فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الموسيقى الحسانية (موسيقى التِّيدِنِيتْ): ملامح البنية والدلالة والوظيفة

العدد 21 - موسيقى وأداء حركي
الموسيقى الحسانية  (موسيقى التِّيدِنِيتْ):  ملامح البنية والدلالة والوظيفة
موريتانيا

يمكن أن نتعرض للموسيقى الموريتانية بالتعريف، عن طريق الوسائط التي يشكل وجودها مناخا لإنتاج الموسيقى ماديا وتصوريا، وفي هذه الحالة نجد ثلاث وسائط:

الوسيطة الأولى: الآلة الموسيقية.

الوسيطة الثانية: الفنان العازف المغني.

الوسيطة الثالثة: معرفة مصطلح الموسيقى وأداؤها حسب نظريتها. 

 

 بالتالي فإننا سنقوم بالتعريف بالقرينة الآلية: الآلة. والتعريف بالفنان العازف المغني. والتعريف بالقرينة الاصطلاحي المحدد لأسماء الوحدات الموسيقية.

ثم نقوم من بعد بالتعريف ببنية الموسيقى الموريتانية: بحورا وطرقا وظهورا.. إلخ.

ونمر على الدلالة التي أعطتها هذا التأليف الفني لنفسه، عبر أثره في النفس والمجتمع. ثم نتحول أخيرا إلى الوظيفة التي أدتها الموسيقى في حفظ الحكاية التي واكبتها، سواء كانت شعرا أو نثرا. وقد رأينا نماذج من ذلك وسوف نرى أخرى تاليا.

المبحث الأول: تعريف الموسيقى بوسائطها:

تتألف الوسائط التي تقدم الظاهرة الموسيقية في الغرب الصحراوي من آلات موسيقية، وفنانين مؤدين للموسيقى عزفا وغناء، ومصطلحا يعرّف الوحدات الكبرى والمتوسطة والصغرى، وتتضمن هذه الوحدات كلمات منظومة وألحانا.

لقد كتب الباحث الفرنسي «ميشل غنيار»1، عن موسيقى المنطقة، وقدم معلومات قيمة عنها لأنه التقى بفنانين عديدين واستفاد منهم. لكن تجربتي في البحث حول الموسيقى قادتني في طريق آخر غير الطريق الذي سلكه الباحث ميشل كنار، وهو أنني حاولت أن لا أحبس نفسي في مدرسة موسيقية فنية واحدة، بل أقوم بمسح لكل المدارس الموسيقية، وأقف على خصائص كل واحدة منها، سواء «تيدنيت وموسيقى» أهل الحوض، أو أهل تكانت، أو أهل القبلة. كما أنني قمت بحفرية في المصطلح الموسيقي الذي لا يستطيع الفنانون الناقلون للعزف والغناء أن يفسروه لأنه وقع انقطاع تاريخي ما بين المصطلح الأصلي، والأداء نتيجة اعتبارات تاريخية سنطلع عليها. وبالتالي لم يعد الفنانون قادرين على إعطائه معناه، رغم أنهم يحفظون التسميات والمصطلحات. لماذا؟ ذلك ما سنعرفه عند حديثنا عن مصطلح الموسيقى ونبدأه بمصطلح الآلة الموسيقية. ولن نبسط الموضوع كثيرا لأن المقام مقام الحكاية وليس الموسيقى.

 

أولا: تعريف بالآلة الموسيقية:

تتألف الآلات الموسيقية في المجال الحساني من ثلاثة أنواع، حسب طبيعة أدائها:

آلات وترية

آلات نفخية هوائية

آلات إيقاعية

 

1: الآلات الوترية:

تتألف الآلات الوترية من «التيدنيت» و «آردين» و«الكنبرة»، و«الربابة». من هذه الآلات ما يعزف بالأصابع، ومنها ما يعزف بأداة عزف من جنسه. ونبدأ بالآلات الخفيفة، لنصل إلى الآلات الرئيسة.

ا- الربابة: هي آلة تتألف من قدح، يعد من القرع، ويجلد بجلد الورل (الكوتي)، تثبت به عصا من جذور الأشجار، بمثابة عنق نحيل طويل للربابة، وتثبت في الطر الجواني من العود رافعة ترفع وتره الوحيد عن الجلد الذي يغطي فلقة القرع، المتخذ من شعر أذيال الخيل أو أعرافها. يثبت الوتر قريبا من نهاية العصا المثبتة بالطريقة الآنفة. ويؤخذ جذر رفيع من جذور الشجر (عركـ)، ويعطف على شكل قوس، يشد بين طرفيه خيط من الشعر الذي فتل منه خيط الربابة. وبذا تكون الربابة مهيأة لنشر ألحانها الشجية بحك وتر القوس على وتر الربابة. والربابة في المخيلة الشعبية الحسانية من أحسن الآلات صوتا إذ هي غاية جماله عندهم. يقولون في المثل الحساني: «صوته رباب». تسمية الرباب عربية. لايغني العازف على الرباب، بل يعزف عليه عزفا صامتا. والآلة شائعة بين رعاة الغنم خاصة.

ب- الكـِنْبْره: هي آلة أكبر من الربابة حجما، ويصنع قدحها من شجر البشام أوما في مثله من الأشجار الطيعة للنحت، الخفيفة. وعودها على شكل بيضوي مستطيل أكثر، خلافا للربابة المستديرة على شكل ثمرة القرع. وتجلد بجلد الضأن المدبوغ دباغة جيدة. يثبت الوتر الوحيد الموجود في الكـِنبرة على طرف عودها، أما عنق الآلة فهو من أعواد الأبنوس أو ما يماثله من الأشجار الصلبة. يثبت الطرف الثاني من الوتر قريبا من نهاية العنق النحيل للآلة. ويعزف عليها بالأصابع. ولكن أحيانا قد يمدح عليها الرسول صلى الله عليه وسلم من طرف المداحات والمداحين. أما العازف فلا يتكلم، إلا بأنامله.

تسمية الآلة تأتت من تشبيهها بالقبّرة وهي الطائر المغرد المعروف. تعزف الكنبرة عددا من المقامات الحسانية، حسب مهارة العازف، لكن أغلب عزفها الشجي يكون محدود السعة، بسبب وترها الوحيد. تروى على الكنبرة حكايات وبطولات، أغلبها حول قتل الأسد، والنمر، والتمساح.. ونادرا ما يصاحب عزفها بغناء من طرف عازف الآلة. لكنه يسمى المعزوفات.

 

ج- أردين: (أر أثين): وهو معزف الجارية.

جاءت تسميته من الصنهاجية، وهو مذكر بدليل الألف التي تدل على تمييز المذكر عن المؤنث بالحسانية. فالصيغة صنهاجية والدلالة صنهاجية كذلك.

بهذه الآلة أربعة عشر وترا على الأكثر، وسبعة أوتار على الأقل. وهو مؤلف منبن على قصعة قرع كبيرة، مجوفة، ثبت بتعامد معها عود طويل يبلغ حوالي ثلثي المتر، في الغالب، مثبت  بالجلدة التي تغطي فوهة القرعة، متعامدا أو شبه متعامد مع عود آخر بمثابة شعاع على قطر دائرة الإناء الذي يكل عماد الآلة، ثبتت في هذا العود المستعرض الأطراف السفلية من الأوتار، بينما ثبت طرفها الأعلى بملاوي مثبتة في ثقوب بالعود الذي يمثل عنق الآلة الطويل. ويسمى عود التثبيت السفلي «تامُنانتْ» وهي كلمة صنهاجية بمعنى الجسر، أو العبارة. كالخشبة المستعرضة على فوهة البئر (مثابة البئر).

تعزف الفنانات فقط على آردين لأنه آلة نسائية، وآردين بطبيعة أوتاره قادر على عزف الكثير من المقامات، لكن حسب مهارة الفنانة، يتحدد ما تستطيع أن تعزفه من تفصيلات في الموسيقى. إلا أن الغالب هو أنه يعزف بحور الموسيقى الأربعة: كرْ. فاغُو، سنيمة، لبتيت. أو الخمسة حسب بعض المدارس الموسيقية: كر. فاغو. لكحال. لِبياظْ. لبتيت.

تغني الفنانات على آرادين، ويعزفن «الأشوار» وهي وحدات سنتعرف عليها لاحقا.

 

د- «تدنيت» (آلة العزف):

أصل التسمية صنهاجي من مقطعين ونسبة. المقطع الأول «تذْ»: (آلة) إئذِهْ: العزف، أو الضرب. والصلة «انْ» للنسبة. فهي إن ترجمناها إلى العربية: (آلة العزف)، وإن ترجمناها إلى الحسانية فهي «آلة لِخْبيطْ»، وهو اللفظ الذي يطلق على العزف بالحسانية:

تَخْبطْ غَوْراسْ ابْلاَ انْزاعْ                              جِبْتُه وُاتْجيبْ أجْناسُه

شَاعِرْ غيرَكْ في الحَكْـ كـاعْ                                رَابِطْ راصِ غَوْراسُه.(2)

(تخبطْ: تعزف. غوراس: لحن من صنفين: صنف في الأوتار فقطْ يسمى غوراس العبرة، أي الدوزنة، وصنف يعزف في الأوتار ويوقع على جلدة التدنيت، يسمى غوراس الجّنبه، وهو من أشوار مدرسة أهل ابّاشه في الحوض. شاعر: هو اللقب الذي يطلق على الفنان. كـَاعْ: كلمة إغياء في الحسانية بمعنى حتى أو إذن حسب السياق. وهي من لفظ قاع المسألة، أو نهايتها. رابط راص: أصابني بالخبال.)

تتألف التيدنيت في بنائها من إناء مقور، منحوت من جذع البشام (آدْرِسْ)، مستطيل الشكل،  يثبت على عود طويل من الأبنوس أو من شجر صلب يشبهه.

وتتألف التيدنيت من الأقسام التالية:

د ـ 1 ـ  أقسام التيدنيت

لكـْدَح: القدح

وهو الخشبة التي بينا أنها تنحت من البشام لسهولة نحته، وخفته عند الحمل. وهو على نصف اهليلجي متساوي الطرفين. يوضع بداخله عند التجليد «حجاب النصر» من طرف شيخ الفنان، حتى يكون عزفه مقبولا بين الناس.

العود: وهو عصا غير غليظة ولا رقيقة، تثبت مع استطالة قدح التدنيت. يكون في نهايتها الجوانية فرع. وفي نهايتها البرانية ماسورة صغيرة من النحاس أو الحديد تسمى قصبة التدنيت.

 

الجنبه: الطبلة:

 هي الجلدة القاسية التي تثبت على فوهة قدح التيدنيت، وتجفف عليه وعلى العود، تثبت بسيور تدخل في التخريمات الجلدية، وتمرر السيور التي تشدها من تحت قدح التيدنيت في كل الأطراف.

 

تامُنانتْ: الجسر:

هي الرافعة المعدنية أو الخشبية للأوتار عند الفتحة الموجودة في طبلة التيدنيت من الجهة المعاكسة للطرف الذي تمتد منه العصا. والتامنات هي الخشبة التي توضع مستعرضة على مثابة البئر. أو هي عبارة النهر أو الجسر. كلمة صنهاجية، سميت رافعة الأوتار بذلك لأنها هي التي ترفع الأوتار عن طبلة التيدنيت فيمكن عزفها بالأنامل العازفة.

 

لِمْدارِكْ: المدارك:

هي مثبتات معدنية أو خشبية على طرفي جسم التيدنيت لتثبيت أطراف الأوتار. والمدارك إثنان.

 

الزغب/ لعصب: الأوتار:

التسمية من المادة التي تصنع منها أوتار التيدنيت فقد كانت تصنع تاريخيا من أذيال الخيل أو أعرافها، فسميت «الزغب»، أو تصنع من عرقوب النعامة وهو لا يزال طريا، فتسمى عصبا، لأن ألياف العرقوب تسمى عصبا. وقد تصنع من العضلات الصفراء لثور الوحش أو البقر(اسلوكْ العلْبه) إن لم يوجد النعام أو شعور الخيل.

التسمية على شعور الخيل يبدو أنها هي الأصل لأن تسمية الموسيقى (أزوانْ) جاءت من اسم الشعر بالصنهاجية «انْزْ»: و «أوَينْ»: الكلام. أي هو (كلام الشعَر)، إن ترجم ترجمة حرفية، و(صوت الأوتار) إن ترجم ترجمة معنوية.

لا توجد في نهاية الأوتار ملاوي في التيدنيت الأصلية، وإنما ثمة سيور رفيعة تثبت بها نهايات الأوتار، على العود الذي يشكل عنق التيدنيت. وبنسب متفاوتة، بحيث يعطي كل وتر نغمة على إحدى السلمين الموسيقيين: الخماسي والسباعي، وتعزف التيدنيت المقامات الخماسية والسباعية معا.

تتألف الأوتار من صنفين: «الامهار» و «التشِبّْطنْ».

 

الامهار:

هما الوتران الطويلان في التيدنيت، وأحدهما مثبت قبل الثاني بمثبت، حتى يكون صوته أعلى في السلم الموسيقي (مي) من صوت الوتر الطويل «المهر الفوكاني» (دو)

و يلتبس أصل تسمية الأوتار لإحالته في نفس الوقت على الحسانية، والصنهاجية بنفس الكفاءة الدلالية، وهي ازدواجية تلاحظ أحيانا، رغم أن الدلالة قد لا تكون متوائمة، لكن الدال متطابق أو شبه متطابق. فـ «أمْؤُر» (آمور) إن نطق بالحسانية هو الكبير، الحاني، الكافل، الطويل.. ومنه جاءت تسمية شجر (آمور): الغضا.

أما الإحالة إلى الحسانية فهي واضحة: المهر، وهو ولد الفرس. وكثير من وحدات الموسيقى سميت على خيل بجنسها أو بأعيانها (المزّوزه- أم اعكال- الْبيّكْ- الحوْ..)

يلعب الوتران دور التحكم في نغمات القرار والجواب في الموسيقى، فأحدهما (الفوكاني يؤدي نغمات القرار في الطريق الكحلاء، والتحتاني يؤدي نغمات القرار في الطريق البيضاء).

 

التشبطنْ: تِشَّأْبُظَنْ أو الشبوطيات:

هما الوتران أو الأوتار الثلاثة، وأو الأربعة القصيرة في آلة التيدنيت، وأغلبها ثلاثة وأقلها إثنان في تيدنيت البظانْ. تقوم هذه الأوتار بأداء النغمات في أعلى السلم الموسيقي الخماسي أو السباعي (ري، فا. صول. لا. سي) بالتجاوب مع الوترين الطويلين: الامهار (دو، ومي)، حسب التأليف الموسيقي للمقامات، وتبادل النغمات على السلم.

ولتسمية التشِبطِنْ إحالتان، هما: إحالة إلى العود الشبوط، وهو العود الذي اتخذه الغلام زلزل، تشبيها لها بسمك الشبوط النهري. فنسبت إليه الأوتار القصيرة في آلة التيدنيت. وإما هو : «تِشَّأبظَنْ» الصغيرة، والوديعة، البنت الكريمة، التي يحنو عليها الكبير، وهي كلمة صنهاجية متداولة. فتكون هي ابنة «أمؤهر» التي يحنو عليها. قال أحد شعراء الحسانية في وصف العلاقة الحميمة بين التشبطِنْ ولَمْهار: (لبيرْ):

زَيْنينْ أمْهَارَكْ شِنْ طِنْ                                                وُالمُهْرِ امْنينْ اتْهِينُه

يِتْلَيَّعْ وِ التِّشِبّْطــــــــنْ         

                     أعْلَ لَمْهارْ إنِــــــيـنُ.

(شِنْ طِنْ: بمعنى التدارك والسرعة في العزف. اتهينُ: تشتد عليه بالعزف. يتليع: يتألم. إنينُ: تئن على المهر المتألم.)

 

هــ- أنواع العزف في تيدنيت البظان:

تتألف أصناف العزف والتعاطي مع الأوتار بالنسبة لهذه الآلة التحليلية الأساسية في موسيقى الناطقين بالحسانية من الأنواع التالية:

البرم: وهو أصعبها، ويتم على الأوتار بأصبعي الإبهام والوسطى، أو بثلاث أصابع، حسب المدرسة الموسيقية.

الغزل: وهو تدوير إصبع واحدة على الوتر.

النجر: وهو لمس الوتر أفقيا، بضربة خاطفة.

المدر: وهو التركيز بإصبع على إحدى التشبطن. التي تسمى أيضا المدره.

الدَّركـي: من التدرق العربية، وهو إنهاء نغمة الأوتار بتوقيع على طبلة التيدنيت.

لحليب: وهو العزف طوليا على الأوتار بيد العزف، بحيث تخرج نغمة متصلة.

الشد: وهو التوقيع على طبلة التيدنيت بالنسبة للألحان الإيقاعية.

أما بالنسبة لأنامل الدوزنة، وهي التي تتحرك على نهايات الأوتار لضبط نسب الأصوات فإن تقوم بأنواع من الحركة والضبط أهمها:

الزّمد: وهو حبس الوتر لضبط النغمة التي سيخرجها مستوى وطولا وقصرا.

كـَصْ العُبْرَه: أي تقفي مستوى اللحن، وهو تحرك من الحد الأقصى من نغمات الوتر إلى الحد الأدنى، أو العكس. ويمارس في عدة مداخل موسيقية وأشوار، من بينها غوراس العبرة، و «امريرةْ مكه موسَ).

الحك: وهو لمس الوتر بطرف الظفر في حالة اهتزازه، فيحدث صوتا كالخربشة، وهو شاهد لشور «المشوش» في «ماغةْ جوكا».

النتر: وهو جذب الوتر بالظفر حتى يحدث نغمة عالية منقطعة.

التنتاكـْ: من النتق. وهو نتق الوتر بالظفر. ويسمى أيضا التنقاس، أي إيقاظ الوتر.

التغْواسْ: وهو الشد على الوتر بالظفر.

 

وتعتبر التيدنيت الآلة الوترية الأولى في موسيقى مجال الغرب الصحراوي، وذلك لقدرتها على عزف كل النغمات التي تصورها أو تخيلها السكان، أو استجلبوها معهم في بعض فترات هجرتهم، أو تعاطيهم مع الشعوب المجاورة.

وثمة ثلاث ملاحظات أساسية لفهم ظاهرة موسيقى التيدنيت التي يمكن أن تسمى بها موسيقى المنطقة، لأنها هي الآلة الأكثر كفاءة من حيث أداء النغمات، والأكثر إحاطة من ناحية القدرة على عزف كل المقامات والتوابع التي تتألف من أربع وعشرين وحدة كبرى التي تتضمن مئات الوحدات الصغرى (الأشوار).

 

الملاحظة الأولى: أن موسيقى التيدنيت لم تأت من مصدر واحد، ولم تؤلف في فترة واحدة، ولا ضمن مجال ثقافي وفني موحد. بل هي تراكم لمهارات فنية سابقة ولاحقة، كان ابتداؤها مع عهد الدولة المرابطية الثانية، عندما أصبح الرخاء ميزة هذه الدولة، على غير ما كان عند نشأتها. وبالتالي فإن مبدأ موسيقى التيدنيت –حسب القرائن التاريخية- يعود  تقريبا إلى النصف الثاني من القرن السادس الهجري، القرن الحادي عشر الميلادي.

 

الملاحظة الثانية: أن المصطلح الموسيقي السائد إلى يومنا هذا يحمل حفريات اصطلاحية، تؤكد اختلاط الروافد، حيث توجد فيه مصطلحات صنهاجية وأخرى حسانية عربية، وأخرى أفريقية في مستوى أدنى.

 

الملاحظة الثالثة: أن الثراء الكبير في النغمات الموسيقية، وتداخل المقامات السباعية والخماسية في موسيقى التيدنيت، يعود إلى مساهمة إنشاد الشعر الشعبي والفصيح، بحيث أصبحت الآلة مفتوحة على الأوزان الشعرية، وأصوات الإنسان، خلافا لبعض الآلات التي لم يصاحبها إنشاد، ولا إبداع، يستوحى من أصوات البشر. فمصاحبة التيدنيت للإنشاد الذي كان أغلبه بعد قدوم قبائل المعقل أثرى التيدنيت إثراء كبيرا.

ومن الأدلة الشاخصة على ذلك أن موسيقى الطوارق بالتيدنيت «تيهِرْدِنتْ» لم تعرف هذا التطوير النغمي لأنها صوحبت بحكايات نثرية، وإيقاعات قصيرة، ولم يصحبها إنشاد شعري طويل النفس. وبالتالي فإن إسهام القبائل الحسانية في إثراء التيدنيت نغميا كان بارزا ومميزا لها عن غيرها من «التيدناتن» الموجودة في المنطقة (تيدنيت بمبار. تيدنيت التكرارير، تيدنيت السوننكي)، فهي بالمقارنة مع تيدنيت البظان، تعتبر فقيرة في النغمات والتأليف الموسيقي والألحان، وتنوع العزف، والمضمون.

إن الانفتاح على الإنشاد بالحنجرة، كان إحدى التسويات التي خلقها الانصهار الثقافي، الذي ترتبت عليه مساهمة كل رافد سكاني ثقافي بما لديه في تأثيث الخيمة الثقافية الكبرى التي تحدثنا عن حيزها سابقا. وكانت الموسيقى من أفضل ما تمثل فيه هذا التكامل بين الروافد الثقافية في الغرب الصحراوي، سواء تعلق الأمر بالإثراء النغمي، أو بالإثراء الإيقاعي، حيث كان التأثر بالمجال الحاف في جنوب الإقليم موطنا للعديد من الإيقاعات التي دخلت الموسيقى الحسانية من بابها الواسع.

 

2 ـ الآلات الهوائية:

تنقسم هذه الآلات إلى صنفين:

الناي العربي هو قصبة هوائية مفتوحة من الجانبين وبها ثلاث ست فتحات جانبية كل ثلاث منها متقاربة، وينفخ فيها وتسد الفتحات الجانبية فتصدر أصواتا شجية. تتخذ من لحاء الأعواد ومن القصب.

النيفّاره: واللفظ من النفير أصلا. وهي قصبة حديدية أو من لحاء الأشجار فسخت عن عودها وغلفت بأمعاء الدواب وهي مسدودة من فتحتيها، وينفخ فيها من ثقب جانبي وبها ثمان فتحات تصدر منها الأصوات بواسطة سد أنامل النافخ فيها لتلك الفتحات. وتعزف بحور أزوان، وتصاحبها حكايات يحكيها صاحبها بواسطة النفخ. ومن أبرزها حكاية «كومْ.. كومْ. حد واكل أبَّات الرّجّاله ما يركـِدْ» وهي قصة عن قتل رجل لأسد أكل أباه، فقد تقفى أثر الأسد فلما وجده نائما أيقظه ليقتله بالمبارزة المباشرة.

 

3 ـ الآلات الإيقاعية:

هي الطبول بأنواعها. وهي تتخذ من أواني ضخمة نحتت من جذور أشجار عملاقة كالساج وغيره. وهي طبقات ورتب أعلاها طبل الإمارة الذي هو شعارها، وأخذه عار على أصحابه، إن لم يموتوا دونه. قال بعض الإمارات لما أخذ طبلهم المسمى «الرزام» تشبيها له بقرم الإبل:

يَالرَّزَّامْ انسَكْـرُوكْ       

                 عنْ تِفْرَاكْ احْلِلْنَ

جَاوْا اعْدُوكْ اكَبظُوكْ                                          أسْكِ يـــلُّ كِنَّ

في ابلَدْ فيهْ انْشُوفوكْ    

                مَذَ يَفْرَغْ منَِّ!(3)

الرزام: اسم طبل. انسكـْروك: نسترضيك. نعتذر لك. احللنَ: جمع محلة الحي.

أسكِ: لفظة إعزاز وتفكر. يفرغ: يموت. والمقصود أنهم لو كانوا في مكان يرونه فيه لشاهدت كم سيقتل منا دونك). لأن الطبل الكبير كان رمز السيادة.

ثمة طبول أخرى هي طبول العشائر، ومن العادة أن تسكت إذا تكلم الطبل الكبير. تنكس كالأعلام الجهوية أمام العلم الوطني.

ثمة درجة ثالثة من الطبول وهي طبول الطرب والمديح. وهي طبول أصغر من طبل الدرجة الأولى وطبول الدرجة الثانية. ويتقارع عليها الرجال قراع العصي. وتغني عليها النساء.

ثمة طبول للفنانات، ومن أشهرها طبل الصبيطه بنت آغمتار، فنانة خطري ولد أعمر ولد اعلي، لما قيل فيه لما انكسر في انتقال الأحياء من مكان إلى مكان: يدعى الطبل «امنيصير»: فقالت هي في ظهر الشور:

ديّةْ ظَرْكْ امْنَيصِيرْ                                         لَحْكِتْ غيدْ التِّشهارْ

(أي أن الطبل قتل، وعلى نساء المحلة أن يقدمن لها ديته. وقد أعطت كل سيدة جزءا من تلك الدية المغلظة من ذهب وإبل وقماش وغيرها.)

قال فيه الكفيه ولد بوسيف:

يَجْميمِ لِمْــــــــغَلِّيكْ 

                                 صِــدْرَياتَكْ لِكْبارْ

وَاخْبَارْ الريمْ اعْليكْ                                             مَشْدودَه كل انهارْ.

وقال فيه:

ذ اللاَحِكْـ يالمجيبْ          فيَّ لَيْ أصَــــكَّارْ

فوكـُه حبّاتْ ارْبيبْ        لا لَحْكُه حرْ النارْ

وقالت فيه الصبيطه رثاء لسلطنة أهل أعمر ولد اعلي بعد مقتل المختار والد أعمر:

يَالْدَايِرْ تتْفَــــــكَّرْ          انْظِرْلَكْ هَذِ الدّارْ

هذِ دارْ اهل أعمر          دارْ الفِخْرَه لِكبَارْ

وكان من عادات العرب أن الفنانة إذا أرادت أن تجلد «آردين» أخذت جلدته المتقادمة وقسمتها قطعا على نساء المحصر. وعلى كل واحدة من النساء أن ترسل شية ذهب، أو ثوبا جديدا، أو ناقة.. أو أي شيء آخر (4).

هذا ملخص موجز عن الموسيقى كما ظهرت في الأفق الثقافي الحساني. فكيف تم توظيفها في النسق الثقافي العام، ولولا أن المقام لا يتسع لقدمنا أرضية خلفيات النشأة، لكننا صححنا بعض المفاهيم المتعلقة بأن المرابطين لم يكونوا يتداولون بالموسيقى في دولتهم الجنوبية، ويكفينا هنا أن نلاحظ ملاحظة واحدة نكتفي بها من ذلك الحديث السجالي المطول.

الملاحظة هي أن الموسيقى بعد دخول بني حسان وتمكنهم من المرجعية السياسية والثقافية، لم تكن متداولة بين الزوايا إلا نادرا. وبالتالي نتساءل من أين جاء المصطلح الصنهاجي في تسمية الآلات وتسمية البحور وكثير من الأشوار؟

إن السبب كما يستشف من بعض الوثائق والقرائن غير القرينة المصطلحية، أن المرابطين هم الذين سموا التيدنيت، وكانوا يتداولون بمقامات معينة قبل قدوم بني حسان فلما جاء بنو حسان تحول إليهم الفنانون بالتسميات وإسناد الأسماء، بحكم بذل الأمراء لهم، وإغداقهم المال والهدايا السنية، فأثري الفن السابق بالمعطى الجديد، ولكن بقيت المصطلحات السابقة حفرية دالة على الحقبة السابقة، كما بقيت في أسماء المعالم الجغرافية وغيرها.

 

ثانيا: التعريف بالمصطلح:

المصطلح الموسيقي وحفرية التكامل:

يعد المصطلح الموسيقي مظهرا من مظاهر التكامل الثقافي في مجال الغرب الصحراوي، فالتسميات تعود إلى مصدرين أساسين هما الصنهاجية والحسانية أساسا، وثمة وحدات صغرى تسمى بمصطلحات تعود إلى الأقليات التي تعيش في الجوار الجنوبي، مثل «انجَرو» و «السونكي» وهما لحنان أحدهما في «فاغو» الطريق الكحله، والثاني في بياضها.

من مظاهر التكامل التي تكشف عنها حفرية المصطلح ما سأورد منه أمثلة الآن:

يسمون الطرق بأسماء حسانية، في اثنتين منها: الجانبه البيظة (الطريق البيضاء)، الجانبه الكحلة (الطريق الكحلاء). ويسمون الطريقة الثالثة: جانبة لاكْنيدية: تصغير الكنداية، من اكنذن، وهو خليط السواد والبياض من الناس أو من الأشياء (الزّْرَاكـْ).

وفي بحور الموسيقى: «كر» و»فاغو» و»سنيمه» (لِكْحَالْ -الزّْرَاكْـ- لِبْيَاظْ) و»بَيكـِ».

فأما لفظ «كَرْ» فحساني من الكر وهو إحكام النسج. وأما «فاغو» فهو من أفؤْكِـَه»، وهو التصبب من أعلى في الغارة تشبيها بالشلال، والمقام مقام حرب. واللفظ صنهاجي. وأما: سنيمه: فهي من مقطعتين: اسِّنْ: معرفة أوانكشاف. إيمَنْ: الروح. أي معرفة الروح أو انكشافها. وهي صنهاجية المأتى.

أما: لكحال والزراكـْ ولبياظ ، فهي ألفاظ حسانية ذات أصل عربي، تدل على ألوان السواد واللون المختلط من السواد والبياض، ثم البياض. أما بيكِـ: فهو حساني مصغر الباقي. أي الباقي من الموسيقى بعد البحور السابقة.

فإذا فصلنا أكثر في الظّهُورَه: وهي الوحدات التفصيلية التي تعزفها «التيدنيت» فإننا سنلاقي:

في الطريق الكحلة: أنتماس: من انتَمَسِّنْ: الطلع أو المطالع في الصنهاجية. تنجُّوكَـَه: فاغو الطريق الكحلة. والكلمة في الأصل من تنْ اوكـيْ: ذات المنعة. صنهاجية. ثم: الراشكة أو ازراكـ البلاوي، وهما تسميتان حسانيتان ذواتي أصل عربي. ثم «ماغَجُّوكَه»: ومعناها: نمنمة، أو شي ذات المنعة. صنهاجية. ثم بيكـِ أعظَّالْ: والتسمية حسانية، وأعظال هو الوثاق الشديد، حيث أن نغماته كثيفة، وصعبة الأداء.

في الطريق البيظة: مكّة موسى: واللفظ مسند لموسى. إما «مكه» فتعني (الذرة: واللفظ ينتمي إلى اللغات المحلية الإفريقية- قيل إنها حركة سنابل الذرة الصفراء، عزفها الفنان المدعو موسى فنسبت إليه.)

ثم السروز: أو عرّاي السروزْ: وهو وقت اشتداد المعركة عند إخلاء السروج من فرسانها بالمناورة أو بالنزول إلى الأرض للقتال أرضا. واللفظ حساني عربي.

ثم «انيامه» وهي تحيل نوعين من الإحالة: الأولى: إحالة إلى الصنهاجية «الروحية» التي تحدثنا عنها بالنسبة لسنيمه، أو من «انْيَامْنَه»: وهو «نبع الماء الزلال». الثانية: «انيامه» التي تعني الأكل في الفلانية: ومنها المثل: «أرْ انْيامَه»: (هيا كُلْ).

ثم «مقام الربابي»: وهو لفظ حساني من النسبة إلى صوت الرباب.

ثم «جينّه» وهي صنهاجية من مقطعين «اِدْيَإنْ» أهل «نان» نحن. (أهلنا).

و «لَكَّتْرِي»: وهو لفظ حساني نسبة إلى القتر، وهو العجاج.

وأخيرا «لعْتيكـْ»، وهو لفظ حساني من (العتيق)، ويطلق هذا اللفظ في الحسانية على بقية الأضاة.

 

ثالثا: تعريف بالبنية:

بنية الموسيقى الحسانية في التيدنيت:

تنبني موسيقى التيدنيت التي أسلفنا إنها ترادف كلمة موسيقى الحسانية من أربع وعشرين وحدة مقامية مستقلة كليا أو جزئيا عن الوحدات الأخرى. وتتألف عندما تعزف التيدنيت طريقا عموديا في البحور الأربعة حسب بعض الأقوال، أو الخمسة حسب بعض الأقوال الفنية الأخرى.

 

أ- بنية الطريق البيظه: الوحدات الكبرى:

مكّة موسَ: هو كر الطريق البيظه.

الفائز: مقام خفيف من مكة موسي يسمى  (رخوا) أو رديفا.

السروزي: هو فاغو الطريق البيظه

الحر: خفيف السروزي (رخو) أو رديف.

انيامه: أكحال سنيمة البيظه، أو اكحال الطريق البيضاء.

التحزام: رديف ظهر انيامه. رديف ثقيل.

جَينَّه: هي ظهر لبياظ في الطريق البيظه. ويقال له بالظلوع في بعض المدارس الفنية.

لكّتري: رديف ثقيل لجينّه. ويسميه بعض المدارس: اللين.

لعتيكْ: هو ظهر بيكِ في الطريق البيظه. ولا رديف له.

 

ب- بنية الطريق الكحله:

انتماس: ظهر كر الطريق الكحله.

سين كر. أو ما يُخرّص. رديف خفيف لظهر انتماس.

تنجُّوكَه، او تنِنْجُوكَـه: هي فاغو الطريق الكحله.

سين فاغو: خفيف تنجُّوكه. رديفه.

ازراكـْ البلاوي: مقام بيني مستقل.

ماغة جوكَـه: بياض الطريق الكحله.

بيكـِ أعظّال: هو ظهر بيكـ في الطريق الحكله.

المصري: رديف لظهر أعظال. منطقة الجنوب الغربي فقط.

 

جـ- بنية طريق لِكْنَيدِيه:

انوفَّل: ويدعى كر لكْنيديه في بعض المدارس الموسيقية. وهو كرْ طريق لِكْنيديه.

الشبار/ المزَّاوي/ او فاغو لِكبير: فاغو طريق لكنيديه.

الموسطي: هو اكحال طريق لكنيدية.

مَنْجَلَّه: أو ابياظ لكنيديه حسب بعض المدارس. هو ابياظ لكنيديه.

بيكـ المُخالف: هو بيكـي طريق لكنيدية.

وإذا نظرنا إلى مجموع هذه الوحدات التي تسمى «آنكـَاره” نسبة إلى النقر على الآلة، وجدناها أربعة وعشرين وحدة كل واحدة مستقلة بألحانها وإيقاعاتها عن بقية الوحدات الأخرى.

وتتميز الطريق عن الطريقين الأخريين بترتيب النغمات، فبينما يكون الجواب في الطريق الكحلة مثلا على أساس المهر الفوقاني، يكون في الطريق البيظه على أساس المُهر التحتاني. بينما يكون في لكنيدية على التّشبّط الفوكانية: الوتر الثالث في التيدنيت.

يمكن أن نسمي هذه البنية ببنية التقاطع بين البحور الأفقية والطرق العمودية، حيث تخترق الطريق كل البحور بالتتالي، دون أن تعزف مثلا البحر الواحد بجوانبه الثلاثة وإنما تعزف طريقة واحدة في كل البحور. لذا سميناه بالتصنيف التقاطعي، وهو مبين في الجدول التالي.

         الطريق

الظّهور                 الرّدفه

البُحور

الكَحْله:

 السوداء

البيْظَه:

البيضاء

لِكْـْنَيْدِيه:

الزرقاء

ملاحظات

كَرّْ

1-انْتَمَاسْ- ظ

2- سينِ كرْ- ر

1- مكّه

 موسى- ظ

2- الفائزْ- ر

انْوَفَّلْ- ظ.

---------

«سينِ كر»: 
يسمى: «مايُخَرّصْ» في الحوض.

فَاغُو

 

3-”تَنَجُّوكـَه”

- ظ

4- «سيْنِ فاغو”- ر

3- السّْرُوزِي- ظ

4- الحُرْ- ر

فاغُو لكبيرْ

أو «الشِّْبارْ”- ظ

- تنطق «تِنِنْجُوكـه»:
في منطقة «القبلة» بنونين

سِنِّيمَه:

      ا- لِكْحالْ

       

     ب- الزّْرَاكـْ

 

       

 

       

     جـ- لِبْياظْ

 

 

5- هَيْبَه- ظ

-----------

6- ازْرَاكـْ البِلاَّوِي

أو”الراشْكـَه”- ظ.

 

7- «مَاغْةْ جُوكـَه” أو ابْياظْ لِكحالْ- ظ

------------

5- انْيَامَه- ظ

6- التحْزَامْ- ر

7- الرَّبابي- ظ

 

 

 

8- «جَيْنَّهْ” أو «بِالظّْلوعْ”- ظ

 

9- «لَكـَّتْرِي”، 

أو ابْياظْ لِحْجِبْ- ر

المَوْسْطِي

(خاص بمنطقة الحوضين)

---------

«مَنْجَلَّه”، أو ابْيَاظْ لِكْـْنَيدِيه

 

 

---------

 

 

- يخضع بحر «سنيمه» 
لنظام مختلف عن نظام 
البحور الأخرى لأنه ثلاثي 
التصنيف.

- الرمز»ظ» تعني الظهر، 
وهو مقام ثقيل، 
و الرمز «ر» تعني مقاما 
خفيفا تابعا لسابقه، 
وبعض المقامات 
الثقيلة لا خفيف له.

بَِيْكِـِي

8- بيكـي

 أعَظَّالْ- ظ

9- المصري- ر. خاص بمنطقة القبلة

10- لِعْتِيكْـ - ظ

------------

بيْكِـِي المُخالِفْ

---------

الخط المتقطع يعني 
عدم وجود رديف للمقام الثقيل.


جدول الوحدات الموسيقية البيضانية الكبرى، «آنْكـَارَه»:

 

 

د- بنية الظهر والرديف:

تعتبر الوحدة الكبرى هي الظهر ورديفه معا. لأنهما هما اللذان يشغلان الجزء المتعلق بالبحر من الطريق. وفي البحر ورديفه ثلاث مستويات من التأليف:

الردة: وهي الوحدة الصغر. وتتألف من نغمتي قرار وجواب. ومن الردات المستقلة المعروفه: «بَرَه» كلمة صنهاجية معناها الطريق. و «ردّتْ سيد أحمد اللب» المباركي في «شور الكرص».

الشور: وهو يتألف من صنفين: لحن غير موقع، ويسمى شور العبرة. وهو عزف يتوخى تتبع الألحان، والتنويع فيها ضمن المقام، وهو أساس الإنشاد. والصنف الثاني الشور الموقع، وهو أربع ردات فأكثر، متساوية أو متفاوتة، على أساس التوازن بين الأولى والثالثة، والثانية والرابعة. على غرار وحدة الكاف. فالشور الموزون لا بد أن يكون من أربع ردات على الأقل. و»الشور» من الإشارة إلى الجهة، فهو جهة موسيقية. أو منحى موسيقية، وهو أساس الأغنية. وفيه تنشد «الكفان» قال محمد ولد ابن ولد احميدن:                

اغْنَ هَذَ الشَّورْ ابْلَ            مَــايُـغَـــنَّ سَــرْمَـدَ

بَاكـِ للشِّـــطَّارْ ابْــلَ                طَمْعَه فيهْ البُلَدَ.

 

رابعا: التعريف بالوظيفة:

زيادة على دور الإشباع الجمالي لمتذوقي الموسيقى من جميع المشارب الاجتماعية البيضانية، لعبت هذه الموسيقى في الغرب الصحراوي أدوارا خطيرة في تحريك العواطف، وتوحيد الأذواق، والتأريخ للحوادث، وتخليد الأبطال، واحتضان الشعر الحساني، والمثل، والحكاية البطولية. لذا كان توظيفها الاجتماعي كثيفا، ولا تزال هذه الموسيقى تؤدي دورا متجددا في المجتمع، وتنمية الذوق، ويسعى الفنانون المحدثون للاعتماد عليها في تحديث أنغامهم وألحانهم، وذلك لتشبع هذه الموسيقى بروافد لحنية وإيقاعية عديدة تتمثل في عناق الإيقاعات الإفريقية والمحلية الصنهاجية، مع الإنشاد العربي، وتميز هذه الموسيقى بتداخل المقامات السباعية والخماسية مما أثراها إثراء غير متاح في المحيط الحاف بالإقليم الذي يتداول بموسيقى «التيدنيت» أو موسيقى «البيضان»(5).

ورغم أن هذه الموسيقى التي يروي أغلب الشيوخ أنها موسيقى ذات أصل أندلسي، تفيض عن الموسيقى الأندلسية المتداولة في المغرب العربي بأحد عشر مقاما؛ فإنها تتطابق مع الموسيقى الأندلسية في الأمور التالية:

أن الموسيقى الأندلسية وموسيقى البيضان تتألفان من 24 مقاما.

أنهما قائمتان في ترتيب المقامات على نظام النغمة الثقيلة والخفيفة، بمصطلح الرديف في مقامات التيدنيت، والذيل في المقامات الأندلسية.

أن التيدنيت التي هي الآلة الرئيسة في موسيقى البيضان، هي عود عربي قديم، يخلو من الملاوي.

تدعى بعض أوتار التيدنيت «تَشبّطْ”، نسبة للعود الشبوط الذي كان معروفا في الأندلس.

أن الصلة بين المجال الأندلسي والمجال الموريتاني معروفة تاريخيا، منذ القرن الخامس الهجري، وكان ثمة تحرك كثيف للكتل البشرية، بما تحمله من ثقافة وفن، خاصة في فترة المرابطين، وخلال سقوط الأندلس، حيث لجأت مجموعات عديدة إلى الصحارى خوفا من اضطهاد الإسبان لهم، وعبورهم إلى العدوة المغربية. والشعوب إن هاجرت تهاجر بثقافتها وفنها قبل أي شيء آخر.

يروي الفنانون أن موسيقى التيدنيتْ قادمة من الأندلس(6).

 

وفي المحصلة تعتبر الموسيقى البيضانية فنا مشبعا، إلى درجة أنها تحتضن فنونا أخرى مثل الرقص، والرسم والنحت، حيث تقوم بالتعبير التعويضي عن هذه الفنون من خلال النغمة والإيقاع، المشبعة برمزية الألوان، والحركة، وتداخل الظلال..

أما من حيث التداخل والتشاكل مع الموسيقى العالمية، فإن هذه الموسيقى تتفق مع الموسيقى العربية في مقامات مثل «نهوَنْد» الذي هو «الموسطي» عند الموريتانيين، وكذلك مقامات لِكْحالْ: (هيبة، وانيامه، والتحزام). أما الموسيقى السودانية وأواسط أفريقيا فتتفق معها في «التحرار»، وهو خفيف نغمة متوسط من مقام «تنجوكه». وتتفق الموسيقى الموريتانية مع الموسيقى الفارسية والأوروبية والهندية، في مقامات سباعية، وخاصة بعض مقامات لكْحال ولِبياظ. كما تتفق مع الموسيقى الصينية في مقامي «جَيْنّه» و «منجَلّه». وتتفق الموسيقى الموريتانية مع موسيقى «لاابْلوزْ» الأمريكية في مقام «انتماسْ».

لقد سمحت القدرة على تأليف الألحان لدى الفنان الموريتاني، وما أتيح له من وجود على تخوم حضارات متعددة، إضافة لعوامل تاريخية ناتجة عن الهجرات العديدة إلى الأرض؛ أدى كل ذلك إلى ميلاد موسيقى، تتألف من مئات الألحان الموقعة أو غير الموقعة، حيث تبلغ أحيانا أكثر من سبعين معزوفة ولحنا، في المقام الواحد: «انتماس» مثلا. وتسمى الوحدات الأصغر من المقام (الظهر أو رديفه) ب: «الأشوارْ»، ويتألف الشور (المعزفة) إما من لحن منثور، أو من لحن منظوم. أما وحداته فهي «الردات» وهي تأليف من نغمات القرار والجواب حسب نظام التأليف الرباعي أو الخماسي أو السداسي فما فوق(6).

ملاحظة ختامية:

رجعت في تصنيف هذا الجدول الشامل لموسيقى «التيدنيت» عند البظان، إلى كل الفنانين الموريتانيين الكبار، من عازفي التيدنيت التي تعزف هذه المقامات الرئيسة والتابعة، في مناطق الحوضين ولِعصابة، بالشرق، و منطقة تكـَانت بالوسط، ومنطقة القبلة بالجنوب والغرب، معتمدا على شيوخ المدارس هذه المناطق الثلاث، من أمثال: أحمد ولد بوبَه جدو، وإسلمُه ولد دندني، وبادي ولد حمباره، والشيخ ولد الباشه، وسيد أحمد البكاي ولم حمه ولد نفر، والبان ولد النانه، وابّ بويَ ولد بنكه، ومحمد الامين ولد اخبال، وسيد أحمد ولد أحمد زيدان، وبو الناس ولد الباشه، والدبية بنت اسويد بوه، ومحمد ولد النانه، وسيد أحمد ولد سيدي ابراهيم.. من منطقة الحوض.

وولد امّني، وسداتي ولد آبه، والجيش ولد سدوم، من منطقة تكانت وآدرار. وسيمالي ولد همد فال، وسيدي ولد همد فال، والداه ولد آبه، من منطقة الجنوب الأوسط.

والمختار ولد الببان، والمختار وأحمدّو ابني الميداح، ومحمد عبد الرحمن ولد انكـْذي، من منطقة القبله: الجنوب الغربي من موريتانيا. ولم يعد على قيد الحياة من هؤلاء الشيوخ إلا سداتي ولد آبّه، و سيد أحمد ولد أحمد زيدان، والداه ولد آبه، والدبيه بنت اسويد بوه؛ أما الآخرون فقد توفوا ما بين سنة 1976 و2006م. ولذا تعتبر المعلومات المستقاة منهم معلومات نادرة اليوم بغيابهم عن الحياة(7).

الهوامش والمراجع

1 - ميشل غنيار. موسيقى الشرف والبطولة.

2  - رواية عن الشيخ ولد اباشه. الاك. 1978م. وهو عازف كبير للتدنيت. وخليفة عمه شيخنا، الذي توفي 1962م. ولم يوثق عنه للأسف أي تسجيل صوتي. خلافا للشيخ الذي سجل طرق أزوان الثلاث للإذاعة الوطنية. وكانت موجودة في أرشيفها حتى 2003 على الأقل.

3 - رواية عن الفنان الكبير، بادي ولد حنباره. مقابلة. 1978م.

4 - الفنانة الموريتانية الكبيرة، المبدعة. المعلومة بنت الميداح. حديث حول العادات المصاحبة للفن. نواكشوط 2012.

5  - البيضان أو البيظان: هم المجموعة البشرية التي أطلق عليها منذ القدم، مجموعة «المور” وهم شعب متعدد الأعراق، من بينه بيض وسمر، وحمر، وقد نطق باللهجة الحسانية العربية المأتى منذ القرن السابع الهجري إلى اليوم، وذلك على حساب اللغة الصنهاجية التي كانت سائدة في الإقليم. وهو مؤلف من ثلاثة روافد: رافد صنهاجي زناتي قديم، يرقى وجوده إلى ماقبل الميلاد، ينتمي إلي المرابطين، وقد نماه النسابون العرب إلى قحطان. ورافد عربي  أحدث وجودا، تألف من فاتحين إسلاميين، وقبائل مهاجرة من معقل، وهلالية، وقبائل مهاجرة من الأندلس. ورافد أفريقي محلي حمل الثقافة العربية الحسانية.

يمتد الإقليم الذي توطنه البيظان ما بين وادي درعة في جنوب المغرب إلى غاية النهر السينغالي، واللفظ تحريف فرنسي لكلمة «الصنهاجيش» التي هي تصحيف عربي لكلمة «آزْنَاكـه» بكاف معقودة.

6 - سيد أحمد ولد حمّ ولد نفر. مقابلة مع إذاعة موريتانيا. أجراها الأديب الشعبي الكبير محمدن ولد سيدي إبراهيم. 1973م.

7 - لدي عدد من الأشرطة والوثائق حصلت عليها أثناء مقابلات مع الفنانين، سجلوا لي فيها طرق «أزَوانْ»، وكذلك حصلت على بعض هذه الأشرطة من أرشيف الإذاعة الوطنية، وكذلك من بعض الأصدقاء، وبما أن هذه الموسيقى مروية شفهيا، فإن مرجعها الأساس إنما هو ما قدمه شيوخها وأساتذتها.

 

أعداد المجلة