فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الثقافة الشعبية مدخلاً لتقارب الشعوب

العدد 21 - آفاق
الثقافة الشعبية  مدخلاً لتقارب الشعوب
كاتب من لبنان

لو‭ ‬تتبعنا‭ ‬حركية‭ ‬التواصل‭ ‬العالمية‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬نجد‭ ‬التطور‭ ‬المطرد‭ ‬لهذا‭ ‬التواصل‭ ‬بدءاً‭ ‬بالحمام‭ ‬الزاجل‭ ‬حتى‭ ‬عصر‭ ‬ثورة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬الأنترنت‭ ‬والفضائيات‭. ‬ونحن‭ ‬كبحّاثة‭ ‬ومتتبعين‭ ‬لهذه‭ ‬الحركية‭ ‬التواصلية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬نركض‭ ‬في‭ ‬مساحات‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان،‭ ‬نحط‭ ‬الرحال‭ ‬لنستنطق‭ ‬حيناً‭ ‬ونطير‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬الضوئي‭ ‬أحياناً‭. ‬الإنسان‭ ‬يكبر‭ ‬وينمو‭ ‬والكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬تصغر‭ ‬وتضيق‭. ‬

هناك‭ ‬جدلية‭ ‬دائمة‭ ‬بين‭ ‬التقدم‭ ‬والحضارة،‭ ‬بين‭ ‬الصناعة‭ ‬والحرفة،‭ ‬بين‭ ‬الثقافة‭ ‬والحداثة،‭ ‬بين‭ ‬الفولكلور‭ ‬والفن،‭ ‬بين‭ ‬الدواء‭ ‬والغذاء‭ ‬بين‭ ‬ماهو‭ ‬قديم‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬حديث‭... ‬من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الجدليات‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬كهوية‭ ‬لمجتمع‭ ‬ٍ‭ ‬ما‭.‬

تشكل‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬يبدعها‭ ‬الشعب‭ ‬عبر‭ ‬حقب‭ ‬زمنية‭ ‬متعاقبة‭ ‬مادة‭ ‬غنية‭ ‬ومعبرة‭ ‬ذات‭ ‬دلالات‭ ‬رمزية‭ ‬ضمن‭ ‬المنظومة‭ ‬الثقافية‭ ‬للمجتمع‭. ‬وعندما‭ ‬نخضع‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬للبحث‭ ‬والتحليل‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬الملاحظات‭ ‬التالية‭:‬

لا‭ ‬تحظى‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬بما‭ ‬يليق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير،باعتبارها‭ ‬ثقافة‭ ‬العامة‭ ‬وليست‭ ‬ثقافة‭ ‬النخبة‭. ‬وينظر‭ ‬أحيانا‭ ‬إليها‭ ‬بقليل‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬باعتبارها‭ ‬تمثل‭ ‬الجانب‭ ‬الشعبي،‭  ‬وبأنها‭ ‬تشكل‭ ‬معطيات‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الثانية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعودنا‭ ‬على‭ ‬اهتمام‭ ‬التأريخ‭ ‬والمؤرخين‭ ‬بالطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬وفئة‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬قوامها‭ ‬الحكام‭ ‬والسلاطين‭ ‬ورجال‭ ‬الدين‭ ‬والحروب‭ ‬والقادة‭ ‬العسكريون‭ ‬وغيرهم‭..... ‬

اختزال‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬أو‭ ‬المأثور‭ ‬الشعبي‭ ‬بالمعنى‭ ‬الضيق‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬جانبا‭ ‬ً‭ ‬محددا‭ ‬ً‭ ‬من‭ ‬الفنون‭ ‬كالموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬والرقص‭... ‬واعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬نوعا‭ ‬ً‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التعبير‭ ‬العادي‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬أغنى‭ ‬وأوسع‭ ‬وأكثر‭ ‬تنوعا‭ ‬ً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬بحيث‭ ‬يطال‭ ‬مختلف‭ ‬أشكال‭ ‬الثقافة‭ ‬وتنوعاتها‭. ‬تنبهت‭ ‬الشعوب‭ ‬الغنية‭ ‬منها‭ ‬والفقيرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشكله‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬من‭ ‬ثروة‭ ‬وقيمة،‭ ‬فحرصت‭ ‬على‭ ‬المحافظة‭ ‬عليه،لأنه‭ ‬يدعم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬ويشكل‭ ‬دخلاً‭ ‬للمبدعين‭ ‬أنفسهم‭. ‬وقد‭ ‬سبقتنا‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بالاهتمام‭ ‬بالثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬والعناية‭ ‬بها‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬المكنونات‭ ‬الثمينة‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها‭ ‬عامة‭ ‬الناس‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬الكنوز‭ ‬البشرية‭ ‬الحية‭. ‬تفالثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬يمتلكها‭ ‬أولئك‭ ‬الجنود‭ ‬المجهولون‭ ‬من‭ ‬عامة‭ ‬الناس،‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬تسلط‭ ‬عليهم‭ ‬الأضواء،‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬عملوه‭ ‬أنهم‭ ‬أتقنوا‭ ‬عملهم،‭ ‬وتفانوا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬فقد‭ ‬أعطوه‭ ‬من‭ ‬ذواتهم‭ ‬فكانوا‭ ‬مثالا‭ ‬يحتذى،‭ ‬متجسداً‭ ‬بخلق‭ ‬وإبداع‭ ‬لوحات‭ ‬مميزة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭. ‬وهم‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الجاحظ‭  ‬عملهم‭ ‬كالسهل‭ ‬الممتنع،‭ ‬مثل‭ ‬الماء‭ ‬أهون‭ ‬الموجود‭ ‬وأعز‭ ‬المفقود،‭ ‬لم‭ ‬يفسدهم‭ ‬الاستهلاك‭ ‬ولا‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬المناصب‭ .‬فالثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭  ‬الأداءات‭ ‬المادية‭ ‬وغير‭ ‬المادية‭ ‬والتي‭ ‬تحدد‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭. ‬إنها‭ ‬أمر‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬لمعنى‭ ‬وجود‭ ‬البشر،تسواء‭ ‬كانت‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها‭ ‬فردية‭ ‬أوجماعية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نلاحظه‭ ‬في‭ ‬الأعياد‭ ‬والكرنفالات‭ ‬الثقافية‭ ‬والشعائر‭ ‬والطقوس‭....‬الخ،‭ ‬التي‭ ‬تضفي‭ ‬معنى‭ ‬وإحساسا‭ ‬بالاستمرارية‭ ‬والهوية‭ ‬للشعوب‭. ‬والتقليد‭ ‬الحقيقي‭ ‬ليس‭ ‬الشاهد‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬البعيد،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬القوة‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬وتغذي‭ ‬الحاضر‭.‬

والتراث‭ ‬الثقافي‭ ‬أو‭ ‬التراث‭ ‬الحي‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬الممارسات‭ ‬والتعابير‭ ‬والمعارف‭ ‬والمهارات‭ ‬والقيم‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها‭. ‬إن‭ ‬حفظ‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬جيل،‭ ‬واستمرار‭ ‬صوغه‭ ‬مع‭ ‬الاستجابة‭ ‬للتغيرات‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬يوفر‭ ‬للأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬والمجتمعات‭ ‬الإحساس‭ ‬بالهوية‭ ‬والاستمرارية،‭ ‬ويشكل‭ ‬ضمانة‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭.‬

ومن‭ ‬الأمور‭ ‬الجوهرية‭ ‬والبديهية‭ ‬أن‭ ‬تعمد‭ ‬المجتمعات‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬صون‭ ‬هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية،‭ ‬ويقصد‭ ‬بكلمة‭ ‬االصونب‭ ‬التدابير‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬استدامة‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬أي‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬بما‭ ‬يتضمن‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬لهذا‭ ‬التراث‭ ‬وتوثيقه‭ ‬وإجراء‭ ‬البحوث‭ ‬بشأنه‭ ‬والمحافظة‭ ‬عليه‭ ‬وحمايته‭ ‬وتعزيزه‭ ‬وإبرازه‭ ‬ونقله،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التعليم‭ ‬النظامي‭ ‬وغير‭ ‬النظامي‭ ‬وإحياء‭ ‬مختلف‭ ‬جوانب‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭. ‬وهنا‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬ودور‭ ‬المتاحف‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭ ‬الخالدة‭ ‬المختلفة‭. ‬عناصر‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬مهددة‭ ‬بخطر‭ ‬الزوال،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬أساسا‭ ‬إلى‭ ‬اعتبارات‭ ‬متعددة،‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬ببنية‭ ‬المجتمعات‭ ‬والتغييرات‭ ‬التي‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬الداخلية‭ ‬والعوامل‭ ‬الخارجية‭ ‬المؤثرة‭. ‬نجد‭ ‬مثالا‭ ‬ً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تناقص‭ ‬أعداد‭ ‬فناني‭ ‬الأداء‭ ‬والحرف‭ ‬والتعبير‭ ‬الشعبي‭ ‬بكافة‭ ‬تجلياته‭.... ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الميل‭ ‬الواضح‭ ‬بين‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬لتأثيرات‭ ‬ثقافية‭ ‬خارجية‭ ‬مستوردة‭.‬ت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬تضافر‭ ‬الجهود‭ ‬بين‭ ‬المؤسسات‭ ‬المحلية‭ ‬أو‭ ‬الدولية‭ ‬كمنظمة‭ ‬اليونسكو،‭ ‬لرصد‭ ‬وتجميع‭ ‬مايمكن‭ ‬جمعه‭ ‬قبل‭ ‬اتسوناميب‭ ‬العولمة‭ ‬والتغيير‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الزوال،‭ ‬لحفظ‭ ‬المادة‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬طابعا‭ ‬محليا‭ ‬باعتبارها‭ ‬مكونا‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬للمجتمع‭. ‬لنقدم‭ ‬صورة‭ ‬لهذا‭ ‬المجتمع‭ ‬بكافة‭ ‬مكوناته،‭ ‬ليشكل‭ ‬قاعدة‭ ‬انطلاق،‭  ‬على‭ ‬حد‭ ‬قول‭ ‬الجاحظ‭: ‬ليس‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نحفظ‭ ‬التراث‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬نتجاوزه‭ ‬انطلاقاً‭ ‬منه،‭ ‬وهذا‭ ‬التجاوز‭ ‬والتجديد‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬الواقع،‭ ‬وهذا‭ ‬يفترض‭ ‬عدة‭ ‬أسس‭ ‬علمية‭ ‬بإبراز‭ ‬أهميتها‭ ‬وتحديد‭ ‬مصادرها،‭ ‬معتمدين‭ ‬على‭ ‬تقنيات‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬جمعها‭ ‬وتبويبها،‭ ‬وإخضاعها‭  ‬للتحليل‭ ‬والنقد‭ ‬الموضوعي،‭ ‬وإبراز‭ ‬مكامن‭ ‬القوة‭ ‬أوالضعف‭ ‬فيها،‭ ‬ومن‭ ‬منطلقات‭ ‬علمية‭ ‬وموضوعية‭. ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬السجال‭ ‬القديم‭ ‬الجديد‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالتقليد‭ ‬والمعاصرة‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬القيام‭  ‬بأنشطة‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬توثيق‭ ‬وأرشفة‭ ‬المعارف‭ ‬والمهارات‭ ‬التقليدية‭ ‬المهددة‭ ‬بالانقراض‭ ‬وخلق‭ ‬نظم‭ ‬وطنية‭ ‬للكنوز‭ ‬البشريةتالحية،‭ ‬والاعتراف‭ ‬الرسمي‭ ‬بحاملي‭ ‬التقاليد‭ ‬الموهوبين‭ ‬والممارسين،‭ ‬مما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬المعارف‭ ‬والمهارات‭ ‬إلى‭ ‬الأجيال‭ ‬الشابة‭ ‬الجديرة‭ ‬بنقل‭ ‬هذه‭ ‬المعارف‭ ‬والمهارات،‭ ‬وتيحدد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬إنجازاتهم‭ ‬واستعدادهم‭ ‬لنقل‭ ‬هذه‭ ‬الإنجازات‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين‭. ‬على‭ ‬أن‭ ‬يستند‭ ‬الاختيار‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬التقاليد‭ ‬والتعابير‭ ‬المعنية‭ ‬كدليل‭ ‬على‭ ‬عبقرية‭ ‬الإنسان‭ ‬الخلاقة‭ ‬وجذورها‭ ‬في‭ ‬التقاليد‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وطابعها‭ ‬التمثيلي‭ ‬لمجتمع‭ ‬ما،‭ ‬وكذلك‭ ‬حفاظا‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الاندثار‭.‬ت

ونظراً‭ ‬للتحولات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬التي‭ ‬تواجهنا،‭ ‬فإننا‭ ‬أمام‭ ‬مفترق‭ ‬مفصلي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انسلاخ‭ ‬تدريجي‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬يتميز‭ ‬بها‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭. ‬وفقدان‭ ‬هذه‭ ‬الهوية‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬هوية‭ ‬وافدة‭ ‬تنقلنا‭ ‬إلى‭ ‬لا‭ ‬توازن‭ ‬الانتماء‭ ‬ومعرفة‭ ‬الذات،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خلل‭ ‬معرفي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الهوية‭ ‬نفسها‭.  ‬لذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الأسس‭ ‬المعرفية‭ ‬والمنطقية،‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬العواطف‭ ‬بتبني‭ ‬ماهو‭ ‬تقليدي‭ ‬محلي،‭ ‬أو‭ ‬ماهو‭ ‬وافد،‭ ‬فاعتماد‭ ‬الموضوعية‭  ‬أساسي‭ ‬لدراسة‭ ‬مختلف‭ ‬أشكال‭ ‬الثقافة،‭ ‬بأبعادها‭ ‬المحلية‭ ‬والوافدة‭. ‬وهذا‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬يكون‭ ‬لمصلحة‭ ‬التراث،‭ ‬بتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬عليه،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دراسات‭ ‬معمقة‭ ‬تحدد‭ ‬الأهداف،‭ ‬تجمع‭ ‬المعطيات،‭ ‬تدونها،‭ ‬تبوبها‭ ‬ثم‭ ‬تحللها‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمية،‭ ‬ونخضعها‭ ‬للنقد،‭ ‬لإبراز‭ ‬بعدها‭ ‬الايجابي‭ ‬وجمالها‭ ‬و‭ ‬روح‭ ‬الجماعة‭ ‬وهويتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬وربما‭ ‬نجد‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬سلبي‭ ‬لنعمل‭ ‬على‭ ‬استبداله‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭. ‬

هذا‭ ‬التقديم‭ ‬الأولي‭ ‬والمبدئي‭ ‬هو‭ ‬للانطلاق‭ ‬نحو‭ ‬تحديد‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬بصدد‭ ‬التركيز‭ ‬عليه،‭  ‬والذي‭ ‬يتحدد‭ ‬بالدور‭ ‬والوظيفة‭ ‬للثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬باعتبارها‭ ‬أداة‭ ‬توحيد‭ ‬مجتمعية‭. ‬

هذا‭ ‬يفترض‭ ‬بنا‭ ‬التطرق‭ ‬إلى‭ ‬أمرين‭: ‬

الأول‭ ‬يتمثل‭ ‬بحركة‭ ‬الإبداع‭ ‬والخلق‭ ‬والتحوير‭ ‬والتطوير‭.... ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفرد‭ ‬كما‭ ‬الجماعة‭.‬

الثاني‭ ‬يتمثل‭ ‬بحالة‭ ‬التلقي‭ ‬والأثر‭ ‬الذي‭ ‬تحدثه‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬أفراداً‭ ‬أوجماعات‭. ‬

إذ‭ ‬أن‭ ‬للثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬بعدها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإنتاج‭ ‬أو‭ ‬التلقي،‭ ‬فهي‭ ‬النتاج‭ ‬البسيط‭ ‬والعفوي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفعل‭ ‬أو‭ ‬ردة‭ ‬الفعل،‭ ‬وهنا‭ ‬المقاربة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬الموضوع،‭ ‬هل‭ ‬لهذه‭ ‬الثقافة‭ ‬دور‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬التقارب،‭ ‬وضمن‭ ‬أي‭ ‬دائرة‭ ‬انتماء؟‭ ‬

وهنا‭ ‬ننطلق‭ ‬من‭ ‬الفرد‭ ‬الذي‭ ‬يتلقى‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬الموروثات‭ ‬الثقافية‭ ‬وربما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬يسير‭ ‬منها،‭ ‬ثم‭ ‬نتخطى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الأسرة‭ ‬النواتية،‭ ‬فالمحيط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬اللأوسع،‭ ‬العائلة،‭ ‬الحي،‭ ‬البلدة،‭ ‬المنطقة،‭ ‬الوطن،‭ ‬ثم‭ ‬الى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأوطان‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬جغرافية‭ ‬محددة،‭ ‬لنصل‭ ‬للبعد‭ ‬القومي،‭ ‬ثم‭ ‬البعد‭ ‬الإنساني‭.‬

والفرضية‭ ‬التي‭ ‬ننطلق‭ ‬منها،‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬تتخطى‭ ‬الحواجز‭ ‬المصطنعة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التثاقف‭ (‬وخاصة‭ ‬مابين‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭) ‬لتخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مبدع‭ ‬وعفوي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأفراد‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يحفظه‭ ‬الوجدان‭ ‬الشعبي‭. ‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬مقارباتنا‭ ‬الميدانية‭ ‬للموضوع،‭ ‬والتي‭ ‬توصلنا‭ ‬إليها‭ ‬عبر‭ ‬دراسات‭ ‬وأبحاث‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الشخصي‭ ‬كما‭ ‬الجماعي،‭ ‬بأن‭ ‬لهذه‭ ‬المادة‭ ‬الثقافية‭ ‬الشعبية‭ ‬سحرا‭ ‬مميزا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إبرازه‭ ‬وذلك‭ ‬لأهميته‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وخوفاً‭ ‬من‭ ‬فقدانه‭ ‬وضياعه‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬ويترافق‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬موجة‭ ‬مايعرف‭ ‬بالعولمة‭ ‬الثقافية،‭ ‬حيث‭  ‬تطمس‭ ‬الهوية‭ ‬المحلية‭ ‬أو‭ ‬تمحى‭. ‬وهذه‭ ‬العملية‭ ‬يعبر‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬يعمل‭ ‬عليها،‭ ‬عن‭ ‬جهل‭ ‬ٍ‭ ‬وتقصير‭ ‬وإهمال‭ ‬و‭...... ‬أو‭ ‬عن‭ ‬سابق‭ ‬تصور‭ ‬وتصميم‭ ‬وذلك‭ ‬لمحو‭ ‬الذاكرة‭ ‬الشعبية‭ ‬واستبدالها‭ ‬بثقافة‭ ‬هجينة‭ ‬مصطنعة‭ ‬تكون‭ ‬كجسد‭  ‬بلا‭ ‬روح‭. ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬عامل‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬توحد‭ ‬الجماعات‭ ‬وعلى‭ ‬مختلف‭ ‬دوائر‭ ‬الانتماء،‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أثبتته‭ ‬المقاربات‭ ‬الحقلية‭ ‬للواقع،‭ ‬وفق‭ ‬الدراسات‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬الأسس‭ ‬العلمية‭. ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬القواسم‭ ‬المشتركة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬لتوطيد‭ ‬أواصر‭ ‬اللحمة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الثقافة‭ ‬الكونية‭ ‬القادمة‭ ‬مع‭ ‬العولمة‭. ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬التحدي،‭ ‬في‭ ‬تأكيد‭ ‬الهوية،‭ ‬وإبرازها‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬عليها،‭ ‬ولنا‭ ‬كل‭ ‬الثقة‭ ‬بأهمية‭ ‬المخزون‭ ‬الثقافي‭ ‬المشترك‭ ‬الذي‭ ‬تحفظه‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬العربية‭ ‬والذي‭ ‬سيكون‭ ‬موضوع‭ ‬مقاربتنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬البحثية‭.‬

بحيث‭ ‬لو‭ ‬انطلقنا‭ ‬من‭ ‬الموروثات‭ ‬الشعبية‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬القومي‭ ‬والإنساني،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مقتصرة‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬والمطبوعات‭ ‬والمخطوطات‭ ‬والآثار‭ ‬المادية‭ ‬المتمثلة‭ ‬بالمباني‭ ‬والنقوش‭ ‬والهياكل‭.... ‬بل‭ ‬تعدت‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الموروث‭ ‬الشعبي‭ ‬بكامل‭ ‬تفاصيله‭ ‬وجزيئاته‭. ‬وحصل‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬نهضة‭ ‬معرفية‭ ‬تناولت‭ ‬ثقافة‭ ‬الشعب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كنا‭ ‬نستجدي‭ ‬بحثا‭ ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬أومقالة‭ ‬أومعلومة‭ ‬سطحية‭ ‬لرحالة‭ ‬أو‭ ‬سائح‭ ‬أو‭ ‬مستشرق‭ ‬من‭ ‬هناك،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬مر‭ ‬بمنطقة‭ ‬نريد‭ ‬دراستها‭.  ‬والتاريخ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بدأ‭ ‬يجد‭ ‬مكانة‭ ‬في‭ ‬الأبحاث‭ ‬والدراسات‭. ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬ثقافتنا‭ ‬الشعبية‭ ‬تحتوي‭ ‬العناصر‭ ‬الثقافية‭ ‬والأصالة‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬أمينة‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭. ‬وهذا‭ ‬الجانب‭ ‬الثقافي‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬المرونة‭ ‬ما‭ ‬يجعله‭ ‬قابلا‭ ‬للتطور‭ ‬والنمو،‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬ونمو‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية،‭ ‬وإعطاء‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭ ‬بعدا‭ ‬قوميا‭ ‬إنسانيا‭ ‬علميا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الانساني‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا‭ ‬الشعبية‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬رائد‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي،‭ ‬اعبد‭ ‬الحميد‭ ‬يونسب،‭ ‬بأن‭ ‬المستشرق‭ ‬الانجليزي‭ ‬اجبب‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬اتراث‭ ‬الاسلامب،‭ ‬فقد‭ ‬ذكر‭ ‬صراحة‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬تأثرت‭ ‬وحتى‭ ‬أوائل‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬بالمأثورات‭ ‬الشعبية‭ ‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬أعطتها‭ ‬السمات‭ ‬القومية‭ ‬في‭ ‬الأدب،‭ ‬ويقول‭ ‬هذا‭ ‬المستشرق‭ ‬أن‭ ‬القصص‭ ‬الايطالي‭ ‬إبان‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬كان‭ ‬متأثرا‭ ‬بالقصص‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي،‭ ‬ويقول‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬اشوسرب‭ ‬أب‭ ‬الأدب‭ ‬الانجليزي‭ ‬قد‭ ‬تأثر‭ ‬بطريق‭ ‬مباشر‭ ‬وغير‭ ‬مباشر‭ ‬بالنهج‭ ‬والسرد‭ ‬والوصف‭ ‬والتصوير،‭ ‬ولقد‭ ‬عدّد‭ ‬هذا‭ ‬المستشرق‭ ‬الآثار‭ ‬الأدبية‭ ‬التي‭ ‬قلد‭ ‬بها‭ ‬الأوروبيون‭ ‬الأشكال‭ ‬والمضامين‭ ‬الشعبية‭ ‬العربية‭.‬

فالآن‭ ‬أصبح‭ ‬لدينا‭ ‬مؤسسات‭ ‬وباحثون‭ ‬يقومون‭ ‬بجمع‭ ‬الموروث‭ ‬ودراسته‭ ‬مرتكزين‭ ‬إلى‭ ‬مناهج‭ ‬ومفاهيم‭ ‬حديثة‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬والتحليل‭ ‬والتوثيق‭.‬

نماذج‭ ‬من‭ ‬ثقافتنا‭ ‬الشعبية‭ ‬القومية

القصة‭ ‬العربية

هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬بشرية‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬الإنسان‭ ‬بالحياة،‭ ‬فهي‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬شعب‭ ‬أو‭ ‬أمة‭ ‬أوثقافة‭ ‬أو‭ ‬حضارة‭. ‬وهي‭ ‬انعكاس‭ ‬طبيعي‭ ‬لمختلف‭ ‬مظاهر‭ ‬الحياة،‭ ‬النفسية‭ ‬العقائدية،‭ ‬الاجتماعية‭... ‬وهي‭ ‬تراث‭ ‬إنساني‭ ‬مشترك‭. ‬فالقصص‭ ‬الشعبي‭ ‬هو‭ ‬بقايا‭ ‬أساطير‭ ‬وملاحم‭  ‬سادت‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬القديمة،‭ ‬واحتفظت‭ ‬بها‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬والعامة‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬تراثنا‭ ‬العربي،‭ ‬بالرغم‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬أخذت‭ ‬من‭ ‬حضارات‭ ‬متعددة‭ ‬ك‭: ‬الهند،‭ ‬الفرس،‭ ‬الأتراك‭...‬ومن‭ ‬الأمثلة‭: ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬كليلة‭ ‬ودمنة،‭ ‬الأدب‭ ‬الكبير‭ ‬والأدب‭ ‬الصغير‭... ‬هي‭ ‬قصص‭ ‬تعرض‭ ‬لتقاليد‭ ‬وعقائد‭ ‬وأساطير‭ ‬وإبداع‭ ‬وخيال‭... ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية،‭ ‬بحيث‭ ‬نجد‭ ‬تراثاً‭ ‬قصصياً‭ ‬زاخراً‭ ‬بالحيوية‭ ‬متنوع‭ ‬الوجود‭ ‬والنواحي،‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬لغة‭ ‬العامة‭ ‬وأسلوب‭ ‬تفكيرها‭.‬

الحكاية‭ ‬الشعبية‭ ‬

في‭ ‬دراسة‭ ‬ميدانية‭ ‬تم‭ ‬جمع‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان،‭ ‬وبعد‭ ‬اطلاع‭ ‬الباحثة‭ ‬على‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وجدت‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬الحكايتين،‭ ‬وأصبح‭ ‬عنوان‭ ‬البحث‭: ‬الحكاية‭ ‬الشعبية،‭ ‬دراسة‭ ‬مقارنة‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬الحكايات‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان،‭ ‬وبعض‭ ‬الحكايات‭ ‬الشعبية‭ ‬المصرية‭. ‬فالثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬لاتفصلها‭ ‬الحدود،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تطير‭ ‬بجناحين‭ ‬وتستقر‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬وقلوب‭ ‬الناس‭.‬

الحكواتي

هي‭ ‬وظيفة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ثقافية‭ ‬تنويرية،‭ ‬وينقلها‭ ‬الحكواتي‭ ‬بشكل‭ ‬فني‭ ‬وجمالي،‭ ‬بحيث‭ ‬أنه‭ ‬يقدم‭ ‬تجربة‭ ‬إنسانية‭ ‬تعكس‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬المعاش،‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التاريخ،‭ ‬الصراع‭ ‬والحروب،‭ ‬والخرافة،‭ ‬لأبطال‭ ‬أسطوريين‭ ‬يمثلون‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشخصيات‭ ‬الذين‭ ‬ذكرناهم‭ ‬سابقاً،‭ ‬ليقدموا‭ ‬عبرة‭ ‬ومتعة‭ ‬يجسدها‭ ‬الراوي‭ ‬بالحركة‭ ‬والتلوين‭ ‬والصوت‭ ‬وتعرض‭ ‬في‭ ‬الساحات‭ ‬العامة،‭ ‬بالأسواق،‭ ‬بالمقاهي‭ ‬حيث‭ ‬له‭ ‬المقعد‭ ‬أو‭ ‬المرتبة‭ ‬الخاصة،‭ ‬وصورته‭ ‬الشعبية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دوره،‭ ‬بحيث‭ ‬يقوم‭ ‬بالسرد‭ ‬والتقليد‭ ‬ولديه‭ ‬عوامل‭ ‬ذاتية‭ ‬ذات‭ ‬دلالات‭: ‬عصا‭ ‬ولحية،‭ ‬خلفه‭ ‬فانوس،‭ ‬يعصب‭ ‬الرأس‭... ‬يجتمع‭ ‬حوله‭ ‬الحضور‭ ‬يتناولون‭ ‬الأطعمة‭ ‬والمكسرات‭ ‬والمشروبات،‭ ‬والكل‭ ‬ينتظر‭ ‬إعلان‭ ‬صاحب‭ ‬المقهى‭ ‬ببدء‭ ‬العرض‭ ‬ليقول‭ ‬بصوت‭ ‬عال‭: ‬صلوا‭ ‬على‭ ‬النبي‭. ‬وفي‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬هناك‭ ‬خطوات‭ ‬مسرحية‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تزاوج‭ ‬بين‭ ‬التراث‭ ‬والمعاصرة،‭ ‬وقام‭ ‬البعض‭ ‬بتوظيف‭ ‬شخصية‭ ‬الحكواتي‭ ‬في‭ ‬مسرحهم،‭ ‬وهم‭: ‬

مارون‭ ‬النقاش‭: ‬في‭ ‬مسرحيتهأابو‭ ‬الحسن‭ ‬المغفل

خليل‭ ‬قباني‭: ‬هارون‭ ‬الرشيد

يوسف‭ ‬إدريس‭: ‬الفرافير

سعدالله‭ ‬ونوس‭: ‬مغامرة‭ ‬رأس‭ ‬المملوك‭ ‬جابر

رفيق‭ ‬علي‭ ‬أحمد‭: ‬أيام‭ ‬الخيام،‭ ‬الجرس،‭ ‬زواريب‭...‬

 

الامثال‭ ‬الشعبية

يقول‭ ‬المثل‭ ‬الصيني‭: ‬لا‭ ‬تعطه‭ ‬سمكة‭ ‬بل‭ ‬أعطه‭ ‬صنارة‭ ‬وعلمه‭ ‬الصيد‭. ‬مثل‭ ‬صيني‭ ‬الانتماء‭ ‬ولكنه‭ ‬ينطبق‭ ‬لأي‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭.‬

إن‭ ‬قراءة‭ ‬التراث‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬زمان‭ ‬ومكان،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه،‭ ‬نجد‭ ‬تجاوبا‭ ‬مع‭ ‬الأصيل‭ ‬من‭ ‬التراث،‭ ‬وما‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬لما‭ ‬ينطوي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تصلنا‭ ‬به،‭ ‬وتصله‭ ‬بنا‭. ‬فالإنتاج‭ ‬الشعبي‭ ‬الحديث‭ ‬يغوص‭ ‬في‭ ‬القدم‭ ‬ليلامس‭ ‬الجذر‭ ‬الإنساني‭ ‬فيه‭ ‬ويتحد‭ ‬مع‭ ‬الجذر‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬أعماقنا‭ ‬مهما‭ ‬تباعدت‭ ‬المسافات‭ ‬ببعديها‭ ‬الزماني‭ ‬والمكاني‭.‬

يحتل‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي‭ ‬مكانة‭ ‬مميزة‭ ‬وخاصة‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب،‭ ‬بحيث‭ ‬أنه‭ ‬يلامس‭ ‬معظم‭ ‬ضروب‭ ‬الحياة،‭ ‬والناس‭ ‬يستشهدون‭ ‬به‭ ‬لما‭ ‬يواكب‭ ‬أو‭ ‬يعترض‭ ‬حياتهم،‭ ‬وله‭ ‬صفة‭ ‬قاطعة‭ ‬وحاسمة،‭ ‬لأن‭:(‬المثل‭ ‬نبي‭ ‬ما‭ ‬خللاّ‭ ‬شي‭ ‬ماقاله‭). ‬أي‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬أي‭ ‬باب‭ ‬أو‭ ‬مناسبة‭ ‬لم‭ ‬يتطرق‭ ‬إليهما‭. ‬

وفي‭ ‬موسوعة‭ ‬الأمثال‭ ‬الشعبية‭ ‬العربية،‭ ‬للمؤلفين‭: ‬جمال‭ ‬طاهر‭ ‬وداليا‭ ‬جمال‭ ‬طاهر،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الأمثال‭ ‬الشعبية‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬وشمل‭ ‬التجميع‭ ‬الدول‭ ‬التالية‭: ‬مصر‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬والكويت‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق‭ ‬والامارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬وفلسطين‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬والسودان‭ ‬والجزائر‭ ‬وتونس‭ ‬والمغرب‭. ‬

شخصيات‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬العربي

عنترة‭ ‬بن‭ ‬شداد‭ ‬العبسي‭: ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬السير‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬أدبنا‭ ‬العربي،‭ ‬التي‭ ‬تركزعلى‭: ‬الشاعر،‭ ‬البطل،‭ ‬الفارس،‭ ‬الشجاعة،‭ ‬الإخلاص،‭ ‬العاطفة،‭ ‬النبل‭ ‬والشهامة،‭ ‬التفاني،‭ ‬العبودية‭... ‬دلالات‭ ‬رمزية‭ ‬وقيم‭ ‬ونماذج‭ ‬ينشدها‭ ‬الناس‭ ‬لإبراز‭ ‬قيم‭ ‬اجتماعية‭ ‬يطمح‭ ‬إليها‭ ‬المجتمع،‭ ‬وقد‭ ‬انتشرت‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬أثناء‭ ‬الحقب‭ ‬التاريخية‭ ‬حيث‭ ‬الاحتلال،‭ ‬والقمع،‭ ‬والتسلط،‭ ‬والاستعمار‭. ‬فكانت‭ ‬الجماعة‭ ‬تركز‭ ‬عليها‭ ‬لأنها‭ ‬تطمح‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬معين‭.‬

ذات‭ ‬الهمة‭:‬‭ ‬مثال‭ ‬المرأة،‭ ‬والأم،‭ ‬الزوجة،‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬العرض،‭ ‬الأخلاق،‭ ‬العفة،‭ ‬الإخلاص،‭ ‬البطولة،‭ ‬المحبة،‭ ‬الواجبات‭ ‬الدينية‭...‬صفات‭ ‬تركز‭ ‬عليها‭ ‬وتجلها‭ ‬مجتمعاتنا،‭ ‬وتعطي‭ ‬صورة‭ ‬المرأة‭ ‬المثالية‭.‬

عرقوب‭:‬‭ ‬لقد‭ ‬وعد‭ ‬عرقوب‭ ‬أخاه‭ ‬في‭ ‬الحجاز‭ ‬أن‭ ‬يهديه‭ ‬تمراً‭ ‬من‭ ‬نخلة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المدينة‭(‬مدينة‭ ‬يثرب‭) ‬فماطل‭ ‬سنة‭ ‬كاملة،‭ ‬ثم‭ ‬سنة‭ ‬أخرى‭. ‬إذ‭ ‬أتاه‭ ‬يسأله‭ ‬أن‭ ‬يعطيه‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬ثمارها،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬سأعطيك‭ ‬إذا‭ ‬طلع‭ ‬نخلي‭.‬

فلما‭ ‬طلع‭ ‬نخله‭ ‬أتاه،‭ ‬فقال‭ ‬إذا‭ ‬أبلح‭.‬ولما‭ ‬أبلح‭ ‬أتاه،‭ ‬فقال‭: ‬إذا‭ ‬زها‭. ‬ولما‭ ‬زها‭ ‬أتاه،‭ ‬فقال‭:‬إذا‭ ‬أرطب‭. ‬فلما‭ ‬أرطب‭ ‬أتاه،‭ ‬فقال‭:‬إذا‭ ‬أتمر‭.‬

فلما‭ ‬أتمر،‭ ‬جزّه‭ ‬ليلا‭ ‬ولم‭ ‬يعطه‭ ‬شيئا،‭ ‬فصار‭ ‬مثلا‭ ‬يضرب‭ ‬في‭ ‬خلف‭ ‬الوعد‭. ‬وهكذا‭ ‬لم‭ ‬تمهله‭ ‬العرب‭ ‬سنة‭ ‬ثالثة‭ ‬فعاجلته‭ ‬بالعقوبة‭. ‬فالوفاء‭ ‬بالوعد‭ ‬حرمة‭ ‬ولها‭ ‬طابع‭ ‬القداسة‭. ‬وهكذا‭ ‬أصبح‭ ‬عرقوب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شفة‭ ‬ولسان‭ ‬لكل‭ ‬شخص‭ ‬لايفي‭ ‬بمواعيده،‭ ‬فيقال‭ ‬مواعيد‭ ‬عرقوبية‭. ‬

وانطلاقاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تقال‭ ‬الأمثال‭ ‬التالية‭:‬

اللي‭ ‬بيوعد‭ ‬لازم‭ ‬يوفي

وعد‭ ‬الحر‭ ‬دين

مطرح‭ ‬ما‭ ‬بتطلع‭ ‬الكلمة‭ ‬بتطلع‭ ‬الروح

حبر‭ ‬على‭ ‬ورق

كلام‭ ‬الليل‭ ‬يمحوه‭ ‬النهار

وعد‭ ‬المؤمن‭ ‬كأخذ‭ ‬اليد‭(‬حديث‭ ‬شريف‭)‬

ع‭ ‬الوعد‭ ‬باسقيك‭ ‬يا‭ ‬كمون

إذن‭ ‬إن‭ ‬عدم‭ ‬تحقيق‭ ‬ووفاء‭ ‬الوعد‭ ‬أمر‭ ‬مستهجن،‭ ‬ومن‭ ‬يشذ‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬يتعرض‭ ‬للذم‭ ‬والاحتقار‭. ‬فالشائع‭ ‬هو‭ ‬الوفاء‭ ‬واحترام‭ ‬الوعود،‭ ‬ومخالفة‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬مجلبة‭ ‬للعار‭ ‬والاتهام‭.‬

 

أبورغال‭:‬‭ ‬شخصية‭ ‬أسطورية‭. ‬تذهب‭ ‬إحدى‭ ‬الروايات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬رغال‭ ‬كان‭ ‬ثقفياً‭ ‬من‭ ‬الطائف‭ ‬دلّ‭ ‬إبرهة‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬مكة،‭ ‬وأنه‭ ‬توفي‭ ‬ودفن‭ ‬في‭ ‬المغمس،‭ ‬وجرت‭ ‬العادة‭ ‬على‭ ‬رجم‭ ‬قبره‭(‬معجم‭ ‬الفولكلور‭).‬

وتقول‭ ‬روايات‭ ‬ثانية‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬رغال‭ ‬رجل‭ ‬من‭ ‬اليمن‭ ‬خان‭ ‬قومه‭ ‬وقد‭ ‬وشى‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬أعدائهم‭ ‬فأذى‭ ‬قومه‭ ‬بخيانته‭. ‬ثم‭ ‬ذهب‭ ‬القوم‭ ‬وذهب‭ ‬الأعداء،‭ ‬وبقي‭ ‬إسم‭ ‬أبو‭ ‬رغال‭. ‬

في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬يلقب‭ ‬بـ‭ ‬اأبي‭ ‬رغالب‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬مراوغ‭ ‬ومحتال،‭ ‬ومن‭ ‬طبعه‭ ‬الغدر‭ ‬والخيانة‭. ‬لذلك‭ ‬نستنتج‭ ‬أن‭:‬

نزوة‭ ‬عارضة‭ ‬لإنسان‭ ‬خائن‭ ‬لشعبه،‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬سبه‭ ‬ولعنه‭ ‬مدى‭ ‬الأيام‭. ‬فأصبح‭ ‬إسما‭ ‬قبيحا‭ ‬ينشر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬نتن‭.‬

هذا‭ ‬الشعب‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬طبعه‭ ‬الخيانة،‭ ‬وذلك‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭:‬

الاستهجان‭ ‬واستنكار‭ ‬هذا‭ ‬العمل،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الفعلة‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬وقع‭ ‬سيء‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬شهر‭ ‬به‭.‬

الخيانة‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬طبع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس،‭ ‬وانحسرت‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭.‬

وهكذا‭ ‬أصبح‭ ‬النعت‭ ‬بأبي‭ ‬رغال‭ ‬كل‭ ‬خائن‭ ‬محتال‭.‬

يستنتج‭ ‬بأن‭ ‬الخيانة‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬شائعة‭ ‬لما‭ ‬ضرب‭ ‬المثل‭ ‬ووصلنا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة

فالمصير‭ ‬سيء‭ ‬للخائن‭ ‬والشعب‭ ‬ينذر‭ ‬أمثال‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الفريدة،‭ ‬ويعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الفعل‭ ‬أمراً‭ ‬منكراً‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬لعنة‭ ‬الناس‭ ‬جميعاً‭.‬

وكلنا‭ ‬يعرف‭ ‬مقولة‭ ‬نابوليون‭ ‬بعد‭ ‬احتلاله‭ ‬إحدى‭ ‬الدول،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬أحد‭ ‬قادتها‭ ‬المتعاملين‭ ‬معه‭ ‬مصافحا‭ ‬فرفض‭ ‬نابوليون‭ ‬المصافحة‭ ‬وحمل‭ ‬صرة‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬وقذفها‭ ‬إليه‭ ‬كثمن‭ ‬لعمله‭. ‬هكذا‭ ‬يعامل‭ ‬الخائن‭ ‬لوطنه‭.‬

قراقوش‭: ‬وهوبهاء‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬الأسدي‭ ‬المالكي‭ ‬الناصري‭. ‬وهو‭ ‬خصي‭ ‬أعتقه‭ ‬مولاه‭ ‬شيركوه‭ ‬وعينه‭ ‬أميراً‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬مثالاً‭ ‬مشهوراً‭ ‬بالقسوة‭ ‬وضيق‭ ‬الأفق،‭ ‬وقد‭ ‬قيلت‭ ‬نوادر‭ ‬عديدة‭ ‬تفيض‭ ‬بالسخرية‭ ‬من‭ ‬شخصية‭ ‬اتصف‭ ‬حكمها‭ ‬بالكيفي‭ ‬الذي‭ ‬لايستند‭ ‬إلى‭ ‬عقل‭ ‬أو‭ ‬منطق‭. ‬ومن‭ ‬أحكامه‭:‬

أتوا‭ ‬إليه‭ ‬بجماعة،‭ ‬أمر‭ ‬بحلق‭ ‬لحاهم،‭ ‬وكان‭ ‬أحدهم‭ ‬لالحية‭ ‬له،‭ ‬فقال‭ ‬احلقوا‭ ‬لحية‭ ‬هذا‭ ‬الشرطي‭ ‬مكانه‭.‬

بينما‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الحرفيين‭ ‬يقوم‭ ‬بعمله‭ ‬ضرب‭ ‬أحد‭ ‬الناس‭ ‬ففقأ‭ ‬عينه‭. ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬العين‭ ‬بالعين‭ ‬والسن‭ ‬بالسن‭ ‬أمر‭ ‬قراقوش‭ ‬بأن‭ ‬تفقأ‭ ‬عين‭ ‬الحرفي‭  ‬وأمره‭ ‬بالمجيء‭ ‬بعد‭ ‬أسبوع‭. ‬وحان‭ ‬موعد‭ ‬تنفيذ‭ ‬الحكم‭ ‬فقال‭ ‬الحرفي‭ ‬لقراقوش‭ ‬أنا‭ ‬في‭ ‬عملي‭ ‬أستعمل‭ ‬عيني‭ ‬الإثنتين‭ ‬ولكن‭ ‬جاري‭ ‬وهو‭ ‬صياد‭ ‬لا‭ ‬يستعمل‭ ‬إلاّ‭ ‬عيناً‭ ‬واحدة،‭ ‬فأمر‭ ‬بإحضار‭ ‬الصياد‭ ‬ونفذت‭ ‬العقوبة‭ ‬به‭. ‬

لذلك‭ ‬يقال‭:  ‬مثل‭ ‬حكم‭ ‬قراقوش‭.‬

سنّمار‭ ‬والملك‭ ‬الغادر‭: ‬قالت‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬سنمار‭ ‬كان‭ ‬بارعاً‭ ‬في‭ ‬صنعة‭ ‬البناء‭ ‬وزخرفة‭ ‬القصور،‭ ‬فاستثمره‭ ‬أحد‭ ‬ملوك‭ ‬الحيرة‭ ‬في‭ ‬تشييد‭ ‬قصره،‭ ‬فكان‭ ‬بدعة‭ ‬من‭ ‬الجمال‭. ‬لما‭ ‬رأى‭ ‬الملك‭ ‬هذه‭ ‬الصنعة‭ ‬العبقرية،‭ ‬زهي‭ ‬بالصرح‭ ‬الأنيق،‭ ‬واستكبرت‭ ‬نفس‭ ‬الطاغية‭ ‬بأن‭ ‬سنّمار‭ ‬قد‭ ‬يصنع‭ ‬لغيره‭ ‬ما‭ ‬صنع‭ ‬له‭. ‬فسولت‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬الأثيمة‭ ‬أن‭ ‬يبطش‭ ‬بالفنان‭ ‬العبقري‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يبني‭ ‬مثيلاً‭ ‬له،‭ ‬فقام‭ ‬بقذف‭ ‬سنّمارمن‭ ‬أعلى‭ ‬قصره‭ ‬فوصل‭ ‬إلى‭ ‬الساحة‭ ‬حطاماً‭ ‬وأشلاء‭.‬

هنا‭ ‬أنكر‭ ‬العرب‭ ‬مجازاة‭ ‬الإحسان‭ ‬بالسوء،‭ ‬والخير‭ ‬بالشر،‭ ‬والنصح‭ ‬والإخلاص‭ ‬نكراناً‭ ‬للجميل‭ ‬وطغياناً‭. ‬وما‭ ‬صنعه‭ ‬الملك‭ ‬الغادر‭ ‬عمل‭ ‬بغيض‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬العرب‭ ‬يمثل‭ ‬الظلم‭ ‬والطغيان،‭ ‬وما‭ ‬سنّمار‭ ‬سوى‭ ‬شهيد‭ ‬لتلك‭ ‬الخصال‭ ‬الكريهة،‭ ‬وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬فضائل‭ ‬أصيلة‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬العرب‭ ‬بكرههم‭ ‬للطغيان‭ ‬والخيانة‭ ‬وهذا‭ ‬يمثل‭ ‬إحساسهم‭ ‬العفوي‭ ‬وطبعهم‭ ‬الصافي‭. ‬ومن‭ ‬الأمثال‭ ‬الشائعة‭: ‬وما‭ ‬جزاء‭ ‬الإحسان‭ ‬إلا‭ ‬الإحسان‭.‬

وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬التراثية،‭ ‬نذكر‭ ‬منها‭: ‬الظاهر‭ ‬بيبرس،‭ ‬علي‭ ‬الزيبق،‭ ‬الشاطر‭ ‬حسن،‭ ‬أشعب،‭ ‬أبو‭ ‬نواس،‭ ‬جحا،‭ ‬اليسار،‭ ‬أدونيس،‭ ‬عشتروت،‭ ‬دياب،‭ ‬بهلول‭ ‬المجنون،‭ ‬الغول،‭ ‬علي‭ ‬بابا،‭ ‬النمرود،‭ ‬أكثم‭ ‬بن‭ ‬صيفي،‭ ‬،‭ ‬الزير‭ ‬سالم،‭ ‬سيف‭ ‬بن‭ ‬ذي‭ ‬يزن،‭ ‬أبو‭ ‬زيد‭ ‬الهلالي‭...‬

شخصيات‭ ‬أنتجها‭ ‬الوجدان‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي‭ ‬وانتشرت‭ ‬بالطبع‭ ‬وكانت‭ ‬تدغدغ‭ ‬الذات‭ ‬المتعطشة‭ ‬لهذه‭ ‬القيم‭ ‬لتأكيدها‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تصبو‭ ‬إليها‭. ‬وهذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬والسير‭ ‬هي‭ ‬حلقات‭ ‬متداخلة‭ ‬ومنهج‭ ‬شعبي‭ ‬جاذب،إذ‭ ‬هناك‭ ‬بطل‭ ‬يعاونه‭ ‬أفراد‭ ‬ويمكن‭ ‬الاستعانة‭ ‬بقوى‭ ‬خارقة‭ ‬تشد‭ ‬الأزر،‭ ‬والهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬النجاح،‭ ‬وهم‭ ‬ينقسمون‭ ‬إلى‭ ‬شخصيات‭ ‬لها‭ ‬طابع‭ ‬سلبي‭ (‬أبورغال‭.....‬الخ‭)‬،‭ ‬وشخصيات‭ ‬لها‭ ‬طابع‭ ‬إيجابي‭(‬عنترة‭.......‬الخ‭).‬

هذه‭ ‬الشخصيات‭ ‬كانت‭ ‬موحدة‭ ‬للشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬وكانت‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تضفي‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬نتاجها‭ ‬المحلي،‭ ‬أو‭ ‬حسب‭ ‬الظروف‭ ‬المعاشة‭.‬

 

عادات‭ ‬وتقاليد

الكرم‭ ‬والضيافة‭: ‬من‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬تراثنا‭ ‬العربي،‭ ‬الكرم‭ ‬والضيافة،‭ ‬إذ‭ ‬عندما‭ ‬يحل‭ ‬أي‭ ‬وافد‭ ‬على‭ ‬مجتمع‭ ‬محلي،‭ ‬يستقبل‭ ‬ويكرم‭ ‬بحفاوة،‭ ‬بحيث‭ ‬يؤمن‭ ‬له‭ ‬المبيت،‭ ‬أي‭ ‬النوم‭ ‬والطعام،‭ ‬ويتم‭ ‬استقباله‭ ‬وبشكل‭ ‬متناوب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وجهاء‭ ‬المجتمع‭ ‬وذلك‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬ولا‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬طلبة‭ ‬أو‭ ‬حاجته‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭. ‬وهنا‭ ‬لايتم‭ ‬التركيز‭ ‬بالتعرف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الزائر‭ ‬وتحديد‭ ‬جنسيته،‭ ‬دينه،‭ ‬طائفته،‭ ‬مذهبه،‭ ‬عرقه‭......‬

السلام‭ ‬والتحية‭: ‬من‭ ‬بديهيات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬إلقاء‭ ‬التحية‭ ‬والسلام‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬وهي‭ ‬عبارات‭ ‬أو‭ ‬حركات‭ ‬للتواصل‭ ‬تختلف‭ ‬تبعاً‭ ‬لمتغيرات‭ ‬متعددة‭ ‬حسب‭: ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬والعمر‭ ‬والحالة‭...‬الخ‭ ‬والشائع‭ ‬عند‭ ‬معظم‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬التحية‭ ‬أو‭ ‬السلام‭ ‬تكون‭: ‬تفضَّل،‭ ‬حوِّل،‭ ‬ميِّل‭...‬الخ‭ ‬وقبل‭ ‬الرَّد‭ ‬على‭ ‬التحية‭ ‬بمثلها‭.‬

 

الحرف‭ ‬الشعبية‭ ‬ومجالها‭ ‬الجغرافي

كلنا‭ ‬يعي‭ ‬أن‭ ‬اليوم‭ ‬عصر‭ ‬العولمة،‭ ‬ونجد‭ ‬السلع‭ ‬والأفكار‭ ‬والخدمات‭ ‬تتدفق‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬ومتجاوزة‭ ‬للحواجز‭ ‬والحدود‭ ‬والقيود‭ ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬بالسابق،‭ ‬والهدف‭ ‬توحد‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وهذا‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬الخصوصيات‭ ‬الثقافية‭ ‬والتنوع‭ ‬الثقافي،‭ ‬وإحدى‭ ‬النتائج‭ ‬لهذه‭ ‬الحالة‭ ‬تطال‭ ‬الحرف‭ ‬التقليدية‭ ‬وتهميش‭ ‬الثقافات‭ ‬المصاحبة‭ ‬لها،‭ ‬انبرت‭ ‬دول‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬المنحى،‭ ‬وأصدرت‭ ‬تشريعات‭ ‬صارمة‭ ‬تقضي‭ ‬بحماية‭ ‬الحرف‭ ‬التقليدية،‭ ‬وتطويرها،‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬قيمها‭ ‬الإيجابية‭. ‬فأين‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الصراعات‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الحرفي‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬تقليدية‭ ‬موروثة‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬طويلة؟

من‭ ‬خلال‭ ‬دراساتنا‭ ‬الميدانية‭ ‬للحرف‭ ‬التقليدية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بوحدة‭ ‬الموروث‭ ‬الثقافي،‭ ‬نسجل‭ ‬ملاحظة‭ ‬أساسية‭ ‬لحرفتين‭:‬

نموذج‭ ‬حرفة‭ ‬الفخار،‭ ‬راشيا‭ ‬الفخار،‭ ‬منطقة‭ ‬العرقوب،‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان،‭ ‬ازدهرت‭ ‬هذه‭ ‬الحرفة‭ ‬قديماً،‭ ‬وكان‭ ‬مجالها‭ ‬الثقافي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬لبنان،‭ ‬فلسطين‭(‬انقطعت‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1948‭)‬،‭ ‬سوريا،‭ ‬وشمال‭ ‬الأردن‭. ‬هذه‭ ‬الحرفة‭ ‬هي‭ ‬لبنانية‭ ‬بالإسم،‭ ‬ولكن‭ ‬هي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬محيط‭ ‬ثقافي‭ ‬أوسع‭ ‬متخطيةً‭ ‬الحدود‭ ‬المصطنعة‭.‬

نموذج‭ ‬حرفة‭ ‬الأحذية،‭ ‬بنت‭ ‬جبيل،‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان،‭ ‬ازدهرت‭ ‬الحرفة‭ ‬وانتشرت‭ ‬على‭ ‬مجال‭ ‬جغرافي‭ ‬طال‭ ‬دول‭ ‬الجوار،‭ ‬توقفت‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬وبقي‭ ‬مجالها‭ ‬العربي‭ ‬مفتوحاً،‭ ‬فأقام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬بنت‭ ‬جبيل‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الأردن‭ ‬وفي‭ ‬سوريا‭ ‬رغم‭ ‬تغيُّر‭ ‬مهنة‭ ‬الأبناء‭. ‬أما‭ ‬تجارة‭ ‬الأحذية‭ ‬فإنها‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬الكويت،‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬قطر،‭ ‬ليبيا،‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الافريقية‭....‬الخ

 

الأسواق‭ ‬الشعبية‭ ‬والريفية‭: ‬نموذج‭ ‬سوق‭ ‬الخميس‭ ‬في‭ ‬بنت‭ ‬جبيل،‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان

إذا‭ ‬تكلمنا‭ ‬عن‭ ‬التجارة‭ ‬في‭ ‬بنت‭ ‬جبيل‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬ومنذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة،‭ ‬وهو‭ ‬سوق‭ ‬الخميس‭. ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬دوراً‭ ‬بارزاً‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للمدينة‭ ‬ذاتها‭ ‬وللمنطقة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وهو‭ ‬أكبر‭ ‬أسواق‭ ‬جبل‭ ‬عامل‭.‬

وهذه‭ ‬السوق‭ ‬هي‭ ‬حلقة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬اقتصادية‭ ‬دورتها‭ ‬منطقة‭ ‬جبل‭ ‬عامل،‭ ‬ومنطقة‭ ‬الجليل‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬ومنطقة‭ ‬حوران‭ ‬والجولان‭ ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الأسواق‭ ‬كانت‭ ‬تتنقل‭ ‬مداورة‭ ‬وطيلة‭ ‬أيام‭ ‬الأسبوع‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬وربما‭ ‬تعود‭ ‬نشأة‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬وهو‭ ‬عصر‭ ‬ذهبي‭ ‬عرفته‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬السوق‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشعوب،‭ ‬إذ‭ ‬تمثل‭ ‬عقلية‭ ‬واتجاها‭ ‬لا‭ ‬نجده‭ ‬عند‭ ‬الشعوب‭ ‬االبدائيةب‭. ‬فالسوق‭ ‬مظهر‭ ‬مدني‭ ‬يعدل‭ ‬شكلاً‭ ‬قديماً‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فهو‭ ‬مكان‭ ‬لتصريف‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬وشراء‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭. ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬تعقب‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬والاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬لتحسين‭ ‬أحوال‭ ‬الناس‭ ‬المعيشية‭. ‬وهو‭ ‬ضرورة‭ ‬من‭ ‬ضروريات‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

بفضل‭ ‬السوق‭ ‬ظهرت‭ ‬أماكن‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة‭ ‬شهرياً‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬أسبوعياً‭ ‬وتختفي‭ ‬بقية‭ ‬الأيام‭.‬ظاهرة‭ ‬السوق‭ ‬كانت‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬البلدة‭. ‬فالعامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬كان‭ ‬جاذباً‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬التي‭ ‬استقرت‭ ‬وسكنت‭ ‬فيها‭. ‬فإن‭ ‬موقع‭ ‬بنت‭ ‬جبيل‭ ‬الجغرافي‭ ‬أعطى‭ ‬أهمية‭ ‬للسوق،‭ ‬لأن‭ ‬البلدة‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬5‭ ‬كلم‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬وعلى‭ ‬بعد‭ ‬20‭ ‬كلم‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬حوران‭ ‬جنوب‭ ‬سوريا‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬طريقاً‭ ‬ومعبراً‭ ‬للقوافل‭ ‬تصل‭ ‬منطقة‭ ‬الجنوب‭ ‬اللبناني‭ ‬بشمال‭ ‬فلسطين‭ ‬وجنوب‭ ‬سوريا‭ ‬ثم‭ ‬الأردن‭. ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬جعل‭ ‬سوق‭ ‬الخميس‭ ‬ذي‭ ‬أهمية‭ ‬تجارية‭ ‬بارزة‭. ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬غياب‭ ‬التعرفة‭ ‬الجمركية‭ ‬والمراكز‭ ‬الثابتة‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬اللبنانية‭ ‬الجنوبية‭. ‬فالحدود‭ ‬مفتوحة‭ ‬والعبور‭ ‬سهل‭ ‬لقوافل‭ ‬االمكاريةب‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬بانتقالها‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭ ‬ابغال‭ ‬ـ‭ ‬حمير‭ ‬ـ‭ ‬جمال‭ ‬ـ‭ ‬خيل‭ ‬ا‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تنقل‭ ‬البضائع‭ ‬المتنوعة‭. ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬كالزيت‭ ‬والصابون‭ ‬والسكر‭ ‬والفلفل‭. ‬ومن‭ ‬الشام‭ ‬المنسوجات‭ ‬السورية‭ ‬والنحاسيات‭ ‬والحبال‭ ‬والمواشي‭ ‬والسمن‭. ‬وكذلك‭ ‬المنتجات‭ ‬اللبنانية‭ ‬كالتين‭ ‬المجفف‭ ‬والعنب‭ ‬والتبغ‭ ‬والأحذية‭. ‬هذه‭ ‬البضائع‭ ‬كانت‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬ليعاد‭ ‬بيعها‭ ‬وتصديرها‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

فالوافدون‭ ‬كانوا‭ ‬يأتون‭ ‬من‭ ‬أماكن‭ ‬بعيدة‭. ‬فهناك‭ ‬تجار‭ ‬من‭ ‬العريش‭ ‬وغزة‭ ‬جنوب‭ ‬فلسطين‭ ‬وهم‭ ‬تجار‭ ‬الخيل‭ ‬والجمال‭. ‬وكذلك‭ ‬تجار‭ ‬من‭ ‬الأردن‭ ‬ومن‭ ‬الشمال‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬حمص‭ ‬وحماة‭ ‬وحلب‭.‬

وقد‭ ‬عرف‭ ‬السوق‭ ‬تداخلاً‭ ‬تجارياً‭ ‬بارزاً‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬النقد‭ ‬المتداول‭ ‬كان‭ ‬بمختلف‭ ‬العملات‭: ‬الفلسطينية‭ ‬والسورية‭ ‬واللبنانية،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الصرَّافين‭ ‬المتجولين‭ ‬كانوا‭ ‬وحتى‭ ‬فترة‭ ‬الستينيات‭ ‬ينادون‭ ‬ا‭ ‬إللي‭ ‬معو‭ ‬سوري‭ ‬ـ‭ ‬إللي‭ ‬معو‭ ‬فلسطينيب‭.‬

وكان‭ ‬يقام‭ ‬السوق‭ ‬على‭ ‬بيادر‭ ‬البلدة‭ ‬الواسعة‭ ‬يضاف‭ ‬إليها‭ ‬الحقول‭ ‬المجاورة‭. ‬فالسوق‭ ‬بالماضي‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬طابع‭ ‬ريفي‭ ‬يقام‭ ‬في‭ ‬العراء،‭ ‬حيث‭ ‬تبنى‭ ‬الخيام‭ ‬وتنقل‭ ‬البضائع‭ ‬مساء‭ ‬الأربعاء‭ ‬لإعدادها‭ ‬وتوضيبها‭ ‬ليوم‭ ‬الخميس‭ ‬وبعد‭ ‬الظهر‭ ‬تعاد‭ ‬باقي‭ ‬السلع‭ ‬إلى‭ ‬مواقعها‭ ‬حيث‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية‭ ‬داخل‭ ‬البلدة‭ ‬القديمة‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬السوق‭ ‬مقسماً‭ ‬حسب‭ ‬السلع‭ ‬المعروضة‭. ‬سوق‭ ‬المنسوجات‭ ‬والألبسة،‭ ‬الخضار‭ ‬والفواكة،‭ ‬والأحذية،‭ ‬والصابون‭ ‬ومواد‭ ‬الغسيل،‭ ‬والأدوات‭ ‬الزراعية،‭ ‬والفخار،‭ ‬والحبوب‭ (‬الغلة‭)‬،‭ ‬والماشية‭ (‬الحافر‭)‬،‭ ‬واللحم‭ ‬والدجاج‭ ‬والسمك‭. ‬فالأسواق‭ ‬الشعبية‭ ‬الريفية‭ ‬هي‭ ‬ظاهرة‭ ‬ثقافية‭ ‬متكاملة،‭ ‬فالهدف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬هو‭ ‬الأساس،‭ ‬ولكن‭ ‬تناغم‭  ‬الثقافة‭ ‬الشعبية،‭ ‬حيث‭ ‬يمزج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بالسياسي‭ ‬بالثقافي‭ ‬بالعلمي،‭ ‬ولهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الثقافية‭ ‬دور‭ ‬ووظيفة‭ ‬مميزة‭  ‬وقد‭ ‬أدته‭ ‬لعدة‭ ‬قرون،‭ ‬والآن‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستفيد‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الماضي؟‭ ‬وإغناء‭ ‬وتطوير‭ ‬فكرة‭ ‬الأسواق‭ ‬الريفية‭ ‬الشعبية‭ ‬لإعداد‭ ‬أي‭ ‬خطة‭ ‬أو‭ ‬مشروع‭ ‬تنموي‭ ‬مستقبلي‭. ‬

ثقافة‭ ‬الغذاء

القهوة‭: ‬القهوة‭ ‬هي‭ ‬مادة‭ ‬منبهة‭ ‬ومنشطة‭ ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬سلعة‭ ‬تجارية‭ ‬عالمية‭ ‬،‭ ‬وبات‭ ‬احتساؤها‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬العادات‭ ‬اليومية‭ ‬لقسم‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬اللبنانيين‭ ‬كما‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية،‭ ‬بسبب‭ ‬مادة‭ ‬الكافيين‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬أحد‭ ‬مكوناتها‭ ‬الأساسية‭. ‬اوهناك‭ ‬تلازم‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬مادة‭ ‬القهوة‭ ‬مع‭ ‬عادة‭ ‬للضيافة،‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬أحد‭ ‬العناصر‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬الثقافات‭ ‬المحلية،‭ ‬وباتت‭ ‬القهوة‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬التواصل،‭ ‬وتعميق‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعيةب

ادخلت‭ ‬القهوة‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬نسيج‭ ‬بعض‭ ‬العادات،‭ ‬حيث‭ ‬تحول‭ ‬تقديم‭ ‬القهوة‭ ‬للضيوف،‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬إلى‭ ‬دلالات‭ ‬رمزية‭ ‬لقبول‭ ‬طلب‭ ‬أو‭ ‬رفضه،‭ ‬وإلى‭ ‬معيار‭ ‬يتم‭ ‬بواسطته‭ ‬تقييم‭ ‬أداء‭ ‬الفتيات‭ ‬قبل‭ ‬اختيارهن‭ ‬للزواج‭...‬ب‭.‬

أن‭ ‬ادخول‭ ‬القهوة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬مكونات‭ ‬الثقافة‭ ‬المحلية‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬بسبب‭ ‬انتشارها‭ ‬كمادة‭ ‬معروفة‭ ‬ومطلوبة‭ ‬لدى‭ ‬معظم‭ ‬الشعوب،‭ ‬فنجدها‭ ‬مادة‭ ‬أساسية‭ ‬وتتحد‭ ‬معظم‭ ‬الشعوب‭ ‬باعتبارها‭ ‬مادة‭ ‬غذائية‭ ‬منبهة،‭ ‬منشطة،‭ ‬أداة‭ ‬تواصل‭ ‬اجتماعي‭ ‬بامتياز‭. ‬كالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬فنجان‭ ‬قهوة،‭ ‬أو‭ ‬اللقاء‭ ‬على‭ ‬فنجان‭ ‬قهوة‭...‬الخ

الشاي‭:‬الشاي‭ ‬مادة‭ ‬منبهة‭ ‬ومنشطة‭ ‬كالقهوة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬كونها‭ ‬مادة‭ ‬غذائية‭ ‬ولها‭ ‬عاداتها‭ ‬وطرق‭ ‬تناولها‭ ‬المختلفة‭ ‬حسب‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تعتمدها،‭ ‬ولها‭ ‬وظائف‭ ‬اجتماعية‭ ‬مميزة،‭ ‬ويقال‭ ‬جلسات‭ ‬الشاي،‭ ‬حيث‭ ‬التقنيات‭ ‬والثقافة‭ ‬المميزة‭. ‬

المأكولات‭ ‬الشعبية‭ ‬اللبنانية‭:‬كالتبولة،‭ ‬الكبة‭ ‬النية،‭ ‬الفلافل،‭ ‬المتبلات،‭ ‬ورق‭ ‬االعريشب‭ ‬العنب‭ ‬والكوسا‭ ‬المحشي‭... ‬الخ‭ ‬هي‭ ‬مأكولات‭ ‬يجتمع‭ ‬في‭ ‬تناولها‭ ‬معظم‭ ‬اللبنانيين‭. ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نظيف‭ ‬مأكولات‭ ‬لها‭ ‬طابع‭ ‬لبناني‭ ‬وعربي‭ ‬كالمنسف‭ ‬والمغربية‭ ‬والملوخية‭ ... ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬ثقافتنا‭ ‬الغذائية

فنون‭ ‬الأداء،‭ ‬والقول،‭ ‬والقول‭ ‬المغنى،‭ ‬والموسيقى

الزجل‭ ‬اللبناني‭:‬‭ ‬يجتمع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللبنانيين‭ ‬ومن‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬على‭ ‬ترديد‭ ‬أشعار‭ ‬شعراء‭ ‬الزجل‭. ‬وأثناء‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬اللبنانية‭ ‬والانقسام‭ ‬العمودي‭ ‬للمجتمع،‭ ‬كان‭ ‬شعراء‭ ‬الزجل‭ ‬يطوفون‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬اللبنانية،‭ ‬يطرحون‭ ‬أفكارهم،‭ ‬وينتمون‭ ‬لمختلف‭ ‬الطوائف‭ ‬والمذاهب‭.‬

مع‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬لبنان‭ ‬الكبير‭ ‬ومع‭ ‬الاستقلال‭ ‬كان‭ ‬اللبنانيون‭ ‬منقسمين‭ ‬إلى‭ ‬قسمين‭: ‬إما‭ ‬الانضمام‭ ‬والوحدة‭ ‬إلى‭ ‬سوريا‭ ‬الكبرى‭ ‬أو‭ ‬البقاء‭ ‬ضمن‭ ‬الانتداب‭ ‬الفرنسي‭. ‬وكان‭ ‬لإحدى‭ ‬جوقات‭ ‬الزجل‭ ‬اللبناني‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬إقناع‭ ‬الناس‭ ‬بالاستقلال‭ ‬وهي‭ ‬جوقة‭ ‬شحرور‭ ‬الوادي،‭ ‬التي‭ ‬أقامت‭ ‬الحفلات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬اللبنانية‭ ‬وبشعار‭ ‬وطني،‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬الأثر‭ ‬الإيجابي‭.‬

أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العبثية‭ ‬اللبنانية‭ ‬بقي‭ ‬الثتائي‭: ‬ازغلول‭ ‬الدامورب‭ ‬جوزيف‭ ‬الهاشم‭ ‬وبأبو‭ ‬عليب‭ ‬زين‭ ‬شعيب،‭ ‬كتوأم‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬لبنان،‭ ‬وأقاموا‭ ‬صلة‭ ‬وصل‭ ‬مع‭ ‬المغتَرَبات‭ ‬وجمع‭ ‬شمل‭ ‬الناس‭ ‬ومن‭ ‬مختلف‭ ‬مشاربهم‭.‬

وأثناء‭ ‬الحرب‭ ‬كذلك‭ ‬علق‭ ‬أحد‭ ‬الصحافيين‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬بأن‭ ‬شعراء‭ ‬الزجل‭ ‬وحدوا‭ ‬اللبنانيين،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬إثر‭ ‬حفلة‭ ‬زجلية‭ ‬أقيمت‭ ‬هناك‭ ‬جمعت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الشاعرين‭ ‬الزجليين‭ ‬اللبنانيين‭: ‬خليل‭ ‬شحرور‭ ‬وطليع‭ ‬حمدان‭. ‬وعلق‭ ‬الصحافي‭ ‬بأن‭ ‬الجمهور‭ ‬التابع‭ ‬لمختلف‭ ‬التيارات‭ ‬السياسية‭ ‬اللبنانية‭ ‬حضر،‭ ‬صفق،‭ ‬وانفعل‭ ‬مع‭ ‬الأداء‭ ‬الزجلي‭ ‬المميز‭. ‬

فالزجل‭ ‬اللبناني‭ ‬والذي‭ ‬يمتد‭ ‬أداؤه‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬العربي‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭: ‬الحاضر،‭  ‬معاش‭ ‬الناس،‭ ‬فرحهم‭ ‬وأوجاعهم،‭ ‬آمالهم‭ ‬وآلامهم‭. ‬وتوحد‭ ‬شعراء‭ ‬الزجل‭ ‬قبل‭ ‬الخمسينيات‭ ‬بعصبة‭ ‬الشعر‭ ‬اللبناني،‭ ‬وبعدها‭ ‬بنقابة‭ ‬شعراء‭ ‬الزجل‭. ‬التي‭ ‬بقيت‭ ‬جسماً‭ ‬واحداً‭ ‬لم‭ ‬تفرقه‭ ‬التناحرات‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الطائفية‭ ‬أو‭ ‬الحزبية‭. ‬هذا‭ ‬دليل‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬هي‭ ‬عامل‭ ‬توحيد‭ ‬وتفرض‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬الواقع‭.‬

ونلاحظ‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬اللبنانيين‭ ‬يرددون‭ ‬كلمات‭ ‬إيليا‭ ‬أبو‭ ‬شديد‭:‬

الدني‭  ‬ورشــــــــــــةوترابــها‭ ‬كمشـــة‭ ‬

في‭ ‬تراب‭ ‬بعدو‭ ‬ترابوتراب‭ ‬عم‭ ‬يمشي

 

الإبداع‭ ‬الفني‭:‬‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التأليف،‭ ‬والتلحين،‭ ‬والغناء،‭ ‬والإخراج‭...‬الخ‭ ‬

هناك‭ ‬كوكبة‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬الذين‭ ‬ساهموا‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية،‭ ‬فقد‭ ‬ارتكزوا‭ ‬عليها‭ ‬ثم‭ ‬أبدعوا‭ ‬فيها،‭ ‬انطلقوا‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الناس،‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬والأرض‭ ‬وحفيف‭ ‬الأشجار‭ ‬وتغريد‭ ‬الطيور،‭ ‬فكان‭ ‬نتاجهم‭  ‬السهل‭ ‬الممتنع،‭ ‬صور‭ ‬كلماتها‭ ‬بسيطة‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬الجميع،‭ ‬ولكن‭ ‬اللوحة‭ ‬الإبداعية‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬السحر‭. ‬لوحات‭ ‬وحدت‭ ‬اللبنانيين‭ ‬أولاً‭ ‬وتابعت‭ ‬المسيرة‭ ‬إلى‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭.‬

نذكر‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭:‬الأخوين‭ ‬الرحباني،‭ ‬فيروز،‭ ‬نصري‭ ‬شمس‭ ‬الدين،‭ ‬زكي‭ ‬ناصيف،‭ ‬وديع‭ ‬الصافي،‭ ‬الأخوين‭ ‬فليفل،‭ ‬علي‭ ‬حليحل،‭ ‬فيلمون‭ ‬وهبة‭.....‬الخ‭ ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬توحد‭ ‬الجماعة‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬الأداء،‭ ‬كالدبكة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وأغاني‭ ‬الدلعونا،‭ ‬والعتابا‭ ‬والميجانا،‭ ‬والحدا،‭ ‬والحوربة،‭ ‬والندب‭.....‬الخ

المأثور‭ ‬الشعبي

والمأثور‭ ‬الشعبي‭ ‬حالياً‭ ‬وفي‭ ‬أي‭ ‬نقطة‭ ‬تاريخية‭ ‬محددة‭ ‬يشكل‭ ‬وحدة‭ ‬متجانسة‭ ‬متكاملة‭ ‬ومتماسكة،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬وجود‭ ‬لبعض‭ ‬الاختلافات‭ ‬إثر‭ ‬تراكمات‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭ ‬المتعاقبة‭ ‬والموغلة‭ ‬في‭ ‬القدم،‭ ‬ولا‭ ‬يمكننا‭ ‬إقامة‭ ‬الدليل‭ ‬وتحديد‭ ‬حدودها‭ ‬بدقة،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتعقب‭ ‬تاريخه‭ ‬المعروف‭ ‬وتحديده‭. ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬اعتماد‭ ‬المنهج‭ ‬التاريخي‭ ‬بالكشف‭ ‬عن‭ ‬أصول‭ ‬المأثور‭ ‬بأطواره‭ ‬مع‭ ‬النظرة‭ ‬التحليلية‭ ‬التشريحية،‭ ‬باعتبارأن‭ ‬الكيان‭ ‬الحاضر‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬متغير‭ ‬ومتطور‭ ‬عبر‭ ‬الحقب‭ ‬المتلاحقة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الاحتكاك‭ ‬بثقافات‭ ‬أخرى‭. ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬فإن‭ ‬منطق‭ ‬التحليل‭ ‬التاريخي‭ ‬يبين‭ ‬أثر‭ ‬استعارة‭ ‬الثقافة‭( ‬أي‭ ‬التثاقف‭)‬،‭ ‬وأن‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬مأثورنا‭ ‬لم‭ ‬ينشأ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬بالذات،‭ ‬بحيث‭ ‬تتداخل‭ ‬وتتشابك‭ ‬المادة‭ ‬الموروثة‭ ‬مع‭ ‬ثقافة‭ ‬أخرى‭. ‬وهنا‭ ‬يبرز‭ ‬دور‭ ‬الباحث‭ ‬بالكشف‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬بالتحول‭ ‬والمعالم‭ ‬المادية‭ ‬وغير‭ ‬المادية،‭ ‬لأن‭ ‬الظواهر‭ ‬الثقافية‭ ‬لاتبقى‭ ‬على‭ ‬حالها،‭ ‬بل‭ ‬يضاف‭ ‬عليها‭ ‬مدلولات‭ ‬جديدة،‭ ‬أو‭ ‬تخلع‭ ‬عليها‭ ‬وظيفة‭ ‬مغايرة،‭ ‬وهذا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التحول‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬يطرأ‭ ‬على‭ ‬الثقاقة‭ ‬الشعبية،‭ ‬ويكشف‭ ‬دينامية‭ ‬وشخصية‭ ‬شعب‭ ‬ما،‭ ‬وفهم‭ ‬التطور‭ ‬أو‭ ‬التغيير‭ ‬الذي‭ ‬يطال‭ ‬عناصر‭ ‬المأثور‭ ‬ك‭:  ‬الحكاية،‭ ‬العادات،‭ ‬المعتقد،‭ ‬الأزياء،‭ ‬الحرف،‭ ‬ثقافة‭ ‬الغذاء‭.......‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬وتفصيل‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬لإعطاء‭ ‬نظرة‭ ‬عامة‭ ‬وشاملة‭ ‬ومعرفة‭ ‬العوامل‭ ‬الداخلية‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬الوافدة‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭. ‬هذا‭ ‬يتطلب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬التحليل‭ ‬للمعطيات،‭ ‬فالثقافة‭ ‬الإنسانية‭ ‬لاتقاس‭ ‬بكثرة‭ ‬أو‭ ‬قلة‭ ‬العناصر‭ ‬التي‭ ‬استعارتها،‭ ‬بل‭ ‬مدى‭ ‬استعمال‭ ‬وتطويرتلك‭ ‬العناصر،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬تبرز‭ ‬أهمية‭ ‬هذه‭ ‬اللقاءات‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬والجامعات‭ ‬التي‭ ‬تدرس‭ ‬الثقافة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬،والثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬وتبدو‭ ‬هنا‭ ‬أهمية‭ ‬الدراسة‭ ‬الانتروبولوجية،‭ ‬والثقافية‭ ‬منها‭ ‬بالتحديد،‭ ‬لنعرف‭ ‬ونفهم‭ ‬ثقافتنا‭. ‬إذ‭ ‬نجد‭ ‬نقصاً‭ ‬معرفياً‭ ‬واستقصائياً‭ ‬لمختلف‭ ‬أوضاع‭ ‬الجوانب‭ ‬الثقافية‭ ‬للعصر،‭ ‬والبيئة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والميراث‭ ‬الفكري،‭ ‬والإبداع،‭ ‬والنقد‭. ‬بحيث‭ ‬نجد‭ ‬حالة‭ ‬عزل‭ ‬لهذا‭ ‬التراث،‭ ‬إما‭ ‬عن‭ ‬جهل،‭ ‬أو‭ ‬سابق‭ ‬تصور‭ ‬وتصميم‭. ‬فهل‭ ‬نجد‭ ‬تراثنا‭ ‬في‭ ‬المناهج‭ ‬المدرسية،‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المرئي،‭ ‬والمسموع‭ ‬والمكتوب؟‭  ‬إذ‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العملية‭ ‬نجد‭ ‬نقصاً‭ ‬وعلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬صعيد‭ ‬لعدم‭ ‬إبراز‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬التراثي‭. ‬فهناك‭ ‬قطع‭ ‬بين‭ ‬الجيل‭ ‬الحاضر‭ ‬وتاريخه،‭ ‬وكذلك‭ ‬لضآلة‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬تراث‭ ‬أنتجه‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬بسبب‭ ‬الإرهاب‭ ‬والحرق‭ ‬والتلف،‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وتحول‭ ‬الفكر‭ ‬إلى‭ ‬وجهات‭ ‬غريبة،‭ ‬بعدم‭ ‬رسم‭ ‬المجتمع‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬وعلى‭ ‬حقيقته‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬فهناك‭ ‬رشوة‭ ‬مكافأة‭ ‬لمن‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬ركب‭ ‬السلطة‭ ‬والحاكم‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬يتمرد‭ ‬يكون‭ ‬مصيره‭ ‬الإبعاد‭ ‬عن‭ ‬ساحة‭ ‬المجتمع‭ ‬والتاريخ‭ ‬معاً،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نجده‭ ‬والعواقب‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬الأفكار‭ ‬المتقدمة‭ ‬وأصحابها،‭ ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭: ‬إبن‭ ‬المقفع،‭ ‬إبن‭ ‬رشد،‭ ‬المعري،‭ ‬السهروردي،‭ ‬إبن‭ ‬خلدون،‭ ‬أبو‭ ‬حيان‭ ‬التوحيدي،‭ ‬الجاحظ،‭ ‬رفاعة‭ ‬الطهطاوي،‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الكواكبي‭...‬الخ‭ ‬

وهنا‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬لأن‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية،‭ ‬هي‭ ‬ثمرة‭ ‬كل‭ ‬ثقافة‭ ‬إنسانية،‭ ‬فهي‭ ‬هجين‭ ‬ومن‭ ‬ثقافات‭ ‬شتى‭ ‬وربما‭ ‬متباعدة،‭ ‬والضمير‭ ‬الشعبي‭ ‬لايميز‭ ‬بين‭ ‬العناصر‭ ‬المختلفة‭ ‬الداخلة‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭(‬جاهلية،‭ ‬هندية،‭ ‬فارسية،‭ ‬سريانية،‭ ‬فرعونية‭...) ‬فالظاهرة‭ ‬الشعبية‭ ‬مركبة‭ ‬معقدة،‭ ‬فالثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬ليست‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬جاهلية‭ ‬أو‭ ‬هندية‭ ‬أو‭ ‬فارسية‭ ‬أو‭ ‬سريانية‭ ‬أو‭ ‬فرعونية‭... ‬بل‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭. ‬فهناك‭ ‬عادات‭ ‬وفدت‭ ‬بعد‭ ‬دخول‭ ‬الإسلام‭ ‬أيام‭ ‬العثمانيين،‭ ‬الفاطميين،‭ ‬ومن‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاتصال‭ ‬بأوروبا،‭ ‬فالثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تمثل‭ ‬المعاش‭ ‬اليومي،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬الأصول‭ ‬والمصادر‭ ‬فإنها‭ ‬أصبحت‭ ‬على‭ ‬أرضنا‭ ‬وبيد‭ ‬أبنائنا‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬حياتهم‭ ‬المعاشة،‭ ‬فقد‭ ‬عاشت‭ ‬بينهم‭ ‬وعبرت‭ ‬عن‭ ‬ذواتهم‭ ‬وترجمت‭ ‬آمالهم‭ ‬وآلامهم،‭ ‬فهنا‭ ‬يجب‭ ‬ربط‭ ‬البعد‭ ‬التاريخي‭ ‬والجغرافي،‭ ‬أي‭ ‬البعد‭ ‬الزماني‭ ‬والمكاني‭ ‬بأبحاث‭ ‬واقعية‭ ‬علمية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬منحى‭ ‬شوفيني‭ ‬متعصب‭.‬

أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالآثار‭ ‬الجانبية‭ ‬للعولمة‭ ‬على‭ ‬ثقافتنا،‭ ‬كونها‭ ‬حركة‭ ‬اتصال‭ ‬ثقافي،‭ ‬والتي‭ ‬تشمل‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬اتساعه،‭ ‬فإننا‭ ‬أمام‭ ‬مشهدين‭ ‬مختلفين‭. ‬الأول‭ ‬يمثل‭ ‬ثقافة‭ ‬شعبية‭ ‬حاولنا‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬البحث‭ ‬أن‭ ‬نعرض‭ ‬وبشكل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مختصر‭ ‬للخصائص‭ ‬والدلالات‭.  ‬الثاني‭ ‬يشاهده‭ ‬معظم‭ ‬الناس،‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬حديثة‭ ‬ومتقنة‭ ‬للسينما،‭ ‬يعرض‭ ‬أنماطا‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬القيم،‭ ‬من‭ ‬السلوك،‭ ‬أساليب‭ ‬حياة،‭ ‬أساليب‭ ‬معيشة،‭ ‬مأكل،‭ ‬مشرب،‭ ‬إطلالة‭ ‬على‭ ‬منظومة‭ ‬متنوعة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭...‬الخ‭. ‬سيؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ردة‭ ‬فعل،‭ ‬إما‭ ‬متعاطفة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬النماذج‭ ‬أو‭ ‬رفضها،‭ ‬حسب‭ ‬اتفاقها‭ ‬واختلافها‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬نحمله‭ ‬من‭ ‬مخزون‭ ‬ثقافي‭. ‬ذلك‭ ‬سيترك‭ ‬أثرا‭ ‬متفاوتا‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬والشخصية‭ ‬وما‭ ‬نعتقد‭ ‬به‭ ‬ونمارسه‭ ‬من‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد،‭ ‬فالهوية‭ ‬ليست‭ ‬رؤية‭ ‬الذات‭ ‬بل‭ ‬تمجيد‭ ‬هذه‭ ‬الذات،‭ ‬عبر‭ ‬سلوك‭ ‬ظاهر،‭ ‬من‭ ‬يعتز‭ ‬بهويته‭ ‬الوطنية،‭ ‬يتمثل‭ ‬بالاعتزاز‭ ‬بالأرض،‭ ‬وما‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬ونظم‭ ‬وعادات‭ ‬وقيم‭ ‬ورموز‭ ‬والمشاركة‭ ‬بالإحساس‭ ‬بالفعل‭. ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الموقع‭ ‬نرى‭ ‬الآخر،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬والانتماءات،‭ ‬هنا‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬أغنية‭ ‬أو‭ ‬نشيد،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬فعل‭ ‬مسؤول‭.‬

يربط‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬بين‭ ‬العولمة‭ ‬وتصاعد‭ ‬التفاوت‭ ‬والتمييز‭ ‬في‭ ‬الأشكال‭ ‬الثقافية‭. ‬فالمجتمع‭ ‬الحديث‭ ‬يبرز‭ ‬التمايز‭ ‬المتصاعد‭ ‬بين‭ ‬الثقافات‭ ‬والثقافات‭ ‬الفرعية‭ ‬لا‭ ‬بالتجانس‭ ‬والتدجين‭ ‬المستمر‭ ‬وفقاً‭ ‬لمواصفات‭ ‬نموذجية‭ ‬موحدة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التنوع‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬التجزئة‭ ‬والتشتت‭ ‬بين‭ ‬الثقافات‭. ‬وهناك‭ ‬آراء‭ ‬بأن‭ ‬الثقافات‭ ‬المحلية‭ ‬بدأت‭ ‬بالتراجع‭ ‬أمام‭ ‬أشكال‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬الهجينة‭.‬

وبالمقابل‭ ‬تقع‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬ثقافة‭ ‬شعبية‭ ‬وتوجهات‭ ‬تعود‭ ‬جذورها‭ ‬إلى‭ ‬القديم‭. ‬ويكتسب‭ ‬الفرد‭ ‬بالوقت‭ ‬عينه‭ ‬ثقافة‭ ‬غريبة‭ ‬أو‭ ‬دولية‭ ‬ويمارس‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬وافدة‭(‬ملابس،‭ ‬هوايات،‭ ‬وسائل‭ ‬ترفيه،‭ ‬وسائل‭ ‬اتصال‭ ‬حديثة،‭ ‬مكننة‭ ‬متطورة‭...‬ألخ‭)‬

تطرح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخضم‭ ‬إشكالية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية،‭ ‬وهذا‭ ‬لايتم‭ ‬كأغنية‭ ‬شعبية،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتوفر‭ ‬الشروط‭ ‬الموضوعية،‭ ‬من‭ ‬هامش،‭ ‬للحرية،‭ ‬للعدل،‭ ‬المشاركة‭ ‬بكل‭ ‬المستويات‭ ‬وخاصة‭ ‬السياسية،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬التمثيل‭ ‬من‭ ‬الوحدات‭ ‬الصغرى‭ ‬وحتى‭ ‬التمثيل‭ ‬العام،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لايتم‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬متكاملة،‭ ‬لأن‭ ‬الهوية‭ ‬هي‭ ‬منظومة‭ ‬متكاملة‭ ‬تشكل‭ ‬تراث‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭.‬

وبالمقابل‭ ‬نسأل‭: ‬ماهي‭ ‬الأجهزة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بالتنشئة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الهوية؟‭ ‬

هي‭ ‬عدة‭ ‬مؤسسات‭ ‬اجتماعية،‭ ‬منها‭: ‬الأسرة،‭ ‬المدرسة،‭ ‬الجامعة،‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬على‭ ‬اختلافها،‭ ‬جماعة‭ ‬الرفاق‭...‬الخ

السؤال‭: ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬مازالت‭ ‬بخير؟‭ ‬لضمان‭ ‬حسن‭ ‬الأداء؟‭.‬

إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬عاجزة،‭ ‬فإن‭  ‬ذلك‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬هوية‭ ‬عاجزة‭. ‬لأن‭ ‬العولمة‭ ‬تدخل‭ ‬كالرياح‭ ‬والنوافذ‭ ‬والأبواب‭ ‬مفتوحة،‭ ‬فهل‭ ‬الهويَّات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التصدي؟

من‭ ‬الأساسيات‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬القضية‭ ‬الثقافية‭ ‬بإطارها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬،‭ ‬بحيث‭ ‬لايمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلب‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المهيمنة‭ ‬إعداد‭ ‬برامج‭ ‬ومواد‭ ‬ثقافية‭ ‬وإعلامية‭ ‬وإيديولوجية‭ ‬تتبنى‭ ‬قيمنا‭ ‬وترعى‭ ‬تراثنا،‭ ‬لكي‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬هويتنا‭. ‬إنتاجها‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬ثقافتها،‭ ‬ومع‭ ‬متطلبات‭ ‬وحاجات‭ ‬السوق،‭ ‬وتنتج‭ ‬علوم‭ ‬وتكنولوجيا‭ ‬وأساليب‭ ‬ترفيه‭ ‬بطابعها‭ ‬الخاص،‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتوقع‭ ‬غير‭ ‬ذلك؟‭. ‬

هل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تباكينا‭ ‬على‭ ‬هويتنا‭ ‬يسمع‭ ‬الصوت؟

هل‭ ‬بالإمكان‭ ‬إقفال‭ ‬النوافذ؟‭ ‬

المراجع

إبراهيم‭ ‬الحيدري،‭ ‬إتنولوجيا‭ ‬الفنون‭ ‬التقليدية،‭ ‬دار‭ ‬الحوار‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬اللاذقية‭ - ‬سوريا،‭ ‬1984

إبن‭ ‬منظور،‭ ‬لسان‭ ‬العرب‭.‬

أحمد‭ ‬تيمور‭ ‬باشا،‭ ‬الأمثال‭ ‬العامية،‭ ‬مركز‭ ‬الاهرام‭ ‬للترجمة‭ ‬والنشر،‭ ‬الطبعة‭ ‬الرابعة،‭ ‬القاهرة‭ - ‬مصر،‭ ‬1986

جابر‭ ‬عصفور،‭ ‬غواية‭ ‬التراث،‭ ‬كتاب‭ ‬العربي،‭ ‬وزارة‭ ‬الإعلام‭ ‬ذ‭ ‬الكويت،‭ ‬2005

جمال‭ ‬طاهر‭ ‬وداليا‭ ‬جمال‭ ‬طاهر،‭ ‬موسوعة‭ ‬الأمثال‭ ‬الشعبية‭ ‬العربية،‭ ‬وكالة‭ ‬سفنكس‭ ‬للفنون‭ ‬والآداب،‭ ‬القاهرة‭ - ‬مصر،‭ ‬2012

حسين‭ ‬نصار،‭ ‬الشعر‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي،‭ ‬دار‭ ‬الراتب‭ ‬العربي،‭ ‬الطبعة‭ ‬الاولى،‭ ‬بيروت‭ - ‬لبنان،‭ ‬1982

ر‭. ‬بودون‭ ‬و‭ ‬ف‭ ‬بوريكو،‭ ‬المعجم‭ ‬النقدي‭ ‬لعلم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬ترجمة‭ ‬سليم‭ ‬حداد،‭ ‬المؤسسة‭ ‬الجامعية‭ ‬للدراسات‭ ‬والنشر‭ ‬والتوزيع،‭ ‬الطبعة‭ ‬الاولى،‭ ‬بيروت‭ - ‬لبنان،‭ ‬1986

سمير‭ ‬شيخاني،‭ ‬قاموس‭ ‬الحكم‭ ‬والأمثال‭ ‬والاقوال‭ ‬المأثورة،‭ ‬مؤسسة‭ ‬عز‭ ‬الدين،‭ ‬الطبعة‭ ‬الاولى،‭ ‬بيروت‭ - ‬لبنان،‭ ‬1987

شوقي‭ ‬عبد‭ ‬الحكيم،‭ ‬موسوعة‭ ‬الفولكلور‭ ‬والأساطير‭ ‬العربية،دار‭ ‬العودة،‭ ‬الطبعة‭ ‬الاولى،‭ ‬بيروت‭ - ‬لبنان،1982

عبد‭ ‬الحميد‭ ‬يونس،‭ ‬الأعمال‭ ‬الكاملة،‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة،3‭ ‬مجلدات،القاهرة‭ - ‬مصر،‭  ‬2007‭.‬

عبد‭ ‬الحميد‭ ‬يونس،‭ ‬معجم‭ ‬الفولكلور،‭ ‬مكتبة‭ ‬لبنان،الطبعة‭ ‬الاولى،‭ ‬بيروت‭ - ‬لبنان،‭ ‬1983‭.‬

عصام‭ ‬محفوظ،‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬متمردي‭ ‬التراث،‭ ‬دار‭ ‬الريس،‭ ‬الطبعة‭ ‬الاولى،‭ ‬بيروت‭ - ‬لبنان،2000‭.‬

علي‭ ‬بزي،‭ ‬الحرف‭ ‬التقليدية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬أطروحة‭ ‬دكتوراه،‭ ‬الجامعة‭ ‬اللبنانية‭ ‬بيروت‭ ‬ذ‭ ‬لبنان،‭ ‬1996

علي‭ ‬بزي،‭ ‬توسع‭ ‬المدينة‭ ‬اللبنانية‭ ‬والعلاقة‭ ‬بين‭ ‬القديم‭ ‬والحديث،‭ ‬أطروحة‭ ‬دكتوراه،‭ ‬جامعة‭ ‬باريس‭ ‬7،‭ ‬باريس‭ ‬ذ‭ ‬فرنسا،‭ ‬1983

منير‭ ‬الياس‭ ‬وهيبة‭ ‬الخازني‭ ‬الغساني،‭ ‬الزجل‭ ‬تاريخه،‭ ‬أدبه،‭ ‬أعلامه‭ ‬قديماً‭ ‬وحديثاً،‭ ‬المطبعة‭ ‬البوليسية،‭ ‬حاريصا‭ ‬ذ‭ ‬لبنان،‭ ‬1952

هاني‭ ‬إبراهيم‭ ‬جابر،‭ ‬الفنون‭ ‬الشعبية‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬والمستقبل،‭ ‬الهيئة‭ ‬المصرية‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب،‭ ‬القاهرة‭ ‬ذ‭ ‬مصر،‭ ‬1997

أعداد المجلة