الثقافة الشعبية مدخلاً لتقارب الشعوب
العدد 21 - آفاق
لو تتبعنا حركية التواصل العالمية بين البشر، نجد التطور المطرد لهذا التواصل بدءاً بالحمام الزاجل حتى عصر ثورة المعلوماتية العالمية في ميدان الأنترنت والفضائيات. ونحن كبحّاثة ومتتبعين لهذه الحركية التواصلية الاجتماعية نركض في مساحات الزمان والمكان، نحط الرحال لنستنطق حيناً ونطير مع الزمن الضوئي أحياناً. الإنسان يكبر وينمو والكرة الأرضية تصغر وتضيق.
هناك جدلية دائمة بين التقدم والحضارة، بين الصناعة والحرفة، بين الثقافة والحداثة، بين الفولكلور والفن، بين الدواء والغذاء بين ماهو قديم وما هو حديث... من بين هذه الجدليات الثقافة الشعبية كهوية لمجتمع ٍ ما.
تشكل الثقافة الشعبية التي يبدعها الشعب عبر حقب زمنية متعاقبة مادة غنية ومعبرة ذات دلالات رمزية ضمن المنظومة الثقافية للمجتمع. وعندما نخضع هذه الثقافة للبحث والتحليل لابد من الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التالية:
لا تحظى الثقافة الشعبية بما يليق بها من الاحترام والتقدير،باعتبارها ثقافة العامة وليست ثقافة النخبة. وينظر أحيانا إليها بقليل من الاحترام والتقدير باعتبارها تمثل الجانب الشعبي، وبأنها تشكل معطيات من الدرجة الثانية، بعد أن تعودنا على اهتمام التأريخ والمؤرخين بالطبقة الحاكمة وفئة خاصة من المجتمع قوامها الحكام والسلاطين ورجال الدين والحروب والقادة العسكريون وغيرهم.....
اختزال التراث الشعبي أو المأثور الشعبي بالمعنى الضيق بحيث لا يتعدى جانبا ً محددا ً من الفنون كالموسيقى والغناء والرقص... واعتبار ذلك نوعا ً من أشكال التعبير العادي. إلا أن التراث الشعبي أغنى وأوسع وأكثر تنوعا ً من ذلك، بحيث يطال مختلف أشكال الثقافة وتنوعاتها. تنبهت الشعوب الغنية منها والفقيرة إلى ما يشكله التراث الشعبي من ثروة وقيمة، فحرصت على المحافظة عليه،لأنه يدعم الاقتصاد الوطني ويشكل دخلاً للمبدعين أنفسهم. وقد سبقتنا دول العالم بالاهتمام بالثقافة الشعبية والعناية بها والحرص على الاستفادة من المكنونات الثمينة التي يمتلكها عامة الناس وخاصة تلك الكنوز البشرية الحية. تفالثقافة الشعبية يمتلكها أولئك الجنود المجهولون من عامة الناس، الذين لم تسلط عليهم الأضواء، و ما عملوه أنهم أتقنوا عملهم، وتفانوا في ذلك. فقد أعطوه من ذواتهم فكانوا مثالا يحتذى، متجسداً بخلق وإبداع لوحات مميزة فريدة من نوعها. وهم كما قال الجاحظ عملهم كالسهل الممتنع، مثل الماء أهون الموجود وأعز المفقود، لم يفسدهم الاستهلاك ولا يسعون إلى المناصب .فالثقافة الشعبية هي مجموعة من الأداءات المادية وغير المادية والتي تحدد الهوية الثقافية. إنها أمر بالغ الأهمية لمعنى وجود البشر،تسواء كانت المشاركة فيها فردية أوجماعية، وهذا ما نلاحظه في الأعياد والكرنفالات الثقافية والشعائر والطقوس....الخ، التي تضفي معنى وإحساسا بالاستمرارية والهوية للشعوب. والتقليد الحقيقي ليس الشاهد من الماضي البعيد، بل هو القوة الحية التي تنشط وتغذي الحاضر.
والتراث الثقافي أو التراث الحي هو تلك الممارسات والتعابير والمعارف والمهارات والقيم المرتبطة بها. إن حفظ هذا التراث من جيل إلى جيل، واستمرار صوغه مع الاستجابة للتغيرات في البيئة الاجتماعية والثقافية يوفر للأفراد والجماعات والمجتمعات الإحساس بالهوية والاستمرارية، ويشكل ضمانة التنمية المستدامة.
ومن الأمور الجوهرية والبديهية أن تعمد المجتمعات إلى المحافظة على صون هذه الثقافة الشعبية، ويقصد بكلمة االصونب التدابير الرامية إلى ضمان استدامة التراث الثقافي أي الهوية الثقافية بما يتضمن من تحديد لهذا التراث وتوثيقه وإجراء البحوث بشأنه والمحافظة عليه وحمايته وتعزيزه وإبرازه ونقله، لا سيما عن طريق التعليم النظامي وغير النظامي وإحياء مختلف جوانب هذا التراث. وهنا تبرز أهمية ودور المتاحف في حفظ الأعمال الفنية الخالدة المختلفة. عناصر كثيرة من التراث مهددة بخطر الزوال، ويرجع ذلك أساسا إلى اعتبارات متعددة، لها علاقة ببنية المجتمعات والتغييرات التي تطرأ على البنية الداخلية والعوامل الخارجية المؤثرة. نجد مثالا ً على ذلك في تناقص أعداد فناني الأداء والحرف والتعبير الشعبي بكافة تجلياته.... بالإضافة إلى الميل الواضح بين جيل الشباب لتأثيرات ثقافية خارجية مستوردة.ت في هذا السياق، من المفيد تضافر الجهود بين المؤسسات المحلية أو الدولية كمنظمة اليونسكو، لرصد وتجميع مايمكن جمعه قبل اتسوناميب العولمة والتغيير أو ما قبل الزوال، لحفظ المادة التي تشكل طابعا محليا باعتبارها مكونا من مكونات الهوية الثقافية للمجتمع. لنقدم صورة لهذا المجتمع بكافة مكوناته، ليشكل قاعدة انطلاق، على حد قول الجاحظ: ليس المهم أن نحفظ التراث بل أن نتجاوزه انطلاقاً منه، وهذا التجاوز والتجديد يجب أن ينطلق من الواقع، وهذا يفترض عدة أسس علمية بإبراز أهميتها وتحديد مصادرها، معتمدين على تقنيات علمية في جمعها وتبويبها، وإخضاعها للتحليل والنقد الموضوعي، وإبراز مكامن القوة أوالضعف فيها، ومن منطلقات علمية وموضوعية. بعيدا عن السجال القديم الجديد بين ما يعرف بالتقليد والمعاصرة. في هذا الإطار تبرز أهمية القيام بأنشطة ترمي إلى ضمان توثيق وأرشفة المعارف والمهارات التقليدية المهددة بالانقراض وخلق نظم وطنية للكنوز البشريةتالحية، والاعتراف الرسمي بحاملي التقاليد الموهوبين والممارسين، مما يساهم في نقل المعارف والمهارات إلى الأجيال الشابة الجديرة بنقل هذه المعارف والمهارات، وتيحدد هؤلاء الأشخاص على أساس إنجازاتهم واستعدادهم لنقل هذه الإنجازات إلى الآخرين. على أن يستند الاختيار على قيمة التقاليد والتعابير المعنية كدليل على عبقرية الإنسان الخلاقة وجذورها في التقاليد الثقافية والاجتماعية، وطابعها التمثيلي لمجتمع ما، وكذلك حفاظا عليها من الاندثار.ت
ونظراً للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تواجهنا، فإننا أمام مفترق مفصلي يمكن أن يؤدي إلى انسلاخ تدريجي عن الهوية الثقافية الوطنية التي يتميز بها أي مجتمع من المجتمعات. وفقدان هذه الهوية يؤدي إلى الانخراط في هوية وافدة تنقلنا إلى لا توازن الانتماء ومعرفة الذات، مما يؤدي إلى خلل معرفي على مستوى الهوية نفسها. لذلك لابد من الاعتماد على الأسس المعرفية والمنطقية، البعيدة عن العواطف بتبني ماهو تقليدي محلي، أو ماهو وافد، فاعتماد الموضوعية أساسي لدراسة مختلف أشكال الثقافة، بأبعادها المحلية والوافدة. وهذا الشكل من الدراسة يكون لمصلحة التراث، بتسليط الضوء عليه، من خلال دراسات معمقة تحدد الأهداف، تجمع المعطيات، تدونها، تبوبها ثم تحللها على أسس علمية، ونخضعها للنقد، لإبراز بعدها الايجابي وجمالها و روح الجماعة وهويتها الوطنية، وربما نجد ما هو سلبي لنعمل على استبداله بما هو أفضل.
هذا التقديم الأولي والمبدئي هو للانطلاق نحو تحديد الهدف الذي نحن بصدد التركيز عليه، والذي يتحدد بالدور والوظيفة للثقافة الشعبية باعتبارها أداة توحيد مجتمعية.
هذا يفترض بنا التطرق إلى أمرين:
الأول يتمثل بحركة الإبداع والخلق والتحوير والتطوير.... على مستوى الفرد كما الجماعة.
الثاني يتمثل بحالة التلقي والأثر الذي تحدثه الثقافة الشعبية على الآخرين أفراداً أوجماعات.
إذ أن للثقافة الشعبية بعدها الاجتماعي من حيث الإنتاج أو التلقي، فهي النتاج البسيط والعفوي من خلال الفعل أو ردة الفعل، وهنا المقاربة الأساسية التي تطال الموضوع، هل لهذه الثقافة دور أساسي في التقارب، وضمن أي دائرة انتماء؟
وهنا ننطلق من الفرد الذي يتلقى هذا الكم من الموروثات الثقافية وربما يساهم في جزء يسير منها، ثم نتخطى ذلك إلى الأسرة النواتية، فالمحيط الاجتماعي اللأوسع، العائلة، الحي، البلدة، المنطقة، الوطن، ثم الى مجموعة من الأوطان وربما إلى مناطق جغرافية محددة، لنصل للبعد القومي، ثم البعد الإنساني.
والفرضية التي ننطلق منها، أن الثقافة الشعبية تتخطى الحواجز المصطنعة في حالة من التثاقف (وخاصة مابين مجتمعاتنا العربية) لتخلق حالة من الاتحاد بين ما هو مبدع وعفوي على مستوى الأفراد أو ما يحفظه الوجدان الشعبي.
ومن خلال مقارباتنا الميدانية للموضوع، والتي توصلنا إليها عبر دراسات وأبحاث على المستويين الشخصي كما الجماعي، بأن لهذه المادة الثقافية الشعبية سحرا مميزا لابد من إبرازه وذلك لأهميته من جهة، وخوفاً من فقدانه وضياعه من جهة أخرى، ويترافق ذلك مع موجة مايعرف بالعولمة الثقافية، حيث تطمس الهوية المحلية أو تمحى. وهذه العملية يعبر عنها أو يعمل عليها، عن جهل ٍ وتقصير وإهمال و...... أو عن سابق تصور وتصميم وذلك لمحو الذاكرة الشعبية واستبدالها بثقافة هجينة مصطنعة تكون كجسد بلا روح. الثقافة الشعبية عامل أساسي في توحد الجماعات وعلى مختلف دوائر الانتماء، هذا ما أثبتته المقاربات الحقلية للواقع، وفق الدراسات المبنية على الأسس العلمية. وعلينا أن نعمل على القواسم المشتركة في الثقافة الشعبية لتوطيد أواصر اللحمة على مستوى مجتمعاتنا العربية في مواجهة الثقافة الكونية القادمة مع العولمة. أننا أمام التحدي، في تأكيد الهوية، وإبرازها وذلك من خلال تسليط الضوء عليها، ولنا كل الثقة بأهمية المخزون الثقافي المشترك الذي تحفظه مجتمعاتنا العربية والذي سيكون موضوع مقاربتنا في هذه الورقة البحثية.
بحيث لو انطلقنا من الموروثات الشعبية ذات الطابع القومي والإنساني، والتي لم تعد مقتصرة على بعض الكتب والمطبوعات والمخطوطات والآثار المادية المتمثلة بالمباني والنقوش والهياكل.... بل تعدت ذلك إلى الموروث الشعبي بكامل تفاصيله وجزيئاته. وحصل ذلك بعد نهضة معرفية تناولت ثقافة الشعب، بعد أن كنا نستجدي بحثا من هنا، أومقالة أومعلومة سطحية لرحالة أو سائح أو مستشرق من هناك، كان قد مر بمنطقة نريد دراستها. والتاريخ الاجتماعي بدأ يجد مكانة في الأبحاث والدراسات. مع العلم أن ثقافتنا الشعبية تحتوي العناصر الثقافية والأصالة مما يجعلها أمينة على القيم الإنسانية. وهذا الجانب الثقافي فيه من المرونة ما يجعله قابلا للتطور والنمو، مع تطور ونمو الحضارة العربية، وإعطاء هذا الموروث بعدا قوميا إنسانيا علميا في الوقت نفسه. ومن الأمثلة على البعد الانساني في ثقافتنا الشعبية ما قاله رائد التراث الشعبي العربي، اعبد الحميد يونسب، بأن المستشرق الانجليزي اجبب في كتاب اتراث الاسلامب، فقد ذكر صراحة أن أوروبا تأثرت وحتى أوائل عصر النهضة بالمأثورات الشعبية العربية، وهي التي أعطتها السمات القومية في الأدب، ويقول هذا المستشرق أن القصص الايطالي إبان عصر النهضة كان متأثرا بالقصص الشعبي العربي، ويقول كذلك أن اشوسرب أب الأدب الانجليزي قد تأثر بطريق مباشر وغير مباشر بالنهج والسرد والوصف والتصوير، ولقد عدّد هذا المستشرق الآثار الأدبية التي قلد بها الأوروبيون الأشكال والمضامين الشعبية العربية.
فالآن أصبح لدينا مؤسسات وباحثون يقومون بجمع الموروث ودراسته مرتكزين إلى مناهج ومفاهيم حديثة في الدراسة والتحليل والتوثيق.
نماذج من ثقافتنا الشعبية القومية
القصة العربية
هي ظاهرة بشرية تعبر عن علاقة الإنسان بالحياة، فهي لم تقف عند شعب أو أمة أوثقافة أو حضارة. وهي انعكاس طبيعي لمختلف مظاهر الحياة، النفسية العقائدية، الاجتماعية... وهي تراث إنساني مشترك. فالقصص الشعبي هو بقايا أساطير وملاحم سادت في العصور القديمة، واحتفظت بها الطبقات الشعبية والعامة من الناس، وهي من تراثنا العربي، بالرغم أنها قد أخذت من حضارات متعددة ك: الهند، الفرس، الأتراك...ومن الأمثلة: ألف ليلة وليلة، كليلة ودمنة، الأدب الكبير والأدب الصغير... هي قصص تعرض لتقاليد وعقائد وأساطير وإبداع وخيال... كل ذلك عاش في أحضان الحضارة العربية، بحيث نجد تراثاً قصصياً زاخراً بالحيوية متنوع الوجود والنواحي، يعبر عن لغة العامة وأسلوب تفكيرها.
الحكاية الشعبية
في دراسة ميدانية تم جمع بعض من الحكايات الشعبية في جنوب لبنان، وبعد اطلاع الباحثة على الحكايات الشعبية في مصر، وجدت التقارب بين الحكايتين، وأصبح عنوان البحث: الحكاية الشعبية، دراسة مقارنة بين بعض الحكايات في جنوب لبنان، وبعض الحكايات الشعبية المصرية. فالثقافة الشعبية لاتفصلها الحدود، ويمكن أن تطير بجناحين وتستقر في عقول وقلوب الناس.
الحكواتي
هي وظيفة اجتماعية ثقافية تنويرية، وينقلها الحكواتي بشكل فني وجمالي، بحيث أنه يقدم تجربة إنسانية تعكس حالة من الواقع المعاش، تعتمد على التاريخ، الصراع والحروب، والخرافة، لأبطال أسطوريين يمثلون هؤلاء الشخصيات الذين ذكرناهم سابقاً، ليقدموا عبرة ومتعة يجسدها الراوي بالحركة والتلوين والصوت وتعرض في الساحات العامة، بالأسواق، بالمقاهي حيث له المقعد أو المرتبة الخاصة، وصورته الشعبية، من خلال دوره، بحيث يقوم بالسرد والتقليد ولديه عوامل ذاتية ذات دلالات: عصا ولحية، خلفه فانوس، يعصب الرأس... يجتمع حوله الحضور يتناولون الأطعمة والمكسرات والمشروبات، والكل ينتظر إعلان صاحب المقهى ببدء العرض ليقول بصوت عال: صلوا على النبي. وفي الفترة الأخيرة في النصف الثاني من القرن العشرين، هناك خطوات مسرحية حاولت أن تزاوج بين التراث والمعاصرة، وقام البعض بتوظيف شخصية الحكواتي في مسرحهم، وهم:
مارون النقاش: في مسرحيتهأابو الحسن المغفل
خليل قباني: هارون الرشيد
يوسف إدريس: الفرافير
سعدالله ونوس: مغامرة رأس المملوك جابر
رفيق علي أحمد: أيام الخيام، الجرس، زواريب...
الامثال الشعبية
يقول المثل الصيني: لا تعطه سمكة بل أعطه صنارة وعلمه الصيد. مثل صيني الانتماء ولكنه ينطبق لأي مجتمع من المجتمعات.
إن قراءة التراث الشعبي في أي زمان ومكان، وخاصة في الزمن الذي نعيش فيه، نجد تجاوبا مع الأصيل من التراث، وما ذلك إلا لما ينطوي عليه من القيم الإنسانية التي تصلنا به، وتصله بنا. فالإنتاج الشعبي الحديث يغوص في القدم ليلامس الجذر الإنساني فيه ويتحد مع الجذر الإنساني في أعماقنا مهما تباعدت المسافات ببعديها الزماني والمكاني.
يحتل المثل الشعبي مكانة مميزة وخاصة لدى الشعوب، بحيث أنه يلامس معظم ضروب الحياة، والناس يستشهدون به لما يواكب أو يعترض حياتهم، وله صفة قاطعة وحاسمة، لأن:(المثل نبي ما خللاّ شي ماقاله). أي لم يترك أي باب أو مناسبة لم يتطرق إليهما.
وفي موسوعة الأمثال الشعبية العربية، للمؤلفين: جمال طاهر وداليا جمال طاهر، ومن خلال الأمثال الشعبية على وحدة الثقافة العربية، وشمل التجميع الدول التالية: مصر والجزيرة العربية والكويت واليمن والعراق والامارات العربية المتحدة وفلسطين وسوريا ولبنان والسودان والجزائر وتونس والمغرب.
شخصيات من التراث العربي
عنترة بن شداد العبسي: من أشهر السير الشعبية في أدبنا العربي، التي تركزعلى: الشاعر، البطل، الفارس، الشجاعة، الإخلاص، العاطفة، النبل والشهامة، التفاني، العبودية... دلالات رمزية وقيم ونماذج ينشدها الناس لإبراز قيم اجتماعية يطمح إليها المجتمع، وقد انتشرت بشكل أساسي أثناء الحقب التاريخية حيث الاحتلال، والقمع، والتسلط، والاستعمار. فكانت الجماعة تركز عليها لأنها تطمح إلى تغيير معين.
ذات الهمة: مثال المرأة، والأم، الزوجة، المحافظة على العرض، الأخلاق، العفة، الإخلاص، البطولة، المحبة، الواجبات الدينية...صفات تركز عليها وتجلها مجتمعاتنا، وتعطي صورة المرأة المثالية.
عرقوب: لقد وعد عرقوب أخاه في الحجاز أن يهديه تمراً من نخلة له في المدينة(مدينة يثرب) فماطل سنة كاملة، ثم سنة أخرى. إذ أتاه يسأله أن يعطيه شيئا من ثمارها، فقال له: سأعطيك إذا طلع نخلي.
فلما طلع نخله أتاه، فقال إذا أبلح.ولما أبلح أتاه، فقال: إذا زها. ولما زها أتاه، فقال:إذا أرطب. فلما أرطب أتاه، فقال:إذا أتمر.
فلما أتمر، جزّه ليلا ولم يعطه شيئا، فصار مثلا يضرب في خلف الوعد. وهكذا لم تمهله العرب سنة ثالثة فعاجلته بالعقوبة. فالوفاء بالوعد حرمة ولها طابع القداسة. وهكذا أصبح عرقوب على كل شفة ولسان لكل شخص لايفي بمواعيده، فيقال مواعيد عرقوبية.
وانطلاقاً من ذلك تقال الأمثال التالية:
اللي بيوعد لازم يوفي
وعد الحر دين
مطرح ما بتطلع الكلمة بتطلع الروح
حبر على ورق
كلام الليل يمحوه النهار
وعد المؤمن كأخذ اليد(حديث شريف)
ع الوعد باسقيك يا كمون
إذن إن عدم تحقيق ووفاء الوعد أمر مستهجن، ومن يشذ عن هذه القاعدة يتعرض للذم والاحتقار. فالشائع هو الوفاء واحترام الوعود، ومخالفة هذه القيم مجلبة للعار والاتهام.
أبورغال: شخصية أسطورية. تذهب إحدى الروايات إلى أن أبا رغال كان ثقفياً من الطائف دلّ إبرهة على الطريق إلى مكة، وأنه توفي ودفن في المغمس، وجرت العادة على رجم قبره(معجم الفولكلور).
وتقول روايات ثانية أن أبا رغال رجل من اليمن خان قومه وقد وشى بهم إلى أعدائهم فأذى قومه بخيانته. ثم ذهب القوم وذهب الأعداء، وبقي إسم أبو رغال.
في الثقافة الشعبية يلقب بـ اأبي رغالب كل شخص مراوغ ومحتال، ومن طبعه الغدر والخيانة. لذلك نستنتج أن:
نزوة عارضة لإنسان خائن لشعبه، أدت إلى سبه ولعنه مدى الأيام. فأصبح إسما قبيحا ينشر ما هو نتن.
هذا الشعب لم تكن في طبعه الخيانة، وذلك لعدة أسباب:
الاستهجان واستنكار هذا العمل، لأن هذه الفعلة كان لها وقع سيء ومن أجل ذلك شهر به.
الخيانة ليست من طبع هؤلاء الناس، وانحسرت في شخص واحد.
وهكذا أصبح النعت بأبي رغال كل خائن محتال.
يستنتج بأن الخيانة لو كانت شائعة لما ضرب المثل ووصلنا إلى هذه النتيجة
فالمصير سيء للخائن والشعب ينذر أمثال هذه الشخصية الفريدة، ويعتبر هذا الفعل أمراً منكراً يؤدي إلى لعنة الناس جميعاً.
وكلنا يعرف مقولة نابوليون بعد احتلاله إحدى الدول، حيث جاء أحد قادتها المتعاملين معه مصافحا فرفض نابوليون المصافحة وحمل صرة من المال وقذفها إليه كثمن لعمله. هكذا يعامل الخائن لوطنه.
قراقوش: وهوبهاء الدين بن عبد الله الأسدي المالكي الناصري. وهو خصي أعتقه مولاه شيركوه وعينه أميراً. وقد كان مثالاً مشهوراً بالقسوة وضيق الأفق، وقد قيلت نوادر عديدة تفيض بالسخرية من شخصية اتصف حكمها بالكيفي الذي لايستند إلى عقل أو منطق. ومن أحكامه:
أتوا إليه بجماعة، أمر بحلق لحاهم، وكان أحدهم لالحية له، فقال احلقوا لحية هذا الشرطي مكانه.
بينما كان أحد الحرفيين يقوم بعمله ضرب أحد الناس ففقأ عينه. انطلاقاً من مبدأ العين بالعين والسن بالسن أمر قراقوش بأن تفقأ عين الحرفي وأمره بالمجيء بعد أسبوع. وحان موعد تنفيذ الحكم فقال الحرفي لقراقوش أنا في عملي أستعمل عيني الإثنتين ولكن جاري وهو صياد لا يستعمل إلاّ عيناً واحدة، فأمر بإحضار الصياد ونفذت العقوبة به.
لذلك يقال: مثل حكم قراقوش.
سنّمار والملك الغادر: قالت العرب أن سنمار كان بارعاً في صنعة البناء وزخرفة القصور، فاستثمره أحد ملوك الحيرة في تشييد قصره، فكان بدعة من الجمال. لما رأى الملك هذه الصنعة العبقرية، زهي بالصرح الأنيق، واستكبرت نفس الطاغية بأن سنّمار قد يصنع لغيره ما صنع له. فسولت له نفسه الأثيمة أن يبطش بالفنان العبقري كي لا يبني مثيلاً له، فقام بقذف سنّمارمن أعلى قصره فوصل إلى الساحة حطاماً وأشلاء.
هنا أنكر العرب مجازاة الإحسان بالسوء، والخير بالشر، والنصح والإخلاص نكراناً للجميل وطغياناً. وما صنعه الملك الغادر عمل بغيض في نفوس العرب يمثل الظلم والطغيان، وما سنّمار سوى شهيد لتلك الخصال الكريهة، وهذا يدل على فضائل أصيلة يتمتع بها العرب بكرههم للطغيان والخيانة وهذا يمثل إحساسهم العفوي وطبعهم الصافي. ومن الأمثال الشائعة: وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
وهناك العديد من الشخصيات التراثية، نذكر منها: الظاهر بيبرس، علي الزيبق، الشاطر حسن، أشعب، أبو نواس، جحا، اليسار، أدونيس، عشتروت، دياب، بهلول المجنون، الغول، علي بابا، النمرود، أكثم بن صيفي، ، الزير سالم، سيف بن ذي يزن، أبو زيد الهلالي...
شخصيات أنتجها الوجدان الشعبي العربي وانتشرت بالطبع وكانت تدغدغ الذات المتعطشة لهذه القيم لتأكيدها أو التي تصبو إليها. وهذه الشخصيات والسير هي حلقات متداخلة ومنهج شعبي جاذب،إذ هناك بطل يعاونه أفراد ويمكن الاستعانة بقوى خارقة تشد الأزر، والهدف تحقيق النجاح، وهم ينقسمون إلى شخصيات لها طابع سلبي (أبورغال.....الخ)، وشخصيات لها طابع إيجابي(عنترة.......الخ).
هذه الشخصيات كانت موحدة للشعوب العربية، وكانت تنتقل إلى مختلف المجتمعات التي تضفي إليها من نتاجها المحلي، أو حسب الظروف المعاشة.
عادات وتقاليد
الكرم والضيافة: من العادات والتقاليد الشعبية في تراثنا العربي، الكرم والضيافة، إذ عندما يحل أي وافد على مجتمع محلي، يستقبل ويكرم بحفاوة، بحيث يؤمن له المبيت، أي النوم والطعام، ويتم استقباله وبشكل متناوب من قبل وجهاء المجتمع وذلك لمدة ثلاثة أيام، ولا يسأل عن طلبة أو حاجته إلى ما بعد تلك الفترة. وهنا لايتم التركيز بالتعرف على هذا الزائر وتحديد جنسيته، دينه، طائفته، مذهبه، عرقه......
السلام والتحية: من بديهيات التواصل الاجتماعي إلقاء التحية والسلام على الآخرين، وهي عبارات أو حركات للتواصل تختلف تبعاً لمتغيرات متعددة حسب: الزمان والمكان والعمر والحالة...الخ والشائع عند معظم الناس أن الإجابة على التحية أو السلام تكون: تفضَّل، حوِّل، ميِّل...الخ وقبل الرَّد على التحية بمثلها.
الحرف الشعبية ومجالها الجغرافي
كلنا يعي أن اليوم عصر العولمة، ونجد السلع والأفكار والخدمات تتدفق بشكل متزايد ومتجاوزة للحواجز والحدود والقيود التي عرفت بالسابق، والهدف توحد في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، وهذا سيؤدي إلى إلغاء الخصوصيات الثقافية والتنوع الثقافي، وإحدى النتائج لهذه الحالة تطال الحرف التقليدية وتهميش الثقافات المصاحبة لها، انبرت دول لمواجهة هذا المنحى، وأصدرت تشريعات صارمة تقضي بحماية الحرف التقليدية، وتطويرها، والحفاظ على قيمها الإيجابية. فأين العالم العربي من تلك الصراعات التي تهدد مستقبل ملايين من الناس يعملون في قطاعات الإنتاج الحرفي على أسس تقليدية موروثة منذ قرون طويلة؟
من خلال دراساتنا الميدانية للحرف التقليدية اللبنانية، بما يتعلق بوحدة الموروث الثقافي، نسجل ملاحظة أساسية لحرفتين:
نموذج حرفة الفخار، راشيا الفخار، منطقة العرقوب، جنوب لبنان، ازدهرت هذه الحرفة قديماً، وكان مجالها الثقافي والاقتصادي والتجاري لبنان، فلسطين(انقطعت بعد عام 1948)، سوريا، وشمال الأردن. هذه الحرفة هي لبنانية بالإسم، ولكن هي تنتمي إلى محيط ثقافي أوسع متخطيةً الحدود المصطنعة.
نموذج حرفة الأحذية، بنت جبيل، جنوب لبنان، ازدهرت الحرفة وانتشرت على مجال جغرافي طال دول الجوار، توقفت مع فلسطين المحتلة عام 1948، وبقي مجالها العربي مفتوحاً، فأقام العديد من أبناء بنت جبيل ما زال حتى الآن في الأردن وفي سوريا رغم تغيُّر مهنة الأبناء. أما تجارة الأحذية فإنها تصل إلى الكويت، والمملكة العربية السعودية، قطر، ليبيا، بعض الدول الافريقية....الخ
الأسواق الشعبية والريفية: نموذج سوق الخميس في بنت جبيل، جنوب لبنان
إذا تكلمنا عن التجارة في بنت جبيل فلا بد من إلقاء الضوء على ما يميز هذه المدينة ومنذ فترة طويلة، وهو سوق الخميس. الذي يؤدي دوراً بارزاً في الحياة الاقتصادية للمدينة ذاتها وللمنطقة بشكل عام، وهو أكبر أسواق جبل عامل.
وهذه السوق هي حلقة في سلسلة اقتصادية دورتها منطقة جبل عامل، ومنطقة الجليل في فلسطين، ومنطقة حوران والجولان في سوريا. إذ أن ظاهرة الأسواق كانت تتنقل مداورة وطيلة أيام الأسبوع ضمن هذه المناطق وربما تعود نشأة هذه الأسواق إلى القرن السابع عشر وهو عصر ذهبي عرفته هذه المنطقة، إذ أن فكرة السوق هي ظاهرة متقدمة في حياة الشعوب، إذ تمثل عقلية واتجاها لا نجده عند الشعوب االبدائيةب. فالسوق مظهر مدني يعدل شكلاً قديماً في التعامل الاقتصادي، فهو مكان لتصريف ما زاد عن الحاجة وشراء ما يلزم. وهي مرحلة تعقب زيادة الإنتاج والاكتفاء الذاتي بما يسمح لتحسين أحوال الناس المعيشية. وهو ضرورة من ضروريات الحياة الاجتماعية.
بفضل السوق ظهرت أماكن تنبض بالحياة شهرياً أو ربما أسبوعياً وتختفي بقية الأيام.ظاهرة السوق كانت أساسية في تطور البلدة. فالعامل الاقتصادي كان جاذباً للعديد من العائلات التي استقرت وسكنت فيها. فإن موقع بنت جبيل الجغرافي أعطى أهمية للسوق، لأن البلدة تقع على بعد 5 كلم من الحدود مع فلسطين وعلى بعد 20 كلم من منطقة حوران جنوب سوريا. فقد كانت طريقاً ومعبراً للقوافل تصل منطقة الجنوب اللبناني بشمال فلسطين وجنوب سوريا ثم الأردن. هذا الموقع أدى إلى جعل سوق الخميس ذي أهمية تجارية بارزة. يضاف إلى ذلك غياب التعرفة الجمركية والمراكز الثابتة على الحدود اللبنانية الجنوبية. فالحدود مفتوحة والعبور سهل لقوافل االمكاريةب التي تعتمد بانتقالها على الحيوانات ابغال ـ حمير ـ جمال ـ خيل ا فقد كانت تنقل البضائع المتنوعة. من فلسطين كالزيت والصابون والسكر والفلفل. ومن الشام المنسوجات السورية والنحاسيات والحبال والمواشي والسمن. وكذلك المنتجات اللبنانية كالتين المجفف والعنب والتبغ والأحذية. هذه البضائع كانت تصل إلى السوق ليعاد بيعها وتصديرها من جديد.
فالوافدون كانوا يأتون من أماكن بعيدة. فهناك تجار من العريش وغزة جنوب فلسطين وهم تجار الخيل والجمال. وكذلك تجار من الأردن ومن الشمال السوري من حمص وحماة وحلب.
وقد عرف السوق تداخلاً تجارياً بارزاً حتى أن النقد المتداول كان بمختلف العملات: الفلسطينية والسورية واللبنانية، حتى أن الصرَّافين المتجولين كانوا وحتى فترة الستينيات ينادون ا إللي معو سوري ـ إللي معو فلسطينيب.
وكان يقام السوق على بيادر البلدة الواسعة يضاف إليها الحقول المجاورة. فالسوق بالماضي كان له طابع ريفي يقام في العراء، حيث تبنى الخيام وتنقل البضائع مساء الأربعاء لإعدادها وتوضيبها ليوم الخميس وبعد الظهر تعاد باقي السلع إلى مواقعها حيث المحلات التجارية داخل البلدة القديمة. وقد كان السوق مقسماً حسب السلع المعروضة. سوق المنسوجات والألبسة، الخضار والفواكة، والأحذية، والصابون ومواد الغسيل، والأدوات الزراعية، والفخار، والحبوب (الغلة)، والماشية (الحافر)، واللحم والدجاج والسمك. فالأسواق الشعبية الريفية هي ظاهرة ثقافية متكاملة، فالهدف الاقتصادي هو الأساس، ولكن تناغم الثقافة الشعبية، حيث يمزج الاجتماعي بالسياسي بالثقافي بالعلمي، ولهذه الظاهرة الثقافية دور ووظيفة مميزة وقد أدته لعدة قرون، والآن كيف يمكن أن نستفيد من تجارب الماضي؟ وإغناء وتطوير فكرة الأسواق الريفية الشعبية لإعداد أي خطة أو مشروع تنموي مستقبلي.
ثقافة الغذاء
القهوة: القهوة هي مادة منبهة ومنشطة وربما تكون ثاني أكبر سلعة تجارية عالمية ، وبات احتساؤها يدخل في صلب العادات اليومية لقسم كبير من اللبنانيين كما المجتمعات العربية، بسبب مادة الكافيين التي تشكل أحد مكوناتها الأساسية. اوهناك تلازم في تقديم مادة القهوة مع عادة للضيافة، التي تشكل أحد العناصر الأساسية في الثقافات المحلية، وباتت القهوة تساهم في التواصل، وتعميق العلاقات الاجتماعيةب
ادخلت القهوة إلى عمق نسيج بعض العادات، حيث تحول تقديم القهوة للضيوف، في عدد من المجتمعات إلى دلالات رمزية لقبول طلب أو رفضه، وإلى معيار يتم بواسطته تقييم أداء الفتيات قبل اختيارهن للزواج...ب.
أن ادخول القهوة إلى بعض مكونات الثقافة المحلية ربما يكون بسبب انتشارها كمادة معروفة ومطلوبة لدى معظم الشعوب، فنجدها مادة أساسية وتتحد معظم الشعوب باعتبارها مادة غذائية منبهة، منشطة، أداة تواصل اجتماعي بامتياز. كالدعوة إلى فنجان قهوة، أو اللقاء على فنجان قهوة...الخ
الشاي:الشاي مادة منبهة ومنشطة كالقهوة من حيث كونها مادة غذائية ولها عاداتها وطرق تناولها المختلفة حسب المجتمعات التي تعتمدها، ولها وظائف اجتماعية مميزة، ويقال جلسات الشاي، حيث التقنيات والثقافة المميزة.
المأكولات الشعبية اللبنانية:كالتبولة، الكبة النية، الفلافل، المتبلات، ورق االعريشب العنب والكوسا المحشي... الخ هي مأكولات يجتمع في تناولها معظم اللبنانيين. ويمكن أن نظيف مأكولات لها طابع لبناني وعربي كالمنسف والمغربية والملوخية ... والتي أصبحت من صميم ثقافتنا الغذائية
فنون الأداء، والقول، والقول المغنى، والموسيقى
الزجل اللبناني: يجتمع العديد من اللبنانيين ومن مختلف المناطق على ترديد أشعار شعراء الزجل. وأثناء الحرب الأهلية اللبنانية والانقسام العمودي للمجتمع، كان شعراء الزجل يطوفون على مختلف المناطق اللبنانية، يطرحون أفكارهم، وينتمون لمختلف الطوائف والمذاهب.
مع إنشاء دولة لبنان الكبير ومع الاستقلال كان اللبنانيون منقسمين إلى قسمين: إما الانضمام والوحدة إلى سوريا الكبرى أو البقاء ضمن الانتداب الفرنسي. وكان لإحدى جوقات الزجل اللبناني دور في إقناع الناس بالاستقلال وهي جوقة شحرور الوادي، التي أقامت الحفلات في مختلف المناطق اللبنانية وبشعار وطني، وكان لها الأثر الإيجابي.
أثناء الحرب العبثية اللبنانية بقي الثتائي: ازغلول الدامورب جوزيف الهاشم وبأبو عليب زين شعيب، كتوأم داخل وخارج لبنان، وأقاموا صلة وصل مع المغتَرَبات وجمع شمل الناس ومن مختلف مشاربهم.
وأثناء الحرب كذلك علق أحد الصحافيين الموجود في الكويت بأن شعراء الزجل وحدوا اللبنانيين، كان ذلك إثر حفلة زجلية أقيمت هناك جمعت كل من الشاعرين الزجليين اللبنانيين: خليل شحرور وطليع حمدان. وعلق الصحافي بأن الجمهور التابع لمختلف التيارات السياسية اللبنانية حضر، صفق، وانفعل مع الأداء الزجلي المميز.
فالزجل اللبناني والذي يمتد أداؤه إلى المحيط العربي يعبر عن: الحاضر، معاش الناس، فرحهم وأوجاعهم، آمالهم وآلامهم. وتوحد شعراء الزجل قبل الخمسينيات بعصبة الشعر اللبناني، وبعدها بنقابة شعراء الزجل. التي بقيت جسماً واحداً لم تفرقه التناحرات السياسية أو الطائفية أو الحزبية. هذا دليل أن الثقافة الشعبية هي عامل توحيد وتفرض نفسها على الواقع.
ونلاحظ أن معظم اللبنانيين يرددون كلمات إيليا أبو شديد:
الدني ورشــــــــــــةوترابــها كمشـــة
في تراب بعدو ترابوتراب عم يمشي
الإبداع الفني: في مجال التأليف، والتلحين، والغناء، والإخراج...الخ
هناك كوكبة من الفنانين الذين ساهموا بشكل مباشر في الثقافة الشعبية، فقد ارتكزوا عليها ثم أبدعوا فيها، انطلقوا من ثقافة الناس، من التراب والأرض وحفيف الأشجار وتغريد الطيور، فكان نتاجهم السهل الممتنع، صور كلماتها بسيطة في متناول الجميع، ولكن اللوحة الإبداعية غاية في السحر. لوحات وحدت اللبنانيين أولاً وتابعت المسيرة إلى عالمنا العربي.
نذكر من هؤلاء:الأخوين الرحباني، فيروز، نصري شمس الدين، زكي ناصيف، وديع الصافي، الأخوين فليفل، علي حليحل، فيلمون وهبة.....الخ ويضاف إلى ذلك توحد الجماعة في فنون الأداء، كالدبكة اللبنانية، وأغاني الدلعونا، والعتابا والميجانا، والحدا، والحوربة، والندب.....الخ
المأثور الشعبي
والمأثور الشعبي حالياً وفي أي نقطة تاريخية محددة يشكل وحدة متجانسة متكاملة ومتماسكة، مع العلم أن هناك وجود لبعض الاختلافات إثر تراكمات عبر العصور المتعاقبة والموغلة في القدم، ولا يمكننا إقامة الدليل وتحديد حدودها بدقة، كما أن البعض الآخر نستطيع أن نتعقب تاريخه المعروف وتحديده. وهنا لابد من اعتماد المنهج التاريخي بالكشف عن أصول المأثور بأطواره مع النظرة التحليلية التشريحية، باعتبارأن الكيان الحاضر هو بناء متغير ومتطور عبر الحقب المتلاحقة، ومن خلال الاحتكاك بثقافات أخرى. وبناء على هذا المنهج فإن منطق التحليل التاريخي يبين أثر استعارة الثقافة( أي التثاقف)، وأن جانباً من مأثورنا لم ينشأ في هذا المجتمع بالذات، بحيث تتداخل وتتشابك المادة الموروثة مع ثقافة أخرى. وهنا يبرز دور الباحث بالكشف عن شخصية هذا المجتمع بالتحول والمعالم المادية وغير المادية، لأن الظواهر الثقافية لاتبقى على حالها، بل يضاف عليها مدلولات جديدة، أو تخلع عليها وظيفة مغايرة، وهذا جزء من التحول التاريخي الذي يطرأ على الثقاقة الشعبية، ويكشف دينامية وشخصية شعب ما، وفهم التطور أو التغيير الذي يطال عناصر المأثور ك: الحكاية، العادات، المعتقد، الأزياء، الحرف، ثقافة الغذاء.......ومن ثم العمل على تحليل وتفصيل هذه المعلومات لإعطاء نظرة عامة وشاملة ومعرفة العوامل الداخلية منها أو الوافدة التي شكلت هذا التراث. هذا يتطلب العديد من الدراسات التي تعتمد التحليل للمعطيات، فالثقافة الإنسانية لاتقاس بكثرة أو قلة العناصر التي استعارتها، بل مدى استعمال وتطويرتلك العناصر، ومن خلال كل ذلك تبرز أهمية هذه اللقاءات والمؤتمرات ووسائل الإعلام والجامعات التي تدرس الثقافة بشكل عام ،والثقافة الشعبية بشكل خاص، وتبدو هنا أهمية الدراسة الانتروبولوجية، والثقافية منها بالتحديد، لنعرف ونفهم ثقافتنا. إذ نجد نقصاً معرفياً واستقصائياً لمختلف أوضاع الجوانب الثقافية للعصر، والبيئة الاجتماعية، والميراث الفكري، والإبداع، والنقد. بحيث نجد حالة عزل لهذا التراث، إما عن جهل، أو سابق تصور وتصميم. فهل نجد تراثنا في المناهج المدرسية، في وسائل الإعلام المرئي، والمسموع والمكتوب؟ إذ من الناحية العملية نجد نقصاً وعلى أكثر من صعيد لعدم إبراز هذا الجانب التراثي. فهناك قطع بين الجيل الحاضر وتاريخه، وكذلك لضآلة ما بقي لنا من تراث أنتجه الفكر العربي بسبب الإرهاب والحرق والتلف، هذا من جهة، وتحول الفكر إلى وجهات غريبة، بعدم رسم المجتمع كما هو وعلى حقيقته من جهة ثانية، فهناك رشوة مكافأة لمن يسير في ركب السلطة والحاكم ، ومن يتمرد يكون مصيره الإبعاد عن ساحة المجتمع والتاريخ معاً، وهذا ما نجده والعواقب التي طالت الأفكار المتقدمة وأصحابها، ومن الأمثلة: إبن المقفع، إبن رشد، المعري، السهروردي، إبن خلدون، أبو حيان التوحيدي، الجاحظ، رفاعة الطهطاوي، عبد الرحمن الكواكبي...الخ
وهنا تجدر الإشارة لأن الثقافة الشعبية، هي ثمرة كل ثقافة إنسانية، فهي هجين ومن ثقافات شتى وربما متباعدة، والضمير الشعبي لايميز بين العناصر المختلفة الداخلة في الثقافة(جاهلية، هندية، فارسية، سريانية، فرعونية...) فالظاهرة الشعبية مركبة معقدة، فالثقافة الشعبية في مجتمعاتنا ليست عربية أو جاهلية أو هندية أو فارسية أو سريانية أو فرعونية... بل هي كل ذلك في وقت واحد. فهناك عادات وفدت بعد دخول الإسلام أيام العثمانيين، الفاطميين، ومن الغرب من خلال الاتصال بأوروبا، فالثقافة الشعبية التي أصبحت تمثل المعاش اليومي، بالرغم من تعدد الأصول والمصادر فإنها أصبحت على أرضنا وبيد أبنائنا من صميم حياتهم المعاشة، فقد عاشت بينهم وعبرت عن ذواتهم وترجمت آمالهم وآلامهم، فهنا يجب ربط البعد التاريخي والجغرافي، أي البعد الزماني والمكاني بأبحاث واقعية علمية بعيدة عن أي منحى شوفيني متعصب.
أما فيما يتعلق بالآثار الجانبية للعولمة على ثقافتنا، كونها حركة اتصال ثقافي، والتي تشمل العالم على اتساعه، فإننا أمام مشهدين مختلفين. الأول يمثل ثقافة شعبية حاولنا في مقدمة البحث أن نعرض وبشكل أكثر من مختصر للخصائص والدلالات. الثاني يشاهده معظم الناس، يعتمد على صناعة حديثة ومتقنة للسينما، يعرض أنماطا مختلفة من القيم، من السلوك، أساليب حياة، أساليب معيشة، مأكل، مشرب، إطلالة على منظومة متنوعة في مختلف مجالات الحياة...الخ. سيؤدي ذلك إلى ردة فعل، إما متعاطفة مع بعض النماذج أو رفضها، حسب اتفاقها واختلافها مع ما نحمله من مخزون ثقافي. ذلك سيترك أثرا متفاوتا على الهوية الثقافية والشخصية وما نعتقد به ونمارسه من عادات وتقاليد، فالهوية ليست رؤية الذات بل تمجيد هذه الذات، عبر سلوك ظاهر، من يعتز بهويته الوطنية، يتمثل بالاعتزاز بالأرض، وما عليها من مؤسسات ونظم وعادات وقيم ورموز والمشاركة بالإحساس بالفعل. من هذا الموقع نرى الآخر، وعلى كل المستويات والانتماءات، هنا ليست مجرد أغنية أو نشيد، بل هي فعل مسؤول.
يربط البعض من الباحثين بين العولمة وتصاعد التفاوت والتمييز في الأشكال الثقافية. فالمجتمع الحديث يبرز التمايز المتصاعد بين الثقافات والثقافات الفرعية لا بالتجانس والتدجين المستمر وفقاً لمواصفات نموذجية موحدة في كل مكان. يؤدي ذلك إلى مزيد من التنوع وربما إلى التجزئة والتشتت بين الثقافات. وهناك آراء بأن الثقافات المحلية بدأت بالتراجع أمام أشكال جديدة من الهوية الهجينة.
وبالمقابل تقع مجتمعاتنا تحت تأثير ثقافة شعبية وتوجهات تعود جذورها إلى القديم. ويكتسب الفرد بالوقت عينه ثقافة غريبة أو دولية ويمارس عادات وتقاليد وافدة(ملابس، هوايات، وسائل ترفيه، وسائل اتصال حديثة، مكننة متطورة...ألخ)
تطرح في هذا الخضم إشكالية الحفاظ على الهوية، وهذا لايتم كأغنية شعبية، بل يجب أن تتوفر الشروط الموضوعية، من هامش، للحرية، للعدل، المشاركة بكل المستويات وخاصة السياسية، إذ من الضروري أن تكون المشاركة في التمثيل من الوحدات الصغرى وحتى التمثيل العام، كل ذلك لايتم بمعزل عن ظروف متكاملة، لأن الهوية هي منظومة متكاملة تشكل تراث هذا المجتمع.
وبالمقابل نسأل: ماهي الأجهزة التي تقوم بالتنشئة للحفاظ على الهوية؟
هي عدة مؤسسات اجتماعية، منها: الأسرة، المدرسة، الجامعة، وسائل الإعلام على اختلافها، جماعة الرفاق...الخ
السؤال: هل هذه المؤسسات مازالت بخير؟ لضمان حسن الأداء؟.
إذا كانت هذه المؤسسات عاجزة، فإن ذلك سيؤدي إلى هوية عاجزة. لأن العولمة تدخل كالرياح والنوافذ والأبواب مفتوحة، فهل الهويَّات قادرة على التصدي؟
من الأساسيات أن نضع القضية الثقافية بإطارها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، بحيث لايمكن أن نطلب من الدول المهيمنة إعداد برامج ومواد ثقافية وإعلامية وإيديولوجية تتبنى قيمنا وترعى تراثنا، لكي نحافظ على هويتنا. إنتاجها يتوافق مع ثقافتها، ومع متطلبات وحاجات السوق، وتنتج علوم وتكنولوجيا وأساليب ترفيه بطابعها الخاص، وهل يمكن أن نتوقع غير ذلك؟.
هل إذا ما تباكينا على هويتنا يسمع الصوت؟
هل بالإمكان إقفال النوافذ؟
المراجع
إبراهيم الحيدري، إتنولوجيا الفنون التقليدية، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية - سوريا، 1984
إبن منظور، لسان العرب.
أحمد تيمور باشا، الأمثال العامية، مركز الاهرام للترجمة والنشر، الطبعة الرابعة، القاهرة - مصر، 1986
جابر عصفور، غواية التراث، كتاب العربي، وزارة الإعلام ذ الكويت، 2005
جمال طاهر وداليا جمال طاهر، موسوعة الأمثال الشعبية العربية، وكالة سفنكس للفنون والآداب، القاهرة - مصر، 2012
حسين نصار، الشعر الشعبي العربي، دار الراتب العربي، الطبعة الاولى، بيروت - لبنان، 1982
ر. بودون و ف بوريكو، المعجم النقدي لعلم الاجتماع، ترجمة سليم حداد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الاولى، بيروت - لبنان، 1986
سمير شيخاني، قاموس الحكم والأمثال والاقوال المأثورة، مؤسسة عز الدين، الطبعة الاولى، بيروت - لبنان، 1987
شوقي عبد الحكيم، موسوعة الفولكلور والأساطير العربية،دار العودة، الطبعة الاولى، بيروت - لبنان،1982
عبد الحميد يونس، الأعمال الكاملة، المجلس الأعلى للثقافة،3 مجلدات،القاهرة - مصر، 2007.
عبد الحميد يونس، معجم الفولكلور، مكتبة لبنان،الطبعة الاولى، بيروت - لبنان، 1983.
عصام محفوظ، حوار مع متمردي التراث، دار الريس، الطبعة الاولى، بيروت - لبنان،2000.
علي بزي، الحرف التقليدية اللبنانية، أطروحة دكتوراه، الجامعة اللبنانية بيروت ذ لبنان، 1996
علي بزي، توسع المدينة اللبنانية والعلاقة بين القديم والحديث، أطروحة دكتوراه، جامعة باريس 7، باريس ذ فرنسا، 1983
منير الياس وهيبة الخازني الغساني، الزجل تاريخه، أدبه، أعلامه قديماً وحديثاً، المطبعة البوليسية، حاريصا ذ لبنان، 1952
هاني إبراهيم جابر، الفنون الشعبية بين الواقع والمستقبل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة ذ مصر، 1997