في تنوع الآلات الموسيقية
العدد 19 - موسيقى وأداء حركي
لقد اهتدى الإنسان منذ القدم إلى تحويل بعض المواد الطبيعية إلى أدوات مولّدة لأصوات موسيقية ، من ذلك أنه قام بتحويل بعض جذوع الأشجار إلى طبول مختلفة الأشكال وبتحويل العظام بعد إحداث ثقوب فيها إلى صافرات وغيرها من الأدوات التي كانت رغم بدائيتها تخدم أغراضا متعددة لإحداث الأصوات والمناداة وربما كان بعضها يتنزل في إطار التطيّر والخوف فتصنع أدوات تصدر عنها أصوات مخيفة للحيوانات التي تخيفه أو لاتقاء شرّ بعض الظواهر الطبيعية التي يخاف منها الإنسان.
ومن هذا المنطلق فإنّ أية أداة تصدر صوتا ويمكن التحكم بها من قبل عازف يمكن اعتبارها آلة موسيقية وهي ترافق الفعل الغنائي بكل صيغه وأشكاله، وقد استخدم الإنسان في العصور القديمة اليدين والقدمين من أجل ضبط الإيقاع الموسيقي ثم تم استخدام الآلات الإيقاعية وطورها شيئا فشيئا حتى صنع الطبول والصنوج والدفوف على اختلاف أنواعها وأشكالها ، أما في ما يخص آلات النفخ فإن أقدمها هو القصب والعظام المجوفة، كما قام الإنسان بصنع الصفار وهو مجموعة من القصب المختلفة الأحجام مفتوح أحد أطرافها ومغلق الطرف الآخر ، ثم تطورت من الصفار آلات الناي والمزمار وغيرها من آلات النفخ المفتوحة الطرفين وأصبحت الآلات الموسيقية الهوائية تصنع بعد ذلك من النحاس والخشب والمعدن.
ولم تقتصر قدرة الإنسان عند ذلك بل قام بتحويل الأغصان وتليينها إلى أوتار، ومن ثمّة وضع الوتر على صندوق «مصوّت» وهكذا بدأت صناعة الآلات الموسيقية الوترية وتطورت بتطور الحضارة الإنسانية حتى تمكن من صنع عدد من الآلات المتنوعة الأحجام والأشكال. وبعد أن توفر ذلك أصبح الإنسان يدرك قيمة الأصوات وصار يميّز بين الآلات ومدى تفاعل القيمة الفنية لكل واحدة منها.
ويتنزل حديثنا عن تنوع الآلات الموسيقية في إطار مختلف التصنيفات سواء الوظيفية لآلات وترية أو إيقاعية أو بحسب المواد الأساسية المصنوعة منها أو حسب المناطق الجغرافية شرقية / غربية، بل يمكن أن يشمل التنوع تصنيف الآلات حسب انتسابها إلى موسيقى شعبية أو تقليدية، ولذلك نجد أن المهتم بهذا الشأن له حرية تناول التنوع في الآلات واختيار التصنيف الذي يراه مناسبا.
في هذا الإطار نعتقد أن الآلات الموسيقية تنقسم إلى :
1 - الآلات الإيقاعية :
وهي التي تصدر الصوت بواسطة النقر أو الضرب أو الطرق ، ونذكر منها الطبل والدف والدربوكة والطار والنقرات أو النغرات.
الطْبَلْ أو الطَبْلَة : وهي آلة إيقاعية لها أشكال عديدة ومتنوعة ، وهي الأكثر أهمية وانتشارا واستخدمت منذ القدم وفي مختلف الحضارات في كافة الطقوس الموسيقية (موسيقى الهياكل الدينية والموسيقى المدنية والعسكرية) وأيضا استخدمت لإرسال الإشارات لمسافات بعيدة.
ويكون القرع على الطبل بواسطة عصاتين إحداهما غليظة ذات رأس كروي من اللباد أو الخشب لدق الضربات القوية «دم» وتسمى المضرب، والأخرى رقيقة من الخيزران من دون رأس لدق الضربات الخفيفة «تاك» وتسمى المطرق وهو يُحمل على الكتف بواسطة حزام من الجلد، ويضرب في بعض الأحيان على الطبل باليدين مباشرة.
الدربوكة : وتصنع من فخار غير مطلي ، لها رقبة تضيق في المستوى النصفي للآلة ، ويوضع بها جلد ماعز أو جمل ، كما تتميز باختلاف أحجامها وأشكالها من منطقة إلى أخرى فبعضها كبير ويشدّ إلى الكتف بواسطة حبل رقيق.
النقرات أو النغرات :
وهي عبارة عن طبلين صغيرتين من نحاس ، يُغطى وجهاهما بقطعة من الجلد وينقر عليهما بعصاتين صغيريتن حيث يعطي إحداهما صوتا أغلظ من الصوت الذي يعطيه الثاني أي على شاكلة «دم / تاك».
الدف : ويعرف أيضا بالبندير أو الرق أو الطار أو الغربال، وهو مستدير الشكل، يصنع على هيئة غربال أي إطار من خشب خفيف مشدود عليه من جهة واحدة جلد رقيق للضأن أو للماعز، ويوضع بداخل الدف وتران يكونان ملامسين للجلد ، كما تزيّن في بعض الأحيان جوانب الدف صنوجا نحاسية صغيرة. ويستعمل الدف لمصاحبة الأغاني الشعبية وخاصة منها المدائح الصوفية.
2 - الآلات الوترية :
وهي التي تصدر الصوت عن طريق اهتزاز الأوتار الموجودة على الآلة وتعزف بواسطة الريشة والقوس وأصابع اليد ، ومثال ذلك العود والقانون والقيتار والقمبري والكمنجة والرباب والكونترباص.
العود : ويعتبر من أهم الآلات العربية القديمة والحديثة على الإطلاق، وقيل عنه إنه « سلطان الآلات ومجلب المسرّات»، وقد اختلفت الدراسات حول أصله رغم وجود شبه إجماع أن ظهوره كان في بلاد ما بين النهرين خلال العصر الأكادي 2150 Ð 2350 قبل الميلاد. وقد ساهم في تطوير هذه الآلة عدد من الموسيقيين العرب لعل أبرزهم كان في العهد العباسي من ذلك منصور زلزل وأبو الحسن علي بن نافع الملقب بـ»زرياب» الذي أضاف للعود وترا خامسا لتوسيع مساحته الصوتية. ويتألف العود من : صندوق مصوت ويسمى أيضا القصعة أو ظهر العود ، ومن صدر أو وجه والذي تفتح فيه فتحات تسمى قمرية لتساعد على زيادة رنين الصوت وقوته، ومن فرس يستخدم لربط الأوتار قرب مضرب الريشة، ومن رقبة وهي المكان الذي يضغط عليه العازف على الأوتار، ومن عضمة أو أنف يوضع في رأس زند العود من جهة المفاتيح لإسناد الأوتار عليها ورفعها عن الزند ، ومن مفاتيح أو ملاوي تستخدم لشدّ أوتار العود.
القانون : ويعتبر من أهم الآلات المستعملة في المشرق العربي وفي تركيا وبلاد المغرب الإسلامي و القانون له شكل مائل قائم الزوايا شدّت الأوتار عليها بالعرض، ويصنع صندوقه الصوتي من خشب الجوز ويتراوح طول ضلعه الكبير بين 75 سم و100 سم، وعرضه بين 33 و44 سم وارتفاعه بين 3 و5 سم، ويغطّى من الجهة اليمنى للعازف بجلد توضع في وسطه قطعة رقيقة من الخشب تسمى «الكرسي» تحمل الأوتار التي يتراوح عددها بين 51 و78 وترا تضبط بطريقة تجعل لكل 3 منها صوتا واحدا. وتشدّ الأوتار من الجهة اليسرى للآلة إلى ملاوي تسمى في تونس «عصافر» تدار بواسطة مفتاح خاص يصنع من النحاس أو من الفضة.
القمبري : آلة وترية تتكون من وجه مغطّى بجلد ماعز وصندوق خشبي مصوّت في شكل اسطواني يحتوي على فتحة صوتية من جهة العنق بطريقة تجعلها تقابل أذنيْ العازف ، وتركّز على فرس «ركّاز»، وعلى عكس آلة العود تكون أوتار القمبري بعيدة عن الصندوق المصوت حتى تصدر أصواتا أكثر غلظة. كما تحتوي هذه الآلة على « الشنشانة» وهي صفيحة معدنية تشدّ بين الأوتار خلف الفرس مثقوبة الأطراف تحمل عددا من الحلقات المعدنية المصوتة بذاتها، وتحدث أصواتا شبيهة بأصوات الشقاشق.
الرباب : هي آلة وترية واسمها مأخوذ من فعل ربَبَ أي رنّ أو أرنّ ، وتختلف طريقة استعمال هذه الآلة من بلد إلى آخر، من ذلك أنها في تونس مثلا تشكل هذه الآلة إلى جانب آلات الطار والنغارات والعود العربي مجموعة العناصر الأساسية في التخت التونسي للمالوف الذي يمثل نمطا موسيقيا في الشخصية الفنية للموسيقى التونسية.
3 - الآلات المفاتيح :
وتشتمل على تلك التي تصدر الصوت عن طريق الضغط أو الطرق على لوحة مفاتيح موسيقية موجودة على الآلة حيث يكون مفتاح كل صوت مختلف عن بقية المفاتيح وأبرز هذه الآلات البيانو.
البيانو : وهي آلة ذات مفاتيح يتم إصدار الصوت فيها من خلال المفاتيح التي تطرق على الأوتار المعدنية ، ويبلغ مجالها الصوتي 7 أوكتافات وربع. وتستخدم هذه الآلة (التي نشأت في أوروبا في بداية القرن 17) في فرق الأوركسترا أو ضمن موسيقى الجاز، كما تستعمل كآلة مرافقة للكمان وغيره من الآلات.
4 - آلات النفخ الهوائية :
وهي التي تصدر الصوت عن طريق النفخ فيها والمستعملة سواء في الموسيقى التقليدية أو الشعبية، ومن ذلك الناي والساكسفون والزرنة (أو الزكرة) والمزود (محليا)والقصبة.
الناي : ويعتبر من أقدم الآلات الموسيقية، وهي مصنوعة من القصب المجوف مفتوحة الطرفين ذات صوت شجيّ، لها 9 أجزاء تفصل بينها 8 عقد وتُجعل به 6 ثقوب من جهة وثقب للإبهام من الجهة المقابلة، وهذه الثقوب مفتوحة بموجب نسب مضبوطة مقررة حسب سلّم مقامات الموسيقى العربية. ويعود أصل كلمة ناي إلى بلاد فارس، ويفسر باللغة العربية بــ« القصبة» أو «الشبابة» وهي عبارة عن قصبة مجوّفة مفتوحة الطرفين، يقع النفخ فيها على حافة فتحتها موضع شفتيْ النافخ. ومن أهم النايات المستعملة في الموسيقى العربية.
المزود :( الجربة في الخليج العربي) وهي آلة نفخ تتركب من أنبوبين من قصب بهما زمارتان تعطيان صوتين متجانسين ويلتصق الإثنان بــ«قربة» من جلد ماعز تخزّن الهواء، وتستعمل هذه الآلة في أداء الأغاني الشعبية.
الترمبيت : وهي آلة نفخية نحاسية تستخدم ضمن فرق الأوركسترا وفرق الجاز وفي الأناشيد العسكرية وقد صنعت هذه الآلة حسب الدراسات في بداية القرن 19 بألمانيا ثم انتشرت في أماكن أخرى وتم في الأثناء إضافة بعض الصمامات والمفاتيح بهدف التحكم في مجالها الصوتي والعلامات الموسيقية لها و أصبحت تتضمّن 3 أوكتافات.
5 - من آخر الابتكارات في الآلات الموسيقية:
قدّم العازف التونسي نبيل خمير في ندوة صحفية عقدت بالعاصمة التونسية خلال شهر ديسمبر 2010، آلة «الرايدجام» وهي من تصميمه الشخصي وتتركب من آلتيْ العود والقيتارة (كما يظهر في الصورة)، وتحيل تسميتها على الارتجال. وهي من صنع عبد الحميد الحداد من تونس وساندر من هولندا.
الخاتمة
تعتبر الآلات الموسيقية جزءا هاما من الإبداع الإنساني وشاهدا ماديا على مدى التفاعل الحاصل بين العلم والفن والصناعة في مختلف أوجه الإنتاج البشري. فالآلة الموسيقية بما تحمله من شواهد مادية وما تتضمّنه من دلالات ومعان هي جديرة بالاهتمام والبحث، ولعل ثراء الرصيد التقني في الموسيقى سيساعد حتما على إغناء الساحة الفنية بالمبدعين وطبعا يبقى ذلك رهين حسن توظيف مختلف الآلات في الارتقاء بالأداء الموسيقي.
المراجع
- كتاب « الآلات الموسيقية المستعملة في تونس»، منشورات مركز الموسيقى العربية والمتوسطية (النجمة الزهراء)، سمباكت، نوفمبر 1992.
- دليل مركز الموسيقى العربية والمتوسطية ، سمباكت 1992.
- القليبي ، أنيس ، دراسة بعنوان «الرباب في الموسيقى التونسية»، مجلة الحياة الثقافية ، ص ص 187 ،عدد 181 Ð مارس 2007 .
- نفس المرجع : قوجة ، زهير ، دراسة بعنوان «آلة القمبري التونسي وتقنيات عزفها»، ص ص 179 -186 .
- Le Baron dÕErlanger et son palais Ennajma Ezzahra ˆ Sidi Bou SaidÊ, Ali Louati , SimpactÊ, EditionsÊ, Tunis, 1995 .