فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الدريشة

العدد 19 - لوحة الغلاف
الدريشة
كاتبة من البحرين

كانت‭ ‬الدريشة،‭ ‬مصدر‭ ‬الضوء‭ ‬والهواء‭ ‬الطلق‭ ‬في‭ ‬العمارة‭ ‬التقليدية‭ ‬بمملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬عنصر‭ ‬مهم‭ ‬يضيف‭ ‬على‭ ‬المبنى‭ ‬قيمة‭ ‬جمالية‭ ‬تميز‭ ‬البيوت‭ ‬التقليدية،‭ ‬في‭ ‬انتماءاتها‭ ‬الطبقية‭ ‬ومستوى‭ ‬اهتمام‭ ‬أهالي‭ ‬تلك‭ ‬البيوت‭ ‬بتنسيقها‭ ‬وزخرفتها،‭ ‬فكانت‭ ‬تلك‭ ‬النوافذ‭ ‬يزداد‭ ‬عددها‭ ‬بشكل‭ ‬متراص‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البيوت‭ ‬الواسعة‭ ‬وبعضها‭ ‬يكون‭ ‬عددها‭ ‬قليلا‭ ‬وزخرفتها‭ ‬بسيطة‭ ‬فالدريشة‭ ‬في‭ ‬مفهومها‭ ‬الحديث‭ ‬تسمى‭ (‬نافذة‭).‬

وفي‭ ‬الماضي‭ ‬كانت‭ ‬الدريشة‭ ‬تأخذ‭ ‬أشكالا‭ ‬مختلفة،‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬زخرفتها‭ ‬والخامات‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬تجميلها‭ ‬والعناصر‭ ‬الزخرفية‭ ‬والهندسية‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬تعدد‭ ‬أنماطها،‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬الدرايش‭ (‬جمع‭ ‬دريشة‭ ) ‬مصنوع‭ ‬من‭ ‬خشب‭ ‬الأبنوس‭ ‬أو‭ ‬الساج‭ ‬المطلي‭ ‬بطبقة‭ ‬من‭ ‬الدهان‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬رطوبة‭ ‬الجو‭ ‬وارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة،‭ ‬وكان‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الثلاثينيات‭ ‬يعتمدون‭ ‬عليها‭ ‬للتهوئة‭ ‬وتكييف‭ ‬المكان‭ ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬طويلة‭ ‬شامخة‭ ‬ومتعددة‭ ‬بحيث‭ ‬تشكل‭ ‬صفين‭ ‬متوازيين‭ ‬في‭ ‬الغرف‭ (‬الحجر‭) ‬يدخل‭ ‬نسيم‭ ‬الهواء‭ ‬من‭ ‬اليمين‭ ‬مارا‭ ‬إلى‭ ‬اليسار‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬مستمرة،‭ ‬تاركا‭ ‬آثار‭ ‬رائحة‭ ‬البحر‭ ‬أو‭ ‬لقاح‭ ‬النخيل‭ ‬تعطر‭ ‬المكان،‭ ‬ويدخل‭ ‬في‭ ‬صناعتها‭ ‬الحديد‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬قضبان‭ ‬ناعمة‭ ‬مستديرة‭ ‬السطح‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬العلوي‭ ‬مصفوفة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬طولي،‭ ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجزء‭ ‬السفلي،‭ ‬فتتخلله‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬الخشب‭ ‬المستطيلة‭ ‬الشكل‭ ‬والمسطحة‭ ‬تشبه،‭ ‬المساطر‭ ‬المصفوفة‭ ‬بشكل‭ ‬أفقي،‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬مائل‭ ‬يعكس‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى،‭ ‬فكانت‭ ‬الدريشة‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬ركنا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬العمارة‭ ‬البحرينية‭ ‬التقليدية،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬متنفس‭ ‬للأطفال‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬يشعرون‭ ‬بالأمان،‭ ‬ينظرون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬الغرفة‭ ‬ليشاهدوا‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬الممتدة‭ ‬يتعاونون‭ ‬في‭ ‬الطبخ‭ ‬والتنظيف،‭ ‬وأثناء‭ ‬المساء‭ ‬يفترشون‭ ‬الحصير‭ ‬المصنوع‭ ‬من‭ ‬سعف‭ ‬النخيل،‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬الحوش‭(‬الفناء‭) ‬فوق‭ ‬طبقة‭ ‬من‭ ‬الصبان‭ ‬الناصع‭ ‬البياض‭ (‬نوع‭ ‬من‭ ‬الأصداف‭ ‬البحرية‭ ‬الصغيرة‭ ) ‬للبدء‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬القهوة‭ ‬واحتساءالشاي‭ ‬والرطب‭ ‬المختلف‭ ‬الأشكال‭ ‬والألوان،‭ ‬المحفوظ‭ ‬في‭ ‬سلال‭ ‬مسفوفة‭ ‬بشكل‭ ‬فني‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬والماروني‭ ‬والأزرق‭ ‬الغامق،‭ ‬فالشيوخ‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬الغوص‭ ‬وأهواله،‭ ‬والجدات‭ ‬يحكن‭ ‬الثياب‭ ‬ويطرزنها،‭ ‬والنساء‭ ‬يجمعن‭ ‬الياسمين‭ ‬والريحان‭ ‬في‭ ‬باقات‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قلائد‭ ‬يتخللها‭ ‬ورد‭ ‬الجوري‭ ‬بلونه‭ ‬الفوشي‭ ‬في‭ ‬تناغم‭ ‬إيقاعي‭ ‬مع‭ ‬اللون‭ ‬الأخضر‭ ‬والأبيض،‭ ‬وهن‭ ‬يضحكن‭ ‬ويتسامرن‭ ‬تحت‭ ‬ضوء‭ ‬القمر،‭ ‬ونوح‭ ‬الحمام‭ ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬المغرب‭.‬

وتعتبر‭ ‬الدريشة‭ ‬عنصرا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬تنقية‭ ‬أجواء‭ ‬المنزل‭ ‬وتطهيره‭ ‬بأشعة‭ ‬الشمس‭ ‬القوية‭ ‬وتجديد‭ ‬الهواء‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تضفي‭ ‬طابعا‭ ‬جماليا‭ ‬لشكل‭ ‬البيوت‭ ‬الناتج‭ ‬من‭ ‬استطالتها‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يتراوح‭ ‬ارتفاعها‭ ‬مابين‭ ‬ثلاث،‭ ‬إلى‭ ‬أربع‭ ‬أمتار‭ ‬تقريبا،‭ ‬وعرضها‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬المترين،‭ ‬وتنقسم‭ ‬إلى‭ ‬قسمين،‭ ‬علوي‭ ‬وسفلي،‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬ظرفتين‭ ‬من‭ ‬الأبواب‭ ‬الصغيرة‭ ‬مزخرفة‭ ‬بمنحنيات‭ ‬وأشكال‭ ‬هندسية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ويتوج‭ ‬هذه‭ ‬النوافذ،‭ ‬شكل‭ ‬نصف‭ ‬دائري‭ ‬هلالي‭ ‬أو‭ ‬مستطيل،‭ ‬مقسم‭ ‬إلى‭ ‬أشكال‭ ‬هندسية‭ ‬يكسوها‭ ‬الزجاج‭ ‬الملون،‭ ‬ويكون‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬الهلالي‭ ‬أعلى‭ ‬النافذة‭ ‬مصنوعا‭ ‬غالبا‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬أو‭ ‬الجبس،‭ ‬المعشق‭ ‬بالزجاج‭ ‬الأصفر،الأخضر،‭ ‬الأحمر،‭ ‬الأزرق‭ ‬الداكن‭.‬

تستطيع‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬هذه‭ ‬النوافذ‭ (‬الدرايش‭ ) ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬أصبح‭ ‬بعضها‭ ‬مراكز‭ ‬ثقافية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬المحرق،‭ ‬وفي‭ ‬المنامة،‭ ‬وبعض‭ ‬القرى‭ ‬وفي‭ ‬بيت‭ ‬الجسرة،‭ ‬المعروف‭ ‬لحاكم‭ ‬البحرين‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬الشيخ‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬الدرايش‭ ‬توحدت‭ ‬الفرجان‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬بيوتها‭ ‬الصغيرة‭ ‬المتراصة،‭ ‬وتناغمت‭ ‬في‭ ‬تعدد‭ ‬أشكالها‭ ‬وأنماطها،‭ ‬فبعضها‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬المجالس‭ ‬التي‭ ‬تنبعث‭ ‬منها‭ ‬أبخرة‭ ‬متطايرة‭ ‬من‭ ‬أفواه‭ ‬المباخر‭ ‬والدلال‭, ‬مصدرها‭ ‬الهيل‭ ‬المعقود‭ ‬بالزعفران‭ ‬والعود‭ ‬والبخور،‭ ‬وأطايب،‭ ‬معتقة‭ ‬في‭ ‬قوارير‭ ‬من‭ ‬البلور‭ ‬والنحاس‭.‬

وبعض‭ ‬النوافذ‭ ‬البسيطة‭ ‬للمطابخ،‭ ‬تكون‭ ‬علامة‭ ‬بارزة‭ ‬لربات‭ ‬البيوت‭ ‬المتميزات‭ ‬في‭ ‬الطهو،‭ ‬فمن‭ ‬خلالها‭ ‬برز‭ ‬كباب‭ ‬شريفة،‭ ‬وهريسة‭ ‬أم‭ ‬يعقوب،‭ ‬وقهوة‭ ‬بوصالح،‭ ‬ومخللات‭ ‬زليخة،‭ ‬ومهياوة‭  ‬شهريان‭.‬ورقاق‭ ‬أم‭ ‬عباس‭ .‬ 

أعداد المجلة