الحكاية الشعبية الفلسطينية بين الهوية والعولمة
العدد 22 - أدب شعبي
أهمية التراث الشعبي:
يشكل التراث الشعبي أهمية كبيرة بالنسبة للشعوب، وشرطاً أساسياً من شروط وجودها، والحفاظ على هويتها ووحدة الثقافة بين أبنائها، فهو مقياس حضارة الأمة وعراقتها وأصالتها، يحقق الإنسان بدراسته ما لم يستطع تحقيقه على أرض الواقع، في ظل التحديات الخارجية والداخلية التي تواجه الشعوب، كالاستعمار والعولمة، التي تعمل جاهدة على طمس هذا التراث. ودراسة التراث عامل أساسي في الربط بين ماضي الأمة وحاضرها. والتراث الشعبي العربي من أهم دعائم القومية العربية، بما يتميز به عن تراث باقي الشعوب، وتشابهه في معظم أنحاء الوطن العربي، وخاصة الأنواع الرئيسة منه(1)
ونعني بالتراث الشعبي: «حصيلة الخلق والإبداع التي ورثناها عن الأجيال السابقة، لنورثها للأجيال اللاحقة، نحرسها ونصونها ونرعاها ونسقيها بماء العيون، وبدم القلب، نجددها ونطورها ونكيفها ونلائمها لمقتضيات ظروفنا الآنية؛ لتسهم في حل مشكلاتنا، من أجل تحقيق أهدافنا وطموحاتنا لتحسين حاضرنا، ولبناء مستقبل مجيد»(2).
وأهم الدعائم التي تقوم عليها القومية العربية هي «وحدة الجنس، واللغة، والتراث، والمصلحة»(3). وبدراسة التراث يمكن التعرف على نقاط الالتقاء الكثيرة بين أبناء الشعب العربي، كما تعمل دراسته على إزالة الخلافات والمشاكل التي يواجهها الوطن العربي، وينعكس ذلك وبوضوح في الكثير من الأمثال الشعبية، ومنها على سبيل المثال: «عُمر الدم ما بصير ميّة»، و»ما يحمل همَّك إلا إلّي من دمك»(4)... وغير ذلك الكثير.
«ومن ناحية قومية أخرى فإن دراسة التراث الشعبي تعمق شعور الإنسان بالانتماء، وتثبت أصالة الشعب»(5)، كما تكشف عن ثقافة الشعب المتراكمة والمنتشرة عبر العصور، وعن ملامح الشخصية القومية للإنسان من كل جوانبها(6)، وبذلك فهو عامل هام في بعث الروح القومية والوطنية لأبناء شعبه، بما يحويه من مضمون وأفكار عميقة، «وخير دليل على ذلك، تضمين شعراء الأرض المحتلة كثيراً من قصائدهم بالمواويل والأهازيج الشعبية، وفي ذلك توجه نحو التراث الشعبي الذي يهز الوجدان الجماهيري، ويحرك فيه الإحساس الوطني والقومي، فيبقى الإنسان مشدوداً إلى الأرض، محافظاً على شخصيته وهويته»(7)، هذا فضلاً عن الوظيفة الجمالية التي يؤديها التراث، فقد احتفظ بها ولا يزال يؤديها عبر العصور رغم تغير الزمن»(8).
وقد يستغل الربط بين التراث والهوية كأداة تدمير يمكن استغلالها لإشعال نار الفتنة والحقد والتفرقة بين القوميات المختلفة، «وقد شهدنا على مرّ العصور تدمير الكثير من المصادر الثقافية والمعالم الأثرية النادرة من قبل شعب ما بهدف إنكار حقوق وتاريخ شعب آخر ومحو رمز هويته»(9). فالهوية المكتسبة عند البعض بعضويتهم في نادٍ حديث، ليس له إنجازات أو تاريخ يذكر، تبقى هوية ضعيفة، «بينما الهوية التي تجمع بين أفراد شعب أو أمة لها تاريخ عريق، لها ماضٍ، لها أمجاد، لها ثقافة، لها تراث، لها أدب، مثل هذه الهوية تكون طبعاً غنية عميقة ناضجة ومتينة»(10)، وبذلك يمكن القول: «إن هوية شعب من الشعوب، أو أمة من الأمم هي الجوهر الناجم عن مجموع الرموز التي هي بدورها عبارة عن تلخيص وتجريد وترميز لحضارة أو ثقافة ذلك الشعب أو تلك الأمة»(11).
وقد هدفت دراسة التراث الشعبي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن الثامن عشر لتحقيق أهداف سياسية وقومية للشعوب التي كانت تسعى جاهدة للتحرُّر، ولم يكن تراثها الشعبي يفي بالغرض المطلوب فعملت على «خلق التراث والرموز التراثية التي كانت تحتاجها، فخلَّفوا تاريخاً وأمجاداً وبطولات تتناسب مع حاجتهم، وخلقوا ملامح شعبية وقصص وأساطير وأغاني شعبية، تتحدث عن ذلك الماضي، وعن ذلك التاريخ، وعن تلك الأمجاد والبطولات»(12)؛ ليجعلوا من هذه الرموز التراثية حلقة وصل تصل بين الماضي والمستقبل، ويصير هذا الربط فيما بعد ذلك «نمطاً عالمياً»، فالإسرائيليون –على سبيل المثال- حاولوا اختلاق تراثٍ لهم للتأثير على حاضرهم ومستقبلهم، ليستعملوها رموزاً للهوية الإسرائيلية(13).
ومن هنا أضحت حماية التراث الشعبي أمراً ضرورياً؛ لأن ضياعه يعني فقدان الهوية، وحرمان أبنائنا من معرفة تراثهم. وتراثنا الشعبي الفلسطيني مهدد بالضياع؛ لأن الكثير منه ما زال محفوظاً في ذاكرة المعمِّرين من أبناء هذا الشعب، الذين يحتفظون «بمعلومات وتفاصيل لا تعوض إن لم نبادر إلى حفظها، وتتضاءل الفرص أمامنا في حفظ التراث الشعبي بازدياد حدة المخاطر المتصاعدة وأبرزها وفاة المعمِّرين»(14).
ويحظى التراث الشعبي باهتمام كبير لدى الباحثين، يقول فردريش فون أحد أهم اقتصاديي القرن الماضي والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1974: «أن التراث بوسعه الصمود مئات وآلاف السنين ويستمر ببقائه بالحياة»(15).
وقد بذل المستشرقون جهوداً تُذكر في جمع التراث الشعبي الفلسطيني على الصعيدين القولي والمادي، وقد تمت هذه الجهود على مستوى فردي ومؤسساتي، فجمعوا العديد من جوانب هذا التراث الشعبي من أغانٍ وحكايات شعبية وأمثال وغيرها، وقاموا بإعداد الدراسات حوله. وقد تنبه أبناء الشعب الفلسطيني لخطورة هذا الأمر، فصاروا يبذلون الجهود الحثيثة للحفاظ على تراثهم، عنوان هويتهم، «حيث شهد النصف الأول من القرن العشرين انطلاق العمل الوطني الفردي في الاهتمام بتراثنا الوطني من طرف أصحابه والمتعاملين معه في مختلف جوانب حياتهم؛ لأهمية هذا التراث في التعبير عن الذات الفلسطينية وضرورة المحافظة عليه لصدق تعبيره عن أصالته وعمقه التاريخي ووضوح دلالاته»(16).
كما «تركزت الدراسات الشعبية العربية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين حول فلسطين والشعب الفلسطيني»، وأشهر من كتب في هذا المجال الباحثة السويدية (هيلما جرانكفست) التي اقتصرت أبحاثها حول الشعب الفلسطيني، الزواج والميلاد والطفولة، بناء على معايشتها له في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن. والباحث (توفيق كنعان) الذي دارت أبحاثه حول المعتقدات والعادات الفلسطينية، وترجمها إلى لغات عدة، الانجليزية والفرنسية والألمانية، ونشرها في «مجلة المجتمع الفلسطيني»(17).
وإدراكاً من الصهاينة بأهمية هذا التراث، فقد عملوا جاهدين على محاولة سرقته وانتحاله وطمسه، مستخدمين في ذلك كل السبل والوسائل التي تعينهم على تحقيق أهدافهم، وقد ورد على لسان أحد الفنانين الصهاينة أنه قال: «ما دامت هناك يد عربية تطرز جهاز العروس، فإن الروح الفلسطينية باقية، لهذا يجب إيقاف هذه اليد»(18).
ولهذا أصبحت دراسة الفولكلور وسيلة أساسية من وسائل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لدحض مزاعمهم الباطلة وتضليلها «حول وجود حقوق الشعب الفلسطيني وتطوره، وتراثه الحضاري والثقافي في فلسطين، والعدو الصهيوني إذ يخطط ويعمل من أجل القضاء على الفولكلور الفلسطيني الذي يمثل هوية وتراث هذا الشعب، وتاريخه العربي في فلسطين، إنما يهدف إلى إخفاء وطمس معالم جريمته التي ارتكبها في حق هذا الشعب الذي اغتصب أرضه، وطرده منها، وأنكر وجوده وحقوقه فيها»(19).
وقد حاولوا تحقيق أهدافهم عن طريق «التهويد أو إضفاء الصبغة الإسرائيلية على هذا التراث، وإلغاء وإضعاف ومحو فلسطينية هذا التراث وعروبته»(20). ويهدف المحتل من وراء ذلك كله إلى قطع علاقة الإنسان الفلسطيني بأرضه، وتقوية صلاتهم بهذه الأرض، وقد سلكوا سبلاً عدة لتحقيق أهدافهم، فعلى صعيد التراث المادي، قاموا بهدم الكثير من القرى الفلسطينية بعد عام 1948م، ومسح آثارها، وإقامة المستوطنات عليها، ومصادرة الأراضي والعمل على تهويدها، «ومحو فلسطينيتها وعروبتها»(21)، كما قاموا بإطلاق أسماء عبرية على الأماكن والمواقع الفلسطينية المختلفة، فمرج ابن عامر على سبيل المثال سموه (مرج يزراعيل)، وسهل عكا صار اسمه (سهل زفولون)، كما حاولوا محو بعض المعالم التاريخية الأثرية الفلسطينية، «كتحويل حمام عكا إلى متحف بلدي يعرض تاريخ المدينة من وجهة نظر يهودية، وضرب الصناعات الشعبية، والحرف التقليدية، وعدم إعطاء الفرصة لها لتحديثها وتطويرها»(22)، وأصبحت الثياب الفلسطينية المطرزة تقدم في معارضهم على أنها أزياء يهودية، وصار أيضاً الزي الدارج لمضيفات الخطوط الجوية الإسرائيلية (عالية). هذا فضلاً عن استغلالهم للموسيقى الفلسطينية، وتقديمها كفن عبري إسرائيلي، وطمس معالم العربية، وكذلك الأمر مع الدبكات الشعبية، والرقصات الفلسطينية، فقد أخذوا حركاتها، وقدموها في الخارج على أنها فن إسرائيلي(23)؛ لأن جهود الحركة الفولكلورية الفلسطينية كشفت عن مزاعمهم الباطلة، وبينت حقيقة هذا التراث الشعبي الفلسطيني، دون أن يوقفهم ذلك عن عملهم(24).
ونظراً للظروف التي يمر بها الشعب الفلسطيني من احتلال وتشريد الكثير منهم في شتى أنحاء العالم، فَهُويتهم معرضة للتهديد والضياع، وهم أحوج ما يكون «إلى تراث موحد، ورموز مشتركة تحافظ على ترابطهم ووحدتهم كشعب واحد متماسك أكثر من أي وقت مضى»(25). هذا فضلاً عن أن دراسة الأدب الشعبي تعمل على خلق «التوازن بين القيم المادية والقيم الأخلاقية الإنسانية»(26) في عصر طغت به القوى المادية والتكنولوجيا الحديثة على القيم الإنسانية والروحية، التي يعمل الأدب الشعبي على تعزيزها في مضامينه، فهو ملهم للمثل العليا، والأخلاق النبيلة، التي يسعى الإنسان فيها للحرية والمساواة، كما تشكل دراسته جانباً هاماً من جوانب تاريخ الفكر البشري، وتطوره عبر الأجيال المتتابعة، وكيفية تفاعله مع البيئات المختلفة، مكتسباً هذه الخاصية من طبيعته التي تقوم على «التراكم والانتشار والتطور»(27)؛ ليصل إلينا بعد مسيرته الطويلة، وإخضاعه للتغيير والتعديل «صافياً... مقطراً... وقوي التعبير»(28).
وبذلك يمكن القول أن التراث الشعبي «هو بمثابة الهوية التي تفصح عن أي شعب من الشعوب، أو جماعة من الجماعات، والفولكلور العربي هو الهوية القومية، فيه نرى أنفسنا، ومن خلاله يرانا الآخرون، وكلتا الرؤيتين هامة وضرورية، فنحن بحاجة إلى أن نعرف أنفسنا، أن نتعرف على عواطف شعبنا وآلامه وآماله، أن نعرف قوته وضعفه، علمه وجهله، تقدمه وتخلفه، وعلينا أن نساعد الآخرين في معرفتنا على صورتنا الحقيقية، لا أن نتركهم يروننا في غير هذه الصورة، وبدون أن نزيف أنفسنا ونزيف تراثنا، وبغير أن ندعهم يتخبطون في الحكم علينا من خلال هذا التراث»(29).
والشعب الفلسطيني شعبٌ مسلوب الهوية، وهو يصر على استردادها كاملة، ودراسة لهجته الدارجة أمر ضروري ، «ليس فقط بحكم ما لها من أهمية أكاديمية، وإنما أيضاً بحكم ما لها من قيمة وطنية، وبحكم أنها تشكل جانباً مهماً من جوانب هويته، ألا وهي الهوية العربية الفلسطينية»(30).
أما عن مضمون الأدب الشعبي وأشكاله، فهو يشتمل على مضامين عدة منها المنظوم، ومنها المنثور، وتختلف هذه الأنواع فيما بينها من حيث كثرتها وقلتها، وانتشارها، «ولما كان الأدب الشعبي يرتبط أساساً بالنوازع القومية، ويتولد من الروح الوطنية، ويعبر عن أحوال الشعب، وآماله وأحلامه، لهذا فإن اللون الذي يكتب له الانتشار والبقاء هو اللون الذي يكون أكثر ارتباطاً بأوضاع الشعب الذي يعبر عنه، وأكثر قبولاً لدى أفراد الشعب المتلقين له، والمشاركين فيه»(31). وقد تعددت فروع الفولكلور لتكون انعكاساً لكل ما يتعلق بحياة الإنسان الاجتماعية والروحية والعاطفية، ولعل في استعمال كلمة (أدب) اعترافاً صريحاً بالفنون الشعبية القولية، فالتراث الشعبي يشمل كل ما توارثناه من الماضي، وعلى مرِّ السنين من الأفعال والأقوال والعادات والسلوك، والأقوال التي تهم العامة والخاصة، وعلاقات الناس ومشكلاتهم مع بعضهم البعض، في كل مناسباتهم(32)، وبذلك فهو يشتمل على: «الفنون القولية: منظومات السحر والتعاويذ والرقى، الحكايات الخرافية والشعبية، الأغاني الشعبية والألغاز، النوادر والنكات، نداءات الباعة، شعارات المظاهرات، والتعابير الشعبية الشائعة، والفنون الشعبية اليدوية: كصناعة الفخار وتزيينه، وصناعة القش والجلود والصوف والنسيج، وفنون الوشم، وأشكال التطريز والأزياء الشعبية، وفن العمارة في البيوت الشعبية، والآلات الشعبية، والصناعات الغذائية، وصناعة أدوات العمل اليدوية وغيرها...» (33).
الحكاية الشعبية:
ويقصد بمصطلح (الحكاية الشعبية): ذلك العمل الفني الذي يقرب من القصة القصيرة والأقصوصة عند الغربيين، «وتؤدي مهمة الفن الشعبي، أو أدَّته في حينها، وأخنى الزمن عليها حتى مالت شمس الحضارة العربية على غروب»(34).
والحكاية «من المحاكاة أو التقليد، وهي ترتبط بمحاكاة الواقع أو على أقل تقدير بمحاكاة واقع نفسي، يقتنع أصحابه بحدوثه، وهكذا فإن الحكاية استرجاع للواقع، أو ما يتصور أنه واقع بواسطة الكلمة، وهي تصوير الحدث، ولا بأس من التوسع في التصوير توسعاً يسبغ على الواقع الجمال والتأثير»(35).
وتعرف نبيلة إبراهيم الحكاية الشعبية بأنها: «قصة ينسجها الخيال الشعبي حول حدث مهم، وأن هذه القصة يستمتع الشعب بروايتها، والاستماع إليها إلى درجة أنه يستقبلها جيلاً بعد جيل عن طريق الرواية الشفوية»(36). ويذهب علماء التراث إلى أن الفنون القولية تحتل المكانة الأهم في الأدب الشعبي، وإلى أن الحكاية الشعبية تأتي على رأس هذا الأدب، وذلك لما تحدثه من تأثير في المتلقي في طريقة سردها التي تكشف عن مكنون النفس البشرية، «وكذلك فإن فاعلية البطل عبر الحدث، تعكس صراع الإنسان مع واقعه، وتفاعله مع هذا الواقع، وهذا يفيد في الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية والاقتصادية لتلك الحقب التاريخية التي عاشها البطل»(37)، كما أن الحكاية الشعبية لها قدرة تعبيرية عالية؛ لاشتراكها مع الفنون الشعبية الأخرى «في حقيقة كونها عملاً وتكويناً إبداعياً فذّاً قادراً على تشكيل صورة مرئية خيالية»(38).
وقد تعددت الآراء حول نشأة الحكاية، فيذهب البعض إلى أن الحكاية هندية الأصل، ومنهم من ينسبها إلى الأصل المصري، مستندين في ذلك إلى وجود بعض الحكايات الشعبية على النقوش الفرعونية، والتي تشير إلى وجودها عند المصريين منذ القدم، مثل حكاية (الصدق والكذب) وحكايات (السحر)، وحكايات (الحيوان)، وغير ذلك.. وقد كانت المجموعة القصصية (ألف ليلة وليلة) من أشهر المجموعات القصصية العربية التي نالت شهرة واسعة، وانتشرت في أرجاء الأمة العربية في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، فكانت أول الأعمال المترجمة من العربية إلى اللغات الأوروبية الحديثة(39)، ثم تداخلت أشكال هذا التراث، وتفاعلت فيما بينها بطرق مختلفة، كالسفر والتجارة...الخ، وفي كل هذا كانوا يجتمعون فيما بينهم، يروون الحكايات الشعبية والأمثال والألغاز، مما أدّى إلى تداول هذا التراث في البلاد العربية المختلفة، يتسامر به الناس في ملتقياتهم في الليالي الرمضانية، وفي المقاهي ولقاءات النساء في الأماكن العامة، فيتسارع الكبار والصغار إلى استماع الحكايات الشعبية وغيرها..
وقد أخذ المهتمون بالتراث الشعبي بتدوين ذلك كله، وبقي الأمر على هذا الحال حتى القرن السادس الهجري، ثم ظهر مؤلفون خاصون حسب مستوياتهم الفكرية، ومستواهم الثقافي، فظهرت العديد من المؤلفات كخطط المقريزي، والعقد الفريد لابن عبد ربه، وبدائع الزهور لابن إياس...الخ، دون أن يوقف ذلك استمرارية تداوله وروايته في جميع أنحاء البلاد العربية.(40)
كانت الحكاية الشعبية في أول أمرها تقوم على الإبداع الفردي لراوٍ مجهول، ثم تنوقلت مع الزمن لتمثل أدباً جماعياً تعكس الروح الجماعية، وتتعرض الحكاية للتغيير بالزيادة أو النقصان لاعتمادها على الرواية الشفوية، «فهناك القصاص الذي يصون حياة الحكاية الشعبية، ويواصل تنميقها، ويضفي عليها في بيئة بعينها طابعاً شخصياً محبباً، وهنا يكمن دور الذاكرة القوية لتجنب ضياع جزئيات من الحكاية، وكذلك دور القدرة على التأليف، وتوفر الثروة اللغوية والمقدرة على الأداء الدرامي، وفي ضوء هذه العوامل تزداد جزئيات الحكاية الواحدة أو تنكمش»(41).
ويعتبر ألياد (Mircea Eliade) هذه الحكايات “تعبير عن التمثيل النفسي (Psychodrame) الذي يجيب على حاجة عميقة عند الكائن البشري، يعجز عن تحقيقها على أرض الواقع، كأن يعيش بعض المناسبات الخطرة، ويواجه بعض التجارب الخاصة، أو أن يشق طريقه للعالم الآخر، كل ذلك يمكن أن يعيشه أو يتصوره بقراءته أو باستماعه للحكاية الشعبية”(42).
وتضفي البيئة التي يعيش فيها القصاص أثراً كبيراً على الحكاية، يحذف منها ما لا يتوافق وطبيعة مجتمعه، ويضيف إليها ما يتلاءم مع أفكارهم ومبادئهم الاجتماعية السائدة، «وذلك لأنه لا يستطيع الانطلاق إلا بمشاركة البيئة، ولأن مادته هي محصلة موروث الجماعة التي ينتمي إليها»(43)، فسيرة عنترة وسيف بن ذي يزن والظاهر بيبرس... وغيرها، تتلاءم في ضوء موضوعاتها مع كل العصور، في تمجيدها للبطولة العربية، فكانت مصدراً غنياً لدراسة التراث الشعبي العربي، وخاصة الحكاية الشعبية، فتحدثت عن الحاكم العادل الذي يحلم الناس بوجوده بينهم، يتحسس آلامهم وآمالهم، كما عملت على ترسيخ الكثير من القيم الأخلاقية في أذهان الناس(44).
وقد تكون نشأة الحكاية الشعبية في أول الأمر على أيدي المتأدبين من الرواة، ولم تلق اهتماماً كبيراً من قبل الطبقات الخاصة، واحتفظت بها العامة لتضفي عليها صفة الشعبية، وتأخذ مكانها في الحياة الشعبية(45).
ويستقي الراوي مادة حكايته من البيئة التي يعيش فيها، ومن بيئة الحكاية نفسها، التي وصلت إليه عبر الرواة، فيلتفت إلى ميزات معينة لقصة في بيئة أخرى، كالهندية والفارسية... ويأخذ منها ما يتلاءم وبيئته ومجتمعه، ثم يأتي راوٍ آخر من بعده، ويعمل على تنقية الحكاية تماماً من كل أثر للبيئة الأولى، حتى لا يبقى منها إلا الوقائع الأساسية فيها(46). فحكايات اليوم –كما نلاحظ- وثيقة الصلة بحكايات الأمس، وذلك لتشابه العناصر الحضارية المتوارثة منذ القدم، ويتضح صدق ذلك بإجراء دراسة مقارنة بين التراث الشعبي العربي القديم، المبثوث في ثنايا المؤلفات، وبين التراث الشعبي الحي، فيتضح لنا أن هذا التراث «ما هو إلا امتداد لتراثنا الشعبي العربي القديم»(47).
فحكاية المثل الشعبي (وافق شنٌّ طبقة) -على سبيل المثال- تروى في مصر وسوريا، كما تروى في فلسطين أيضاً وغيرها من البلاد العربية(48)، «والمفكرون المعاصرون الذين درسوا الأساطير والحكايات الشعبية على ضوء الفلسفة وعلم النفس، توصّلوا إلى نفس النتيجة مهما كانت قناعاتهم الأولى(Mircea Eliade) مثلاً يعرف هذه القصص بـ نماذج من السلوك الإنساني، وهو ما يسمح لها بأن تعطي معنى وقيمة للحياة بواسطة الحدث نفسه”(49).
إلا أن الاهتمام بهذه الحكايات قد تراجع حديثاً أمام القوى المادية والتكنولوجية الحديثة، من سينما، وراديو، وتلفزيون، وغيرها. ولم تعد (مجالس الجدة) التي كانت تكثر فيها الحكايات الشعبية وتروى للصغار والكبار كالسابق، هذا فضلاً عن تطور وسائل الترفيه الأخرى في الحياة، مثل المسرح والقاعات وغيرها، والإضاءة المستمرة ليلاً ونهاراً، والتي تسمح بالتنقل بحرية في أي وقت، ولم تعد هناك الظلمة وأجواؤها المواتية للحكاية الشعبية، حيث يتحلق الناس حول الراوي، ويعتقدون بوجود الجن والغيلان والأرواح الشريرة، كما أن المدرسة أخذت وقتاً كبيراً من الأطفال في الزمن الحاضر؛ لانشغالهم بواجباتهم المدرسية، وعدم إيجاد الوقت الكافي للتحلق حول (مجلس الجدة)، مقارنة بأطفال الماضي الذين يعملون في الرعي وغيره وهم ينتظرون ساعة المساء بلهفة، للعودة إلى البيت وسماع هذه الحكايات من الجدة، وهم يجلسون حول كانون النار في الشتاء. يضاف إلى ذلك كله انتشار المطبوعات والقصة القصيرة والرواية الحديثة التي ساعدت كلها على تراجع الحكاية وانحسارها في الأماكن الشعبية(50).
ويبقى اعتماد مؤتمر اليونسكو الذي عقد في نوفمبر عام 1997م، للحكاية الفلسطينية بأنها «واحدة من (روائع التراث الشفهي وغير المادي للإنسانية)، شهادة دولية وعالمية، ليس فقط بأن الشعب الفلسطيني موجود ومملوء بالحياة، بل أيضاً أنه شعب متجذر عريق، وصاحب تراث أصيل ومزدهر، وله خصوصيته ونكهته المميزة، وأن شعباً وتراثاً بهذه الحيوية، لا يمكن طمسه أو تجاهله، بل سيعود ويلتئم ويطفو على سطح العالم، ويعترف به العدو والصديق والبعيد والقريب»(51).
خصائص الحكاية الشعبية:
للحكاية الشعبية سمات تتميز بها عن غيرها من الفنون الشعبية الأخرى، يمكن إجمالها فيما يلي:
1 - الوراثة: إن أهم ما يميز التراث الشعبي الفلسطيني بمختلف مجالات الفنون القولية هو عنصر الوراثة، الذي يعد عنصراً أساسياً من عناصر المحافظة على هذا التراث، فالحكاية الشعبية القديمة ما زالت تتردد على ألسنة الكثير من أبناء شعبنا، فالتطريز الشعبي الذي تطرز به المرأة ثوبها «تماماً كسابقتها المرأة الكنعانية التي كانت تختار لنفسها شرائح من نسيج الصوف الملون بألوان زاهية، ثم تصنع من تلك الشرائح ما يشبه المريول في هذه الأيام»(52). فالحكاية الشعبية ليست من «ابتكار لحظة معروفة أو موقف معين»، ويتم تواترها من شخص إلى آخر عن طريق الرواية الشفوية، ولا يمكن نسبتها إلى شخص بعينه(53).
2 - عدم الولوج في التفصيلات(54): مما جعلها تميل إلى الإيجاز في طرحها لمشكلة معينة، وإلى الدقة في تعابيرها، وبذلك يمكن فهمها بسهولة لدى الأطفال، ويتضح لهم الهدف المقصود في الحكاية «بينما العقدة الأكثر إسهاباً قد تعقد له الأمور وتعيق الرؤية»(55).
فالحكاية الخرافية -وغيرها من الحكايات- تركز على الأحداث الضرورية في الحكاية التي تلقي الضوء على البطل ومهمته، وتبتعد عن كل التفصيلات التي لا تفيد في صنع الأحداث، فتذكر الشخصية، والظروف المحيطة بها، دون النظر إلى الصفات الجسدية فيها “كأنها إطار يشكله خيال السامع كيفما يشاء، وبالطريقة التي تناسبه، بما يضفي على الشخصية أشكالاً مختلفة في العقليات المختلفة، كل شكل ناسبه عقل”(56)، و«كل الشخصيات تتوافق مع نموذج وليس لدى أية شخصية عناصر فردية خاصة»(57).
كذلك الأمر في زمان الحكاية ومكانها، حيث تكتفي الحكاية بالإشارة إليهما في بداية الحكاية دون تحديد أو تفصيل، كأن تقول مثلاً: «في يوم من الأيام»... «راح على هالبلد أو وصلوا على الجبلة أو هلمغارة...الخ»(58) وكذلك الأمر في «التوالي السريع للأحداث، رغم أن تلك الأحداث يفصل بينها فاصل زمني قد يكون طويلاً»(59)، وعدم الخوض في تفاصيل مغامرات البطل وأعماله، فهي تكتفي بذكر ما يعنيها من الأحداث فقط، «وهو خط سير البطل ومصيره»، ثم النتيجة التي توصلت إليها الحكاية(60). وقد يكون تحديد بطل الحكاية باسمه (كالشاطر محمد مثلاً) أو (نص نصيص) أو في مهنته (كالصياد)(61). ويبدو ذلك واضحاً في هذا المقطع من حكاية (زقزق رقص): «…أجوَّز بنت الراعي ولدت جابت ولد، نِسوانه إللّي في الأول خبّين الولد، وقَلن له جابت كلب، راح طحاها، بعدين الولد حطّينه النسوان هذولاك في صندوق ورمينه في البحر…»(62) فهذا المقطع يحمل عددا من الأحداث المتتالية والمتتابعة، وقد عبر عنها السارد بإيجاز مختصر، وبشكل سريع، ليصل إلى نقطة أساسية تنطلق منها الحكاية، وهي «ميلاد بطل سجن فلي قمقم في البحر»(63).
3 - المرونة والتجدد: فالحكاية الشعبية في تنقلها بين الرواة تتسم في (المرونة والتجدد) في الشكل والمضمون، فالمرونة تجعلها «قابلة للتطور بحيث يضاف إليها، أو يحذف منها، أو تعدل عباراتها ومضامينها وعلاقاتها على لسان الراوي الجديد تبعاً لمزاجه أو موقفه، أو ظروف بيئته الاجتماعية، ويتحكم في كل عمليات الحذف والإضافة وتعديل وظيفة الحكاية في المجتمع كما يتصورها الراوي»(64).
فراوي الحكاية نفسها قد يرويها أكثر من مرة، وفي كل مرة تختلف عن سابقتها، كما تسبغ على الحكاية جنسية القطر الذي تُروى فيه بعاداته وتقاليده وخصوصياته التي تميزه عن غيره في بعض الأمور، ولكن لا يحق لأحد نسبتها إليه، أو إنكار ملكية الآخرين لها؛ لأن هذا من شأنه أن «يقتل روح الإبداع والخلق فيها»(65)، وهذا التغير الذي يطرأ على الحكاية يجعلها «تتقولب في قالب البلد الذي استقرت فيه، فتصبح فارسية في إيران، وشامية في بلاد الشام... وهكذا، ولم تعد فكرة أصل الحكاية ذات أهمية لدى جمهور المتلقين(66)؛ لأن الانتشار أو التداول من سمات الأدب الشعبي بشكل عام، فهو ليس حكراً على فئة معينة، أو على طبقة معينة، كما هو الحال في الأدب الرسمي، بل يأتي عاماً يعنى بكل طبقات المجتمع، كما أنه أدب يمتاز «بالتراثية أو الخلود» لاستمراريته، وملاءمته لكل زمان ومكان تاركاً أثره في كل الأجيال المتعاقبة(67).
4 - المصادفات المقصودة: تعتمد الحكاية الشعبية الخرافية على المصادفة المقصودة، والمرتبة مسبقاً، وقد توحي الحكاية بوجود أكثر من احتمال للموقف الواحد، وهنا يبرز عنصر التشويق، ثم تسير الأحداث لتكون لصالح البطل في النهاية، كما أرادها الراوي دون ترتيب مسبق للنتيجة التي توصلت إليها الحكاية(68).
وتتميز الحكاية الشعبية والعامية الناجمة عن طرق تواترها بالمشافهة، فتأتي عفوية مخترقة حواجز الزمان والمكان لتبقى عالقة “في الذاكرة الجماعية، وفي البنى الثقافية بقطع النظرعن التحولات التي تشهدها البنى الاجتماعية والأنماط الاقتصادية”(69)، كما وتتسم الحكاية الشعبية بالبساطة التي فرضتها عليها طبيعة موضوعاتها ووظيفتها في الحياة(70).
ويتميز التراث الشعبي الفلسطيني بعروبته وفلسطينيته، فيعكس هذا التراث طبيعة البيئة الفلسطينية الخاصة بها، والمتمثلة في اللهجة والعادات والتقاليد، وهذا ما يميزه عن التراث الشعبي العربي، فكل له عاداته وتقاليده التي لا بد وأن يتميز بها عن غيره(71).
من حيث اللغة:
يصعب علينا تحديد اللغة التي يستعملها الأدب الشعبي، فلا هي بالعامية المبتذلة، ولا باللغة الفصيحة التي تميل إلى استعمال المفردات الحوشية الصعبة، وبذلك يمكن القول أن لغة الأدب الشعبي –بشكل عام- هي لغة: «فصحى مسهلة أو ميسرة حتى تكاد تقارب العامية في الشكل الظاهري، ولكنها –وهذا هو الأهم- تقارب كل عاميات اللغة، بحيث تكاد تقنع كل لهجة أنها منها، أو يمكنها في بساطة ويسر أن تخضعها للكنتها، دون أن تشعر بأنها قامت بعملية ترجمة واضحة»(72)، فالأدب الشعبي -ومنه الحكاية- يعبر عن وجدان الجماعة، ولا يكترث بالتعبير عن الوجدان الفردي، واللغة فيه «جزء دالٌ هام من أجزاء الشخصية القولية، تحمل تراثاً عريقاً أعمق من مجرد ظاهرها المستخدم، والأدب الشعبي يحمل تراث أمة بأكملها لا تراث فرد واحد، وهو لهذا لا يعبر عن فكرة (الفرد) ولكن فكرة (الجماعة) فيصبح بذلك ضميرها المتحرك، وجدانها المعبر عن تجربتها الحياتية وموروثاتها وآمالها»(73).
أنماط الحكايات الشعبية:
تنوعت أنماط الحكاية الشعبية في المجتمع الفلسطيني تبعاً لاختلاف مضمون الحكاية والوظائف التي تؤديها، «فالحكاية الشعبية تخدم جوانب الحياة المختلفة التي يعيشها الإنسان، وهي في الوقت نفسه تكشف عن شخصية الجماعات الشعبية الكادحة التي قد يظن أنها تعيش في محيط ضيق للغاية، ولا تعي من مشكلات الحياة إلا بمقدار ما يهم احتياجاتها المادية»(74). ويمكن تقسيم أنماط الحكاية في المجتمع الفلسطيني إلى أربعة أنماط رئيسة هي:
1 - حكاية الواقع الاجتماعي:
ويقصد بحكاية الواقع الاجتماعي“تلك الحكايات التي تكشف عن الصراع الطبقي وعن علاقة الجماعات الشعبية ببعضها البعض”(75). وتحرص الجماعات الشعبية على الارتباط بأصولها، والمحافظة على العادات والتقاليد بما تحمله من قيم مثالية «تلك القيم التي يخشى الشعب كل الخشية أن تنهار بتأثير الزحف المدني إلى المجتمع الشعبي، ومن ثم فإن الشعب يستغل حكاياته في تأكيد تلك القيم تارة، وإبراز العيوب الخلقية التي يرى أنها بدأت تتفشى في مجتمعه تارة أخرى»(76).
ويزخر القصص الشعبي بالكثير من «القيم التي يعمل المجتمع على ترسيخها أو محاربتها، كالكرم والشجاعة والوفاء والشرف والأخذ بالثأر والحض على العمل ومحاربة الكسل والإخلاص والحب والخيانة الزوجية والكسب الحلال واحترام المرأة أو احتقارها»(77). والأطفال خاصة مغرمون باكتشاف العالم من حولهم؛ لأن هذا من شأنه أن يحقق لهم العيش بأمان وبدون قلق، فتأتي «الحكاية الشعبية موجهة نحو المستقبل، وهي تعمل كمرشدة للطفل بواسطة تعابير يستطيع أن يدركها شعوره... فتساعد على رفض الرغبات الطفولية بالتبعية وعلى أن يصل إلى وجود مستقبل أكثر إعجاباً وإرضاءً»(78).
وتبرز الحكاية الشعبية مغزى الحكاية، أو النمط السلوكي الذي تحث عليه من خلال أحداثها، بل يمكننا أن نستشف ذلك من عنوان الحكاية، «ولا تخلو حكاية مهما صغر حجمها أو قلَّ تداولها من نقد لجانب معين من جوانب الحياة الاجتماعية، إما بإبرازه في صورة بشعة، أو في صورة مشرقة حتى الحكايات الخفيفة التي تتخذ التفكر طابعاً لها، نجد أنها تقصد من وراء الفكاهة نقداً لاذعاً... وهذا يدعو إلى الاعتقاد بأن الأدب الشعبي ملتزم بالضرورة»(79). ويشير هذا النوع من الحكايات إلى السلوك البشري وعلاقة الناس مع بعضهم البعض، في الحقوق والواجبات، يتضح ذلك من جوانب أبطال الحكاية وتصرفاتهم، في تقبلها لبعض السلوك ورفضها للآخر(80).
وقد جاءت الحكاية الفلسطينية انعكاساً صادقاً للكثير من الصور الاجتماعية السائدة في المجتمع بمختلف مستوياته، «مظهرة التغير الاجتماعي من خلال حق الإنسان في الحرية والامتلاك، وإظهاره لمهارته التي تتمثل في حرية إرادته وتصوراته من خلال طموحاته»(81). وتعمل الحكاية الشعبية على إبراز هذه القيم باللجوء إلى الخيال أو المراوحة بين الواقع والخيال(82).
وقد ساهمت حكاية الواقع الاجتماعي بدور كبير في بناء شخصية الإنسان الفلسطيني اجتماعياً وحضارياً، كما كشفت عن مظاهر النقص الأساسية في حركة المجتمع، وقاومت كل مظاهر الاستغلال(83)، وقد حقق فيها الإنسان ما لم يستطع تحقيقه في الواقع، ففي الحكايات الشعبية تعويض «عن الجوع، وعن العجز أمام المرض العضال، وعن الانسحاق أمام المضطهد، فنجد في ثنايا الحكايات الحطاب الفقير وقد حصل بطريق الصدفة على «باطية»(84) –آنية- تمتلئ بالطعام بمجرد دعوتها لذلك، ونجد الأعمى وقد جلس تحت شجرة فأرسلت له العناية الإلهية حمامتين تتحادثان وتقول الأولى للثانية أن ذلك الأعمى إذا تكحل بريش من دمك فسيبرأ(85)، ويسرع الأعمى الملهوف على مداواة نفسه بالطريقة الرائعة التي هبطت عليه من السماء ويبرأ. أما الشاب الفقير المضطهد والذي أهمله الناس هدروا حقوقه، فيجد خادماً ذا قوة خارقة يعينه على أن يبرز نفسه وينال إعجاب الجميع بتحقيقه للمعجزات، أو بقضائه على مضطهديه»(86).
وتتناول الحكايات الاجتماعية التمييز العنصري والحديث عن ظلم الطبقة ذات البشرة السوداء، ويبدو أن مثل هذه الحكايات قد صيغت زمن انتشار الرقيق، ومثال ذلك حكاية (جبينة) التي تتحدث عن امرأة حامل ترى قرص جبنة أبيض، فتنجب ابنة بيضاء مثله، فتضع أمها في جيبها خرزة زرقاء لتحميها من العين والأذى، فتكيد لها العبدة، وتعمل على طلاء وجهها باللون الأسود لتحولها إلى عبدة، فتبكي (جبينة)، وتجف عين الماء الذي يشرب منه أهل البلد حزناً على جبينة، ويصاب والدها بالعمى، وما أن تستعيد جبينة طبيعتها إلا أن تحقق المعجزات، فتعيد الماء للعيْن التي جفَّت، وتشفي والدها(87).
وقد احتلت المرأة حيزاً كبيراً في الحكايات الشعبية، وهي تشكل دوراً رئيساً في الحكاية، يعكس طبيعتها ووظيفتها والواقع الاجتماعي الذي تعيشه، وتحدث الرواة في الحكاية عن دور المرأة الأم، والمرأة الزوجة، والأرملة، وصاحبة العقل والذكاء، وصاحبة الحيل. ويتغير دور المرأة في الحكايات الشعبية كما يريدها الراوي، فقد تكون المرأة ذكية في بعض الحكايات، وفي الأخرى شريرة محتالة، «إلا أن التناقض في الأدوار التي تنسب للمرأة قد يؤدي إلى صراع يؤدي في النهاية إلى انتصار الخير على الشر، أو تضاد يتحول إلى توافق بمرور الزمن، أو تضاد يفضي إلى الشر»(88).
ففي حكاية (بلاط الخِرْبة) صورة للمرأة الصالحة المؤمنة، المتسامحة، تحب الخير لأبناء القرية، وتدعو لهم دوماً بالصلاح، تتفانى في تقديم المساعدة للآخرين، لا يعرف الحقد طريقاً إلى قلبها، وهي «لا تكفُّ عن التضرّع والدعاء والاستغفار لجميع أهالي القرية بدون استثناء، صغيرهم وكبيرهم، صالحهم وطالحهم على حد سواء»(89)، هذه هي صورة بطلة الحكاية (الحاجة فاطمة) بلباسها الشعبي الأبيض الذي يرمز إلى الطهارة والنقاء. لم تتوقف (الحاجة فاطمة) عن الدعاء عندما رأت الأغنام تأكل الزيتون، بل تواصل دعاءها لأهل القرية، ولاسيما المشاغبين منهم، بأسمائهم أو بدون، تدعو لهم بالتوفيق والصلاح.
وتواصل (الحاجة فاطمة) طريقها إلى الخِربة لتصل إلى «تينة الخربة السوداوية المنغرسة في قعر بئر محفورة في البلاط بجانب الطريق، يمسكها فتى يدعى (أحمد) يراقب تصرفاتها كل يوم، ليعيدها الزمن عشرين سنة إلى الوراء، وهو الزمن الذي رمت فيه قصفة من التين لتنبت هذه الشجرة المباركة، ويبدو التناص الديني في الحكاية في اختيار الكاتب لشجرتي التين والزيتون، وقد أقسم الله بهما في كتابه العزيز، حيث يقول تعالى: (والتين والزيتون وطور سنين) (90)، كما أن هاتين الشجرتين رمز للعراقة والأصالة والتراث عند الفلسطيني، وتشبثه بها يعني تشبثه بأرضه المقدسة الطاهرة. (الحاجة فاطمة) رمز للمرأة القوية الصابرة على مواجهة الحياة ومشاقها، المحبوبة في قريتها، «وكان كل من يمر عنها في ذهابها وإيابها يسرع ويقبل يدها ويضعها على رأسه تبجيلاً وتقديساً واحتراماً»(91)،وتتسلسل أحداث الحكاية فتسقط الحاجة فاطمة أثناء سيرها، وتنكسر ساقها، فكيف كان موقف أهل القرية من هذه المرأة الصالحة(القديسة) كما وصفها الكاتب؟؟ لقد حصدت هذه المرأة ثمار عملها الدؤوب في الخير والصلاح، ويتهافت أهل القرية على خدمتها، وتقديم العون لها، يقول تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)(92).
لقد عززت هذه الحكاية المبادئ والأخلاق السامية، والتعاون والوفاء، ورد المعروف عند أهل القرية، وبقي الفتى (أحمد) ملازماً لها، قائماً على خدمتها، يضيء لها السراج ليلاً، «وهي تدعو له بدعواتها الصالحات»، وتنتهي الحكاية بموت (الحاجة فاطمة)، ويحزن عليها جميع أهل القرية ويترحمون عليها، ونهاية الحكاية ووصية الحاجة لأهل قريتها، تأكيد على الاتحاد فيما بينهم، ونبذ التفرقة والخلافات، لتسود المحبة بينهم، وقول الكاتب: «ومنهم من حفظ الوصية، ومنهم من نسيها»(93) يؤكد ذلك.
وقد برزت في الحكاية أيضاً قدرة الكاتب في «تطويع اللغة، وتطور الدلالة لنقل تطور ثقافي، أو وعي شخصيته عبر أزمن متباينة غنية بإرثها التراثي إلى زمن القارئ، وبالتالي إلى زمن القراءة»(94).
وتحدثت الحكايات أيضاً عن صورة المرأة (زوجة الأب)، التي تأخذ مكانة الأم في البيت، «وهي موتيف –أي جزئية معروفة عالمياً، وظهرت جيداً في الأدب العالمي (سندريلا بيضاء الثلج) أي أن صورتها معروفة في الأدب الشعبي، وتحافظ على نفس الملامح والصفات المعروفة عالمياً في الحكايات الشعبية الفلسطينية، علاقتها السلبية مع أبناء زوجها، نابعة من رغبات سادية في نفسيتها»(95).
ففي حكاية (الطير الأخضر)(96) صورة واضحة لزوجة الأب القاسية، التي لا تعرف الشفقة ولا الرحمة، وقد وصل بها الأمر إلى أن تضع ابن زوجها في الدست المغلى على النار، لتطبخه طعاماً لزوجها –لأبيه- بعد أن أكلت القطة (الكرشة) التي أحضرها الوالد لزوجته وهي منشغلة في أحاديثها مع الجيران، فوجدت في وضع ابن زوجها في الدست وفي طبخه الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تأمن فيه شر زوجها، دون أن تأخذها به شفقة ولا رحمة، وهو يصرخ قائلاً: “في عرضك، في دخلك، عشان الله، عشان النبي”(97)، ولتتهيأ الفرصة الملائمة لها لتحقيق غرضها، كانت قد أرسلت أخته لعين الماء، وعندما ألحت على زوجة الأب بالسؤال عن أخيها أجابتها: «والله إن فتحتي ثمك بكلمة لأعمل فيك زي ما عملت فيه، ظلت البنت من الخوف ساكتة»(98)، وتمضي الأيام ليتمثل الولد لهم بصورة (طير أخضر) يقف على باب البيت منادياً:
أنا الطير الأخْضر
بمشي عَ الحيط وبتمختر
مرة أبوي ذَبحتني
وأختي الحنونة لمَّت عظامي
ورمتهن في المزبلة»(99).
وقامت أخته بلملمة العظام التي تحولت إلى ذهب، ثم عاد إلى البيت، فمسكه الأب، فعاد إلى أصله. وتنتهي الحكاية لتنال زوجة الأب جزاءها، ويكون مصيرها كمصير الولد، «هذا جزا إللي يعمل مش كويس وعاش الولد وأخته وأبوه مع بعض يا محسنهم»(100). فالظالم لا بد وأن ينال جزاءه.
وقد صورت الحكايات أيضاً المرأة (الأخت) التي تظهر بصورة إيجابية لتكون الأخت الحنونة، تقوم بدور الأم في رعايتها واهتمامها بإخوتها، وتحل مكانها في البيت(101)، يتضح ذلك في حكاية (أسماء وألقاب)(102)، التي تصور الظلم الاجتماعي الذي يقع على المرأة لتضحي بنفسها، وقد جردت من الأنوثة لكثرة الأعباء الملقاة على عاتقها، وحرمت من حقها في الزواج في سبيل تربية إخوتها الأربعة، فكانت مثالاً للصبر والجد والعمل والكفاح، وعزة النفس والإباء والقناعة، تواصل عملها الدؤوب في الحياكة ليلاً ونهاراً، وترفض أن تمدّ يدها لأحد، وما أن كبر هؤلاء حتى انطلق كل في سبيله؛ ليكون له أسرته وبيته، وتبقى وحيدة في بيتها تجلس قرب مدفأة في بيتها القديم، ويستبدل اسم سميرة –اسمها- باسم العانس.
2. حكاية الحيوان:
وتعرف هذه الحكاية بأنها «قصة قصيرة تظهر فيها شخصية الحيوانات، وهي تتحدث وتقوم بأفعال الآدميين، ولو أنها عادة تحتفظ بقسماتها الحيوانية، وفي هذه الحكايات تكون الحيوانات الشخصيات الرئيسة، وتهدف في الأصل إلى تفسير حقيقة من الحقائق الطبيعية التي لا يستطيع أن يفهمها الإنسان البدائي، مثل مسألة سواد الغراب، أو خلود الحيات، أو قصر ذنب حيوان معين...» (103).
ويعد هذا اللون من الحكايات أقدم أنواع الحكايات الشعبية، وذلك لقدم علاقة الإنسان البدائي مع الحيوانات، التي كانت تفرض عليه ملاحظة الحيوان بدقة، والكشف عن شكله وسلوكه، والإنسان بطبعه ميّال إلى المعرفة وحب الاستطلاع. ومن هنا بدأ الإنسان بتفسير خصائص الحيوان تفسيراً خيالياً، مستمداً ذلك من التجربة والمشاهدة, وهذه الحكايات إلى جانب كونها حكايات ترفيهية، فهي تحمل مغزى تعليمياً وإرشادياً، وتعمل على تنمية الخيال والتفكير، وقد اتخذت من الحيوان رمزاً للتعبير عن الهدف المقصود، وتأتي حكايات (كليلة ودمنة) لابن المقفع في مقدمة هذه الحكايات، والتي ظلت تحتل مكانة كبيرة في هذا المجال(104). ويكثر هذا النوع من الحكايات في المجتمع الفلسطيني، «وكلها عبارة عن تفسيرات لقضايا حياتية وطبيعية يقابلها الإنسان يومياً»(105).
وتهدف هذه الحكايات إلى الوعظ عن طريق الرمز بالحيوان كشخصية أساسية في الحكاية، كالإنسان، ومن هذه الحكايات الواعظة (حكاية الشيخ واوي-الثعلب-)(106)، التي تبين دهاء الواوي ومكره وقدرته على التخلص والنجاة بنفسه وقت الحاجة، فقد استطاع هذا الواوي بحنكته وذكائه أن ينجو من الأسد عندما اختلف مع الخروف، واحتد النقاش بينهما حول الولادة، ومن يلد أولاً الذكر أم الأنثى»، وقرّرا أن يحتكما لأول قادم إليهما، فكان الواوي/الثعلب، فطرحا عليه السؤال، فسمع أولاً إجابة الأسد، ففكر ملياً، ثم قال: «الإجابة صعبة جداً، وأنا لا أستطيع حسمها لأني على عجلة من أمري، خاصة أني تركت والدي يعاني آلام الوضع». ففي هذه الحكاية «نقد لاذع للنفاق ومداهنة الأقوياء، أو أصحاب السلطة، والحيلة هنا تقف أمام جبروت القوة، ومنها ما ينتقد الظروف السيئة القاسية التي تضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب، أي الذي يجب أن لا يكون فيه»(107).
وقد تحمل حكاية الحيوان غايات تعليمية، كما في حكاية «الأسد المريض الذي عجز عن الصيد وتموين نفسه» فجاءت الحيوانات للاطمئنان على صحته، وصار يفترس كل حيوان يدخل إليه، وعندما جاء الثعلب الماكر لزيارته، رفض الدخول إلى الأسد؛ «لأنه رأى آثار أقدام تدخل ولا تخرج»، ومغزى هذه الحكاية هو أنه علينا أن نعرف طريق الخروج قبل الدخول؛ لأن «الدخول أيسر من الخروج»(108).
ومن حكايات الحيوان أيضاً حكاية (الكلب بربط والفار بِحبل)، ومضمون الحكاية هو أن كلباً أراد أن يفرد عضلاته أمام زوجته، فحاول إقناعها بأن الأسد يخافه ويهابه، وذهب إلى الأسد، وأخبره بأمره قائلاً له: «سيدي الأسد، إنت صاحب النخوة والشهامة، فساعدني أن أربطك وأكتفك أمام زوجتي على أن أضعك في الشمس الحارة... عطف الأسد على الكلب ووافق أن يربطه، وهنا بدأ الكلب يشد وثاق الأسد بقوة، ثم أخذ يضربه ضرباً مبرحاً، فنظر الأسد وهو مربوط فتعالى الكلب قائلاً للأسد: إن أخلاقي هي التي جعلتني لا أضربك في السابق، لكنك الآن تستاهل ما جرى لك»(109)، وكان تحت الشجرة فأر يراقب ما يحدث، فجاء إلى الأسد، وأخذ يقرض بالحبل، وأطلق حرية الأسد، وهرب الرجل وزوجته، ففكر الأسد وقال: «الله ينعلها من بلاد إللي الكلب فيها بربط والفار بحل»(110). وتتضمن هذه الحكاية قصة لمثل شعبي يطلق للسخرية من الذين يستلمون المناصب، وهم غير أهل لها، كما تعكس عدم الصدق والوفاء، والإخلال بالوعد الذي التزم به الكلب للأسد، وأن لا نستصغر أحداً مهما قل شأنه، ولا ننظر إليه نظرة ازدراء؛ لأن الصغير قد يأتي بالأمر العظيم.
لقد كانت الحكايات الشعبية في أول الأمر تروى على ألسنة النساء في حكاياتهن للأطفال، ثم تطور الأمر فشملت الرجال في سرد الحكايات «ذات الطابع الواقعي، في مجالسهم وأوقات فراغهم، وصار الرواة يتداولونها في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات الدينية»(111).
واتجه الكاتب إلى التأليف في هذا النوع من الحكايات، سيراً على خُطى أجدادهم، وحفاظاً على تراثهم ، يتحدثون عن واقعهم، وتضيف نبيلة إبراهيم قائلة: «وعندما سألت الراوية (سعاد خميس) عما إذا كانت تجلس بين أحفادها وتحكي لهم الحكايات كما كانت العادة في الزمن السالف، أجابت بعبارة تتسم بالواقعية، وقالت: «بنحكي عن همِّ الدنيا!» ومعنى هذا أن الحالة النفسية التي يعيشها الشعب اليوم لم تسمح لهم برواية حكايات السحر والجن التي ألفناها وورثناها»(112).
إن الموقف من التراث ينبغي أن يؤسس على الجمع بين ما يسمى من جهة أولى (التراث) وبين ما يسمى من جهة ثانية (المعاصرة)، وهذا يعني أن نستلهم من التراث مواقف أو أفكاراً أو قيماً ندمجها في أحوالنا الراهنة التي أسهم العالم الحديث في تشكيلها إسهاماً حاسماً»(113).
فحكاية (القط النمر) (114) – على سبيل المثال- هي حكاية شعبية حديثة من جهة الزمن، وقديمة في مضمونها، نسجت على نمط الحكايات الشعبية المتوارثة، ليكتب لهذا التراث الاستمرار والخلود في أذهان الشعب بما يحويه من مضمون. وتسعى الحكاية (القط النمر) إلى التأكيد على المثل الشعبي القائل: (يا كثير الحكي يا قليل الفعل)، وهي تدور الحكاية حول قطين التقيا في مكان ما «قرب جدار قديم» وتشاجرا فيما بينهما، كان أحدهما يبدو هادئاً، يتراجع إلى الخلف خوفاً من ضربة قاضية من القط الآخر الذي تحول إلى «نمر شرس» يقف متأهباً، وقد بدت عليه علامات الغضب والتوحش والاستعداد للهجوم على فريسته الذي تحلى بالهدوء دون خوف أو وجل، كل هذا والسارد ينتظر النتيجة بلهفة؛ لأن المعركة –كما توقعها- ستكون حامية الوطيس، إلا أن النتيجة كانت بعكس ما توقعها تماماً، حيث مضى القط الأول –الهادئ- بخطى ثابتة، وعزيمة قوية، نحو خصمه الشرس، وعاجله «بضربة على وجهه وبأخرى على بطنه، وبثالثة على ظهره» دون أدنى محاولة منه للدفاع عن نفسه، وما به إلا أن يطلق الأصوات، ويزأر كالأسد أمام ضربات خصمه، ثم ولّى هارباً، تذكر المشاهد حينها مقولة أمه: «يا كثير الحكي يا قليل الفعل».
تعالج الحكاية مغزىً اجتماعياً واقعياً، وهو عدم الاغترار بقوة الآخرين والخوف منهم؛ لأن حقيقتهم قد تكون بعكس ما يظهرون، وقد اتخذ الكاتب من الحيوانات رموزاً لحكايته، وكأنها شخوص حقيقية تتحرك أمامه، يتابع حركاتها عن كثب. وتتضمن الحكاية نقداً مُبطناً لموقف المشاهد (المتفرج) من الخصومة والعداوة، دون أن يلقي بالاً لخطورة الموقف، وقد بدت شخصية سلبية، وهذا انعكاس لطبيعة هذه الفئة الفاسدة من المجتمع التي تعمل على تقوية الخلافات بين الناس، وعدم التدخل، والقيام بدور إيجابي في إصلاح المجتمع، ونبذ بذور الخلاف والانقسام، وكأن في ذلك تطبيق للمثل الشعبي القائل: «مِيةْ عين تبكي ولا عيني تبكي».
الحكاية الخرافية:
يقوم هذا النوع من الحكايات على الخيال المحض الذي يطمح فيه الإنسان أن يحقق أموراً في حياته قد تبدو إليه صعبة المنال، فالفقراء يطمحون إلى تحسين مستواهم المعيشي، وتوفير كل متطلبات الحياة الكريمة أسوة بغيرهم من الأغنياء(115)، وترتكز هذه الحكايات على البطل وليس الحدث، وهي تذكر من الأحداث ما له صلة بالبطل وسيره، حتى يحقق هدفه(116).
وهذه الحكايات كغيرها من الحكايات، لا يعرف راويها، وتتناقل من جيل إلى جيل بالرواية الشفوية، يحتفظ بها الرواة في صدورهم للحفاظ على تراثهم الحضاري، وتمتاز هذه الحكاية بابتعادها عن الواقع «في شخوصها الهوائية التي لا أبعاد لها، ولا وصف، فهي قد تتخذ الشكل الإنساني، ولكنها تبتعد عنه إلى عالم موازٍ، له مقاييسه وأطره تختلف، فهو عالم خاص لا حدود له ولا أبعاد له، كما أنها تمتلئ بالقوى الخارقة والغيبية، وأحداثها تمتد أو تقصر حسب سير البطل، إذا أن البطل هو محور الحكاية وليس الحدث، فالحدث يذكر لأنه ذو صلة وثيقة بالبطل»(117).
وليس المقصود بكلمة (خرافة) هنا المعنى اللغوي لها، والتي تضفي عليها صفة التحقير، وخلوها من المعاني النبيلة، فهي حكايات مليئة بالأفكار والمعاني في مضمونها، ولو كانت غير ذلك لما استطاع الإنسان أن يحافظ عليها ويتناقلها عبر السنين؛ لتكون جزءاً قيّماً من تراثه عبّر فيها عن فكره، وتصوراته، وعلاقته بمحيطه عن طريق الرمز في كل زمان ومكان(118). «والحكاية الخرافية تخدم غرضاً نفسياً واحداً هو الكشف عن تجارب اللاشعور، وصراعه مع الشعور من أجل الوصول بالإنسان إلى شخصيته الكاملة»(119).
وكثيراً ما تلجأ هذه الحكايات إلى القوى الخارقة في الحكاية؛ وذلك لمواجهة قوى أخرى يصعب عليه مواجهتها في الواقع، فيشعر بالعجز والضعف اتجاهها، وقد يتخذ من هذه القوى وسيلة جيدة لتطويع قوى أخرى لمساعدته في «فتوحاته أو غزواته أو حروبه مع أعدائه هو، أو أعداء انتصار الحق والخير الذي يجب أن ينتصر في النهاية، وبمعنى آخر فإن ما نراه «قوى خارقة، في القصص الشعبي، قد يحتوي بعض الحقيقة، سواء فيما يتصل بالقوة الجسمانية، أو المهارية للأبطال، أو ما يتصل بالاستعانة بقوى أخرى خارجية كالجن أو الشياطين أو العفاريت»(120)، وللغول أهمية كبيرة في الدراسات الشعبية والوجدان الشعبي، «فهو قوة غامضة مضطربة، تتراوح بين البطش الخارق حيناً، وبين الطيبة المسببة باستعلاء وتفوق ذلك البطش حيناً آخر، وقد تصل هذه المراوحة المرعبة إلى شكل ثالث أشد إيلاماً وشذوذاً يأخذ صورة «التلاعب» بالإنسان وإخضاعه لحال من الهزء والسخرية والذعر مما يكون ذروته الجنون»(121).
ويبدو التصور الشعبي للغيلان على هيئة بشرية متوحشة، فهي تأكل وتتكلم وتحب وتكره، إلا أن شكلها يبدو مرعباً، وشعر كثيف وأظافر طويلة جداً، وحجم ضخم، وعيون لامعة، وقدرة فائقة على الحركة والدهاء والمعرفة غير المحدودة(122). ومصطلح (أمنا الغولة) تدفق عن نمط أصلي عاش مع الإنسان منذ القدم، وهو الذي سماه علماء النفس (بالأم الكبرى)(123) وقد يظهر الغول بأشكال كثيرة أيضاً وفي أماكن عدة، كما في حكايات (ألف ليلة وليلة)، في حكاية (حاسب كرين) في الليلة 484 وغيرها(124). والغيلان أنواع كثيرة، منها الغول الشرير الكافر الذي يتسبب بالأذى والضرر للإنسان، وهناك الغول الطيب الذي لا تختلف صفاته عن الأول، إلا أنه قد يقدم العون والمساعدة للبطل في أسفاره وتنقلاته للحصول على مراده(125).
وتطالعنا في قصصنا الشعبي الفلسطيني حكايات كثيرة تتحدث عن (الغول) وعلاقته بالإنسان، ففي حكاية (الحطاب والغولة)(126) تبدو الغولة فيها على هيئة بشر، لتخرج للحطاب الذي يداوم على جمع الحطب كل يوم من الغابة ليبيعه، ويؤَمِّن بثمنه قوت عياله، لتنتهز هذه الفرصة وهي حاجة الرجل إلى إطعام عائلته الكبيرة المكونة من عشرة أولاد وبنات، غيره وزوجته، ورأت أن في ذلك مغنماً كبيراً لها، فاقترحت عليه أن يحضروا جميعاً للعيش معها، وهي تتكفل بكل احتياجاتهم، فوجد فيها الحطاب منقذاً له من العناء والشقاء وضيق العيش مع كثرة العيال، والفقر المدقع، ويعود مسرعاً إلى بيته قائلاً لزوجته: «قومي يا امرأة، هيا أسرعي!» وقالت هي: «إلى أين يا رجل؟» فقال: «إلحقيني، ولحقت به فحملا حصيرتهم ولحافهم على حمارهم، وركبوا أولادهم وبناتهم في خرج الحمار، وساروا جميعاً حتى وصلوا إلى أرض الغولة»، وتلك صورة واضحة لبيت هذا الرجل وحاله من الفقر، وتسير الأحداث، فيعيشون مع الغولة في أول الأمر بأمن وأمان، وقد استكفوا أمور معيشتهم، ولو أن الغولة أكلتهم منذ البداية لانتهت الحكاية، وصارت زوجة الحطاب تناديها (بيا عمتي) ويبدأ المنعطف بالانحدار قليلاً وتكتشف ابنة الرجل حقيقة الغولة، حين ذهبت فجأة لترسل لها طعاماً، ويهيئ السارد الظروف لاكتشافها، فهي تترك باب الغرفة مفتوحاً، وتراها الفتاة تأكل شاباً معلقاً عندها، فخافت ووقع الطبق من بين يديها، وهي بذكائها لم تُشعِر الغولة برؤيتها له، مما كان سبباً في إنقاذ العائلة، وعادت الفتاة لتخبر أمها بما رأت، والأم بدورها تخبر زوجها، إلا أن شعوره بالراحة في بيت الغولة وعدم العناء في تأمين لقمة العيش جعله يتهم زوجته بحسده على هذه الراحة التي ينعم بها، فما كان من الزوجة إلا أن تحمل أبناءها وتعود من حيث أتت، وتشتاط الغولة غضباً عند عودتها، وهي تقول: «سمَّنتهُم ما أكلتهُم، يا زينْ حمْرة خدودهم». أما الحطاب الذي رفض سماع نصيحة زوجته، فقد كان مصيره الهلاك، وقد أكلته الغولة.
وحكاية(الحطاب والغولة) تحمل مضامين عدة بين طياتها، فهي تقدير لقيمة العمل، مهما قلّ أو صغر، فالبطل (الحطاب) يكدّ ويتعب من أجل تأمين لقمة العيش، لكن على الإنسان أن يكون حذراً ولا يثق في الآخرين بسهولة، وأن يفكر جلياً قبل أن يتخذ قراره، لكن يبدو أن حالة الشقاء والتعب التي يعيشها هذا الرجل جعلته يستسلم لاقتراح الغولة دون جدل أو نقاش. وتعكس الحياة أيضاً علاقة الرجل في المرأة، حيث «يعد المجتمع الفلسطيني مجتمعاً أبوياً»، أي أن السيادة فيه للرجل، فهو صاحب الكلمة، وصاحب القرار في أكثر الأمور، وفي ذلك «امتداد لثقافات وحضارات العصور القديمة والوسطى التي لم تر من المرأة سوى الرذيلة والشر مقابل تعظيم دور الرجل وسيادته، فساد نظام السلطة الأبوية (الرجولية) نتيجة للقيم السائدة والتي حددت أدوار الرجال والنساء، ومكانة كل منهما في المجتمع»(127)، مما جعل المرأة تنصاع لأمر زوجها في الذهاب إلى بيت الغولة، ثم يلقى حتفه على يد الغولة لعدم سماعه لزوجته.
وتختلف حكاية (أم بدور والغول)(128) في مضمونها ومغزاها عن الحكاية الأولى (الحطاب والغولة)، ففيها يبدو الغول الشرير المعروف الذي يشكل مصدر قلق لأهل القرية، يخطف أبناءهم، وقد اتفقوا جميعاً أن يذهبوا إليه ليكفّ شره عنهم، مقابل تقديم الطعام له في كل يوم، «وفي أحد الأيام كان واحد من أهل البلد يريد أن يذهب إلى طاحونة قمح...» ويبيت الرجل خارج منزله ليترك زوجته وحيدة، ولا تجد من يبقى عندها في تلك الليلة سوى الغول حين يقول لها زوجها في غضب: «نادي الغول يبيت عندك»، ولسذاجة المرأة أحضرت الغول للمبيت عندها، ليكون هلاكها في تلك الليلة بعد أن سلقها وأكلها، وتتوالى الأحداث لتقوم (أم بدور) في حيلة تتخلص فيها من الغول انتقاماً لابنتها بعد أن أتت إليه تحمل له الهدايا، ورغم معارضة والد الغول على بقائها في المنزل إلا أنه لم يسمع النصيحة، لتكتمل الأحداث وينال الظالم عقابه رغم قوته وجبروته، ويكون مصيره الهلاك.
وتجمع حكاية (أم بدور والغول) بين المرأة الساذجة الغبية التي أخذت كلام زوجها بمناداة الغول للمبيت عندها على محمل الجد، دون أن تفكر بالعواقب، رغم علمها عن أمر الغول وشره، وفي المقابل تبرز صورة (أم بدور) عكس ابنتها تماماً، فهي امرأة ذكية، صاحبة حيل ومكر، استطاعت بذكائها أن تنتقم، وتنجح في رسم حيلتها وتتخلص من قاتل ابنتها.
وتعكس هذه الحكاية أيضاً سلطة القوي على الضعيف، الغول الذي مثل البطش والقوة، وأهل القرية البسطاء بطبعهم، إلا أن الضعيف لا بد وأن يتغلب عليه بالحق رغم قوته وجبروته، يتضح ذلك من سذاجة الغول وتصديقه لأم بدور. وتؤكد الحكاية على بعض القيم الأصيلة، مثل استماع النصيحة، وخاصة من الوالدين.
وفي (الاتحاد قوة) يتضح ذلك في تكاتف أهل القرية جميعهم، واتحادهم في ذهابهم إلى الغول ليتخلصوا من أذاه. كما أن الحكاية تعكس تراثاً شعبياً أصيلاً في القرية، وهو الطاحونة وطحن القمح لعمل الخبز، وفي ذلك إشارة إلى التشبث في الأرض وزرعها، وأما بيئة الحكاية فهي بيئة شعبية بدائية أصيلة، يبدو ذلك واضحاً من ذهاب الرجل إلى الطاحونة على حماره.
ويدخل في هذه الحكايات ما يسمى بحكاية المعتقدات، وهي تلك الحكايات التي ترتبط باعتقاد الإنسان الشعبي في الأولياء، أو باعتقاده في الأرواح الشريرة أو الخيرة التي تظهر له بصورة أو بأخرى(129). فتشير إلى وجود ضريح لأحد الصالحين والأولياء في مكان ما، ينظر إليه الناس نظرة تقديس وإجلال، يترددون على زيارته والتبرك منه، دون علمهم بما يحويه هذا (المقام). وفي حكاية (سيدي جابر)(130) صورة واضحة لذلك، وهي حكاية حديثة، ويبدو أن مبالغة الناس في النظر إلى هذه المقامات هي التي جعلت الكتاب في العصر الحاضر يتجهون إلى كتابة هذا اللون من الحكايات. (مقام سيدي جابر) هو ذلك البيت الطيني في سفح الجبل المطل على القرية، يتوجه إليه أهل القرية في كل محنتهم، وفي اعتقادهم أن بركة سيدهم جابر هذا «تشفي السقيم، تزوج العوانس، تهب الذكور لأمهات الإناث، تطيل العمر»، معتقدات لم يستطع جعفر الذي حصل على شهادة الطب لمعالجة الأمراض الباطنية أن يقتلعها من أذهانهم، وعيادته لم يطرقها أحد، مداواة وأدوية بالمجان، «منبوذ ملعون» من قبلهم، إلا أنه استطاع بذكائه وحنكته أن يوجه الناس للعلاج إليه، لكن دون الاستغناء عن سيدهم جابر، فقد اختفى عن الأنظار فترة طويلة، ثم عاد إلى (مقام سيدي جابر) ليراه الناس، وهو يبكي متوسلاً إليه، طالباً منه السماح والمغفرة، واستطاع بحيلته أن يقنع أهل القرية أنه كان في السجن، في «كهف عميق ومخيف دون طعام أو شراب»، ولم ينقذه مما كان فيه إلا سيدهم جابر، وأخبرهم أن سيدهم جابر طلب منه أن يشترك معه في خدمة أهل القرية، فالدواء من جعفر، والبركة من سيدهم، ونجحت خطته، وصار الناس يتجهون إليه للعلاج، فكانت النتيجة بعد بضعة أعوام وجود مبنى كبير مكتوب عليه (مستوصف سيدي جابر التخصصي بإشراف الدكتور جعفر)»(131).
الحكاية المرحة (المسلية):
يمكن تعريف هذا اللون من الحكايات الشعبية هو: «أنه أحدوثة (أي حدوتة) تدور حول البطل أو البطلة، خرج من نطاق الشخصية الذاتية ليعبر عن نموذج أو مثال مطلق، هو بالطبع صورة البطل الشعبي، مثل: (الشاطر حسن)، أو (جُحا)، أو (ست الحسن والجمال)، أو ربما مجرد لقب الأمير والأميرة..» (132) ويلجأ الإنسان إلى الحكاية المرحة، للتخفيف من ضغوطات الحياة التي يعيشها، فيجد فيها متنفساً من هذا الواقع(133).
وتثير هذه الحكاية الشفقة والتعاطف مع البطل في أول الأمر؛ لأنه يبدو مظلوماً ومستضعفاً، ثم تتسلسل الأحداث المشوقة فيها؛ لتلعب القوى الخارقة أو السحر أو الصدفة دورها، وتنقلب الأمور لصالحه، ويحقق الانتصار في النهاية ليعيش. وعلى الرغم من أن الهدف الأساسي لهذا النوع من الحكايات هو التسلية والترفيه، إلا أنها لا تخلو من النزعة التعليمية التي تثري ثقافة المتلقين، ولاسيما الصغار منهم بما تبثه في ثناياها من توجيه للسلوك الجيد، والخلق الحسن، والفضائل والقيم المتعددة، التي تعمل على زرعها في نفوسهم(134).
ويهدف هذا النوع من الحكايات أيضاً إلى تعزيز القيم السلوكية الإيجابية، والقيم الخلقية في المجتمع، كالصدق والوفاء والقناعة عن طريق السخرية، وتعمل على محاربة القيم السلبية في المجتمع كالكذب والحمق والبخل والجهل وغيرها(135).
وقد اتخذت هذه الحكاية من النكتة والنادرة وسيلة لنقد الحياة الاجتماعية والسياسية وغيرها، «فالنادرة هي تعبير أو تعليق ساخر عاشت في الوجدان الشعبي فانتشرت وتناقلتها الأجيال، والنكتة كالنادرة، ولكنها لم تختمر كما اختمرت النادرة»(136). وقد كثر ورود النادرة في كتب الأدب والتفاسير والتاريخ التي قامت على السخرية والفكاهة في اللفظ أو الموقف، أو من شخصيات مبتدعة لهذا الغرض أو غير ذلك. ويبدو ذلك واضحاً في بخلاء الجاحظ، وكتاب الفاشوش لابن مماتي، وكليلة ودمنة.. وغير ذلك الكثير(137). والنكتة تثير النقد اللاذع الذي يبعث على السخرية والاستهزاء، وهي سريعة الانتشار عند بعض الشعوب. وتلاقي النكتة انتشاراً سريعاً بوساطة الكتب والمجلات والصحف، والمهم في الأمر أن النكتة انعكاس واضح لنفسية الشعب وأوضاعهم(138). «وتشترك النكتة مع النادرة anecdoteفي أن كلتيهما تثير الضحك، إلا أن النادرة قد تعني أحياناً الحدث الطريف الذي يسرد سرداً، كما أنها –وخاصة في اللغة الإنجليزية- قد تعني أسطورة تاريخية مرتبطة بشخص معين”(139). وتتناول هذه الحكايات شخصيات أسطورية كشخصية (جُحا) التي أخذت تتردد على ألسنة الكثير من الشعوب، وقد يكون لهذه الشخصية أصل في الواقع كشخصية (أشعب) إلا أنها أخذت تتشكل في صفات عديدة قد تكون متناقضة، فمرة يمتاز بالبساطة والسذاجة، وأخرى بالمكر والدهاء...الخ، وصارت شخصية (جحا) رمزا ينسب إليه كل ما يريد الشعب قوله ليبقى الحديث عاماً دون تخصيص «وتبدو شخصية «جحا» صورة للطرف الآخر الفكه المرح البطل التراجيدي في القصص الشعبي، ولكن أحداً لم يصور داخل الشخصية وما يعتمل فيها، أو يصور رد الفعل النفسي الطبيعي، فما يراه الناس يختلف كثيراً عما تحبه الشخصية ذاتها في الموقف الفكه»(140).
والأمثلة على هذا النوع من الحكايات كثيرة نذكر منها: (القول قول حج والقمزات قمزات بس) وتسمى أيضاً (الطبع غلب التَطبُّع)(141)، وتتحدث الحكاية عن العلاقة العدائية المشهورة بين القط والفأر، والتي كان متوقعاً أن تنتهي بعد أن حج البس، إلا أن سلوكياته لم تتغير بعد الحج. ولا يخفى ما في الحكاية من سخرية واستهزاء تحمل في داخلها نقداً اجتماعياً لهذه الفئة من المجتمع الذين يظهرون عكس حقيقتهم، ولمن يؤدي فريضة الحج، ويتوب إلى الله، ثم يعود بعدها لما كان عليه من ارتكاب للآثام والذنوب وغيرها.
ومن النوادر التي تروى عن (جُحا) «أن جاره استعار يوماً دستاً، وقد أعاده بعد أيام وبه قدر مدَّعياً أن الدست قد ولد، فتقبل جاره ذلك وشكره، وبعد أيام استعار الدست ولم يعده إلى صاحبه، وعندما جاء ليأخذه قال له جحا: رحمة الله عليه، لقد مات دستك، فقال الرجل بحنق: وهل سمعت أن الدسوت تحيا وتموت؟ فأجابه جحا: وكيف صدقت أن دستك قد ولد، ولا تصدق الآن أنه يموت!» (142). تهدف هذه الحكاية إلى إبراز ظاهرة الحمق والسذاجة عند بني البشر.
ومن الحكايات المرحة أيضاً تلك الحكايات التي صارت تُحاك حول علاقة الرجل بالمرأة، وتبعيته لها في كثير من أموره، بعد أن كان الرجل هو الآمر الناهي في أمر بيته، «وكثر الحديث عن الرجل المحكوم، والمرأة المحكومة، وكأن العلاقة بين الزوجين ليست إلا علاقة حاكم ومحكوم، أي سلطة مطلقة لأحدهما على الآخر»(143). ومن هذه الحكايات حكاية (الأعمى مع زوجته)، والتي تعكس صورة المرأة الدميمة التي تحاول أن تخفي حقيقة أمرها عن زوجها، وتتظاهر له بالجمال، مستغلة عدم قدرته على رؤيتها، إلا أن الزوج بذكائه يكتشف حيلتها، حين قال لها: «يا ولية روحي، لو أنك مزيونة ما خلوكي المفتحين إلي»(144). وفي الثقافة الشعبية «أن المرأة الجميلة ليست من حق الأعمى؛ لعدم قدرته على رؤية هذا الجمال وتقديره، وقد ورد في الأمثال الشعبية: «مرة حلوة بالأعمى خسارة»، و»مين شايف خطوطك –أي زينتك- يا مرة الأعمى»(145) وأمثلة هذا النوع من الحكايات كثيرة يضيق بنا المجال هنا لذكرها.
حكايات أخرى:
يؤدي التراث وظائف عدة وأولى هذه الوظائف الوظيفة النفسية، «فالتراث هو تراث أمة، وهذه الأمة ذات دور ومكان مرموق ومكانة بارزة في التاريخ، تاريخها ارتقى بها إلى قمم من المجد عالية، لكن ما أن انتهى على فاجعة أثرها قائم مستمر، ولا بد من آليات دفاع نفسية لمجابهته ونضاله ودحره، والتسلح بإرث حضاري عريق ضخم من شأنه أن يشكل سنداً معنوياً لإرادة مهزومة مغلوبة، وأن يحجم عقدة النقص التي خلَّفها في النفوس فعل التعاظم الأوروبي الحديث»(146)، ففضلاً عن أنماط الحكاية التي تم ذكرها، هناك أنماط أخرى مثل حكاية الواقع السياسي، وذلك تبعاً للظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال فهو يتأثر بواقعه وبمحيطه الخارج عن إطاره الشخصي، فيتاح له في الأدب الشعبي التعبير عن مشكلات الحياة التي يعيشها الناس من حوله(147)؛ لأنه رغم تعدد صورة التعبير في الحكاية الشعبية، إلا أن مشكلة الشعب العربي واحدة، «فالشعب العربي في كل عصور يصارع الظلم والسيطرة الغاشمة، كما أنه يحلم بالحاكم العادل الذي تتم في ظلاله الوحدة التامة والحياة الاجتماعية العادلة»(148). ومن هذه الحكايات حكاية (الشيخ الذي حلَّ اللغز)(149)، وهي تتحدث عن رغبة الشعب وطموحه بالحاكم العادل الذي يستنير بخبرة ذوي التجربة من الحكماء وكبار السن في حكمه، أصحاب العقول النيّرة ليعود ذلك بالخير والمنفعة على مجتمعه(150)، وهناك الحكايات التاريخية «فالتاريخ هو حكاية الناس، وحكاية ما يبتكرون من أطر رمزية وبناءات معنى تمكنهم من صناعة تاريخهم، «صناعة التاريخ الذي يصنع الحرية»(151). ومنها حكاية «الحاجة عواطف ياسين من مدينة حيفا عاماً (87) كان عمرها عام 1948م ثلاثة عشر عاماً(152)، تستعيد الحاجة عواطف في هذه الحكاية ذكرياتها في وطنها، وارتباطها الشديد في واقع مضى ولم يعد، وما زالت تنتظره تحمل مفتاح بيتها الذي يشكل رمزاً للاجئ الفلسطيني الذي شرِّد من أرضه، ويعطيه أملاً في العودة إلى دياره، وتظل روحه معلقة بأرضه.
وأما حكاية (قلوب على جدار)(153)، فهي أيضاً حكاية سياسية تعكس مأساة الواقع الفلسطيني وتشريده بعد نكبة 1948 لتنقسم العائلة قسمين، قسم يعيش داخل أراضي 1948، والقسم الآخر في أراضي 1967، يقف بينهما حاجز مشؤوم يسمى الجدار، يشكل سدّاً منيعاً يحول دون لقاء المحبين، ورسم كل منهما قلباً على الجدار، ولكن هل تُمحى القلوب في النهاية أم يُمحى الجدار...؟!
وتتحدث حكاية (آدم والحمار)(154) عن ارتباط الإنسان وتمسكه بأرضه، وهي تشكل جزءاً أساسياً من حياته، يحمل منساسه ومحراثه كل يوم، لينطلق في الصباح الباكر للعمل بها، متعرضاً لمضايقات من الدوريات العسكرية الإسرائيلية، لكن دون مبالاة، مؤكداً على حقه في هذه الأرض، وعلى أسبقية وجوده.
على أن تقسيم الحكاية إلى أنواع –كما سبق- تبقى تقسيمات اعتبارية؛ لأن الحكاية الواحدة قد تندرج تحت أكثر من نوع من هذه الأنواع، فقصة (الشاطر حَسن والأميرة ذات الحُسن)، هي قصة عاطفية، ويمكن اعتبارها أيضاً حكايات مسلية أو تعليمية، أو غير ذلك، وهي في النهاية حكايات تعليمية أو تثقيفية؛ لأن ذلك أهم مضمون من مضامين الأدب الشعبي(155) .
التراث الشعبي انعكاس واضح لوجدان هذا الشعب أفراد وجماعات، يعبرون به في أفراحهم وأحزانهم، يستمدون منه حياتهم، والحفاظ على التراث الفلسطيني واجب وطني على كل من يشعر بانتمائه الحقيقي لهذا الوطن، «فمن لا يحترم تراثه لا ولن يتقن حديثه، فالأمم المتحضرة والمتطورة تسعى جاهدة بشتى الطرق والوسائل للحفاظ على تراثها بأغلى ما لديها»(156).
الخاتمة:
تشكل دراسة التراث الشعبي أهمية بالغة في حياة الشعوب عامة، والشعب الفلسطيني بشكل خاص، فهو تعبير عن وجوده، وتعزيز صموده، والتمسك بهويته الفلسطينية التي تجمع بين أفراد الشعب في مواجهة التحديات، وقوى العولمة التي صارت تشكل خطراً رئيساً على طمس هذا التراث، وتعمل جاهدة على قطع الصلة بين ماضي الأمة وحاضرها. كما أن دراسة التراث تعرف العالم بحقيقة هذا الشعب وجذوره وهويته وثقافته وعراقته الأصيلة عبر التاريخ، وهو تعبير صادق عن عواطف الأمة الروحية والقومية، وجد فيه الفلسطيني متنفساً للتعبير عن واقع سيء فرضته طبيعة الأوضاع التي يعيشها، فاتخذ من الحكاية الشعبية وسيلة لتحقيق ما لم يستطع تحقيقه على أرض الواقع. فالحكاية تحمل مغزى سلوكياً أو أخلاقياً، كما تسهم في نقد جوانب مختلفة من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية وغيرها، وتضفي جواً من المرح والتسلية للسامعين، يتسامرون بها في أوقات فراغهم.
وتقديراً منا لأهمية التراث علينا القيام بما يلي:
1 - العمل دوماً على الحفاظ على هذا التراث من الضياع، ومحاولة إحيائه واستلهامه في حياتنا؛ ليبقى خالداً في الأذهان على مر العصور.
2 - تشجيع المهتمين بدراسة التراث ودعمهم، وتشكيل لجان خاصة لمتابعتهم وفق أسس مدروسة ومنظمة ليتسنى لنا المضي قدماً في هذا الموضوع.
3 - العمل على مشاركة طلبة قسم اللغة العربية، وقسم علم الاجتماع في الجامعات في عملية جمع هذا التراث تبعاً لتوزيعهم الجغرافي.
4 - التركيز على دراسة التراث الشعبي في المناهج الدراسية المدرسية والجامعية؛ لتعريف الجيل الناشئ بحضارتهم وعراقتها.
5 - العمل على حماية هذا التراث بكل السبل والوسائل من خطر الاحتلال وتحديات العولمة، ومحاولات استرداد ما سلب منه.
الهوامش و المراجع
1 - علقم، نبيل، مدخل لدراسة الفولكلور، جمعية إنعاش الأسرة، البيرة، ط3، 1993، ص:41.
2 - حداد، منعم، التراث الفلسطيني بين الطمس والإحياء، مركز إحياء التراث العربي، الطيبة، 1986، ص:12.
3 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي،مفهومه ومضمونه، مكتبة الأنجلو المصرية، (د.ت)، ص:175.
4 - حداد، منعم، التراث الفلسطيني بين الطمس والإحياء، ص:77.
5 - نفسه، ص:77.
6 - نفسه، ص:76.
7 - الجبور، مصطفى إبراهيم، التراث الشعبي الفلسطيني-هوية وانتماء، جامعة القدس المفتوحة، رام الله، فلسطين، 2007، ص:244.
8 - جدعان، فهمي، نظرية التراث ودراسات عربية وإسلامية أخرى، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 1985، ص:30.
9 - التراث الثقافي والهوية القومية، مجلة التراث، مؤسسة التعاون، فلسطين، العدد الثالث، أيلول، 2001، (مقدمة المجلة).
10 - كناعنة، شريف، دراسات في التراث الشعبي والهوية الفلسطينية/من نسي قديمه تاه، مؤسسة الأسوار، عكا، ط1، تموز، 2000، ص:65.
11 - نفسه، ص:65.
12 - نفسه، ص:78.
13 - نفسه، ص:79-80.
14 - أبو هدبا، عبد العزيز، التراث الفلسطيني جذور وتحديات، مركز إحياء التراث العربي، الطيبة، ط1، 19991، ص:207.
15-http://shabab.ps/vb/showthread.php?t=130537.
16 - أبو هدبا، عبد العزيز، من الجهود الفلسطينية في الحفاظ على تراثنا الفلسطيني،التراث الشعبي الفلسطيني-هوية وانتماء، جامعة القدس المفتوحة، 2007، ص:228-229.
17 - إبراهيم، نبيلة، الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1981، ص:161.
18 - حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني-دلالات وملامح، المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي، رام الله، فلسطين، ط1، 2003، ص:30.
19 - نفسه، ص:30.
20 - نفسه، ص:31، نقلاً عن مجلة الثقافة العربية، عدد مارس، 1977، ص:97.
21 - نفسه، ص:31.
22 - نفسه، ص:31-32.
23 - انظر: نفسه، ص:32-34.
24 - كناعنة، شريف، دراسات في التراث الشعبي والهوية الفلسطينية، ص:131.
25 - نفسه، ص:163.
26 - نمر، عمر عبد الرحمن، الملحمة الشعبية الفلسطينية(منصور بن ناصر)، منشورات الدار الوطنية للترجمة والطباعة والنشر والتوزيع، نابلس، فلسطين، 2000، ص:18
27 - علقم، نبيل، مدخل إلى دراسة الفولكلور، ص:40
28 - زياد، توفيق، صور من الأدب الشعبي الفلسطيني، مطبعة أبو رحمون، عكا، ط2، 1994، ص:11.
29 - علقم، نبيل، مدخل إلى دراسة الفولكلور، ص:41
30 - البرغوثي، عبد اللطيف، ديوان العتابا الفلسطيني، مؤسسة البيادر الصحفي، القدس، آذار، 1986م، ص:9.
31 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي، ص:150.
32 - بدير، حلمي، أثر الأدب الشعبي في الأدب الحديث، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2002، ص:15.
33 - علقم، نبيل، مدخل لدراسة الفولكلور، ص:15-16.
34 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي، ص:134.
35 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، أيار/مايو، 1974، ص:21.
36 - إبراهيم، نبيلة، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1981 ص:134.
37 - نمر، عمر عبد الرحمن، الملحمة الشعبية الفلسطينية(منصور بن ناصر)، ص:45.
38 - نفسه، ص:45.
39 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي، ص:137.
40 - إبراهيم، نبيلة، الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق، ص:95-96.
41 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:14.
42 - برونو، بتلهايم، التحليل النفسي للحكايات الشعبية الفلسطينية، ترجمة طلال حروب، دار المروج للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1985، ص:58.
43 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:15.
44 - أنظر: إبراهيم، نبيلة، الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق، ص:146.
45 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:15.
46 - نفسه، ص:34.
47 - إبراهيم، نبيلة، الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق، ص:146-148.
48 - نفسه، ص:149.
49 - برونو بتلهايم، التحليل النفسي للحكايات الشعبية، ص:57.
50 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:16-17.
51 - كناعنة، شريف، الحكاية الشعبية معلماً حضارياً، التراث الشعبي الفلسطيني/هوية وانتماء، جامعة القدس المفتوحة، 2007، ص:225.
52 - البرغوثي، عبد اللطيف، التراث الشعبي جذوره وخصائصه، مقال في كتاب التراث الفلسطيني جذور وتحديات، عبد العزيز أبو هدبا، مركز إحياء التراث العربي، الطيبة، ط1، 1991، ص:45.
53 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:18.
54 - الحسن، غسان، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن، دار الجليل، دمشق، 1988، ط1، ص:245.
55 - برنو بتلهايم، التحليل النفسي للحكايات الشعبية، ترجمة طلال حرب، ص:27.
56 - الحسن، غسان، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن، ص:245-246.
57 - برونو، بتلهايم، التحليل النفسي للحكايات الشعبية، ص:27.
58 - الحسن، غسان، الحكاية الخرافية بين شفتي الأردن، ص:246-247.
59 - نفسه، ص:247.
60 - نفسه، ص:248.
61 - نمر، عمر عبد الرحمن، الملحمة الشعبية الفلسطينية(منصور بن ناصر)، ص:62.
62 - نفسه، ص:62-63.
63 - نفسه، ص:63.
64 - نمر، سرحان، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:18.
65 - الهباهبة، طه علي، حكاية شعبية عربية-دراسة مقارنة، عمان، أمانة عمان، 2005، ص:9-10.
66 - نفسه، ص:10.
67 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي، ص:25.
68 - الحسن، غسان، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن، ص:252.
69 - العواودة، أمل صايل وآخرون، صورة المرأة في الأدب الشعبي الأردني والفلسطيني، مؤسسة حماد للدراسات والنشر والتوزيع، أربد، ط1، 2000، ص:136. نقلاً عن الحكاية الشعبية، خواجة، ص:8.
70 - نفسه، ص:136.
71 - أبو هدبا، عبد العزيز، التراث الشعبي الفلسطيني جذور وتحديات، ص:47.
72 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي، ص:89.
73 - بدير، حلمي، أثر الأدب الشعبي في الأدب الحديث، ص:17-18.
74 - إبراهيم، نبيلة، قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1973، ص:209.
75 - نفسه، ص:184.
76 - نفسه، ص:172-173.
77 - علقم، نبيل، مدخل لدراسة الفولكلور، ص:62.
78 - برونو، بتلهايم، التحليل النفسي للحكايات الشعبية، ص:30.
79 - (موقع إلكتروني) الحكاية الشعبية الفلسطينية(دراسة موجزة) المركز الفلسطيني للإعلام، التراث الشعبي الفلسطيني
http://www.palestine-info/Arabic/hertiage
80 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:44.
81 - حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني-دلالات وملامح-، ص:63.
82 - نفسه، ص:64.
83 - نفسه، ص:64.
84 - انظر (نص الحكاية) سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:129. حسونة ،خليل ،الفولكلور الفلسطيني:ص232
85 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:197.
86 - نفسه: ص:197.
87 - انظر (نص الحكاية)، حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني-دلالات وملامح-، ص:107.
88 - العواودة، أمل صايل وآخرون، صورة المرأة في الأدب الشعبي الأردني والفلسطيني، ص:139.
89 - انظر (نص الحكاية) ،جرار، وليد، حكايات جديس، ديسمبر، 2004، ط2، ص:33.
90 - التين، آية:1.
91 - جرار، وليد، حكايات جديس، ص:35.
92 - الرحمن، آية:60.
93 - جرار، وليد، حكايات جديس، ص:36.
94 - نفسه، ص:31.
95 - بدارنة، كاملة، طار الطير، دراستان في الحكاية الشعبية الفلسطينية، مؤسسة الأسوار، عكا، ط1، 2002، ص:21.
96 - انظر (نص الحكاية) حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني، ص:105.
97 - نفسه، ص:105.
98 - نفسه، ص:106.
99 - نفسه، ص:106.
100 - حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني، ص:107.
101 - بدارنة، كاملة، طار الطير، ص:23.
102 - أبو فرحة، عصام، عيون بهية، وزارة الثقافة الفلسطينية، جنين، فلسطين، 2012، ص:71.
103 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:99.
104 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي، ص:139-140.
105 - حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني، ص:87.
106 - انظر (نص الحكاية)، حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني، ص:88.
107 - نفسه، ص:88-89.
108 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:100.
109 - حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني، ص:225.
110 - نفسه، ص:226.
111 - إبراهيم، نبيلة، قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية، ص:172.
112 - نفسه، ص:172.
113 - جدعان، فهمي، نظرية التراث ودراسات عربية وإسلامية أخرى، ص:26.
114 - أبو فرحة، عصام، عيون بهية، ص:27.
115 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:44.
116 - سرحان، نمر، موسوعة الفولكلور الفلسطيني(من الألف إلى الياء)، البيادر، عمان، الأردن، ط2، 1989، ج2 ،ص:204.
117 - الحسن، غسان، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن، ص:13.
118 - نفسه، ص:14-15.
119 - إبراهيم، نبيلة، قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية، ص:208.
120 - بدير، حلمي، أثر الأدب الشعبي في الأدب الحديث، ص:25.
121 - الخليلي، علي، الغول مدخل إلى الخرافة العربية، منشورات الرواد، القدس، ط1، آذار 1982، ص:37.
122 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:62.
123 - إبراهيم، نبيلة، الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق، ص:240.
124 - خورشيد، فاروق، عالم الأدب الشعبي العجيب، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1411هـ/1991م، ص:147.
125 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، ص:67 وما بعدها.
126 - انظر: (نص الحكاية) البرغوثي، عبد اللطيف، كان يا مكان القصص الشعبية الفلسطينية، إصدار مجلة الحياة للأطفال، ج2، 1997، ص:26
127 - العواودة، أمل صايل وآخرون، صورة المرأة في الأدب الشعبي الأردني والفلسطيني، ص:65.
128 - انظر(نص الحكاية)، البرغوثي، عبد اللطيف، كان يا ما كان القصص الشعبية الفلسطينية، ص:14.
129 - إبراهيم، نبيلة، قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية، ص:200.
130 - أبو فرحة، عصام، عيون بهية، ص:139.
131 - نفسه، ص:140.
132 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي، ص:135.
133 - إبراهيم، نبيلة، قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية، ص:206
134 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي، ص:135.
135 - علقم، نبيل، مدخل لدراسة الفولكلور، ص:103.
136 - نفسه، ص:102.
137 - خورشيد، عالم الأدب الشعبي العجيب، ص:183.
138 - نفسه، ص:103.
139 - الجوهري، محمد، علم الفولكلور،دراسة في الانثروبولوجيا الثقافية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ج1، 1988، ص:73.
140 - بدير، حلمي، أثر الأدب الشعبي في الأدب الحديث، ص:175.
141 - انظر: (نص الحكاية)، حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني –دلالات وملامح-، ص:165.
142 - علقم، نبيل، الفولكلور الفلسطيني، ص:103.
143 - نفسه، ص:104،106. وانظر أيضاً: حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني، ص:78.
144 - حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني، ص:76.
145 - الزريعي، عابد عبيد، المرأة في الأدب الشعبي الفلسطيني، دار الأسوار، عكا، ط3، 1989، ص:61.
146 - جدعان، فهمي، نظرية التراث ودراسات عربية وإسلامية أخرى، ص:30.
147 - إبراهيم، نبيلة، قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية، ص:191.
148 - إبراهيم، نبيلة، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، ص:142.
149 - ينظر: (نص الحكاية)، حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني، ص:91.
150 - إبراهيم، نبيلة، قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية، ص:191.
151 - مجلة (رؤى تربوية) مجلة فصلية ثقافية تربوية، عدد 27، مركز القطان للبحث والتطوير التربوي، رام الله، فلسطين، آب/2008، ص:36.
152 - نفسه، العدد 27، ص:38.
153 - أبو فرحة، عصام، عيون بهية، ص:136.
154 - جرار، وليد صادق، حكايات جديس، ص:89.
155 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي، ص:147.
156 - الخزندار، محسن، التراث الفلسطيني والتحدي الحضاري، رابطة أدباء الشام،
http://adabasham.net/show php?side=30613.
القرآن الكريم.
1 - إبراهيم، نبيلة، أشكال التعبير في الأدب الشعبي، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1981.
2 - إبراهيم، نبيلة، الدراسات الشعبية بين النظرية والتطبيق، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1981.
3 - إبراهيم، نبيلة، قصصنا الشعبي من الرومانسية إلى الواقعية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1973.
4 - أبو فرحة، عصام، عيون بهية، وزارة الثقافة الفلسطينية، جنين، فلسطين، 2012.
5 - بدارنة، كاملة، طار الطير، دراستان في الحكاية الشعبية الفلسطينية، مؤسسة الأسوار، عكا، ط1، 2002.
6 - بدير، حلمي، أثر الأدب الشعبي في الأدب الحديث، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2002.
7 - البرغوثي، عبد اللطيف، التراث الشعبي جذوره وخصائصه، مقال في كتاب التراث الفلسطيني جذور وتحديات، عبد العزيز أبو هدبا، مركز إحياء التراث العربي، الطيبة، ط1، 1991.
8 - البرغوثي، عبد اللطيف، ديوان العتابا الفلسطيني، مؤسسة البيادر الصحفي، القدس، آذار، 1986م.
9 - البرغوثي، عبد اللطيف، كان يا مكان القصص الشعبية الفلسطينية، إصدار مجلة الحياة للأطفال، ج2، 1997.
10 - برونو، بتلهايم، التحليل النفسي للحكايات الشعبية الفلسطينية، ترجمة طلال حروب، دار المروج للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1985.
11 - التراث الثقافي والهوية القومية، مجلة التراث، مؤسسة التعاون، فلسطين، العدد الثالث، أيلول، 2001، (مقدمة المجلة).
12 - الجبور، مصطفى إبراهيم، التراث الشعبي الفلسطيني-هوية وانتماء، جامعة القدس المفتوحة، رام الله، فلسطين، 2007.
13 - جدعان، فهمي، نظرية التراث ودراسات عربية وإسلامية أخرى، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 1985.
14 - جرار، وليد، حكايات جديس، ديسمبر، 2004، ط2.
15 - الجوهري، محمد، علم الفولكلور،دراسة في الانثروبولوجيا الثقافية، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ج1، 1988.
16 - حداد، منعم، التراث الفلسطيني بين الطمس والإحياء، مركز إحياء التراث العربي، الطيبة، 1986.
17 - الحسن، غسان، الحكاية الخرافية في ضفتي الأردن، دار الجليل، دمشق، 1988، ط1.
18 - حسونة، خليل، الفولكلور الفلسطيني-دلالات وملامح، المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي، رام الله، فلسطين، ط1، 2003.
19 - الخليلي، علي، الغول مدخل إلى الخرافة العربية، منشورات الرواد، القدس، ط1، آذار 1982.
20 - خورشيد، فاروق، عالم الأدب الشعبي العجيب، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1411هـ/1991م.
21 - ذهني، محمود، الأدب الشعبي العربي،مفهومه ومضمونه، مكتبة الأنجلو المصرية، (د.ت).
22 - الزريعي، عابد عبيد، المرأة في الأدب الشعبي الفلسطيني، دار الأسوار، عكا، ط3، 1989.
23 - زياد، توفيق، صور من الأدب الشعبي الفلسطيني، مطبعة أبو رحمون، عكا، ط2، 1994.
24 - سرحان، نمر، الحكاية الشعبية الفلسطينية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، أيار/مايو، 1974.
25 - سرحان، نمر، موسوعة الفولكلور الفلسطيني(من الألف إلى الياء)، البيادر، عمان، الأردن، ط2، 1989، ج2 .
26 - علقم، نبيل، مدخل لدراسة الفولكلور، جمعية إنعاش الأسرة، البيرة، ط3، 1993.
27 - العواودة، أمل صايل وآخرون، صورة المرأة في الأدب الشعبي الأردني والفلسطيني، مؤسسة حماد للدراسات والنشر والتوزيع، أربد، ط1، 2000.
28 - كناعنة، شريف، الحكاية الشعبية معلماً حضارياً، التراث الشعبي الفلسطيني/هوية وانتماء، جامعة القدس المفتوحة، 2007.
29 - كناعنة، شريف، دراسات في التراث الشعبي والهوية الفلسطينية/من نسي قديمه تاه، مؤسسة الأسوار، عكا، ط1، تموز، 2000.
30 - مجلة (رؤى تربوية) مجلة فصلية ثقافية تربوية، عدد 27، مركز القطان للبحث والتطوير التربوي، رام الله، فلسطين، آب/2008.
31 - نمر، عمر عبد الرحمن، الملحمة الشعبية الفلسطينية(منصور بن ناصر)، منشورات الدار الوطنية للترجمة والطباعة والنشر والتوزيع، نابلس، فلسطين، 2000.
32 - الهباهبة، طه علي، حكاية شعبية عربية-دراسة مقارنة، عمان، أمانة عمان، 2005.
33 - أبو هدبا، عبد العزيز، التراث الفلسطيني جذور وتحديات، مركز إحياء التراث العربي، الطيبة، ط1، 19991.
34 - أبو هدبا، عبد العزيز، من الجهود الفلسطينية في الحفاظ على تراثنا الفلسطيني،التراث الشعبي الفلسطيني-هوية وانتماء، جامعة القدس المفتوحة، 2007.
35 - (موقع إلكتروني) الحكاية الشعبية الفلسطينية(دراسة موجزة) المركز الفلسطيني للإعلام، التراث الشعبي الفلسطيني
36 - http://www.palestine-info/Arabic/hertiage
37 - http://shabab.ps/vb/showthread.php?t=130537
38 - الخزندار، محسن، التراث الفلسطيني والتحدي الحضاري، رابطة أدباء الشام،
http://adabasham.net/show.php?side=30613 .