فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الحكاية الشـعـبـيـة: تكون أو لا تكون

العدد 23 - أدب شعبي
الحكاية  الشـعـبـيـة: تكون أو لا تكون
كاتب من السودان

لا يسعى هذا  المبحث ليقارن بين الحكاية الشعبية وبين الأقصوصة أو  العمل الإبداعي الذي يوظفها بقدر مايسعى  لتبيان  ما  يلحق  بالحكاية الشعبية من  جراء الكثير من محاولات إعادة روايتها أو إعادة صياغتها.  ففي كثير من الحالات تترهل  الحكاية  الشعبية  وتفقد  الكثير من  قدرتها  على الإيماء والرمز.   و لا يقع  في  إطار  هذه  الدراسة أيضاً  تلك  المحاولات المتكررة لترجمة الحكاية  الشعبية و توظيفها  في ثوب جديد  مثل القصة  القصيرة أو الرواية أو  المسرحية الخ..

فالمبحث يركز بصورة أساسية على محاكاة رواية الحكاية بأسلوب يختلف نوعاً  ما عن أسلوب الحكاية  التقليدية النمطي.
من نافلة القول الإشارة  للامتنان الصادق  الذي يحمله  الكثير من المبدعين  للثقافات الشعبية، وبوجه خاص الحكاية الشعبية.   ولقد ظلت هذه  الثقافة  الشعبية تسحر جمهرة المبدعين والمفكرين وغيرهم، بل ما زالت الحكاية الشعبية تنال  الحظوة بدليل سيادتها في أجهزة الإعلام (زايبس:1978). وعلى  امتداد  العالم ما زالت  حكاية  الأخوين جريم وأليس  في بلاد العجائب  تثير خيال  الصغار والكبار، وفي السودان ما تزال حكايات فاطمة السمحة وود النمير تعيش في وجدان الفرد  الذي ما فتئ  يستعذب هذه الحكايات  ويسعد بالسماع لها أو رؤية معالجتها درامياً في قالب فني جديد.
إن الكثرة ممن تصدوا لتوظيف هذا العنصر التراثي مقتنعون تماماً بضرورة تغيير هيكل أو محتوى الحكاية الشعبية أو الأسطورة مدافعين في هذا بمختلف الحجج، فمن قائل أن شكل الحكاية الشعبية ليس بمستساغ للذوق العصري إلى قائل أن التجديد لا بد أن يلحق بالآداب الشعبية.
إن دارسي الفلكور السودانيين يدينون بالكثير لمكتب النشر الذي أسس كوحدة تابعة لوزارة المعارف السودانية قبل الاستقلال (1956م). فقد انتبه هذا المكتب لجمع الحكايات الشعبية ومهد الطريق للاهتمام الجاد بالأدب الشعبي السوداني، وفي هذا الطريق واصل عبد الله الطيب دأبه لجمع رواية الحكاية الشعبية وقد ظهر بعضهاً مطبوعاً، وسنتناول في متن هذه الدراسة واحدة من هذه الحكايات، وهي حكاية فاطمة السمحة (الطيب:61). جملة القول أن المساهمات الرائدة لمكتب النشر وللمبدعين في مجال الفلكلور فتحت الباب واسعاً أمام التعامل مع الأدب الشعبي عموماً والحكاية الشعبية بوجه خاص، وبرغم حداثة تاريخ استلهام الحكاية الشعبية في الثقافة السودانية إلا أن هذا الاستلهام في أغلب الحالات لم يفسد ولم يوظف لأغراض سياسية أو تجارية أو فكرية كما حدث في أوربا مثلا (زابيس:1) . لكن الكثير من الكتاب قصروا عن الفهم السليم لطبيعة الفلكلور إذ لم ينظروا للفلكلور كأداة ومن ثم أن العلاقة بين الشكل والمضمون علاقة جدلية لا انفصام بينها. لذا لم يكن من الغريب أن تجد هؤلاء الكتاب يركزون على محتوى الحكاية وقل أن يهتموا بالراوي أو المؤدي لهذا الجنس الفلكلوري أو كونه أداء متجددا يقوم على عمد أربع: المؤدي، والجمهور الذي يشارك في صياغة هذا الأداء والنص والسياق الذي يؤدي فيه النص.
خلاصة القول إن العديد من هؤلاء الكتاب نظروا للحكاية الشعبية كنص وليس كأداء، ولتبيان جميع هذا اخترنا أربعة أعمال كنماذج، اثنين من هذه الأعمال أعدها مؤلفان معروفان وهما عبدالله الطيب،  والقاص والروائي إبراهيم اسحق. أما العملان الآخران فهما من إعداد طلاب قسم الترجمة بجامعة الخرطوم حيث أنجز العملان بواسطة هؤلاء الطلاب بمعونة الأساتذة.
ولما كنا بصدد الحكاية الشعبية يتحتم علينا تحديد سماتها الأساسية، ثمة عوامل تحدد الحكاية كجنس فولكلوري وهي النص، المؤدي والسياق تضاف هذه العوامل إلى ردود أفعال ومشاركة الجمهور في الأداء، ولعله من نافلة القول أن الحكاية الشعبية كغيرها من الأجناس الفولكلورية لا تعيش إلا في الأداء المباشر بين المؤدي والجمهور، ولما كان الراوي أو المؤدي عاملا حاسما في خلق وبلورة هذا الجنس الفلكلوري فإنه يحتاج إلى وقفة خاصة.
لزمان ليس بالقصير لم يوضع المؤدي في المكان اللائق به كمبدع وليس كحافظ للتراث فحسب، وبفضل مساهمات فلكلوريين مثل (سو كولوف) وأضرابه من الفلكلوريين الروس (شعراوي وحواس:1977) إضافة لأولئك الذين نظروا للفلكلور كأداة سلوكية مثل ليندا ديق، ابراهامز بن أموس وهؤلاء جميعاً يعتقدون أن الفلكلور عادة ما يأتي كرسالة مشتركة بين المؤدي والجمهور، وقد انتبه الفولكلوريون لحيوية دور المؤدي في خلق الجنس الفلكلوري، سيد حامد حريز مثلاً ركز على هذا الدور وذلك في دراسته الرائدة عن الحكاية الشعبية لدى الجعليين (الفحيل وسليمان محمد إبراهيم:1991) وقد بدأ حريز مساهمته بتبيان العلاقة بين المؤدي وجمهوره، هذه العلاقة التي يعتبرها حريز ركيزة أساسية في خلق الجنس الفلكلوري، بل أن حريز أشار إلى رواة سماهم، وهو يعتقد أن براعة أداء هؤلاء الرواة تعزى أساساً إلى مهاراتهم وثراء مخزونهم من الموروث وإمكانياتهم الخلاقة للأداء الدرامي واستخدام لغة أقرب إلى الشعر(نفسه:18). كذلك أشار حريز إلى أسلوب أداء الراوي والوسائل المختلفة التي يستخدمها لإبداع أداء خلاق.(نفسه)
أما أحمد عبد الرحيم نصر فقد درس الراوي وذلك في دراسته للتاريخ الشفاهي لمايرنو (نصر، 1980)، فقد لاحظ أحمد نصر استخدام الراوي لوسائل بعينها لإثراء أسلوب الأداء، من هذه الوسائل توظيف خاص للغة حيث يخلق الراوي مزيجاً فريداً يتكون من العامية والفصحى، ولا يكتفي هذا الراوي- يضيف أحمد نصر- بهذه الوسائل ولكنه يلجأ كذلك لاستخدام تعبيرات الوجه وإيماءات الجسد وكلاهما بمثابة جزء لا ينفصل من أسلوب السرد.(نفسه: 51)
خلاصة القول إن أداء الحكاية الشعبية ليس مجرد سرد فحسب بل هو عملية خلاقة تهدف لتوصيل رسالة للجمهور في قالب جمالي، هذه الرسالة هي اللغة الكامنة في جوهر الأداء، ولما كان الأداء يعتمد أساساً على الراوي وعلى أسلوبه الخاص كان من الصعوبة بمكان تسجيل هذا الأداء كتابة ولقد كانت هذه الصعوبة التي تبلغ حد الاستحالة واحدة من العقبات التي تحول بين تسجيل المادة الفولكلورية بدقة وأمانة، وكثيرا ما أثار الفولكلوريون هذا الأمر، ومن أهم عوامل هذا الأمر استحالة الكتابة الصوتية إضافة إلى اختلاف الأداء في كل مرة عن سابقتها مما يشكل تعددية النصوص أمام الباحث. ونجد مشكلة الكتابة الصوتية أكثر ما تكون حدة في قطر كالسودان حيث تتعدد وتتباين الألسن بتعدد وتباين الجماعات العرقية، وحتى في داخل اللغة الواحدة كاللغة العربية نجد اختلافات في طريقة النطق. ويكفي أن نشير إلى أن ثمة ما يزيد على المائة لغة يتحدث بها سكان أقاليم السودان المختلفة، وقد اهتم الباحثون الفلكلوريون منهم خاصة بأمر الكتابة الصوتية وسعوا لتذليل العقبات التي تحيط بها ، فنجد سيد حامد حريز يعالج الأمر (حريز: 1961). ويشير إلى صعوبات الكتابة الصوتية قائلاً « هناك صعوبات مختلفة تلازم استعمال هذه الطريقة «الكتابة الصوتية» في كتابة التراث الشعبي السوداني ومن أهم هذه الصعوبات حقيقة أن الكثير من اللغات السودانية بما في ذلك عربية السودان الدارجة لم تدرس بعد دراسة صوتية مكتملة.” (نفسه:129).
أما عبد الله علي ابراهيم وأحمد نصر فيعتقدان أن واحدة من مشاكل الكتابة الصوتية “عدم قدرة الحروف والحركات الكلاسيكية في اللغة العربية على التعبير بسلامة وأمانة عن التنوع والتباين الكاملين في اللهجات الدارجة”.(ابراهيم وأحمد نصر 1968: 5)
نخلص للقول أن مشكلة الكتابة الصوتية موجودة في الكثير من الثقافات الأخرى غير السودانية فالعديد من الفولكلوريين يرون أن النصوص الشفاهية لا يعبر عنها كما ينبغي بالكتابة، فالكتابة ليست سوى “وسيلة ثانوية بالمقارنة للكلام (وذلك بحسبان) صعوبة التعبير عن النغم ونوع الصوت. إضافة لغياب الإيماءات الجسدية التي تصاحب الأداء وغياب الأداء الدرامي”. (بريستون: 304)
لكل هذه الأسباب لم يكن من الغريب أن نلمس قصور جملة من النصوص المكتوبة لروايات شفاهية، بوجه خاص النصوص التي نحن بصددها. فقد فشل الذين أعادوا صياغة هذه النصوص في تمثل ثراء لغة القص الشعبي، لذا يلجأ الرواة لاستعمال الألفاظ الصوتية مع ما فيها من قوة وبلاغة في التعبير، ومعروف ولع الرواة بمثل هذه الألفاظ. ولا نجد ثمة كاتبا عدا عبد الله الطيب يحرص على إيراد هذه الألفاظ وحتى بالنسبة لعبد الله الطيب تبقى صعوبة كتابة هذه الألفاظ كما أسلفنا وكما سنفصل في الجزء التالي من الدراسة.

فاطمة السمحة:
أشرنا من قبل لريادة عبد الله الطيب في حقل الاهتمام بالتراث. وسنحاول فيما يلي معالجة نص أعاد صياغته عبد الله الطيب، يقف عبد الله الطيب مع رصفائه من التربويين الذين عملوا على توظيف الحكاية الشعبية في مجال تدريس اللغة العربية للتلاميذ كما ذكرنا. وقد أفاد عبد الله الطيب من إمكاناته كشاعر وعالم لغة وناقد أدبي في تنويع أسلوب الحكاية الشعبية مما أعطى هذه التجربة مذاقاً خاصاً.
وأول ما يستوقفنا في هذه التجربة هو الدقة والحرص على نقل الحكاية الشعبية قدر الإمكان بأسلوب يقترب كثيراً من أسلوب النص الشعبي (الطيب: 1978). فنجد عبد الله الطيب يحرص على استعمال اللغة الدارجة جنباً إلى جنب مع الفصحى وذلك لوعيه بضرورة الحفاظ على أسلوب ولغة الحكاية الشعبية، وقد أشار لهذا الأمر في مقدمة المجموعة التي أصدرها قائلاً:
«وفيما يلي حكايات راعينا فيها الطريقة القديمة وحرصنا على أن نحتفظ بكثير من عباراتها من وما أشبه».(نفسه: 1)
ولما كان الغرض الجوهري له هو إثراء القاموس اللغوي لدى الطفل لم يكن من الغريب تركيزه على شكل ولغة الحكاية مع اهتمام محدود بالمضمون، ومهما يكن من أمر فإن صياغة عبد الله الطيب من نماذج الصياغة الأمينة والجيدة وهو كذلك من الكتاب القلائل الذين يحرصون على إيراد الشعر والكلمات الصوتية بالقدر الذي تسمح به كتابة اللغة العربية وذلك قبل الاهتمام بتذليل صعوبات كتابة الكلمات الصوتية الأمر الذي حدث مؤخراً جداً. وما يهمنا هنا تعامل عبد الله الطيب مع الجنس الفلكلوري فهو يحرص على نقله كما هو دون تدخل إلا في حالات محدودة جداً، أما فيما يتعلق بالشكل فهو يحرص كثيراً على استعمال لغة الراوي.
في حكاية فاطمة السمحة يركز عبد الله الطيب بصفة عامة على القيمة التعليمية للنص وذلك بهدف مساعدة التلاميذ على دراسة لغتهم الأم، أي اللغة العربية، وكذلك يركز على بعض الموتيفات بغرض توسيع مدارك وخيال هؤلاء التلاميذ، ونجده يميل إلى تغيير النص بالإضافة والحذف وذلك بخلق موتيفات لم تكن موجودة أصلاً، مثلا في الحكاية تهرب فاطمة بعد أن عرفت أن أخاها قد أقسم بأنه سيتزوج صاحبة الشعر التي وجدها، لكن عبد الله الطيب يضيف أن فاطمة هربت لأنها تعرف شجاعة أخيها وجبروته وأن كل ما يقول حتماً فاعله (نفسه:19). وهذه الإضافة لا تخرج عن النص الشعبي فحسب بل غريبة تماماً على روحه، لأن الأصل في النص الشعبي الإيجاز والاختصار. أضف لذلك أن النص الشعبي لا يقدم تفسيراً لسلوك الأبطال. كذلك يضيف عبد الله الطيب أن محمداً عندما رأى الشعرة الطويلة قال «والله ست الشعرة دي إلا أعرسا ولو كانت فاطمة أختي (نفسه: 19) في حين أن الكثير من نصوص الحكاية تكتفي بقسم محمد بزواجه من صاحبة الشعر ولا تشير مطلقاً للجزء الثاني من هذا القسم، وهذا أمر مألوف في الحكاية الشعبية التي تسعى لتشويق المستمع وتقدم الحوادث دون تفسير. كذلك يحرص عبد الله الطيب على إضافة عبارة «ولا سلطان إلا رب العالمين» كلما ذكرت لفظة «سلطان» ولا شك أنه هنا مدفوع بعقيدته الإسلامية وحريص عليها لتأكيد وحدانية الله في أذهان التلاميذ. ربما كان ما سبق مجرد إضافات ثانوية خاصة إذا قيست هذه الإضافات بالتغييرات التي تمس هيكل وبناء النص.
من هذه التغييرات تخلي عبد الله الطيب عن أسلوب النص الشعبي في البداية والختام. فالحكاية الشعبية عادة ما تبدأ بعبارات نمطية مثل «حجيتكم ما بجيتكم» ليرد الجمهور «خيراً جانا وجاك» أو قد يبدأ الراوي بقوله «قالوا والله ينجينا من خبر قالوا، ..الخ انتبه جامعو التراث لهذه الأنماط من البدايات لما فيها من أهمية درامية للأداء. وأثبت عبد الله الطيب هذه البداية النمطية في المقدمة فقط ولم يستعملها مطلقاً فهو يبدأ الحكاية مباشرة، كذلك للحكاية الشعبية خاتمة نمطية مثل قول الراوي « وانحترت وانبترت في جحر الصغير فينا». أو إشارة الراوي لمشاركته الزواج السعيد الذي انتهت به الحكاية. لكن عبد الله الطيب لم يشأ استعمال أي من هذه النهايات ويفسر الأمر قائلا:«ولكن الجدات يقلن للأشعار بنهاية كل قصة: وانحترت وانبترت في حجر الصغير فينا.. وقد استبدلناها بعبارة ألف ليلة وليلة مراعاة الغالب في شعور الناس هذا الزمان والله المستعان (نفسه: 1). وهو يبرر هذا التغيير بافتراض أن الصيغة التقليدية بمضمونها وكلماتها تلك قد لا تلائم ذوق الكثيرين، بهذا الحكم الأخلاقي يبتعد عبد الله الطيب عن أسلوب الراوي» ذلك الأسلوب الذي لا يخرج كثيراً عن ذكر الألفاظ ذات المدلولات الجنسية والتي يمكن أن تكون فاحشة بهذا القدر أو ذاك. فالراوي الشعبي يهمه في المقام الأول جودة الأداء وهذه الألفاظ تعبر عن قدر من الحرية متاح للراوي،  ولا شك أن السرد الشعبي في جملته يوفر أدوات للتنفيس عن القهر الاجتماعي.
إن عبد الله الطيب يعول كثيراً على بعض موتيفات مضمون الحكاية ويهمل الشكل وهو هنا لا يختلف عن الكثيرين من معاصريه الذين جردوا الحكاية الشعبية من شكلها التقليدي، وبرغم هذا الضعف يظل عبد الله الطيب من أميز الكتاب الذين سعوا لصياغة الحكاية الشعبية، فقد عمل جهده للحفاظ على نكهة ومذاق الحكاية وذلك بمزج العامية والفصحى في صياغة جميلة.
جملة القول إن حرص عبد الله الطيب على الموتيفات الأساسية للحكاية الشعبية وحرصه على أسلوبها النمطي جعل منه راوياً شعبياً، لذا كانت المجموعة التي جمعها تحتفظ بالكثير من خصائص الحكاية الشعبية كالتكرار والأداء الدرامي والشعر واستعمال الكلمات الصوتية وغير ذلك من الحيل الفنية التي برع فيها الراوي الشعبي التي لا بد من توافرها في صياغة الحكاية الشعبية وإلا فقدت الحكاية بكارتها وحرارتها بالنسبة للجمهور.
ولا شك أن عبد الله الطيب قد استفاد من خبرته كباحث لغوي حاذق وكشاعر ولذا حافظ على روح الحكاية الشعبية، وفي هذا الصدد نتفق مع ما ذهب إليه عبد الله علي إبراهيم حيث علق على براعة عبد الله الطيب في الحفاظ على نكهة الحكاية الشعبية (إبراهيم:1986) ، يقول عبد الله علي إبراهيم «الواضح أن عبد الله الطيب قد انتقل من بلاغة العامية إلى بلاغة الفصحى بما يشبه التزحلق لا التسلق.»  (نفسه:   ).

ود الملك وود الحطاب:
قام بصياغة هذه الحكاية الشعبية كاتب يعتبر من أميز كتاب القصة فوق أنه روائي وفولكلوري هو إبراهيم اسحق (اسحق: د.ت)، لذا لم يكن من الغريب أن نجد سيادة روح القصة القصيرة واضحة في الأسلوب الشاعري للسرد والتفاصيل إضافة للتركيز على شخصيات الحكاية وغير ذلك من ملامح القصة القصيرة كما نجدها في إرث الآداب الأوروبية.
ملخص الحكاية يحكي كيف صار ود الحطاب صديقاً حميماً لود الملك، ومن خلال هذه الصداقة يوفق الصديقان في التغلب على الكثير من الأخطار وذلك باستغلال ذكاء وفطنة ود الحطاب، وتنتهي الحكاية بوصول ود الملك للفتاة التي تعلق بها قلبه وزواجه منها. وملخص الحكاية لا يختلف كثيراً عن ملخص النص الذي أعده إبراهيم اسحق، عدا أن الكاتب يهمل بعض موتيفات القصة ويركز على أخرى، على سبيل المثال لا يهتم الكاتب بموتيف له أهميته الدرامية في سياق الحكاية ألا وهو الأسلوب الذي اختبر به ود الملك أصالة ود الحطاب ليتأكد من وفائه وصدقه، وقد أسهبت الكثير من نصوص الحكاية في تفاصيل هذا الأمر بل أن بعض هذه النصوص تشير إلى ما مفاده أن الصديقين شقيقان من أب واحد هو الملك. وكمثال لإعادة الصياغة التي اجترحها إبراهيم  اسحق :  «وفي يوم من أيام الصيف، خرج (ود الملك) من قصر والده إلى شاطئ النهر للتنزه، وبعد أن وصل إلى الشاطئ جلس ينظر إلى النهر، ينظر إلى الموج والمراكب ذات الأشرعة الطويلة تسبح في الماء».(نفسه: 5)
فإذا قارنا هذا  النص بما يجري في الحكاية الأصلية نجد استغناء الحكاية عن الإسهاب واللجوء للإيجاز واستخدام لغة اقتصادية تنبئ عن الحدث فقط ولا تعلق عليه. إضافة إلى أن الحكاية الشعبية لا تهتم بالإطار العام أو المناخ أو التفاصيل العامة للحدث، فليس ثمة إشارات في جميع نصوص الحكاية التي نحن بصددها للموج أو شاطئ النهر أو المراكب التي تسبح في الماء. فالأشياء أو الأحداث تنبع أهميتها في الحكاية في قدرتها على تطور الحكاية أو دفع التوتر الدرامي نحو قمته، ولندلل على هذا لننظر في وصف لقاء ود الملك بالفتاة أول مرة كما يرد في الحكاية الشعبية: «بعدين قام واحد  يعني زي بت ملك من مركز اسمه مركز سن، بعدين في مركز سن دا جات البت في بابور البحر جات فايتي «بي تحت» وقام ود السلطان ده يعني ولد جميل خالس ينزل البحر يسقي حصان ، بعدين قام شاف البت هي في البابور» (نفسه: 5).
كما هو واضح فإن الحكاية الشعبية أحرص ما تكون على الوصول لحادثة لقاء ود الملك والفتاة حيث تقوم الفتاة بإشارات هي بمثابة لغز وسيكون لهذا اللغز أثره على تطور الأحداث، وواضح أيضاً حرص الحكاية على الاقتصاد في الكلمات فالفتاة ليست سوى بت ملك و«ود الملك» ولد جميل جالس «وهو لا يذهب للبحر لينظر للمراكب ذات الأشرعة الطويلة»  كما يقول الكاتب، ولكنه يذهب لسقيا حصانه وحتى هذا الأمر ما كان ليكون ذا أهمية لولا ظهور الفتاة وما يتبع هذا الظهور من أحداث، وهكذا فإن الحكاية لا تومئ للإطار العام أو مناخ الأحداث كما أشرنا، والأشخاص والأحداث تصور كما هي في تجريد تام عن الواقع المحيط بها.
لا يكتفي الكاتب بهذه التعديلات بل يجري تعديلاً أساسياً على موتيف جوهري وهو ذلك الموتيف الذي يتعلق بود الحطاب، فالحكاية تحرص على تصوير ود الحطاب بمساواة تامة مع ود الملك وكلاهما يحتاج للآخر حاجة ماسة، خاصة ود السلطان الذي يمثل له ود الحطاب العقل المدبر والحكمة التي بواسطتها يذلل ود الملك الصعاب التي تقف في طريقه، وربما لمسنا ثمة إشارة ذكية من قبل الحكاية لتصوير الصديقين بالوعي واللاوعي،  فالوعي يمثله ود الحطاب، وذلك واضح في لجوء ود الملك كلما أعيته أمور واستعصت عليه لود الحطاب القادر أبداً على فهم الأمور وفك الألغاز. وكنا قد ذكرنا قبلاً أن بعض النصوص تحكي أن الصديقين هما في الأصل شقيقان لأب واحد هو الملك. لكن إبراهيم اسحق لا يعير كبير اهتمام لود الحطاب حيث يعطيه دوراً ثانوياً لا يتجاوز مساعدة صديقه في الوصول للفتاة فحسب. ولهذا انتهت الحكاية كما أراد لها الكاتب بزواج ود الملك بالفتاة دون إشارة لمصير ود الحطاب بينما تكافئ الحكاية الشعبية ود الحطاب بنفس القدر الذي تكافئ به ود الملك حيث يتوج كدح الصديقين بالزواج، والكاتب يشير لزواج ود الملك من الفتاة ، وليس سواها حيث نقرأ في النص الشعبي قول الفتاة مخاطبة ود الملك «يا أنا مرت ود الحطاب.... ياتعرس أختك لي ود الحطاب(..) حل ما في أبداً». (نفسه: 7) ولا يجد ود الملك بالطبع مناصاً  من الرضوخ لهذا الأمر وهكذا يتم زواج بنت السلطان لود الحطاب.
وهكذا تنتهي الحكاية الشعبية بمصاهرة الصديقين لتدوم صداقتهما كما قدر لها. ولا شك أن هذا التعديل الذي أجراه الكاتب ظلم ود الحطاب وأضر بتوازن القصة التي انحازت أصلاً للصديقين معاً بشكل منطقي يتفق تماماً وتطور الأحداث.
لذا يمكن القول إن من عيوب هذا العمل تدخل الكاتب المباشر خلال الوصف وذلك باستعمال أسلوب لا يتناسب ومناخ الحكاية، وذلك بإطلاق الأوصاف المتعددة على الشخصيات والأحداث. في حين أن الحكاية عادة ما تكتفي بوصف واحد فحسب- كما أشرنا- فالكاتب يصف الفتاة بقوله «ونظر ود الملك فرأى بنتاً جميلة لم ير مثلها في حياته»، وكذلك يستطرد الكاتب في وصف فرحة ود الملك بقوله: «وانفجر (ود الملك) ضاحكاً من الفرح وقال له (ود الحطاب) أنك صديقي حقاً وأنك ذكي يا صديقي وقد فرح (ود الملك) ذلك اليوم فرحاً شديداً».
ولا يعيب هذا الوصف الاستطراد فحسب بل ذلك الود الذي يعبر به ود الملك عن عواطفه تجاه صديقه، لأن الحكاية الشعبية عادة لا تميل لوصف العاطفة ولا تهتم كثيراً بالجانب النفسي للشخوص.
الكاتب يشير إلى رحلة الصديقين أرض السن قائلاً أنها بلغت ثلاثين يوماً،  الشيء، الذي لا تشير له الحكاية الشعبية مطلقاً وهذا الرقم ابتدعه الكاتب، فأسلوب الحكاية الشعبية كما هو معروف لا يهتم بالزمانية ولا بالمكانية، وعادة ما تكتفي الحكاية في حالة كهذه بالقول «وسافرا لأيام وأيام»، أو بتكرار العبارة نفسها لإعطاء الإحساس بالبعد الزماني، إضافة لهذا أن الحكاية الشعبية كثيراً ما تميل لاستعمال أرقام بعينها. إذا ما دعت الضرورة لذلك، وهي تلك الأرقام التي يشاع أن بها قوة سحرية مثل واحد وثلاثة وسبعة.
خلاصة القول أن الكاتب أباح لنفسه التدخل بحذف موتيفات أساسية، كما أشرنا، في حين أسهب في وصف الشخوص والأحداث بلغة شاعرة لا تتناسب وأسلوب الحكاية الشعبية وذلك لأن الكاتب وهو أصلاً قاص لم يستطع التخلص من لغة وأسلوب القصة القصيرة كما ذكرنا.

الأسد والذئب:
هذه حدوتة صغيرة وهي أقرب ما تكون للطرفة، لكن أسلوب الراوي الشعبي ساعد في تطويلها وذلك لحرص الراوي على أن يشرك السامع معه بوسائل متعددة مثل إطلاق الأسئلة دون انتظار إجابات لهذه الأسئلة. وهذا أسلوب شائع في القص في الأدب الشعبي. إضافة إلى استعمال الراوي لأسلوب الأداء الدرامي مثل تقليد صوت حيوان ما أو التمثيل الصامت لبعض الحركات أو الغناء إذا لزم الأمر، خلاصة القول، أن مضمون حدوتة الأسد والذئب موجز جداً وربما حفظ عن ظهر قلب من قبل الكثيرين من السامعين لكن المهم والمثير لهؤلاء السامعين هو أسلوب الأداء أو الرواية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحكاية تنتمي لجنس المخادع أو المراوغ. وهي تلك الحكايات التي يقوم بها حيوان -غالباً الثعلب - بدور جوهري اعتماداً على خبثه ودهائه. ففي هذه الحدوتة يتآمر الأسد على صديقه الذئب مدعياً أن العجل الذي ولدته بقرة الذئب إن هو إلا جنين خرج من بطن ثور للأسد ويحتار الذئب ماذا هو فاعل إزاء هذا الموقف ولا يجد مناصاً من التوسل لصديقه الذكي الثعلب، وكما متوقع فإن الثعلب يعتمد على الحيلة لفضح زيف إدعاء الأسد وكذبه.
وعلى الرغم من أن الصياغة الجديدة لم تغير كثيراً من جوهر الحدوتة إلا أن ثمة إضافات وتغيرات أفقدت الحكاية الأصلية مذاقها ونكهتها، على سبيل المثال نجد تغير أسماء الحيوانات من الأسماء الشعبية والألقاب إلى الأسماء الفصحى فالمرفعين يصبح (الذئب). والبعشوم يصبح الثعلب. ولم يكتف الراوي بهذه التعديلات ولكنه أدخل تعديلاً يتعلق بمنطق الحكاية الشعبية التي تروي كيف أن الحيوانات أذعنت لادعاء الأسد، فنجد الحدث طبقاً لنص الحكاية  الأصل كالآتي: (..) بعدينك الأسد شال العجل ختاه تحت ثورو. بعدينك قال للحيوانات: توري ولد، قالوا ليه تمام التور بيلد، علشان بخافوا منو كل الحيوانات قال (هكذا) تمام الثور بلد». (سعيد وآخرون: 1986)
لكن الكاتب حينما أعاد الصياغة أصبحت كالآتي:
“(..) وتمنى الأسد أن يكون له عجل فأخذ العجل الذي ولدته بقرة الذئب ووضعه بالقرب من ثوره”
وقال الأسد:
“انظروا لقد ولد ثوري ذلك العجل فخافت كل الحيوانات من الأسد وقالت له:نعم، لقد ولد ثورك ذلك العجل (....)” (نفسه)
وكما هو واضح من النصين فإن الحيوانات لخوفها من الأسد وافقت على قوله على حسب النص الأصلي لكن الصياغة تشير لخوف الحيوانات من الأسد وكأنه أمر طارئ، الحيوانات خافت من الأسد ثم وافقت، وثمة إشارة لاقتران الخوف بالموافقة، وهنا نلمس ثراء الحكاية الشعبية التي تقوم على أرضية من المفاهيم والمعلومات أو الثقافة المشتركة بين الراوي وجمهوره فكلاهما يعرفان خوف الحيوانات من الأسد، لذا لا تحتاج الحكاية للإشارة لهذا الأمر كما لا تحتاج أيضاً للإشارة بسكن الحيوانات في الغابة وذلك على عكس الصياغة التي تبدأ بـ“في غابة كبيرة سكن أسد وذئب” إذ أن هذا أمر معروف سلفاً إضافة إلى أن الحكاية الشعبية بطبعها تميل للاختصار والإيجاز فلا تهدر التفاصيل فيما لا طائل وراءه. نلاحظ كذلك أن الصياغة تعطي إحساساً مختلفاً عن ذلك الصادر من أسلوب الحكاية، فالصياغة توحي بما يفيد أن الحيوانات قد تخاف أو لا تخاف من الأسد وإلا فما كان من داع للإشارة لهذا الأمر، فالأسد عادة ما يصور في الأدب الشعبي بوصفه ملكا وسيد الغاب ويشار له بالألفاظ الدالة على ذلك وما تعدد أسماء الأسد في اللغات واللهجات إلا تنويع على هذا المنحى.
وخلاصة القول أنه على الرغم من جودة الصياغة إلا أن أسلوب النص الجديد ابتعد نوعاً ما عن روح الحكاية الشعبية وذلك بإهمال دور الجمهور في الأداء بشكل مباشر أو غير مباشر فهذا الجمهور مثلاً لا يحتاج ليعرف أن الذئب قد خاطب نفسه قائلاً:
«أن الثعلب من أذكى الحيوانات الثعلب وحده هو الذي يستطيع أن يساعدني» (...) (سعيد وآخرون :78)
وذلك لسبب بسيط هو القناعة المشتركة بين المؤدي والجمهور بذكاء ودهاء الثعلب وأنه حتماً سيكون له دور في البناء المعماري للحكاية لكن الإشارة لهذا الأمر تفسده.

أغنام التمساح:
وهذه حكاية طويلة نوعاً ما وبطلا الحكاية هما التمساح والثعلب (الطيب وآخرون:1979)، وكما هو متوقع ومعروف فإن الثعلب يخدع التمساح المرة بعد المرة، وتبلغ سخرية الحكاية الشعبية قمتها حين تحكي عن خداع الثعلب للتمساح الذي يسعى لأخذ مشورة المرأة العجوز التي عادة ما يصورها العقل الشعبي كرمز للحكمة، وما تكرار القول «يا عجوز أم كلاماً يجوز» إلا تأكيداً لهذا الفهم. لكن الحكاية التي نحن بصددها تنحاز للثعلب في جميع الأحوال وتصور ذكاءه الذي يمكن أن ينطلي حتى على البشر وليس على التمساح فحسب، وتنتهي الحكاية بهروب الثعلب من الفخ الذي نصبه له التمساح لتصبح المرأة العجوز وليس الثعلب هي ضحية التمساح وينهال التمساح عليها ضرباً إذ هي السبب في فرار الثعلب ونجاته من غضبة غريمه التمساح.
في مستوى الشكل نلمس بعض التعديلات، فالصياغة تبدأ بشكل يختلف كثيراً عن بداية الحكاية الشعبية. وهذا النوع من البدايات وارد في جميع القصص التي عالجناها على الرغم من أن الحكاية الشعبية معروفة بقوالب وصيغ نمطية للنهاية- كما ذكرنا- فالعمل الذي نحن بصدده يبدأ هكذا:- «في نهر من الأنهار عاش تمساح كسول، وكان ذلك التمساح أخضر اللون ناعم الملمس، وكان يحب الرقاد تحت أشعة الشمس.» (نفسه)، وكما هو واضح فإن الأسلوب هنا لا يركز على الشخصية المركزية، التمساح هنا، وكما تفعل الحكاية الشعبية التي لا تحتاج للإشارة لسكن الحيوانات في الغابة كما ذكرنا، فالتمساح حتماً لا يعيش في الغابات ولكن يعيش في الأنهار وهو معروف لدى الذهن الشعبي بمجموعة من الصفات مثل البطء ، الكسل، الشر، إضافة لعلاقته بحيوانات مثل الكلب وطير الزهو. جملة القول أن التمساح يتجسد كشخصية كاملة في الذهن الشعبي بحيث تصبح لفظة تمساح مشحونة بالكثير من الدلالات والمعاني وهي ليس في حاجة لتوضيح أو إضافة، لذا تصبح عبارات مثل «تمساح كسول» «أخضر اللون» و «ناعم الملمس»، من فضول القول إن لم تكن زخرفا ووشيا فحسب، والحكاية الشعبية تقدم شخوصها مكتفية بصفة واحدة فقط بل إن هذه الشخوص غالباً ما تقدم مسطحة بلا عمق ولا عاطفة ولا بعد سيكولوجي لذا لا تحتاج الحكاية الشعبية لإهدار الألفاظ حول سمات التمساح، بل إن الحكاية الشعبية تدخل مباشرة للحدث متجاوزة الشخصية، تبدأ هكذا  «كان في تمساح وأبو الحصين اتصاحبوا، بعدين التمساح يدي أبو الحصين الغنم الميتات يودهين الخريف(نفسه: 38).
وهذا الإيجاز في العبارة وهو سمة أساسية من سمات الحكاية الشعبية التي تحرص للإشارة لكل ما هو ضروري لتطور الحدث.
وثمة تعديل آخر أضيف للصياغة وهو في تصوير الحكاية للمفارقة الناشئة عن محاولات التمساح خداع الثعلب، على عكس ما هو مألوف، فالتمساح بكل بطئه وغبائه لم يجد من جميع الحيوانات سوى الثعلب ليجرب حظه بخداعه، وهنا نجد إشارة لا تخلو من ذكاء من قبل الحكاية الشعبية لهذه المحاولة البائسة من جانب التمساح فوق أن هذا يعطي الراوي والثعلب معاً على حد سواء الفرصة لتطوير الحدث الدرامي بتمهيد المناخ لينتقم الثعلب مستغلاً كل دهائه من التمساح وينجح في خداع التمساح مراراً ومراراً ليس في البر فحسب وحتى في البحر، أي في عقر دار التمساح ، بل إن التمساح قد خدع حتى حين التمس المعونة من المرأة العجوز.  وفي نهاية الأمر تعلن الحكاية خيبة مساعي التمساح الذي لم يجد مناصاً سوى الثأر لكرامته الجريحة بضرب المرأة العجوز.
إن الصياغة ابتعدت نوعاً ما من أسلوب وروح الحكاية الشعبية بإدخال تعديلات تكاد تكون أساسية على محتوى وشكل الحكاية هذا إضافة للأخطاء والعيوب التقليدية التي هي ملامح مشتركة لكثير من محاولات إعادة صياغة الحكاية الشعبية مثل ابتكار عنوان للحكاية، إضافة صفات للشخصيات، اللجوء للوصف المهم للأحداث، ذكر أرقام بعينها مع عدم استخدام التكرار المعروف في الحكاية وعدم اللجوء لذكر الكلمات الصوتية التي هي سمة هامة من سمات أسلوب السرد الشعبي حيث يحرص الراوي على التعبير عن أفكاره بألفاظ قريبة لهذه الأفكار بمثل استخدام الألفاظ الصوتية والأسلوب الدرامي والمحاكاة وجميع هذا يعكس قصور الصياغة عن بلوغ ثراء الحكاية الشعبية وهذا نفسه حادث نتيجة لفهم مخل من قبل الكثير من الكتاب حيث ظنوا أن الحكاية الشعبية هي نص فحسب وليست أداءً متكاملاً هو نتاج لمجموعة عناصر عدة  كما ذكرنا من قبل ،   لذا ليس ثمة نص واحد لهذا المؤدي الذي عادة ما يتوافر لديه مخزون هائل من المعرفة الشعبية يعرف كيف يستخدمها ببراعة بحيث يكون لكل مقام مقال.
إضافة لهذا لا يمكن تجاهل معايشة ومشاركة الجمهور للمؤدي في أداء الحكاية، وهذه المشاركة هي التي تضفي على الحكاية حيويتها ومذاقها الخاص الذي يعتمد على جملة عوامل تتداخل وتكمل بعضها البعض.
ويبقى السؤال إلى أي حد حافظ الكتاب الذين سبق أن نظرنا في أعمالهم على روح النص الشعبي. وبشكل عام يمكن القول أنه باستثناء عبد الله الطيب لم يوفق الجميع في الحفاظ على هذه الروح وجاءت صياغتهم بلا حياة أو حيوية. وربما وجدنا العذر لهؤلاء الكتاب باعتبار أن الأداء الشفاهي شكل إبداعي له خصائصه التي تختلف عن الحكاية والصياغة الجديدة المقصود بها أصلاً مخاطبة قارئ واحد، هو الذي يمسك بصفحات الكتاب أثناء الإطلاع، لكن الأداء الشعبي يحتاج لجمهور يعطي أذنيه وجميع حواسه للمؤدي ومع هذا يمكن تقريب الشقة بين النص الكتابي والشفاهي شريطة استعمال أدوات الراوي الشعبي والتي أشرنا لها سابقاً. بجانب هذه نجد جميع هؤلاء الكتاب دون استثناء يعطون أنفسهم الحق في الإضافة والحذف والتطويل للنص الأصلي للحكاية. وغالباً ما تتميز النصوص الجديدة بملامح لا تتوفر في النص الأصلي وأهم هذه الملامح، إعطاء عنوان للنص، عدم استعمال الكلمات الصوتية، تحديد الأرقام، تجنب استعمال تكرار العبارات، وقد يمكن حصر هذه الملامح في جدول حيث نلمس الفارق الكبير بين النص الشفاهي والنص المكتوب.

النص المكتوب
+
+
-
-
+
-
-
-
+
+

                      
النص الشفاهي
-
-
+
+
-
+
+
+
-
-

                       
الملمح
أسماء شخصيات، مواقع، حياة، الخ.
انسجام الأفعال والضمائر.
التكرار
كلمات صوتية
أرقام محددة وتواريخ
الأرقام 7،9،3
محرمات
نصوص متعددة
عمق نفسي
تشخيص

    

 

المراجع

-  إبراهيم، عبد الله علي، “نحو أساسية فلكلورية لتوظيف الحكاية الشعبية”، 1987م الخرطوم، دار جامعة الخرطوم للنشر والترجمة.
- إبراهيم وأحمد عبد الرحيم نصر،“من آداب الرباطاب الشعبي” الخرطوم: شعبة 1968م أبحاث السودان، جامعة الخرطوم.
- الفحيل، إسماعيل علي وسليمان محمد إبراهيم، “القصص الشعبي عند الجعليين”1991 الخرطوم: دار المأمون بيروت: دار الجيبل.
- اسحق، إبراهيم “ود الملك ود الحطاب”،د. ت دار الثقافة الحديثة للطباعة والنشر.
- الشعراوي  حلمي،“الفلكلور الروسي وقضاياه” 1977 القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب.
- حريز، سيد حامد، “كتابة النصوص الشعبية”1969م مجلة الدراسات السودانية، يونيو .
- فتح الباري، سالي سعيد، وتوحيدة عثمان، “حكايات عن الناس والحيوان”الخرطوم: دار جامعة الخرطوم 1986م.
- قاسم، عون الشريف “قاموس العامية في السودان” القاهرة،1982م المكتب المصري الحديث ط/2.
- الطيب، عبد الله “ الأحاجي السودانية” الخرطوم: 1978دار جامعة الخرطوم للنشر والترجمة والتأليف.
- الطيب، محمد الطيب،    “التراث الشعبي لقبيلة المناصير”وعلي سعيد وعبد السوي سليمان         الخرطوم: جامعة الخرطوم، (جمع)شعبة أبحاث السودان،1969.    

- Bitin, Doderuis Ropresion :“Writin Folklore Daun Rong” 1982 Folklores Folklore in Phonology Journal of American Folklore 377.
- Nasr, Ahmed :“Maiwrno of the Blue Nile” –1980 Khartoum University.
- Zipes, Jack :“Breaking the Magic Spell” Radical theories of Folklore and Fairy Tale London: Human. -  إبراهيم، عبد الله علي، “نحو أساسية فلكلورية لتوظيف الحكاية الشعبية”، 1987م الخرطوم، دار جامعة الخرطوم للنشر والترجمة.
- إبراهيم وأحمد عبد الرحيم نصر،“من آداب الرباطاب الشعبي” الخرطوم: شعبة 1968م أبحاث السودان، جامعة الخرطوم.
- الفحيل، إسماعيل علي وسليمان محمد إبراهيم، “القصص الشعبي عند الجعليين”1991 الخرطوم: دار المأمون بيروت: دار الجيبل.
- اسحق، إبراهيم “ود الملك ود الحطاب”،د. ت دار الثقافة الحديثة للطباعة والنشر.
- الشعراوي  حلمي،“الفلكلور الروسي وقضاياه” 1977 القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب.
- حريز، سيد حامد، “كتابة النصوص الشعبية”1969م مجلة الدراسات السودانية، يونيو .
- فتح الباري، سالي سعيد، وتوحيدة عثمان، “حكايات عن الناس والحيوان”الخرطوم: دار جامعة الخرطوم 1986م.
- قاسم، عون الشريف “قاموس العامية في السودان” القاهرة،1982م المكتب المصري الحديث ط/2.
- الطيب، عبد الله “ الأحاجي السودانية” الخرطوم: 1978دار جامعة الخرطوم للنشر والترجمة والتأليف.
- الطيب، محمد الطيب،    “التراث الشعبي لقبيلة المناصير”وعلي سعيد وعبد السوي سليمان         الخرطوم: جامعة الخرطوم، (جمع)شعبة أبحاث السودان،1969.    

- Bitin, Doderuis Ropresion :“Writin Folklore Daun Rong” 1982 Folklores Folklore in Phonology Journal of American Folklore 377.
- Nasr, Ahmed :“Maiwrno of the Blue Nile” –1980 Khartoum University.
- Zipes, Jack :“Breaking the Magic Spell” Radical theories of Folklore and Fairy Tale London: Human.

أعداد المجلة