فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

الـصـفـّـار .. الـتــّـنـّـاك ..

العدد 19 - لوحة الغلاف
الـصـفـّـار .. الـتــّـنـّـاك ..

‭(‬الصفار‭)  ‬كما‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وبعض‭ ‬مناطق‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ (‬مبيض‭ ‬النحاس‭) ‬كما‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والشام،‭ (‬القزادري‭) ‬كما‭ ‬يسمى‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وتونس‭ ‬من‭ ‬الحرف‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬توشك‭ ‬أن‭ ‬تندثر‭ ‬بحكم‭ ‬قلة‭ ‬الإقبال‭ ‬عليها‭ ‬وتناقص‭ ‬القائمين‭ ‬عليها‭. ‬وهي‭ ‬تتعلق‭ ‬أساسا‭ ‬بمعالجة‭ ‬أواني‭ ‬النحاس‭ ‬بإزالة‭ ‬ما‭ ‬علق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬الاستعمال‭ ‬أو‭ ‬الإهمال‭ ‬وذلك‭ ‬بتبييضها‭ ‬احتفاء‭ ‬بقدوم‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الكريم‭ ‬الذي‭ ‬تستعد‭ ‬له‭ ‬العائلات‭ ‬بتهيئة‭ ‬أوانيها‭ ‬وأدوات‭ ‬طبخها‭ ‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬جاهزة‭ ‬للاستخدام‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭. ‬ولقد‭ ‬كانت‭ ‬البيوت‭ ‬إلى‭ ‬أمد‭ ‬قريب‭ ‬تعد‭ ‬أطعمة‭ ‬الإفطار‭ ‬في‭ ‬القدور‭ ‬النحاسية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يلتفت‭ ‬إليها‭ ‬خلال‭ ‬بقية‭ ‬شهور‭ ‬السنة‭. ‬فإذا‭ ‬اقترب‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬ظهرت‭ ‬قيمتها‭ ‬ولاحت‭ ‬الحاجة‭ ‬إليها‭. ‬وذلك‭ ‬يحوج‭ ‬ربة‭ ‬البيت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تجدها‭ ‬على‭ ‬حالها‭ ‬الأفضل‭ ‬حال‭ ‬لا‭ ‬يحققها‭ ‬إلا‭ ‬هذا‭ ‬الحرفي‭.. ‬فكان‭ ‬الصفار‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬يتجول‭ ‬مناديا‭ ‬فتخرج‭ ‬إليه‭ ‬الأواني‭ ‬فيقوم‭ ‬بتبييضها‭ ‬مستعملا‭ ‬بعض‭ ‬الأجهزة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬النحاس‭ ‬وتنظيفه‭ ‬وتبييضه‭.‬أما‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬فالناس‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يتوجهون‭ ‬إلى‭ ‬محلات‭ (‬الصفارين‭) ‬أو‭ (‬القزادرية‭) ‬الذين‭ ‬يجدون‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬تلبية‭ ‬طلبات‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الاستعداد‭ ‬لشهر‭ ‬الصيام‭ ‬فيضطر‭ ‬صاحب‭ ‬المحل‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الساعات‭ ‬الطوال‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬المبيت‭ ‬داخل‭ ‬الدكان‭ ‬حتى‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يلبي‭ ‬كل‭ ‬الرغبات‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬إليه‭. ‬تتحول‭ ‬أواني‭ ‬النحاس‭ ‬إلى‭ ‬لون‭ ‬يشبه‭ ‬الفضة‭ ‬المصقولة‭ ‬يزيدها‭ ‬الصفار‭ ‬لمعانا‭ ‬باستخدام‭ ‬مادة‭ ‬الجير‭ ‬ومن‭ ‬دلالات‭ ‬ذلك‭ ‬الحفاوة‭ ‬بشهر‭ ‬رمضان‭. ‬إذ‭ ‬يكاد‭ ‬االتصفيرب‭ ‬يرتبط‭ ‬به‭ ‬وكأن‭ ‬التصفير‭ ‬يدخل‭ ‬على‭ ‬الأواني‭ ‬الرمضانية‭ ‬جدة‭ ‬ونقاوة‭ ‬ونفاسة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الناس‭ ‬جديرة‭ ‬بهذا‭ ‬الشهر‭ ‬الذي‭ ‬يجلونه‭ ‬أيما‭ ‬إجلال‭ ‬وكأنه‭ ‬مظهر‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬إكرامهم‭ ‬له‭ ‬حيث‭ ‬يكرمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬فيه‭.‬

أما‭ ‬اليوم‭ ‬فقد‭ ‬تغيرت‭ ‬الحياة‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬يهيئ‭ ‬أواني‭ ‬النحاس‭ ‬لشهر‭ ‬رمضان‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬تجهيز‭ ‬صواني‭ ‬الكنافة‭ ‬والقطائف‭ ‬والبسبوسة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الحلويات‭ ‬التي‭ ‬يزيد‭ ‬الإقبال‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭.‬طال‭ ‬التغيير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ولكن‭ ‬بعض‭ ‬العادات‭ ‬الجميلة‭ ‬ك‭(‬تصفير‭) ‬النحاس‭ ‬أو‭ (‬تقزديره‭) ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وتونس‭ ‬مازال‭ ‬ثابتا‭ ‬يأبى‭ ‬الزوال‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬المطبخ‭ ‬أو‭ ‬كاد‭ ‬فدخل‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الحلويات‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تتنافس‭ ‬المساحات‭ ‬الكبرى‭ ‬العصرية‭ ‬في‭ ‬عرضها‭ ‬في‭ ‬أواني‭ ‬نحاسية‭ ‬يتم‭ ‬تصفيرها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭.‬

فإذا‭ ‬كانت‭ ‬مهنة‭ ‬الصفارة‭ ‬ترتبط‭ ‬بالشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬فلا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬الصفار‭ ‬عاطلا‭ ‬طيلة‭ ‬شهور‭ ‬السنة،‭ ‬فأغلب‭ ‬الصفارين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬االتناكهب،‭ ‬وهي‭ ‬مهنة‭ ‬التعامل‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬المعادن‭ ‬وبالذات‭ ‬منها‭ ‬معدن‭ ‬القصدير‭ ‬الذي‭ ‬يسمى‭ ‬محليا‭ (‬تــَـنـَـك‭) ‬وتصنع‭ ‬منه‭ ‬مختلف‭ ‬أواني‭ ‬الاستخدام‭ ‬اليومي‭ ‬العملية‭ ‬البسيطة،‭ ‬الكبير‭ ‬منها‭ ‬كأواني‭ ‬الحلوى‭ ‬العمانية‭ ‬والبحرينية‭ ‬وصواني‭ ‬أكل‭ ‬الرز‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الكبيرة‭ ‬وغيرها،‭ ‬والصغير‭ ‬كالأباريق‭ ‬والدوارق‭ ‬والأسطل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يطلبه‭ ‬الزبائن‭ ‬لتشكيل‭ ‬أو‭ ‬تزيين‭ ‬أية‭ ‬أداة‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬مختلفة‭ ‬أخرى‭ ‬كالأداة‭ ‬البرتقالية‭ ‬اللون‭ ‬التي‭ ‬بيد‭ ‬التناك‭ ‬والأخرى‭ ‬المطروحة‭ ‬أمامه‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬الغلاف،‭ ‬فهي‭ ‬الإناء‭ ‬الفخاري‭ ‬الذي‭ ‬يجمر‭ ‬به‭ ‬تبغ‭ ‬الأرجيلة‭ ‬المسماة‭ ‬شعبيا‭ ‬بـ‭ (‬الـقـدو‭) ‬فالصانع‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تصنيع‭ ‬حاشية‭ ‬لحواف‭ ‬ذلك‭ ‬الإناء‭ ‬لتساعد‭ ‬في‭ ‬ثبات‭ ‬الجمر‭ ‬وإبقائه‭ ‬في‭ ‬الحيز‭ ‬الداخلي‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتناثر‭ ‬لأي‭ ‬عارض‭.‬

ومما‭ ‬يؤسف‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يضمحل‭ ‬دور‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المهن‭ ‬وأن‭ ‬يتلاشى‭ ‬أغلبها،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬والورش‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬بلدان‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬اختفت‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الزوال‭.‬

 

أعداد المجلة