فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

ألغاز الوطن العربي وعودة دوريات التراث الشعبي للوجود

العدد 14 - جديد النشر
ألغاز الوطن العربي وعودة دوريات التراث الشعبي للوجود
كاتبة من مصر

إذا نظرنا للببليوجرافيات المتخصصة في التراث الشعبي العربي سنكتشف منذ الوهلة الأولى أن موضوع الأحاجي والألغاز من أقل الموضوعات تناولاً في البحث. وذلك قياساً للدراسات التي تمت في أشكال أدبية شعبية أخرى كالأمثال والحكايات والسير الشعبية. غير أن العقد الأول من القرن الحالي قد شهد بعض الجهود العربية التي تستحق الانتباه، تعددت مناهجها وأساليب تناولها وطرائق تصنيفها لموضوع الألغاز الشعبية، توافر لنا منها خمس دراسات سنعرض لها في هذا العدد.

 

هذا هو القسم الأول من موضوع جديد النشر. أما القسم الثاني فهو عرض لدفتر أحوال الدوريات العربية، حيث سنعرض لدورية على وشك الصدور، وثانية كانت قد توقفت ثم عادت من جديد، وثالثة لا زالت تصدر بانتظام..

هل هذه المقدمة هي بمثابة لغز جديد..؟ سنرى من خلال استعراضنا لمواد هذا العدد.
نظرة ببليوجرافية حول دراسات الألغاز في الوطن العربي

عند النظر للدراسات التي نشرت حول الألغاز في الوطن العربي، سنجد أنها غطت العديد من الدول العربية، ففي مصر ظهر كتاب مبكر لبيرم التونسي بعنوان «فوازير رمضان» الذي نشر عن دار النشر المتحدة عام 1958، ثم ظهرت بعد ذلك أول دراسة متخصصة لنبيلة إبراهيم بعنوان «اللغـز في الأدب الشعبـي» بمجلة الفنـون الشعبيـة عام 1965. ثم مقال أحمد آدم محمد عن الجارية تودد بالمجلة نفسها عام 1968. أما نصر حامد أبو زيد فقد أسهم في هذا المجال ببحث بعنوان الفوازير: وظيفتها وبناؤها اللغوي بالمجلة نفسها عام 1987. كما نشر بسيوني سعد لبن كتابه حول الألغاز نشأتها وتطورها مع تحقيق كتاب الألغاز النحوية للشيخ خالد الأزهري عن مطبعة الحسين عام 1994. ونشر جمال مشعل كتابه في مجلدين بعنوان «حديقة الألغاز» بالمنصورة عام 1996. وفي العام نفسه نشر محمد حسن عبد الحافظ دراسة بعنوان «نحو رصد دقيق لتحولات وتنويعات نوع أدب شعبي: الفوازير» بمجلة الفنون الشعبية. وآخر دراستين وهما اللتان سنعرض لهما في هذا المقال هما أطروحتا دعاء مصطفى كامل بعنوان «الفوازير: دراسة ميدانية في الأدب الشعبي»،عام 2008، ومحمد أبو العلا بعنوان «الألغاز الشعبية في محافظة الدقهلية» عام2010 وهما أول أطروحتين عربيتين تناولتا موضوع الألغاز. وفي السودان يطالعنا كتاب عبد الله الطيب المُعنون «الأحاجي السودانية» الذي نشر عن دار جامعة الخرطوم عام 1990 وقد صدرت له عدة طبعات سابقة بالخرطوم عامي 1961، 1978، وبالقاهرة عن دار المعارف عام 1955.

وفي الخليج العربي نجد أن دراسات محمد رجب النجار بالكويت هي الأشهر في بحث الألغاز الشعبية، وقد صدرت في عقد الثمانينات، عندما نشر  كتابه «الغطاوى الكويتية:  دراسة موضوعية وفنية» عن شركة الربيعان للنشر والتوزيع عام 1985. ثم نشر معجماً شاملاً بعنوان «معجم الألغاز الشعبية في الكويت» عن مركز التراث الشعبي لدول الخليج في العام نفسه، الذي نشر فيه أيضاً بحثه المعنون «فن الأحاجي والألغاز في التراث العربي: مدخل تاريخي أدبي فولكلوري» بمجلة العربية للعلوم الإنسانيـة. وأخيراً نشر النجار كتاباً مصغراً عن شركة الربيعان حمل عنوان «مختارات من الغطاوى الكويتية» عام 1986. وفي المملكة العربية السعودية نشر عبد العزيز الأحيدب الطبعة الثانية من كتابه «الممتاز من الأحاجي والألغاز من عربي فصيح وشعبي مليح» عن مطابع الإشعاع بالرياض عام 1983. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة ظهرت دراسة عبد الله علي الطابور بعنوان «أشهر الألغاز الشعبية في الإمارات» عام 2001 عن بيت الشيخ سعيد آل مكتوم.

وفي العراق حفلت مجلة التراث الشعبي العراقية ببعض الدراسات المهمة في الألغاز منذ نهاية الستينات حيث نشر ناجح المعموري دراسة حول الألغاز الشعبية في ريف لواء الحلة عام 1969، كما تناول صباح مرزوك الموضوع في المنطقة نفسها بعنوان «النبات وما إليه في الألغاز الشعبية الحلية» عام 1972. وتناول محمد على خفاجي الحزورات الشعبية: لفظياً وذهنياً عام 1976. أما عطا رفعت فقد تناول الألغاز والحرز الشعبية بين الماضي والحاضرعام 1977. وآخر دراسة عراقية كانت ليونس السامرائي بعنوان «الأحاجي والألغاز في سامراء» التي نشرها بمجلة الحداثة عام 1997.

وفي المغرب العربي حظيت الجزائر بمجموعة مهمة من الدراسات حول الألغاز منذ منتصف السبعينات عندما نشر طلال الحديثي مقاله المعنون «من روافد الأدب الشعبي الجزائري: الأحاجي» بمجلة التراث الشعبي العراقية عام 1976، ثم نشر عبد الملك مرتاض مقالتين بالمجلة نفسها الأولى حول الألغاز الشعبية الجزائرية: دراسة في الأسلوبية عام 1979، والثانية بعنوان «الزمان في الألغاز الشعبية» عام 1980. ونشر كتابه المعنون «الألغاز الشعبية الجزائرية» عن ديوان المطبوعات الجزائرية عام 1982. ثم تأتي أحدث دراسة بالجزائر والتي سنعرض لها في هذا العدد، وهي كتاب أحمد بن محمد بن الصّغير المعنون «الألغاز الشعبية في جنوب الأطلس الصحراوي بالجزائر» الذي صدر عام 2009. وفي المغرب تطالعنا دراسة إدريس الكتاني «أحاجي (كذا) وألغاز» المنشورة بجريدة الوداد عام 1941 وهي أقدم دراسة في هذا المجال في الوطن العربي. ثم كتاب أحمد الشرقاوي إقبال بعنوان «في اللغز وما إليه» عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء عام 1987. وفي العقد الأول من القرن العشرين يطالعنا عملان موسوعيان هما الأحدث في هذا التخصص، سنعرض لهما في هذا الباب الأول لأحمد زيادي بعنون «الأحاجي الشعبية المغربية» عام 2007، والثاني لعبد الحي بنيس بعنوان «موسوعة الثقافة الشعبية المغربية: أطيب الأحاجي والأمثال من أفواه النساء والرجال» عام 2008. وفي ليبيا ظهر كتاب واحد لأحمد الشيخ بعنوان «كتب الألغاز والأحاجي اللغوية وعلاقتها بأبواب النحو المختلفة عن دار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان عام 1987. أما تونس فقد حظيت بدراسة لحسن مبارك حول «الألغاز الشعبية التونسية» عام 2003 عن دار اديكوب.

وفي منطقة الشام تطالعنا من فلسطين دراسة عبد الكريم عيد الحشاش بعنوان «نوادر الأضياف فى البوادى والمدن والأرياف» التي نشرت بمجلة المأثورات الشعبية عام 1992. ومن لبنان دراسة أحمد أبو سعد حول «الألغاز والأحاجي أو الحزازير في التراث الشعبي اللبناني» التي نشرها بمجلة الحداثة عام 1996.

قاموس الأحاجي الشعبية المغربية

وضعه أحمد زيادي، صدر عن منشورات وزارة الثقافة المغربية عام 2007 ويقع في 525 صفحة من الحجم الكبير. وقد أورد المؤلف في مقدمة موجزة ومركزة في الوقت ذاته منهجه في جمع المادة من مصادرها الشفهية والمكتوبة. وقد شرح الصعوبات الميدانية المرتبطة بضبط العديد من الأحاجي التي قام بجمعها من العامة غير العارفين بفنونها وأسرارها وقواعدها، لدرجة اضطراره لإلغاء بعض الروايات ذات العبارة المختلة أوالصيغة الغامضة أو الفكرة السطحية.........

قاموس ممنهج حول الأحاجي المغربية

نبدأ بعرض عمل غاية في الأهمية، هو بحق عمل علمي، مُمنهج مُنقح، جُمعت مادته بعناية فائقة، هو «قاموس الأحاجي الشعبية المغربية» الذي وضعه أحمد زيادي، صدر عن منشورات وزارة الثقافة المغربية عام 2007 ويقع في 525 صفحة من الحجم الكبير. وقد أورد المؤلف في مقدمة موجزة ومركزة في الوقت ذاته منهجه في جمع المادة من مصادرها الشفهية والمكتوبة. وقد شرح الصعوبات الميدانية المرتبطة بضبط العديد من الأحاجي التي قام بجمعها من العامة غير العارفين بفنونها وأسرارها وقواعدها، لدرجة اضطراره لإلغاء بعض الروايات ذات العبارة المختلة أوالصيغة الغامضة أو الفكرة السطحية أو الخيال العقيم أو المتكلف في الرواية.. الخ

ثم يعرض المؤلف لإشكالية مزمنة طالما يتعرض لها الباحث العربي في درس التراث الشعبي الميداني وهي إشكالية «تدوين النص الشفاهي»، وخاصة تلك المرتبطة بعامية المغرب العربي، غير أن زيادي قد أقدم على خطوة هي الأجرأ- من وجهة نظرنا- في التعامل مع النص الشفهي، وقد يكون للكثير من المتخصصين بعض التحفظات عليها، يقول المؤلف «أعدنا كتابة الأحاجي كتابة زجلية، تراعي خاصيتها الشعرية وفق اقتناعاتنا وذوقنا، وقياساً على ما استأنسنا به من عمل المصادر المكتوبة في تقسيم الأحاجي، ووضعها في الصفحة، وما تشبعنا به من طرق إلقاء الشيوخ الذين تلقينا منهم الرواية مباشرة، فأولينا الاعتبار للتقفية المسجوعة أو شبه المسجوعة، والوحدة الإيقاعية للأشطر، والتوازن الصوتي، والتقابل المعنوي للجمل، وتناغم الصور وتناسقها وانتظامها..الخ».. وإذا تطلعنا للأحاجي المدونة سنلحظ على الفور مدى تطابقها للشكل اللغزي المتداول من حيث الإيقاع والتوازن والتناغم:

خبرتك على امرو يتسمى بالجيم - والجيم حبَّه في قاع بير - ما عرفها أحد لا قمح، ولا شعير

والحل اللغزي هنا هو «الجنين»، وهو الولد ما دام في الرحم، وفي علم الطب: ثمرة الحمل في الرحم حتى نهاية الأسبوع الثامن، وبعده يدعى الحمل، وفي علم الأحياء: الحي من مبدأ انقسام اللاقحة حتى يبرز إلى الخارج (الوسيط1/141) والتسمية بالتاء تحيل على (التيلاد): المولود، الرضيع.

وفي تقديرنا أن عرض مادة اللغز على هذا النحو هو خطوة جديدة في البحث في هذا المجال. فبداية لم يشر المعجم إلى حل اللغز مباشرة إلى جانب النص على نحو ما نجده في معاجم الألغاز، بل إن القارئ يجب أن يجتهد في البحث عن الحل من خلال الرمز الرقمي الموجود على يسار اللغز، حيث فهرس الحلول المفصل والمرتب على أرقام الأحاجي في أبواب حروفها. ثم إن المؤلف لم يكتف بإعطائنا الحل، بل ذيله كما رأينا بمعلومات وفيرة عن عنصر الحل إن صح التعبير.

وقد رفض المؤلف منذ البداية التصنيف المعتاد للألغاز بحسب أجناس الموضوعات وأنواعها (الإنسان، الحيوان، النبات، الأشياء..الخ) لكونها تخرج عن نهج الأحاجي الشعبية المغربية. ومن ثم قام بتويب الأحاجي تبويباً معجمياً بحسب الحروف الأولى في كلمات الحلول أو جملها. ثم أعطى لكل لغز مجموعة من الرموز وعلامات الترقيم الدالة عليه في المتن، فضلاً عن الرموز المرتبطة بالمصادر المكتوبة والروايات الشفهية والباحثون المدونون. ثم تقوم مجموعة الفهارس التي وضعها المؤلف في نهاية المعجم بمهمة الكشف الدقيق عن كل لغز في أطره المتعددة. فمن أراد حل اللغز فعليه بفهرس الحلول الذي يُعد الأكبر نظراً لاحتوائه على العديد من الشروحات، ومن أراد التصنيفات الموضوعية للألغاز فإن المؤلف قد قام بهذا الدور من خلال أربعة عشر فهرساً تُلبي الأغراض الموضوعية في البحث، وهي فهارس: الرواة- الأعلام- الأعضاء الحية ومقاساتها واستعمالاتها (مثال: خبرتك على بنتو تتسمى بالرا.. والرا تدِّي من النور شبيه.. هي مسمية عايشة بالقوت.. والقوت ما عايشاش بيه(الحل: الراس) – فهرس التغذية العامة (مثال: خبرتك على امرو يتكنّى بالسين.. والسين ماتنسى لا منين ولا سين (الحل: السكر) – فهارس: الملابس والأحذية والأثاث – الحلي والعملات والعطور والزينة – الحرف والمهن والوظائف – الأدوات والوسائل والأسلحة - الحيوان ونتاجه وجربه وعلاجه – الأرض وعناصرها والأماكن والعمران – النبات والحبوب والثمار وآفاتها – السماء وعناصرها والأوقات والطقس. ويختتم ذلك كله بفهرس مصادر التحقيق ومراجعه، ثم فهرس الموضوعات.

والمعجم على هذا النحو المنهجي المتعمق والشرح المفصل يحوي 404 نصاً أولاها المؤلف جل عنايته ليكشف لنا في النهاية عن جماليات النص اللغزي في الأدب الشعبي المغربي من ناحية، وعلاقاته التناصية بالعديد من الموضوعات من ناحية أخرى.

 

موسوعة الثقافة الشعبية المغربية:

 أطيب الأحاجي والأمثال من أفواه النساء والرجال

مؤلفه عبد الحي بنيس الذي نُشر دون أية بيانات نشر أو تاريخ يبرز هويته، لولا مقدمة خالد الجامعي التي تشير إلى أنها كتبت بالرباط عام 2008. ويقع الكتاب في 550 صفحة من الحجم المتوسط والكتاب من عنوانه يشير إلى أنه يحتوي موضوعين هما «الأحاجي والأمثال» ورغم أن الأحاجي تسبق الأمثال في العنوان فإنها لم تحتل من صفحات الكتاب سوى إحدى عشر صفحة فقط. ويشير المؤلف إلى أن كتابه يحوي ما يفوق (10300) مثلا شعبيا توارثه المغاربة جيلاً بعد جيل، و233 من الأحاجي المغربية.

أحاجي وأمثال من أفواه النساء والرجال

أما الكتاب الثاني الذي نعرض له ضمن حديثنا عن الألغاز الشعبية في المغرب العربي، فهو كتاب «موسوعة الثقافة الشعبية المغربية: أطيب الأحاجي والأمثال من أفواه النساء والرجال» لمؤلفه عبد الحي بنيس الذي نُشر دون أية بيانات نشر أو تاريخ يبرز هويته، لولا مقدمة خالد الجامعي التي تشير إلى أنها كتبت بالرباط عام 2008. ويقع الكتاب في 550 صفحة من الحجم المتوسط والكتاب من عنوانه يشير إلى أنه يحتوي موضوعين هما «الأحاجي والأمثال» ورغم أن الأحاجي تسبق الأمثال في العنوان فإنها لم تحتل من صفحات الكتاب سوى إحدى عشر صفحة فقط. ويشير المؤلف إلى أن كتابه يحوي ما يفوق (10300) مثلا شعبيا توارثه المغاربة جيلاً بعد جيل، و233 من الأحاجي المغربية. وقد بدأ كتابه بمجموعة الأمثال بتصنيف موضوعي لها من خلال واحد وخمسين باباً هي: الصفات والطباع – النصيحة –المعاضلات –المعاشرة والصداقة – المحبة – الأسرة والزواج – المرأة – الجمال – التربية - العبادات – العلم – العمل – الأرزاق – الفلاحة – الحظوظ – الرجولة – الواجب والمسؤولية – التجربة – التدبير والتبذير – القناعة – الطمع – الصبر – الاعتماد على النفس – الفطنة والحيل – الاستهزاء – النفاق – الخير – البخل – اللهفة – الاتكال – التكبر والمباهاة – الاختيار – الحرمان والاحتياج – الحسرة والأسف – التمني – التناقض – التشبيه – التهويل – الحياد – الفضول – الخصام والكراهية – الهموم – الحسد – الصحة وتدهورها – الموت – السفالة – باب النفس والحسد وما بينهما من العلائق السالكة بدون عقد – باب المختلفات. ولم يقدم المؤلف أية شروحات لنصوص الأمثال التي أوردها حيث اكتفى فقط بجمعها. ففي باب النصيحة أورد أمثالا على نحو: احرق ولا تقطع- اشري وما تبيعش. وفي باب الصداقة والمعاشرة: ابحث عن الجار قبل الدار والرفيق قبل الطريق. وفي باب الحظوظ: اسمه مسعود ودمعته على الخدود- العشا للمليح والمتعوس يشقى عليه... وهكذا.

أما باب الألغاز الذي احتل الصفحات القليلة الأخيرة بالكتاب، فقد أوردها بالمنهج نفسه دون أية إضافات.. فهو بداية لم يقدم تصنيفاً لها واكتفى بترتيبها هجائياً، مع تقديم الحل إلى جانب اللغز بالشكل التقليدي المعتاد، مثال:

البيت اللي ما عنده لا باب ولا شراجب   (بيت الشعر)

اللي دقنك تحت منه وشواربك فوق منه   (فنجان القهوة)

لونها لون لغراب وطيها طي الكتاب      (الخيمة)

ولم يقدم لنا المؤلف تفسيراً لضم الأحاجي مع الأمثال في مصنف واحد.. بل إنه ضم الألغاز كأحد الأبواب التي تتألف منها الأمثال.. ويبدو أن اشتراك المثل واللغز في الإيقاع والتنغيم والقصر هو ما جعله يقدمهما بهذا الخلط الواضح.

 

الألغاز الشعبية في جنوب الأطلس الصحراوي بالجزائر: جمع وترتيب

مؤلفه أحمد بن محمد بن الصّغير، والذي صدرت طبعته الأولى في إطار سلسلة التراث الشعبي عن المطبعة العربية عام 2009. ويقع الكتاب في 158 من الحجم الصغير، وقُدم بتصدير لعبد الحميد بورايو أستاذ الأدب الشعبي بالجزائر. وقد تناول المؤلف تعريف اللغز وتطوره في التراث العربي، ثم تناول الألغاز الشعبية الجزائرية التي تُسمى في بعض مناطق الشمال بـ (الحريز)، أما في الجنوب فتسمى بـ (المحاجيات).

حول الألغاز الجزائرية

أما التجربة الثالثة في بحث الألغاز الشعبية فقد جاءت من الجزائر، وهي كتاب «الألغاز الشعبية في جنوب الأطلس الصحراوي بالجزائر: جمع وترتيب» لمؤلفه أحمد بن محمد بن الصّغير، والذي صدرت طبعته الأولى في إطار سلسلة التراث الشعبي عن المطبعة العربية عام 2009. ويقع الكتاب في 158 من الحجم الصغير، وقُدم بتصدير لعبد الحميد بورايو أستاذ الأدب الشعبي بالجزائر. وقد تناول المؤلف تعريف اللغز وتطوره في التراث العربي، ثم تناول الألغاز الشعبية الجزائرية التي تُسمى في بعض مناطق الشمال بـ (الحريز)، أما في الجنوب فتسمى بـ (المحاجيات). ثم تعرض لبنى الألغاز وقوالبها.. فالألغاز الشعبية الجزائرية- كما يشير المؤلف- في قالبها لاتقل عن كلمتين (جملة واحدة)، وتتراوح ما بين الجملتين حتى الأربع جمل، ولا تتعدى الخمس جمل إلا نادراً، فمن مثال ألغاز الجملة الواحدة، قولهم في لغز الطريق (طويلة بلا ظل)، أو في لغز عصر يوم الجمعة (سر بين جهرين). ومن ألغاز الجملتين لغز الدجاجة والبيضة (حي جاب ميت، وميت جاب حي)، أما ألغاز الثلاث جمل فمنها  لغز الساعة (تبات تمشي، وتظل تمشي، ومن مضربها ما تتحركشي). وفي الألغاز المؤلفة من أربع جمل، وهي كثيرة لتقاربها من الألغاز الشعرية المؤلفة غالباً من أربعة أشطر، نجد لغز التيمم (تبدا بالتاء، والتاء في الأرض خليقة، إذا غاب الماء، تبقى هي الخليفة)، وفي الألغاز ذات الخمس جمل يأتي لغز القرآن الكريم (ما اعتاك باسجره، وما اكثرك باعراف، كل عرف فيه سده، وكل سده فيها طير، وكل طير يلغي بلغاه).

وقد صنف بن الصّغير الألغاز إلى ألغاز نثرية وألغاز شعرية، هذا من حيث الشكل. أما من حيث الوظيفة فقد صنفها إلى ألغاز تقوم وظيفتها فقط على التدريب على السجع وترصيع الكلام، مثال: شاش وشاش وشاش، فتكون الإجابة:

شاش، وينا بيت بلا فراش

شاش، وينا غنم بلا كباش

شاش، وينا قايد بلا شواش

وفي إطار التصنيف الوظيفي للّغز يرصد المؤلف الألغاز التي تقوم على الخفة اللفظية، وألغاز المغالطات السمعية والمعنوية، ثم الألغاز التي تقوم على وظائف نادرة كالألغاز المدربة على معرفة العلاقات القرابية والنسبية، مثال: (عمتك اخت بوك، خال بنها، ماهو بوك، هو وابنو واش يجوك). وكذلك الألغاز الرقمية: خمسة، وخمستين وخمستاعش مرتين، وخمسة من بعد الخمسين، شحال تكون. فتكون المعادلة البسيطة: 5+ (5×2)+ (15×2)+ (50+5)= 100. ومن الألغاز النادرة أيضاً، والهامة في مضمونها: الألغاز ذات المغزى السياسي الوطني؛ منها ما نظم حول الجهاد أيام انكسار شوكة المقاومة الشّعبيّة بالجنوب الجزائري، ومنها هذا اللغز الذي قالت راويته جدة المؤلف، الحاجة فاطنه بنت بن الصّغير الحرزلّية ( هذي المحاجيه حاجاو بيها المجاهدين )، فيقولون: (ركيزتنا ركيزت الذهب، رفدناها كادتنا، خليناها غاضتنا)؛ وهو يتكلم عن الوطن ومحبته، والمسؤولية في الذّود عن حماه. ثم يختم المؤلف الجانب التحليلي لكتابه ببحث روافد الألغاز، ثم الألغاز الشعبية في عصر التكنولوجيا حيث تجد الألغاز مكانتها من الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، فضلاً عن الألعاب المرتبطة بالفيديو والحاسوب والتي يرى أنها تحمل في مضمونها روحاً لغزية خالصة.

لم يكن من أهداف المؤلف إذاً أن يقدم لنا معجماً حصرياً للألغاز قدر اهتمامه بتقديم تحليل علمي حولها. ومع ذلك فقد ضم كتابه 531 لغزاً شعبياً جزائرياً رتبها ترتيباً هجائياً، ثم فصل الحلول في قسم آخر. وهو ما جعل الكتاب يتميز بالتشويق وشحذ الأذهان للتعرف على الحل، على نحو ما جاء في قاموس أحمد زيادي. غير أننا لم نعثر على تصنيف موضوعي للألغاز، واكتفى المؤلف بالترتيب الهجائي لها. ويحسب له أنه وعي الدرس عن جدته لأمه التي لم تكن راوية للتراث الشعبي فحسب، وإنما كانت مبدعة أيضاً، ولها إسهامات في الشعر الملحون ومشاركات في سجع الكلام، وقد راعه أن كل هذا التراث لم يدون مما دفعه إلي الانتباه لضرورة الإسراع بجمع وتدوين  كل ما حفظه وماسمعه من جدته التي أهداها هذا العمل. وقد اختتم المؤلف كتابه بملحق لنماذج من ألغاز الزوايا وألغاز الشعر والحكمة.

 

الفوازير دراسة ميدانية في الأدب الشعبي

هي أول أطروحة لنيل درجة الماجستير في الفوازير نالتها الباحثة من قسم اللغة العربية بكلية الآداب- جامعة القاهرة عام 2008. إشراف الدكتورأحمد مرسي، وعضوية الدكتور شمس الدين الحجاجي، والدكتور سميح شعلان. والدراسة تقوم على الجمع الميداني لمادة الفوازير في إقليم القاهرة الكبري، حيث عكفت الباحثة على جمع  ثلاثمائة وخمسين فزورة جمعتها خلال الفترة من 1999 حتى 2006. وتنقسم الدراسة إلى قسمين رئيسيين، الأول ركزت فيه على الجانب النظري، حيث عرضت للدراسات السابقة التي تناولت الموضوع وقد ألقت الضوء على دراسات النجار حول الغطاوي الكويتية وعبد الملك مرتاض حول اللغز الجزائري..

الفوازير في القاهرة الكبرى

وفي مصر شهدت الجامعات المصرية مناقشة أطروحتين حول الألغاز الشعبية المصرية.. وهما أول أطروحتين في مجال الأدب الشعبي، الأولى لدعاء مصطفى كامل بعنوان «الفوازير دراسة ميدانية في الأدب الشعبي» وهي أول أطروحة لنيل درجة الماجستير في الفوازير نالتها الباحثة من قسم اللغة العربية بكلية الآداب- جامعة القاهرة عام 2008. إشراف الدكتورأحمد مرسي، وعضوية الدكتور شمس الدين الحجاجي، والدكتور سميح شعلان. والدراسة تقوم على الجمع الميداني لمادة الفوازير في إقليم القاهرة الكبري، حيث عكفت الباحثة على جمع  ثلاثمائة وخمسين فزورة جمعتها خلال الفترة من 1999 حتى 2006. وتنقسم الدراسة إلى قسمين رئيسيين، الأول ركزت فيه على الجانب النظري، حيث عرضت للدراسات السابقة التي تناولت الموضوع وقد ألقت الضوء على دراسات النجار حول الغطاوي الكويتية وعبد الملك مرتاض حول اللغز الجزائري. وقد ناقشت الدراسة في هذا القسم النظري أيضاً علاقة الفزورة ببعض أنواع الأدب الشعبي الأخرى كالمثل والأسطورة والنكتة.. كما ناقشت الوظائف المختلفة للفوازير من الوجهة النفسية والاجتماعية، وما ينميه طرح الفوازير من قدرات عقلية ولغوية. ثم اختتمت هذا القسم بإلقاء الضوء على طارح الفزورة والمتلقي خلال عملية طرح الفوازير، وذلك من خلال ما أطلقت عليه «الطبيعة التفاعلية للفزورة». وتشير الدارسة إلى أنه «برغم وجود عدة مسميات لتقديم هذا النوع الأدبي مثل: لغز، أحجية، فزورة، حزر إلا أنها آثرت استخدام كلمة «فزورة» لأنها الأكثر شيوعاً عند رواة الفوازير ومتلقيها ومن المؤكد أن وسائل الإعلام بما تبثه من مادة ترفيهية تحمل عنوان الفوازير قد ساهمت بشكل كبير في ذيوع هذا المصطلح. والفزورة في حقيقتها سؤال يتطلب إجابة، لذا فقد عدها العرب القدامى في باب السؤال والجواب، لكن السؤال الحقيقي يختلف عن الفزورة: وطارح الفزورة يعرف ما يسأل عنه لكنه ينتظر هذه الإجابة من المتلقي، ويمتلك معرفة لا يمتلكها المتلقي، وكذلك فله حق قبول الإجابة التي يقدمها المتلقي أو رفضها. وهذا التوقع لإجابة محددة، أو الإخفاق في الوصول إلى جابة يجعل طرح الفوازير نوعاً تفاعلياً، والفزورة التي تجد قبولاً لدى المتلقي وكذلك تحقق له متعة عقلية هي التي تضعه أمام ما يألفه في حياته اليومية ولكن بصياغة غير مألوفة تدفعه إلى التفكير.

وتستهل دعاء مصطفي كامل القسم الثاني من دراستها ببحث المادة الميدانية للفوازير التي جمعتها، لتعرض لنا قراءة لمضمون تلك الفوازير، وما تقدمه من موضوعات، من خلال تصنيف الفوازير الذي انتهجت فيه منهج النجار في الغطاوي الكويتية، غير أنها قد قامت بإجراء بعض التغييرات، حيث توسعت في القسم الخاص بالفوازير العبثية، وأضافت قسما عن الفوازير البصرية. ومن بين ما قدمته النماذج التالية، حيث صنفت المادة تبعاً لحل الفزورة:

الموجودات الحية:

عشرة عبيد لابسين طواقى بيض                   (الأصابع)

قد النوايه و متكحله كحل الصبايا                   (الفولة)

قاعده قعدتها و نكشه شوشتها                       (النخلة)

الموجودات المصنعة:

عنزتنا أم جلاجل طالعه تسلم ع الراجل            (عدة القهوة)

بتلات رجلين و اعور                               (الباجور-الموقد)

إشى فى المندره نازل ضحك و كركره             (القلة)

مسكته من إيديه بحلقلى عينيه                       (البرقع)

كل ما تمشى ديلها يقصر                           (الإبرة)

حاجة وزنها وهى فاضية زى وزنها و هى مليانة            (الساعة)

المجردات:

بتناشر اسم و من غير جسم                         (السنة)

المعتقدات الدينية:

بحر لو نصطاد منه نصطاد اتنين ولو لم نصطاد منه نصطاد أربعة  (صلاة الجمعة)

الأحداث:

إشى يروح و لا يرجعش                                     (الميت)

اللغوية:

إيه الفاكهة اللى من اليمين فاكهة ومن الشمال بلد           (بلح – حلب)

نصه حادق وكله حلو                                                   (مشمش)

الحسابية:

خمسة وتلاتة واتنين وقدهم مرتين يبقوا كام .                (عشرين)

وقد توقفت الباحثة في نهاية هذا الفصل لبحث الفوازير النكات أو الفوازير العبثية وما تضمنه من تنويعات تربطها بالفزورة، وتشير إلى أن «ثمة صعوبة كبيرة تواجه إطلاق المصطلح على فوازير هذا القسم، فهي بالفعل فوازير عبثية، ولكنها أيضاً تضم تنويعات كثيرة جديدة على نوع الفزورة التي لم تكن معروفة من قبل، مثل الفوازير التي تدور حول سلوكيات الصعيدي وفوازير النملة، وفوازير العلاقات والفروق والتشابهات، ومن هنا يمكننا أن نطلق عليها الفوازير الجديدة وهي أكثر قرباً إلى النكتة منها إلى الفزورة. وهو الأمر الذي يمثل إغراء بأن نطلق عليها الفزورة النكتة. ومما يزيد الأمر صعوبة أن هذه الفوازير ليست نمطاً واحداً بل لها عدة تنويعات، ومنها فوازير تقدم سؤالاً تكون إجابته- لبداهتها- غير واردة، يحاول المتلقي البحث عن إجابة بينما تكون الإجابة واضحة لا تحتاج إلى بحث. مثال:

إمتى بنفتح الشباك                            (لما بيكون مقفول)

ليه بيحطوا الغطا ع الزير                    (عشان يحطوا الكوباية عليه)

ومن بين التنويعات الأخرى للفزورة النكتة:

ليه الخباز ما بيلبسش ساعة وهو بيخبز  (عشان الدقيق ما يعاكسش الدقيقة)

عكس مدير عام                                         (مدير غرق)

 أما الفصل الرابع والأخير من هذه الدراسة فقد خصصته الباحثة للدراسة الفنية للفوازير، وذلك من خلال الكشف عن الوسائل الفنية التي يصطنعها المبدع الشعبي للتغطية على موضوع فزورته. كاستخدام الاستعارات والتشبيهات، والتقابل بين شقي الفزورة، وغيرها من طرق الإفادة من إمكانات اللغة في عملية إبداع الفزورة.

وقد ضمت ملاحق الدراسة المادة الميدانية للفوازير حيث صنفتها الدارسة تصنيفاً دلالياً في ثمانية أقسام هي: الموجودات (الحية، غير الحية)- المجردات- المعتقدات الدينية- الأحداث- الفوازير اللغوية- الفوازير الحسابية- الفوازير البصرية- الفوازير النكات. ولم تغفل الدارسة إضافة بعض النماذج من الفوازير التي رصدتها على شبكة الإنترنيت، حيث اعتبرتها الباحثة إحدى وسائل تداول الفوازير وتناقلها بين الأفراد في العصر الحديث.

 

الألغاز الشعبية في محافظة الدقهلية: دراسة ميدانية تحليلية

للباحث الشاب محمد على أبو العلا، أشرف عليها الدكتور أحمد مرسي والدكتور إبراهيم عبد الحافظ. وقد تمت مناقشتها بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون بالقاهرة في أكتوبر عام 2010. والمتصفح لهذه الأطروحة سيلمح بعداً أكاديمياً جديداً في دراسة هذا النوع من أدبنا الشعبي. إذ لم يكتف الباحث بدراسة اللغز وبنيته ودلالته فقط بل تتبع أثار اللغز- إن صح التعبير- في أنوع الأدب الشعبي الأخرى كالأسطورة والسير الشعبية والحكاية والمثل والنكتة والموال وفنون الفرجة. حتى إذا ما انتهى من هذه الجولة بدأ في تحليل اللغز ذاته بعد أن سبر أغواره وتعرف على خباياه في غير مواقعه المعروفة.

الألغاز الممثلة لدلتا مصر

أما الأطروحة الثانية فهي للباحث الشاب محمد على أبو العلا، بعنوان «الألغاز الشعبية في محافظة الدقهلية: دراسة ميدانية تحليلية»، والتي أشرف عليها الدكتور أحمد مرسي والدكتور إبراهيم عبد الحافظ. وقد تمت مناقشتها بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون بالقاهرة في أكتوبر عام 2010. والمتصفح لهذه الأطروحة سيلمح بعداً أكاديمياً جديداً في دراسة هذا النوع من أدبنا الشعبي. إذ لم يكتف الباحث بدراسة اللغز وبنيته ودلالته فقط بل تتبع أثار اللغز- إن صح التعبير- في أنوع الأدب الشعبي الأخرى كالأسطورة والسير الشعبية والحكاية والمثل والنكتة والموال وفنون الفرجة. حتى إذا ما انتهى من هذه الجولة بدأ في تحليل اللغز ذاته بعد أن سبر أغواره وتعرف على خباياه في غير مواقعه المعروفة.

بدأ محمد أبو العلا دراسته بتعريف اللغز عند العلماء العرب والأجانب، ثم حاول بعد ذلك استقراء بعض الخطوط العريضة للألغاز من خلال دلالة المصطلح، ثم توقف عند تاريخ الاهتمام باللغز عند العلماء العرب، ثم استعرض أهم الدراسات التي تناولت اللغز في العصر الحديث.

اشتملت المادة الميدانية لهذه الأطروحة على 632 لغزاً جمعها الباحث من «محافظة الدقهلية» بدلتا مصر، وقد ركز على ثلاث قرى هي: قرية النسايمة بمركز المنزلة في الشمال، وقرية أبو داود السباخ بمركز تمى الأمديد في الوسط، وقرية طنامل بمركز أجا. وتناول البعد التاريخي والجغرافي لهذه القرى كعينة شبه نموذجية مُمثلة لمحافظة الدقهلية، ونموذجاً مُصغَّراً للدلتا المصرية.

ثم بدأ الباحث رحلته بتتبع صورة اللغز في الكتب السماوية الثلاث، وكتب السيرة للتدليل على قِدَم اللغز واعترافاً بأهميته والدور الذي يلعبه في حياة الجماعة الشعبية عبر التاريخ، كما تَعَرَّض لموضوع الشَّفرة اللغزية واهتمام العرب بالأسلوب الشفري الذي كان سبباً في خلاص بعض الأفراد أو حتى الأمم والجماعات من عدوٍ يتربص بهم أو عدوٍ يكيدُ لهم. ثم انتقل لدراسة طبيعة اللغز وارتباطه بأشكال المأثور الأدبي وبعض الأشكال الأخرى، حيث تعرض للغز وتداخله مع الأسطورة واستشهد بأسطورة أوديب واللغز الذي ورد فيها وكان يسأل عن الإنسان في مراحله العمرية المختلفة. ثم اللغز وعلاقته بالسير الشعبية واستشهد بالسيرة الهلالية وبعض الألغاز التي وردت فيها على لسان بعض أبطالها، فضلاً عن محاولة الراوي إيراد بعض الألغاز أثناء افتتاحية أداء السيرة بغرض جذب انتباه جمهوره لمتابعة ما يرويه.

أما علاقة اللغز بحكايات ألف ليلة وليلة ، فقد كان نموذج «تودد الجارية» في الحكاية التي تحمل اسمها من أهم الشواهد على تداخل الحكاية مع اللغز. ولم يكتف الباحث بذلك بل أورد بعض النصوص الميدانية التي استشهد بها في هذا الإطار. كما استشهد أيضاً بنص لحدوتة قام بجمعها وهي «حدوتة الملك والوزير» التي احتوت على عدد كبير من الألغاز ساعدت على تنامي الأحداث داخل سياق الحدوتة.

وانتبه الباحث أيضاً لعلاقة اللغز بأنواع الأدب الشعبي الأخرى كفن النكتة وعلاقتها باللغز التي نتج عنها ظهور نوع جديد من الألغاز هو الفزورة النكتة، الهدف منه هو الإضحاك المحض،(مثال: ليه الفيل ما بياخدش النملة قدامه وهوسايق العَجَلة ؟. الإجابة: عشان بتلعب له في الجَرَس)، وهو بخلاف اللغز التقليدي الذي يكون الهدف منه اختبار المسؤول(المتلقي) وقياس مستوى ذكائه. كما تعرض الدارس للغز وتداخله مع الموال الشعبي في المَحاجَّة أو التحاجي في ميدان المنافسة بين شاعرين لإثبات البراعة والتفوق على الخصم. ثم تعرض بعد ذلك للغز وتشابهه مع المثل من حيث البنية وأورد بعض الأمثال التي قد تلتبس بالألغاز بسبب تشابهها في البنية. ثم تعرض للغز داخل أحد فنون الفرجة وهو فن العرائس، حيث رصد استخدام أحد أشكال اللغز وبالتحديد ما أطلق عليه «اللغز العدائي» داخل سياق الأداء وذلك لإثارة موجه من الضحك والسخرية من أحد الجمهور المشاهد للفقرة.

أما الدراسة الفنية للألغاز فقد خصص لها الباحث فصلاً مستقلاً، حيث بدأها بالحديث عن أشكال اللغز وموضوعاته بدءاً من اللغز التقليدي وانتهاءً بالألغاز العبثية وأنواعها، حيث أورد كل شكل من هذه الأشكال وتعريفه كما سجله الدكتور محمد رجب النجار أو مصحوباً بشرح الباحث أحيانا، ثم أتبع التعريف بهذا الشكل بأحد الألغاز التي جمعها من الميدان للتدليل على هذا الشكل. ثم قارن بين الأوقات التي كان يؤدَى فيها اللغز قديماً، والبدائل التي طرحها اللغز حالياً للأداء بسبب تغير الظروف الداعية لإنشاء جلسة الأداء في الماضي. كما تناول الحديث عن أسلوب أداء اللغز الذي يبدأ بمحاولة المُلغِز استدراج أحد أفراد الجماعة الشعبية بعبارات من شأنها استثارته وحضه على الانزلاق في مباراة لغزية، قد تطول أو تقصر تبعاً للظروف المحيطة بها والباعثة على إنجاحها. ثم شرع الباحث في وضع إطار عام لمجموعة الألغاز التي قام بجمعها من الميدان من حيث بناؤها والأسلوب الذي تبدأ أو تنتهي به.

وقد قام الباحث بتصنيف الألغاز تصنيفاً دلالياً في حقولها على أساس محتوى الإجابة، مثال:

الشواشى تَحت .. والأرامى فوق                   (ذيل البقرة)

المَيِّت خَشَب والنَّعش حلاوه                        (البَلَحة)

شىء اشتريتُه بمالِى .. لَم دَخَل دارى              (السفينة)

الكانون مَيِّه .. والحَلَّة خَشَب .. واللحمة صاحية   ( المركب)

وفي إطار اهتمام الباحث بعنصر الأداء والبعد النفسي فقد قام بتحليل المشاركين في الملاغزة نفسياً، ومدى تأثير الطبيعة النفسية لدى المشاركين في إنجاح هذه العملية، والشروط  التي يجب توافرها في مُلقِى اللغز لكي يُعيق توصُّل المتلَقي للحل، والشروط الواجب توافرها في المُتَلقي حتى يتوصل للحل بسرعة.

ثم تناول بعد ذلك الوظائف التي يؤديها اللغز، مستعيناً بمنهج رجب النجار وهي: الوظيفة الترفيهية ـ الوظيفة التربوية ـ الوظيفة التعليمية ـ الوظيفة الاجتماعية ـ الوظيفة النفسية، حيث أضاف الباحث وظيفتين جديدتين هما: الوظيفة الوقائية والوظيفة الإعلائية. ثم تناول التحليل الفني للألغاز وكيفية إجراء أركان الاستعارة عليها، تلك الاستعارة التي تفيد المُلغِز في صُنع اللَّبْس الذي يساعد على تضليل مُتلقي اللغز ويُقَلِّل من فُرصَتِهِ في التوصُّل إلى الحل، والتي يجب ألاَّ تكون غريبة، بحيث لا يُنكِرها المتلقي إذا ما توصَّل للحل أو فاجأه المُلقي بالحل عند عَجْزِهِ عن الإجابة. ثم خصص الباحث فصلاً مستقلاً آخر للحديث عن محاولات العلماء السابقين لتصنيف الألغاز والتي بدأت بالتصنيف المُعجَمي لسعد الدين الحظيري والتصنيف بحسب بنية الأنماط اللغزية الذي اتبعه قطب الدين النهروالي على طريقة العجم في التصنيف ، وتصنيف الألغاز بحسب موضوعها من حيث كونها لغوية أو فقهية أو نحوية والذي اتبعه بن دريد في كتابه الملاحِن، ثم أخيراً التصنيف الدَلالي الذي اقترحه الدكتور محمد رجب النجار وهو يصنف الألغاز بحسب محتوى الإجابة ، وفي النهاية استخدم الباحث تصنيف النجار للتطبيق على ما قام بجمعه، مع إضافة بعض التعديلات.

بعد هذه الجولة بين الألغاز- الغطاوي- الأحاجي- الفوازير- الحريز- المحاجيات- الحزازير.. نؤكد أنها مسميات لموضوع واحد.. غير أن التنوع الثقافي العربي قد جعل لكل بيئة عربية منتجها الإبداعي الذي يبرز هويتها.. وإذا تأملنا هذا النوع الأدبي الشعبي على المستوى العربي سنجد أننا أمام تساؤل مهم: هل يمكننا جمع الألغاز الشعبية العربية في مشروع عربي مشترك؟.. هل يمكننا أن نبحث الجهود العربية في هذا المجال لبحث التنوع والاختلاف في هذا الإبداع الأدبي والفني؟..

 

مجلة الفنون الشعبية المصرية

صدر منها العدد المزدوج رقم (87- 88) يوليو – ديسمبر2010، والذي احتفى بمئوية عالم الفولكلور العربي الدكتور عبد الحميد يونس، وقد اشتمل العدد مجموعة من الدراسات بدأت بمقالين أعيد نشرهما لعبد الحميد يونس الأول بعنوان «المأثورات الشعبية طابعها القومي والإنساني»، والثاني بعنوان « دعوة عالمية لحماية الفولكلور». أتبع ذلك سلسلة من المقالات حول الرائد العظيم بدأت بمقال «المعلِّم .. عبد الحميد يونس» لأحمد علي مرسي. ثم مقال «رفعنا له لواء الرياد» لعبد المنعم تليمة. ثم مقال عبد الحميد حواس بعنوان «تَرَسُّمُ لعبد الحميد يونس».

دفتر أحوال دوريات الفولكلور العربية

شهدت الساحة الثقافية في مجال التراث الشعبي ظهور دورية جديدة وعودة دورية أخرى إلى الوجود. أما الدورية الجديدة فستصدر- عند نشر هذا العدد إنشاء الله- من سوريا، حيث قررت وزارة الثقافة السورية إصدار مجلة فصلية لمديرية التراث الشعبي بعنوان (التراث الشعبي) تُعنى بتوثيق ودراسة التراث الثقافي غير المادي في سورية والوطن العربي، ويرأس تحريرها الكاتب والباحث التراثي الأستاذ محمود مفلح البكر، وذلك بناءً على قرار السيد وزير الثقافة الدكتور رياض عصمت المتضمن تكليف هيأة التحرير للعمل في مجّلة التراث الشعبي، وقد بدأ العمل لإصدار العدد الأول منذ مطلع عام 2011، ونتوقع أن تشكّل هذه الدورية منبراً هاماً للباحثين والدارسين في مجال التراث الشعبي .وقد وجهت مديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة الدعوة للباحثين والدارسين والمهتمين للمساهمة في إغناء المجلّة بالدراسات والأبحاث والمقالات المختصّة في التراث الشعبي . ونحن في انتظار أن نتلقى العدد الأول من هذه المجلة لنشرف بعرضها في هذا الباب.

أما المجلة الثانية فهي «مجلة المأثورات الشعبية» التي عادت إلى الصدور بعد أن توقفت منذ عام 2005 مع إغلاق مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربي.. وكان لهذا الحدث الجلل تأثيره السيء على المتخصصين في المجال.. ولطالما شهدت حوارات الفولكلوريين عبارات الحسرة سواء على إغلاق المركز أو توقف المجلة دون أن نعلم السبب الحقيقي وراء ذلك. وقد وصلتنا أخبار عن عودة مجلة المأثورات الشعبية للصدور مطلع هذا العام 2011 غير أننا- وحتى مثول مجلتنا للطبع- لم نتلق نسخة من المأثورات الشعبية التي نشرف بعرض موادها في جديد النشر بعد توجيه التحية للزملاء بدولة قطر الشقيق للاجتهاد في عودة المجلة. ومن الجدير بالملاحظة أن المجلة قد عادت بتسلسلها الطبيعي تحمل العدد رقم (73). حيث كانت قد توقفت عام 2005 عند العدد (72)، وهي على هذا النحو تذكرنا بعودة مجلة الفنون الشعبية عام 1987 بعد انقطاع دام ثمانية عشر عاماً منذ عام 1971عند العدد رقم (17)، ثم عادت بعد هذه السنوات بالعدد رقم (18) بعد افتتاحية الدكتور عبد الحميد يونس لها بمقال حمل عنوان (مجلتنا تعود).

ومجلة المأثورات الشعبية يرأس تحريرها حمد المهندي رئيس لجنة التراث في وزارة الثقافة، وصاحب الدور البارز في الثقافة الشعبية القطرية، ويدير تحريرها الباحث عبدالعزيز رفعت المتخصص في الأدب الشعبي العربي. وقد صدرت المجلة بنفس هيأتها الدورية (فصلية متخصصة)، غير أنها تصدر هذه المرة عن إدارة التراث في وزارة الثقافة والفنون والتراث بقطر، ولم تتخل عن دورها العربي حيث تعنى بالتراث الشعبي العربي  عامة وتراث دول الخليج العربية خاصة. وقد احتوى العدد استهلالية لأسرة التحرير حول عودة المجلة واسترتيجيتها المقبلة. واحتوى العدد دراسة بعنوان «نحو أرشيف موحد للفولكلور العربي» لمصطفى جاد. و»تسمية الأبناء عند العرب» لياسين صويلح. ثم دراسة آلن دندس حول «الأفكار الشعبية كوحدات لرؤية العالم» ترجمة محمد بهنس. ودراسة أخرى حول «خرط الخشب وأشغال الأرابيسك» في مصر لسماح فريد. كما قدم نبيل فريد دراسة ميدانية حول الصناعات التقليدية في السودان. وقد خصصت المجلة في باب شخصية العدد بحثًا للشاعر الغنائي عبدالله بن سعد السبيج قام بتقديمه على عبدالله الفياض. واهتمت المجلة بمتابعة عمليات جمع التراث القطري من خلال التقرير الذي قدمه محمد سعيد البلوشي حول «تجربة قطر في جمع التراث الشعبي». كما خصصت باباً للندوات والمهرجانات التي نظمتها إدارة التراث في وزارة الثقافة، حيث قدم عبد العزيز رفعت تقريراً حول مهرجان الدوحة الدولي للحرف اليدوية والذي انعقد ضمن احتفالية الدوحة عاصمة الثقافة العربية 2010. وفي القسم الخاص بعروض الكتب تم عرض كتاب «الأمثال السائرة والأقوال النادرة عند أولاد العرب» لكارلو لاندبرغ، وكتاب «حصاة الصبر.. 15 حكاية من الإمارات» لأحمد راشد ثاني. أما القسم الإنجليزي فقد اشتمل على بحثً لمشاري النعيم بعنوان «الاستمرارية والتغير في تقاليد مجتمع الأحساء بالمملكة العربية السعودية», وقد عكف على ترجمة الملخصات الإنجليزية لمواد العدد الأستاذ عبد الودود العمراني.

أما مجلة الفنون الشعبية المصرية فقد صدر منها العدد المزدوج رقم (87- 88) يوليو – ديسمبر2010، والذي احتفى بمئوية عالم الفولكلور العربي الدكتور عبد الحميد يونس، وقد اشتمل العدد مجموعة من الدراسات بدأت بمقالين أعيد نشرهما لعبد الحميد يونس الأول بعنوان «المأثورات الشعبية طابعها القومي والإنساني»، والثاني بعنوان « دعوة عالمية لحماية الفولكلور». أتبع ذلك سلسلة من المقالات حول الرائد العظيم بدأت بمقال «المعلِّم .. عبد الحميد يونس» لأحمد علي مرسي. ثم مقال «رفعنا له لواء الرياد» لعبد المنعم تليمة. ثم مقال عبد الحميد حواس بعنوان «تَرَسُّمُ لعبد الحميد يونس». أما خيري شلبي فقد كتب مقالاً بعنوان «حفنة بلح تساقطت من نخيلك العالي». ثم قدم محمد الجوهري دراسة بعنوان «الدكتور عبد الحميد يونس رائدًا عظيمًا لعلم الفولكلور العربي». أما نبيلة ابراهيم فقد تناولت معجم الفولكلور لعبد الحميد يونس في مقال بعنوان «ثالثة الأثافي بعد معجمي أحمد أمين وأحمد تيمور». فيما قدم أحمد يونس- نجل عبد الحميد يونس- مقالاً بعنوان «الحكي على طريقة الدكتور عبد الحميد يونس». ثم قدم عبد الرحمن أبو عوف مقال بعنوان «مع عبد الحميد يونس». على حين قدم مصطفى جاد «نظرة إلي السيرة الهلالية». وقدمت أحلام أبو زيد-كاتبة السطور- مقالاً حمل عنوان «إننا نحفر الأرض، ونبذر الحب، ونلوذ بشباك النبي محمد». كما اشتمل العدد مجموعة من الدراسات المهداة للراحل العظيم، بدأت بدراسة ماجد مصطفي الصعيدي حول مزارات مصر في كتابات الرحالة الإسلاميين. ثم دراسة حول «الحمامات في إيران» لمحمد نور الدين عبد المنعم. فيما قدم محمد شبانة دراسة بعنوان «الموسيقي الشعبية المصرية...سياقات جديدة». أما خالد أبو الليل فقد قدم نصاً ميدانياً من نصوص السيرة الهلالية في قنا بعنوان «عزيزة ويونس». وفي السياق نفسه قدم محمد هلال ثلاثة نصوص ميدانية لثلاث حكايات من شمال الصعيد. كما تناول فيصل الموصلي الشاعر عبده أبو حديدة «شاعر الوصف الجميل». وتناول العدد عرضاً لمجموعة الكتب التي ألفها عبد الحميد يونس، حيث عرض  محمد علي سلامة لكتاب الأسس الفنية للنقد الأدبي بعنوان «نحو فلسفة للنقد الأدبي». أما مدحت الجيار فقد عرض لكتاب «سيرة عنترة» واصفاً إياه بأنه دراسة مبكرة. أما كتاب «التراث الشعبي» فقد قدمه سميح شعلان تحت عنوان «إطلالة علي رؤية يونس للتراث الشعبي». فيما عرض إبراهيم عبد الحافظ لكتاب «دفاع عن الفولكلور». كما عرض خطري عرابي لكتاب «الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي» وذلك في ضوء المنهج التاريخي. وقدم نبيل بهجت قراءة في كتاب «خيال الظل». أما كتاب الظاهر بيبرس فقد تناوله أحمد بهي الدين احمد في مقاله المعنون «من قضايا الدرس الفولكلوري في سيرة الظاهر بيبرس». وقد خصصت عائشة شكر مقالها بتناول كتاب «مجتمعنا» بالعرض والتحليل تحت عنوان «نظرة على مجتمعنا. أما دعاء مصطفى فقد عرضت لكتاب «الحكاية الشعبية». واختتم العدد بدراسة موسعة لمصطفى جاد حملت عنوان «المشهد الببليوجرافي للدكتور عبد الحميد يونس».

أعداد المجلة