الدريشة
العدد 19 - لوحة الغلاف
كانت الدريشة، مصدر الضوء والهواء الطلق في العمارة التقليدية بمملكة البحرين، كما أنها عنصر مهم يضيف على المبنى قيمة جمالية تميز البيوت التقليدية، في انتماءاتها الطبقية ومستوى اهتمام أهالي تلك البيوت بتنسيقها وزخرفتها، فكانت تلك النوافذ يزداد عددها بشكل متراص في بعض البيوت الواسعة وبعضها يكون عددها قليلا وزخرفتها بسيطة فالدريشة في مفهومها الحديث تسمى (نافذة).
وفي الماضي كانت الدريشة تأخذ أشكالا مختلفة، تختلف في طريقة زخرفتها والخامات المستخدمة في تجميلها والعناصر الزخرفية والهندسية التي ساعدت على تعدد أنماطها، فالكثير من الدرايش (جمع دريشة ) مصنوع من خشب الأبنوس أو الساج المطلي بطبقة من الدهان يساعد على تحمل رطوبة الجو وارتفاع درجة الحرارة، وكان الناس في الثلاثينيات يعتمدون عليها للتهوئة وتكييف المكان لذلك كانت طويلة شامخة ومتعددة بحيث تشكل صفين متوازيين في الغرف (الحجر) يدخل نسيم الهواء من اليمين مارا إلى اليسار في حركة مستمرة، تاركا آثار رائحة البحر أو لقاح النخيل تعطر المكان، ويدخل في صناعتها الحديد في شكل قضبان ناعمة مستديرة السطح في الجزء العلوي مصفوفة في شكل طولي، أما بالنسبة للجزء السفلي، فتتخلله مجموعة من قطع الخشب المستطيلة الشكل والمسطحة تشبه، المساطر المصفوفة بشكل أفقي، في اتجاه مائل يعكس أشعة الشمس إلى الأعلى، فكانت الدريشة ولا زالت ركنا أساسيا في العمارة البحرينية التقليدية، كما أنها متنفس للأطفال من خلالها يشعرون بالأمان، ينظرون من خلالها إلى خارج الغرفة ليشاهدوا أفراد الأسرة الممتدة يتعاونون في الطبخ والتنظيف، وأثناء المساء يفترشون الحصير المصنوع من سعف النخيل، في وسط الحوش(الفناء) فوق طبقة من الصبان الناصع البياض (نوع من الأصداف البحرية الصغيرة ) للبدء في تناول القهوة واحتساءالشاي والرطب المختلف الأشكال والألوان، المحفوظ في سلال مسفوفة بشكل فني يغلب عليها اللون الأخضر والماروني والأزرق الغامق، فالشيوخ يتحدثون عن الغوص وأهواله، والجدات يحكن الثياب ويطرزنها، والنساء يجمعن الياسمين والريحان في باقات على شكل قلائد يتخللها ورد الجوري بلونه الفوشي في تناغم إيقاعي مع اللون الأخضر والأبيض، وهن يضحكن ويتسامرن تحت ضوء القمر، ونوح الحمام بعد صلاة المغرب.
وتعتبر الدريشة عنصرا مهما في تنقية أجواء المنزل وتطهيره بأشعة الشمس القوية وتجديد الهواء كما أنها تضفي طابعا جماليا لشكل البيوت الناتج من استطالتها حيث كان يتراوح ارتفاعها مابين ثلاث، إلى أربع أمتار تقريبا، وعرضها يتراوح بين المترين، وتنقسم إلى قسمين، علوي وسفلي، كل منهما يحتوي على ظرفتين من الأبواب الصغيرة مزخرفة بمنحنيات وأشكال هندسية مختلفة، ويتوج هذه النوافذ، شكل نصف دائري هلالي أو مستطيل، مقسم إلى أشكال هندسية يكسوها الزجاج الملون، ويكون هذا الشكل الهلالي أعلى النافذة مصنوعا غالبا من الخشب أو الجبس، المعشق بالزجاج الأصفر،الأخضر، الأحمر، الأزرق الداكن.
تستطيع أن ترى هذه النوافذ (الدرايش ) في البيوت القديمة التي أصبح بعضها مراكز ثقافية في مدينة المحرق، وفي المنامة، وبعض القرى وفي بيت الجسرة، المعروف لحاكم البحرين المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة.
ومن خلال الدرايش توحدت الفرجان القديمة في بيوتها الصغيرة المتراصة، وتناغمت في تعدد أشكالها وأنماطها، فبعضها يطل على المجالس التي تنبعث منها أبخرة متطايرة من أفواه المباخر والدلال, مصدرها الهيل المعقود بالزعفران والعود والبخور، وأطايب، معتقة في قوارير من البلور والنحاس.
وبعض النوافذ البسيطة للمطابخ، تكون علامة بارزة لربات البيوت المتميزات في الطهو، فمن خلالها برز كباب شريفة، وهريسة أم يعقوب، وقهوة بوصالح، ومخللات زليخة، ومهياوة شهريان.ورقاق أم عباس .