فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

طقوس الاحتفال بالمناسبات والأعياد بشمال إفريقيا

العدد 19 - عادات وتقاليد
طقوس الاحتفال بالمناسبات والأعياد بشمال إفريقيا
كاتب من المغرب

تتواجد منطقة شمال إفريقيا في موقع إستراتيجي من العالم، حيث تعد مركز القارات الخمس وتتموقع في وسطها الجغرافي من مختلف الجهات أوروبا شمالا وباقي إفريقيا جنوبا ثم آسيا شرقا والأمريكيتين غربا، الأمر الذي جعلها محط أطماع مختلف الحضارات والمستعمرين منذ بداية التاريخ وعصور ما قبل التاريخ، حيث تعاقبت على هذه المنطقة مجموعة من الحضارات الوافدة وشتى أنواع المستعمرين من مختلف بقاع العالم على مر العصور التاريخية للمنطقة، حيث قدموا من الشرق والغرب حاملين معهم مجموعة من العادات والتقاليد إضافة إلى مجموعة من الطقوس الاحتفالية ومختلف الديانات سواء منها الوثنية أو السماوية،

ومع توالي هذه الاستعمارات وبفعل احتكاكها مع ثقافة سكان شمال إفريقيا المحلية والغنية من حيث التقاليد والأعراف والطقوس الدينية المختلفة وإضافة إلى دأبهم على القيام بطقوس الحضارات الوافدة وإحياء بعضها إلى اليوم الحاضر، جعلها من أغنى المناطق بالعالم من حيث الثقافات الشعبية.

وكما يرجحها اليوم معظم علماء الأركيولوجيا أنها مهد انطلاق الإنسان الحديث إلى باقي مناطق العالم حيث حصرها الأستاذ عبد السلام مقداد  في 16 ألف سنة قبل الحاضر في موقع «إفري نعمار» ضواحي مدينة الناظور بالريف المغربي، فيما رجحها أيضا إلى أكثر من ذلك بعد نهاية الحفريات بجميع المواقع الأثرية بمنطقة الريف الشرقي، كما أورد أن هذا الإنسان الحديث كان يقوم بمجموعة من الطقوس الاحتفالية الخاصة به حيث صنع لأجل ذلك مجموعة من الأدوات المتمثلة في الأحفوري ومواد أخرى، في حين أن القرابين تحضر بقوة لدى هذه الحضارة حيث وجد غير بعيد عن هذه المغارة صخور نقشت عليها صور لحيوانات لم يستبعد بعض الأركيولوجيين في كونها قرابين للآلهة.

وتعتبر طريقة الاحتفال بالمناسبات الاحتفالية والأعياد الدينية من أهم الثقافات الشعبية الهامة التي تزخر بها منطقة شمال إفريقيا، حيث أورد جل المؤرخين اللذين أرخوا للمنطقة ومعظم الرحالة اللذين عبروا عبرها لطقوس الاحتفال بالمناسبات في شمال إفريقيا وكتبوا عنها نظرا لغرابتها في بعض الأحيان ولامتزاجها بمجموعة من الثقافات والحضارات الخارجية عن المنطقة التي استقدمها المستعمرون المتعاقبون عليها ابتداء من سيوة ببلاد مصر إلى المحيط الأطلسي ثم إلى الصحراء الكبرى وجنوبها، حيث أن هناك تقاربا وتشابها إلى حد كبير في كيفية الاحتفال بالمناسبات إن لم نقل نفسها.

لدى الليبيين مثلا تأخذ الأضحية أو القربان مرتبة عالية في ثقافتهم الروحية، حيث يتقربون من خلالها إلى الآلهة التي كانوا يظنون أنها تصم عليهم آذانها ولا تسمعهم وتغفر لهم إلى أن تقدم لها الأضاحي والقرابين، وقد أورد فلافيوس كوريبوس  أن الليبيين قديما كانوا يقدمون البشر كقرابين لآلهاتهم، حيث كانت القرابين البشرية تقدم ليلا ظنا منهم أنها تقبل القرابين السرية أكثر من العلنية، وقد كان أنينهم يملأ السماء حيث عبر عليها فلافيوس بقوله: «لقد كان أنينهم التعس يجعل الهواء يرتجف من جميع الجوانب، وكانت صرخاتهم تشق عنان السماء»، وقد كانت هذه الصرخات تعبيرا عن استنجاد واستعطاف للآلهة قصد غفرانها عنهم وإيقاف الذبح وسيلان الدماء باستجابتها لاستعطاف القرابين حيث كانت السيوف تقسم الرؤوس عن الأجساد صائحين في السماء: «إليك أيها الإله آمون أو قورزيل أو ماستيمان  أقدم هذا القربان وكان الجيش الليبي قديما والذي يسمى المارماريكان يقدم القرابين البشرية لإله الحرب «مارس» خصوصا منهم جيش قبائل مازاكس الليبية والتي كانت تقدس هذا الإله الليبي.

وقد تحولت نوعية القرابين المقدمة إلى الآلهة من قرابين بشرية إلى أضاحي حيوانية مع انتشار بعض الأساطير الليبية القديمة التي تفيد بإحلال افتداء البشر بالأضاحي والقرابين الحيوانية، حيث تورد أسطورة «إينو»  الليبية الشهيرة التي تمكنت من إقناع الملك آثاماس كي يقدم إبنه فريكسوس كقربان للآلهة كي تتخلص منه، وبينما فريكوس في طريقه إلى المذبح أو مكان تقديم القرابين خطفته «نيفيلي» ووضعته على كبش ذي  فروة ذهبية حيث طار به إلى مدينة «كولخيس» الأسطورية وقدم الكبش قربانا للإله «زيوس»، في حين قدم الفروة الذهبية للكبش إلى الملك «أبتيس» الذي علقها فوق شجرة البلوط في مغارة «أريس» وعين «أفعوانا» لحراستها إلى الأبد.

وقد ذكر البكري أن شعب شمال إفريقيا بقي يعبد أو يقدم القرابين والأضاحي للإله «قورزيل» (أو قرزل) إلى حين مجيء الإسلام وهو آخر الآلهات الليبية التي بقي يعبدها الليبيون بعد مجيء الإسلام وخصوصا منها قبائل هوارة، لذا فالإله قورزيل له مكانة عظيمة لدى الليبيين القدامى نظرا لعلاقته الوطيدة بأكبر آلهات شمال إفريقيا وأكثرها شهرة في العالم وهو الإله «آمون ذو قرني الكبش»، حيث كان قورزيل إلها يضع قرني كبش آمون فوق رأسه في اعتقادهم، ويعتبر الإله آمون من أقدم آلهات المنطقة ككل والذي غزت أسطورته العالم المتوسطي العتيق فيما تبرز الأسطورة أيضا أن قربان الإله آمون المقدس هو الكبش.

 

طقوس إحياء الأعياد الدينية بشمال إفريقيا:

ترجع جذور احتفالات الأعياد والمواسم الدينية في شمال إفريقيا إلى فترات سابقة بكثير لفترة قدوم الإسلام إلى المنطقة، ومازالت طقوس إحياء جميع الاحتفالات الدينية والشعبية ترتبط ارتباطا وثيقا بالمعتقدات الروحية القديمة للشعب الشمال إفريقي، حيث مازال يقوم بمجموعة من التقاليد والعادات الضاربة في القدم والموروثة عن القدامى بواسطة الموروث الشفهي الشعبي الذي يمتاز به هذا الشعب عن باقي المناطق في العالم التي تؤثر تدوين تاريخها، ويعتبر العيدين الصغير والكبير  ثم مناسبة عاشوراء والناير ورعنصاث  من أبرز الأعياد التي تحضى باهتمام سكان شمال إفريقيا عن باقي الأعياد الاحتفالية الأخرى.

الاحتفال بالعيد الصغير:

تصنع النساء في شمال إفريقيا وفي المغرب والجزائر خصوصا أكلة «الكسكس»  بأيديهن في اليوم الأخير من رمضان استعدادا ليوم العيد حيث يقدم صباحا كوجبة فطور مع الحليب الطري بعد تسخينه وتمليحه، وذلك نظرا لفوائده الكثيرة وعدم إلحاقه أضرارا بالمعدة بعد تعودها على الصيام نهارا، فيما تقدم بعد ذلك مختلف أنواع الحلويات والمأكولات في وجبة الغذاء، كما دأبوا على لبس أحسن وأنظف الملابس قصد التبرك وتعبيرا عن الفرحة والسرور بهذه المناسبة السعيدة، في حين تحضر الفواكه المجففة بقوة على مائدة الشعب الشمال إفريقي في كل المناسبات والأعياد الاحتفالية، والتي تتكون من مختلف أنواع الفواكه ومنها أساسا التين المجفف والتمر إضافة إلى أكلة «ثيغواوين» التي تحضر في البيوت طيلة السنة نظرا لما لها من الفوائد الصحية والغنية بالسكريات المعطية للطاقة.

وعند مساء كل ليلة عيد الفطر تجتمع النساء في بيت من البيوت والذي غالبا ما يكون ميسور الحال أو ذا شرف في القبيلة يضربن الطعاريج  وينشدن أغاني جميلة ثم يرقصن على ضربات الطعريجة وأنغام وألحان الأشعار المحلية.

طقوس الاحتفال بالعيد الكبير:

يتم اختيار أضحية العيد الكبير أو «ثفاسكا ثامقرانت»  حسب معايير ومقاييس معينة، حيث أن الأضحية التي يعتقد أن الذي تسمى عليه أو صاحبها سيركبها إلى الجنة، يجب أن تكون في المستوى المطلوب وأن تكون في المستوى الذي يؤهلها كي تكون قربانا لله يوم العيد، وذلك أخذا بقصة قابيل وهابيل حيث اختار الله أخذ أحسن هدية والتي قدمها له هابيل من أحسن أكباش قطيعه فيما ترك حبوب قابيل التي هي دون مستوى تقديمها كهدية لله، ويشترط في شمال إفريقيا أن يكون كبش الأضحية سليما ومعافى وخاليا من العيوب تماما، وأن يكون أقرن (أي له قرنا سليمان)، فيما يشترط البعض أيضا أن يكون الكبش جميلا ومعافى.

وتعتبر مناسبة العيد في شمال إفريقيا من المناسبات المقدسة والسعيدة حيث يفضل فيها تناول اللحم عن باقي أنواع المأكولات الأخرى في هذا اليوم المبارك لديهم، ومن هنا انبثقت تسمية عيد الأضحى بالعيد الكبير أي أن مكانته لديهم كبيرة أكثر من أي عيد أو مناسبة أخرى، ونظرا لأهميته عن عيد الفطر الذي يسمى لديهم بالعيد الصغير اعتبارا منهم أنه ليس إلا رمزا أو احتفالا بمناسبة انتهاء الصيام، ثم هناك أيضا من جانب آخر تطابق عيد الأضحى مع الشعائر والطقوس الدينية المتوارثة عن القدماء لأن فيها يتم تقديم الأضاحي كقربان للرب تقربا منه ومناسبة للتكفير عن الخطايا.

فيما تتجلى أهمية القرابين في الثقافة الشعبية والدينية بشمال إفريقيا في مناسبة عيد الأضحى حيث تقارب وتشابه الشعائر الدينية وتطورها من ديانة لأخرى في المنطقة عبر تاريخها الضارب في القدم عموما، وعلى مر العصور يلاحظ أن كل الديانات التي مرت منها تتشبث بطقوس تقديم القرابين حيث يمثل يوم عيد الأضحى يوما مباركا تقدم فيه القرابين لله وإحلالا للقرابين الحيوانية محل البشرية طبقا للأساطير السالفة الذكر، فعيد الأضحى يعتبر افتداء لإسماعيل الذبيح من طرف الرب حينما صدق رؤيا أبيه إبراهيم.

وبعد نحر الأضاحي في صبيحة يوم العيد توضع وسط القرية كومة من مخلفات الحيوانات والتبن على شكل تلة استعدادا لإحياء مسرحية «باشيخ» وتحتوي مسرحية باشيخ على خمسة شخصيات أساسية وكانت تقام عامة ثلاث مرات في السنة حيث الأولى في الناير التي تصادف حلول السنة الأمازيغية الجديدة قبل أن تحول إلى حلول السنة الهجرية وإلى العيدين الفطر والأضحى، بعد قدوم الفتح الإسلامي إلى شمال إفريقيا، أما سيناريو المسرحية كان يأخذ شكلا فكاهيا ذا طابع هزلي من المجتمع وسلوكاته، حيث توضع مخلفات الحيوانات والتبن على شكل تلة وسط القرية في ثاني أيام العيد، يجتمع الجمهور قبل قدوم الشخصيات التي تتمثل في القاضي والذي يجلس فوق تلة الأزبال والسماد، والشخصية المحورية «باشيخ» رب الأسرة وزوجته ثم الحمار وخادم باشيخ، و يكون لباس شخصيات المسرحية على شكل جلود الحيوانات وقرونها بإضافات طفيفة كالقبعات وإفراغ العسل على هندام الخادم والأسمال البالية لجمع الذباب تعبيرا عن اتساخه ومعاناته التي يعيشها الخادم عامة، تدور عقدة المسرحية على عدم رضوخ زوجة باشيخ لرغباته الجنسية ليقترح عليها الاحتكام لدى القاضي الذي يقضي بأن تمضي الزوجة ليلة كاملة تحت سقف القاضي (أي في منزله) الذي يبدأ بدوره في مغازلة الزوجة، في حين يهتم الخادم بعرض سلعته البالية التي لا تعد ذات قيمة، بينما الحمار أو البقرة تركل الخادم والجمهور، إلى أن يقوم القاضي للصلاة فيتيمم في الظلمة الحالكة على مؤخرة الزوجة التي تستنجد صارخة بزوجها، يتمرغ الجميع بعد أن يلبي باشيخ نداء زوجته في الأزبال و السماد الحيواني المتراكم، وتفرغ كمية من القطران التي تكون بحوزة الزوجة وتلون وجوههم بألوان مختلفة رمادية وسوداء وحمراء في وسط تعالي صيحات وضحكات الجماهير المتفرجة وتبدأ مرحلة الجري في أرجاء القرية واللعب واللهو طول الليل إلى حدود صباح اليوم الثالث من العيد.

وفي ليلة اليوم الثالث للعيد يجتمع شبان وصغار المداشر ويصنعون رأس بقرة بواسطة أدوات بسيطة والتي غالبا ما يكون لها جمجمة حيوان ميت مثبتة على مذراة حديدية ذات رأسين حيث تحذف الرأس الوسطى ويد خشبية طويلة، ينحني شاب على المذراة إلى أن يتطابق رأسه تحت رأس البقرة ثم يلتحف باقي جسده بجلد الكبش أو البقرة حيث يظهر على شكل بقرة ذي أذنين طويلتين، يتبع جميع الشبان البقرة نحو المداشر القريبة لجمع لحم العيد والخضروات عن السكان وذلك لإقامة حفلة كبيرة وسط القبيلة تطهى فيها تلك اللحوم وغالبا ما تقام الحفلة في مسجد من المساجد، ويطلق على هذه البقرة بـ: «ثافوناست نتفاسكا» (بقرة العيد) أو «بقرة باشيخ»، وتركل البقرة كل من امتنع عن مدها باللحم وهي غير مسؤولة عن الأضرار التي تترتب عن ذلك، في حين يهدده جمهور البقرة المتكون من الشباب غالبا بأن يفعلوا به ما فعلوا بشخصية باشيخ في المسرحية حيث يرشقونه بذبال الحيوانات اليابس.

اليوم في مجمل شمال إفريقيا تكون ليلة العيد مناسبة لخروج العائلات خصوصا في المدن مرفوقة بالأطفال الصغار لابسين ألبسة تقليدية جديدة فيما آخرون يرتدون ألبسة قصد التنشيط في صور تمثل مختلف الحيوانات حيث يثيرون فضول الصغار يحيونهم ويلاعبونهم.

 

طريقة نحر وسلخ الأضاحي في شمال إفريقيا:

في القديم كانت أحشاء الأضاحي تمزق بشكل عشوائي قبل أن يتم التخلص منها، فيما ترسخت بعض التقاليد القديمة في كيفية استغلال أعضاء الأضحية كاملة دون أن يرمى منها أي شيء، حيث تصبن وتملح جلود الأضاحي وتستعمل بعد تجفيفها مع مسحوق «أزاريف» (الشب) الذي يكبح تعفنها ورائحتها الكريهة قبل أن تجف، للجلوس أو النوم عليها أيام الشتاء والبرودة، فيما كانت تستعمل قديما للحفاظ على الشعير أو الدقيق، وتعلق مرارة الكبش قبل أن تصل الأرض على جدار المنزل حيث يعتقد أنها تنبئ «بالصابة»  السنوية التي يرتقب أن تأتي الموسم المقبل للعيد، ويعتقد أنه إن وجدت مرارة الأضحية مليئة فإن الصابة ستكون كبيرة في السنة المقبلة، أما إن كانت خالية أو نصف مليئة فذلك ينبئ بسنة فلاحية ضعيفة  لذا يتم التخلص من الأخيرة تفاديا لحدوث نقص في الأمطار، أما رأس الأضحية فغالبا ما تقدده  النساء ليؤكل في عاشوراء أو في سابع أيام العيد مع الأطراف الأربعة للأضحية.

وتعلق قرون الكبش عادة في مكان عال من البيت أو على الأشجار المثمرة وذلك اعتقادا منهم أنها تطرد الأرواح الشريرة وتحول دون وقع عين الحسود كما تساعد على كثرة ثمار الأشجار لتعطي غلة كبيرة، ومعروف في التقاليد الأمازيغية أن الكتف الأيمن للأضحية يؤكل في ثالث أيام العيد ويحفظ عظمها في «إيرم ن تاسيرث»  والذي يمكن من رؤية المستقبل في اليوم الرابع للعيد، ويرى فيه مستقبل الصابة وكمية الأمطار ثم أخبار موتى العائلة في القبور، وتتبع في ذلك قواعد مضبوطة متوارثة بين الأجيال وغالبا ما تتعلمها النساء المسنات في المنازل، وتوضع عظمة الفك الأيمن لرأس الأضحية في مكان عال داخل البيت دون أن تلمس الأرض وذلك لمجموعة من الأغراض نظرا لأهمية الأضحية ودرجة تقديسها لدى الأمازيغ، والغاية من الفك الأيمن هو درء العين الحسودة وجلب الحظ السعيد لأفراد العائلة، كما لها وظائف أخرى مثل مداواة آلام الأسنان والأذن والعكس لدى الفتيات العانسات في حين يعتقد أن للفك الأيمن فوائد كثيرة وأفضال كبيرة عن المرأة العاقك أو التي تأخرت عن الإنجاب.

وتبادر ربة البيت في تنقية أحشاء الأضحية من أمعاء وكبد ومعدة والتي تسمى بالكرشة أو الدوارة، وتبعد عن ذلك كل متزوجة حديثا عن مس أو المشاركة في تنظيف الدوارة، وتقلب الأمعاء بواسطة عود رقيق غالبا ما يكون من شجرة الزيتون نظرا لسلاسته بعد نزع قشرته الخضراء الخارجية، توضع الأمعاء بعد قلبها في إناء وتغسل جيدا بمواد منظفة إلى أن يتم إماطة بقايا طعام الأضحية، أما الكرشة فيفرغ محتواها بعيدا عن المنزل وتقلب على واجهتها الداخلية الخشنة ثم تحك بواسطة أداة حادة أو يتم حكها على صخرة صلبة، في حين توقد النار في المجمار أو بعيدا نوعا ما عن المنزل حيث توضع عليها رأس الأضحية وأطرافها مباشرة وذلك للتخلص من الصوف والشعر نهائيا، ثم يتم تنظيفها جيدا بمواد التنظيف مع المياه الصافية، بعد ذلك تشقها ربة البيت وتقطعها على طريقة خاصة حيث تخلط بكثير من الملح لكبح تعفنها وقتل الدود إضافة إلى المنسمات الطبيعية للأكل كالزيت والأبزار والفلفل ومنسمات أخرى، يترك كذلك لمدة معينة من الزمن إلى أن تمتص المكونات وتمتزج فيما بينها وبعد ذلك تعلق على الحبل لتجف جيدا ولا تؤكل إلا في رأس السنة الهجرية «عاشوراء» حيث يسمى بـ «رقديذ» أو «ثيمغطال»، وهناك من ربات البيوت من تطهو بعضا من هذه الوصفة في سابع أيام العيد.

وهناك طقوس أخرى لدى بعض قبائل الصحراء والطوارق حيث لا يؤكل من الأضحية إلا ثالث أيام العيد سوى المعلاق (القلب والكبد والرئة) والدوارة، حيث تنقى جيدا وتطهى مع الطماطم والعطرية والبصل وتسمى في شمالي المغرب والجزائر بـ «الشرميلة» أما في مجمل شمال إفريقيا فيطبخ المعلاق بطريقة أخرى، حيث يقطع القلب والكبد إلى قطع صغيرة تلف بشحم الأضحية ثم توضع في قضبان صغيرة وتشوى على نار الفخار الهادئة وهذه الأكلة لذيذة وتسمى «بولفاف»، وتعد الشرميلة وبولفاف أكلتين محليتين تمتاز بهما منطقة شمال إفريقيا كأكلتين أساسيتين في اليوم الأول لعيد الأضحى.

ويسود الاعتقاد أن الجن يأتي إلى الأضحية أو السقيطة أي جثة الأضحية، لذا تقام لها طقوس أخرى لحمايتها من ذلك حيث تعلق عاليا أو توضع على مائدة عالية ويغرز فيها سكين أو سيف كبير قصد طرد الجن والأرواح الشريرة، فيما يترك قنديل مضاء بجانبها اعتقادا منه أن الجن والأرواح الشريرة تأتي في الظلام ولا تأتي إلى الأماكن المضاءة.

 

طقوس الاحتفال بالناير أو رأس السنة الأمازيغية:

السنة الأمازيغية الجديدة أو ما يسمى لدى الأوساط الرسمية في شمال إفريقيا بالسنة الفلاحية الجديدة، وتحل كل اليوم 13 من يناير من السنة الميلادية ويسميها الشعب الشمال إفريقي الكبير بـ: «الناير» أو بـ «أسكواس أماينو»، إذا كان التقويم الميلادي مرتبطا بميلاد عيسى والهجري مرتبطا بهجرة الرسول (ص) فإن التقويم الأمازيغي لا يرتبط بحدث ديني أو تعبدي بل يرتبط بانتصار الملك الأمازيغي (شوشونغ) الذي تمكن من هزم الفراعنة على ضفاف النيل بعدما جمع كل القبائل الأمازيغية المتواجدة غرب النيل، ليصل بذلك إلى حكم نصف مصر وما جاورها من بلاد الأمازيغ غرب النيل، حيث جاءت هذه الحرب التي خاضها شوشونغ بعد الممارسات اللاإنسانية والاستعبادية التي كان ينهجها الفراعنة ضد الشعب الأمازيغي، لذلك لمَّا انتصر الأمازيغ سنة 950 قبل ميلاد عيسى على الفراعنة حرر بذلك كل المستعبدين الأمازيغ، أخذت الأوساط الأمازيغية ككل الأمم تقويمها من هذا اليوم والذي يصل اليوم إلى 2960 سنة أمازيغية منذ الانتصار الكبير للملك الأمازيغي شوشونغ، إذ يعتبر الشعب الأمازيغي هذا الانتصار يوما مشهودا في تاريخهم و تاريخ الإنسانية يستحق الاحتفال به، ولأنهم شعب مرتبط بالأرض ارتباطا روحيا جعلوا منه بداية تقويمهم.

وتختلف طقوس وعادات وتقاليد الاحتفال بالسنة الأمازيغية داخل بلدان شمال إفريقيا من منطقة لأخرى، ونجد أن هذه العادات والتقاليد تختلف حسب الجهات المكونة لبلد واحد، ففي المغرب ورغم اختلاف الاحتفال من منطقة إلى أخرى نجد هناك تقليدا مشتركا بين جميع المناطق، ويتمثل في إعداد النساء اليوم الأخير من السنة المقبلة على نهايتها وجبات وأكلات خاصة تتفاوت مكوناتها من جهة لأخرى وذلك حسب المنتوج المحلي لكل قبيلة أو جهة معينة وحسب نوع الإنتاج الفلاحي لكل منطقة.

وفي الأطلسين الصغير والكبير يتبادل السكان يوم رأس السنة الأمازيغية التهاني والتحيات، وغالبا ما يكون الاحتفال مشتركا بين الأقارب والجيران الذين يمارسون بشكل سنوي فقرات من الرقص والغناء الجماعي، وتعد النساء شربة «أوركيمن» التي تطبخ فيها جميع أنواع الحبوب والقطاني التي أنتجتها الأرض خلال السنة الفارطة، ويحرصن على الانتهاء من طهيها قبل غروب الشمس، وذلك قصد توزيع جزء منها على أطفال القرية، حيث يطوفون على البيوت مرددين بصوت واحد ( أوركيمن، أوركيمن، أوركيمن...)، وتعتبر هذه الشربة من الوجبات الضرورية التي يتوجب على كل أسرة أن تتناولها في ليلة رأس السنة الفلاحية الجديدة، في حين تضاف للشوربة وجبات أخرى حسب إمكانيات كل عائلة، في حين تذبح كل عائلة دجاجة أو كبشا وذلك حسب إمكانيات كل عائلة على حدة نظرا لتشبث سكان شمال إفريقيا بطقس القرابين عند كل احتفال من الاحتفالات وتذبح عند أبواب المنازل حيث ساد الاعتقاد أنها تطرد الأرواح الشريرة والعين فيما يعتقد أيضا أن لها مزايا أخرى عديدة ومنها التقرب إلى الله واستقبال السنة الجديدة بنوع من الاطمئنان النفسي خصوصا عندما تبتدىء السنة بنزول الأمطار، ويتم إعداد طعام الكسكس من دقيق الشعير ومن جميع أنواع الحبوب والخضر المعروفة في منطقة الأطلس، كما توضع فوق الموائد أطباق تقليدية «إينوذا» مليئة بالفواكه الجافة من لوز وجوز وتين وزبيب وتمر وغيرها من القطاني المحمصة، وتعمل النساء على تنظيف البيوت وتزيينها، ويضع الرجال قصبا طويلا وسط الحقول حتى تكون الغلة جيدة و كي تنمو بسرعة، فيما الأطفال يقومون بقطف الأزهار والورود ووضعها عند مداخل المنازل وبتغطية أرضية حظائر الحيوانات الداجنة بالأعشاب الطرية، ويرتدي الجميع ملابس جديدة فيما تحلق رؤوس الصغار وتتعهد ظفيرتهم.

فيما تأخذ طقوس الاحتفال بالناير في مجمل شمال إفريقيا نفس الشكل حيث تقوم النساء في مناطق أخرى يإعداد طبق كسكس يسقى من مرق مكون من اللحم وسبع خضر أو أكثر، يضعن فيه نواة تمرة واحدة، حيث ساد الاعتقاد أن من يجد هذه النواة أثناء الأكل سيكون سعيدا ويعتبر المحظوظ والمبارك فيه خلال السنة الجديدة من طرف الرب، ومن الأقوال المأثورة أيضا عند سكان شمال إفريقيا أن من لم يشبع من الطعام في ليلة رأس السنة فإن الجوع سيطارده طيلة السنة الجديدة وذلك لحث الجميع على الأكل بشراهة يوم رأس السنة باعتباره عيدا مقدسا، ومن جملة هذه المعتقدات كذلك أنه إذا أمطرت السماء في تلك الليلة أو في اليوم الأول من السنة الجديدة، فإن الأمطار ستنزل بغزارة خلال هذه السنة وسيكون الموسم الفلاحي جيدا وتكون المحاصيل الزراعية مهمة.

وفي مناطق أخرى فإن النساء يقمن في ليلة رأس السنة بوضع ثلاث لقمات قبل النوم في سطوح المنازل، ورقم ثلاثة يرمز إلى الشهور الثلاثة الأولى من السنة: يناير، فبراير و مارس، واستدرارا للمطر يرشن من بعيد المكان الذي وضعت فيه اللقمات بشيء من الملح، وفي الغد يقمن بتفحص هذه اللقمات، ويعتقدن أن اللقمة التي سقط عليها الملح تحدد الشهر الذي سيكون ممطرا.

وفي مناطق أخرى خصوصا منها منطقة المغرب الشرقي ومناطق القبايل بالجزائرفإنها تولي أهمية بالغة لحلول السنة الأمازيغية الجديدة، إذ يتم الاحتفال برأس السنة بشكل كبير على غرار باقي الأعياد الدينية ويتم خلالها تبادل الزيارات والتباريك والتهاني بين أفراد العائلة التي يتجمع أغلبها في جو احتفالي يبدأ الإعداد له قبل أسبوع، وتعج أسواق المنطقة بمختلف الفواكه الجافة كالجوز واللوز والزبيب والفول السوداني (قاويت)  التي يتم خلطها داخل نفس الكيس، إضافة إلى حلويات من مختلف الأنواع (ويشتهر منها النوع المعروف بالكعك) وتباع بأثمان مناسبة في فترات الأعياد بالأسواق، في حين يتم إعداد وجبة عشاء تدعى «بركوكش» أو (أبرابر Ð أفرفور)الذي يفتل ويصنع يدويا من دقيق الشعير وأحيانا من القمح  وتخلط معه القطاني والحلبة والطماطم والقزبر واللحم الذي يكون في الغالب دجاجا، وتقدم طيلة اليوم الفواكه الجافة للضيوف مع الشاي، وفي بعض المناطق يتم ترك حصة من العشاء في الهواء الطلق تحت القمر تبركا بالموسم الجديد. وإضافة إلى ما سبق، فإن سكان منطقة فكيك على وجه التحديد يحضرون ما يسمونه «الكليلة» وهو لبن يتم تجفيفه محليا في مواسم وفرة الحليب، إذ يحول إلى حبوب تشبه الحصى، وخلال احتفالات رأس السنة يصبون الماء على هاته الحبوب ويصنعون منها لبن الكليلة الذي يوزع على الضيوف وأفراد العائلة، وغالبا ما يوزع إلى جانبه اللبن الطري إذا توفرت عليه العائلة يوم رأس السنة.

وبالريف المغربي  يخصص السكان  يومين للاحتفال بقدوم السنة الجديدة، حيث يطلق على اليوم الأول من السنة الجديدة بـ «أس نثشاريت إينوذا»  حيث تملأ الأطباق بجميع أنواع الفواكه الجافة التي يملكونها أو التي يعمدون إلى شرائها قبل يوم الاحتفال وذلك من اللوز وثيمويازأو ثيغواوين والتين اليابس والزبيب والتمر والحمص والفول ومختلف القطاني اليابسة والمحمصة بعناية، وتقوم النساء بصنع كميات كبيرة من الفطائر ومنها المسمن و البغرير وخصوصا «ثافظيرث إيمندي» (خبز الشعير)، ويتوزع صبيان كل قرية إلى مجموعات يطوفون على بيوت الدوار مرددين عبارة» يانوبÐ يانوب» تخرج النساء ويعطين كل مجموعة نصيبها من الفواكه الجافة والفطائر الشهية، وقد يقفون أمام منزل يأوي عروسين حديثي الزواج، فيرددون عبارات مختلفة خصوصا الخاصة بالعروسين حيث يقولون: «يانوب، يانوب، أثسريث أنع ن جذيذ، أوشاناغ شوايت نتريذ، نيغ أم نعرض ذي وابريذ»  ويبقى الصبيان يكررونها أمام باب منزل العروسين الجديدين إلى حين خروج العروس لإعطائهم ما يطلبون وإلا فإنهم يعترضون طريقها كما يقولون، وعندما ينتهي الصبية من الطواف على جميع المنازل، يجتمعون فيما بينهم في المساء، حيث يقومون بتوزيع ما جمعوه فيما بينهم.

وفي مجمل شمال إفريقيا تتشابه عادات الاحتفال فيما بين جميع القبائل والمناطق نظرا لتشاركها مجموعة من العادات والتقاليد ونظرا للاتصال الوثيق فيما بينها، إذ يتم توفير بعض الفواكه الجافة وخاصة التين والزبيب وإعداد وجبات من الحبوب والقطاني مثل ثيغواوين التي يتم إعدادها بتحميص القمح أو الشعير ووجبة إمشياخ التي تجمع بين القطاني كالعدس والفول والجلبان والحبوب وخاصة الذرة والقمح إضافة إلى الثوم والقزبر ومختلف أنواع العطور والمنسمات الطبيعية والأعشاب الصحراوية خصوصا لدى بلاد الطوارق التي تمتاز جميع أكلاتها بالأعشاب الشهية والرائحة الزكية، كما يتم إعداد وجبة البقول  وذلك من النباتات التي تكون موجودة في فترة الاحتفال خصوصا بعد هطول الأمطار في أول السنة الفلاحية أما في وجبة العشاء التي تعتبر أساسية فيتم إعداد عدد كبير من الرغايف أو ثاغيفين أو رمسمن وكمية مهمة من الثريد، في حين يذبح ديك بلدي ويطبخ في المرق الكثير دون فواكه أو خضر مع مجموعة من الأعشاب والعطور المنسمة، ويتم تقطيع مختلف الرغائف التي تم إعدادها في صحن أو قصعة كبيرة أو كما تدعى عموما بـ«ثازوضا» لإعداد الرفيسة حيث يصب عليها الدجاج المطبوخ مع مرقه الشهي والمنسم، وغالبا ما تضاف الفواكه المتوفرة حسب المواسم في كل منطقة على حدة في مجمل شمال إفريقيا في حين تقدم قداديح الحليب واللبن لدى بلاد الطوارق والمناطق الصحراوية بالخصوص نظرا لبعدها عن مناطق تواجد الفواكه إلا داخل الواحات حيث تتوفر بعض الفواكه الطرية، في حين يوضع البيض المسلوق فوق الرفيسة.

وتحتفل منطقة سوس بالمغرب بشكل خاص على طريقتها في الشوارع، فمن حيث إحياء الأعياد من ناحية إعداد الأكلات والطقوس فلا تختلف على طول شمال إفريقيا، في حين خارج البيوت تختلف نوعا ما حسب الموروث الشفهي لكل منطقة على حدة، يدعى اليوم المبارك لدى منطقة سوس وهو اليوم الأول من السنة الفلاحية بـ:«بوجلود»، حيث يخرج الشبان إلى الخارج لابسين جلود الحيوانات الأليفة منها بالخصوص ومنها جلود البقر والأكباش والماعز، آخذين في أيديهم قوائم الحيوانات ليقوموا بالتجوال في مختلف الشوارع حيث يضربون المارة من الناس بقوائم الحيوانات نظرا للاعتقاد السائد أن فيها بركة وأن السنة الجديدة تحل بالخير واليمن والبركة على المضروب بقوائم الحيوانات المضحى بها خصوصا في رأس السنة الأمازيغية الجديدة، ويعد هذا التقليد عريقا في القبائل السوسية منها بالخصوص وأجزاء أخرى من شمال إفريقيا ومنها الأطلس والصحراء، في حين تعرف هذه التقاليد بالشمال الإفريقي بـ«بقرة العيد» أو «باشيخ» ويلبس الشبان في المناطق الأخرى وبالريف وشمال الجزائر جلود الحيوانات المضحى بها، يجتمعون وراء بقرة العيد ثم يبدأون في جولة على منازل الدواوير، يدقون كل منزل على حدة وحين فتح الباب خصوصا من طرف ربات البيوت، يرتمي لابس جلود الحيوانات والمتمثل في بقرة العيد داخل المنزل منبطحا على بطنه في تمثيلية هزلية كأنه مغمى عليه ولا يقوم إلا بعد تقديم شيء له من طرف ربة البيت، حيث يخطب عارف بالأقوال والحكم الأمازيغية ويردد معه الجميع: «إن باشيخ يريد الأكل، وفي رحلته سيحتاج السكر والتمر، وأبناؤه يحتاجون للطعام، وزوجة باشيخ تنتظر هدية وهو عاطل عن العمل، باشيخ يريد أن يسافر لدياره كما أنه بحاجة إلى الاحتفال بالعيد ويريد تمضية هذه السنة كلها في سعادة، وغيرها من الأقوال في صيغة قصيدة ذات قافية واحدة ولحن جميل» ، تضطر ربة البيت إلى تقديم أي شيء لبقرة العيد أو باشيخ لأنه لا يشترط أي شيء على المنازل فهو يأخذ كل ما يقدم له من طرف النساء، كل حسب قدرتها وعلى حسب إمكانيات كل عائلة على حدة، فمنها من تقدم الحلوى أو التمر أو ثيغواوين أو الشعير، ومنها من تقدم نقودا أو لحمًا أو قالبا من السكر، ومن لا يتواجد لها أي شيء فإنها تقدم لبقرة العيد بيضا أو حليبا، ويجتمع الجميع وسط القبيلة أو وسط القرى لاقتسام ما توفر لديهم من هذه العملية، في حين تقام مأدبة بالمواد التي جمعت على شرف باشيخ أو بقرة العيد.

 

طقوس ذكرى عاشوراء أو رأس السنة الهجرية في شمال إفريقيا:

على مر العصور التاريخية تعرف طقوس الاحتفالات بالأعياد الدينية تداخلا وامتزاجا بين مختلف الحضارات والديانات التي اعتنقها سكان شمال إفريقيا، فيوم طقوس إحياء عاشوراء تمتزج فيها عادات أمازيغية بالخصوص وإسلامية ثم عادات وثنية ويهودية ومسيحية نظرا لارتباط السكان الوثيق بالعادات والتقاليد الموروثة عن الأجيال السابقة، فطقوس الاحتفال بهذه المناسبة في شمال إفريقيا تختلف جذريا في الشكل والمضمون مع طقوس إحياء المناسبة ذاتها في الشرق وفي مناطق أخرى من العالم الإسلامي بشكل محدد، وفي المغرب على سبيل المثال يسمى رأس السنة الهجرية بيوم «زمزم» وهذه تسمية مرتبطة بشكل مباشر مع الديانة الإسلامية نظرا لتواجد زمزم بمكة المكرمة، إلا أن الطقوس التي تقام في هذا اليوم غالبيتها موروثة عن الأجيال السابقة والتي اعتنقت الديانة اليهودية لعدة قرون قبل مجيء الإسلام والمسيحية، فنسبة التسمية زمزم هي التراشق بالماء النقي بين المحتفلين داخل المنازل وفي الشوارع أيضا.

ويسمى رأس السنة الهجرية أيضا بـ: «بابا عيشور»، ويعتبر بابا عيشور هوراعي احتفال عيد عاشوراء، حيث يقترن اسمه وأعماله بـ: «بابا نويل» لدى المسيح حيث بابا نويل الراعي لاحتفالات رأس السنة الميلادية أو عيد الميلاد، وتقام احتفالات بابا عيشور المماثلة لاحتفالات بابا نويل حيث يقدم للأطفال مختلف الهدايا والأكلات ومختلف أنواع الحلويات في هذا اليوم، إضافة إلى إعداد مجموعة من الأكلات المحلية المشهورة احتفالا بقدوم بابا عيشور، فيما تجتمع النساء ليلا حيث يرقصن ويغنين ألحانا جميلة على إيقاعات الطبلة أو البندير وغالبا ما تغني النساء في المغرب على إيقاعات الطعريجة التي تباع في الأسواق بشكل كبير خصوصا في عاشوراء، فيما تشترى للأطفال أيضا حيث يلبسون أحسن وأنظف الثياب ثم يجوبون الشوارع يغنون ألحانا وأشعارا خاصة بعاشوراء على إيقاعات ونغمات الطعريجة.

وفي أرياف شمال إفريقيا خصوصا في المغرب وشمال الجزائر ولدى الطوارق أيضا جنوب الصحراء، يخرج الشبان إلى الغابة في الصباح الباكر يجمعون ما تيسر من الحطب وخصوصا منه نبات السدرة الذي يتوفر بكثرة في هذا الموسم، يضعونه على شكل كومة كبيرة وسط القرية، وعند اقتراب وقت غروب الشمس، توقد النيران في الحطب ويبدأ الجميع خصوصا القادرون على القفز في القفز على النيران المشتعلة، وذلك بعد القيام ببعض الطقوس خصوصا منها وضع ماء العنب الغير الناضج بشكل جيد بعد عصره أو عصره مباشرة في العينين لكل قافز أو مشترك في القفز، وهذا ما يسمى لدى سكان شمال إفريقيا بـ: «العنصرة» أو «أرعنصاث»، ويعتبر ماء العنب الحامض نوعا ما حاميا للعين من شدة النيران ولإبعاد العين خصوصا عن المشترك وعائلته، فيما تقام نيران صغيرة لتعليم الأطفال وتدريبهم على قفز النيران، ويعتبر هذا الطقس موروثا عن حقبة قديمة جدا وذلك قبل قدوم الديانات السماوية إلى شمال إفريقيا، حيث تقديس النيران خصوصا بعد قفزها يكون قد أحرق العين والأرواح الشريرة التي كانت تترصد به وبعائلته، ومازالت مجموعة من المناطق تمارس هذا الطقس الاحتفالي خصوصا في الريف المغربي وشمال الجزائر والأطلس، في حين انقرض هذا الطقس في بعض الأماكن من شمال إفريقيا خصوصا داخل المدن.

ومن جانب آخر يعتبر بابا عيشور أو عاشوراء موسما جيدا لممارسة السحر والشعوذة لدى النساء، حيث يعتقد أن هذه الفترة أفضل من أي فترة في السنة نظرا لمقامها العلي لدى الإله، فيما تقوم النساء قبل عيد عاشوراء بقص شعورهن وتخضيبه بالحناء ووضعها على أيديهن وأرجلهن كما يضعنه على أيدي الأطفال، وحيث يرتبط هذا الاحتفال بطقوس الاحتفال بعاشوراء بالمشرق وهي ترسبات لطقوس شيعية بالأساس والتي كانت بعض الفرق الصوفية المغربية تقيمها خصوصا طقس تسويد الوجوه التي تعبر عن الحزن على الإمام الحسين بن علي الذي قتل في مثل هذا اليوم، فيما يغيب طقس العنف والذي استبدل بالنواح لدى مجموعة من الفرق بشمال إفريقيا خصوصا منها النساء حيث ينحن على موت الإمام دون وعي منهن عن ماذا ينحن لأنهن يعتبرنه تقليدا موروثا عن الأجيال السابقة فقط، وليس اعتبارا منهن أنه نواح عن الإمام الحسين المغدور في مثل هذا اليوم، وتخرج النساء في المغرب على وجه التحديد إلى الشوارع لابسات عباءات أو كما تسمى في شمال إفريقيا «قندورات» دون لبس السراويل أو أية شيء تحت هذه العباءات، ويشعلن مجاميرهن الصغيرة يحرقن فيها مختلف أنواع الجاوي والبخور المستقدمة من مختلف أنحاء العالم خصوصا من شرق آسيا المشهورة بهذا النوع من البخور، ولهذه المناسبة الخاصة طقس آخر بين الرجل والمرأة، حيث أن المرأة في عاشوراء تتمتع بالحرية التامة ولا تكون للرجل عليها أية سلطة خصوصا في المغرب حاليا، وهناك مجموعة من الأشعار ترددها النساء بعد خروجهن إلى الشوارع وهي من قبيل: «عايشوري عايشوري // عليك نطلق شعوري» ويرددن أيضا مقولة: «هذا عاشور ما علينا حكام أللا // عبد الميلود يحكموا الرجال أللا» ويرددن ذلك في أنغام وألحان جميلة تحت ضربات الطبلة أو غالبا ما تكون الطعريجة، ويدعين أن هناك ساعة من ساعات ليلة هذا اليوم تفتح فيها أبواب السماء، وإن فتحت فعلى العبد إلا أن يطلب ما شاء لأن دعوته مستجابة في السنة المقبلة مثل هذا اليوم.

وتعد هذه المناسبة من السنة أيضا مناسبة لإعداد مجموعة من الوجبات والأكلات الشهية، وغالبا ما تعد النساء الكسكس مع لحم عيد الأضحى «القديد» أو اللحم المملح، كما العادة لدى جميع سكان شمال إفريقيا، في حين لابد من حضور الفواكه الجافة في أي مناسبة من المناسبات أو عيد من الأعياد، حيث تقدم الفواكه الجافة المتنوعة ممزوجة بحبات من القطاني المحمصة والمملحة ومختلف الحبوب المنقاة بعناية والمحمصة والتي تسمى «ثيمغطال» أو «ثيغواوين»، تكون مناسبة عاشوراء لربط التواصل بين جميع أفراد العائلة والجيران، وتبادل الزيارات بين العائلات حيث تجتمع النساء ويضربن الطعريجة ويغنين أنغاما جميلة في حين أن الرجال يجتمعون على ترديد الأمداح النبوية وترديد الحاديث النبوية، في حين يخرج الأطفال الصغار إلى الشوارع مرددين مجموعة من الأناشيد والأغاني الخاصة بعيد عاشوراء بشكل خاص.

 

ملحوظة:

تتخلل الملف مجموعة من العادات والتقاليد والطقوس التي تقام في شمال إفريقيا والتي اعتمدنا في إيرادها على الموروث الشفهي في المنطقة، ومجموعة من العادات التي مازالت حية يواظب على إحيائها سكان شمال إفريقيا.

 

الهوامش والمراجع

- أستاذ باحث بمعهد الآثار بالرباط وأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة.

- ندوة حول أقدم إنسان في التاريخ بمكتبة المركب الثقافي بالناظور  يوم 08 أبريل 2010 نشرت على موقع ناظورسيتي.

- شاعر إفريقي قديم إعتنق المسيحية بعد دخولها إلى شمال إفريقيا.

- فلافيوس كوريبوس ملحمة الحروب الليبية.

- آلهات ليبية.

- زوجة الملك آثاماس الثانية.

- إله ليبي.

- عيد الفطر هو العيد الصغير وعيد الأضحى هو العيد الكبير.

- السنة الأمازيغية الجديدة.

- عيد أمازيغي.

- أكلة شمال إفريقية.

- الشعير المحمص.

- تصنع بالخزف وتوضع على أحد جهتيها المفتوحتين جلد الحيوان لتعطي شكل طبل صغير.

- عيد الأضحى.

- أوجيست موليراس Çالمغرب المجهول إكتشاف الريفÈ

- الغلة الفلاحية السنوية.

- القديد هو اللحم المملح والمجفف تحت  أشعة الشمس، وقد عرفت شمال إفريقيا بتمليح اللحوم والسمك بالخصوص حيث كانت تصدرها إلى باقي العالم في فترات ما قبل التاريخ.

- أو إيلم أو أوجليم ن تاسيرث وهو جلد الرحى، حيث هو أصلا هيضورة الكبش التي تصنع منها تالزا أو ما يسمى ثاسطا بمعنى مكنسة صغيرة تجمع بها ما تبقى من الدقيق حول الرحى اليدوية بعد طحن الشعير.

- جمع ÇأندوÈ وهو الطبق وتطلق على مجموعة من الأطباق فمنها من يصنع بالحلفة ومنها من يصنع بالخزف.

- الفول السوداني

- أي يوم ملء الأطباق الكلاسيكية المصنوعة بالحلفاء، وإينوذا جمع أندو أو ثندوت.

- يانوب يانوب، يا عروستنا الجديدة، أعطينا شيء من الفطائر، وإلا فسنعترض طريقك.

- إغديون أو إوذب أو كما تسمى عموما ثيبي.

- نوع من الرغائف الرقيقة دائرية الشكل ويتم طهيها على الترادة التي تكون عبارة عن قدر يدعى أقتوش، ويشبه التريد في طهيه بطريقة إعداد ما يسمى بورقة البسطيلة أو الورقة الخاصة بالحلويات.

- عن الموروث الشفهي بالريف، مستقاة من معمري الريف المغربي.

أعداد المجلة