فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

أهازيج الزواج ومعتقداته الشعبية تاريخ وذاكرة

العدد 20 - عادات وتقاليد
أهازيج الزواج ومعتقداته الشعبية	تاريخ وذاكرة

يخصص الباحث الأستاذ أديب قوندراق في كتابه القيم والذي بعنوان :

 - السقيلبية تاريخ وذاكرة -

الصادر عن دار عكرمة بدمشق الحديث في الفصل الرابع عن العادات والتقاليد،والتي يعلل فيها الكاتب ما أراد بقوله:إنني وبعد اطلاعي على أنماط عديدة من فلكلور الأعراس لمناطق كثيرة في سورية ولبنان وفلسطين

ولم أجد غنى يضاهي ما لدى أبناء السقيلبية، والسبب حسب ما أرى - والكلام للباحث - أن أبناء السقيلبية جاؤوا من بيئات طبيعية واجتماعية متعددة ومتنوعة،وكل جماعة حملت معها إلى موطنها الجديد إرثها الخاص من تراث وفلكلور،فانصهرت النماذج الكثيرة  وتفاعلت بعضها مع بعض مكونة تراثا ً غنيا ًيشمل إرث المناطق الجبلية والسهلية والساحلية، كما اكتسبوا  واستخدموا تراث من جاورهم من أصول بدوية.

وينتقل الكاتب ليتحدث عن الزواج مفاهيم وقيم،وبعدئذ عن عرس السقيلبية عرس الضيعة حيث يقول :

كانت براعم المحبة تتفتح في قلوب شبابنا وشاباتنا كما تتفتح أزاهير الحقول،وكان الحب يولد إما في الحقل أثناء العمل الزراعي أو على البيادر التي كانت بمثابة مسرح تمارس عليه مختلف الفنون الشعبية،أو أثناء عمليات دق التنور أو الطين (تبييض الجدران بالحوارة) أو التتريب ( نقل الأتربة إلى أسطح المنازل المنشأة حديثا ً) أو على درب العين مع مشاوير المساء حيث كانت الصبايا تتزين بأجمل فساتينها،مع شكة من ورود تشرينية تتعانق مع قطفات الحبق واللمام تحت القمطة  - العصابة - على جانبي الوجه،وكن يحملن جرارهن إلى العين - عين الورد - وخلال المشاوير على درب العين يتم الاختيار،لكن حديث الشاب مع الفتاة بصورة مباشرة هو من الأمور غير المستحبة وغير المسموح بها، لأنها تقابل بالقيل والقال وبالاستهجان والرفض، وإذا حدث وتكلم شاب مع مختارته ورآه أحد أقرباء الصبية، كان يقع مالا يحمد عقباه من شجار وقتال ومنازلة تكلف غالياً، لذا كان الشاب يتحدث إلى من وقع اختياره عليها بطريقة غير مباشرة عن طريق الوسيط أو السمسار،والوسيط عادة فتاة تربطها بالصبية العاشقة علاقة قربى أو صداقة أو جوار، ومن خلال هذا الوسيط يتفق الطرفان بعد أن يكونا أعربا كل منهما عن حبه وقبوله للآخر،واللغة الوحيدة المسموح باستخدامها آنذاك هي لغة العيون والأجفان والإشارات اللطيفة الخفيفة وشبه الخفية،وبمجرد حصل الشاب على علم بحب الصبية له كان يقدم إلى إعلام أهله لأخذ موافقتهم ونيل رضاهم ومباركتهم أولا ً، ويتفق معهم على إرسال خبر إلى أهل العروس مع الوسيط مفاده أن أهل الشاب الفلاني - بيت فلان - يرغبون الحضور إلى طرفكم ليخطبوا ابنتكم فلانة إلى ابنهم فلان،والعادة أن يتريث أهل الصبية بضعة أيام قبل إعطاء الموافقة على مثل هذه الزيارة،ليتاح لهم التشاور والمشاورة وإعلام من يجب إعلامه من الأقرباء،وعادة يستشير أهل الصبية ابنتهم ويدلون لها النصح،فإذا تمت مباركة أهل الصبية وأقربائها للعريس المرشح للزواج من ابنتهم أعلموا السمسار بقولهم: ليتفضل أهل الشاب بالزيارة، ويتم الاتفاق على موعد محدد.

ماذا يحدث خلال المشاورة والخطوبة ؟

يوضح هذا الباحث الأديب قوندراق بقوله :  يستدعي والد العريس جميع أقربائه الكبار في السن - الذكور - فقط ( الجد - العم - الخال - الأخوة الكبار - ووجهاء العائلة - ) يذهبون ليلا ً على ضوء اللكس الصيني أو الألماني لعدم وجود الكهرباء في تلك الأيام، وعادة ما يكون اللكس مستعاراً من بيت منعم عليه ومترف لأنه كان يعتبر دليل ترف وجاه.

يتجه موكب الخطابة قاصدين بيت أهل العروس الذين بدورهم يستقبلون الموكب بالترحيب والتأهيل، وبعد السلام وتبادل التحيات وعبارات المجاملة والمديح كل ٌّ بالطرف الآخر تمهيدا ً للدخول في بيت القصيد.. يسود صمت قصير وينبري كبير القوم  الخاطبين متوجها ً بكلامه إلى والد العروس قائلا ً : يا سيد أبو فلان نحن طالبين القرب منكم ويشرفنا الانتساب إليكم،نحن جايينكن بوجاهة لنطلب يد ابنتكم فلانة لولدنا فلان فما هي طلباتكم ؟ وما هو النقد الذي تطلبونه ؟ وكانت العادة أن يطلب والد العروس (مائة ليرة ذهبية أو خمس وسبعون أو خمسون ليرة ذهبية ) عصملية - رشادية - أو فرنساوية أو انكليزية وذلك حسب إمكانية الوضع الاجتماعي والاقتصادي والمادي لأهل العريس.

والنقد هو في الحقيقة رأسمال ذهبي يقدم إلى العروسين من أجل تأسيس مستقبلهما الزوجي، فإذا كان والد العروس في ضائقة أو غير ميسور الحال يعتمد على النقد في تجهيز ابنته بما تحتاج إليه من لباس وصندوق وصيغة ( الشبكة )، وإذا كان والد العروس ميسوراً يقدم لابنته من الذهب مبلغا ً لا يقل عما يقدمه والد العريس، وقد يزيد في إكرام ابنته ويهديها الصندوق، المدب الحريري وفرشات من الصوف وبعض ما يلزم البيت من أثاث.

وتنتهي المشاورة باتفاق الطرفين على تحديد مواعيد الحني والعرس،وانتهاء المشاورة يعني أن الخطوبة قد تمت، ويحق للعريس الدخول إلى بيت أهل خطيبته، وأن يلتقي مع عروسته ليخططا لفرحتهما - يوم عرسهما - وفترة الخطوبة لم تكن طويلة وقد تتراوح ما بين الشهر والثلاثة أشهر على الأكثر، وأعراس السقيلبية كانت تقام خلال شهري تشرين الأول وتشرين الثاني، بانتهاء موسم الحصاد والقطاف وجمع الغلال والمؤونة.

وفي يوم الخميس الذي يلي المشاورة يذهب العريس وأمه وبعض أخواته والعروس ومعها أمها أو إحدى أخواتها إلى مدينة حماة لشراء احتياجات العرس - الصندوق - وهو خزانة مستطيلة لها غطاء يتحرك عموديا ً يصنع من خشب الجوز ويطعم بالصدف والموزاييك والمرايا مع تقطيعات خشبية بسيطة على أحد جوانبه من الداخل - ويشترون كل ما تحتاجه العروس من ملابس وأدوات وزينة وبدلة للعريس والحناء والشموع، ويكون التجهيز منسجما ً مع الحالة المادية لأهل العريس، وبعد الانتهاء من شراء ما يلزم يرسل العريس خبرا ً إلى ذويه في السقيلبية يعلمهم أنه سيرسل الصندوق في الوقت الفلاني، وفي الوقت المحدد يمضي أهل العروسين وجملة الأصدقاء لملاقاة جهاز العرس خارج الضيعة وعلى مسافة قد تصل إلى خمسة كيلو مترات، يحمل الصندوق على ظهر دابة يعتنى بتزيينها كما يعتنى بتزيين السيارات هذه الأيام، ويسير موكب الفرح على صوت الطبل والمجوز،ويرقص الشباب وبأيديهم تتمايل أعواد الخيزران، والصبايا يغنين ويزغردن وهكذا إلى أن يصلوا إلى بيت العروس، حيث يوضع الصندوق والحاجيات الجديدة التي ستنقلها العروس معها إلى بيت أهلها والغناء المرافق لجهاز العروس مثل هذه الأهازيج :

يا جايين من بلد الشمالي 

 واشو  قاصدين من الرحال ِ

 

ونحنا اللي قاصدينو    

   سخي الكف ودباح الحيال ِ

 

ويدبحها ولا يندم عليها

   ويتكي اللخ ولو كانت حبالي.

والحيال : البقرة أو النعجة حديثة الولادة.

واللخ : تعني الأخرى .  

نحنا جينا من ديري لديري 

نحنا خدنا بنت هالعشيرة

 

نحنا خدنا هالبنت من أهلا 

بتسوى قليع الشام والجزيرة.

 

وقليع : جمع بالعامية لكلمة قلعة.

دلال يا دلال يا دلالها

  دللها للحلوة وزيد دلالها

 

لروح للصايغ واكسر إيدو

 صاغلها الحلق ولسا ماهيالها.

ما هيالها : ما أنجز عمله.

ومما يغنى أيضا ً :

غربي دارنا حبقة ولمَّامي

وشرقي دارنا ربطوا الكحيلي

 

وشمالي دارنا حلقوا للعريس

ويلي يا يما كسروا لضهيري.

حبقة ولمامي : نوعين من النباتات العطرية لم تكن تخلو منهما دار في السقيلبية.

 

ويتابع الموكب الغناء الجميل والأهازيج إلى أن يصل دار أهل العروس فتغني الصبايا باسم العروس :

يا أمي خبيني حس البنت بالدار

يا بنتي لا تخافي ولا تكوني خوَّافي

بيك دهب صافي مطلع شاي وسكر.

 

وفي صباح يوم السبت يحضر رفاق العريس فرسا ً أصيلة يمتطي العريس صهوتها ويسحب أحدهم عنانها ويمضي الآخرون بموكب فرح، يغنون ويزغردون وهم في الطريق إلى منطقة البيادر، حيث يكون حلاق الضيعة بالانتظار، يجلس العريس فوق كرسي مرتفع، ويأخذ الحلاق في قص شعر العريس ولحيته والصبايا تغني وتهزج:

حلاق واحلق للعريس بالسوا

يا كحل عينو من حلب مشترى.

 

وتتقدم أخت العريس أو واحدة من قريباته أو بنات عمه وتغني بين يديه المطلوع التالي :

يا سيد العريس يا عيني ويا روحي

خصرك رقيق وسط السرج بيلوحي

 

قتيل القتلتو ع درب الشام مطروحي

وهادي شجاعة للحكام بتروحي.

 

وتتقدم صبية ثانية لتقف أمام العريس وتنشده قائلة:

مبارك يا عريس كل شي عملنالك

                   ومباركة بدلتك وزرار قمصانك

وتزغرد الصبايا لو لو لو لو لوش.

 

الحني :

مساء يوم السبت تعجن الصبايا الحناء فوق طبق من النحاس السميك المزخرف يسمى : الصينية أو الطبسية، ويمزج بأنواع العطور والطيب وتنثر فوقه أوراق الورد بشكل أنيق ويزين بقطفات من الحبق واللمام، وتصطف الشموع الملونة على داير مدار الصواني المزينة،وتتقدم كوكبة من الصبايا وقد لبسن أجمل الحلي ليحملن صواني الحناء وفوقها الشموع المشتعلة فوق راحات أكفهن ويمضين بموكب هو آية في الروعة والجمال،قاصدات بيت أهل العروس، وهناك يكون العريس وبعض أصدقائه وأقربائه ينتظرون وصول الموكب، وعند الوصول تتقدم سبع من العذارى يتولين وضع عجينة الحناء بشكل أنيق على شعر العروس وفوق ظهر وراحة كفها، وحول الأصابع العشر حتى الرسغ، كما يوضع الحناء على قدمي العروس حتى بداية الساق، ويزخرف الحناء عادة بوضع نقاط أو خيوط من مذوب شمع العسل لرسم أشكال وزخارف جميلة، وبعدها يتقدم رفاق العريس ويخضبون كفيه أو بعض من أصابع الكف، ويخضب كل شاب كفه وهذا يعني أنه قد تطوع ليكون من المعازيم،

 وكل ذلك وسط جو من الأغاني والأهازيج والفرح حيث ينشد الجميع شبابا ً وشابات :

حنيت كفي وما حنيت دياتي

                  يا مطيب النوم بحضين البنيات ِ

صحني البنيات لا تاخد عشيرتنا

                  يا شجرة العز لو مالت وخالتنا

يا وليد عمي ويا تطريز منديلي

                      يا شمع مكي ويا ضو القناديل ِ

لمشي ع ضوكم بلكي الرب بيدعيلي

                وشبهت ضوكم لقمرات تشريني.

 

وينفرد صوت الشباب بغناء هو من ضرب خاص يعرف في السقيلبية باسم (( الحروبي ))، أي ما يغنى في أوقات الحروب والمنازلات القتالية، وبصوت رجولي جماعي تنطلق من حناجر الشباب مطاليع تحدث نقلة نوعية ومؤثرة :

لا تدحم السور يا وال       

   والسور خلفو رجالو

 

واليدحم السور يا وال      

    ينحرم شوفة عيالو.

 

ويا نسر يا شايب الراس  

     مالك على الجوع قوة

 

وإن كان مأكولك لحم ضان  

 دونك العريس راعي المروة.

 

وعندما ينقضي حفل الحناء يعود العريس وصحبه إلى داره بحراسة مشددة من قبل الأصدقاء حملة أعواد الخيزران، وفي الطريق تتعرض له جماعة من الشباب وتقوم باختطافه من بين يدي أصدقائه ويأخذونه عنوة إلى بيت أحدهم (( الخاطفون عادة هم من الأصدقاء المقربين جدا ً من العريس لكنهم يقدمون على اختطافه ليحل عليهم ضيفا ًمعززا ًمكرما ًويبقونه لديهم حتى صباح اليوم التالي موعد إكليله ولا يطلقون سراحه إلا بعد حصولهم على وعد من والد العريس بتقديم  (( خلعة )) هدية قيمة أو ذبيحة محرزة.

 

ثم يتحدث الباحث الأستاذ أديب قوندراق عن مشاركة القرى المجاورة وهداياهم التي يصطحبونها معهم من خراف ورز وسكر وفريكة وتين وعنب مجفف تعبيرا ً عن المشاركة الحميمية لأهل العريس.

ينطلق الجميع بموكب كبير يتقدمه وجهاء القوم والضيوف ثم يتلوهم الرجال فالشباب، أما النسوة والصبايا خلف الرجال، وعلى إيقاع صوت المزمار

ونغمات المجوز تغني النسوة والصبايا ويرقص الشبان فتتمايل خصورهم الرقيقة النحيفة وتنثني برشاقة مثل أعواد الخيزران التي تهزها أكفهم فتتمايل وتنثني منسجمة متناغمة مع إيقاعات حركات الجسد :

طلعنا بدار باياضا    

  وناصبنا الخيامي

عليتك يا عريس  

      تآضي متل الحمامي

يا الضاربين الباب بالبلاني   

                 فرفح قليبي وقلت خي جاني

فرفح قليبي وقلت خي معهم

                 راكب الحمرا بأول الصبياني.

 

وعند وصول موكب الفرح إلى دار أهل العروس يأخذ الغناء نمطا ًحواريا ًلا يخلو من الظرف والمداعبة المحببة :

يردد أهل العريس :

يــا مــين ع البــــاب ِ   يا نحـنا ع البابي

يا مناخد عروسنا    يا منكسر البابي.

يرد أهل العروس :

ما منعطيكم هيِّ           وما تعدوا الميِّة

وتجيبوا الأساور          تكرج بالصينية

فيجيب أهل العريس :

ومنروح ع بوابها          ومنكسِّر بوابها

والشمع دوابها             وعروستنا هيِّ.

وبعد هذا الحوار اللطيف تتقدم صبية لتقف أمام والد العروس وتنشد :

جينا ع دارك يا عقل بن سرحان

                     جينا ع دارك لا عيبا ً ولا عار

 

جينا ع دارك تاناخد كنينتنا

 حل العطا والوفا يا عقل بن سرحان.

 

وعقل بن سرحان شخصية عربية ورد ذكرها في تغريبة بني هلال وهو مثل للوفاء بالعهد.

وتتقدم صبية ثانية تنشد باسم العريس، وصبية ثالثة تقف أمام العروس وتنشد المطلوع، وتتقدم صبية أخرى لتغني، وترتفع بعدئذ أصوات الصبايا بغناء جماعي :

يما رواحي ع الحليب رواحي

               والعشق من الله والهوى سواحي

شوفا بدامه والطبل قدامه

                      كلُّن عمامه وحاملين رماحي

شوفا تلالي بالقصور العلالي

                  وريتك حلالي يا نجم الصباحي

 

 

وأخيرا ً يغني الشباب والصبايا معا ً:

نخ الجمل قومي اركبي يا نايفة

                      والخيل تعبت والأمارة واقفي 

حلفت مابركب ولا بعلي الركوب

                      وما يجي بيي كبير الطايفي.

وهنا تأخذ العروس بالبكاء متأثرة بالمقطوعة الغنائية،وتدنو منها صبية من قريباتها وتغني أمامها قائلة :

لا تبكي يا نور العين لا تبكي  

                    مانك غريبي ولا بيك مغربكي

أنا لضمك لصدري وانتحب وابكي

               وقول فرقة بنيتي يا ما أصعبكي.

وعندما تحل ساعة الوداع، يتجه بعض الوجهاء إلى والد العروس يستأذنونه باصطحاب العروس إلى بيتها الزوجي، ويتقدم الأخ الأكبر للعروس وعمها وينزلونها من فوق مرتبتها وهي تجفف دموع الوداع وتتجه إلى والدها فتقبل يديه اعترافا ً بفضل أتعابه على تربيتها وتنشئتها، وتودع والدتها وتقبل إخوتها وأخواتها وقريباتها وصديقاتها اللواتي ينتحبن مع العروس وهي تنتقل إلى عالمها الجديد.

 

وتنشد الصبايا المقطوعة الوداعية التالية :

يا ما ويا ياما وما حل الرحيل

وبخاطرك يا ياما عا زمان الطويل

بخاطرك يا ياما وأنا رايحة

وبالله يا بيي دعيلي بالتيسير.

 

 

 

يتقدم حواط القرية ويسحب عنان فرس العروس ويسير الموكب الرجال والشباب وخلفهم تسير النسوة والصبايا

وينشد الجميع أغنية الشكر لأهل العروس :

 

خلف الله عليكم ويكتر خيركم

                وما عجبنا بالمنازل غيركم

يسلم بو العروس وجماعيتو

                يضرب بحد السيف قدامكم

خلف الله عليكم ويكتر خيركم

              أنتو الأكارم وما أكارم غيركم.

ويا نجيمة الصبح هلي  

 طلو علينا النشامه

وكن جيتو وما حدا قلي 

  لنحب نحيب اليتامه

هز الرمح وهز السيف   

    وغزو بقلب المالو كيف

نحنا خدنا عروسنا  

          وهون الجخ وهون الكيف

 

وقبل أن يذهب الموكب والعروسان إلى منزلهما الجديد كان الواجب والعرف يمليان على العروسين تقديم الطاعة والولاء لشيخ القرية (زعيمها) ولذلك يواصل الموكب سيره على نغمات المجوز والغناء الجماعي المنتظم إلى أن يصل إلى بيت الشيخ فتنعقد حلقة دبكة حامية،ويخبط الشباب الأرض بأقدامهم بكل ما يؤتون من قوة ليبرهنوا ويثبتوا للشيخ أن وراءه رجالا ً أشداء، ثم يتقدم شيخ القرية من العروسين للتحية والمباركة والتهنئة ويدعو الله لهما بالرفاء والبنين، ويأمر الشيخ خدامه بتقديم الضيافة للعروسين ورفاقهما،ويعبر الشيخ الوقور عن مدى سعادته ببناء أسرة جديدة، ويتمنى للشباب تحقيق طموحاتهم وأن يفرح لهم جميعا ً في أعراسهم.

بعد هذه التحية يتابع الموكب سيره إلى دار العريس حيث تكون والدة العريس بالانتظار وهي تحمل البخور بيدها اليسرى وعلى كف يدها اليمنى تحمل الخميرة المزينة بأوراق الورد وقطع النقد والآس والحبق تقدمها إلى كنتها الجديدة لتلصقها على مدخل بيت الزوجية، وكانت العادة أن يقوم العريس بمساعدة عروسته على لصق الخميرة فيضرب كفه اليمنى فوق يد العروس لتلتصق الخميرة (العجينة) بشكل أفضل كي تبقى أطول فترة ممكنة إلى مابعد إنجاب مولودها البكر.

وكان بعض العرسان في مثل هذه المناسبة - لصق الخميرة - يتقصدون ضرب يد العروس بعود من الخيزران بقوة ليعلن منذ اللحظة الأولى سلطته وجبروته وسيادته على زوجته، وكثيرا ً ما كانت تؤدي مثل هذه التصرفات الرعناء إلى نتائج لا تحمد عقباها -

فكم من عروس قضت ليلتها تبكي من ألم شديد نتيجة كسر بكفها أو بإحدى أصابع كفها سببه مزاح عريس خشن السلوك.

وجرت العادة أن يقال المطلوع بين يدي كل عروس حتى ولو كانت مواصفاتها تخالف ما ينطوي عليه المطلوع من وصف وبيان :

تقول كلمات هذا المطلوع :

خذ لي كتابي يا رسولي وجد بعجال

لدار ولفي وطوف حول المنازيلي

وسلم عليها ومنها لاتكون جفال

سلم عليها ومنها كتاب وديلي

وسلم على قامة مثل عود البان

ولو شافها نسيم الهوى من الكعب بيميلي

وكنك فهيم وذكي وتريد توصفها

من الساس للراس لا حد الخلاخيلي

فالراس جالس فوقه ألف مشعال

ذهب بس لو تضوي القناديلي

وجبين يشبه لا قمر تشرين الأول

وضو القناديل وإن طال التعاليلي

والحاجب مدور مثل بدر هلال

والعين عين المها ما جر بها ميلي

والفم خاتم دهب ومحسنو الرمال

والريق شهد العسل يبري المعاليلي

والعنق عنق الريم سارحة بوديان

والحلق بالأذن تلوح وتناديلي

 

وبعد المطلوع يأتي دور قوال الزجل، وبعدئذ تتقدم قريبات العريس لتنشد كل منهن هلهولة جميلة لكن هذه المرة في وصف شمائل العريس وأهله مثال :

يا سيد بو العريس عد خواتمك بيدك

والكرم كرمك واللولو عناقيدك

وندهت رب السما يعطيك ويزيدك

وأنت الأفندي وكل الناس تحت إيدك.

وتنطلق الزغاريد..

 

الحمد لله زال الهم ما قصَّر

وختم جرح الهوى من بعد ما نسَّم

والحمد لله عا فرحة مدللنا

وصار لنا عامين عاها اليوم نتحسَّر.

وبعد الانتهاء من مراسم الزواج يخرج الجميع وبينهم حواط القرية يحمل ( الشوراية ) راية حمراء فوق قصبة عالية ومهمته قبول النقوط المادي للعروسين،وكان كلما تقدم شخص لتقديم النقطة يتلقاها الحوَّاط بأصابعه الخمس ويقول شابوش لبيت فلان.

 

.. غذاء العروس..  

يرسل أهل العروس الطعام للعروسين على أطباق نحاسية مزخرفة تحملها قريبات العروس وفوقها أنواع كثيرة من الأطعمة والفواكه والحلويات - ونذكر منها : الكبة المسلوقة - الكبة المقلية بالسمن العربي - الكبة بالكشك - الفريكة باللحمة - الرز - اللبن - الدبس - الزيتون - الجبن - الحلاوة بطحينية - الرز بالحليب - الشعيبيات الحموية المحشوة بالجوز والسكر والسمن العربي.

ويستمر أهل العروس بإرسال الطعام الشهي مدة ثلاثة أيام متتالية،وبعد انقضاء أسبوع على الزواج يقوم العروسان بزيارة إلى أهل العروس، وكانت العادة تقضي بأن تنام العروس في بيت أهلها مع والدتها - ليلة واحدة - وهذه الزيارة تعرف برجعة الِرِجل -،وفي صباح اليوم التالي تعود العروس إلى بيتها الزوجي تحمل هدايا أهلها، هدايا تتصف بطابع اقتصادي، إذ يقدم الأهل لابنتهم بقرة حلوب مع وليدها أو جاموسة أو عدد من النعاج لتستعين بالهدية على تأمين العيش الكريم.

 

.. بعض المعتقدات الشعبية حول الزواج.. 

أثناء مراسم الزواج تقف امرأة وراء العريس (إحدى قريباته) لتخيط ثيابه بإبرة وخيط غير معقود في نهايته اعتقادا ً بأن هذا الإجراء يفك السحر الذي ربما يكون أحد الأقرباء أو الأصدقاء قد فعله بالعريس ليمنعه من ممارسة واجباته الزوجية.

وينبغي على العروس ألا تلتفت وراءها بعد خروجها من بيت أبيها لأنها بحسب المعتقد إذا ما التفتت ستعود ثانية إلى بيت أبيها نتيجة حدوث حرد وزعل بسبب خلاف يقع بينها وبين عريسها.

التشاؤم من الزواج بأرملة :

إذ يعتبرون الأرملة مقشرة تقشر زوجها أي تميته،ويعتقدون أن الزواج من أرملة يقصر الأعمار بسبب فقدان البهجة، ويعتقد أن زوج الأرملة قد مات بسبب نحسها فهي منحوسة قد ينعكس نحسها على كل من يقترن بها.

وهذه المعتقدات نجدها على امتداد ربوع الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية، وكذلك نجد نفس المعتقدات التي تتعلق بالولادات والأعراس وتسميات المواليد، مما يدل على تأثر الناس بالثقافة الأسطورية والدينية ويؤكد وحدة التراث الروحي للشعب السوري واللبناني والفلسطيني.

تحية شكر وتقدير وعرفان بالجميل للباحث الأستاذ أديب قوندراق الذي أهدى لنا كتابا ً قيما ً من خلال دراسة تاريخية ديموغرافية أنتروبولوجية لمنطقته السقيلبية - عروس الغاب - السوري، وبذل الجهود متفانيا ً مخلصا ً وفيا ً بارا ً، حين سخر فكره وثقافته ووقته، وراح يسهر الليالي في سبيل إتمام هذا المرجع الهام الذي أبصر النور فأضاء بحروفه ذاكرة التراث الشعبي العربي،وأغنى المكتبة العربية بإرث خالد سيبقى للأجيال المتلهفة لمعرفة كل ما في هذه المنطقة من عادات وتقاليد ومعتقدات شعبية تتآلف بوحدة التراث الروحي والثقافي بين الأبناء والأجداد برغم ما يفصل بينهم من حدود، ويفرق من مسافات.

 

الهوامش :

الكتاب : السقيلبية تاريخ وذاكرة.. دراسة تاريخية - ديموغرافية - أنتروبولوجية.

الطبعة الأولى 2001 - دار عكرمة للطباعة والنشر. سوريا - دمشق .

أعداد المجلة