموذج للبلد التي تتحدث عنها الحلقة: فمثلاً الحلقة السابعة عشرة تتحدث عن الوعي الفولكلوري في مصر من خلال التأليف في الفولكلور عامة ثم في الحكايات خاصة، وتتناول حكاية بائعة الباذنجان. أما الحلقة الثامنة عشرة فتتحدث عن السعودية من خلال الحديث عن حكاية ابنة السلطان الخرساء من كتاب الجهيمان. والحلقة التاسعة عشرة تتناول لبنان وأثر المناخ والمكان على الغناء والحكايات اللبنانية (اليتيم). وتتناول الحلقة العشرين (حكاية غرام ووفاء) مأخوذ من كتاب «القصص الشعبي في االسودان. أما الحلقة الواحد والعشرين فتتحدث عن سوريا من خلال حكاية (الصياد والعصفور) من كتاب رسالة بسام ساعي. والحلقة الثانية والعشرين تتناول الوعي الفولكلوري في العراق وكثرة الكتب المؤلفة في الفولكلور من خلال حكاية (تضحية أخت). أما الحلقتان الثالثة والعشرون والرابعة والعشرون فتعرض للوعي الفولكلوري في فلسطين والأردن، من خلال هذه الحكايات: قطعن النصرويات، ذكاء ووفاء، لم تشبع نجمة. وفي الحلقة الخامسة والعشرين يعرض المؤلف للوعي الفولكلوري في بلاد المغرب العربي والكويت واليمن.
أما الحلقات الباقية فتتصدّى لشرح قضايا علمية محددة تتصل بموضوع هذا اللون من القصص الشعبي، كالتشابه في موتيفات الحكاية في العالم العربي والخارجي، الذي يتناوله المؤلف في الحلقة السادسة والعشرين من خلال الوعي الفولكلوري في تشابه أشكال الحكاية الواحدة في الأقطار العربية (حكايات: القرقسة، والحرزون، والزراعة). على حين تتناول الحلقة السابعة والعشرين الوعي الفولكلوري المتصل بالسياسة في فلسطين والأردن. أما الحلقة الثامنة والعشرين فتتعرض للوظيفة النفسية والبيولوجية الاجتماعية للحكاية، وتتناول الحلقة التاسعة والعشرون الوظيفة الاعتقادية لهذه الحكايات، وتختتم الحلقات بالحلقة الثلاثين التي تشرح سمات الحكاية الشعبية وخصائصها.
والحق فإن الكتاب قطعة إبداعية تعيد إنتاج التراث الشعبي المحكي في صورة مبسطة تجمع بين العلم والفن. ومن ثم فالكتاب في تقديرنا تجربة مهمة وجديدة في ربط الجمهور العام بالحكايات الشعبية التي أبدعها.. وقد بذل المؤلف فيه جهداً خارقاً في التواصل مع الجمهور الذي استشعر أهمية ما أبدعه من تراث، كما استشعر أهمية الجهد الذي يبذله الأكاديميون في بحث هذا التراث وتحقيقه ومن ثم احترامه.

الأمثال الشعبية في السافرية
وفي إطار بحث الأمثال الشعبية الفلسطينية نعرض لكتاب حسن محمد عوض الذي حمل عنوان مركب «من تراثنا الشعبي في السهل الساحلي الفسطيني في السافرية: الأمثال الشعبية، وقد صدر عام 2008 بعمان. والكتاب هو الجزء الثاني من مشروع المؤلف حول الأمثال الذي بدأه عام 1994. وفي هذا الجزء يعود المؤلف إلى بعض الذكريات القديمة المؤلمة في الصراع العربي الفلسطيني ليذكرنا ببعض الادعاءات اليهودية التي تقول: أن فلسطين أرض بلا شعب، وهي واحدة من أكاذيبهم وافتراءاتهم على التاريخ والجغرافيا، ويتساءل: إذا كان الأمر كما يزعمون..فعلى لسان من كانت تجري كل تلك الأمثال إذن؟ وتناول المؤلف بعض الإشكاليات والمحاور حول مجال المثل الشعبي، والأمثال غير المأنوسة، أي التي فيها ألفاظاً تخدش الحياء، مشيراً إلى أن طيبة الناس المتناهية في ذلك الوقت وحياتهم البسيطة جداً، كانت لاتلتفت إلى مثل هذه الكلمات، ولاتعيرها أي اهتمام، لأن التركيز كان على الجوهر في الوصول إلى القصد دون غيره، والإنسان ابن البيئة، وأذكر بهذه المناسبة ذلك الراعي البدوي الذي طلبوا منه أن يمدح الأمير فبدأ بقوله: أنت كالدلوّ لا عدمناك دلواً... ثم أنت كالكلب في الحفاظ على الودّ... إلخ. فإذا علمنا أن أكثر من كان يتداول المثل الشعبي هم من الشيوخ والعجائز أفلا تشفع لهم شيخوختهم وطيبتهم للتجاوز عن مثل تلك الكلمات التي تقال عن غير قصد؟؟!!، ومع ذلك فقد كانوا يقدِّمون الاعتذار سلفاً قائلين على سبيل المثال: لا حياء في الدين، أو لا تؤاخذوني يا جماعة، أو الحاضرين مثل أولادي أو بناتي إذا كانوا صغاراً في السِّنِ، وينتهي الأمر بدون تعليق، وبكل بساطة لأن حُسن النيّة والطوية كان متوفراً.
كما يتساءل المؤلف عن السبب وراء أن غالبية الأمثال الشعبية تبدأ بحرف الألف مشيراً إلى أن الأمر في حاجة لمزيد من البحث من قبل الباحثين. ثم يتناول اللهجة الدارجة في المثل الشعبي في قلب الساحل الفلسطيني، والتي تُقلب فيها بعض الحروف، مثل قلب حرف القاف كافاً أينما ورد (مثل قرش: كرش) و (قلم: كلم). وكذا قلب حرف الكاف شي (مثل كلب: شلب). وكذا قلب حرف الضاد ظاء، وتضخيم حرف الذال..إلخ.
وحول منطقة البحث يذكر المؤلف أنه كتب بعض المقالات عن التراث الشعبي في مجلة رسمية متخصصة، فقال له واحد من المثقفين: لقد جعلت من السافرية باريس. فقال له: بل إنها الأجمل، وإلا لماذا جاءها نابليون امبراطور فرنسا بعظمته غازياً يوم مذبحة يافا؟! (ونحن من يافا) وانحداره عن أسوار عكا، أليست روائح زهر البرتقال اليافاوي في بلدي أروع ألف مرة من عطر باريس؟
ونعود لمواد المعجم الذي صنفه المؤلف أبجدياً من حرف الألف حتى حرف الياء. ونجد أن المؤلف يذكر المثل بارزاً بخط أسود ثقيل، ويشرحه في عبارة أو فقرة صغيرة وبسيطة، على هذا النحو:
- ابن الحلال عند ذكره بيبان: يُقال للقادم على جماعة في الوقت الذي يتحدثون عنه.
- في إذار بتمطر سبع مطرات في النهار: هذا في الساحل الفلسطيني على شواطئ البحر، حيث تكثر السحب المثقلة بالأمطار.
وقد يعطي المؤلف بعض الشروحات للكلمات المستغلقة:
- إلمية ماشية من تحته، وموش داري فيها: يقال في المغفل أو الغافل الذي لا يشعر بما يجري حوله (المية: الماء، موش داري: لا يدري).
- شو بدك في الثنين يا قر إزغير إنت بوحدة حالك متغير: يُقال في الضعيف الذي يبحث عن زوجة ثانية، أو فيمن يزيد من أعبائه (القُّر: الجحض الصغير).
وفي ختام كتابه يشرع عوض في تقديم عدة ملاحق نقل فيها بعض الأمثال الفلسطينية التي لم يتأكد من سماعها في بلدته «السافرية»، أو تلك التي نسيها، فضلاً عن تسجيله لبعض الأمثال العربية الدارجة التي تؤكد على وحدة الأمة. ومن ثم فقد سجل في هذا الملحق بعض الأمثال من معجم الأمثال الشعبية الفلسطينية لفؤاد عباس وأحمد شاهين. وأمثال أخرى من كتاب التراث الفلسطيني والطبقات لعلي الخليلي، كما سجل مجموعة الأمثال التي وردت بالعدد السابع من مجلة التراث والمجتمع التي تصدر بمنطقة البيرو، برام الله، والتي وردت بمقال المرأة من خلال المثل الفلسطيني لعلي عثمان. ثم انتخب مجموعة أخرى من كتاب الأمثال الشعبية الأردنية لهاني العمد، والأمثال العربية لمحمد أبو صوفة، والأمثال الدارجة في الكويت لعبدالله آل نوري. ليختتم هذه الملاحق ببعض الأمثال العربية من كتاب «الأمثال البغدادية المقارن» لعبد الرحمن التكريتي، والتي تشير- حسب المؤلف- إلى أن شعبنا العربي شعب واحد، وأن أمتنا واحدة رغم ترامي الأطراف وبُعد الشقة:
- في العراق: إذا كان الكمرة وياية، شعلته بالنجوم
- في الجزائر: إذا كان القمر معك ما عندك حاجة في النجوم
- في السودان: إن شوَّ القمر شِن لينا في النجم
- في سوريا: إذا كان القمر معك، لا تبالي بالنجوم
- في فلسطين: إذا كان القمر معي، كل النجوم على أصبعي    
- في فلسطين: إللي القمر معها، بتلعب النجوم على صبعها
- في مصر: إللي معاه القمر ما يباليش بالنجوم
- في مصر: إللي وياه القمر ما تهموش النجوم
- في المغرب: إذا أحبك القمر بهلاله، إيش عليك في النجوم إذا مالو
يبقى أن نشير إلى حرص المؤلف على تزويد هذا العمل المهم ببعض الصور المرتبطة بمنطقة السافرية، كالدبكة الشعبية، وزفة العرسان بالسافرية، وفرقة موسيقى الحج، جمعها من يافا عام 1940 بالسافرية. ولم يفته أن يسجل صورة لآثار العدوان الصهيوني على بيوت السافرية وقد التقطت عام 1980.

جفرا الشهيدة، وجفرا التراث
وننتقل لكتاب آخر يكشف ملمحاً جديداً في التراث الشعبي الفلسطيني، ويدفعنا عنوانه دفعاً لكي نتعرف على محتواه. والكتاب لعز الدين المناصرة، وعنوانه «جفرا الشهيدة، وجفرا التراث ودراسات أخرى: قراءة في الثقافة الشعبية بفلسطين»، وقد صدرت طبعته الأولى بعمان، عن دار الصايل عام 2013. وقد أرهقنا المؤلف وهو يكشف لنا عن مفاهيم وحكايات ومعان متعددة لكلمة «جفرا»، وبعيداً عن المعنى اللغوي، فإن الجفرا اصطلاحاً في المجتمع الفلسطيني، هي الفتاة الجميلة، صغيرة السن، أو بلغة الشعب الفلسطيني المجازية هي قمر 14، وهو تعبير يردده المجتمع المصري أيضاً على الفتاة الجميلة. وبعد قليل يخبرنا المؤلف بأن «الجفرا» هي نمط غنائي شعبي، مرتبط بالدبكة، ظل محدوداً في فلسطين ومخيمات الشتات فقط، ويبدأ عادة بصيغة (جفرا ويا الربع)، ولم يصل هذا النوع الغنائي إلى مستوى شهرة (الدلعونا، والميجنة، والعتابا، وظريف الطول، وها لأسمر اللون، وع الأوف مشعل) في بلاد الشام، ويؤكد هذا الرأي أن كتب التراث الشعبي في لبنان وسوريا والأردن التي صدرت قبل عام 1975، لم تُشر إلى (الجفرا) بصفتها نمطاً شعبياً شامياً، بل ظلت الجفرا، نمطاً فلسطينياً خالصاً. بل إن ( منير. وهيبة الخازن) صاحب كتاب «الزجل» الصادر عام 1952 في لبنان، لم يُشر لا من قريب ولا من بعيد للنمط الغنائي (الجفرا).
وقد وضع المؤلف أمامنا بعض الحقائق المهمة التي تمثل إشكالات بحثية، منها أنه حتى عام 1976، ظل النمط الغنائي «الجفرا» نمطاً غنائياً محصوراً في إطار الفلسطنة (فلسطين، ومخيمات الشتات) فقط. أما تحول جفرا إلى رمز لفلسطين عربياً وعالمياً، فقد بدأ وتطور مع ظهور قصيدة (جفرا الوطن المسبيّْ) الفصيحة، التي غناها مارسيل خليفة في أول اسطوانة له في حياته الفنية، صدرت في آب 1976 في باريس.. وقد غناها العديد من المطربين كما ترجمت إلى عدة لغات، ومن ثم تفوقت القصيدة على الفولكلور. كما أن قصة جفرا، لم تكن معروفة حتي عام 1982، إلاَّ في حدود سرديات أهالي قرية كويكات، الذين كانوا يتناقلونها همساً بينهم بسبب التقاليد الريفية المرعية. أما الكشف عن قصة جفرا الحقيقية الكاملة، فقد تم لأول مرة عام (1982)، صدفةً بعد أن قام المؤلف بنشر البحث في مجلة شؤون فلسطينية، عدد حزيران 1982، بيروت.
وتشير المواقع الألكترونية- حسب المؤلف- إلى أن هناك جفرتان: جفرا الشهيدة، وجفرا التراث، وسوف يسرد تفاصيل جفرا الشهيدة لاحقاً. أما قصة جفرا التراث فهي قصة (أحمد عزيز علي حسن) من قرية كويكات، التي تبعد (9 كم) عن عكَّا بفلسطين، الذي عشق ابنة خاله (رفيقة نايف حمادة الحسن)، وهو الإسم الحقيقي للجفرا، وعقد قرانه عليها فعلياً، لكنها هربت من بيته بعد أسبوع، وكانت قد أبلغته أنها تحب ابن خالتها (محمد إبراهيم العبدالله)، الذي تزوجته لاحقاً. وهكذا أطلق العاشق عليها اسماً رمزياً هو (جفرا)، وبدأ يغني في الأعراس لها بحرقة العاشق المقهور، فأصبحت هذه الأغاني نمطاً شعبياً غنائياً، راح ينسج على منواله، مغنون شعبيون آخرون.
إذن هي (قصة عشق من طرف واحد), اكتشف المؤلف بعد عناء بحثي أن هذا النمط ظهر عام 1939، وأن ديوان أحمد عزيز المطبوع في 12 صفحة عن الجفرا طبع عام 1940 تقريباً. وفي عام 1948 أصبح (أحمد عزيز، وجفرا) لاجئين في لبنان. وتوفي عام 1987، بينما توفيت جفرا عام 2007 ودفنت في مقبرة مخيم برج البراجنة في بيروت.
أما متن الكتاب فيبدأه المؤلف بتمهيد حول الثقافة الشعبية: تحريك عناصر الُهويَّة، ثم يقدم موضوعه في ثلاثة أبواب يشتمل الأول على القصة الحقيقية الكاملة لجفرا الشهيدة، وجفرا التراث كما كشفت لأول مرة عام 1982، متناولاً النصوص الأصلية المسموعة والمطبوعة كما سبق وعرضنا لها. ومن بين نصوص جفرا الشائعة التي سجلها المؤلف:
جفرا وياها الربع        بين البساتين
مجروح جرح الهوى        ويامين يداويني
ويا حاملاها الجرة        حطيها واسقيني
بلكي على الله أشفي    من شربة المية

كما يعرض للإطار العام لجفرا الزمان والمكان، ثم الأصل المطبوع الذي يعود تاريخه لعام 1940م لراعي الجفرا الفولكلوري الحقيقي وهو أحمد عزيز المولود في عكا عام 1915، ثم يعرض لجفرا الأصل المسموع والنصوص الأصلية التي ألفها أحمد عزيز، ورواها بنفسه لعز الدين المناصرة. ومجموعة شهادات حول الجفرا. كما يسجل المؤلف ثلاث مقالات صحفية توثق لموضوعه وهي: مقهي جفرا(عمَّان)- جفرا الشهيدة، وجفرا التراث- قصيدة عصام ميعاري (قصة جفرا). ليختم هذا القسم بديوان جفرا لعز الدين المناصرة بيروت عام 1981، والذي مطلعه:
من لم يعرف جفرا... فليدفن رأسه
من لم يعشق جفرا... فليشنق نفسه
فليشرب كأس السم الهاري
يذوي، يهوي.... ويموت
جفرا جاءت لزيارة بيروت
هل قتلوا جفرا عند الحاجز
هل صلبوها في التابوت؟؟!!
وأنا لعيونك يا جفرا سأغني
جفرا أمي، إن غابت أمي
أما القسم الثاني من الكتاب فقد خصصه المؤلف لتسجيل بعض المحاورات الفلسطينيَّة الفلسطينية كمحاورات أبو سعود الحطيني وفرحان سلام وغيرهم، والفلسطينية اللبنانيَّة كمحاورات أبو السعود ومحمد الزين وأبو سعود الحطيني وغيرهم، وهي نصوص شعرية نادرة من الثلاثينيات، والأربعينيات. ويختتم الكتاب بدراسة نقدية بعنوان «شعريَّةُ العنبِ الخليلي: مقاومةٌ...ونبيذ أحمر: قراءة تفكيكية. تلتها درسة ميدانية حول وصف عُرس فلسطيني في بلدة بني نعيم الخليلية قام المؤلف بجمع مادتها في ستينات القرن الماضي.

الفولكلور المقدسي
ونختم ملف فلسطين بدراسة لباحثة مصرية هي إيمان مهران التي صدر لها كتاب بعنوان «الفولكلور المقدسي بين التنمية والتهويد. والكتاب يقع في 95 صفحة من القطع المتوسط، صدرت طبعته الأولى عام 2010، والمؤلفة معنية مثل كثير من المصريين بالشأن الفلسطيني، ولأنها فنانة تشكيلية توقعت أن تتناول الناحية التشكيلية في الإبداع الشعبي الفلسطيني. غير أنها تعرضت لموضوعات متعددة حول التراث المقدسي. وقدم لها حمدي المرسي مدير مؤسسة القدس الدولية بالقاهرة يقول: في خضم الصراعات والنزاعات على الأرض ينصب الاهتمام على الأدوار السياسية وتخفت الأضواء على الموروث الشعبي وسائر الفنون، رغم أنها هي التي تحمل الحقائق وتشي بالأسرار بلا رتوش ولامماحكة ولامرواغة.. وهذا الكتاب يلقي الضوء على أهمية الانتباه إلى الموروث الحقيقي للشعب الفلسطيني الذي يؤكد على أحقية الشعب في أرضه، والحق أن الكتاب متفرد في موضوعه ويجذب نحو الاطلاع على الموروث الفني للمقدسيين، ذلك الموروث الذي يتغنى ويصدع باسم الوطن القدس وفلسطين.
تبدأ الباحثة بخلفية تاريخية موجزة عن القدس منذ أسسها الكنعانيون العرب في الألف الخامس قبل الميلاد، وكيف كانت المقر الجامع لأقدم وأشهر مباني وبيوت التعبد للرب الواحد الأحد موسوياً ومسيحياً ومحمدياً، وكيف كانت محرمة على اليهود عدا يوم واحد في السنة حتى ظهر الإسلام ودخلها المسلمون، وتعهد سيدنا عمر للمسيحيين بألا يدخل أحد من اليهود إلى مقدساتهم ومنحهم عهداً أطلق عليه (العهدة العُمَرية) ... ثم الوضع بعد نكسة 67...إلخ.
ثم تتحدث المؤلفة عن هوية القدس العربية، وتشير إلي هدف إسرائيل من محاولة التهويد بمحو ذاكرة القدس العربية، وطمس هويتها، وإخفاء معالمها الثقافية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالدين ومعتقداته واللغة والشخصية القومية. وتنتقل بنا إلى التنوع الثقافي والتعددية الموجودة بثقافة القدس كمنهج في عرض القضية الفلسطينية، ومدخلاً لحلها، يتفق مع ما جاء في اتفاقية اليونسكو التي تدعم التنوع الثقافي مما يجعل القدس التي تتنوع فيها الثقافات، وتتعايش وتتبادل فيها مظاهر وفاق الحياة المختلفة، مدينة السلام الإنساني، لتصبح ملك الإنسانية وعاصمة لكل الأديان.
وتعرض المؤلفة لخلفية تاريخية حول بعض الدراسات الفلكلورية الفلسطينية منذ القرن التاسع عشر حتى الآن. لتنتقل لشرح تجربة ملتقى الشباب التراثي المقدسي، وملامح فولكلور مدينة القدس من خلال بعض فنون الغناء الشعبي، وموسم النبي موسى، وتراث المرأة المقدسية. ثم تتعرض لبعض القضايا الشائكة كمظاهر السطو على الموروث المقدسي، وتنمية هذا الموروث، وأساليب الحفاظ عليه كتأسيس المتاحف ومراكز الأبحاث والأرشيفات. ثم تقترح في النهاية مشروعا لتوثيق الموروث الشعبي بمدينة القدس شارحة لمجالات التراث وفلسفة التوثيق وإجراءات جمع وتصنيف الموروث المقدسي والجمع الميداني..إلخ.
وتؤكد المؤلفة على أنها تهدف إلى إعادة الرؤية للموروث المقدسي بين ما هو أثري ويثير مخاوف إبادته، وما هو حي ويجب الاهتمام به وتنميته.. حيث أن تنمية الموروث العربي المقدسي هو الحل المتاح مع المقاومة لوقف التهويد، وهو ما يعني أن الفولكلور المقدسي قد يكون هو صاحب البوق الإعلامي لتلك القضية، وهو أفضل وسيط للتعبير عن قضية المدينة، بالإضافة لكونه جزءا هاما من خصوصية المدينة وشخصيتها الحضارية، وهنا يصبح الحفاظ على الموروث المقدسي هدفا قوميا. ومن ثم فقد حرصت على تسجيل عدة توصيات في هذا الإطار منها ضرورة العمل على التعاون بين كل الجهات التي تعمل في جمع الموروث لتكامل الرؤى، واستكمال الناقص من المادة المجموعة، والبدء في أرشفة المادة المجموعة وإخضاعها لأحدث طرق التصنيف. كما أوصت بضرورة تأسيس الأرشيف القومي للفولكلور المقدسي، ووضع مكنز للفولكلور الفلسطيني، والمحافظة على إقامة الاحتفالات الشعبية التي ميزت القدس على مر تاريخها مهما كانت الضغوط الاستيطانية.

 

أعداد المجلة