فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الحكاية الشعبية بين خصوصية النشأة وحرية الفن

العدد 23 - التصدير
الحكاية الشعبية بين خصوصية النشأة وحرية الفن
كاتبة من تونس

ككل عمل إبداعي يشهد مجال الثقافة الشعبية تطورا حينا وتذبذبا حينا آخر وأخذا وردا في نقاشات مطولة في منتديات ولقاءات مختلفة نشعر أحيانا أنها تعمل على أن تنهض بهذا المجال وتسعى إلى تطويره والتوسيع من دائرته وحينا آخر نشعر أن الكثير من النقاشات والدراسات الدائرة بشأنه تقعد به عن مساره وقد تخيب أحيانا طموح رواده وآفاق مريديه.


وكلنا نعلم أن كثيرا ما جمعت الحكاية الشعبية مثلا بين قيم إنسانية ومبادئ كونية عامة مشتركة نشعر دوما ونحن نقرأ أي حكاية أننا نعرفها وأننا قرأناها من قبل في زمن مغاير وفي مكان مختلف ولكنها دوما مشدودة إلى قيم الإنسان أينما كان تدعم مبادئه وتنادي بأفكار وترفض أخرى حتى تستجيب لقيم المجتمع المثلى في بناء شخصية الانسان الأقرب إلى خصال الكمال.


ولعل السؤال الذي يطرح دوما بقوة في هذا المجال وإذا انطلقنا من مسلمة أن التراث الشعبي والحكاية منه على وجه الخصوص هي فن يستجيب لكل خصائص الفنون وشروطها هو: كيف ندون تراثا شعبيا مخصوصا  وكيف نتجاوز كونية الأثر وإنسانيته المطلقة  للقيم التي ينشدها إلى تدوين مجالات مخصوصة في مواطن معينة ومحددة تعكس هوية مجتمع من المجتمعات تحاول جر الأثر جرا إلى بيئته لتنشأ الخصوصية ولتتحقق الهوية؟ وهل فنية الحكاية الشعبية لا تتحقق إلا في ارتباطها بالمحلية الضيقة التي تحاول أن تجمع وتبحث لتحقق التفرد والتميز بين مجتمع وآخر وداخل المجتمع الواحد بين فئة وأخرى وبيئة وأخرى؟


إن السؤال الكبيرهو أين تكمن حرية الحكاية الشعبية مثلا وهل هي حرية غير مشروطة تماثل في مجالها مختلف الفنون من رسم وغناء ورقص وسينما ومسرح وشعر وغيرها من الفنون التي تعيش أبدا في مجتمعاتنا خاصة هذا الصراع المتواصل بين الإبداع كحرية وانطلاق وضغوط التحريم بما تفرضه من قيود اجتماعية ودينية ولغوية وغيرها على الإبداع مطلقا أيا كان مصدره ومجاله؟
هل يعد الفن فعلا ممارسة لأقصى مستويات الحرية؟وإذا كان الرقص كما قال بعضهم»يحرر قيود الجسد والموسيقى تحرر من الرتابة والفن التشكيلي يحرر من قيود المادة والشعر والأدب يحرر من قيود اللغة المتداولة»فهل يمكن اعتبار تحرير الحكاية الشعبية من لغتها الأم لغتها الأصلية لتبلغ آفاقا أرحب ومجتمعات أكثر, تحريرا لها من قيد اللغة المحلية أو اللهجة التي لا يفهمها أحيانا إلا البعض والتي قد تضيق على الحكاية وتقيد من حريتها في الانتشار والذيوع؟


إننا نطرح بهذا السؤال قضية شائكة وكبيرة كثيرا ما خاض فيها الدارسون والباحثون في هذا المجال وهوكيف يمكن لمجتمع من المجتمعات أن يقرب الحكاية الشعبية إلى قارئها المنتمي إلى مجتمع مغاير؟هل نصوغها كما سمعناها من راويها  أم نحور لغتها الشعبية ما أمكن  إلى لغة فصيحة مبسطة لتقريبها للأذهان؟حتى نضمن ديمومتها وسرعة ذيوعها؟ولكن إلى أي مدى نعتبر هذا التصرف الفني حرية في التعامل مع هذا النوع من الآثار والفنون؟أليس بهذا التصرف تجاوز لخصوصية الحكاية الشعبية الأصلية؟ألا نتعدى بذلك على حرية صاحب النص الأصلي أو الراوي المباشر؟أين أمانة النقل من كل ذلك؟ألا تستجيب الحكاية الشعبية إلى جملة المعايير الفنية التي تميز غيرها من الفنون؟


إذا كانت الحكاية الشعبية تسعى جاهدة دوما إلى تدوين ما نسمع في لغته الأصل محافظة قدر المستطاع على الأصل ألا نحدد بذلك من مجال الإبداع في هذا الفن الذي نعتبره من الفنون وهو بحاجة للحرية بدوره ليحيا وينطلق ويحلق في أرجاء عدة؟
هي جملة من الأسئلة تطرح في هذا المجال لتؤكد من جديد على ثراء البحث في هذه المواضيع وعلى خصوصية الإبداع في مجال التراث الشعبي وأن الحرية تظل دوما أفق كل الفنون والحكاية الشعبية لن تشذ أبدا عن هذه المباحث التي تنهض بها دوما وتزيد من إشعاعها وثرائها كمختلف الفنون الأخرى.فالتعامل معها لا يخرج عن ثنائية الخصوصية المحلية وإطلاقية الإبداع الفني بما يعنيه من حرية إنسانية وكونية.

أعداد المجلة