المشغولات المعدنية في التراث الشعبي
العدد 19 - جديد الثقافة الشعبية
تأليف / منى كامل العيسوي
صدر هذا الكتاب عن سلسلة “ فنون بلدنا “ التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، التي يرأس تحريرها الدكتور أحمد مرسي، الذي يقول في تعريفه بالكتاب : وصاحبة الكتاب في تناولها هذه الحرفة التقليدية تنظر إليها من منظورين:
أولهما: منظور الحب للتعبيرات الفنية التقليدية عامة، وهو ما تجلى في دراستها للماجستير عن الخصائص الجمالية في البناء التشكيلي الشعبي (1966)، وللمشغولات المعدنية خاصة في كتابها هذا.
وثانيهما: منظور الدرس العلمي الذي يستقرئ جوانبها، إنسانيا، واجتماعيا، واقتصاديا، ويحلل مكوناتها، ويحصي أدواتها، ويفسر مصطلحاتها.
ويمتزج الحب والعلم في تنبيهها إلى ما توصلت إليه - بناء على دارسة علمية -من أن هذه الحرفة وأصحابها يعانون من مجموعة من المشاكل، سوف تؤدي في النهاية إذا لم يتم دراستها بشكل جاد، والعمل على حلها، من جانب الدولة، اقتصاديها،وسياسيها، وجباة الضرائب فيها،ومثقفيها، فإن هذا سوف يؤدي إلى خسارة جسيمة تنتظر الوطن اقتصاديا وثقافيا.
الدراسة تركز على حي الجمالية في مصر باعتباره أحد الأحياء الشهيرة في القاهرة الذي يعد مركزا لمجموعة كبيرة من الحرف التقليدية .
تقول الباحثة في المقدمة : " تأتي دراسة حرفة المشغولات المعدنية باعتبارها من أهم الحرف التي تفي بحاجة الإنسان اليومية، بالإضافة إلى أساليبها المتنوعة التي تميزت بالخصائص الجمالية والتي أثرت الساحة الإبداعية من خلال الأعمال التي أبدعها الحرفيون .
الحرفة والحرفيون:
في الفصل الأول تتناول الباحثة الحرفة والحرفيين موغلة في التاريخ.. كاشفة عن عادات وتقاليد الحرفيين في توارث المهنة أو الحرفة.. والطقوس التي كانت تقام احتفالا بحرفي وصل إلى مرحلة معلم وكيف كان يقام له احتفال بمثابة حفل " تخريج .
أما الآن بسبب الظروف الاقصادية والاجتماعية فيعزف البعض عن توريث المهنة لأولاده رغبة منهم في الحصول على مكانة اجتماعية أرقى لأولاده.
وتشير الباحثة إلى قلة عدد الحرفيين في المشغولات المعدنية.. والذي يتراوح عددهم ما بين خمسة عشر وعشرين حرفيا في شارع النحاسين بالجمالية، ومنطقة خان الخليلي.. مما يثير المخاوف من اندثار هذه الحرفة اليدوية.
وتخلص في نهاية هذا الفصل " أن حرفة المشغولات المعدنية بشكل خاص، والتي تعتمد على الأساليب الفنية التقليدية، ترتبط ارتباطا وثيقا بالسوق السياحي في أيامنا هذه .
وأن هذه الحرفة تواجه الكثير من العقبات وتحتاج لمساندة ومساعدة للدولة لأنها مورد هام من موراد الدخل القومي، وسمة من سمات الهوية الثقافية.
الخامات المستخدمة والحرف المساعدة:
وفي الفصل الثاني تتناول الباحثة الخامات المستخدمة والحرف المساعدة ، فتذكر أن النحاس هو المادة الخام الرئيسية في المشغولات.. ومنه أنواع كالنحاس الأحمر الذي يستخدم في صناعة الكثير من الأواني النحاسية بسبب سهولة طرقه وسحبه وثنيه، والنحاس الأصفر وهو عبارة عن سبيكة تجمع بين النحاس الخام والزنك وتضاف إليه نسبة قليلة من القصدير، ويستخدم في صنع الآلات والأوعية وبعض الأجهزة العلمية، والبرونز الذي يتكون من النحاس بعض القصدير، أما الزنك فمن أهم المعادن التي تدخل في السبائك النحاسية ويستخدمه الحرفيون حاليا في منتجاتهم المتنوعة، والقصدير الذي يستخدم كطلاء للمعادن لمنع الأكسدة، والرصاص الذي يمتاز بسهولة سبكه، والفضة التي تستخدم لزخرفة المشغولات النحاسية، والنحاس الأبيض الذي يعرف باسم مونة اللحام ويستخدمها الحرفيون في لحام المشغولات نظرا لرخص ثمنها.
وتذكر الباحثة "وتشير الملاحظات التي تراكمت أثناء الجمع الميداني إلى أن حرفة المشغولات المعدنية ربما تكون في سبيلها إلى الانقراض بسبب ارتفاع أسعار النحاس الخام عن السنوات السابقة؛ ولذلك يستعين بعض الحرفيين بالقطع القديمة ثم يقومون بالنقش والزخرفة عليها بعد تلميعها عوضا عن شراء النحاس الجديد .
أما أهم الحرف المساعدة لحرفة المشغولات المعدنية: فمنها: سبك المعادن.. وغاية هذه العملية سبك خليط معدني ويتكون من بودرة النحاس بالإضافة إلى خراطة النحاس ونوع من المسحوق يسمى دنكار يشتريه الحرفي من العطارين، والحدادة: وهي إحدى العمليات الأساسية في تشكيل المعادن وتنقسم عمليات الحدادة إلى: الحدادة بالمطارق وفي هذه الطريقة يمكن تحريك القطعة المراد تشغيلها بحرية بين الطرقة والسندان أثناء عملية التشكيل، والحدادة بالقوالب وهي تستخدم لإنتاج عدد متكرر من المشغولات، وتبييض النحاس: وهي عملية طلاء النحاس بالقصدير الأبيض وذلك لحماية النحاس من الأكسدة.
الطرق التقنية المستخدمة في تشكيل المشغولات المعدنية:
في الفصل الثالث تتطرق الباحثة في دراستها للطرق التقنية المستخدمة في تشكيل المشغولات المعدنية، وهي تمر بعدد من المراحل أولها: مراحل قطع المعادن التي تتم بعدة طرق منها:
- القطع بواسطة المقصات المختلفة
- بواسطة المخارط.
- بواسطة المثاقب.
وطرق تشكيل المشغولات المعدنية منها:
الطرق: وهو الأكثر شيوعا وتتم على عدة مراحل متتالية على سطح المعدن الداخلي، حيث يبدأ الحرفي بوضع تصميم الجسم المراد تشكيله، ثم يقص الشكل بالمقص.. وتوضع القطعة المراد طرقها على قاعدة خشبية تسمى القرمة بعد تسخينها وتبدأ عملية الطرق والتشكيل، ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي عملية الجمع ففي المرحلة الأولى يتم الطرق من الخارج وفي الثانية يتم الدق على الإناء من الداخل، وتستخدم هذه العملية لأنها تعطي صلابة وزيادة في سمك المعدن من خلال استمرار الدق المتتالي، وطريقة الجمع اليدوية أصبحت نادرة بعد توفر المخارط الخاصة بعملية الجمع التي توفر الجهد والوقت .
ومن طرق التشكيل أيضا:
الخصر والتفليج: والمقصود بهما هو التوسيع عند الحافة، وهي من العمليات الهامة التي تستخدم في الأباريق والأواني.
وهناك الاستعراص والتشفير: الذي يستخدم للإناء الذي يحتوي على شفة.
والإفراد: وهي طريقة تستخدم في تشكيل المعادن وتحويلها إلى أشكال مجسمة
أما الاستعدال: فمن الطرق التقنية التي يتم خلالها معالجة الالتواءات أو غيرها عن طريق الاستعدال .
وطريقة البرد والإزالة: هي من طرق المعالجة النهائية للمنتج والمقصود بها إزالة الرايش الذي ينتج عن طرق القطع للألواح المعدنية.
ثم تتطرق الباحثة لطرق وصل المعادن مثل الوصل باللحام بوصل قطعة بأخرى بوسيط، واللحام بالقصدير، واللحام بالفضة التي تعتبر أقوى من لحام القصدير، ولحام المونة ويستخدم في لحام النحاس السميك.
والوصل عن طريق البرشام للمشغولات التي تحتاج اتصال أجزائها ببعض بشكل دائم.
والوصل بواسطة المسامير وتستخدم في المشغولات القابلة للفك .
والوصل بواسطة الدسرة وهي طريقة تعشيق معدن بمعدن، وتستعمل هذه الطريقة في المعادن الخفيفة التي يصنع منها الأواني ودوارق الشرب.. والجلاجل المعدنية التي تستخدم كمعلقات في العربات الكارو.
وتذكر الباحثة أن " كل هذه الطرق التقنية بمراحلها المختلفة استخدمها الحرفيون بداية من العصور المصرية القديمة وحتى الآن في مشغولاتهم المعدنية ذات الأغراض المتعددة بالإضافة إلى المحافظة على القيمة الجمالية لكل شكل من الأشكال المختلفة .
الأساليب الفنية لزخرفة الأسطح المعدنية:
في الفصل الرابع تتناول الباحثة الأساليب الفنية لزخرفة الأسطح المعدنية ، وتذكر أن الأساليب المستخدمة في زخرفة المشغولات المعدنية ليست وليدة الوقت الحاضر.. وإنما تستخدم منذ القدم وظلت تتوراث عبر الأجيال المصرية، وهي أساليب عديدة منها:
أسلوب الريبوسيه: وهو أسلوب يختلف عن الطرق ، حيث يتم الطرق من الخلف أولا لتبرز الوحدات الزخرفية ثم يزخرف السطح من الوجه بعد ذلك باستخدام أقلام خاصة لإعطاء تنويعات زخرفية أخرى حسب شكل القلم المستخدم .
أسلوب الحفر- النقش: وهو من أكثر الأساليب الزخرفية ثراءً في المشغولات المعدنية.. ويشابه الحفر مع النقش من حيث مراحل التنفيذ والوحدات الزخرفية الغائرة والحفر: ويتم بواسطة أقلام ذات طرف مدبب، وهناك حفر بالطريقة اليدوية، وحفر بالأحماض وتتم هذه الطريقة بوضع الحماض الكميائية على سطح المعدن فتتفاعل معه فيـتآكل سطح المعدن ويعطي العمق المطلوب.
النقش: وهو من الأساليب الزخرفية الموروثة منذ العصور القديمة، وتتم بعدة طرق منها: نقش البصمة عن طريق الدق ويطلق عليه " النقش المحلاوي.
أسلوب التكفيت: ويعتبر من أجمل الأساليب الزخرفية، ويتم عن طريق رسم التصميم ثم ينقل على سطح المعدن ويثبت بالبياض .
أسلوب النيلو: وهو خليط معدني فاحم اللون مكون من النحاس والرصاص والفضة والكبريت وملح النشادر تملأ به خطوط للرسوم على صفائح المعدن.
أسلوب الطلاء بالمينا: وهو أسلوب تغطية أسطح المشغولات بمادة شفافة تعطي لمعانا ثريا... عن طريق الطلاء بالفرشاة أو باستخدام الأحماض مع الأكاسيد ومنها أنواع كثيرة مثل عملية الطلاء بالكهرباء والنيكل والفضة والذهب.. الخ .
أسلوب التفريغ ( النشر ) ويعتبر من أقدم الأساليب الزخرفية التي استخدمت في تشكيل المشغولات المعدنية مثل: الثريات والمباخر والفوانيس.
أما عن طرق تشطيب المشغولات المعدنية : فمنها : التنعيم والتلميع.
الخصائص الجمالية للمشغولات المعدنية:
وفي الفصل الخامس تتوقف الباحثة عند الخصائص الجمالية للمشغولات المعدنية، فتتناول المشغولات المعدنية بين الشكل والوظيفة مؤكدة على براعة الفنان الشعبي -الحرفي- " في إنتاج المشغولات المعدنية المتنوعة في الأساليب والزخارف، والتي تتفق من حيث الشكل مع الأنواع التي ظهرت في العصور التاريخية السابقة، ولكنها اختلفت إلى حد بعيد مع الوظيفة التي تؤديها هذه المشغولات، إلا أن هناك بعض الأشكال التي لم تتغير حتى الآن من حيث الشكل أو الوظيفة " .
وتتناول الرمز في المشغولات الفنية مؤكدة على أنه لايمكن تجاهل الخبرة البصرية للفنان الشعبي وقدرته على تفسير العالم الملغز من خلال استخدام الألوان في أعماله الفنية .
ثم تتحدث عن التجريد في المشغولات الفنية مثل التجريد الهندسي الذي اعتمد على الزخرفة بالوحدات الهندسية والعناصر الكتابية ثم تطرقت إلى الرسوم التشخيصية وعناصر البناء الفني كالخط واللون والمساحة .
ثم تذكر في نهاية هذا الفصل " كشفت لنا النماذج التي تم جمعها من حرفة المشغولات المعدنية عن قدرة الفنان على تحقيق ما يلي: التعبير عن رؤى مجتمعه الفكرية، ارتباط المشغولات المعدنية بالعادات والتقاليد المتوارثة، تجاوز المدرك البصري ودوره في خلق الأشكال المحورة.
وقد لجأ في تحقيق الخصائص الجمالية إلى : استخدام الرمز سواء في اللون أو الشكل، تجريد العناصر المتنوعة وتخليصها في بعض الأحيان، تنظيم العناصر الأساسية للبناء الفني كالخط واللون والمساحة .
خاتمة
وفي الخاتمة تتوصل الباحثة إلى نتائج ونقاط جوهرية وهذه النتائج الذي آثر الدكتور أحمد مرسي ذكرها في تقديمه لهذا الكتاب هي :
أولا: تأثر هذه الحرفة وأربابها، سلباً وإيجاباً، بالظروف السياسية والاقتصادية في البلاد، إلى جانب تقلبات السياحة وآثارها على حرفة المشغولات المعدنية .
ثانيا: ارتفاع الخامات الأساسية للحرفة من حيث أثمانها فقد أدى ارتفاع سعر النحاس إلى استخدام المعادن الخفيفة بسبب رخص ثمنها،وأدى أيضا إلى فتح السوق على مصراعيه أمام المشغولات المقلدة التي تمت صناعتها في الصين،وهي مشغولات تعتمد على بدائل من المعادن الخفيفة والرخيصة .
ثالثا: ربما يكون انتشار الزخارف الإسلامية والعربية على مختلف منتجات حرفة المشغولات المعدنية راجعاً إلى أن الثقافة التي أنتجت هذه الزخارف كانت وما تزال ثقافة حضرية بالأساس؛ أي ولدت في رحاب المدينة. فقد كانت القاهرة على مدى أكثر من ألف سنة المركز الحضري الأبرز بين عواصم العالم الإسلامي، كما تفوقت على كافة العواصم الأوربية من القرن الثاني عشر حتى القرن السادس عشر على أقل تقدير. وطوال تاريخها كانت الحضن الأول للثقافة العربية الإسلامية.
رابعا: على الرغم من اختلاف الوظيفة النفعية لبعض المشغولات المعدنية، فإنها ما تزال حتى الآن تحمل الأشكال الزخرفية ذاتها.
خامسا: تحققت القيمة الجمالية للمشغولات المعدنية؛من حيث تنظيم العناصر الأساسية للعمل الفني للتأكيد على ارتباطها بالقيمة النفعية لهذه المشغولات بحيث يصعب الفصل بين الجانب الجمالي والجانب النفعي في أي قطعة .
سادسا: تحتاج هذه الحرفة إلى مساندة الدولة ودعمها بدلا من فرض الضرائب الباهظة على المواد الخام،وعلى الإنتاج الكامل المعروض في السوق.