فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

جدلية الشعبيّ والنخبويّ في الثقافة العربيّة

العدد 23 - أدب شعبي
جدلية الشعبيّ والنخبويّ  في الثقافة العربيّة
كاتبة من البحرين

تمثلُ السير الشعبيّة العربيّة نصًا ثقافيًا منفتحًا على مختلف ما أنتجه الإنسان العربيّ في تاريخه في شتى السياقات الحضاريّة والثقافيّة وللذات العربيّة في مختلف بناها الذهنيّة والفكريّة، كما تمثلُ مجالاً للبحث عن المتخيّل العربيّ الإسلاميّ  بوصفه خزانًا رمزيًا مؤسساً لأنساق ثقافيّة فاعلة شكّلت النظرة إلى الذات والآخر في الثقافة العربيّة الإسلاميّة.

والسير الشعبيّة العربيّة  من خلال أرشيفها الضخم وضخامة متونها التي تصل إلى آلاف الصفحات هي أحد  المكونات الرئيسة للسرد العربيّ القديم  رغم تهميشها وتغييبها بلاغياً و نقديًا في الموروث  البلاغيّ والنقديّ العربيّ القديم لسبب أنها تنتمي، حسب الفرز النخبويّ العربيّ القديم، إلى ثقافة العامة أي الثقافة غير العالِمة أو الثقافة غير النخبوية في مقابل احتفاء البلاغة العربيّة القديمة والنقد العربيّ القديم بالثقافة الأدبيّة النخبوية(العالِمة) التي ركّزت على الدراسات الإعجازيّة و بلاغة الشعر والمفاضلات الشعريّة. وعلى الرغم من هذا التغييب كان حضور السرديات الشعبيّة العربيّة(السيرة الشعبيّة والحكاية الشعبيّة) بارزاً وكبيراً عند المتلقين على اختلاف طبقاتهم وطوائفهم، كما استمرت تحولاتها بين الدوائر الشفاهيّة والكتابيّة واستمر «تعالقها «و»انفتاحها»النصيّ الثقافيّ مع أنواع سردية عدة وعلى مكونات الثقافة العربيّة الإسلاميّة مثل:المرويات الدينيّة والمصنفات التاريخيّة، وكتب الجغرافيا والرحلات، ووصف الأرض، والمسالك والممالك، والإسرائيليات، والقصص العجائبيّ وغيرها إلى جانب موروثات الأمم الأخرى( مثل :الروم والفرس والحبشة وغيرهم). وقد أنتجت هذه السرديات الشعبيّة وخاصة السير الشعبيّة العربيّة «تاريخها الثقافيّ» الذي يمتدُ ويغطي جانبًا كبيراً من العصور الإسلاميّة ولتواريخ الأمم والشعوب الأخرى خاصة الروم والحروب الصليبيّة، والذي يفترق كذلك في متخيّله الرمزيّ وفي تحبيكه السرديّ عن مصنفات التاريخ الرسميّة.
تُساءل هذه الدراسة إشكالية تتناول مفارقة كبرى هي: لماذا استمر رواج السرديات الشعبيّة العربيّة من السير الشعبيّة والحكايات الشعبيّة بين المتلقين العرب على اختلاف فئاتهم وطبقاتهم وعلى مدى زمني طويل يمتد منذ تشكّل هذه السرديات الشعبيّة العربيّة خاصة المرويات السيرية خلال قرون من الزمان في الحين الذي غُيبَِتْ فيه هذه السرديات الشعبيّة العربيّة في البلاغة العربيّة القديمة وفي النقد العربيّ القديم، ولم يُلتفت إلا إلى المناحي اللغوية في مقامات بديع الزمان الهمذانيّ ومقامات الحريريّ وإلى البعد الأخلاقيّ(صدق/كذب) في الحكاية الوعظيّة الأليجورية ذات المغزى مثل كليلة ودِمنة. إنَّ هذه الإشكالية وثيقة الصلة بالجدلية القائمة والناشئة بين الشعبّي والنخبويّ في الثقافة العربيّة قديماً وحديثاً. ولهذا تتغيا هذه الدراسة الحفر في طبيعة هذه الصلة الإشكاليّة وعلاقتها بالتمثيلات البلاغيّة والنقدية والثقافيّة للسرديات الشعبيّة العربيّة وأسباب هذا التغييب في القديم والحديث، كما سنتناول صعود الدراسات الشعبيّة العربيّة في مرحلة النقد الثقافيّ والدراسات الثقافيّة وثقافة الصورة والقنوات الفضائيّة. وسنركز الحديث على السير الشعبيّة العربيّة نظراً للأهمية التي تمثلها بوصفها أحد الأنواع السردية  العربيّة الكبرى على الرغم من تغييبها بلاغيًا ونقديًاكمابيّنا.

-أدب العامة/ أدب الخاصة
في الثقافة العربيّة الإسلاميّة:
كي نتعرف إلى التمثيلات النقدية والبلاغيّة للسرديات الشعبيّة العربيّة لابد لنا أن نعرج على أدب العامة في مقابل أدب الخاصة كما أنتجتهما الحضارة العربيّة الإسلاميّة والمشكّلات الثقافية لهما؛ بسبب انتماء السرديات الشعبيّة العربيّة إلى أدب العامة أي إلى الثقافة غير العالِمة. فقد شكّل خطاب السلطة المحرِّك الأكبر لتاريخ رسميّ يحضر فيه الخليفة والسلطان وواعظه في حين تغيب العامة ولاتحضر إلا في الأنساق التابعة لهذه السلطة. والمتتبع لمرجعيات الثقافة الرسميّة يجد أنَّ ذكر العامة غالباً ما يرد في مقابل الملوك الخاصة مكتسباً صيغة اجتماعيّة عامة فيقال»عامة الخلق وعامة الأمم»(1). وعرّف الصفديّ العامة بأنها «خلاف الخاصة، قبل ذلك، لمّا كانوا كثيرين لايحيط بهم البصر فهم في ستر عنه».(2) وقد عُنيت المصادر القديمة ببيان صورة العامة كما هي في الثقافة العالمِة(النخبوية)؛ أي في الثقافة الرسميّة؛ ففي مقابل العالم الفقيه يقع العاميّ الوضيع، والعامة متهمة دائماً بقصور عقلها وتفاهته لذلك كانت أسرع إلى تلقي الخزعبلات والشعبذات والشطحات على أنها حقائق يقينية لاشك فيها. ولذلك وصفهم العتّابيّ(3) بأنهم (بقر)؛ أي أنَّ خصائص الجنس العاقل لاتنطبق عليهم أبداً. ففي خبر أورده ابن الجوزيّ عن العتّابيّ:» أخبرني المبارك بن أحمد الأنصاريّ قال:أنا محمد بن مرزوق، قال : أنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أنا الحسن بن الحسين قال : أنا أبوالفرج علي بن الحسين الأصبهانيّ قال : أخبرني الحسن بن علي (ثنا ابن) مهرويه قال: حدثني أحمد بن خالد قال : حدثني علّان الورّاق قال : رأيت العتّابي يأكل خبزًا على الطريق بباب الشام فقلت له: ويحك أما تستحي؟ فقال لي: أرأيت لو كنا في دار فيها بقر أكنت تحتشم أن تأكل، وهي تراك؟ قال «فقلت»لا قال : فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر فقام فوعظ وقص حتى كثر الزحام عليه ثم قال لهم: رُوي لنا من غير وجه أن من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار.قال: فما بقي منهم أحد إلا أخرج لسانه يومئ به نحو أرنبته ويقدره هل يبلغها. فلما تفرقوا قال لي العتّابيّ: ألم أخبرك أنهم بقر»(4).
ومن الألفاظ التي أُطلِقتْ على العامة لفظ(الدَّهْماء)، وهم كما يعرفهم ابن منظور»الجماعة من الناس. الكسائيّ يُقال :دَخَلْت في خَمَرِ الناس أي في جماعتهم وكثرتهم، وفي دَهْماء الناس أيضاً مثله، وقال:
فَقَدْناك فِقْدانَ الربيعِ وليْتَنا
             فَدَيناكَ مِن دَهْمائنِا بألوفِ
والدَّهْماء:  العددُ الكثير. ودهْماء الناس: جماعتهُم وكثرتهُم(5)

وقد جاء في وصف ابن الجوزيّ لطبائع الدَّهْماء أنَّ «أكثر الخلائق على طبع رديء لا تقوّمه الرياضة، لايدرون لماذا خُلِقوا ولا المراد منهم. وغاية همتهم حصول بغيتهم من أغراضهم. ولا يسألون عند نيلها ما اجتلبت لهم من ذم، يبذلون العرض دون الغرض،  ويؤثرون لذة ساعة، وإن اجتلبت زمان مرض. يلبسون عند التجارات ثياب محتال، في شعر مختال، ويلبّسون في المعاملات، ويسترون الحال. إن كسبوا فشبهة وإن أكلوا فشهوة. ينامون الليل وإن كانوا نياماً بالنهار في المعنى، ولا نوم إلا بهذه الصورة فإذا أصبحوا سعوا في تحصيل شهواتهم بحرص خنزير، وتبصيص كلب، وافتراس أسد، وغارة ذئب، وروغان ثعلب. ويتأسفون عند الموت على فقد الهوى لا على عدم التقوى ذلك مبلغهم من العلم»(6). ومن معاني العامة السُوقة، وهم كما قال الحريري :»ليسوا أهل السوق، بل هم الرعية، وسُموا بذلك لأنَّ الملك يسوقهم إلى إرادته، فيقال رجل سُوقة وقوم سُوقة»(7).
ونجد مثل هذا التعريف عند الجوهريّ الذي عدَّ»السُوقة من الناس هم غير السلطان»(8). وأُطلِقَتْ على العامة أيضاً ألفاظ كثيرة فهم أصحاب الإهانات وأبناء الأنذال والسفل والسقاط ومنهم الرعاع والهمج والغوغاء لأنهم كالجراد إذا ماج بعضها في بعض. والغوغاء، أهل السفه، والخفة وهم الأوباش والطرارون والغواة والسفهاء(9). ومنها العامة،والسواد، والنطاف، والتجار، وباعة الطريق يتجرون في محتقرات البيوع، ومنها الفلاح، والحشوة، والصناع، والباعة ومنها  المعلمون، والكنّاش، وبائع البطيخ، والزجّاج، والقصّاب، والبقّال وبائع الجرار، والطبيب(10).
وهذه الرؤية العالمِة التي تحقر شأن العاميّ هي التي جعلت المؤرخين والرحَّالة العرب القدامى يغفلون عامدين أي تلقٍ لهذه الفئات. إذ إنَّ رواياتهم حافلة فقط بسير الملوك والخلفاء والسلاطين وصراعاتهم السياسيّة والاجتماعيّة. وإذا ما جاء ذكرٌ للعوام هذا الذكر يأتي مُقدَّماً بما يشبه الاعتذار إلى المتلقي الخاص. فالرحّالة والمؤرخ المقدسيّ يذكر في مقدمة كتابه(أحسن التقاسيم) أنه «لن يذكر في كتابه صدراً مشهوراً أو علماً أو سلطاناً جليلاً إلا عند ضرورة أو خلال حكاية».وإذا ما اضطر للحديث عن شخص خلاف تلك الفئات المميزة في المجتمع فلن يسميه باسمه، و»إنما سيسميه رجلاً ويذكر محله لئلا يدخل في جملة الأجلة»(11). ومن أمثلة تقسيم الناس إلى خاصة وعامة ما قام به القاضيّ النعمان، في كتابيه»افتتاح الدعوة»و» المجالس والمسايرات»(12)؛ وتقسيم المقريزيّ في كتابه» اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا»(13).
وفي مقابل العامة تقع الخاصة أو الصفوة والنخبة وعلية القوم. وقد عبّر عبدالحميد الكاتب عن التحوّل الكبير في الأنساق الثقافيّة للشاعر والخطيب؛ بعد أن كانا يكتسبان سلطتهما من القبيلة المتحوِّلة إلى سلطة في أواخر العصر الأمويّ وبدايات تشكّل الأدب السلطانيّ في الثقافة العربيّة الإسلاميّة. لقد حدّد عبدالحميد الكاتب الدستور الذي يجب أن يلتزم به كاتب الديوان أي السلطة بوصفه لهؤلاء الكتاب بقوله بأن»بكم ينتظم الملك، وتستقيم للملوك أمورهم،  وبتدبيركم وسياستكم يصلح الله سلطانهم، ويجتمع فيئهم، وتعمر بلدهم فموقعكم منهم موقع أسماعهم التي بها يسمعون وأبصارهم التي بها يبصرون، وألسنتهم التي بها ينطقون، وأيديهم التي بها يبطشون»(14).
شكّل»انتظام الملك» الوظيفة الأولى لهؤلاء الكتاب. وكانت استعانة السلطة السياسيّة الأمويّة بكاتب الديوان سعياً منها لتدوين نصوصها؛ أي لممارسة سلطتها الثقافيّة. ويبدو أن انتصار حملة العلم الشرعيّ من فئة الفقهاء وأصحاب الحديث في عصر التدوين جعل البون شاسعاً بين عرف السلطة الدينيّ وسنن التدوين وأعرافه؛ «فالتدوين الانتقائيّ الذي سعت إليه السلطة الأمويّة لم يخلق خطاباً سلطوياً موحداً، فقد تشّكل إلى جانب هذا التدوين الانتقائيَّ تدوين متسع لنصوص متعددة كانت (السُنة) مشكّلها الرئيس. ومن هنا كان سعي السلطة لخلق بلاغة سلطانيّة أو أدب سلطانيَّ يقف جنباً إلى جنب الخطاب الدينيَّ (السُني)(15) لتعضيد السلطة السياسيّة الحاكمة.
تتمثل خطورة العصر العبّاسي في بدء حركة متسعة لتدوين الأدب من مرويات الشعر الجاهليّ والسرديات الجاهليّة جنباً إلى جنب تدوين كتب الفقه والتفسير والسيرة النبويّة. وقد تعرضت المرويات الأدبيّة الجاهليّة في مرحلة التدوين العبّاسي إلى انتقائية خضعت لمرجعية المُدوِّن الدينيّة العقائدية، وخضعت كذلك لأنساق السلطة العبّاسية السياسيّة الناشئة. ولهذا فإنَّ مصطلح «المصفاة الإسلاميَّة «الذي استخدمه فاروق خورشيد للتعبير عمّا تعرضت له الأساطير العربيّة الجاهليّة من غربلة و»أسلمة» كي توافق  الدين الإسلاميّ الجديد هو مصطلح يعبر عن حقيقة ماتعرضت له تلك المرويات من القص والغربلة والتشذيب(16). ولكن ستجد هذه المرويات طريقها إلى القصاص الذين استثمروها واستثمروا كذلك الإسرائيليات، وبدأوا يشكلون قصاً عجائبياً  كان له ظهور كبير في ألف ليلة وليلة و السير الشعبيّة العربيّة على وجه الخصوص.
ويزودنا ابن النديم وهو الورّاق العبّاسي الذي عاش في القرن الرابع الهجريّ بطائفة كبيرة من الكتب التي ظهرت منذ بدء حركة التدوين العبّاسية أي منذ النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة إلى القرن الرابع للهجرة، واللافت للانتباه أنه جمع في توثيقه وفهرسته الببلوغرافية لهذه الكتب بين الثقافتين العالِمة والشعبيّة فأشار إلى المؤلفات المنتمية إلى تلك الثقافتين(17).
تشكّل في عصر الجاحظ المعتزليّ(ت 255 هـ) موقف سياسيّ وثقافيّ من العوام بعد محنة»خلق القرآن» وسيطرة أهل الحديث والفقهاء على العامة في مقابل تحالف السلطة السياسيّة العبّاسيّة (المأمون وبعده المعتصم والواثق بالله) مع المعتزلة واضطهادهم  لبعض الفقهاء الذين خالفوهم وعارضوهم في قضية «خلق القرآن»، وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل وبروز المعتزلة بوصفهم نخبة ثقافيّة. يقول المفكر علي أومليل: «في فتنة محنة خلق القرآن يقول الجاحظ» لولا مكان المتكلمين لهلكت العوام واختطفت واسترقت، ولولا المعتزلة لهلك المتكلمون»(18)، كان مدار الرهان إذن على «العوام» ويجد أصحاب الحديث(والمثال على ذلك ابن حنبل وأتباعه) الطريق سالكاً إلى هؤلاء، ولم يكن ذلك متيسراً للمعتزلة بطبيعة مذهبهم النخبويّ. ولذا نفهم لماذا لجأ المعتزلة إلى تحالف مع السلطة، لأنَّ هذه الأخيرة هي القادرة  عليها لتدخل لفك قبضة أهل الحديث والفقهاء عن العامة حتى لا يختطفوهم منهم ، بحسب تعبير الجاحظ الذي يقول إنَّه لولا منزلة المعتزلة لهلك العوام وطبعاً فإن ما كان يخشاه كاتب هذا الكلام هو هلاكه وأصحابه المعتزلة حين يضطر السلطان إلى التخلي عن مذهبهم النخبويَّ لمسايرة المذهب الذي يجد صداه لدى العامة، وهو ما سيحدث بالفعل إبان الانقلاب المذهبيَّ الذي سيقوم به المتوكل، منهياً بذلك مساندة الدولة المذهب المعتزليَّ. ولهذا نفهم حذر بعض المتكلمين من العامة؛ فالجاحظ مثلاً وقد كان متكلماً معتزلياً قد أدرك ضرورة تحالف أهل مذهبه الكلاميَّ مع الحكام لضبط العوام فيقول بشأنهم إنه «ليس في الأرض عمل أكد لأهله من سياسية العوام»(19).
حدّد الجاحظ أصول ثقافة(النخبة) ومرجعياتها عندما أفرد باباً كاملاً في الكتاب المنسوب إليه(التاج في أخلاق الملوك) للحديث عن شروط المسامر والمنادم وأوصافهما، وسيؤكد الكتاب بعد الجاحظ هذه الثقافة النخبويَّة التي تدور في فلك السلطان وهي ثقافة كتب «آداب الملوك» المستمدة من آداب الحضارتين اليونانيّة (الهيلينيستيّة) والحضارة الفارسيّة (الساسانيّة). والمنادمة عند الجاحظ يحكمها ذلك التمايز الطبقيَّ الذي ميّز التحوَّل من ثقافة قبليّة أعرابيّة بدوية إلى ثقافة مدينيّة حضرية. ولاسيّما أنَّ أخلاق الملوك عند الجاحظ تستمد شرعيتها من آداب ملوك الأعاجم الذين كانت لهم الفرادة والتميز والأولية، فعنهم كما يقول الجاحظ:»أخذنا قوانين الملك والمملكة وترتيب الخاصة والعامة، وسياسة الرعية، وإلزام كل طبقة حظها واقتصر على جديلتها»(20). ولذلك كان «من أخلاق الملك أن يجعل ندماءه طبقات ومراتب، وأن يخص ويعم، ويقرب ويباعد، ويرفع ويضع إذ كانوا على أقسام وأدوات»(21).
وخطاب السلطة، وفقاً للجاحظ، هو خطاب يتجاور فيه المقدس بالمدنس، ولكن لايعني هذا التجاور إذابة الحدود الفاصلة بينهما؛ فالترابيّة الصارمة تقتضي وجود هذه الفوارق التي يحكمها خطاب السلطة الموحد. ولهذا لاضير «أن يحتاج الملك إلى الوضيع للهوه، كما يحتاج إلى الشجاع لبأسه، ويحتاج المضحك لحكايته كما يحتاج  الناسك لعظته، ويحتاج إلى الهزل كما يحتاج إلى أهل الجد والعقل، ويحتاج إلى الزامر المطرب كما يحتاج إلى العالم المتقن(22)»، وتصبح صفات النديم وفقاً لهذا المنظور الثقافيّ ثقافة تابعة للسلطة؛ فقد رُسِمَ أنموذج هذا التابع السلطانيّ وحُدِّدت مواصفاته. وتمثّل هذا التابع ثقافة السلطة تمثلاً جيداً مكّنه من إعادة إنتاجها؛أي أنه مارس على نفسه ما أسماه بيير بورديو Pierre Bourdieu(العنف الرمزي(23).
 
الخاصة والعامة في التراث النقديّ والبلاغيّ العربيَّ:
رسخّت البلاغة الرسميَّة التي سادت منذ القرن الثاني للهجرة الفارق بين بلاغتين؛ بلاغة الخاصة وبلاغة العامة. يقول عبدالحميد الكاتب وهو بصدد إرساء تقاليد سلطانيَّة تشمل أركان التلقي كافة من (مبدعٍ ومتلقٍ ونص)»البلاغة هي مارضيته الخاصة وفهمته العامة»(24). ونجد الأصول الأولى لمبدأ موافقة الحال ما يجب لكل مقام من المقال في صحيفة بشر بن المعتمر(ت 210 هـ)، الذي أكّد دور السياق الخارجيَّ في البلاغة لافتاً الانتباه إلى وظيفتها النفعيّة من خلال قوله»وإنَّما مدار الشرف على الصواب وإحراز المنفعة مع موافقة الحال، وما يجب لكل مقام من المقال»(25). وقد تحكّمت الأصول العقائدية في حد البلاغة عند ابن المعتمر؛ فمبدأ العدل الاعتزاليَّ يؤكد أن العقل الذي هو حجة الله على عباده أعدل الأشياء توزعاً بين الناس وأنه لافارق بينهم إلا بالتقوى»وأن الإنسان بالتعلم والتكلف، وبطول الاختلاف إلى العلماء، ومدارسة كتب الحكمة، يجود لفظه ويحسن أدبه»(26). ويحيلنا هذا القول على تأكيد احتفاء صحيفة بشر بن المعتمر بالتلقي الذي أخذ يستوعب المنطوق والمكتوب معاً. لكن لن يستمر هذا الاحتفاء مع أجيال المعتزلة الذين عاصروا بشراً والذين أتوا بعده، فواصل بن عطاء(ت 131هـ) يؤكد القطيعة  المعرفيّة مع العامة؛ إذ تُروى عنه أقوال منها «مااجتمعت العامة إلا ضرت»  وقوله»ألا قاتل الله هذه السفلة، توادّ من حاد الله ونبيه، وتحاد من وادّ الله ونبيه، وتذم من مدحه الله، وتمدح من ذمه الله»(27). ويحدد الجاحظ مجتمع النخبة في حديثه عن اللغة التي ينبغي أن يستعملها الكاتب؛ أي(مجتمع الخاصة) قائلاً:»وإذا سمعتموني أذكر العوام فإني لست أعني الفلاحين والحشو  والصناع والباعة، ولست أعني أيضاً الأكراد في الجبال وسكان الجزائر في البحار، ولست أعني من الأمم مثل البربر والطيلسان، ومثل موتان وجيلان، ومثل الزنج وأشباه الزنج، وإنما الأمم المذكورون في جميع الناس أربع : العرب وفارس والهند والروم. والباقون همج وأشباه الهمج. وأمّا العوام من أهل ملتنا ودعوتنا ولغتنا وأدبنا وأخلاقنا فالطبقة التي عقولها وأخلاقها فوق تلك الأمم ولم يبلغوا منزلة الخاصة هنا، على أن الخاصة تتفاضل في طبقات أيضاً»(28).
وتصدر نظرة الجاحظ لثنائية (الخاصة/العامة) عن منظورين عرقيّ وطبقيّ؛ فالمنظور العرقي هو الذي يجعل العرب في طليعة الأمم تليها الأمم الأخرى في فارس والهند والروم. والمنظور الطبقيّ هو الذي يجعل العوام من العرب والمسلمين أرقى من أبناء الشعوب الهمجيّة والزنوج وسواهم، وأدنى من مجتمع النخبة. ولا يكتفي الجاحظ بمثل هذا التقسيم والتصنيف؛ إذ إنه في مجتمع النخبة نفسه سيكون تفاضل وتمايز وتراتبية ثقافيّة واجتماعيّة. ويؤكد ذلك قوله»على أن الخاصة تتفاضل في طبقات أيضاً»، ولا نستطيع أن نغفل أثر التكوينات المدينيّة الصاعدة في إحداث مثل هذه التراتبيّة التي شكّلت ثقافة جديدة وهي الأدب السلطانيّ.
ونجد عند ابن المعتز(ت 296هـ)تأكيداً لهذه التراتبيّة الثقافيّة الصادرة عن تراتبية اجتماعيّة، فقد صرّح ابن المعتز بما كان سواه من النقاد يتلطف في إيصاله إذ  يقول»ألا ترى أنَّ جماعة العوام متى وصلت إلى آداب الملوك لاالعظام بطلت المآثر، وسقطت المفاخر، وصارت الرؤوس كالأذناب، والأذناب كالأذياب..وهذا وليس شيء أضر من تمثل السخيف بالشريف، واللئيم بالكريم، والذليل بالجليل، والحقير بالخطير، والمهين بالمكين، ولا أعظم خطراً على صاحب المملكة ثم الأقرب بالأقرب من خاصة أولاده، ووجوه قواده، وعامة أجناده، من هرج السفل وخمول أهل النبل وتعزز الخول.. لأنَّ ذلك أجمع يغرس المحن، ويوقد الفتن، ويبعث على تهدم الدول ، وتنقل الملك ، ويحوّل الرياسة، ويزيد في اضطراب السياسة».(29)
وقد قسّم ابن وهب الكاتب (توفي بعد 335هـ) الكلام إلى صنفين»هما الكلام الجزل وهو كلام الخاصة والعلماء والعرب الفصحاء والكتاب والأدباء. والكلام السخيف كلام الرعاع والعوام الذين لم يتأدبوا، ولم يسمعوا كلام الأدباء ولاخالطوا الفصحاء»(30). وتندرج ثقافة العوام في إطار الكلام السخيف. يقول ابن وهب الكاتب:» وللفظ السخيف وضع آخر لايجوز أن يُستعمل فيه غيره، وهو حكاية النوادر والمضاحك، وألفاظ السخفاء والسفهاء فإنه متى حكاها الإنسان على غير ما قالوا خرجت عن معنى ما أُريد  بها، وبردت عند مسمعها، وإذا حكاها كما سمعها، وعلى لفظ قائلها وقعت موقعها، وبلغت غاية ما أُريد بها،  فلم يكن على حاكيها عتب في كافة لفظها»(31) . ولعلَّ هذه الرؤية السكونية والعالم الثابت الذي رسخته البلاغة الرسميّة المهيمنة هي التي جعلت أباهلال العسكريَّ(ت 395هـ) ومن تلاه من بلاغيين يتوارثون فهم الجاحظ وابن المعتز لمعنى البلاغة وهو»مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته»، ولذلك يؤكد أبوهلال العسكريَّ أنَّ كلام»سيد الأمة بكلام السُوقة إنما هو جهل بالمقامات»(32).
ويصف التوحيديّ(ت404هـ) العامة بالصفات التالية:»همج ورعاع وأوباش وأوناش ولفيف ورعائف وداصة وسقاط وأنذال وغوغاء لأنهم من قلة الهمم وخساسة النفوس ولؤم الطباع على حال لايجوز أن يكونوا في حومة المذكورين»(33).
  وفي المحاورة التي دارت بين ابن حيّان والوزير ابن سعدان يرد مايلي:»هذا فن حسن وأظنك لو تصديت للقصص والكلام على لجميع لكان لك حظ وافر من السامعين العاملين والخاضعين والمحافظين»، فكان جواب أبي حيّان إنَّ التصدي للعامة خلوقة وطلب الرفعة بينهم ضعة، والتشبه بهم نقيصة، وما تعرض لهم أحد إلا أعطاهم من نفسه وعلمه وعقله ولوثته ونفاقه وريائه أكثر مما يأخذ منهم من إجلالهم وقبولهم وعطائهم وبذلهم. وليس يقف على القاص إلا أحد ثلاثة: إمّا رجل أبله، فهو لايدري ما يخرج من أم دماغه. وإمّا رجل عاقل فهو يزدريه لتعرضه لجهل الجهال، وإمّا له نسبة إلى الخاصة من وجه، وإلى العامة من وجه، فهو يتذبذب عليه من الإنكار الجالب للهجر والاعتراف الجالب للوصل، فالقاص حينئذ ينظر إلى تفريغ الزمان لمداراة هذه الطوائف، وحينئذ ينسلخ من مهماته النفسية ولذاته العقلية، وينقطع عن الازدياد من الحكمة بمجالسة أهل الحكمة؛ إمّا مقتبسا منهم، وإمّا قابساً لهم؛ وعلى ذلك فما رأيت من انتصب للناس قد ملك إلا درهماً وإلا دينارًا أو ثوباً، ومناصبة شديدة لمماثليه وعداته»(34).
   وقد آثرنا إيراد نص أبي حيّان على الرغم من طوله لأنه يبرز لنا موقف مبدع وناقد في الآن نفسه من القص والقصاص. وهو موقف ينظر إلى القصاصين بعين الازدراء والاستهجان لأنَّ ثقافتهم مستمدة من ثقافة العامة والغوغاء والسفلة والأوباش. ويشير نص التوحيديّ إلى (نوع/نمط) متلقي هذه القصص الذي لايخرج عن  رجل أبله، ورجل عاقل يزدريه ورجل متوسط بين الخاصة والعامة. وثقافة القاص وفقاً للتوحيديّ تجعله ينقطع عن مجالسة أهل الحكمة(ثقافة النخبة). وقد كانت الرؤية العقلانيّة هي الموجهة لأبي حيّان في تناوله لأشكال القص وأنواعه التي ازدهرت ازدهاراً كبيراً في عصره(القرن الرابع للهجرة). فقدحكم التوحيديّ على هزّار أفسانة بأنها داخلة ضمن ضروب الخرافات، وبوصفها جنساً من الحديث الذي يخلو من أية قيمة اعتبارية أو وعظية فهو لايؤدي سوى إلى التسلية وتفريج الهموم. يقول التوحيديّ:» ولفرط الحاجة إلى الحديث ما وُضِعَ فيه بالباطل، وخُلِطَ بالمُحال، ووُصِلَ بما يعجب ويضحك ولايؤول إلى تحصيل وتحقيق مثل هزار أفسان، وكل مادخل في جنسه من ضروب الخرافات؛ والحس شديد اللهج بالحادث والمحدث والحديث، لأنه قريب العهد بالكون، وله نصيب من الطرافة»(35).  كما أن حكم التوحيديَّ على القص عامة ينسجم مع رؤيته العقلانيّة تلك. ولعلَّ هذه الرؤية هي التي جعلته يلتقي مع نقاد السلطة الدينية في رؤيتهم النقلية (ابن قُتيبة على سبيل المثال!).
   وقد ساهمت بلاغة السلطة في خلق جو من النفور والقمع لنتاجات العامة جميعها. فأبوعقال  الكاتب يؤلف كتاباً في أخلاق العوام. والقاضي محمد بن إسحاق الصيمريَّ يؤلف كتاباً آخر عن «مساوئ العامة وأخبار السفلة والأغتام»، والسرّاج الطوسيَّ يعقد باباً في كتابه «الُّلمع» في ذكر جماعة المشايخ الذين رموهم بالكفر(36). وفي مقابل ذلك نجد احتفاء البلاغة المقموعة(جماعة إخوان الصفاء) بالعامة فهم قد ضمنوا رسائلهم فصلاً في بيان»فضل الفقراء والمساكين من العامة».(37)
وبيّن الحجاري (ت854هـ)في كتابه(المسهب) تجاهل الثقافة العالمِة لإبداعات العوام ونتاجاتها قائلاً» ولشطار الأندلس من النوادر والتركيبات وأنواع المضحكات ما تملأ الدواوين ما حكى وماركب ولااستغرب أحد ما أورده ولاتعجب، إلا أنَّ مؤلفي هذا الأفق طمحت هممهم عن التصنيف في هذا الشأن فكاد يمر ضياعاً»(38). وتذكر الحكاية التي يرويها الصوليَّ(ت335هـ) عن الخليفة الراضيَّ(ت329هـ) أنه كان يقرأ عليه يومًا شيئاً من شعر بشّار وبين يديه من الكتب كتب لغة وأخبار، إذ جاءه خدم من خدم جدته فأخذوا جميع ما بين يديه من الكتب دون أن يكلموه ومضوا، فاغتاظ الخليفة الراضيَّ ثم مضت ساعات ردوا بعدها الكتب كما هي فقال لهم الراضيَّ:»قولوا لمن أمركم بهذا قد رأيتم هذه الكتب، وإنما هي حديث فقه وشعر ولغة وأخبار وكتب العلماء، ومن كمّله الله بالنظر في مثلها وينفعه بها، وليست من كتبكم التي تبالغون فيها مثل عجائب البحر وحديث سندباد والسنور والفأر».(39)
  ويؤشر لنا خبر الصوليَّ على تنبه الخليفة الراضيَّ إلى ما سبق أن حذَّر منه ابن المعتز من خطر امتزاج ثقافة الخواص بثقافة العوام؛ فالراضيَّ يحافظ على تلك الحدود المرسومة والحواجز الموضوعة بين هاتين الثقافتين، والثقافة المعتمدة عنده هي ثقافة الحكماء التي أكّدها التوحيديّ لا الثقافة الوهميَّة(ثقافة الوهم والعجائب والغرائب). وقد كان عصر الصوليَّ كما هو عصر أبي حيّان التوحيديَّ (القرن الرابع للهجرة) سوقاً رائجة لتخلق القص العجائبيَّ وازدهاره بين المتلقين على اختلاف فئاتهم من خواص وعوام.
 وإلى جانب تلقي العامة/ الخاصة يندرج التلقيَّ المتعاليَّ أيضاً في مقولة النص/ الأنموذج واللانص. وفي إيجاد أنموذج أعلى ُتقاس إليه سائر النماذج. ولعلَّ موقف ابن الطقطقيَّ(ت 709هـ) في تقديمه لكتابه(الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة) ما يشي بهذا النمط من التلقي  فهو يرى»أنَّ كتابه هذا إن نُظِرَ إليه بعين الإنصاف رًئي أنفع من الحماسة التي يلهج الناس بها، وأخذوا أولادهم بحفظها فإنَّ (الحماسة) لايُستفاد منها أكثر من الترغيب في الشجاعة والضيافة وشيء يسير من الأخلاق في الباب المسمّى بباب الأدب والتأنس بالمذاهب الشعرية. وهذا الكتاب يُستفاد منه هذه الخصال المذكورة، ويُستفاد منه قواعد السياسة، وأدوات الرياسة. فهذا فيه ما في الحماسة وليس في الحماسة ما فيه»(40). ولم يكن الشعر(كتاب الحماسة) هو الأنموذج المتدني قياساً إلى كتاب (الفخري) وإنما كان هناك أنموذج آخر متدنٍ يذكره الفخري وهو (المقامات)، إذ يقول عن كتابه:» وهو أيضاً أنفع من (المقامات) التي الناس فيها معتقدون، وفي تحفظها راغبون؛ إذ المقامات لا يُستفاد منها سوى التمرن على الإنشاء والوقوف على مذاهب النظم والنثر.نعم ، وفيها حكم وحيل وتجارب إلا أنَّ ذلك مما يصغر الهمة؛ إذ هو مبني على السؤال والاستجداء والتحيل القبيح على النزر الطفيف، فإن نفعت من جانب، ضرت من جانب»(41).
وقد كانت وظيفة الأدب النفعيّة الصادرة عن البلاغة السلطانيّة والأدب السلطانيَّ هي المعيار الذي جعل ابن الطقطقيَّ لا يعتد بأظهر كتابين رآهما في عصره وهما (الحماسة) والمقامات إذ إنَّ النص المعتمد في كتاب(الحماسة) هو باب الأدب الذي تُستفاد منه الأخلاق. أمّا المقامات فإنها تخلو من هذه الوظيفة النفعيّة التي قد تكون شرعيّة أو تعليميّة أو تربوية أو أخلاقيّة تهذيبيّة»(42) وتأسيسًا على ذلك لا يتبقى منها سوى الوظيفة الجماليّة والتمرن على الإنشاء، والوقوف على مذاهب النظم والنثر. وهذه الوظيفة لاتعني شيئاً عند ابن الطقطقيَّ. وابن الطقطقيّ (العلويّ الشيعيّ) يقترح على المتلقي عوض الاستغراق في قراءة الحماسة والمقامات أن ينشغل بقراءة كتابين آخرين هما )نهج البلاغة) و(اليميني) للعتبي.(43)
يقول ابن الطقطقيَّ» وبعض الناس تنبهوا على هذا من المقامات الحريرية والبديعيّة فعدل الناس إلى (نهج البلاغة) من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه الكتاب الذي يُتعلم منه الحكم، والمواعظ، والخطب والتوحيد والشجاعة والزهد وعلو الهمة وأدنى فوائده الفصاحة والبلاغة ، وعدل الناس إلى (اليمينيّ) للعتبيّ. وهو كتاب صنفه مؤلفه ليمين لدولة محمود بن سبكتكين يشتمل على سير جماعة من الملوك بالبلاد الشرقية، عبّر فيها بعبارات حظها من الفصاحة وافر، وصاحبها إن لم يكن ساحراً فهو كاتب ماهر، والعجم مشغوفون به مجدون في طلبه»(44).
  إذن لدينا كتابان هما (نهج البلاغة) وهو أنموذج البلاغة الأعلى بالنسبة لعلوي شيعي والكتاب الآخر هو (اليميني) وهوسيرة موضوعية لأحد السلاطين أي بلاغة سلطانية. ولعلَّ ابن الطقطقي كان يحاول من خلال إدراجه الكتاب الآخر (اليميني) أن يخطب ود السلطة الحاكمة آنذاك(دولة الغزنويين)(45).
غيّب النقاد العرب القدامى السيرة الشعبيّة فلم يؤثر عنهم أنهم أفردوا أبواباً أو فصولاً من مصنفاتهم للحديث عنها. وقد أشار ابن الأثير(ت 637هـ) إلى وجود أدب الملاحم عند الفرس وغيابه عند العرب على الرغم من تميز لغتهم بالثراء والغنى الدلالي. يقول ابن الأثير:»وعلى هذا فإني وجدتُ العجم يفضلون العرب في هذه النكتة المشار إليها، فإنَّ شاعرهم يذكر كتاباً مصنفاً من أوله إلى آخره شعراً، وهو شرح قصص وأحوال، ويكون مع ذلك في غاية الفصاحة والبلاغة في لغة القوم، كما فعل الفردوسيَّ في نظم الكتاب المعروف بشاه نامه، وهو ستون ألف بيت من الشعر، يشتمل على تاريخ الفرس، وهو قرآن القوم، وقد أجمع القوم وفصحاؤهم على أنه ليس في لغتهم أفصح منه، وهذا لايوجد في اللغة العربيّة على اتساعها وتشعب فنونها وأغراضها ، وعلى أنَّ لغة العجم بالنسبة إليها كقطرة من بحر»(46).
ولانجد عند نقاد العصر المملوكيَّ ومؤرخيه، وهو العصر الذي ازدهرت فيه هذه السير الشعبيّة العربيّة ازدهاراً كبيراً أية إشارة إلى نشوء هذه السير وتشكلاتها السردية. وتبرز عند هؤلاء النقاد عناية كبرى بالبلاغة الرسميّة والأدب السلطانيّ ممثلاً في المكاتبات والكتابة الإنشائيّة(الديوانيّة)، ونجد ذلك الاهتمام  عند شهاب الدين الحلبيّ(ت725هـ) والقلقشنديّ (ت821هـ) وغيرهم.
ونستثني من هؤلاء النقاد ابن خلدون(ت 808هـ) الذي تحدّث عن بني  هلال وهجرتهم الكبرى من جزيرة العرب إلى بلاد الغرب الإسلاميَّ «تونس». يقول ابن خلدون في حديثه عن الجازية الهلالية»إنَّ بني هلال يتناقلون من أخبرها... ويروون كثيراُ من أشعارها محكمة المباني، متفقة الأطراف، وفيها المطبوع والمنتحل والمصنوع، ولم يفقد فيها من البلاغة شيء، وإنما أخلوا فيها بالإعراب فقط، ولامدخل له في البلاغة... إلا أنَّ الخاصة من أهل العلم بالمدن يزهدون في روايتها ويستنكفون عنها لما فيها من خلل الإعراب، ويحسبون أنَّ الإعراب هو أصل البلاغة، وليس كذلك، وفي هذه الأشعار كثير دخلته الصنعة، وفقدت فيه صحة الرواية فلذلك لايوثق به، ولو صحت روايته لكانت فيه شواهد بأيامهم ووقائعهم مع زناتة وحروبهم، وضبط لأسماء رجالاتهم وكثير من أحوالهم.لكنا لانثق بروايتها.»(47)

أسباب تغييب النقاد العرب القدامى للقص بصورة عامة ومنها السير الشعبيّة العربيّة:
تشكّلت النصوص في الثقافة العربيّة الإسلاميّة بوصفها نصاً ثقافياً منفتحاً على آليات متعددة منها السياسيَّ، والمعرفيَّّ، والدينيَّ، والجماليَّ، والمهمش. وحظيت بعض النصوص بوصف النص المعتمد في حين بقيت نصوص أخرى خارج الثقافة الرسميّة.
تناولت ألفت كمال الروبيّ الموقف من القص في تراثنا النقديّ مركزة على الملاحظات النقديّة التأسيسيّة لهؤلاء النقاد والشراح اللغويين لبيان تصورهم عن القص بوصفه جنساً مستقلاً عن الأجناس الأدبية النثرية الأخرى للقصصين الشفاهيَّ والمكتوب، ومن خلال زوايا ثلاث رئيسية أولها النص القصصيّ والواقع، وثانيها النص القصصيّ بوصفه قولاً لغوياً سردياً والزاوية الثالثة هي مكانة القص وأهميته(48).
وقد تعرضنا لموقف البلاغيين والنقاد العرب القدامى من القصص ومن السيرة الشعبيّة العربيّة، وهو تغييب هذه الأنواع السردية المهمة رغم انتشارها ورواجها بين المتلقين على اختلاف طبقاتهم من الخاصة والعامة. ووراء موقفهم هذا طائفة من الأسباب منها اللغويّ، ومنها الثقافيّ.

- العامل اللغويّ:
ربّما كانت لغة السيرة الشعبيّة العربيّة المهجنة بين الفصحى والدارجة الشعبيّة سبباً في  إدراجها ضمن نتاجات العامة التي لا ينبغي أن تكون موضع ومحط تركيز للنخبة والصفوة الثقافيّة؛ فقد اتخذت السير الشعبيّة العربيّة ذات المتون الضخمة لهجات المناطق العربيَّة التي تداولتها شفاهياً؛ فسيرة أبي زيد الهلاليّ على سبيل المثال نجدها تُروى بلهجة مصرية صعيدية، وتُروى كذلك بلهجات عربيّة أخرى كاللهجة النجديّة واللهجات الشاميّة والتونسيّة وغيرها(49).
لانستطيع إرجاع السبب الأوحد لتغييب هذه المرويات إلى كتابتها بلغة أدنى من اللغة العربيّة الفصحى؛ فقد همش النقاد العرب القدامى القصص العربيّ القديم الذي كُتِبَ بعضه بلغة عربيَّة فصحى نخبوية وخاصة «كليلة ودمنة» ومقامات الهمذانيّ ومقامات الحريريّ التي تكلف في صناعتها أسلوبياً. ورغم ذلك فإنَّ « هذا القصص لم يذكر في إشارات هؤلاء النقاد  إلا  لبيان مناحيه اللغوية كما هو الحال في مقامات البديع والحريريَّ أو لبيان مناحيه الوعظيّة الاعتباريّة في ارتباطه بالمنظومة الأخلاقيّة صدق/كذب لدى  شراح أرسطو من العرب  مثل ابن سينا(ت 428هـ)، وابن رشد (ت 595هـ)، وحازم القرطاجنيَّ (ت 648هـ)، وذلك في تناولهم للحكاية الوعظيّة الأليجورية الرمزية «كليلة ودمنة»(50).
نستعرض هنا رأي الناقد فرج بن رمضان الذي بيّن أنَّ هامشية القصص في الأدب العربيّ القديم لاتعود إلى العامل اللغويّ فقط. يقول بن رمضان(51):» وبناء على هذا كله يمكن القول في ما يشبه الاطمئنان إنَّ المدخل الذي منه تأصَّل حضور الشعر في منظومة النقد العربيَّ القديم هو نفسه البوابة التي منها طرد القصص وقُدِرَ له أن يتنزل في وضعيته الهامشيَّة. ويبدو أنَّ هذه العملية قد  نجمت عن تظافر عاملين مختلفين في الظاهر متحدين متكاملين في الحقيقة أحدهما ذو صبغة معرفيَّة أدبيَّة أو هكذا يبدو على الأقل والآخر ذو صبغة إيديولوجيّة سافرة كما سنرى. فأمَّا الأول فصورته أنَّ القصص إنما أُقصي من دائر الاهتمام لأنَّه لا يستجيب لمواصفات النموذج الذي أفرزه أو اقتضاه عصر التدوين إذ أن الجزء الأوفر من الرصيد القصصيَّ القديم «مكتوب» في لغة غير فصيحة في المعنى الذي حدّده علماء اللغة لهذه العبارة، والذي بمقتضاه تتطابق صفتا الفصاحة والبداوة على نحو ما يتمثل ذلك في الشعر الجاهليَّ مما يجعله بالتالي غير صالح ليكون مرجعاً في جمع اللغة وحفظها وتقنينها. هذا فضلاً عن ضعف الرصيد القصصيَّ الجاهليَّ أو انعدامه جملة مما يجعل القصص عارياً من أحد الأبعاد الرئيسيّة التي ساهمت في نحت النموذج الأدبيَّ في عصر التدوين وهو البعد التراثيّ الرمزيّ. ومهما يكن لهذا السبب من دور لاشك فيه، حسبنا أن نذكر في إبراز بعض آثاره بما لايزال سائداً في الكثير من الأوساط من تحفظ في إضفاء صفة الأدبيّة على ألف ليلة وليلة وماكان من جنسها من نصوص القصص الشعبيَّ بدعوى أن لغتها ليست لغة أدبية، مهما يكن ذلك فإنَّ هذا السبب لا يكفي لتفسير ما لحق فن القصص على اختلاف أشكله وتباين سجلاته اللغوية من ضيم وإقصاء. وإلا فكيف نفسر بقاء القصص هامشياً في منظومة النقد العربيَّ رغم أنَّ جزءاً غير يسير منه فصيح اللغة مشهود لأصحابه على أية حال بصفة الأدب معترف لهم بالقدرة على التصرف في فنون القول كما هي الحال بالنسبة إلى ابن المقفع والجاحظ والمعريّ والهمذانيّ والحريريّ وغيرهم . نعم إنًَّ المقامة قد حظيت من بين أشكال القصص القديم بوضعية استثنائيّة ولكنها تمثل حقاً الاستثناء الذي يؤكد القاعدة السابقة؛ أي قاعدة طغيان المرجعيّة اللغوية في التعامل مع الظاهرة الأدبيّة عموماً. فالمقامة حظيت بما حظيت به من عناية بعد أن اختزلت هي الأخرى في بعدها اللغويَّ التعليميَّ دون سواه، وليس من شك في أنَّ هذه النظرة قد ظلت مسيطرة على الكتاب والنقاد على السواء حتى فجر النهضة الحديثة، ولعلّها كانت كما  يرى محمد يوسف نجم من أهم الأسباب التي ساهمت في إفشال تجربة إحياء المقامة في العصر الحديث».

- العامل الديني:
القص والسلطة الدينيّة:كتب التحذير من القصاص في مقابل رواج القص الشعبيّ:
ميّز ابن الجوزيّ (ت 597هـ) بين ثلاثة أصناف في فن القص، فهناك القصص والتذكير والوعظ فيُقال قاص ومذكر وواعظ. وحاول ابن الجوزيّ أن يبرز الفوارق الدلاليّة بين هذه المعاني الثلاثة. فقد جعل القص مقصوراً على اتباع القصة الماضية بالحكاية عنها والشرح لها . وأمّا التذكير فهو تعريف الخلق نعم الله عز وجل وحثهم على شكره وتحذيرهم من مخالفته. وأمّا الوعظ فهو تخويف يرق له القلب(52). وعلى الرغم من هذه المحاولة للتحديد إلا أنَّ ابن الجوزيّ يصرح بأنَّ اسم القاص أصبح عاماً للأحوال الثلاثة، ولعلَّ ذلك يعود إلى تخليط الناس بين هذه الأحوال»فكانوا يطلقون على الواعظ اسم القاص، وعلى القاص اسم المذكر»(53). وابن الجوزيّ الذي كان واعظاً نظر إلى القص والقاص نظرة أخلاقية دينية تقرنه بالكذب، وتجعله والأحاديث الموضوعة المفتراة على النبي صلى الله عليه وسلم سيان. وقد أورد ابن الجوزيّ تسمية أخرى للقاص هي (العمالقة)(54). ويشير ابن الأخوة محمد بن محمد بن أحمد القرشيّ (ت 729هـ) إلى أنَّ الفقهاء والمتكلمين والأدباء والنحاة يسمون أهل الذكر والوعظ قصاصاً(55). وإذا كان مصطلح (القص) لم يتحدد عند ابن الأخوة، وظلَّ الوعظ والتذكير مرادفين للقصص فإنَّ تاج الدين عبدالوهاب السُبكي(ت 771هـ) في كتاب الحسبة(معيد النعم ومبيد النقم) يميز القاص ووظيفته» فالقاص هو من يجلس في الطرقات يذكر شيئاً من الآيات والأحاديث وأخبار السلف. وينبغي له ألا يذكر إلا ما يفهمه العامة ويشتركون فيه: من الترغيب في الصلاة، والصوم وإخراج الزكاة والصدقة، ونحو ذلك ولا ينكر عليهم شيئاً من أصول الدين وفنون العقائد وأحاديث الصفات فإنَّ ذلك يجرهم إلى ما لا ينبغي»(56). أي أنَّ معرفة القاص يجب أن تراعي المتلقي العام فتقدم المعرفة الدينيّة في صورة مبسطة بعيدة عن مناقشة الأصول العقائدية التي جرت عدداً كبيراً من القصاصين إلى الخلط واللبس والتلبيس. ويميز السُبكي بين نوعين من القصاص انطلاقاً من المكان الذي يجري فيه القص، فلدينا (قارئ الكرسي) وهو من يجلس على كرسي يقرأ على العامة شيئاً من الرقائق والحديث والتفسير فيشترك هو والقاص في ذلك ويفترقان في أنَّ «القاص يقرأ من صدره وحفظه ويقف وربمّا جلس ولكن جلوسه ووقوفه في الطرقات، وأمّا قارئ الكرسي فيجلس على كرسي في جامع أو مسجد أو مدرسة أو خانقاه ولا يقرأ إلا من كتاب».(57)
 وقد تبنى جلال الدين السيوطيّ(ت 911هـ) التفرقة التي أوردها ابن الجوزيّ بشأن أصناف القص الثلاثة(58).
وشكّل كذب القصاص وافتراؤهم بالأحاديث الباطلة محوراً لمقامة من مقامات السيوطيّ أسماها مقامة (تُسمى بالفتّاش على القُشّاش) حذَّر فيها من الكذب مستنداً إلى المرجعية الدينيّة(ا الحديث النبوي الشريف)، كما حشد في مقامته هاته طائفة كبيرة من الأبيات المنذرة للقصاص المارقين بسوء العذاب منها:(59)
غدا القصاصُ في ذلٍ وسحق
         ومرجعه إلى نار السعيرِ
على الموضوعِ لما قد رواه
                  وردَّ عليه ذو العلم الغزيرِ
 فلاعجبٍ لجهال هوته
                فمنه القصُ مصلح للحميرِ
ونكاد نجد عند ابن الجوزيَّ(ت 597هـ) صياغة نظرية لموقف الإسلام من القص؛ فقد صنّف هذا الفقيه الحنبليّ مؤلفات عدة تناولت القصاصين لعلَّ من أظهرها كتاب(القصاص والمذكرين)و(تلبيس إبليس) و(صيد الخاطر)(60). وتبرز أصالة ابن الجوزيَّ في كون التالين له من الفقهاء ومصنفي كتب الحسبة لم يتجاوزوا أصناف القصاص الثلاثة التي جاءت في كتاب(القصاص والمذكرين)، وأحسب أن كون ابن الجوزيّ واعظاً ومذكراً(61) قد أسهم بصورة كبيرة في توظيف الحديث النبويَّ والموروث السلفيَّ النقليَّ من أقوال الصحابة والتابعين في بلورة رؤيته الدينيّة للقص. ولم تتسامح هذه الرؤية أبداً في شروط الحديث الصحيح ومواضعاته. ولهذا فإنَّ اتكاء بعض القاصين واستعارتهم للإسناد الشرعيَّ قد قوبل بهجوم عنيف من الفقهاء أي فقهاء السنة. وأورد الخبر التالي لبيان كيف تعامل هؤلاء الفقهاء مع القاص الذي لا يتورع عن إيراد إسناد وهميّ»صلى  أحمد بن حنبل ويحي بن معين في مسجد الرصافة فقام بين أيديهم قاص فقال : حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قالا: ثنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال : لا إله إلا الله ، خلق الله تعالى له من كل كلمة منها طائراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان. وأخذ في قصه نحواً من عشرين ورقة فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن معين ويحيى ينظر إلى أحمد بن حنبل فقال : أنت حدثته بهذا ؟ فقال : والله ما سمعت بهذا إلا هذه الساعة قال :فسكتنا جميعاً حتى فرغ من قصصه. وأخذ القُطيعات ثم قعد ينتظر بقيتها فقال له يحيى بن معين بيده: تعال فجاء متوهماً لنوال يجيزه فقال له: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: « أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فقال : أنا يحيى بن معين وهذا أحمد بن حنبل ما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله فإن كان لابد والكذب فعلى غيرنا فقال له: أنت يحيى بن معين؟ قال : نعم قال : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق ما تحققته إلا الساعة. فقال له يحيى بن معين: كيف علمت أني أحمق؟ قال : كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما. قد كتبت في سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين فوضع أحمد كمه على وجهه وقال : دعه يقوم فقام كالمستهزئ بهما (62).  وما جرى بين سليمان بن مهران الأعمش وبين أحد القصاصين يقترب كثيراً من الخبر السابق» يذكر أنه دخل البصرة فنظر إلى قاص يقص في المسجد فقال: حدثنا الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي وائل. فتوسط الأعمش الحلقة، وجعل ينتف شعر إبطه فقال له القاص: ياشيخ ألا تستحي؟ نحن في علم وأنت تفعل مثل هذا! فقال الأعمش: الذي أنا فيه خير من الذي أنت فيه. فقال: كيف؟ قال : لأني في سنة وأنت في كذب، أنا الأعمش ما حدثتك ما تقول شيئاً(63).»
وهذان الخبران يؤشران إلى تعاظم سلطة القاص الناشئة وإلى استهانة هؤلاء القصاص بالمرجعيّة الدينيّة النقليّة واستخفافهم بها. وهذا يؤكد أنَّ القصاص كانوا يعتمدون على المتلقي العام، ويحرصون على تلقيه أحاديثهم بعيداً عن أية سلطة معرفيّة أو دينيّة. ولهذا لم يتورع القاصان في هذين الخبرين عن نسبة أحاديثهما إلى يحيى بن معين وأحمد بن حنبل والأعمش في حضورهم جميعاً.
وقد انتبهتْ السلطة منذ وقت مبكر على وظيفة القاص، ولذلك أرادت أن تنضوي هذه الوظيفة في سياقها وليس خارجاً عنها. فقد أجاز علي بن أبي طالب(كرم الله وجهه) قاصاً عندما تبيّن له ورعه وتقواه من أحاديثه التي كان يحدث الناس بها « كان علي بن أبي طالب يدخل السوق وبيده الدِّرة، وعليه عباءة قطواني قد شُق وعفت حاشيتاه يقول : يا أيها التجار خذوا الحق، وأعطوا الحق تسلموا، لا تردوا قليل الربح، تحرموا كثيره، ونظر إلى رجل يقص فقال له: أتقص ونحن قريبو عهد برسول الله؟ لأسألنك فإن أجبتني وإلا خفقتك بهذه الدِّرة. ماثبات الدين وزواله؟ قال : أمّا ثباته فالورع وأمّا زواله فالطمع قال : أحسنت فقص فمثلك فليقص»(64).  وفي حين كان رد علي بن أبي طالب على القاص الجاهل الذي لايعرف الناسخ والمنسوخ أنه قال له: هلكت وأهلكت(65).
وقد استند ابن الجوزي إلى هذه الرؤية الدينيّة في تحديد مواصفات القاص وهي(66):
- لا ينبغي أن يقص على الناس إلا العالم المتقن فنون العلوم لأن يُسأل عن كل فن، فإنَّ الفقيه إذا تصدّر لم يكد يُسأل عن الحديث، والمحدث لا يكاد يُسأل عن الفقه، والواعظ يُسأل عن كل علم فينبغي أن يكون كاملاً.
- وينبغي للواعظ أن يكون حافظاً لحديث رسول الله عارفاً بصحيحه وسقيمه ومسنده ومقطوعه ومعضله، عالماً بالتواريخ وسير السلف، حافظاً لأخبار الزهاد فقيهاً في دين الله، عالماً بالعربيّة واللغة، فصيح اللسان مدار ذلك كله على تقوى الله عزو وجل وإنه بقدر تقواه يقع كلامه في القلوب.
- ينبغي أن يقصد وجه الله تعالى بوعظه.
- ينبغي للواعظ أن يترك له فضول العيش ويلبس متوسط الثياب ليُقتدى به.
- لايقص إلا بإذن أمير.
وتشكل ثقافة القاص من منظور ابن الجوزيّ روافد اتباعيّة قائمة على الاقتداء بالسلف الصالح، والمعرفة النقليّة عند القاص تعضدها المعرفة السياسيّة التي تجعل القاص مُستوعَباً في خطاب السلطة. أمّا من يتصدى للقص ويخرج عن هذه الثقافة الشرعيّة والرؤية العالمِة للقص فإنه سيكون مقصياً ومنضوياً في مصاف العوام وثقافة الهامش. وسيتبع التالون لابن  الجوزيّ هذه الثقافة النخبوية؛ فابن السُبكي يحدد مصادر القاص في قوله»لابأس بقراءة إحياء علوم الدين للغزاليَّ وكتاب رياض الصالحين والأذكار للنوويّ وكتاب سلاح المؤمن في الأدعية لابن الإمام وكتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام للشيخ الإمام الوالد، وكتب ابن الجوزيَّ في الوعظ لا بأس بها ولايخفى ما يحذر منه هؤلاء من كتب أصول الديانات ونحوها».(67)
يعود موقف السلطة من القص والقاص عند ابن الجوزي للأسباب الستة الآتية(68):
 - أمّا أولها: فإنَّ القوم كانوا على الاقتداء والاتباع، فكانوا إذا أرادوا ما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكروه حتى إنَّ أبابكر وعمر لما أرادا جمع القرآن قال زيد «أتفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- وثانيهما: أنَّ القصص لأخبار المتقدمين تندر صحته خصوصاً ما يُنقل عن بني إسرائيل، وفي شرعنا غنية. وقد جاء عمر بن الخطاب بكلمات من التوراة إلى رسول الله. فقال له: عنك ياعمر. خصوصاً إذ قد علم ما في الإسرائيليات من المحال، كما يذكرون أنَّ داود عليه السلام بعث أوريا حتى قتل وتزوج امرأته، وأنَّ يوسف حلَّ سراويله عند زُليخا. ومثل هذا محال تتنزه الأنبياء عنه فإذا سمعه الجاهل هانت عنده المعاصي وقال: ليست معصيتي بعجب.
- وثالثهما : أنَّ التشاغل بذلك يشغل عن المهم من قراءة القرآن ورواية الحديث والتفقه في الدين.
- ورابعها: أنَّ في القرآن من القصص وفي السنة من العظة ما يكفي عن غيره مما لا يتيقن صحته.
- وخامسها: أنَّ أقواماً ممن كان يدخل في الدين ما ليس منه قصوا فأدخلوا في قصصهم ما يفسد قلوب العوام.
- وسادسها: أنَّ عموم القصاص لا يتحرون الصواب، ولا يحترزون من الخطأ لقلة علمهم وتقواهم فلهذا كره القاص من كرهه.
ولعلَّ خروج القصاص في عهد ابن الجوزيَّ عن هذه المرجعيّة العلميّة الموضوعيّة هو الذي أثار استياء ابن الجوزيَّ؛ فالنص القصصيّ ينبغي أن يلتزم بما جاء في القرآن والسنة النبوية. وتشكُل نصوص القص بمعزل عن هذه المطابقة الحرفية لا يُنظر إليه على أنه تشكل للعجائبيَّ في سياقات إبداعيّة وإنما يُنظر إليه على أنه ثقافة العوام الدنيا. فبعد أن كان الحضور في مجالس القاص للمميزين من الناس» تعلّق بهم، أي بالقصاص العوام والناس فلم يتشاغلوا بالعلم وأقبلوا على القصص وما يعجب الجهلة، وتنوعت البدع في هذا الفن»(69). وفصّل ابن الجوزيّ الحديث في هذه المجالس و متلقيها. ويشكل قصاصو العامة عند ابن الجوزيّ مصدراً من مصادر الوضع في الحديث النبوي الشريف. ويبين ابن الجوزيّ أنَّ قص هؤلاء يندرج في نمطين شفاهيّ وكتابيّ. وهو موجه إلى فئة معينة من المتلقين، الثقافة غير العالمِة(ثقافة العوام). يقول ابن الجوزيّ»: وهذا فن يطول وأكثر أسبابه أنه قد  تعانى بهذه الصنعة جُهال بالنقل يقولون ما وجدوه مكتوباً، ولايعلمون الصدق من الكذب، وفيهم كذّابون يضعون الأحاديث على ما سبق ذكره فهم يبيعون على سوق الوقت واتفق أنهم يخاطبون الجهال من العوام الذين هم في عداد البهائم فلايذكرون ما يقولون ويخرجون فيقولون: قال العالم:» فالعالم عند العوام من صعد المنبر»(70). ويشكل تحوير القصة القرآنية جانباً من تشكل القص العجائبيَّ عند هؤلاء القصاص. فهم يعتمدون سلسلة إسناد وهمية لبيان شرعية نصهم وإيهام المتلقي أنه داخل في حيز النص(الثقافة العالمِة). وقد أورد ابن الجوزيَّ بعضاً من أحاديثهم هذه. إذ يقول:»أخبرنا المبارك بن أحمد قال : ثنا ابن مرزوق قال :أنا أبوبكر الخطيب قال :أنا محمد بن أحمد بن حسنون قال : أنا عبدالوهاب بن محمد بن الحسين قال : أنا العبّاس بن إسحاق بن موسى الأنصاريّ قال : أنا محمد بن يونس الكديمي، قال : كنت بالأهواز فسمعت شيخاً يقص فقال : لما زوّج النبي صلى الله عليه وسلم علياً أمر شجرة طوبى أن تنثر اللؤلؤ الرطب يتهاداه أهل الجنة بينهم في الأطباق فقلت له: ياشيخ هذا كذب على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فقال: ويحك اسكت حدثنيه الناس. قلت: من حدثك؟ قال: حدثني يمان النجرانيّ عن حفص التستريّ عن وكيع بن الجرّاح عن عبدالله بن مسعود عن الأعمش عن عطاء عن ابن عبّاس»(71).
 وقد ضمّن جلال الدين السيوطيَّ(ت911هـ) كتابه(تحذير الخواص من أكاذيب القصاص) جانباً كبيراً من مادة كتاب(القصاص والمذكرين) لابن الجوزيَّ وكتاب(الباعث على الخلاص من حوادث القصاص)للحافظ العراقيَّ (ت 806هـ). ولايخرج الفصل الذي عقده للحديث عن إنكار العلماء قديماً على القصاص ومارووه من الأباطيل وسفه القصاص عليهم وقيام العامة مع القصاص بالجهل، واحتمال العلماء ذلك في الله، عن الرؤية الدينيّة التي أنكرت مادة القص العجائبيَّ وعدتها بدعة باطلة(72).
 وأمّا فيما يتصل بالسيرة الشعبيّة فقد أصدر أحمد بن حنبل (ت 241هـ) فتواه الشهيرة «ثلاثة لا أصل لها: السير والملاحم والمغازي»(73). وسنجد مثل هذه الفتوى عند ابن كثير(ت774هـ) في تعليقه على أحاديث البطّال(74).
   كما أنَّ الونشريسيَّ(ت 914 هـ) وهو أحد فقهاء الغرب الإسلاميَّ أورد فتوى ابن قداح عن كتب الخرافات والشعوذة»إذ سُئِلَ بعضهم عن كتب السخفاء والتواريخ المعلوم وكذبها كتاريخ عنترة ودلهمة والهجر والشعر...ونحو ذلك، هل يجوز بيعها أم لا فأجاب لا يجوز بيعها ولا النظر فيها. وأخبر الشيخ أبو الحسن البطرنيَّ أنه حضر حلقة فتوى ابن قداح. فسُئِلَ عمن يسمع حديث عنترة هل تجوز إمامته؟ فقل : لا تجوز إمامته ولاشهادته. وكذلك حديث دلهمة لأنهما كذب ومستحل الكذب كاذب. وكذلك كتب الأحكام للمنجمين، وكتب العزائم بما لايعرف من الكلام»(75). والجامع بين هذه الفتاوي الثلاث هو وصف السير بالكذب والاختلاق والافتراء؛ أي أنها تعني الأباطيل التي لا أصل لها. وبذلك تتساوى مع كتب الشعبذة والدجل والتنجيم. وهو حكم قيمة لايختلف عن الحكم الذي أصدره ابن لُبابة(ت330هـ)، وهو أحد فقهاء الغرب الإسلاميَّ أيضاً بشأن المقامات.إذ أصدر ابن لُبابة فتوى في القرن الرابع للهجرة «بمنع حلب الأنعام بفناء المسجد لتزبيلها وضرر غبارها بالمسجد. وأجاز الشيوخ قراءة الحساب بالمسجد إذا لم يلوث، وإعراب الأشعار الستة بخلاف قراءة المقامات لما فيها من الكذب والفحش! وكان ابن البر إمام الجامع الأعظم بتونس لا يرويها إلا بالدويرة إذ ليس للدويرة حكم الجامع!»(76)
   
الخوف من المتخيَّل في الثقافة العربيّة الإسلاميّة:
كان للنزعة العقليَّة الصارمة التي صدر عنها المعتزلة إلى جانب الرؤية الفقهيّة والوعظيّة التي ميّزت كتب التخويف من القصاص(كتاب ابن الجوزيَّ على سبيل المثال) الدور الأكبر في إقصاء المتخيّل السرديَّ وتغييبه وخاصة المتخيَّل الديني الذي لا يتطابق مع القرآن الكريم والحديث الصحيح؛ أي المتخيَّل الذي يندرج ضمن ما اصطلح عليه بالأحاديث الموضوعة المختلقة.
ويذكر الناقد جمال الدين بن الشيخ في حديثه عن الثقافة العربيّة وتغييب المتخيّل أنَّ» المتخيّل ظل َّ دائماً «مشبوهاً» في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، والمسلم محدّد سلفاً بإيديولوجيته ومتخيّله، مقنّن بتلك الإيديولوجيا التي تقدم أجوبة عن كل شيء، حتى عن الأحلام نجد أجوبة من علماء الفقه والحديث»(77). وهذا التسليم يوجد مشكلة «ثقافة العلماء» والثقافة الشعبيّة مما يدخل نصوصًا عدة تشكّلت في هذه الثقافة في إطار الثقافة الشعبيّة غير المعترف بها مثل كتب العجائب والغرائب وكتب المعراج وقصص الأنبياء والحديث الموضوع وغيرها(78).

الأنسـاق الثقافية المضادة: (بلاغة المقموعين والتمثيلات الثقافيّة):   
  على الرغم من سطوة الأحكام التي شكّلتها السلطتان السياسيّة والدينيّة تجاه القص العجائبيّ إلا أنَّ هذا القص لم يمتثل لتلك الأحكام وكان حضوره بارزاً في النصين الشفاهيّ والكتابيّ. ويزودنا ابن النديم بطائفة كبيرة من القصص العجائبيّة التي راجت رواجاً منقطع النظير في عصره، أي القرن الرابع للهجرة(79). ولانقع في المصادر النقدية القديمة على بيان وافٍ بمادة القصص العجائبيّ سوى بعض الشذرات المتناثرة التي لاتفيد في تصوّر بناء مكتمل لهذه المادة. والمفارقة أنَّ بعض  الإشارات الأوليّة لتشكلات العجائبيَّ لا نجدها سوى في الكتب الدينيّة التي جعلت هذا القص من باب المحظور. ففي «تأويل مختلف الحديث» لابن قُتيبة(ت 276هـ) ذكر لمواد بعض القصص العجائبيَّ. يقول ابن قُتيبة:» والحديث يدخله الشوب والفساد من وجوه ثلاثة منها:  الزنادقة واحتيالهم للإسلام، وتهجينه بدس الأحاديث المستشنعة والمستحيلة. والوجه الثاني : القصاص على قديم الأيام فإنهم يميلون وجوه العوام إليهم،  ويستدرون ما عندهم بالمناكير والغريب والأكاذيب من الأحاديث، ومن شأن العوام القعود عند القاص، ما كان حديثاً عجيباً، خارجاً عن فطر العقول، أو كان رقيقاً يحزن القلوب ويستغزر العيون. فإذا ذكر الجنة قال فيها الحوراء من مسك أو زعفران، وعجيزتها ميل في ميل.
 وأمّا الوجه الثالث الذي يقع فيه فساد الحديث، فأخبار متقادمة كان الناس في الجاهلية يروونها تشبه أحاديث الخرافة كقولهم إنَّ الضب كان يهودياً عاقاً فمسخه الله تعالى ضباً، ولذلك قال الناس»أعق من ضب»، وكقولهم في الهدهد «إن أمه ماتت فدفنها في رأسه فلذلك أنتنت ريحه»(80)
وجعل ابن قُتيبة القص الشفاهيَّ الذي كان يقوم به قصاصو العامة مصدراً من مصادر الوضع في الحديث النبويّ إلى جانب أحاديث الزنادقة الموضوعة والأحاديث الشبيهة بالخرافة. وأول موضوعات قصاصي العامة هو القصص القرآنيَّ الذي أخضعوه لتحويل نصيّ كبير أخرجه من حيز العظة والاعتبار والمبالغة وتجاوز حدود المعقول. والنوع الثاني من القصص الشفاهيّ هو أحاديث شبيهة بالخرافة، ونستطيع أن نطلق عليها تسمية الحكايات التعليليّة(التفسيرية) التي توضح بعض ظواهر الطبيعة. وهو نوع أرجعه ابن قتُيبة إلى زمن الجاهلية. ولم يتعامل ابن قٌتيبة مع هذه الأحاديث بوصفها نشاطاً إبداعياً وإنما نظر إليها وفق نظرته الدينّية على أنها أكاذيب وأباطيل. فهو يعتمد على سلسلة إسناد شرعيّة تعود إلى الحسن تؤكد كذب حديث عوج، وهذا ينطبق على نظرته لسائر الحكايات التعليليّة الأخرى التي أوردها.
وفي حين حاول النص الفقهيَّ إقصاء السيرة الشعبيّة عن مفهوم النص فإنَّ النص الإبداعيَّ احتفى بالسيرة الشعبيّة احتفاء كبيراً. فقد ولع الأندلسيون بقصة عنترة ومغامراته. وكان القصاص يستخدمونها وسيلة لكسب المعاش، ولذلك التمس عمر الزجّال المالقيَّ في مقامته(الساسانيَّة) عن شيخه أبي النصال أن يجيزه رواية «خرافات عنتر» وغيرهما من المحفوظات التي تصلح للتكسب فيقول له مخاطباً(81):   
ألا فاجزني يا إمام بكل ما
           رويت لمدغليس و لابن قزمان
ولانتسَ للدباغ نظماً عرفته
            فإنكـمـا في ذلـك النظـم سيّان
ومزدوجات ينسبون نظامها
                إلى ابن شجاع في مديح ابن بطّان
وألمم بشيء من خرافات عنتر
                وألمــع ببعـض من حكايات سوسان
   
يذكر محمود إسماعيل في كتابه(المهمشون في التاريخ الإسلاميّ) أنَّ للعامة في الثقافة العربيّة الإسلاميّة في العصور الوسطى أدبهم الخاص الصادر عنهم؛ فمشاهير المعتزلة كانوا من أهل الحرف والصناعات والمشتغلين بالتجارة، وللعوام أيضاً أدب نضاليَّ جهاديَّ يعانق قيم الدين وفضائل الفروسية لكن من أسف أنَّ معظمه عصفت به أيدي  التخريب والحرق. ولهم أيضاً أدب شعبيّ عُرِفَ باسم «أدب الزهد والرقائق»، كما أبدعوا «أدب الفتوة»، والحكايات الشعبيّة، والسير الشعبيّة(82).

المرويات السيرية الشعبيّة واختلاق التاريخ الثقافيَّ:
 أُنتِجَتْ السير الشعبيّة العربيّة وتشكّلت في سياقات سياسيّة وحضارية لها خصوصيتها. والعصر المملوكيَّ هو العصر الذي شهد تشكّل السير الشعبيّة العربيّة المدوَّنة عرف اهتزازات وتحولات حضارية وسياسيّة كبرى حوّلت العربي َّمن حاكم لنفسه إلى محكوم خاضع لغيره، ونتيجة لذلك أنتجت الجماعة الشعبيَّة سيرها لتجسد من خلالها أحلامها حول البطل المخلص، وكثر حديث الباحثين العرب المحدثين في حقل السير الشعبيّة عن مفهوم البطولة في السير الشعبيّة العربيّة .
لقد صنعت السير الشعبيّة العربيّة متخيلّاً سردياً تاريخياً يفترق عن منظور كتب التأريخ الرسميّة، إنَّ هذا الإقصاء والتغييب والتهميش أوجد في المقابل تمثيلات ثقافيّة احتفت بالمتخيّل السرديَّ المفارق للحقيقة التاريخيّة . وتمثل السير الشعبيّة العربيّة واحدة من أخطر الأنواع السردية العربيّة في إنتاج أنساق مضادة للتواريخ الرسميّة خاصة سيرة «الأميرة ذات الهمة»، وهي أكبر سيرة شعبيّة عربيّة على الإطلاق. وهي سيرة ترد في ثناياها مئات الأخبار المنسوبة  بوصفها حيلة سردية إلى الأصمعيّ وسواه من الرواة الثقات في أمور متصلة ببعض الخلفاء  والحكام تحتفي ببعضهم و تقصي البعض الآخر وتغييبه. وقد اتخذت هذه الأخبار قدراً كبيراً من التحوير والتحويل النصيّ وفارقت التاريخ الرسميَّ.
لذا أقول مخطىء من ينظر إلى السيرة الشعبيّة العربيّة بوصفها للتسلية والترفيه فقط؛ فهي تتوفر في نصوصها على محمولات ثقافيّة في غاية الخطورة، ولذا فإنَّ القراءة الثقافيّة أداة يتمكن بوساطتها الباحث من الكشف عن أعماق هذه الخطابات.
تختلق الجماعات السردية تاريخها الخاص بها الذي قد يكون منسوجاً نسجاً رمزياً كما يذكر كورنيليوس كاستورياديس؛ فقد صنعت جماعات الغجر في مصر تاريخاً ونسباً أسطورياً مُختلقاً تتحايل به على أنساق تهميشها ونبذها. فبالنسبة لرواة سيرة الزير سالم من الغجر فإنهم  يدعون أنهم أخلاف جسّاس بن مرة الذين حكم عليهم المهلهل بن ربيعة والزير سالم بالتشتت والفرقة. وفي بحثه الطريف عن «الغجر وسيرة الزير سالم» يشير المستشرق الإيطالي جوفاني كانوفا إلى بعض التعليلات الأسطورية الطريفة لتسمية الغجر ب»النور»و»الجمسة «و»الحلب». ويأتي هذا كلّه للخروج من أنساق التهميش المحرمة على الجماعة في سبيل الاعتراف بانتمائها إلى الجماعات الكبرى المركزية، ولو كان هذا الانتماء باختلاق أنساب أسطورية(83).
في حين وُصِفَ الشطار والعيارون بأنهم «زعار وعيارون وحرافيش» في كتب التاريخ الرسمي نجد أنَّ ألف ليلة وليلة وسيرة علي الزئبق تحتفي بهؤلاء الشطار، ويأمر هارون الرشيد في ألف ليلة وليلة إعجاباً منه بالشاطر علي الزئبق بأن تُدوّن حكايته كلها، وأن توضع في خزانة الخليفة باعتبارها سيرة من جملة السير لأمة خير البشر. ويمكن أن نعد هذه السيرة الشطارية(علي الزيبق) التي ترد بعض حوادثها في ألف ليلة وليلة باسم (حكاية أحمد الدنف وحسن شومان ودليلة المحتالة وبنتها زينب النصّابة)سيرة أدبية مضادة anti_sira؛ إذ توسلت حكايات الشطار والعيارين بالنوع الأدبيَّ “سيرة” لخلق بلاغة مفارقة تحتفي بالهامشيين في المجتمع في حين أنها في الظاهر تصر على أن تحظى برعاية السلطان والأدب السلطانيَّ، وهو ما أسميه “مخاتلة النوع الأدبي”. وتنتمي هذه السيرة الشطارية(علي الزيبق) إلى الدوائر المدينيّة في المجتمع العربيّّ الإسلاميَّ. وعلى الرغم من محاولة بعض الباحثين إرجاع بعض الشخصيات الشطارية مثل أحمد الدنف ودليلة المحتالة وعلي الزيبق إلى مرجعية تاريخيَّة(84).
كما تمثل سيرة الحلاج الشعبية متخيلّاً شعبياً حوَّل شخصية الحلاَّج المرجعيّة إلى نمط عجائبي له تجلياته النصيّة مخالفة بذلك رؤيا الثقافة العالِمة حول موت الحلاّج. إذ تؤسس نصوص الرؤية العالِمة حول الحلّاج ومقتله نمطاً نقيضاً لما ورد في النص الشعبيَّ أو رؤية التصوّر الشعبيَّ لهذه الشخصية الخلافيّة في تاريخ الثقافة الإسلاميّة. فعندما أورد ابن الخطيب  البغداديَّ(ت 463هـ) وابن خلكان(ت681هـ) وابن كثير (ت 774هـ) ما تناقله العوام عن كرامات الحلّاج بعد موته من فيضان النهر ومن بعثه حياً نجد أنهم اكتفوا بنعت هذه الأخبار بأنها ضروب من الهذيان(85).ولاسيّما أنَّ بعض هذه الأخبار تجعل ابن المقفع (ت 142هـ) والجنابيّ(ت 332هـ) والحلاَّج (ت309هـ) متعاصرين زمنياً، والثابت تاريخياً أنَّ ابن المقفع توفي قبل الحلاّج بحوالي قرنين من الزمان.
لقد احتفت  هذه السيرة الشعبيّة بكرامات الحلّاج ولم تنظر إليها على أنها كفر وشعبذة كما فعل مؤرخو السلطة الرسميّة(86). كما أنها تجعل الحلّاج في أعلى عليين في الجنة بعد مماته من خلال رؤيا ظهرت لأخته في المنام. ولم تستند قصة حسين الحلاّج إلى سلسلة الإسناد الوهمي كما في السير الشعبيّة؛  فهذه القصة تبدأ بقول الراوي «قيل إنَّ والدة حسين الحلاّج أو حكي والله أعلم». وبذلك يكون الإسناد عن راوٍ مجهول وسيلة القاص الشعبيَّ لجعل التاريخ منفتحاً على احتمالات متعددة بما فيها الغريب والعجائبيّ. وكأنَّ القاص الشعبيّ يتمثل نصوص الكرامات الصوفية التي غالباً ما تكون سلسلة إسنادها رواة مجهولون في حين تكون روايات الثقافة العالِمة مسندة إلى شيوخ وعلماء أثبات يحققون الروايات ولا يكتفون بمجرد سردها.
ولا يتوجه القاص أو الراوي بروايته هذه إلى جمهور متعالم أو نخبة مثقفة وإنما يتوجه بها إلى نمط خاص من المتلقين. هم المتلقون الذي يحققون تماهياً تاماً مع أحداث النص السردي ويتقبلون ما جاء فيه من تحويل نصي وتحويل لكثير من الحوادث التاريخية التي سجّلها التاريخ الرسمي. وقد يكون هؤلاء المتلقون من العوام(سنة، شيعة، متصوفة إلخ). ولهذا فإنَّ القاص سيدمج في قصته  هذه كل الروايات المرفوضة التي شكّك فيها مؤرخو الثقافة العالمِة.
تعد السيرة الهلاليّة بحلقاتها الثلاث الريادة والتغريبة وديوان الأيتام على أساس جماعيّ(ثلاثة أجيال)،(87) السيرة الشعبيّة الأكثر انتشاراً في الوطن العربيَّ؛ إذ تمتد «دائرة السرد الهلاليَّ لتشمل المنطقة الواقعة من العراق شرقاً إلى المغرب غرباً ومن سوريا شمالاً إلى جنوب الجزيرة العربيّة والسودان جنوباً. وقد وجد الباحثون قصصاً عن الهلاليّة لا تزال تتردد في مناطق بغرب نيجيريا وحول بحيرة تشاد وبلهجات اللغة العربيّة هناك.(88)
يخالف تاريخ السيرة الهلاليّة المتخيّل الصورة التي رسخها بعض المؤرخين ومنهم ابن الأثير عن تنقلاتهم وتغريبتهم وإحلالهم الخراب في البلاد والعباد(89)؛ فالريادة تؤسس للجماعة الهلاليّة نسباً أسطورياً يصلهم بالأوس بن تغلب جدهم الأكبر المزعوم. كما يضفي الراوي على الجماعة الهلاليّة وانتقالاتها في الفضاءات المختلفة طابع القداسة فكان لقاء هلال (الجد الأسطوريَّ) بالرسول صلى الله عليه وسلم ودعاء فاطمة الزهراء لبني هلال بالتشتت والانتصار(90). وقد حوّل الراوي الشعبيَّ شخصية عائشة رضي الله عنها ومشاركتها في موقعة الجمل إلى فاطمة الزهراء التي ترتبط في الذاكرة الشعبيّة والمتخيّل الشيعي بالقداسة والتمجيد.
وتذكر بريجيت كونلليّ Bridget Connelly أن تماهي الرواة والمتلقين مع سيرة بني هلال ومع أبي زيد الهلاليّ خاصة يبرز في بعض مناطق السودان وغانا وتشاد؛ إذ يطيل الراوي الوقوف  عند ولادة أبي زيد الهلاليَّ ولونه الأسود وما واجهه من إقصاء القبيلة ونبذها(91).
في حين يعد أبوزيد الهلاليَّ في بعض الروايات الفلسطينيّة(الشفاهيّة) الاسم الملحميَّ لشخصية  الفدائيَّ. وهو نوع من التماثل المدرك؛ فالراوي الذي لم يعد يرغب في نقل نفسه ينتمي إلى مجموعة تخوض صراعاً ينعته الراوي بأنه ملحميَّ(92). وتتحول الجازية الهلاليّة في إحدى الروايات التونسيّة إلى شخصية نسوية من التاريخ التونسيّ الحديث هي عزيزة عثمانة وهي (عزيزة بنت عثمان باي) التي عاشت أواخر القرن السادس عشر الميلادي(1560_م)، وعُرِفَتْ بأعمالها الخيرية لفائدة الطبقة الكادحة. وكأنَّ الراوي أراد أن يؤكد المنحى الجماعيَّ في شخصية  الجازية وإيثارها العاطفة القوميّة التي تربطها بالجماعة الهلاليّة(93). وربّما كانت شخصية دياب بن غانم «رجل الحركة الدائبة الذي لا يريح فرسه» سبباً في تماثل بعض الروايات الليبية معه. ففي بعض هذه الروايات يصبح ذياب الهلاليّ عمر المختار ضارباً بسلاحه جنود المستعمر الإيطاليّ، وفي روايات أخرى حديثة يصبح دياب معمر القذافيّ(94).   

في التلقي الحديث والمعاصر للسرديات الشعبيّة: من التلقي المتعالي إلى صعود الدراسات الشعبيّة:
-تلقي الموروث المرويات السردية في القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين:
شهدت المرويات السيرية الشعبيّة العربيّة تلقياً واسعاً واهتماماً كبيراً عند المستشرقين وخاصة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وهو العصر الذي شاعت فيه عند الغرب صورة الشرق المنمطة بفعل المؤثر الاستشراقيَّ والمركزية الغربيّة وأدبيات المذهب الرومنطيقيّ Romanticism .
وتكشف لنا شهادات الرحالة الغربيين إلى بلاد المشرق العربيّ في القرن التاسع عشر عن رواج مرويات السيرة الشعبيّة. إذ يذكر ج.دي.شابرولG.de Cohabrol في كتابه (وصف مصر) “ أنَّ آلاف الأشخاص في القاهرة كانوا يترددون يومياً على المقاهي ويستمعون إلى رواة القصص الشعبيّة. وفي حديثه عن المصريين المحدثين يذكر أنَّ القاهرة وبولاق ومصر القديمة تحتوي على أكثر من ألف وثلاثمئة مقهى تستقبل المقاهي الفخمة منها بين مئتين ومئتين وخمسين زائراً كل يوم. ويتزاحم الجمهور في المقاهي حيث الرواة والمنشدون يقصون بحماسة ملتهبة مغامرات عجيبة تخلب الألباب بطريقة فريدة”(95).
ويقدم محمد عمر في كتابه(حاضر المصريين) إحصاءات بالمقاهي آنذاك، فيذكر أنَّ عددها يبلغ قرابة عشرة آلاف مقهى تعمر بعضها مجالس القص، ويرتادها الفقراء للسهر ولسماع القصص من القصاص، أو سماع الرباب من الشعرء الكذّابين الذين يقصون عليهم قصص زناتة وسيرة بني هلال وقصة سيف بن ذي اليزن، أو السلطان حسن أو»دون جوان»(96). ومن الأمور المستظرفة لجوء السلطة إلى نشر خطابها الرسميَّ غير الرائج عند المتلقين من عامة الشعب مستعينة بمرويات السير الشعبيّة. إذ يذكر لويس عوض أنَّ صحيفة(جرنال الخديوي) التي صدرت باللغتين التركيّة والعربيّة عام 1827م، وتحوّلت بعد عام واحد إلى جريدة(الوقائع المصرية) كانت متخصصة في الأخبار الرسميّة للدولة. وكي تقوم السلطة بترويج هذه الصحيفة وأخبارها بين الناس كانت تنشر بعض حكايات ألف ليلة وليلة لإقبال الناس عليها(97). وقد أصبح التقليد الذي أرسته جريدة(الوقائع المصرية) نهجاً سارت عليه فيما بعد عدد من الصحف والمجلات التي خصصت للسير والقصص باباً أسمته»باب الفكاهات»؛أي الروايات نشرت فيه السير الشعبيّة إلى جانب القصص الموضوعة أو المترجمة(98).
وفي مقابل رواج هذه المرويات السيرية والإقبال عليها من جانب المتلقين تشكّل موقف متعالٍ للثقافة المتعالمة(العالِمة) منها سنجده عند كل محمد عبده ومحمد حسين هيكل وغيرهما. وهو الأمر الذي سنتناوله تفصيلاً في حديثنا عن الموروث السردي والتلقي المتعالي.

-  السيرة الشعبيّة والتلقي المتعالي في القرن التاسع عشر:
لم يقتصر تلقي المرويات العجائبيّة والسيرية الشعبيّة على التلقي الشفاهيَّ في القرن التاسع عشر؛ إذ عرفت كثير من هذه المرويات سبيلها إلى التلقي الكتابيّ فنُشِرَتْ في الصحف والمجلات الرائجة آنذاك. ويبدو أنَّ رواج هذه المرويات لدى المتلقين باختلاف طبقاتهم ومراتبهم الاجتماعية وانتماءاتهم كانت سببًا في إحجام بعض المجلات الكبرى مثل المقتطف عن نشرها. وأسباب هذا الإحجام متنوعة منها ما يعود إلى كونها لاتنتمي إلى الثقافة الجادة التي تسهم في بناء الوطن والمجتمع، ومنها ما يعود إلى أحكام ذوقية تسم هذه المرويات بسمة المجون والإفساد.فمجلة المقتطف(1891م) أعلنت استغرابها من الاهتمام الذي أولاه بعض الكتاب لحكايات (ألف ليلة وليلة) داعية هؤلاء إلى الاهتمام بالعلوم والأفكار الحديثة التي لها فعلها في المجتمعات الأوروبية(99).وكانت مقالة(حياتنا العلمية والأدبية) التي نُشِرَت في جريدة (الأمل) البغدادية(1923م) ترفض الخيالات والخرافات وفقاً لمعايير مجلة المقتطف، إذ يقول كاتب المقالة:بربك أيها المتهالك على شراء الروايات، هل اختمر فكرك بفكر جديد يؤهلك لأن تخدم بلادك كما سطره لك أهل الإفك والمجون».(100)
ولايختلف موقف الإمام محمد عبده (1849_1905م) في رؤيته للموروث السرديّ عن الرؤية نفسها التي صدرت عنها هذه المجلات، وعن الرؤية التي صدر عنها كذلك النقاد الإحيائيون في تنظيرهم للخيال. وقدّّم محمد عبده في المقال الذي نُشِرَ بجريدة(الوقائع المصرية) عام 1881م رصداً شاملاً لأنواع الكتب الرائجة في أيدي المصريين في أواخر القرن التاسع عشر؛ إذ تنقسم المؤلفات المتداولة عندهم إلى «أقسام متفاوتة بتفاوت أميال المطالعين سواء كانت هذه الأميال غريزية أو مكتسبة من طوارئ التربية وعوارضها(101). ومن هذه الكتب: الكتب النقلية الدينيّة، ومنها الكتب العقليّة الحكميّة، ومنها الكتب الأدبيّة، ومنها كتب الأكاذيب الصرفة وكتب الخرافات. فالكتب التي يعنيها محمد عبده هي «ما يبحث فيها عن تنوير الأفكار وتهذيب الأخلاق من هذا القبيل كتب التاريخ وكتب الأخلاق العقلية وكتب الرومانيات وهي المخترعة لمقصد جليل كتعليم الأدب وبيان أحوال الأمم، والحث على الفضائل والتنفير من الرذائل»(102).ولهذا فإنَّ الكتب المتداولة في هذا الصنف هي «كتب(كليلة ودمنة)و(فاكهة الخلفاء)و(المرزبان)و(التليماك) والقصة التي تُترجم في جريدة الأهرام وغيرها من المؤلفات(103).
   وتتحكم رؤية المؤرخ الرسميَّ عند محمد عبده عندما يقرن رؤية التاريخ غير الرسميّة بالكذب الصرف. وتصبح مرويات السير الشعبيّة مندرجة في إطار ثقافة الكذب وثقافة العوام»فكتب الأكاذيب الصرفة هي ما يُذكر فيها تاريخ أقوام على غير الواقع، وتارة تكون بعبارة سخيفة مخلة بقوانين اللغة. ومن هذا القبيل كتب أبوزيد، وعنتر عبس، وإبراهيم بن حسن والظاهر بيبرس. والمشتغلون بهذا القسم أكثر من الكثير. وقد طُبِعَت كتبه عندنا مئات مرات ونفق سوقها، ولم يكن بين الطبعة والثانية إلا زمن قليل». أمّا كتب الخرافات»فهي تارة تبحث عن نسبة بعض الكائنات إلى الأرواح الشريرة المعبر عنها بالعفاريت، وتارة تتكلم في ارتباط الحوادث الجوية والآثار الكونيّة ببعض الأسباب التي لا مناسبة بينها وبين مازعموه ناشئاً عنها، وتارة تثبت ما لايقبله العقل، ولاينطبق على قواعد الشرع الشريف مثل علم الكيميا(الكاذبة) وكتب الوقت وكتب الحرف والزايرجات وذلك ككتاب أبومعشر والكواكب السيارة وشمس المعارف الكبرى والصغرى وكتاب الحرف المنسوب للحكيم هرمس»(104).
وتشكّل هذه الكتب عند محمد عبده الثقافة غير العالمِة أو اللانص. وبهذا فإنه يقصي هذه الثقافة في مقابل إرساء أسس الثقافة العالمِة(النص الأنموذج) الذي ينبغي أن يسعى إليه المتلقي لتمرين ذائقته. والنص الأنموذج، كما يرى محمد عبده، هو كتب التاريخ الصحيحة كتاريخ المسعوديَّ وتاريخ»إظهار أنوار الجليل» لحضرة رفاعة بيك، وتاريخ»الكامل لابن الأثير، وتاريخ الدولة العليّة. وفي مقابل هذا التاريخ الرسميّ تقع كتب الأكاذيب الصرفة مثل كتب أبي زيد وعنتر عبس(105). ويشمل النص الأنموذج عند محمد عبده كذلك كتب القصص الأدبيّة المترجمة إلى اللغة العربية كقصة التاليماك والقصة المترجمة في أعداد الأهرام والقصة التي طُبِعَت في مطبعة العصر الجديد وهي المعنونة بالانتقام وغيرها من بقية الرومانيات العربيّة الأصل ككتاب كليلة ودمنة وما مثلها من الكتب التي جُعِلَت على ألسنة الطيور والحيوانات(106).
وكما حذّّر محمد عبده من كتب الأكاذيب الصرفة وكتب الخرافات فإنه قد حذّّر أيضاً من كتب المغازي وأحاديث القصاصين في رده على سؤال سائل عن هذه الكتب وخاصة كتاب الشيخ الواقديّ الموضوع في فتوح الشام. وكان رد الشيخ متسقاً مع مبدأ المطابقة للواقع فهذا الكتاب» لاتصح الثقة به إمّا لأنه مكذوب النسبة على الواقديّ وهو الأظهر، وإمّا لضعف الواقديَّ نفسه في رواية المغازي كما صرَّح به العلماء فلاتقوم حجة للمتحذلقين، ولايصلح ذخرًا للسياسيين. ومثل هذا الكتاب كتب كثيرة كقصص الأنبياء المنسوب لأبي منصور الثعالبيَّ، وكثير من الكتب المتعلقة بأحوال الآخرة أو بدء العالم، أو بعض حقائق المخلوقات المنسوبة إلى الشيخ السيوطيَّ، وقصص روايات تنُسب إلى كعب الأحبار أو الأصمعيَّ ومن شاكلهما»(107). ويستند مجمد عبده في تمييزه بين الثقافة العالمِة وغير العالمِة إلى مرجعية فكرية عقائديّة تمثّلت في التراث العقلانيَّ للفلاسفة والمعتزلة؛ إذ «بقدر ما كانت هذه العقلانيّة تفتش عن نظائرها في التراث، فإنها كانت تفتح باب الاجتهاد في كل ماتجده استناداً إلى تمييزها الخصب بين العقل والنقل، وتفضيلها الأول على الثاني، واستجابة لمجموعة من المشكلات الجديدة لم تكن لها حلول مباشرة في المعطيات التراثية.»(108).
ومحمد عبده المصلح الدينيّ والاجتماعيّ يجعل نفسه وصيًا على الثقافة الرسميّة الجادة، ولهذا فإنّه ينقح التراث ويهذبه ويصفيه كي يقدمه للمتلقي بما يتسق مع المنظومة الذوقيّة التي رسختها الأنساق الثقافيّة السلطوية في عصره. ولم يكتفِ محمد عبده بالتحذير من كتب  الخرافات والأقاصيص والمغازي وإنما التزم هو نفسه بعدم خرق المحظور، ولهذا فإنّه عندما شرح مقامات بديع الزمان الهمذانيَّ حذف (المقامة الشاميّة)، وأغفل بعض جمل من (المقامة الرصافيّة)، وكلمات أخرى من مقامة أخرى لم يشر إليها. وكان دافعه إلى ذلك أنه يسير على سنة العلماء التي جرت بالتهذيب والتمحيص والتنقيح والتلخيص إذ يقول:» وليس من منكر عليهم في شيء من ذلك، وإنمَّا الممنوع أن يؤتى ببعض ذلك أو كله مع السكوت عنه فيكون تغريرًا للناظر وضلة للفاجر، ونسبة قول لغير قائله، وحمل أمر على غير حامله. وهذا من الظاهر الجليّ عند العارفين وإنما يبعث على بيانه سوء ملكة المتشدقين»(109). والخوف من تأثير الحكايات الخرافيّة على منظومة القيم التي رسختها السلطتان السياسيّة والدينيّة هو الذي جعل يعقوب صروف ينشر في عدد نوفمبر من المقتطف لعام 1891م جواباً صارماً عن سؤال يخص الحكايات الخرافيّة، فكان جوابه»في قراءتها شيء من التسلية، ولكن فيها مضار كثيرة؛ لأنها مشحونة بالأوهام والخرافات وحوادث الحب والغرام»(110).
ونجد عند محمد عمر في كتابه(حاضر المصريين أو سر تأخرهم)(1902م) رصدًا للكتب الرائجة في أواخر القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، وهو رصد لايختلف عما لاحظه محمد عبده قبله. إذ يذهب محمد عمر إلى أنَّ أصحاب المطابع»تعلقوا بطبع(الضار والمفسد من الكتب) حتى أصبح  ديدنهم الميل إلى طبع كتب السخافة والأوهام. ولعلمهم أنَّ العامة أميل إلى ذلك من العلم والحقائق أكثروا من طبع القصص والحكايات الغراميّة والفكاهيّة والأشعار غير المستظرفة وكتب النوادر والمجون المفسدة للأخلاق والطباع والخيال ككتب الجفر والزايرجة والملاحم المملوءة بقول الزور والبهتان المنسوبة كذباً إلى مشاهير الإسلام من أهل البيت وغيرهم(111). وتمثل كتب السخافة والأوهام هذه مصدر خطر كبير وإفساد لمنظومة القيم السائدة. ولهذا يرى محمد عمر أنَّ رواج المرويات السردية عند الناشرين مثل كتاب(ألف ليلة وليلة) وسيرة(سيف بن ذي يزن) وكتاب(عودة الشيخ إلى صباه) دليل على «انحطاط كبير فينا وخذلان ليس له مثيل والعياذ بالله»(112).
 وينعت ثقافة العوام «بكتب الفقراء»فيصفها بعمومها بأنها :بذيئة يتعلمون منها السفاهة، ويعلمون منها ما طرأ على قلة الأدب والرذيلة من الطوارئ، وهذه الكتب يؤلفها لهم السفهاء والحشاشون، وهي مملوءة بصور هزلية قبيحة يقطر مها القبح وقلة الحياء، وهي المفسدة للأخلاق فيهم على فسادها المتضمنة للهذر والمجون مع كثرته بين الفقراء، ويصدر منها كل يوم شيء جديد كثير، حشوه قلة الأدب والسفاهة، والبعد عن المبادئ»(113).  ويطالب بعقاب صارم تنفذه الحكومة على مروجي هذه الكتب الذين يطبعونها إذ يقول «حق للحكومة أن تعاقب أصحابها وطابعيها، ولايعز عليها ذلك مادام أصحابها، والذين يطبعونها يكتبون أسماءهم عليها، وهي لو اهتمت بالأمر لوقفت على ما هنالك وعلمت أنها محشوة بالأكاذيب في الدين والخداع في الآداب، والاختلاق مما يودع في رؤوس العوام رذيلة السفه، ويولّد بينهم مكروه الفساد، وليس أقدر من الحكومة على استئصال ذلك، كما ليس أحد مسئولاً أكثر منها عما يحفظ أدب الأمة وجدها وفخارها»(114). ويبدو أنَّ موقف الثقافة العالِمة (المتعالي) من  القص والموروث السرديّ العربيّ القديم عند النقاد القدامى واستمراره في القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين كان سبباً في هروب عدد من رواد الرواية العربيّة الحديثة من نعت»راوية حواديت وفكاهات»؛ فمحمد حسين هيكل(1888_1956م) يذكر في مقدمة الطبعة الثالثة من روايته(زينب) سبب نشرها باسم مصري فلاح بدلاً من اسمه الحقيقي بأنَّ ذلك كان «خشية ما قد تجني صفة الكاتب القصصي على اسم المحامي.»(115)
وللأسف استمر موقف بعض المفكرين العرب المعاصرين المتعالي من الثقافة الشعبيّة؛ فمحمد عابد الجابريّ يقول في نهاية تصديره لكتابه»تكوين العقل العربيّ: «ولا بدَّ من الإشارة أخيراً إلى أننا قد اخترنا بوعي التعامل مع الثقافة»العالمِة» وحدها، فتركنا جانباً الثقافة الشعبيّة من أمثال وقصص وخرافات وأساطير وغيرها، لأنَّ مشروعنا مشروع نقديّ، ولأنَّ موضوعنا هو العقل.ولأن قضيتنا التي ننحاز لها هي العقلانيّة. نحن لا نقف هنا موقف الباحث الانتروبولوجيّ الذي يبقى موضوعه ماثلاً  أمامه كموضوع باستمرار بل نحن نقف من موضوعنا موقف الذات الواعيّة من نفسها. إنََّ موضوعنا ليس موضوعاً لنا إلا بمقدار ما تكون الذات موضوعاً لنفسها في عملية النقد الذاتيّ»(116).وإذا كان الجابريَّ قد ارتكز أساساً على العقلانيّة في تفسير وتفكيك العقل العربيّ فإنه أهمل بهذا الإقصاء للثقافة الشعبيّة العربيّة مكوِّناً رئيسياً فاعلاً في تشكيل هذا العقل. ولكن الجابريّ تنبّه على هذا الإقصاء فتراجع في كتابه»العقل السياسيّ العربيّ» عن هذا المنظور العقلانيّ وأوجد مكاناً للثقافة الشعبيّة في محددات العقل السياسيّ العربيّ إذ يقول:» إنَّ مخيالنا الاجتماعيّ العربيّ هو الصرح الخيالي المليء برأس مالنا من المآثر والبطولات وأنواع المعاناة، الصرح الذي يسكنه عدد كبير من رموز الماضي مثل الشنفرى وامرئ القيس وعمرو بن كلثوم وحاتم الطائي وآل ياسر وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد والحسين وعمر بن عبدالعزيز وهارون الرشيد وألف ليلة وليلة وصلاح الدين والأولياء الصالحين وأبي زيد الهلاليّ وجمال عبدالناصر..إضافة إلى رموز الحاضر و»المارد العربيّ» والغد المنشود...إلخ، وإلى جانب هذا المخيال العربيّ الإسلاميّ المشترك تقوم مخاييل متفرعة عنه كالمخيال الشيعيّ الذي يشكل الحسين بن علي الرمز المركزيَّ فيه، والمخيال السنيّ الذي يسكنه»السلف الصالح» خاصة، والمخيال العشائريّ والطائفيّ والحزبي...إلخ»(117).

تلقي الموروث السردي الشعبيَّ عند المستشرقين:
حظيت بعض السير الشعبيّة بعناية عدد كبير من المستشرقين، ولانبالغ إذا  قلنا إنَّ سيرة (عنترة بن شدّاد) كانت تنافس ألف ليلة وليلة في جاذبيتها الشديدة عند المتلقي الأوروبيَّ. وعندما تُرجِمَت سيرة عنترة لأول مرة في اللغة الروسية علق عليها  أ.كريمسكي Cremesky قائلاً:خيال شرقيَّ غير ناجح أثنوغرافياً. وبغض النظر عن عدم تطابق هذا “الخيال” مع الأصل وعلى الرغم من بعده كل البعد عن الأدب العربيَّ في القرون الوسطى، فقد استقبله القراء باهتمام، وكان هذا الاهتمام ناجماً عن قلة اطلاعهم آنذاك على المؤلفات الأصليّة أو ترجمات مماثلة منقولة عن الأدب العربيَّ بشكل عام، ومن ضمنه لون”السيرة”.(118)
ويهمنا من كلام كريمسكي اعترافه بسطوة تأثير سيرة عنترة على القراء الروس. ولايختلف تأثير هذه السيرة على القراء الأوروبيين بعد أن ترجمها ج.هاميلتونJ.Hamilton 1819م إلى الإنجليزية، وبعد أن قام مجهول بعد ذلك بنقل ترجمته إلى الفرنسية. ووضع مستشرقون سيرة عنترة بجانب أعظم الملاحم الأدبية العالميّة مثل الإلياذة والأوديسا وسواهما. ونالت سير شعبيّة أخرى اهتماماً أقل في تلقي المستشرقين مثل (سيرة الملك سيف بن ذي يزن) و(الأميرة ذات الهمة)و(سيرة الظاهر بيبرس) و(سيرة بني هلال).
    وفي الحين الذي لم تحظَ فيه القصة العجائبيّة والسير الشعبيّة باهتمام النقاد القدامى والنقاد الإحيائيين في القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين فإنَّ متلقي هذا الموروث السرديّ الشعبيّ من خاصة الشعب وعامته كانوا يحتفون به احتفاء كبيراً.

الاحتفاء بالسيرة الشعبيّة: الثقافة الشعبيّة في سياقات التحول:
وقد تفطن بعض النقاد العرب المحدثين إلى الفارق الكبير بين الأدب الشعبيَّ والأدب الرسميّ ومنهم سلامة موسى وتوفيق الحكيم(119). بيد أنَّ هذا التفطن لم يجعلهم يفردون الأدب الشعبَّي بالدراسة والبحث. وانشغل عدد كبير من النقاد الإحيائيين بالإجابة عن السؤال التالي: هل عرف العرب فن الملاحم؟ ويبدو أنَّ هذا السؤال الكبير شكَّل هاجساً لهؤلاء النقاد ولمن تلاهم، ولاسيّما أن الإجابة عنه تستلزم إمّا نفياً يحيل السرد العربيَّ  القديم إلى كائن ناقص مبتسر بجوار حيوات مكتملة في آداب الأمم والشعوب الأخرى. وإمَّا تأكيداً لوجود فن الملاحم لإثبات الهوية العربيّة الإبداعيّة وأصالتها مقارنة بالمرجعيات الغربيّة الأخرى(120). ولهذا يأتي حديث النقاد الذين ينتمون إلى الطائفة الثانية عن السيرة بوصفها (ملحمة)و(ملحمة شعبيّة)(121).
وقد طرأ تحوّل كبير على طبيعة النظرة إلى الأدب الشعبيَّ العربيَّ عند النقاد العرب المحدثين منذ ثلاثينات القرن العشرين. وكان لمصر دور الريادة في ذلك؛ إذ قدَّم محمد عبدالمعيد خان بحثه في (الأساطير العربيّة) للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة فؤاد الأول عام 1933 ثم تلته سَهير القلماوي ببحثها عن ألف ليلة وليلة 1941(122). وتضافرت عوامل عدة أدت إلى هذا التحوّل لعلَّ أبرزها النزوع القوميَّ التحرريّ لمواجهة الاستعمار الغربيّ مما أدى إلى قيام عدد كبير من المثقفين العرب بالبحث عن مقومات الذات العربيّة وعناصر وحدها وتاريخها الحضاريّ وذلك بغية تحقيق الذات ضد الآخر والغرب(123).
وكان للتحولات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي مر بها الوطن العربيّ منذ منتصف القرن العشرين أثرها في بروز الأفكار القوميّة وفكرة الشعب وما يتصل بها من أنساق ثقافيّة وإبداعية(124). وقد كان دفاع عبدالحميد يونس دفاعاً مستميتاً عن الفولكلور والثقافة الشعبيّة مبيناً ومشدداً على اختفاء الحواجز التقليدية بين ثقافة الصفوة أو النخبة وبين الثقافة الشعبيّة(125). وقد برزت في هذه الحقبة  أسماء عدد من النقاد المعنيين بتأصيل الثقافة الشعبيّة وبالاتجاهات المقارنة مثل نبيلة إبراهيم أحمد أبوزيد وفاروق خورشيد وشوقي عبدالحكيم وأحمد مرسي ومحمد الجوهري وعبدالرحمن أيوب وأحمد شمس الدين الحجّاجي وغيرهم.

الموروث السرديّ الشعبيَّ والدراسات الثقافيّة:
 تحوَّل تلقي الموروث السرديَّ الشعبيَّ عند بعض الباحثين العرب المحدثين من سؤال التأصيل والتنظير إلى الدراسات الثقافيّة وما يتصل بها من أبعاد فكرية. ولذا يؤكد هؤلاء أنَّ دراستهم تندرج في إطار «الثقافة الشعبيّة» مستبدلين بذلك  على التسميات التي وجدناها عند بعض من سبقهم مثل مصطلحات» الأدب الشعبيّ»و»التراث الشعبيَّ» و»الفولكلور» وغيرها. ونجد هذا الاتجاه الثقافيَّ عند صلاح الراوي في (الثقافة الشعبية وأوهام الصفوة،2001). وتكشف لنا دراسته عن اهتمام كبير لبيان ما قامت به الثقافة الشعبيَّة من مناوئة للأدب الرسميَّ أو الثقافة الرسميَّة(العالِمة). ولذا يُعنى الباحث بتأصيل مصطلح (الثقافة الشعبيَّة) الذي يعده مرادفاً لمصطلح(المأثورات الشعبيَّة). وهو يرى أنَّ مادة الثقافة الشعبيّة متنوعة تشمل المعتقدات والمعارف الشعبية والعادات والتقاليد الشعبية والأدب الشعبي وفنون المحاكاة والفنون الشعبية والثقافة المادية(126).
  وعلى الرغم من تأكيد الباحث على مصطلح الثقافة الشعبيّة إلا أنه يوظف مصطلحات أخرى في الدراسات التي انتظمها عمله منها: (الإبداع الفني الشعبيَّ)و(المأثورات الشعبيَّة)و(الفولكلور العربيَّ)و(المأثور الشعبيَّ)و(الفنون الشعبيّة). وأحسب أنَّ الباحث كان لابد له من عقد فصل تمهيديّ يوضح لنا علاقة هذه المصطلحات بالمصطلح الجامع الذي ارتضاه وهو (الثقافة الشعبيَّة).
وقد جعل عبدالحميد حوّاس مصطلح الثقافة الشعبيّة متعدد المداخل؛ فقد عُني بتأسيس المصطلح النقديَّ مثل (النوع الجنسيّ) و(النوع الفنيّ) في حديثه عن (المرأة والأغاني الشعبيّة النسوية)(127). وكان للناقد أيضاً وقفة عند التلقي التاريخيَّ وتطور النوع الأدبيَّ السرديَّ في حديثه عن القصة العجائبيّة(ألف ليلة وليلة_الحكاية البيان)، وكذلك في حديثه عن (مدارس رواية السيرة الهلاليّة في مصر). وشملت الثقافة الشعبيّة عنده كذلك الحكاية الشعبيّة والنادرة والموسيقى الفولكلورية والاحتفالات الشعبيّة مثل «دمية شم النسيم». ولم يعنَ عبدالحميد حواس بالتنظير لمصطلح (الثقافة الشعبيّة) بخلاف صلاح الراوي. والاتجاه نحو الثقافة الشعبيّة يجعل دائرة البحث في الموروث السرديّ الشعبيّ أكثر اتساعاً، ولاسيّما إذا أفاد الباحثون من معطيات (النقد الثقافي)و(الدراسات الثقافيّة).
وسنجد اهتماماً كبيراً لدى بعض الباحثين من النقاد العرب المعاصرين بالسيرة الشعبيّة العربيّة في سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين؛ فسعيد يقطين على سبيل المثال أنجز أطروحته المهمة»قال الراوي: البنيات الحكائية في السيرة الشعبيّة»(128). وقد قدّم لها بالتنظير لنوع المجلسيات في السرد العربيَّ القديم في كتابه»الكلام والخبر، مقدمة للسرد العربيَّ». وقدّم يقطين مقاربة بنيوية سردية للسير الشعبيّة العربيّة من خلال سعيه لإقامة سرديات القصة أو الاشتغال على الخطاب الحكائيّ.كما وقف سيد إسماعيل ضيف الله عند السيرة  الهلالية متوقفاً عند ما اشتملت عليه من مسكوت عنه في علاقة الأنا بالآخر(129).

محاكمة ألف ليلة وليلة في الثمانينيات من القرن الماضي:
   رغم انتعاش الدراسات الشعبيّة في مصر منذ ثلاثينيات القرن الماضي من خلال تدفق عدد من الدراسات الأكاديميّة الجادة الرصينة في مجال الثقافة الشعبيّة إلا أن كتاب «ألف ليلة وليلة « بالذات تعرض لأكثر من محاكمة  في مصر بوصفها مصدراً لطبعة بولاق الأولى والثانية اللتين طُبِعَتا طبعة حجرية في مطلع القرن التاسع عشر الميلاديّ. ورغم تداول هذا الكتاب بطبعاته الشعبيّة غير المهذبة ولا المشذَّبة بين أوساط القراء باختلاف فئاتهم إلا أنَّ هذا الكتاب تعرض لمحاكمة غريبة جداً في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم اتهم فيها ناشره حسين محمد صبيح بأنَّ الكتاب الذي نشره» يحوي قصصاً وألفاظاً مرسومة مخلة بالآداب العامة وخادشة للحياء ومنافية لأخلاق المجتمع المصريّ !» في حين كان دفاع المتهم أنَّ هذا الكتاب
« من كتب التراث التي يقوم بطبعها منذ أمد طويل وأنه لم يُضف إليها أو يحذف منها شيء باعتبار أن التراث يجب المحافظة عليه ونشره كما هو». وبعد أربع جلسات وحكم بالاستئناف حكمت المحكمة ببراءة الكتاب وبراءة ناشره من التهم المرفوعة ضده(130)! والغريب في الموضوع أنه قبل بضع سنوات وبالتحديد سنة 2010 سُحِبَتْ نسخة مصورة لألف ليلة وليلة عن طبعة دار الكتب المصريّة حقّقها أحد المستشرقين المعروفين وهو  المستشرق الألمانيَّ هابخط! ثم أُتيحت النسخة مرة أخرى للتداول!

السيرة الشعبية ودراسات النقد الثقافيَّ والدراسات الثقافيّة:سقوط النخبة وبروز الشعبيَّ:
ارتكز علم السردNarratology” على تحليل الأسطورة والخرافة والمرويات الشعبيّة عند بدء تأسيسه؛ فقد “كان كلود ليفي - ستراوسClaude Lévi-Strauss رائدًا للبحث السرديَّ حين درس الأسطورة من خلال المنظور البنيويَّ الذي وضع أسسه اللغوي السويسريَّ فرديناند دي سوسير. فالأسطورة بالنسبة لليفي - ستراوس تألف من بنية مزدوجة إحداهما عالميّة والأخرى محليّة(.. .)واستمر البحث على خط مشابه عند الشكلانيَّ الروسيَّ فلاديمير بروب  Proppحين شمل بحثه السردي الحكايات الخرافيّة الشعبيّة على النحو المعروف لدى دارسي هذا اللون من السرد”(131). وأسهمت الدراسات السردية في «زعزعة بعض القناعات الأدبيّة القديمة، ومنها طبقة النصوص، وهيمنة المعتمد الأدبيّ. فشرط العلميّة لايعترف بأدب»رفيع» وآخر «متواضع»، وإنمَّا كل النصوص سواء في قابليتها للتحليل السرديَّ»(132).
   كما أنه في مرحلة مابعد الحداثة Pos modernism  أصبح لدينا نوعان من الدراسات هما: «الثقافة العالية»، وتعالج الحياة الاقتصادية والاجتماعيّة على المستوى المعرفيَّ الإبيستمولوجيَّ، والنوع الثاني يعالج الممارسات الاجتماعيّة اليوميّة التي لم تكن في السابق مجالاً للدرس أو حتى تستحق الاهتمام بوصفها مجالاً فكرياً أكاديمياً كالفيديو وقصات الشعر والأزياء وأهميتها الثقافيّة، وموضوع هذه الدراسات هو»الثقافة الدنيا(133). بيد أنَّ هذا التقسيم إنما هو تقسيم تنظيريَّ فلسفيّ ومصطلحيّ؛ ذلك أنَّ الدراسات التطبيقيّة لما بعد الحداثة لا تعترف بالحدود والحواجز القائم بين الثقافتين، وإنما تقوم بمزجهما إذ لا وجود لديها»لثقافة عالية نخبويّة ولأخرى جماهيرية.»(134)
« لهذا يمكنا القول بأنَّ الدراسات الثقافيّة تحتل موقعا متوسطا ًبين اتجاهين أولهما ذلك الاتجاه الذي يعارض صراحة الاحتفاء بالثقافة الرفيعة أو ثقافة الصفوة كما تتجسد مثلا ًفي نصوص التراث الفنيّ المعتمد والتي يهتم الأدب الإنجليزيّ بدراستها، في مادة البحث التي يدرسها علم الموسيقى التقليديَّ وثانيهما: ذلك الاتجاه الأكثر وضعية المستمد من العلوم الاجتماعيّة وبصفة خاصة من الأنثروبولوجيا الثقافيّة وعلم اجتماع الثقافة(135).
   لقد ظلت الثقافة كما يذكر عبدالله الغذّاميَّ تتمحور حول «نخب تفرز ذاتها عبر تميزها سياسياً أو اجتماعياً أو علمياً، وهذه النخب السياسيّة أو العلميّة هي من يملك لغة التعبير والإفصاح، وكان اختراع الكتابة حدثاً مهماً في تاريخ الثقافات حيث تأسست النخب وتأسس خطاب خاص له مزاياه وشروطه، وبما إنَّ اختراع الكتابة أتاح ظهور النخبة العالمِة فإنه في المقابل قد أدى إلى ظهور جماعات لاتحصى من المهمشين الذين لا يملكون قدرة على التعبير عن أنفسهم وليس لديهم وسيلة إلى ذلك، هم الأبناء الفاسقون_حسب تعبير أرستوفانيس ممثل الثقافة النخبويّة_ والفاسق لغة هو الخارج قياساً على فسوق التمرة من قشرتها أي انسلالها وخروجها. وهذا يشمل النساء والأطفال والعجائز وجموع العمال والفلاحين والبدو، وتبلغ النسب هنا أرقامًا عالية، حيث تضيق قاعدة المتعلمين وتتسع قواعد الأميين المهمشين ثقافياً وليس لهم دور في صناعة الثقافة لا استقبالها، وصار لهم ثقافتهم الخاصة المضطهدة مثلهم ، وهي شفاهية بالضرورة وفي المقابل نخب ذات أقلية عددية لكنها تمتلك المفاتيح السحرية لإدارة الكون وتقرير المصائر. وأخيراً أشير إلى أنَّ معادلة الثقافي/ التفاهي تدخل في ثنائية أخرى هي ثنائية: نخبويّ/شعبيّ ، وكل ما هو شعبيَّ في يوم من الأيام قد يتحول في يوم آخر ليكون نخبويًا، بل إنَّ ذلك مصير محتوم في كثير من الأمور، ولسوف يجري تبادل عجيب للأدوار بين حالة شعبيّة تصبح نخبوية ومثال على ذلك نجده في أغاني أم كلثوم التي كانت شعبية عارمة ثم صارت نخبوية  كلاسيكية»(136).
 في مرحلة الدراسات الثقافيّة The Cultural Studies  أصبحت الدراسات النقدية لاتركز فقط على النصوص الأدبيّة المعتمدة أو النخبوية، وإنما أصبحت الثقافات المهمشة موضوعاً للتحليل، وبناء على هذه الدراسات أمكن للناقد الثقافيَّ تناول أسطورة البوب الأمريكية “مادونا” أو ظاهرة المولات”المجمعات التجارية”وأثرها على العولمة الثقافيّة إلى جانب تناول الشائعات والنكات والتحليلات الرياضيّة وسواها من أنماط الثقافة الرائجة عند عموم البشر(137).
بمثابة خاتمة:
  لابدذَ من استثمار السير الشعبيّة العربيّة وغيرها من السرديات الشعبيّة الأخرى كالحكاية الشعبيّة على سبيل المثال في عصر انتشار ثقافة الصورة وبروز عدد كبير من القنوات الفضائيّة. لقد كان المجهود الفرديّ الذي بذله على سبيل المثال الشاعر المصريّ عبدالرحمن الأبنوديّ مثمرًا وفاعلاً في تجميع نصوص السيرة الهلاليّة من صدور الرواة الشعبيين قبل موتهم واندثار جزء كبير من ذاكرتنا الشعبيةّ، ولكن تظل الجهود الفردية مؤثرة إلى حد ضئيل ولهذا لابد من تضافر الجهود المؤسسيّة سواء كنا نتحدث عن المؤسسات الثقافيّة الرسميّة من وزارات الثقافة والهيئات الحكوميّة والجامعات العربيّة أم كنا نتحدث عن جهود ثقافية غير رسمية مُمثلة في بعض المنظمات الأهليّة وفي جهود بعض التجار والأعيان من المهتمين بالثقافة.
  في بداية عصر السينما العربيّة عرف الجمهور عنترة بن شداد من خلال أفلام مُثِلتْ بالأبيض والأسود في السينما المصرية، ولكن الآن وبعد قرن كامل على دخول السينما الوطن العربيّ، وبعد انتشار القنوات الفضائيّة بالمسلسلات العربيّة المزدحمة المذاعة حصرياً في بعضها لا يزال استثمار المؤلفين و القائمين على إنتاج هذه البرامج ضئيلاً فيما يتعلق بالسيرة الشعبيّة العربيّة. وأذكر من المسلسلات الناجحة التي وظفت جنس السيرة الشعبيّة العربيّة مسلسل «الزير سالم « من إنتاج قناة الإم بي سي ومن تأليف الراحل ممدوح عدوان ، ولقد حقّق هذا المسلسل نسبة مشاهدة عالية جداً بسبب رؤيته الدراميّة التي  أسقطت الحاضر العربيَّ المشرذم على هذه السيرة الشعبيّة.
    إنَّ السيرة الشعبيّة العربيّة التي غُيِبَتْ نقديًا في النقد العربيَّ القديم لأمور متصلة بالتلقي المتعالي  وجدت رواجاً كبيرًا بين المتلقين على اختلاف أوساطهم وثقافاتهم، وهذه هي المفارقة الكبرى التي أشرتُ إليها في بدء حديثي. إنَّ هذا التعلق يعود للجاذبية الكبرى التي أحدثتها السيرة الشعبيّة العربية من جماليات السرد واختلاق تاريخ ثقافيَّ مغاير ومفارق للتواريخ الرسميّة، وهكذا استمر تخلق السير الشعبيّة العربيّة وانتقالها من الأوساط الشفاهيّة إلى الكتابية وهكذا دواليك. وفي عصر ثقافة الصورة والوسائط الاجتماعيّة والدراسات الثقافيّة لابدَّ من الاعتناء بجنس السيرة الشعبية العربيّة لكونها مكوّناً رئيساً للسرد العربي القديم وللذات العربية في مختلف سياقاتها الثقافية والفكرية، وهذا المكوِّن الرئيس كاشف عن ثقافة مسكوت عنها غُيِبَتْ رسميًا على مدى قرون ولكنها أعلنت وجودها ولم تستسلم أبدًا!

الهوامش

1 - انظر: الجاحظ، أبوعثمان عمرو بن بحر(ت255هـ)،كتاب الحيوان، تحقيق عبدالسلام هارون، بيروت:دار إحياء التراث العربي، المجمع العلمي العربي الإسلامي ،د.ت. ج3، ص 78؛ النويري،شهاب الدين بن أحمد بن عبدالوهاب(ت733هـ)، نهاية الأرب في فنون الأدب، نسخة مصوّرة عن طبعة دار الكتب المصرية، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، (_ _19)، ج 4 ، ص 174.
2 - الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك (ت764هـ)،نكت الهميان في نكت العميان، ط1، القاهرة:المطبعة الجمالية،1911. ص10.
3 -  هو كلثوم بن عمرو العتّابي(ت 220 هـ) من ولد عمرو بن كلثوم الشاعر الجاهلي صاحب المعلقة، أديب،  كاتب،  شاعر من شعراء الدولة العبّاسية، شامي من أهل قنسرين ناحية حمص، ومن ساكني بغداد.
4 -  ابن الجوزيّ، أبوالفرج عبدالرحمن بن علي القرشيّ(ت597هـ)، كتاب القصاص والمذكرين، ط1،تحقيق قاسم السامرائيّ، الرياض:دار أمية للنشر والتوزيع،1403هـ، ص 159.
5 -  انظر اللسان، مادة(دهم).
6 - ابن الجوزي، صيد الخاطر، ط1،تحقيق آدم أبوسنينة، دمشق:دار الفكر للنشر والتوزيع، 1987، ص 367.
7 - الحريري، أبو محمد القاسم بن علي البصري(ت516هـ)، درة الغواص في أوهام الخواص، ط1، تحقيق عرفان المطرجي، بيروت:مؤسسة الكتب الثقافية، 1418هـ /1998، ص 198.
8 - انظر الصحاح مادة(سوق).
9 - أبوسعد، نصر بن يعقوب الدينوري(ت 410 هـ)، التعبير في الرؤيا أو القادري في التعبير، مخطوط بمتحف بغداد رقم 598 نقلا ًعن فهمي سعد، العامة في بغداد في القرنين الثالث والرابع الهجريين، ط1، بيروت: الأهلية للنشر والتوزيع، 1983.
10 -  انظر: الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير(ت 310هـ)، تاريخ الرسل والملوك، ط1، القاهرة:دار المعارف، 1969، ج8، ص ص 496،468،448؛ ج9، ص363.
11 - انظر المقدسي، شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد البشّاري(ت 380هـ)، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط1، بغداد:مكتبة المثنى، 1900، ص8.
12 - انظر:القاضي النعمان، أبو حنيفة بن محمد بن منصور(ت 363 هـ)، افتتاح الدعوة، تحقيق فرحات الدشراوي، تونس: الشركة التونسية للتوزيع، 1975،ص 306؛ والمجالس والمسايرات، تونس: مطبوعات الجامعة التونسية، 1978، ص 556.
13 - المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي( ت845هـ)، اتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا، تحقيق محمد حلمي، القاهرة 1971، ج2، ص 126.
14 -  انظر: عبدالحميد بن يحيى الكاتب وما تبقى من رسائله ورسائل سالم أبي العلاء، دراسة وإعداد إحسان عبّاس، ط1، عمّان: دار الشروق،  1988، ص 281.
15 -  انظر: رضوان السيد. الجماعة والمجتمع والدولة: سلطة الإيديولوجيا في المجال السياسي العربي الإسلامي، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت،1997،» الكاتب والسلطان: دراسة في ظهور كاتب الديوان في الدولة الإسلامية، ص 133 وما بعدها.
16 -  انظر: فاروق خورشيد،أدب السيرة الشعبية،ط1، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان،1994. وانظر : ضياء الكعبي، السرد العربي القديم: الأنساق الثقافية وإشكاليات التأويل، ط1، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،2005.
17 -   انظر:ابن النديم، أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق(ت380 هـ)،  الفهرست، ط3، تحقيق يوسف علي طويل، بيروت: دار الكتب العلمية، 2010.
18 - الحيوان،ج4،ص 289.
19 - المصدر نفسه، مج 7 ج2 ،ص94.
20 -  الجاحظ، كتاب التاج في أخلاق الملوك،ط1،تحقيق أحمد زكي باشا، القاهرة،1914  ص21. هذا الكتاب منسوب للجاحظ . وقد تبيّن بالبحث أنه  من عمل كاتب عبّاسي  هو محمد بن الحارث الثعلبي(من علماء القرن الثاني الهجري).انظر: الثعلبيَّ.أخلاق الملوك،ط1، تحقيق جليل العطية، بيروت: دار الطليعة، 2003. مقدمة التحقيق.
21 - المصدر نفسه، ص19.
22 - المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
23 - العنف الرمزي مصطلح استخدمه عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو. ويعني به أنه «في تشكيلة اجتماعيّة محددة تميل المؤسسات المغلوبة إلى معاودة إنتاج أنموذج التعسف الثقافي الغالب». انظر بيير بورديو: العنف الرمزي، بحث في أصول علم الاجتماع التربوي، ترجمة نظير جاهل، ط1، الدار البيضاء وبيروت: المركز الثقافي العربي، ص1994.
24 - ابن حجة الحموي، تقي الدين أبوبكر بن علي الأزراري(ت837هـ)، ثمرات الأوراق، تحقيق وتعليق محمد أبو الفضل إبراهيم،ط3، بيروت:دار الجيل، 1997، ج1،ص 335.
25 - المصدر نفسه،ج1،ص 136.
26 - ثمرات الأوراق،ج1،ص 86.
27 - البيان والتبيين، تحقيق وشرح عبدالسلام محمد هارون، بيروت:دار الفكر للطباعة والنشر.د.ت،ج2،ص 206.
28 - المصدر نفسه،ج1ص 137.
29 - ابن المعتز،فصول التماثيل في تباشير السرور، تحقيق جورج قنازع، فهد أبوخضرة،ط1، دمشق: مطبوعات مجمع اللغة العربية،1410هـ/1989م، ص ص  32_33.
30 - البرهان في وجوه البيان، ط1،تحقيق أحمد مطلوب وخديجة الحديثي، بغداد:جامعة بغداد،1387هـ/1967م ،ص 248.
31 - المصدر نفسه، ص 248.
32 -  كتاب الصناعتين، تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم،ط1، بيروت: المكتبة العصرية، 1406هـ/1986،ص7.
33 -  رسالة الصداقة والصديق، القاهرة: مكتبة الآداب،د.ت.ن، ص7.
34 - كتاب الإمتاع والمؤانسة، تحقيق أحمد الزين، بيروت: منشورات الشريف الرضي .ت،ج1،ص 225.
35 - المصدر نفسه،ج1،ص23.
36 - آدم متز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري  أو عصر النهضة في الإسلام، نقله إلى العربية عبدالهادي أبوريدة،ط3، القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1957. ج1،ص 394.
37 - انظر: فصل في بيان الفقراء والمساكين وأهل البلوى، الرسالة الأولى، رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء، ط1، بيروت: منشورات عويدات، 1995 ، الجزء ص 354.
38 -  المقريّ،أبو العبّاس أحمد بن محمد(ت1041هـ)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب،ط1،تحقيق وتعليق محمد محي الدين عبدالحميد،القاهرة: المكتبة التجارية الكبرى،1949، م3،ص 156.
39 - الصوليّ، أبو بكر محمد بن يحيى بن عبدالله، أخبار الراضيّ بالله أو تاريخ الدولة العبّاسية من 233هـ إلى 333هـ من كتاب الأوراق، عُني بنشره ج.هيورث.د.ن،ط1، بيروت: دار المسيرة، 1399هـ/1979، ص 6.
40 - ابن الطقطقيّ، الفخري في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة، ط1،تحقيق عبدالقادر محمد مايو، حلب: دار القلم العربي، 1997، ص 21.
41 - المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
42 - ألفت الروبي، الموقف من القص في تراثنا النقديّ ،ط1، القاهرة: مركز البحوث العربيّة للدراسات والتوثيق والنشر،1991، ص154.
43 - ابن الطقطقيّ، الفخريّ في الآداب السلطانيّة والدول الإسلاميّة، ص 22.
44 - المصدر نفسه،ص 22.
45 - أبونصر العتبي: مؤرخ عاش في خراسان له كتاب(اليميني) في تاريخ محمود بن سبكتكين الغزنوي، توفي (427هـ/1036م)، الزركلي ، الأعلام، م6، ص 184.
46 - المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر،ط1، تحقيق أحمد محمد الحوفي وبدوي طبانة، القاهرة: مكتبة نهضة مصر،1959. القسم الرابع، ص12.
47 - تاريخ ابن خلدون، تحقيق تركي فرحان المصطفى، ط1، بيروت: دار إحياء التراث العربي،بيروت، 1419هـ/1999،م6 ،ص ص21_22.
48 - الموقف من القص في تراثنا النقدي،ط1، القاهرة : مركز البحوث العربية للدراسات والنشر،1991.
49 - انظر : سيرة بن ي هلال. أعمال الندوة العالمية الأولى حول السيرة الهلالية،ط1، تونس: الدار التونسية للنشر، 1990.
50 - انظر : ضياء الكعبي ، السرد العربي القديم، ص 349_362.
51 - محاولة في تحديد وضع القصص في الأدب العربي القديم، حوليات الجامعة التونسية، العدد32 32.ص ص 250_251.
52 - انظر: كتاب القصاص والمذكرين، ص 336.
53 - المصدر نفسه، ص 66.
54 - انظر: المصدر نفسه، ص 178.
55 - معالم القربة في أحكام الحسبة، عُني بنقله وتصحيحه روبن ليوي،بغداد: مكتبة المثنى، 1937، ص 272.
56 - معيد النعم ومبيد النقم، ط2، بيروت:دار الحداثة، 1985. ص ص 113_114.
57 - المصدر نفسه، ص ص 113_114.
58 - انظر: تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، تحقيق محمد لطفي الصباغ، ط2،  جدة:المكتب الإسلامي، 1404هـ/1984م،ص 269 وما بعدها ؛ وانظر مقامة السيوطي (مقامة  تُسمى بالفتّاش على القُشاش)، شرح مقامات جلال الدين السيوطي، ط1، تحقيق: سمير محمود الدروبي،بيروت:مؤسسة الرسالة، 1409هـ/1989م، ج2 ،ص 856 وما بعدها.
59 -  شرح مقامات جلال الدين السيوطي، ج 2،ص 883، انظر أيضاً: طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة، المصدر نفسه، ج2، ص 765.
60 - انظر:تلبيس إبليس ط1، دمشق: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،1414هـ/1994،  صيد الخاطر، تحقيق آدم أبوسنينة ط، بيروت:1 دار الفكر للنشر والتوزيع، 1987.
61 -  انظر: عن مجالس ابن الجوزي، رحلة ابن جبير، ط2، ذاكرة الكتابة، القاهرة: الهيئة لمصرية العامة لقصور الثقافة، أكتوبر 1998 ص ص 185_188.
62 - كتاب القصاص والمذكرين، ص 151.
63 - تحذير الخواص، ص49.
64 -كتاب القصاص والمذكرين، ص ص 89_90.
65 - المصدر نفسه، ص 79.
66 - المصدر نفسه، ص ص 79_81.
67 - معيد النعم ومبيد النقم، ص114.؛ أيضاً:السيوطي: مقامة (الفتّاش على القشاش)؛ شرح مقامات السيوطي، ج2، ص ص 856_886.
68 - كتاب القصاص والمذكرين، ص ص 66_67.
69 - كتاب القصاص والمذكرين، ص177.
70 - المصدر نفسه، ص 158.
71 - المصدر نفسه، ص 151.
72 - انظر تحذير الخواص من أكاذيب القصاص، تحقيق محمد لطفي الصباغ،ط2، جدة: المكتب الإسلامي،  1984 1404هـ.
73 - جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن،ط1، بيروت:دار الكتب العلمية،1980، ج2، ص178.
74 - رأي ابن كثير عن أحاديث البطّال في :ابن كثير،البداية والنهاية، ط3، بيروت:مكتبة المعارف،1982، ج9، ص232. والبطّال هو أبومحمد عبدالله البطّال(ت 122هـ)، قائد شجاع من أمراء الحرب الشاميين في زمن بني أمية. وكان على طلائع مسلمة بن عبدالملك في غزواته. قال عنه الذهبيَّ:كذب عليه جهلة القصاص وحكوا عنه من الخرافات ما لا يليق» واستشهد مع الروم»،الأعلام، مجلد 4، ص74.
75 -  الونشريسي، المعيار المعرب والجامع المقرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس، ط1، خرّجه جماعة من الفقهاء بإشراف محمود حجي، بيروت: دار الغرب الإسلامي،1981، ج6، ص 70
76 - المصدر نفسه، ج1، ص24.
77 - جمال الدين بن شيخ،»الثقافة العربية وتغييب المتخيل»، مجلة الكرمل، العددان 27،28،1988، حوار أجراه محمد برادة،ص ص81_82.
78 -  انظر جمال الدين بن شيخ يحاور المخيلة الشعبية العربية، لماذا تظل أجزاء كبيرة من هذه المخيلة خارج الاهتمام الكلاسيكي؟، أجرى الحوار صالح بشير، جريدة اليوم السابع، السنة الخامسة، العدد 252، الاثنين 6 آذار (مارس)1989.
79 -  انظر: كتاب الفهرست، المقالة الثامنة في أخبار المسامرين والمخرفين وأسماء الكتب المصنفة في الأسمار والخرافات، ص 363_373.
80 - تأويل مختلف الحديث، القاهرة،د.ن 1908، ص ص 355_365.
81 - صلاح جرّار، الفنون الشعبية الإسلامية وصلتها بالتمثيل، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، مجلد 9، العدد 1، الأردن،1994،ص 106.
82 - انظر : محمود إسماعيل. المهمشون في التاريخ الإسلامي، ط1، القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع،2004. «ثقافة المهمشين»، ص ص19_199.
83 - انظر:جوفاني كانوفا،»الغجر وسيرة الزير سالم»، مجلة المأثورات الشعبية، العدد 17، السنة الخامسة،1990م، ص ص13_40.
84 - على سبيل المثال انظر : محمد رجب النجار، حكايات الشطار والعيارين في التراث العربي.
85 - انظر: ابن الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد أو مدينة السلام، ط، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية،1417هـ/1977م. 1ج8، ص ص 112_135؛  ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق إحسان عبّاس، بيروت:دار الثقافة،1971. م2،ص ص 140_157؛ ابن كثير، البداية والنهاية، بيروت: مكتبة المعارف،1982. ج11، ص ص 132_144.
86 - انظر : السيرة الشعبية للحلاج، تحقيق رضوان السح، ط 1، بيروت: دار صادر، 1998.
87 - انظر:عبدالحميد يونس،ا الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي،ط1، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة ،ص 101.
88 - عبدالحميد حوّاس،سيرة بني هلال على مائدة مستديرة، مجلة الوادي، القاهرة، مجلد 2، عدد8، ديسمبر 1980، ص ص 74_77.
89 - انظر: تاريخ ابن خلدون، ط1، دار إحياء التراث العربي، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت،1999، ج6، ص 3.
90 -  سيرة بني هلال، بيروت:المكتبة الشعبية،د.ت، ص3.
91 - . The Gypsy on the Doorstep: ADirty story or a subversive genealogy, 1986, pp167_192
92 - عبدالرحمن أيوب: الآداب الشعبيّة والتحولات التاريخيّة والاجتماعيّة، عالم الفكر، مجلد 17، العدد الأول، 1986.ص36.
93 - المرجع نفسه، ص 36_37.
94 - المرجع نفسه،ص ص 36_37.
95 -  وصف مصر، المصريون المحدثون، ترجمة زهير الشايب ،ط1، القاهرة: مكتبة مدبولي ، 1978، ص ص 138_140.
96 - انظر محمد عمر، حاضر المصريين أو سر تأخرهم، تحقيق  مجيد طوبيا(عن نسخة مصوّرة للطبعة الأولى الصادرة في عام 1902، القاهرة: المكتب المصري لتوزيع المطبوعات، 1998. ص 248_249.
97 - انظر لويس عوض، تاريخ الفكر المصري الحديث، ط1، القاهرة: مكتبة مدبولي ،1987 ج1، ص 400.
98 - انظر محمد يوسف نجم، القصة في الأدب العربي، 1870/ 1914، ط3،  بيروت:دار الثقافة، بيروت،1966، ص 17.
99 - انظر المقتطف، السنة الثانية عشرة، الجزء العاشر، تموز يوليو 1888م الموافق 22 شوال ، 1305هـ،ص 648.
100 - جريدة الأمل، السنة الأولى، العدد الثلاثون، 5 تشرين الثاني 1923 نقلاً من: محسن الموسوي، الرواية العربية، النشأة والتحول، ط1، بغداد: مكتبة التحرير،1986 ،ص 49.
101 - جريدة الوقائع المصرية، مطبعة الداخلية الجليلة، يوم الأربعاء 13 جمادى الثانية 1298هـ الموافق 11 مايو الإفرنكي 1881 بشنس القبطي 1597، أعادت مجلة فصول نشر هذه المقالة في المجلد العاشر العددان الأول والثاني يوليو أغسطس 1991،ص 207.
102 -  المصدر نفسه،ص208.
103 - المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
104 - المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
105 - المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
106 - المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
107 - ثمرات الفنون، بيروت، يوم الاثنين 26 رمضان 1303هـ الموافق 28 و26 حزيران سنة 1886، ص 3، أعيد نشرها بمجلة فصول المجلد العاشر العدد الثاني أغسطس 1991،ص 211».
108 - جابر عصفور، قراءة التراث النقدي ط1،القاهرة: مؤسسة عيبال للدراسات والنشر،1991،ص 253.
109 - مقامات أبي الفضل بديع الزمان الهمذاني، قدّم لها وشرح غوامضها الشيخ محمد عبده،ط5، المطبعة الكاثوليكية، لبنان، 1965،ص ص 3و.4
110 - يعقوب صروف، المقتطف،أغسطس ،نوفمبر،1891،ص 138.
111 - محمد عمر،حاضر المصريين أو سر تأخرهم ،ص 145.
112 - المرجع نفسه،ص 147(الهامش).
113 - المرجع نفسه،ص 219.
114 - المرجع نفسه،ص 218.
115 - محمد حسين هيكل، زينب، ط5،  القاهرة: دار المعارف، 1992، ص7.
116 - تكوين العقل العربي، ط7،  بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1998ص7.
117 - محمد عابد الجابري.العقل السياسي العربي محدداته وتجلياته، ط5، بيروت:مركز دراسات الوحدة العربية، ص16 .
118 - نعمة الله إبراهيم، السير الشعبية العربية، ط1، بيروت: شركة  المطبوعات للتوزيع والنشر ، 1994، ص15.
119 - بيير كاكيا، تاريخ كيمبردج للأدب العربي، الأدب العربي الحديث، ط1، تحرير عبدالعزيز السبيّل، أبوبكر باقادر، محمد الشوكاني، جدة: النادي الأدبي الثقافي،1423ه/2002م، رقم(121). ص ص 600_601، زهرة العمر، ط1، القاهرة: مكتبة الآداب،1943.ص 35.
120 - انظر موسى سليمان،  الأدب القصصي عند العرب، ط3، بيروت: دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر، مكتبة المدرسة،1960.
121 -  انظر عن الأنواع الأدبية: سعيد يقطين،الكلام والخبر، مقدمة للسرد العربي،  ط1، بيروت، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي،1997.ص ص 175_220.
122 - انظر كتاب محمد عبدالمعيد خان، الأساطير العربية قبل الإسلام، ط1، لجنة التأليف والترجمة، القاهرة،1937؛ سهير القلماوي، ألف ليلة وليلة، القاهرة: مطبعة المعارف ومكتبتها، 1959.
123 - انظر سعيد يقطين،  الكلام والخبر، ص 86.
124 - عبدالحميد يونس، الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي، ط2، القاهرة: مطبعة جامعة القاهرة، دار المعارف،1968،ص 9، سعيد يقطين، الكلام والخبر، ص 89، جوفاني كانوفا، دراسات حول الملحمة الشعبية العربية، تعريب عن الإيطالية يوسف حبي، مجلة التراث الشعبي، بغداد، العدد الأول،1982ص 15.
125 - انظر : تصدير عبدالحميد يونس في كتابه ،دفاع عن الفولكلور، ط1، القاهرة: الهيئة المصرية العامة  للكتاب، 1973 .
126 - انظر الثقافة الشعبية وأوهام الصفوة،ط1، القاهرة:مركز الحضارة العربية، 2002،ص 299 ؛ وانظر أيضاً المرجع نفسه، بحثه عن « الثقافة الشعبية،رؤية تأصيلية»، ص 291.
127 - انظر: أوراق في الثقافة الشعبية، ط1،  القاهرة:دار الأمين للنشر والتوزيع، القاهرة،2003 .
128 - انظر الكتاب: قال الراوي، البنيات الحكائية في السيرة الشعبية، ط1،  بيروت والدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1997.
129 -  انظر: سيد إسماعيل ضيف الله، الآخر في الثقافة الشعبية: الفولكلور وحقوق الإنسان، ط1، القاهرة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان،2001.
130 -  انظر الوقائع الطريفة في محاكمة كتاب ألف ليلة وليلة مجلة فصول، المجلد الثاني عشر، العدد الرابع، شتاء 1994(ألف ليلة وليلة) الجزء الأول.، ص ص273_293.
131 - دليل الناقد الأدبي ،ص 175.
132 - المرجع نفسه ،ص 176.
133 - المرجع نفسه،ص 124.
134 -  المرجع نفسه،ص 126.
135 -  المرجع نفسه، ص300.
136 -  الثقافة الشعبية والتلفزيزنية، سقوط النخبة وبروز الشعبي، ط2، بيروت والدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2005.ص ص 49_76.
137 -  The Cultural Studies Reader,Edited by Simon During,Routledge,London and NewYork,1999


أعداد المجلة