أسعد نديم ..... رائد الفولكلور التطبيقى
العدد 14 - أصداء
إيمان مهران/كاتبة من مصر
فقدت ساحتنا العربية فى نهاية إبريل الماضى الأستاذ الدكتور/ أسعد نديم.... رائد الفلكلور التطبيقى، وخبير الترميم صاحب المدرسة الإنسانية فى التعامل مع الأثر ..
عاش نديم عبقرية الفنون اليدوية، ليلامس عبقرية الفنون العربية فعاش ومات فى دربها، ولم يتوقف يوماً عن العمل على تنميتها وازدهارها.
عُرف هذا العالم الجليل بخلقه الدمث وتواضعه الشديد رغم شهرته عالمياً بتجاربه التى يشهد لها الجميع على المستوى العربي و الاقليمي، فقد اشتهرت تجاربه ومحطاته العديدة لدى المتخصصين ولمسها البسطاء من أبناء وطنه الحرفيين .
ولد نديم فى 8 ديسمبر عام 1928، وحصل على ليسانس آداب قسم اجتماع من جامعة فؤاد الأول، ثم دبلوم معهد الدراسات الأفريقية من جامعة القاهرة.
وكان عضواً في مجلس إدارة الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية، وعضو مجلس المعهد العالى للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، وعضو لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة.بالإضافة لعضويته العلمية فى لجنة متحف الحضارة بالقاهرة، وبالعديد من المجلات العلمية المتخصصة فى الفنون الشعبية بمصر والعالم. مثل مصر فى أغلب المؤتمرات المعنية بالحرف التقليدية.
وله مؤلفات عديدة ومنها:
- كشف افريقيا ( بالاشتراك مع آخرين ).
- حرف تقليدية من القاهرة ( باللغتين العربية و الإنجليزية ).
- «توثيق وترميم وتنمية منطقة بيت السحيمى ( حارة الدرب الأصفر، الجمالية، القاهرة )، بحث منشور فى كتاب «القاهرة التاريخية».
- ترجمة كتاب «الفيلم فى معركة الأفكار» تأليف: جون هوارد لوسن.
محطات فى حياة نديم
سينما الحرف التقليدية
الكثير لا يعرف عن د. نديم حبه للسينما التسجيلية والذى بدأها بمشاركته المخرج الرائد سعد نديم(أخيه الأكبر) سيناريو لبعض الأفلام التسجيلية (عشرة أفلام) عن الحرف اليدوية والتى قام بإخراجها سعد نديم للتليفزيون المصري عام 1960 لتتضمن عرضا لحرف خان الخليلي وغيرها من الفنون الموجودة فى القاهرة الفاطمية، حيث تكشف له من جمع تفاصيل الحرف لتلك الأفلام ضرورة إنقاذ الحرف اليدوية من الاندثار.
معهد مشربية فن بلدنا
بدأ هذا المعهد بورشة صغيرة في شارع سليمان جوهر بالدقي، ثم توسعت فى مصنع بمنطقة بين السرايات لتستقر التجربة بالمنطقة الصناعية بأبو رواش بالجيزة، من خلال مصنع متميز بندرة اليد الفنية العاملة فيه. ولا يكتفي نديم بتعليم الحرفة وحدها بل يمتد إلي محو الأمية والثقافة العامة للحرفي لينشىء (معهد المشربية لتنمية فن بلادنا) لتكوين جيل جديد يتقن الفنون التقليدية بالمستوى اللازم لترميم الآثار. فكانت تجربته في تنمية فن النجارة العربي، والتى أصبحت علامة فى تاريخ تنمية الحرف اليدوية، حيث كانت نظرته للحرف تعتمد على المرونة والتغير المستمر، ووضع المادة الميدانية الحرفية المجموعة في خدمة أصحابها الذين جمعت منهم المادة، لتبدأ فكرة تنمية النجارة العربية ولتستقر المهنة المندثرة، وتزدهر ويصبح لمصر أكثر من 500 حرفي فى النجارة العربية.
لقد كانت التجربة لإحياء فن الأرابيسك كطراز إسلامي فريد، بداية رؤية حداثية للمنتج الحرفى التقليدى وقد صنع الكرسي الحديث المناسب لذوق المدينة برسوم مطعمة بالأرابيسك، محاولاً تقريب وجهتي النظر بين الحديث والقديم، فى محاولة لاعادة طرح التراث فى منظور حداثي. وقد خرجت من تلك التجربة أكبر مشربية في العالم والتي نفذت في دولة الكويت.
مشروع السحيمى
اشتهر نديم بترميمه الدرب الأصفر بالقاهرة الفاطمية بمنازله الأثرية حتى أصبح صاحب مدرسة فى ترميم الآثار، حين قام صندوق التنمية العربي بالإنفاق على مشروع توثيق وترميم بيت السحيمي في الجمالية بالقاهرة، وكان هذا بداية العمل فى مشروع الدرب الأصفر والذى توسع بمشروع ترميم شارع المعز بالقاهرة الفاطمية والذى مولته اليونسكو بعد ذلك..
مشروع (الأرشيف القومى للمأثورات الشعبية )
هو البداية العلمية والنهاية فى حياة هذا العالم الجليل، فقد كان موضوعاً لمشروع الدكتوراه في رحلته للولايات المتحدة الأمريكية والذى هدف به حفظ الذاكرة الشعبية، وهى الدكتوراه التى أعدها بجامعة إنديانا تحت إشراف رائد الثقافة المادية فى العالم هنرى جلاسى.
وكان (توثيق وتنمية المأثورات الشعبية) هو أيضاً آخر محطاته حيث أنشأ مشروع الأرشيف القومي للمأثورات الشعبية بالتعاون مع الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية والتى يرأسها أ.د. أحمد مرسى، وليصبح بيت الخرازاتي بالدرب الأصفر مقراً للمشروع.
وفكرة الأرشيف هى جمع تسجيلات صوتية ومصورة وصور فوتوغرافية لخدمة الباحثين في المجالات المختلفة، ليسهل الحصول على المعلومات المتخصصة فى الموروث الشعبي للباحثين، ويحفظ الموروث من خلال الرصد والتحليل لهذا الموروث .
كان المشروع بمثابة التطبيق الفعلي للدكتوراه التي عكست حرصه على حفظ الفلكلور المصري.
وعن حياة نديم الانسانية فقد نشأ في أسرة تحترم الإبداع، عرفت منها أسماء عديدة على رأسها المخرج صلاح أبو سيف رائد الواقعية والمخرج سعد نديم رائد الأفلام التسجيلية، والمخرج أحمد درويش، ود. منى الصبان.
كما كان رفيقاً للرائد/صفوت كمال خبير الفلكلور الدولي والأستاذ الدكتور أحمد مرسي..أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة ومؤسس معهد الفنون الشعبية بالقاهرة شركاء فى قضايا الدفاع عن الموروث العربي..
تزوج الدكتور نديم من د. نوال المسيري الرائدة فى مجال تنمية الموروث الشعبي، والتي حصلت معه علي بعثة إلي الولايات المتحدة، ليشكل مع زوجته فريق عمل لإعادة الرؤيا للموروث اليدوي.
وللدكتور نديم نجلان خبيران في الفنون الإسلامية هما السيدة هند نديم والأستاذ أدهم نديم خبير الفنون والإقتصاد.
بالإضافة لتلاميذه فى مصر والعالم العربي ومحبيه من مقتني الحرف والفنون اليدوية .
أن تاريخ الفنون الإسلامية والفنون اليدوية عامة في مصر يدين لتجربة نديم بتجدد الرؤية للفنون التراثية في إطار حداثي، وبالتالي فقد ساهم بشكل غير مباشر فى فتح السبل لتنمية العديد من الحرف بل والمساهمة فى ازدهار العديد من الورش والمصانع التي تخدم المدرسة التراثية العربية وتميز خصوصية فنوننا..
رحم الله أسعد نديم العالم الإنسان .. نموذجاً فريداً من علماء عالمنا العربي في مجال الفنون التطبيقية.