فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

ذاكرة الأغنية البحرينية (1895-2011)

العدد 22 - جديد النشر
ذاكرة الأغنية البحرينية (1895-2011)

تأليف: إبراهيم راشد الدوسري


اسم الكتاب: ذاكرة الأغنية البحرينية
            (1895-2011)
الـمـــــــؤلـف: إبراهيم راشد الدوسري
النـــــــاشــــر: وزارة الــــثـــــقـــــــافـــــــــــة
                 (ضمن سلسلــــة كتــاب البحــرين
                       الثقافية رقم 32)
                   مملكة البحرين – 2012.

تمثل الأغنية صوت مشاعر الناس في مختلف اللحظات.. وترافق نبض قلوبهم في كل مواقع الحياة .. تسامر فرحهم.. تترجم حزنهم، تداعب أحلامهم، وترافق مسيرة عملهم اليومي سواء في المزارع والحقول أو في رحلة البحث عن اللؤلؤ في مغاصات البحار العميقة.. وتشاركهم الاحتفال بليالي الزواج ومواسم الفرح.. ترددها الألسن وتعشقها القلوب ويحتل صوت فرسانها مكانتهم في قلوب الناس.
وعندما ترصد الذاكرة تاريخ الأغنية البحرينية عبر مراحلها المختلفة نجد أمامنا مسيرة كبيرة من الأحداث والتطورات التي مرت بها الأغنية سواء على مستوى الإبداع الفردي أو الجمعي كالفنون الشعبية، وكذلك قائمة من أسماء الفنانين الشعبيين وفناني الأغنية الفردية من مطربين وملحنين وشعراء الأغنية، قدامى ومعاصرين، من هنا فالذاكرة البحرينية مزدحمة بالأسماء والأحداث والأماكن.
يتمتع مؤلف هذا الكتاب الذي نتناوله بالتقديم والتقييم (ذاكرة الأغنية البحرينية)، وهو الفنان إبراهيم راشد الدوسري، بذائقة فنية عالية جداً وبحس مرهف، بالإضافة إلى كونه ملحناً ومطرباً وعازف عود متميز.. إلا أن لديه في نفس الوقت شغف كبير بتوثيق كل ما يسمع ويشاهد بالصوت والصورة وهذه من أجمل صفاته.. وأعتقد أنها الطريق التي قادته إلى تأليف هذا الكتاب. فالمؤلف إبراهيم الدوسري من مواليد عام 1954 في قرية جميلة من إحدى قرى المنطقة الشمالية من مملكة البحرين وهي قرية “البديع” المطلة على البحر والمشهودة بأنها من أغنى مناطق صيد السمك، حيث تربى كما قال في مقابلة مع صحيفة الوقت التي توقفت عن الصدور في بيت يجتمع فيه الفن والدين فجدُّه لأمه هو محمد بن عمران بن خلف الدوسري، وهو الذي قام بتربيته ورعايته منذ صغره، وهو شيال عرضة وشاعر وحداي، كما هو معلم للقرآن ويملك صوتاً جميلاً ويؤذن ويحيي حفلات المولد النبوي وراوٍ للقصص والسير الشعبية والأشعار، كذلك ساهمت في تربيته عمته (أخت جده) هي آمنة بنت عمران بن خلف الدوسري معالجة شعبية، وتملك الكثير من القصص التراثية التي تحفظها وترددها عليه باستمرار، فهذه البيئة ساهمت في تكوين شخصية المؤلف واهتمامه بالغناء والتراث وخلقت لديه التوق إلى التوثيق والمتابعة والرصد حفاظاً على شحذ الذاكرة الجمعية وتحفيزها.
من وجهة نظري الشخصية أعتبر هذا الكتاب من الكتب القيمة التي أضيفت إلى المكتبة البحرينية في مجال توثيق تاريخ الأغنية البحرينية.. فهو سجل حافل وتتبع دقيق لرحلة الأغنية البحرينية على مدى 126 سنة من عام 1895-2011 وهي فترة زمنية طويلة يصعب على أي متتبع أن يرصد دقائق أحداثها فيما يتعلق بالأغنية في مختلف مجالاتها الإبداعية.
الكتاب رحلة جميلة عبر الزمن مع الأغنية البحرينية من خلال اثني عشر فصلاً تناول فيها المؤلف كل الجوانب المتعلقة بإنتاج الأغنية من مؤلفين وملحنين ومطربين وفرق موسيقية ومنتجين وعازفين وفرق شعبية وجمعيات، محاولاً خلالها تقديم أكبر قدر من المعلومات الممكنة والتي جمعها المؤلف من خلال اهتمامه الكبير بالأغنية ورصده المتواصل لمساراتها ومتابعة حثيثة لفرسانها ومبدعيها من خلال مقابلاته الشخصية معهم أو جمعه لمعلومات عنهم كتابة أو مشافهة أو تسجيلات صوتية معهم، مما ساهم في ثراء مادة الكتاب.

- الفصل الأول: يبدأ المؤلف كتابه بافتتاحية جميلة تناول فيها فنون الغناء الشعبي والفرق ودور الغناء الشعبي لما في ذلك من ارتباط مباشر بين الفنون الشعبية والأغنية المعاصرة التي تستمد جذورها من هذه الفنون، فتعرض إلى فنون البحر المرتبطة بمهنة الغوص وأشهر الحدائين وأسماء الدور الشعبية المعروفة آنذاك مروراً بأشهر الفنون مثل فن الصوت، العرضة، الليوه، الطنبوره، وغيرها من الفنون، مستشهدا فيها بالكثير من النصوص الغنائية التي يتداولونها في هذه الفنون. هذا المبحث تتوافر فيه الكثير من التفاصيل المهمة التي يجد فيها القارئ شذرات عن كل فن من هذه الفنون.

- الفصل الثاني:  تناول فيه المؤلف فن الصوت والطرب الشعبي كأحد الفنون المهمة في البحرين والخليج العربي، حيث ارتبط فن الصوت بمنطقة الخليج العربي وبالبحرين على وجه الخصوص حيث كان الفنان محمد بن فارس رائد فن الصوت في الخليج نظراً لما أدخل عليه من تطويرات مهمة. لكن المؤلف تناول هذا الفصل بشكل مقتضب وقصير وبمعلومات غير متعمقة عن هذا الفن ونوعه وتاريخه بالرغم من انتشار هذا الفن وذيوع صيته، ولم يرفده بالتفاصيل التي توضح تاريخه وبداياته كما فعل في الفصل الأول، بقدر ما انشغل بسرد أسماء فرسانه أمثال محمد بن فارس وضاحي بن وليد ومحمد زويد وغيرهم وكيفية بروز تسجيل الاسطوانات وتواريخ هذه التسجيلات وإن كان ذلك من الجوانب المهمة، ولكن كنت أتمنى لو تحقق هذا التفصيل بحيث لا يكون الفصل في ست صفحات فقط لا تشفي غليل المتتبع لهذا الفن.

- الفصل الثالث: استعرض المؤلف فيه رواد الأغنية البحرينية في النصف الأول من القرن العشرين موضحاً إسهام كل فنان من هؤلاء الفنانين الشعبيين بدءاً من الفنان محمد بن فارس وهو أشهر من غنى الصوت ، ضاحي بن وليد، محمد زويد، عبدالعزيز بورقبة ، عبدالله بوشيخة ويوسف فوني وغيرهم من الفنانين. وهو فصل مليء بالمعلومات المفصلة، وهي في نظري امتداد للفصل الثاني بشكل لصيق، وإن لم يكن جزءا منه، مع تزويد الفصل بصور شخصية لكل من ورد ذكره من الفنانين.
    
- الفصل الرابع: يرتبط هذا الفصل ارتباطاً وثيقاً بأكثر وسيلة إعلام ساهمت مساهمة واضحة في خلق جمهور من المستمعين يتابع أعمال الفنانين الغنائية عندما كانت في البداية بشكل مباشر قبل وجود أشرطة التسجيل عندما بدأت إذاعة “التلغراف” عام 1941 إبان الحرب العالمية الثانية وتحلق الناس في المقاهي حول جهاز المذياع لسماع الأخبار والأغاني الشعبية، ومراحل تطور إذاعة البحرين. ولم يغفل المؤلف دور هذا الجهاز في انتشار الأغنية البحرينية، وكذلك إسهام جهاز تلفزيون البحرين عندما بدأ بثه عام 1973 وبدأ في تصوير الأغاني والفرق الشعبية.
- الفصل الخامس: يهتم هذا الفصل بموضوع الثقافة الموسيقية وهو توثيق ورصد تناول فيه المؤلف الشخصيات الفنية البحرينية التي كان لها الفضل في تعليم الموسيقى ونشر ثقافتها في المجتمع البحريني، وأرجع المؤلف الفضل الأول في ذلك إلى الفنان عبداللطيف بن فارس الأخ الأكبر للفنان محمد بن فارس استناداً على ما ذكره الباحث مبارك العماري عن رواية للشاعر المرحوم الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، خلاف ما هو شائع من أن الأستاذ المرحوم جاسم العمران هو رائد التعليم الموسيقي في البحرين في الأربعينات حيث افتتح فصولاً دراسية لتعليم الموسيقى بشكل حديث في كل من مدينتي المحرق والمنامة. كما أورد المؤلف مجموعة كبيرة من الموسيقيين البحرينيين الذين كان لهم إسهام واضح في نشر الثقافة الموسيقية بعد تعلمها في المعاهد الموسيقية خارج البحرين أمثال محمد جمال، جليل شبر، وحيد الخان، الدكتور مبارك نجم ، الدكتور جمال السيد، نورية مطر ، هدى عبدالله وغيرهم. ولم يغفل المؤلف رصد قائمة كبيرة من الموسيقيين العرب المقيمين في البحرين الذين ساهموا في تدريس مادة الموسيقى في المدارس الحكومية وكان لهم دور ملحوظ في نشر الثقافة الموسيقية أمثال الأساتذة مجدي عدس، الياس ميشيل عوض، محمد كمال الدين وغيرهم.  

- الفصل السادس: خلال الثلاثينات من القرن الماضي برزت العديد من الفرق الموسيقية في البحرين بدءاً من فرقة موسيقى الشرطة التي أنشأت 1929 مروراً بفرقة أسرة هواة الفن عام 1946 وفرقة الأنوار الموسيقية عام 1965 حتى أحدث هذه الفرق وهي فرقة محمد بن فارس وفرقة البحرين للفلامنجو مسيرة طويلة من التأسيس لهذه الفرق ذكرهم المؤلف بإسهاب ينم عن امتلاكه للكثير من المعلومات والتفاصيل. بالإضافة إلى سرده لتأريخ تأسيس استوديوهات التسجيل وهي الأذرعة المهمة لإنتاج الأغنية من أول منذ أستوديو إذاعة (التلغراف) عام 1941 حتى إنشاء الاستوديوهات المعاصرة وآخرهم أستوديو الفنان راشد الماجد عام 2008.

- الفصل السابع: في هذا الفصل تناول المؤلف تجربة تأسيس جمعية البحرين للموسيقى والفنون الشعبية كتجربة متفردة في تاريخ الجمعيات الفنية  بايجابيتها وسلبيتها حيث أفرد لها فصلاً خاصاً تناول فيه بدايات تأسيسها وإسهاماتها والعوامل التي ساعدت على إغلاقها كون المؤلف كان آخر رئيس لمجلس إدارتها.

- الفصل الثامن: مؤسسة صوت وصورة كانت تمثل المؤسسة الوطنية التي لعب صاحبها المرحوم أحمد إبراهيم جمال دوراً حيوياً في إنتاج الأغنية البحرينية الحديثة وانتشارها، وغامر برأسماله في خلق حراك فني كبير لجميع الفنانين البحرينيين.
- الفصل التاسع: حاول المؤلف في هذا الفصل توثيق المهرجانات والمؤتمرات الموسيقية المحلية والعربية والدولية التي شاركت بها البحرين من خلال فنانيها وهو رصد مهم لكل باحث ومهتم بهذه الإسهامات.

- الفصل العاشر: في هذا الفصل يستكمل المؤلف محاولاته في رصد وتوثيق كل ما يتعلق بالأغنية البحرينية فخصص هذا الفصل للإصدارات البحرينية في مجال الموسيقى والفنون الغنائية فقام برصد 35 إصداراً فنياً لكتاب بحرينيين تناولوا موضوعات متعددة حول الأغنية والفنون الشعبية وسير بعض روادها.

- الفصل الحادي عشر: يعتبر هذا الفصل من أكبر فصول الكتاب الذي تناول فيه المؤلف أسماء جميع المساهمين في الأغنية البحرينية المعاصرة ملحنين ومطربين مهما تفاوتت درجة إسهامهم في هذا المجال أمثال الفنان إبراهيم حبيب، أحمد الجميري، محمد علي عبدالله، يوسف مشائي، ماجد عون  كرواد لهذه المرحلة، ثم الجيل الذي جاء بعدهم مثل الفنانين جعفر حبيب، يعقوب بوطيع، عبدالصمد أمين، وغيرهم، وكذلك أسماء الملحنين مثل المرحوم عيسى جاسم وأحمد فردان وغيرهم، مع تزيين هذا الفصل بصور لجميع الفنانين الذين ذكرهم في هذا الفصل.

- الفصل الثاني عشر: هذا الفصل هو آخر فصول الكتاب والذي لا يقل في الأهمية والمساحة عن الفصل السابق، وهو رصد موثق بالسير الذاتية لكل الذين أسهموا في صياغة المفردة الشعرية من الشعراء وكتاب الأغنية بدءاً من محمد بن حبتور، الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، حسن كمال، علي الشرقاوي، إبراهيم الأنصاري ، راشد نجم، يونس سلمان ، عارف الهاشل وغيرهم مع صورهم الشخصية. وختم الكتاب بقائمة للمراجع التي استخدمها أو استعان بها كتسجيلات الرواة .

الخلاصة:
- يعتبر هذا الكتاب من وجهة نظري الخاصة من الكتب الهامة التي هدفت إلى توثيق ورصد مسار الأغنية البحرينية على مدى أكثر من مائة عام، وهو إضافة جديرة بالاهتمام والعناية من قبل الدارسين والمهتمين بتاريخ الأغنية .
- لا يعتبر هذا الكتاب كتاباً نقدياً ولا تحليلياً يعطي رأياً فاصلاً أو يفند موقفاً، إنما يعتبر كتاباً موثقاً وراصداً وأميناً على التاريخ حيث اعتمد على مصادر كثيرة منشورة ولقاءات شخصية مع بعض الفنانين ولقاءات صحفية وإذاعية وتلفزيونية، بالإضافة إلى سير ذاتية حصل عليها المؤلف من الفنانين أنفسهم خصوصاً فيما يتعلق بالفنانين المعاصرين.
- الكتاب مليء بالتواريخ المهمة التي قد لا تكون معروفة لدى الكثير من المهتمين، وكذلك كم كبير من الصور النادرة التي جمعها المؤلف أو يحتفظ بها بحكم ولعه بالتصوير والتوثيق.
- يتمتع الكتاب بصياغات جميلة تنم عما يملكه المؤلف من قدرة على صياغة بأسلوب جميل ورشيق بعيد عن الزخرفة اللفظية.
- إلى جانب الإيجابيات الكثيرة التي يتمتع بها هذا الكتاب القيم هناك بعض الملاحظات التي لا ضير من ذكرها لتجنبها في الطبعات القادمة للكتاب وهي كالتالي:
   حبذا لو تم الانتباه إلى تناسق حجم فصول الكتاب فهناك فصول طويلة مليئة بالمعلومات مثل: الفصل الأول، الحادي عشر، والثاني عشر، في مقابل فصول قصيرة قليلة المعلومات مثل: الفصل الثاني والفصل الثامن، لخلق ذلك تناغماً منطقياً بين الفصول حتى ولو اضطر المؤلف إلى دمج بعض الفصول المتشابهة.
  فلسفة ترتيب أسماء الفنانين من مطربين وملحنين وشعراء ضمن الفصول التي وردت أسماؤهم فيها غير واضحة أو مذكورة في الكتاب، فلا هو ترتيب ألفبائي أو أبجدي يبعد الإحراج عن المؤلف، ولا هو ترتيب حسب المراحل الزمنية يوضح التسلسل الزمني، بقدر ما هو ترتيب وفقاً لرأي المؤلف أو مزاجه الشخصي، , وأتمنى الالتفات إلى هذا الجانب الدقيق في الطبعة القادمة من الكتاب.  
  من الأشياء الجميلة في الكتاب وجود كم هائل من الصور القيمة والمهمة وبعضها نادر، وكم كان أجمل لو طبعت هذه الصور على ورق مختلف مناسب لإظهار جماليات هذه الصور، حيث أن الورق المستخدم لطباعة الكتاب جيد ولكنه غير مناسب لطباعة الصور لأنه يظهرها باهتة ويفقدها رونقها ونكهة قدمها، وبالأخص الصور الملونة والتي طبعت في الكتاب بدون ألوان فاختفت منها جماليات هذه الصور.
  الالتفات إلى بعض الأخطاء اللغوية والمطبعية التي وردت في الكتاب برغم حرص المؤلف على عدم ظهورها، ولكن إعادة هذه المراجعة ضرورية.
  إعادة التدقيق في صحة بعض المعلومات خصوصاً ما يتعلق بالنصوص الغنائية والألحان فبعضها قد نسب خطأ إلى غير أصحابها، فلا بد من تصحيح ذلك لأن الكتاب وثيقة تاريخية سوف يعتمد عليها الباحثون والمهتمون بموضوع الأغنية البحرينية طوال مسيرتها السابقة.
ما يجب الإشارة إليه في ختام هذا العرض هو أن كل الملاحظات التي وردت لا تقلل من القيمة الفنية والثقافية والتاريخية لهذا الكتاب الرائع، بقدر ما هي التفاتة إلى تصحيح ما ورد فيه من ملاحظات كي يصبح أكثر روعة.. وفي انتظار المزيد من هذه الإبداعات من المؤلف النشط والمتنوع الاهتمامات الفنان إبراهيم راشد الدوسري.

أعداد المجلة