صورة الغلاف الأول - صورة من بهجة حدث
العدد 20 - لوحة الغلاف
علمتنا التجارب الإنسانية على مدى قرون بأن الفنون الإبداعية من شعر ورسم وموسيقى وفنون أداء حركي وإيماء وغيرها هي أرقى ما تخلفه الشعوب لأجيالها التالية، وكلما عبر هذا النتاج الإبداعي عن روح الأمة وحكمة الشعب وأبرز العاطفة الإنسانية النبيلة بشكل أو بآخر كرسول محبة للتقريب بين البشر كلما كان هذا النتاج قادرا على ملامسة أرواحنا والتأثير في قلوبنا وعقولنا
لا يمكننا أن نعرف مدى عراقة شعب من الشعوب دون أن نتعرف على ثراء ما أنتج من فنون إبداعية، وكلما عبرت تلك الفنون عن أحوال البشر الذين أنتجوها وما مروا به من تجارب عاطفية ومعاناة فكرية وتطورات اجتماعية استطاعت تلك الفنون أن تكون شاهدا حضاريا يخلد اسم مبدعها ويعطي الآخرين صورة من صور الجهد الإنساني المؤثر في الأحداث والقادر على صناعة التاريخ.
كنا أمام حدث إبداعي صيني جميل جئنا من بعيد لنشارك الاحتفال بتأسيسه فرحين به وبمن أنجزه وبقدرة شعب الصين العظيم في العناية بتكوين المبدعين وخلق مناخات مناسبة لتفاعل الإبداع مع الحياة وتأسيس منارات للثقافة وللفكر ولأن يكون الإبداع مكملا حيويا لما تشهده بلادهم من تطور اقتصادي وثقل سياسي عالمي.
قلت للجمع الحاشد الذي ائتلف للاحتفال بتأسيس ستوديو الفن مؤخرا في مدينة كونزو: إننا بحاجة إلى أن نتعرف إلى بعضنا البعض. وللأسف، وبكل صراحة، إن معرفتنا ببعض قاصرة ولا تتجاوز أكثر من علاقة المنتج القوي مع المستهلك كثير المتطلبات، غير أن لثقافتينا احتياج ملح لمعرفة الآخر بصورة أعمق وأبعد، وهذا ما دعانا إلى أن نلبي الدعوة وأن نكون بينكم اليوم، لا من أجل أن نكون مجرد شهود منجز فني وحضاري جميل وإنما شركاء في حوار من أجل التفاهم والتقارب، فبين الشعب الصيني والشعب العربي تاريخ طويل امتد بطول وعرض طريق الحرير الضارب في عمق التاريخ، وعلينا اليوم أن نجعل من الثقافة جسرا بمستوى الجسور التجارية العتيدة بين شعبينا، فهل يمكننا أن نسهم في ذلك معا يدا بيد؟
إن الراقصة الصينية الشابة التي تزين صورتها غلاف هذا العدد كانت واحدة من عشرات الفتيات التي تمثل كل واحدة منهن بهيأتها وأشكال وألوان ملابسها طيفا بشريا من عدة أجناس وأعراق تشكل وجه الصين الحديث وقد انتظمن في أداء موسيقي راقص أشاع فرحا وسكينة وسلاما يحتاج العالم الممتحن بالانشقاقات وحروب الطوائف ونزاع الجماعات إلى تأمله بروية ليتعلم كيف يتعايش ويأتلف وكيف يحب.
وأنا أوجه آلة التصوير البسيطة لالتقاط صور الراقصين والراقصات في ذلك الجو المفعم بالبهجة، سألت مرافقتي الشابة: أي من الفتيات هنا تلك التي تلبس اللباس التقليدي الشائع الذي يمثل بلادكم؟ نظرت إلي وابتسمت، قائلة باعتداد: أي لباس تختاره من بين ما ترى يمثلنا جميعا وهو لباسنا الوطني، ما عادت الــُطــُرز والأشكال والألوان الآن تفرق بين مكونات شعبنا، إنها مجرد فنون بتنا نعتز بها ، لقد اندمج الكل في الكل.
أطرقت قليلا، ثم واصلت الاستمتاع بالموسيقى وحركات الراقصين والراقصات مبهورا بمهرجان الألوان المؤتلف.
زائر لبلاد الصين