المولد النبوي بالمغرب طقوس واحتفال
العدد 20 - عادات وتقاليد
يعد عيد المولد النبوي أو الميلودية كما يطلق عليها في المغرب هي ذكرى إحياء ميلاد النبي محمد عليه السلام وتقام يوم 12 ربيع الأول من كل سنة.
تتعدد مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة وطقوس إحياء هذه الذكرى حسب المناطق المختلفة من العالم العربي.
الجذور:
بداية هناك نقاش فقهي بين من يوجز إحياء هذه الذكرى الآن، ومن يعتبرها من البدع وينهى عنها نظرا لعدم ثبوت إحياء هذه الذكرى لا في عهد الرسول الكريم أو على عهد الخلافة الراشدية، إنما جاءت هذه العادة وترسخت في عهد دول الإمارات التي كان هدفها ضرب الإسلام وإشاعة الرذائل وإبعاد المسلمين عن دينهم الصحيح. وهو ما اعتبره بعض مشايخ الإسلام من أسباب تأخر المسلمين أمثال «الشيخ رشيد رضا» صاحب «مجلة المنار» وكذلك المؤرخ «عبد الرحمن الجبرتي» في كتابه «عجائب الآثار». أما بخصوص بداية الاحتفال بهذه المناسبة فأغلب الإشارات ترجع ذلك إلى دولة الفاطميين العبيديين وهم من الباطنية الذين حكموا مصر ابتداء من القرن الرابع الهجري والذين كانوا يحيون ذكرى المواليد مثل «مولد علي» و»مولد فاطمة» و»مولد الحسن والحسين» وغيرها.
ومع استمرار ذكرى إحياء المولد التي ترسخت في المجتمعات العربية منذ القرن السابع الهجري، فقد وجدت هذه المناسبات دعما من لدن الاستعمار، فما أن حل نابليون بونابارت بمصر سنة 1789 حتى وجد أن هذه العادة قد اضمحلت بسبب التمويل، فقام بدعم هذه الاحتفالات وأمر بإحيائها بل شارك في الاحتفالات التي تقام بالمناسبة.
طبعا تختلف عادات وطقوس إحياء المولد النبوي حسب الأقطار ما بين المشرق والمغرب بل حتى بين مختلف المناطق داخل البلد الواحد.
ففي مصر مثلا والتي ترجح أغلب الدراسات أنها مهد ظهور عادة الاحتفال بذكرى مولد الرسول عليه السلام. والتي يتم إحياؤها بتنظيم حفل «موكب الحصان» الذي يعود إلى العهد الفاطمي وهو عبارة عن حصان مزين بأغطية مختلفة، يطوف معظم شوارع القاهرة حتى يصل إلى مشهد الحسين بن علي بالقاهرة، يشارك ضمن الموكب شيوخ الطرق الصوفية وفرق الموسيقى الطرقية.
يصاحب هذا اليوم لدى المصريين تحضير ما يسمى بـ«حصان المولد» و«عروسة المولد» من السكر وأشكال أخرى من الحلويات خاصة بالمناسبة.
ويكتسي الاحتفال بعيد المولد النبوي بدولة ليبيا أجواء مماثلة لباقي الدول العربية، حيث يتميز بخروج الأطفال والشباب حاملين للقناديل ومشاعل وهم يرددون الأناشيد وبعض الأغاني ذات العلاقة مع المولد المتواترة وهم يتحلقون حول مشعلة من النار وسط إحدى الساحات وطيلة يوم العيد تنطلق حفلات الأذكار والأوراد من طرف الزوايا الطرقية.
ومن جملة ما يتم ترديده من الأغاني[1]. هذا قنديل وقنديل فاطمة جابت خليل، هذا قنديل الرسول فاطمة جابت منصور، هذا قنديل النبي فاطمة جابت علي، هذا قنديل الميلاد فاطمة جابت يا اولاد، هذا قنديلك يا حوى من المغرب يشعل تهو، هذا قنديلك يا مونى يشعل بزيت الزيتونة.
هذا إضافة إلى استقبال هؤلاء الشباب من طرف ربات البيوت وهن يزغردن ويقمن برش ماء الورد وتستمر الحفلات طيلة سبعة أيام احتفاء بقدوم المولد النبوي.
الاحتفالات بذكرى المولد بالمغرب
بالنسبة للمغرب فإن عادة إحياء هذه المناسبة تعود إلى عهد الموحدين الذين حكموا المغرب ما بين 500 و620هـ، والذين عملوا على تخليد مناسبة المولد النبوي للتصدي لخطر المسيحيين في بلاد الأندلس والذين كانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح، ولكي لا يؤثر هذا التعظيم للمسيح على المسلمين عمل الموحدون على تخصيص ذكرى المولد النبوي باحتفالات تليق بمقام النبي عليه السلام، وفي هذا الإطار ظهرت قصائد شعرية في مدح النبي وتعظيم قدره([2]).
وقد تولع الخليفة الموحدي المرتضى بهذا الاحتفال، وأصبح «يقوم بليلة المولد خير قيام، ويفيض فيها الخير والإنعام» حتى وقف في حضرته ذات يوم الأديب
الأندلسي أحمد بن الصباغ الجذامي منشدا إحدى روائعه بمناسبة المولد النبوي
فقال في مطلعها:
تنعم بذكر الهاشــــــمــــي محمــــد
ففي ذكره العيش المهنأ والأنـــسُ
أيا شــــاديا يشدو بأمداح أحمـــــــد
سماعك طيب ليس يعقبُه نكـْــــس
فكررْ رعــاك الله ذكـــرَ محمـــــــد
فقد لذت الأرواح وارتاحت النفس
وطاب نعيم العيش واتصل المنـــى
وأقبلت الأفـراح وارتفــع اللبـــس
له جمـع الله المعانــي بأســـــرهـــا
فظاهره نــور وبـــاطنه قـــــــدس
فكل لـــه عـرس بذكـــــر حبيبـــــه
ونحن بذكر الهاشميِّ لنا عـــــرس
وما يزال أحد أبيات هذه القصيدة حتى الآن بمثابة لازمة يتملى بترجيعها المسمعون والمنشدون في حلقاتهم، وهو قوله:
وقوفا على الأقــــدام في حق سيــــد
تعظمه الأمــلاك والجن والإنــــس
تشير المصادر إلى أن يعقوب بن عبد الحق المريني هو أول خليفة احتفل بالمولد النبوي وأقام حفلا في فاس وأصدر ظهيرا ينص على اعتبار عيد المولد النبوي عيدا رسميا وبذلك تم تعميم هذا الاحتفال بالمغرب.
وقد ثبت أن الموحدين كانوا يحيون ذكرى المولد النبوي بحفلات القرآن والأناشيد والشعر.
ترجع أغلبية المصادر أن أسرة العزفيين من مدينة سبتة هي أول من احتفل بعيد المولد النبوي بمبادرة من قاضيها أبي العباس العزفي أحمد بن القاضي اللخمي العزفي السبتي المتوفى سنة 633/1236 صاحب كتاب الذر المنظم في مولد النبي المعظم وذلك على عهد الخليفة الموحدي عمر المرتضى الذي قام بإحياء الذكرى بمدينة مراكش[3].
ويقال بأن السبتي أراد من وراء الاحتفال بعيد المولد النبوي صرف المسلمين من سكان الأندلس وسبتة من الانجرار إلى المسيحية وذلك بمشاركتهم للمسيحيين في إحياء ذكرى مولد المسيح.
ومن القصائد التي أصبحت أكثر ترديدا وحضورا همزية أحمد شوقي
الاحتفالات بذكرى المولد بالمغرب والطقوس المرافقة:
في المغرب يتم إحياء هذه الذكرى بشكل متشابه بين مختلف مناطق المغرب مع خصوصيات واختلافات فيما بين المناطق المذكورة.
فمنذ حلول فاتح شهر ربيع الأول وإلى غاية يوم ميلاد الرسول أي يوم الثاني عشر من نفس الشهر تنطلق الاحتفالات والطقوس التي دأب المغاربة على إحيائها تعظيما لمولد الرسول الكريم. حيث يقام يوميا بكل المساجد بعد صلاة المغرب دروس في السيرة النبوية وسير الصحابة وفضائل الرسول على المسلمين، ترافق هذه الدروس بأمداح نبوية وتواشيح دينية تستمر هذه العادة إلى ليلة العيد حيث يقام حفل كبير في المسجد الأعظم بكل مدينة برعاية ممثلي سلطات الدولة والمنتخبين والعلماء ورجال الطرق الصوفية وعامة الناس.
ينطلق الحفل مباشرة بعد صلاة العشاء بترديد آيات قرآنية وأمداح نبوية، ثم يقوم الإمام بإلقاء خطبة قصيرة عبارة عن تذكير بالسيرة النبوية وسيرة الصحابة وفصل الرسول على المسلمين وفي إطار حديثه يذكر بحالة الناس قبل ولادة الرسول وكل الحاضرين جالسون حتى عندما يصل في سرده إلى اللحظة التي ولد فيها الرسول يقف الجميع مرددين الأبيات التالية:
وقوفا على الأقدام في حق |
|
سيد تعظمه الإنس والجن |
أيا مولد المختار مرحــــــبــا |
|
جئت بالأفراح في كل مشهد |
ويـــــا مــــوكـــــب العشـــــاق... |
يبقى الحضور واقفا ويستمر الإمام في سرده خصال الرسول متبوعة بالصلاة والسلام عليه مثل:
السلام عليك يا شفيع الخلق
ثم يردد الحضور
صلى الله عليك وعلى آله وسلم
السلام عليك يا سيد الأولين.
ويستمر الحفل إلى حين انتهاء الإمام من سرد سيرة الرسول ليعود الحضور للجلوس من جديد، ويُختم الحفل بالدعاء الصالح للجميع ويتم خلال هذا الحفل توزيع التمر والحليب وتطييب الفضاء بالعطور. وتصعد النسوة إلى السطوح ويزغردن.
وعند صلاة الفجر من يوم العيد يقام حفل آخر في جميع المساجد، ينطلق بقراءة الأمداح النبوية إلى غاية الوقت الذي ولد فيه الرسول عليه السلام أي قبل صلاة الفجر. ويستمر الحفل إلى ما بعد الفجر.
وفي يوم الاحتفال بالعيد يلبس الناس ثيابا جددا، وفي الإفطار تكون هناك حلويات وعجائن خاصة بالمناسبة، ترافق ذكرى عيد المولد حركة تجارية غير عادية حيث تكثر تجارة لعب الأطفال وكذلك تجارة الحلويات والعجائن والفواكه الجافة.
1- الميلودية:
خلال نفس الفترة أي ما بين فاتح ربيع الأول ويوم الثاني عشر منه تقام في البيوت احتفالات تخليدا لذكرى مولد الرسول الكريم تدعى «الميلودية»، هذه العادة المترسخة لدى المغاربة والتي يحرصون على إحيائها مثلها في ذلك مثل إحياء «حفل شعبانة» خلال شهر شعبان و»الإسراء والمعراج» خلال شهر رجب، إلى درجة أن المغاربة يطلقون إسم مولود وميلودة والميلودي على الأطفال الذين يتزامن ميلادهم مع أيام المولد النبوي.
يقام «حفل الميلودية» في البيوت من طرف بعض العائلات المحافظة والتي لها ارتباط بأوساط العلم والتصوف والمخزن أحيانا، وذلك محبة في هذا الرسول الكريم ومن جهة ثانية هي مناسبة لتجمع الناس، يقام هذا الحفل ببيوت أحد الأعيان، ويفتتح بآيات من القرآن ثم تلاوة الأمداح والمواويل، وكذلك سرد شذرات من حياة الرسول عليه السلام وتتخلل الحفل نفس مراحل الحفل الذي يقام ليلة العيد بالمسجد الأعظم ثم يختم. وللإشارة فإن حفل الميلودية يكون مناسبة الإحتفاء في البيوت خلال هذه الفترة، وفي حفلات معينة يقوم المحبون بالتشارك لإحياء حفل المناسبة.
الاحتفالات على المستوى الجهوي
ومازالت هذه العادة تحيى في معظم المدن الوطنية.
من جملة المدن المغربية ذات التميز في الاحتفال بعيد المولد النبوي، نذكر مدينة مكناس وهذا راجع بالأساس إلى كونها تحتضن ضريح أحد رجال الطرق الصوفية ويتعلق الأمر بالشيخ الهادي بن عيسى أو الشيخ الكامل شيخ الطريقة العيساوية والمتوفي سنة 1526م.
وقد دأبت الفرق العيساوية على إحياء موسم شيخها تزامنا مع حلول عيد المولد النبوي، وفي هذا الإطار تتوافد الفرق العيساوية على مدينة مكناس من مختلف مدن المغرب ويقيمون في الضريح وعلى مقربة منه في خيامهم، وذلك أياما قبل حلول يوم العيد وهو ما يطلق عليه (بحلال لعلامات) أي أن لكل قبيلة تشارك في الاحتفال علمها الخاص بها وفي يوم العيد ينطلق موكب الفرق العيساوية صوب الضريح على نغمات الطبوع العيساوية والأمداح والزغاريد ويستمر هذا الحفل لمدة ثلاثة أيام.
وفي مناطق الشاوية بالمغرب وهي من السهول الغنية ذات الطقوس الخاصة يتم الاحتفال بعيد المولد الذي يتميز بخصوصيات، على مستوى طعام الفطور حيث تقدم وجبات البغرير والمسمن للزوار وترافق طقوس العيد بالمنطقة إقامة حفل للتبرويدة أي ركوب الخيل أو الفروسية.
ومن الأغاني المتواترة عبر الذاكرة الشعبية والخاصة بعيد المولد بمنطقة الشاوية نسجل هذه المرددة نظرا لأهميتها([4]).
مَاتْ بَابَاه قبل جَدّو
بْـقات مينة حَامْلَة عَنْدُو
خَيَّـرْها في شي تبغيه
خَيّرْها ف قْبُبْ عَلاَّت
زْرابي وخْـيَــار هْـــنَـات
وَدّْها رَبّي بَلَـمْـلاكات
شيخْـهَا يَـحْـضَـر وَتْــلاَغِـيـه
قَالت لِيه يَا قُرَّة عينِــي
جيبْ لِـيَّ من تَــحْــسَــنِّـي
رَا الـجَــنـيـن قَرَّب مْجيه
رَا النبي غَـــيَّـــبْ خَـفْــتْ عليه
جَابْ ليها من يَــحْـسَـنْــهَـا
ما يْـدَخْــلُــوش الـنَّــسْـوَان عَـنْــدْها
غير لَـقْـرَابْ ليه
هـذي تَـحْــضَــر وهذي تْـغِــيــبْ
يَــرْضَــعْ غير صَـبْــعُ لـحْــبيبْ
بإذن الله يْـتَـقَــوَّت بيه
مَلِّــي جَــا سيدنا رَمْــضَـان
ما يَـبْــغِــي يَـرْضع كيف الصَّـبْــيَــان
سَــمْــعــت خْــبَـــارو ف كل بْلاَدْ
من الشام إلى بغداد
سمعت خبارو حليمة السعدية
قالت لزوجها
ساعدني نمشي للصبي نربيه
قالِّيـــهَــا يَا ديك الحمقه
بين عْــرَاكْ وْجُــوعَــكْ
حتى كْلامَــكْ ما يــبــغــيه
قالت ليه غير ساعدني نمشي
الدَّابة تَرْفَــدْ قَــشِّي
ما يْضرَّك جُوعي وْلاَ عَطْــشِــي
رَزْقي عند الله مْــكَــلَّــف بيه؟؟
رَكْـــبُـــو عْـلى الـبَــغْــلَــة باثْنينْ
كَـينظرو لرجليها
وْهِي طَايْرة بْجَنْحِيها
كَتْقُول يَا لْمُولَى تْلاقِينِي بِيه
مَلّي وْصَل زَوْجْها
قَاسْتُو الحَشْمَة دَار بجيه
خرج عبد المطلب
مَدْ لِـيــهْ كَسْوَة كَــتَــعْــجَــبْ
وْدَخْلَتْ حْليمَة عَنْد النّْبِي
فََْرفََــرْ بِيدِّيه
فْــرَح النبي بحليمة
وْحَــلْ فَــمُّــو بالتبسيمة
قاليه زوج حليمة نَــغْـــنِــيه
مْــلَـــبَّــسَاه رَدَّه وَقْـــمَـــجَّــه
مَا تَــعْــدَل بيه الحاجة
ما تحلب بيه الــنَّــعــجة
حليمة كانت ف لَـــوْطـــي
لبــسُــوها ليزار وْفُـــوطَــــه
حْلِيمَة كَانَتْ عَرْيَانَة
فَ الْحِين صَدْقت مزيانة
وَدّْها لَكْريم مُولاَنَا
بفْــضَــل النبي، صلُّو عْـــلِــــيــــه.
مواسيم الطوائف:
تتزامن مناسبة الاحتفال بعيد المولد النبوي مع الاحتفالات التي يقيمها رجال الطرق والطوائف، وهي احتفالات سنوية تحييها معظم الطرق الصوفية في المغرب ويتعلق الأمر بطائفة احمادشة وطائفة عيساوة.
هناك كذلك أكبر تجمع للطريقة البودشيشية يقام قرب مدينة وجدة بـ«مداغ» حيث مقر الزاوية، ويُقام موسمها السنوي في مناسبة المولد النبوي، وذلك عن طريق إقامة أنشطة ثقافية ودينية. وترديد مجموعة من الأوراد والقصائد الدينية التي تعبر عن المناسبة.
وفي هذا الإطار تجتمع فرق عيساوة من مختلف مناطق المغرب، ويقصدون ضريح شيخ طريقتهم «الهادي بنعيسى» في «مدينة مكناس» حيث يقام موسمهم السنوي وذلك خلال السبعة أيام بعد عيد المولد النبوي.
موكب الشموع:
- كما أسلفنا الحديث فإن إحياء هذه الذكرى يختلف حسب المدن والمناطق، فمدينة سلا المغربية التي تقع على ضفاف نهر أبي رقراق والتي نهلت من تراكم حضارات مختلفة من الرومان ومن الأندلس وغيرها تتفرد بإحياء هذه الذكرى بإقامة حفل مشهور أصبح صيته يدوي في مناطق المعمور. ويتعلق الأمر بـ«موكب الشموع».
يعتبر حفل «موكب الشموع» متجذرا في تاريخ المدينة والذي يعود الاحتفال به لأول مرة خلال العهد السعدي، ذلك أن السلطان السعدي أحمد المنصور كان قد حضر احتفالات العثمانيين بذكرى المولد النبوي وأعجب باستعراض الشموع الذي كان فقرة من فقرات حفل إحياء الذكرى باسطمبول.
وبعد توليه عرش الدولة السعدية قام أحمد المنصور بإعطاء أوامره لإقامة موكب للشموع على نفس الطريقة التي شاهدها في إسطمبول حيث تم تطريز وزخرفة الشموع من حجم كبير وأشكال هندسية مثيرة، وكان هذا الموكب يطوف مدينة مراكش إلى أن يصل إلى القصر الملكي، وحسب بعض المصادر كان هذا الموكب يرافقه أهل الحضرة، وفي يوم سابع الميلاد يذهب بتلك الشموع إلى ضريح المهدي بالله والد السلطان.
هذه العادة التي أصبحت من أبرز مظاهر الاحتفال بعيد المولد النبوي لم تقتصر على مراكش حيث وجود الخليفة، بل كان نفس الحفل يقام بمدينة فاس حيث خليفة السلطان وكذلك في بقية المدن المغربية مثل سلا وغيرها.
بعد وفاة الخليفة أحمد المنصور لم يبق أثر لموكب الشموع بمراكش وفاس. وفي العهد العلوي سنة 1142هـ شهدت مدينة فاس العتيقة موكبا من أكابر الجيش يصعد إلى فاس الجديد ومعهم الشمعة التي تصنع ليلة للمولد الكريم، حيث قدموها إلى السلطان مولاي عبد الله بن أبي الفداء ووقعت منه الموقع الحسن، ودخل ذلك ضمن علامات سكان فاس وعند نهاية الحفل كانت الشموع توضع في بعض الأضرحة مثل ضريح سيدي أحمد الشاوي بطالعة فاس، وخارج باب معروف، لكنه استمر موكب الشموع بمدينة سلا بعناية أحد أقطاب الطريقة الجزولية الشاذلية الشيخ عبد الله بن حسون (920هـ-1013هـ) صاحب الزاوية المشهورة بمدينة سلا، الذي عمل على رعاية هذا التقليد وإضفاء بعض السمات المغربية عليه مثلا إعطاء الشموع شكل مآذن على الطراز المغربي أي مربعة الشكل.
ومنذ تلك الفترة غدت هذه الأسرة هي المحتضن الرئيس لموكب الشموع تقوم بإعداده وإخراجه مما ضمن له الاستمرار إلى أيامنا هذه وأضحى مهرجانا عالميا ذا أبعاد على جميع المستويات.
مراحل إعداد موكب الشموع:
هذا الحفل يتطلب إعداده اعتمادات مالية مهمة يمول جزء مهم منها من مداخيل الأملاك الحبسية والأوقاف التي وهبها الشيخ عبد الله بن حسون وأحفاده لفائدة هذا الموكب، وحاليا هناك مساهمات أخرى عبارة عن هبات من لدن وزارة الثقافة والأوقاف ومجلس مدينة سلا وتبرعات المحسنين.
وقبل شهر على موعد الاحتفال يتم نقل هياكل الشموع من ضريح سيدي عبد الله بن حسون إلى منزل أحد العائلات السلاوية العريقة التي تتكلف بصناعة الشموع وزخرفتها، وقد كان يضطلع بهذه المهمة كل من عائلة شقرون وعائلة حركات والآن عائلة بلكبير.
إن تقديم الشموع بالشكل الذي تعرض به في الحفل يقتضي المرور عبر ثلاث مراحل أساسية، وهي عملية طهي الشمع الخام ثم إفراغه في قوالب خشبية على شكل منابر مربعة الشكل ثم تنزع من القوالب وتصبح مجسمات وتأتي عملية صباغة الشموع بالألوان المختلفة ثم يتم تثبيت وتلصيق الأشكال المصنوعة على هياكل خشبية مغلفة بالورق الأبيض.
استعراض موكب الشموع:
يولي سكان مدينة سلا أهمية بالغة لهذا الموكب حيث تقوم فعاليات المجتمع المدني بتنظيف مسار الموكب ودعوة المشاركين وتهييء أنشطة أخرى تقام على هامش الحفل الرئيس.
العناصر المشاركة في الموكب تتكون من حملة الشموع الذين هم من المريدين حيث نجد الفلايكية والطبجية، وهو تقليد قديم يقصد به تمجيد رجال البحرية على جهادهم في حراسة شواطئ البلاد وهؤلاء لهم علاقة بتاريخ مدينة سلا الجهادي ثم نجد أبناء العائلات السلاوية يحملون هذه الشموع بطرق محكمة أنيقة بلباسهم التقليدي الذي يعرف بـ«المحصور». «الجبدور المنصورية».
ويرافق الموكب الشرفاء الحسونيون وأصحاب الطرق والأجواق الموسيقية، التي تمكن حملة الشموع من أداء ما يسمى بـ «رقصة الشموع» الأنيقة التي تمتع الجماهير.
ينطلق موكب الشموع من دار الصانع بباب سبتة ثم يقطع مجموعة حومات داخل المدينة التقليدية ليصل إلى باب المريسة، حيث تقام على مقربة منها بساحة الشهداء المنصة الرسمية التي تشهد وجود حشود كبيرة من الزوار والمحبين ثم يستمر الموكب في طريقه إلى دار الشرفاء الحسونيين، حيث يختم الحفل وتنتقل الشموع إلى ضريح سيدي عبد الله بن حسون في انتظار السنة المقبلة.
على هامش هذا الموكب تقام بعض الأنشطة الثقافية كالمحاضرات، والأنشطة الاجتماعية كتنظيم حفل إعدار جماعي للأطفال وكذلك أنشطة ترفيهية فنية أهمها، إقامة حفل عشاء وحفل رقصة الشمعة على نغمات الموسيقى الأندلسية، وكذلك بحضور كل أنواع الموسيقى الطرقية والأمداح النبوية وغيرها.
خلاصة:
إن المتتبع لحفل موكب الشموع، يلاحظ بأن هذه المناسبة الاحتفالية قد بقيت حكرا على مدينة سلا فقط، وذلك راجع لكون هذه المدينة ظلت ومازالت تحتفظ على جزء كبير من ذاكرتها، وهي بذلك تساهم في صيانة وترميم جزء من التراث الوطني والهوية المغربية.
ومع ذلك مازال ينتظر من الساهرين على الشأن العام العمل على مأسسة مثل هذه الاحتفالات المناسباتية، وربطها بالخصوصيات الحضارية الوطنية وجعلها قناة تواصلية مع الآخر.
مصـادر ومـراجـع:
- نافع فطيمة: بعض خصائص المدينة والمجال بسلا القديمة الدور الاجتماعي والثقافي لموكب الشموع، الملتقى الوطني السادس للباحثين في جغرافية المدن حول موضوع: المدينة المغربية العتيقة إشكاليات الحاضر وتحديات المستقبل تنسيق أقوضاض. كلية الآداب والعلوم الإنسانية، شعبة الجغرافية، مراكش.