فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
62

مصنفات في الثقافة الشعبية

العدد 18 - جديد الثقافة الشعبية
مصنفات في الثقافة الشعبية
كاتب من البحرين

الكتاب لآلئ الحكم

المؤلف المهندس نايف عمر الكلالي -  الجزء الثاني

تصميم ميراج جرافيك - رسومات يسرى هويدي

 طباعة مؤسسة الأيام للطباعة والنشر- مملكة البحرين 2011

لقد وعدنا المؤلف المهندس نايف عمر الكلالي بجزء ثان لمؤلفه المتميز  (لآلئ الحكم Pearls of Wisdom) الذي استعرضناه على صفحات العدد الثالث من هذه المجلة الغراء عام 2008، فوفى بوعده. وهذا هو الجزء الثاني بين أيدينا اليوم ويسعدنا أن نعرّف القارئ الكريم به.

ظهر الكتاب باللغتين العربية والانجليزية، وهو من ترجمة المؤلف نفسه، وخرج كالجزء الأول مجلدا وإن تغيّر اللون من البيج إلى الأخضر، فقد زيّن الغلاف بلوحة كاركاتيرية معبرة، أما أوراقه فهي من القطع الصغير حيث وصل عدد صفحاته  إلى 869 صفحة.

ويتكون الكتاب من فهرس ومقدمة تناولت طبيعة هذا العمل الجاد فأكد أنه عن (لآلئ الحكم) من أمثال الخليج العربي والأمم الأخرى، وأوضح أنها روائع الأمثال الشعبية الأكثر شيوعا بمنطقة الخليج العربي، وأنها بلغت في مجملها ألف مثل ومثل، وأنها مترجمة إلى اللغة الانجليزية ومفهرسة حسب المواضيع وتمت مقارنتها بنظائرها من أمثال الثقافات الأخرى.

وثلّث في الترتيب بإهداء ومن ثم بتمهيد وبعدهما أفرد صفحة للشكر والتقدير. وبالمناسبة فالشكر مردود له على كل حال على ما قام به من إضافات مفيدة بالمقدمة حول المثل وأهميته في حياتنا. ونذكر بالتقدير والإشادة جهده الواضح في عمل الجداول والقوائم الموضحة لأمور من بينها استخدام الأساليب البلاغية لخدمة المثل، وخصائص اللهجة الخليجية والجدول الخاص بـ (النقحرة) وهي نقل الحروف العربية إلى ما يوازيها من الحروف اللاتينية. والأجمل هو ما عمله من جدول خاص بتصنيف المثل حسب الموضوع وإحصائياته وبالترتيب التنازلي وهو عمل علمي دقيق. كما بيّن في تمهيده المنهج الذي اتبعه في تأليف هذا الكتاب. ولا ننسى جدول التبويب حسب الفصل والموضوع، وجدول فهرسة المواضيع حسب الفصول التي وردت في الصفحات الأخيرة من الكتاب، وأنهاها بالمراجع الانجليزية والمصادر العربية التي استعان بها ومواقع الشبكة العنكبوتية التي استخدمها في البحث عن ضالته.

والجدير ذكره أن الكتاب قد روجع من قبل الدكتور محمد الخزاعي الذي نعلم علو كعبه كمترجم ومهتم بالثقافة والفنون والآداب فلا غرو فقد كان مديرا لإدارتها لسنوات طوال بوزارة الإعلام في مملكة البحرين.

لقد قامت الفنانة يسرى هويدي بعمل فني بارع حين أخذت على عاتقها تحويل معنى المثل الشعبي وبشكل كاريكاتيري معبر إلى صورة أو مشهد مقرّب يفهمه الجميع ويستطيع  كل متفحص معرفة ما يرمي إليه من مغزى. وقد بلغ عدد تلك اللوحات الكاريكاتيرية مئة وسبعا وسبعين لوحة ملوّنة.

والحق أقول بأن طريقة الكتاب في عرض المثل بألفاظه الأصلية يليه نطقه باللاتينية لغير الناطقين بالعربية، وبعد ذلك ترجمته باللغة الانجليزية أو ما يشابهه في الثقافات الأخرى وخاصة الثقافة الانجليزية. وفي هذا كما سبق أن ألمعنا بأنّه مطلب ثقافي ملح للتقارب والتفاعل مع الغير بإطلاعهم عن لآلئ الحكم في تراثنا الشعبي وتراثنا العربي بشكل أعم.

 وما نأخذه على المؤلف أن الجزء الثاني ما هو إلا الجزء الأول نفسه مضافا إليه الكثير من الأمثال والأقوال الشعبية في قالب جديد من المنهجية والتصنيف والترتيب. وقد نعذره في لمّ شمل كل ما تم جمعه من أمثال في سفر واحد، بل أن يكون العمل مقسّما في جزأين وكان الأجدر أن نعتبره الجزء الأول نفسه مع الترتيب والتنقيح والزيادة.

ويبقى العمل متألقا بفضل مجهودات مؤلفه وإصراره على إخراجه بالصورة الأفضل آخذا بعين الاعتبار الكثير من نقاط القوة فأثبتها ومن نقاط الضعف فعمل على تخليص الكتاب منها بل عمل على إبدالها بعناصر قوة جديدة أهمها ما سيلاحظه القارىء من أول وهله وهو يتصفح هذا الكتاب الطريف الممتع.

 

موسوعة التراث الشعبي لتيارت وتيسمسيلت

إشراف وتحقيق : الأستاذ علي كبريت

الأجــــــــزاء : الجزء الأول والجزء الثاني

النـاشـــــــر  : دار الحكمة – الجزائر – 2007                

صدرت هذه الطبعة في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007.

قسّم المؤلف الأستاذ علي كبريت الجزء الأول من كتابه (موسوعة التراث الشعبي) والذي خصصه لمنطقة ليتارت إلى إهداء ومقدمة ومدخلين، تعرض في الثاني لنظرية الثقافة ومفاهيمها واتجاهاتها معرّجا على علم الفولكلور والأدب الشعبي. ثم استهل موضوع الكتاب بذكر تعريف لمنطقة لتيارت موقعها وشيئا من تاريخها ثم باشر في عرض نصوص المنطقة ورتبها في خمسة فصول رئيسية هي على التوالي:

الأول          سير بعض الأولياء الصالحين متطرقا لاربعة عشر وليا

الثاني         الحكاية الشعبية مستعرضا ثمان وعشرين حكاية

الثالث         الأمثال والحكم متضمنا معها الألغاز الشعبية

الرابع         حرف وصناعات تقليدية ذاكرا ست حرف فقط

والخامس    متفرقات متعرضا لستة مواضيع فقط

وجاء في المقدمة بعد ان تعرض لقصة هذا العمل ومنهجيته وجهود الجامعين والمدونين من طلبته من أهل المنطقتين موضوع الدراسة. والجدير بالذكر انه حرص كل الحرص على ذكر أسماء الطلبة الجامعين لكل تلك النصوص.

بينما قسم الجزء الثاني والذي خصصه لمنطقة تيسمسيلت على إهداء ومقدمة تحدث فيها عن موقع المنطقة وتاريخها ثم باشر في عرض النصوص. واشتملت نصوص الجزء الثاني على ما يلي من مواضيع:

سير الأولياء الصالحين تناول فيها أربعة عشر وليا ثم الحكايات الشعبية وسرد منها ست عشرة حكاية شعبية فالأمثال والحكم والألغاز فالعادات والتقاليد متناولا فيها سبعة مواضيع رئيسة ثم اختتم بالمتفرقات متعرضا لعشرة مواضيع مهمة.

ويشرح المؤلف في مقدمة الجزء الاول أسلوب تنظيم الكتاب فيقول “ثم اتبعناها مباشرة بنصوص الموسوعة حيث قسمناها بحسب أنواع وأشكال التعبير فذكرنا اسم نوع التعبير في مكانه المناسب كما هو معروف وشائع لدى العلماء المتخصصين فبدأنا بـ سير بعض الأولياء وتلتها الحكاية الشعبية ثم الأمثال ثم الألغاز ثم متفرقات أخرى من أنواع وأشكال التعبير التي تطبع ثقافة المجتمع الشعبي للمنطقة تحت مسميات محلية خاصة مثل مصطلح (النشد) أو معروفة في الأبحاث والدراسات المتخصصة حيث جاءت كفصل مستقل ضمن ما أسميناه بـ متفرقات”.

ويتفق الحال مع المقال حين يقول “وجاء الجزء الثاني على نفس الترتيب والتصنيف ولكن تميز بإضافة العادات والتقاليد كباب مستقل لكثرة نصوصها في منطقة تيسمسيلت مقارنة مع تيارت حيث أخرجناها عن ضمن عنوان متفرقات. إضافة الى نصوص تتحدث عن الطريقة التقليدية في حساب الشهور والفصول لدى الفلاحين والتقسيمات الحاصلة ضمن دائرة الفصل الواحد بأسمائها العربية في ثقافتهم وهو ما عرف في الثقافة الشعبية القديمة بعلم الأنواء وهي كلها حسابات وأنشطة موازية لما هو معروف في الحياة الرسمية والعامة والعلمية اذ تعتبر ذات طابع شعبي تقليدي بامتياز وبها ينتهي الفصل الثاني.”

وعلل المؤلف فصله بين منطقتي تيارت وتيسمسيلت الى اختلافات محتملة قد تستحق الاهتمام، رغم الامتداد الجغرافي والثقافي بين المنطقتين. وقال إن متابعة اختلاف الكثير من النصوص فيما بينها من جهة وبين المنطقتين من جهة اخرى يفيد أصحاب نظريات الثقافة كالنظرية التاريخية الانتشارية، ونظرية التطور الثقافي، والنظرية التناسقية التكاملية أيضا. وقرر بانه يتبنى الإجابة على إشكاليات خاصة وعامة تتعلق بالتراث الشعبي ونظرية الفولكلور والثقافة بشكل عام وقال بأن واقع منطقتنا ليس بمعزل عن هذه الإشكاليات.

يذكر المؤلف ثمان نقاط - والتي وصفها بالطريفة - تخص ظروف عملية الفرز والتصنيف والتحقيق والمراجعة نذكر منها:

أن معرفة كيفية نطق اللهجة المحلية للمنطقتين وخصائصها لأمر مهم لفهم المعنى ولم يقتصر الأمر على كتابتها بل تطلب وضع قواعد للنطق على شكل ملاحظات مدونة.

قام بعض الجامعين من الطلبة بكتابة بعض النصوص (ممزوجة) بين الفصحى والعامية رغم التنبيه على الحرص بالكتابة باللهجة العامية مما أدى إلى صعوبة عملية الفرز والفصل بينهما مما اضطر الباحث إلى الإبقاء على النصوص كما هي مع الحرص على ضبط العامي منها بقدر الإمكان.

لم يتحقق في مدى تكرار النصوص لدى كل من لتيارت وتيسمسيلت إيمانا منه بان الاشتراك في بعض النصوص الموحدة له دلالته في تاريخ الثقافة الشعبية المحلية وفي طبيعة لهجة المنطقتين كما يفيد في ملاحظة بعض الاختلافات الجزئية وذلك في ضوء نظريات الثقافة.

مشكلة تصنيف بعض النصوص نظرا لتقاطعها مع أنواع أخرى من التعبير الأدبي كأغاني الأعراس التي في واقعها أشعار لذا “ذكرنا بعضها ضمن ما ذكرناه في الأعراس تحت باب العادات والتقاليد”.  و(النشد) شكل من أشكال التعبير يأتي في شكل مقطوعات شعرية تم تسجيله (نشد) لا باعتباره شعرا.

ان عددا معتبرا من النصوص كان أصحابها من الطلبة ينسخ بعضهم عن البعض سواء من نفس الدفعة والفوج أم من دفعات سابقة مما جعلني يقول المؤلف أكتفي باختيار عرض واحد دون سواه اختيارا جزافيا.

في حدود ما وصل أيدينا وقرأنا فإن موضوع النشد والحسابات الفلكية والأنواء لدى الفلاحين الجزائريين تكاد تكون سابقة من حيث تدوينها ضمن أشكال وأنواع الثقافة الشعبية الجزائرية.

تشهد هذه التجربة الجامعية على جدوى العمل الميداني بتكليف طلبة الجامعة وخاصة من الدارسين للأدب العربي أو الشعبي أو العادات والتقاليد أو الفولكلور أو التراث الشعبي بشكل عام في عمليات الجمع والتدوين والتسجيل والتفريغ أو التدوين والتحليل ومن ثم التصنيف تمهيدا للبحث والدراسة والطباعة والنشر. ولم تكن هذه هي المحاولة الاولى وإنما نعرف من هذه المحاولات الكثير في الشرق والغرب وقد أتت أكلها على خير وجه وكان لبعضها دور كبير في الحفاظ على الكثير من أنماط وأشكال التراث الشعبي الشفهي والمادي.

ويؤكد المؤلف ذلك قائلا «إن تجربتنا هذه مع هذا المشروع تجعلني أدعو كافة الباحثين والمتخصصين في التراث الشعبي الجزائري عبر جامعات الوطن إلى تعميم هذه التجربة مع الطلبة الجامعيين حيث يمكن الاستفادة بشكل مهم من التنوع الجغرافي لانتماءاتهم، وذلك عبر حصص الأعمال التطبيقية حيث يوجهون إلى العمل الميداني بعد تلقيهم التوجيهات النظرية المهمة لعملية الجمع الميداني ومع أن تجربتي كانت بداية لم تكتمل إلا أنه بدا أن الفكرة قابلة للتطور والنجاح مع جماعة من الاساتذة ومع تفرغ لها واعتبر نشر هذا العمل هو اعلان عن فكرة هذا المشروع وهذه التجربة كهدف اساسي يامل تحقيق الموسوعة الاضخم للتراث الشعبي الجزائري برمته بمشاركة جميع الطاقات الأكاديمية والعلمية من خلال تعميمها عبر جامعات الوطن كلها”.

ويعتز بما قام هو وفريقه به فيقول بـ “أن نصوص الطلبة التي استخرجناها وسجلناها هنا هي الآن بمثابة مخطوطات ووثائق تاريخية مهمة لهذه المنطقة من الجزائر تحتاج الى أيد أمينة حتى تؤرشف بطريقة منظمة وترقيم سليم ضمن مكتبة او متحف رغم أنها بسيطة الشكل،  وأنها مكتوبة بخط اليد مما يجعلنا نعتبرها التدوين التاريخي الثاني للثقافة الشفهية بعد عصر التدوين الأول ذلك العصر الذي كان حاسما في تاريخ الثقافة العربية والحضارة الاسلامية”.

المأثورات الشعبية والتنوع الثقافي

 (سلسلة أبحاث المؤتمرات - 21)

مجموعة من المتخصصين والباحثين

الأجزاء   : الجزء الأول  والجزء الثاني- طباعة الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية - 2009.

من إصدارات المجلس الأعلى للثقافة - الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية - إدارة الشئون الفنية جمهورية مصر العربية.

وصل عدد أبحاث المؤتمر الحادي والعشرين إلى واحد وثلاثين بحثا، نشرت في جزأين كبيرين من القطع المتوسط، كان نصيب الجزء الأول إثني عشر بحثا بينما استحوذ الجزء الثاني على تسعة عشر بحثا.

يبدأ الجزء الأول ببحث للأستاذ إبراهيم شعلان تحدث فيه عن المأثورات الشعبية والتنمية الاجتماعية.

وقال بأن ميادين المأثورات الشعبية خمسة وهي:

- الأدب الشعبي

- العادات والتقاليد الشعبية

- الثقافة المادية

- الفنون الشعبية

- المعارف والمعتقدات الشعبية

وبأن لها عناوين فرعية متعددة، وربط بينها وبين الفكر الإنساني في الماضي والحاضر، ثم بيّن مقصوده من التنمية الاجتماعية بأنها تطوير الإنسان إلى الأحسن ماديا وروحيا، وبما ينسجم مع إيقاع الحياة والظروف المستجدة.

وبناء على التصنيف السابق نجد أن الجزأين قد تناولا بالبحث والدرس عددا من الموضوعات ذات العلاقة.

 

ففي ميدان الأدب الشعبي ومجال الفنون الشعبية:

تألق الباحث الأستاذ إبراهيم عبدالحفيظ في دراسة أغاني السامر السيناوي في عصر العولمة. وجاء بحثه في أربع وخمسين صفحة مستشهدا بالعديد من النصوص الميدانية. والسامر السيناوي في رأيه حفل يقام في المناسبات الاجتماعية كالعرس أوالعيد أو أية مناسبة سعيدة أخرى، كعودة الحاج أو عودة الغائب،. ويقام عادة في الليالي المقمرة. وهو حفل سمر من نوع خاص يشتمل على غناء الشعر والرقص معا.

 

وفي مجال العادات والتقاليد الشعبية:

درست الباحثة أحلام أبو زيد موضوع التحية كأحد مظاهر آداب السلوك التي رصدتها في كل من واحة سيوة والمنيا وأسوان والقاهرة والغربية والجيزة. وذكرت أنواعا للتحية السلوكية منها والقولية أو اللفظية. وهذا في رأينا موضوع يحتاج إلى الكثير من التعميم والتأصيل في مناطق أخرى من مصر بل وفي البلاد العربية أيضا.

وللباحثة نهلة عبدالله إمام بحث بعنوان المأثورات الشعبية واقتصاد الثقافة تناولت فيه (قائمة المنقولات الزوجية نموذجا) كوسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي الشعبي ذات الأبعاد الاقتصادية، والتي قدمها العرف في المجتمع المصري كإحدى وسائل درء المضاعفات التي تترتب على إنهاء الزواج. وهي وسيلة استطاعت أن تجبر القوانين الوضعية على التعامل معها كواقع وحقيقة بشكل يؤكد إمكانية توظيف القوى الكامنة في الموروث الشعبي، وتشجع على الطرح الخلّاق للانتفاع العملي من التراث. تلك الوسيلة هي وثيقة تطلق عليها الجماعة الشعبية في مصر “القايمة” أو قائمة المنقولات الزوجية.

وتؤكد الباحثة على الوظيفة الاجتماعية للقائمة وهي الحماية وتعزيز المكانة الاجتماعية ثم الوظيفة الاقتصادية المباشرة وهي تعويض أسرة الزوجة عن الخسائر التي تتكبدها من جراء إنهاء العلاقة الزوجية ثم الوظيفة النفسية حيث تعد مصدرا للأمان وإثبات حسن النية وصدق الرغبة في علاقة زوجية مستقرة دائمة.

كما حاولت الباحثة تحليل القوائم التي حصلت عليها في ضوء عدد من المتغيرات التي افترضت من البداية أنها ذات صلة مؤثرة على مدى فاعلية وانتشار تبني هذه العادة في المجتمع المصري فناقشت (القائمة) وعلاقتها بمتغير المكان، وبالدين، وبالمستوى التعليمي ، وبالانتماء الطبقي.

 

وفي ميدان الحرف والصناعات الشعبية:

نطّلع على بحث ممتع للأستاذ إبراهيم حلمي حول صناعة الفخار في الفسطاط. ربط فيه بنجاح ملحوظ  بين الحرفة والثقافة الشعبية. أكد فيه أن الصانع الشعبي يودع كتلة الصلصال أو صفائح المعدن أو رقائق النسيج أو شرائح الزجاج أو قطعة الجلد تعبيرات عن براعته وفنّه وقد يحمل أشكالها وزخارفها وألوانها رموزا وإشارات قد تلقاها مذكورة في فنون الأدب الشعبي ذاته. ولعل هذا الصانع يبثّ في هذه المصنوعات أشياء من التعبير عن المعرفة والتقنية الشعبية تهم من يدرس الثقافات الشعبية على اتساع معناها، ثم يربط ذلك بالأمثال الشعبية وما ترمز للشعب من تجارب وحكمة مستفادة في الحياة العامة. وقد استغرق بحثه مائة وإحدى عشر صفحة أثراه بالوثائق والصور والرسومات التوضيحية.

وفي بحث آخر عن الحرف والصناعات الشعبية تناول الباحث احمد محمد عبدالرحيم تاريخ فن التطريز (التلي) في مصر. وهو نوع من التطريز بأشرطة معدنية تقوم به النساء وكانت أسيوط رائدة في هذا الفن. وكادت الحرفة أن تضمحل لولا جهود ازدهرت في جزيرة شندويل التي تخوض تجربة تتبناها إحدى المهتمات بهذه الحرفة هي الباحثة شهيرة فوزي التي قامت بتدريب عدد من التلميذات المبدعات اللاتي أصبحن الآن رائدات للأجيال القادمة. هذه التجربة تستحق من المسؤولين الرعاية والتشجيع.

وفي دراسة الباحثة إيمان مهران (التنمية الاجتماعية كمدخل للحفاظ على الفخار الشعبي من الاندثار في جنوب مصر) التي جاءت في هذا السياق، فهي محاولة ميدانية عملية علمية جريئة من الباحثة لإحياء صناعة الفخار، والتي تعتبر من أعرق الحرف والصناعات المصرية. ورغم الظروف الصعبة التي تكتنف الحرف والصناعات الشعبية في مصر والتي أوضحتها الباحثة في دراستها، إلا أنها تستحق من المسؤولين أخذها بعين الاعتبار، وأن يبذلوا في سبيل تحقيق ما جاء فيها من الملاحظات الجهد والمال المطلوبين. وقد لفت نظري أثناء قراءتي للبحث ما يتبع هذه الحرفة من العادات والتقاليد والمعتقدات وما يرتبط بها من فنون شعبية. وذاك أمر محمود ومطلوب عند دراسة الحرف والصناعات الشعبية فولكلوريا.

وكتب الأستاذ طارق صالح سعيد موضوعا حول العناصر الزخرفية في النسيج كمأثور مادي بين الأصالة وحوار الثقافات كدراسة مقارنة. ندخله ضمن ميدان الحرف والصناعات فقد أكد أن فن النسيج يعتبر من أكثر المأثورات الشعبية ثراء وغنى. ويرى أن الحرفة كانت موجودة في العديد من الحضارات كتعبير تشكيلي عن الشعور الجمعي.

وقد أكدت الدراسات على وجود أوجه شبه وتقارب عديدة بين النسيج كفن وحرفة في العديد من الحضارات السابقة والعديد من الفنون والحرف الشعبية المعاصرة. عرض الباحث مجموعة من النماذج المقارنة من هذه الفنون، راعى فيها الترتيب المنطقي لتطريز أشكال الوحدات والزخارف المستخدمة في فن النسيج والسلال بشكل تصاعدي من الأبسط إلى الأكثر تعقيدا وتداخلا، ومجموعة منتقاة من وحدات فن التطريز.

وحاول تحديد نقاط التشابه والارتباط بين الزخارف في حضارات مختلفة، والتأكيد على ذلك كمدخل لإيجاد عناصر الارتباط بين الحضارات. وقد زيّن بحثه بعدد كبير من الصور واللوحات التوضيحية لتلك الوحدات الزخرفية في فن النسيج والتطريز.

وقريب من هذا الموضوع نقرأ بحثا حول المأثورات الشعبية والتنمية الاجتماعية للباحث الأستاذ عبدالقادر مختار درس فيه المأثورات الشعبية التشكيلية بأنواعها المختلفة، وحدد عناصرها الأساسية بالأزياء والملابس وأدوات الزينة والحلي المختلفة. وقال بأن الأزياء على ثلاثة أنواع في الحياة الشعبية: زي العمل، و زي المناسبات، والأزياء الخاصة بالزواج والأفراح. كما درس المنسوجات الشعبية المختلفة كالبردة والعباءة والمفروشات وأنواع الكليم. وقد طاف في تجواله بعدد من المناطق والمحافظات المصرية ليؤكد على تميزها في هذا التراث الفني.

ثم عرّج على ذكر المراجين والأواني المصنوعة من الخوص والصناعات التي تقوم على الجريد. ثم تطرق لصناعة الفخار وعدّد بعض أنواعها وألوانها واستعمالاتها. ولم يستبعد العمارة الشعبية وعناصرها ومميزاتها وأنواعها في القطر المصري ككل، وفي واحة سيوة باعتبارها نموذجا للعمارة البدوية.

وفي ختام بحثه تطرق إلى الفنون الشعبية الأخرى المصاحبة للفنون التشكيلية. وقال بضرورة المحافظة عليها ورعايتها من قبل الدولة والجمعيات والتنظيمات المحلية. وذكر عددا منها كالأغاني والرقص والموسيقى الشعبية والأدب الشعبي والشعر والموال والسير الشعبية والعادات والتقاليد. وقال بأن ذلك يقوي الروابط الاجتماعية والانتماء الوطني ويعمل على التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية، “ولا غنى عنها في حاضرنا وهي التي تحفظ وطننا أمام الغزو الفكري الثقافي الوارد إلينا عن طريق العولمة بواسطة القنوات الفضائية والتلفاز والسينما وغيرها”.

وفي بحث (العمارة النوبية ودورها في تصميم الأثاث الذي يعكس قيم الأصالة والمعاصرة كمدخل للحفاظ على المأثور الشعبي والهوية المحلية) تحدثت الباحثة هيام مهدي سلامة في مقدمته بأن للنوبة ميراث كبير وثري بالمأثورات الشعبية المادية وغير المادية. وتحذر من أن هذا الميراث أخذ يتحول إلى صور في أرشيف المؤسسات العلمية المهتمة بالتراث الشعبي، وأشارت إلى تأثير العولمة والثقافات الدخيلة يطغى على هذا الميراث داخل خصوصيتنا ليعمل على طمس هويتنا الذاتية كأحد أخطر التأثيرات السلمية للعولمة.

جاء هذا البحث محاولة لإحياء التراث الشعبي لأحد أهم النطاقات الذاتية بمصر، وهي النوبة القديمة من خلال دراسة تحليلية للتشكيل المعماري للبيوت النوبية وبشكل خاص واجهات ومداخل تلك البيوت والتي تحفل بكم هائل من الزخارف والعناصر الفنية والتي تعد من أهم المأثورات المادية التي تتميز بها بلاد النوبة.

ومن خلال هذه الدراسة حاولت الباحثة (ترسيم) الخطوط الأساسية للقيم والمضامين الفنية للعمارة النوبية التي أكسبتها جماليتها وتفردها، لتطبيق تلك القيم والمضامين في تصميم الأثاث المعاصر، ليقوم بدوره في الحفاظ على هذا التراث والتعبيرعنه بما يتوافق مع متطلبات المعاصرة، ولكن ببصمة مصرية خالصة، تشكل تفردا متميزا للأثاث المحلي.

 

وعن حيوية التراث

يؤكد الفولكلوري الكبير صفوت كمال (رحمه الله) في بحث عنوانه (التواصل الثقافي وحيوية المأثورات الشعبية) أن المأثورات الشعبية تتميز بحيوية تعلو بالتراث الإنساني من نطاق الثبات إلى مجال الاستمرارية لعناصر التراث، تتداخل وتتوافق مع عناصر من إبداع الأجيال دون انفصام بين ما كان وما يمكن أن يكون. ويسوق القول الشائع (الغريب لازم يعود لداره) مثلا ليدلل على فكرة الخلود في الوعي الشعبي المصري، ويربط ذلك بقصص قديمة في التراث المصري، منها  سير الأبطال الشعبيين والأولياء والقديسين، وأن في الاحتفالات التي تقام لهؤلاء الأولياء، تبرز مختلف أشكال الإبداع الشعبي بموروثاته ومأثوراته، وتظهر مختلف أشكال الفنون الشعبية التشكيلية والأدبية والغنائية الموسيقية، وحركات المهارة والفروسية واللعب بالعصي على دقات الطبل ونغمات المزمار.

ويستطرد بأن تلك المعتقدات الدينية تتغير وتتنوع بتغير واقع الحياة لكل جيل وتنوع سبل معيشته، ولكن رغم ما قد يحدث من تعديل أو تبديل تظل وظيفتها قائمة مأثورة في المجتمع. وضرب لنا مثلا بواحة سيوة ليدلل على أن ثقافة مجتمع سيوة بالصحراء الغربية وما احتوته من متغيرات ارتبطت بتغيرات في المعتقدات الدينية منذ عصور سحيقة ومنها ما كان يرتبط بمفهوم قداسة ماء بئر سيوة وقدرته على طهارة الإنسان الروحية.

وضرب مثالا آخر بالمجتمع النوبي وما حدث له بعد التهجير إلى شمال أسوان فيما كان يمارسه من طقوس وعادات وتقاليد وما كانت تحمله الرموز الفنية والعقائدية من دلالات يحرص عليها أبناء النوبة في تزيين بيوتهم من الداخل والخارج وما تقوم به النساء من (تصويرات) في الديكور الخارجي للمنزل والديكور الداخلي لحجراته وخاصة حجرة العروس، وقد تبدّل كل ذلك إلى حد كبير وتغيّر في معتقدات أهل النوبة بعد التهجير.

إن التنوع الثقافي في الثقافة المصرية الواحدة - من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب وثقافة الصحراء وثقافة الوادي وثقافة البحر - هو تنوع أعطى الثقافة المصرية تنوعا وحيوية وتداخلا بين قدرات الإنسان في صنع الحياة على أرضه وتشكيل مأثوراته في حيوية دافقة أكسبت الحياة الشعبية المصرية طابعا ثقافيا حضاريا يتوارثه مع مأثوراته، وهو ثابت لا يتغير وموضع للدراسات في التراث القديم والآثار والتاريخ. وهو أيضا حي يتغير ولكنه لا يفقد أصالته ولا يمحو حيويته وتتعدد الأنماط والطرز في مجال مأثوراته محتفظة في مكنونها الإبداعي بقدرات الإنسان المصري الخلاقة في صنع الحضارة والحفاظ عليها.

ويتناول نظرية انتشار الثقافة مسلطا الضوء على مفهوم الثقافة الشعبية. ويؤكد أنه عامل ايجابي في عمليات التغيير. ثم يشير إلى المجتمع العربي ككل فيقول إن اللغة العربية الفصحى توحده، وقد تتنوع أشكال التعبير الفني، ولكنها تتواصل في الوحدات الزخرفية وجماليات الأشكال الهندسية، ودور العبادة والعمارة الشعبية، وأشغال السدو والسجاد في تماثل وتشابك عناصرها الزخرفية. وتتماثل في فنون الأدب الشعبي كالموال والقصيد وفنون الشعر وفي الموسيقى وآلاتها الشعبية كالناي والمزمار والرباب وغيرها.

ويخلص إلى أن هذا التنوع داخل الثقافة العربية هو تعبير عن ثراء التعبير ووحدة المشاعر، وهذا التماثل أعطى الثقافة العربية المادية والأدبية والروحية مكانتها بين ثقافات العالم.

 تجارب عربية

قطر

تعرض عدد من الباحثين إلى بعض تجارب البلاد العربية في تعاملها مع المأثورات الشعبية. فهناك ورقة تقدم بها الأستاذ إبراهيم عبدالرحيم السيد من دولة قطر، أشار إلى موضوع ميداني جدير بالعناية والاهتمام، وهو علاقة المأثورات الشعبية بالسياحة. تناول فيها دور المنتج التراثي في خدمة السياح والسياحة في أقطار الخليج العربي والبلاد العربية الأخرى.

عمان

وتحت عنوان (المأثورات الشعبية والتنمية الاجتماعية والصناعات الحرفية العمانية نموذجا)  تحدثت الباحثة العمانية آسية بنت ناصر بن سيف البوعلي في إثنتين وخمسين صفحة عن التجربة العمانية الناجحة في مجال رعاية التراث الشعبي. وهي بحق تجربة ثرية ينبغي الإطلاع عليها وأخذ العبر المستفادة منها لسائر البلاد العربية، وخاصة دول الخليج العربي. وجاء بحث السيدة مزينا بعدد من الصور واللوحات التوضيحية.

اليمن

وكان للباحثة اليمنية أروى عثمان بحث استعرضت فيه التجربة اليمنية في ميدان رعاية المأثورات الشعبية بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني. فاليمن كغيرها من البلدان المعروفة بالتعدد والتنوع في شكل التراث الواحد ليس في نطاق الحدود الجغرافية بين محافظاته بل يمتد أحيانا إلى الوحدات الجغرافية الأصغر حتى على مستوى اللهجات الشعبية. وقد تجلّت المأثورات الشعبية الروحية والمادية في العشرات من الرقصات الشعبية وآلاف الحكايات والمعتقدات في المعارف الشعبية والتقاليد المتنوعة التي غالبا ما تلاحظ داخل الإطار الجغرافي الواحد.

وهنا المحك .. فعلى الرغم من كل هذا الثراء فإن سلطة الإهمال الرسمي السافر والشعبي لهذه الكنوز أخذت تهددها بالاندثار والنسيان. وتقرر بأنه «لا نبالغ إذا قلنا أن اليمن تفقد في كل ساعة كنز من هذه الكنوز، وبعضا مما هو مستمر فإنه عرضة للعبث والسرقة والتشوه من قبل قراصنة التراث، والفنون الشعبية هي أكثر مسخا وتشوها».

 

وأشارت الباحثة إلى دور الجامعات ومراكز الأبحاث ودور المتاحف ودور منظمات المجتمع المدني وللجهود الفردية ودور المراكز الأجنبية ودور الإعلام. وتخلص إلى نتيجة مؤلمة فتقول «بعد كل هذا وتبعا لما تقدم لا بأس من القول أن الجهات الرسمية حاضرها لا يؤهلها للقيام بمسح التراث الشعبي ولا بإنشاء مركز للتراث الشعبي ولا بإيفاد المهتمين في مراكز وأكاديميات التراث والفنون الشعبية المتناثرة في العالم».

ولقد ذيلت بحثها بتسع توصيات في تسع نقاط جوهرية للنهوض بمسألة رعاية المأثورات الشعبية في اليمن السعيد، فهل من مدرك؟

سوريا

وعن التجربة السورية أعجبني كثيرا طرح الباحثة أمينة منير جادو عندما عرضت رواية الكاتبة غادة السمان (فسيفساء دمشقية) كسجل توثيقي للمأثورات الشعبية المادية وغير المادية في القطر السوري لما حوته تلك الرواية من عناصر  ذلك التراث الثر.

وتصف الباحثة الرواية بأنها رواية اجتماعية واقعية سيرية تاريخية وتاريخية وتربوية وسياسية في ذات الوقت. استطاعت مؤلفتها بمهارة فائقة واحتراف وفنية عالية أن تضفّر جميع معطيات الواقع معا في أسلوب رشيق وعذب دون أن تخلّ بالموروثات الشعبية أو المأثورات إلى جانب الموروث الشعبي المادي الذي يشكل في النهاية مجمل الثقافة الشعبية السورية، والتي لا تنفصل كثقافة محلية أو فرعية عن الثقافة الشعبية لمعظم بلدان الوطن العربي إن لم يكن كلها، بل البعض الأكبر من هذه الثقافة لم يزل سائدا في مجتمعاتنا العربية وهو يمثل بدوره منهجا تربويا غير نظامي مواز للمنهج التربوي النظامي المدرسي في تنشئة الأطفال وتربيتهم.

وفي هذا السياق قدمت الأستاذة فاطمة حسن ورقة عن (استلهام الحياة الشعبية والحارة المصرية في أعمال الفنان علي دسوقي في الفيلم التسجيلي (بنات الغورية) من إخراج الفنان احمد فؤاد درويش). أوضحت فيها أن هذا الفيلم التسجيلي اشتمل على الأعمال الفنية التشكيلية التي استلهمت موضوعاتها من الحياة المصرية الشعبية، والمظاهر المختلفة للعادات والتقاليد،والمفردات والرموز الشعبية.

 

الجزائر

وفي تجربة الجزائر يؤرخ الباحث عبدالحميد أبو رايو لمسالة (العناية بالثقافة الشعبية الجزائرية في مرحلة الاحتلال الفرنسي 1831-1962) متحدثا عن (البواعث والأهداف والمظاهر والفاعلون والمناهج). وكان هدف الدراسة بحث مجموعة من القضايا المتعلقة بطبيعة العناية بالثقافة الشعبية الجزائرية، وهي مسألة لها علاقة بنواحي مختلفة، منها ما يعود إلى مسارها التاريخي، ومنها ما يرجع إلى البواعث والأهداف التي تقف وراء الاهتمام بها، وتثمينها أو عدم الالتفات إليها، وسوء تقديرها. ومنها ما يتعلق بدارسيها وحملتها والمدافعين عنها أو المعادين لها. وقد تعرضت الدراسة كذلك إلى مناهج البحث وتحليلها، وفي نفس الوقت عرضت بعض تجلياتها من خلال أشكال التعبير التي تم الإجماع على اعتبارها جزءا من رصيدها.

ويرى الباحث “أن الثقافة الشعبية هي مجموع الرموز وأشكال التعبير الفنية والمعتقدات والتصورات والقيم والمعايير والتقنيات والأعراف والتقاليد والأنماط السلوكية التي تتوارثها الأجيال ويستمر وجودها في المجتمع بحكم تكيفها مع الأوضاع الجديدة واستمرار وظائفها القديمة أو إسناد وظائف جديدة لها”.

وقد عني بمجموع الممارسات الثقافية التي عاشتها وتعيشها الجماعة الجزائرية منذ القدم والتي اتخذت كوسيلة تعبير اللهجات المحلية، وبشكل خاص لأشكال التعبير الفني اللغوي، كل ذلك مع التركيز على مظاهر فترات تاريخية بعينها أو على منطقة من المناطق، معتمدا على ما يتوفر من تسجيلات ووثائق ولاهتمامه بالمواد الأدبية بصفة خاصة بحكم التخصص ولما حققه البحث الميداني في الجزائر من بعض التراكم في هذا المجال.

وأورد الباحث في نهاية طرحه التاريخي الممتع نظرة الآخر تحت عنوان (نظرة الآخر- الأهداف الاستعمارية والنقد الموجه له) أن أهداف الباحثين الفرنسيين وتلاميذهم كانت استعمارية بحتة، وذلك للتعرّف عن قرب بالشعب الجزائري في مختلف مناطقه من خلال موروثاته الشعبية إلا أنهم تركوا أعمالا تستحق الإشادة في مجال جمع وتسجيل وتدوين ودراسة أنماط التراث الشعبي الجزائري كاللغة واللهجات والشعر والشعراء والحكايات والسير والأساطير والعادات والمعتقدات والسحر وممارسة الطب والتداوي بالأعشاب وغيرها.

 

المغرب

ويأتي موضوع الدكتورة سعيدة عزيزي تحت عنوان (المأثورات الشعبية والتنمية، واقتصاد الثقافة، التراث الشعبي وسؤال التنمية، الواحات المغربية الجنوبية نموذجا). ليوضح بأن التراث الشعبي إنتاج جماعي ذاكري أصبح من الضروري الحفاظ عليه، واحتضانه وصقله خاصة عندما نتأمل ما يجري على الساحة الكونية التي يعيش العالم فيها المراحل الأساسية لتحقيق مظاهر العولمة على جميع الأصعدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، الأمر الذي برزت معه النزعة للحفاظ على التراث لأنه يقوي المركزية والهوية الوطنية أمام إغراءات الإستلابية المنمطة وغير البريئة.

وتعترف الباحثة بتخلف العالم العربي في مجال جمع وتوثيق وصيانة ودراسة التراث الشعبي وتقول أننا ما زلنا نعيش إشكاليات متعددة وهامة على رأسها الإشكال المصطلحاتي والمنهجي. ثم تطرح تساؤلا حول ربط المأثورات الشعبية بالتنمية داخل أطروحة كبرى هي اقتصاد الثقافة والذي لا يعني بالضرورة ثقافة الاقتصاد. وليس القصد الربح بقدر ما هو التنمية البشرية أولا قبل كل شيء بهذا النموذج يمكن الوصول إلى نماذج فاعلة وناجحة داخل منظومة الاقتصاد الوطني وتحقيق تواجده داخل الاقتصاد العالمي.

وتشير إلى خلق هيئات تهتم بأنماط الموروث دون التفريق بينها إلغاء سياسة الأولوية حيث نلاحظ الاهتمام الكبير بالمآثر التراثية والحرف والصناعات التقليدية وإغفال أنواع أخرى مهمة تتعايش معنا وتسجل حضورها اليومي كالأغاني الشعبية والحكايات والأساطير أمر في غاية الأهمية.

إن الاهتمام بالمأثورات الشعبية داخل النمط الاقتصادي هو في حد ذاته رد اعتبار واعتراف بشرعية تلك المأثورات كمكون من المكونات البانية والمؤسسة لثقافة المجتمع ككل. وإن الاهتمام باقتصاد الثقافة من شأنه أن يحدّ من الهجرة إلى المدن بتطوير الثقافات المحلية واستغلال مؤهلاتها المادية والبشرية.

يبدو تراث التنمية في العالم الثالث وكأنه عملة ذات وجهين وجه اسمه التخلف والآخر واسمه التنمية. وترى الباحثة في موضوع المأثورات الشعبية والتنمية أن التراث قد أقحم إقحاما في قطاع السياحة. وأشارت إلى التجربة المغربية بهذا الخصوص في وادي درعة بالواحات المغربية الجنوبية، التي تعد قبلة للسياحة الخارجية بإمتياز. فالاعتماد على السياحة في التنمية في رأيها جعل من المصادر التراثية مادة مغرية أصبحت معها المأثورات الشعبية سلعا معروضة للاستهلاك والاستغلال والسرقة.

 

مصر

وعن الحرف التراثية والتنمية بين ارتباك الهيئات الحكومية واختناق الجمعيات الأهلية كتب الباحث عز الدين نجيب. عن الجمال والمنفعة، وقال بأن ما نعتبره اليوم فنا ونجتهد في استجلاء قيمته الجمالية، كان في الأساس محض أنماط تلبي أغراضا نفعية ووظائف عملية في الحياة والعقائد الدينية. لكن الفطرة المبدعة في نفس الإنسان تحيلها – ربما بغير قصد -  إلى عمل  تشكيلي يتمتع بحس جمالي تتبادله الأيدي، ثم تضيف إليه القرائح المبدعة من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل وتطوره وفقا لتطور المعتقدات والأساطير والعادات والتقاليد وما تتطلبه من وظائف عملية ومن أنماط حرفية لتلبية هذه الأغراض ووفقا لتطور مهارات اليد البشرية ولتطور الوعي بإمكانات خاصة وبأدوات تشكيلها حتى تصل إلى درجة من التعقيد التقني ومن الإتقان الماهر.

والحديث عن تحوّل النظر إلى منتجات الحرف اليدوية واعتبارها فنونا ذات طبيعة إبداعية تتجاوز أغراضها العملية البحتة إلى قيم الجمال المطلق .. لما تتميز به من تصميمات فنية ذات أسس مثالية، مع ضرورة إيجاد الحلول لمشاكل الخامات، والجمع بين الزينة والمنفعة، ومعاني البقاء والخلود.

بين المؤسسات الرسمية والطوائف الحرفية:

كانت صناعة المنتجات مهمة أبناء الشعب الفقير لتلبية احتياجات الطبقات الدينية والحاكمة والإقطاعية وكانوا ينتجون لأنفسهم من جانب آخر ما يحتاجونه من أدوات المعيشة ولكن بخامات بسيطة من البيئة وبمستوى أقل جودة وبريقا ولكنها احتفظت بكونها منتجات تحمل خصائص روح الجماعة الشعبية بفطرة جمالية قد تفوق في صدقها وتميزها تلك التي تصنع لعلية القوم.

ويضيف الأستاذ نجيب أن الفنون الحرفية الرسمية خضعت لنظام صارم في العصور القديمة تفرضه مؤسسة الحكم أو المؤسسة الدينية أو طبقة الإقطاعيين. كانوا يعملون كحرفيين مستخدمين داخل ورش مقابل أجور عينية أو نقدية. وفي العصر الإسلامي كانت هناك الورش الخاصة بالحرفيين سميت بدور الطرز. وقد خلقت قيمة العمل مقابل اجر نقدي سوقا للإنتاج ومستويات للخبرة والمهارة ونظمت الحرفيين في طوائف ولكل حرفة شيوخها تقيم وتعمل داخل أحياء مسورة لها أبواب. وشبه الباحث نظام الطوائف بمؤسسات المجتمع المدني اليوم أو النقابات المهنية.

موقف الدولة بين ثلاثة عهود:

رعى وزير الثقافة المصري ثروت عكاشة الفنون الشعبية وتبنى إقامة مراكز لتنشيط الفنون الدقيقة وتدريب أجيال جديدة للعمل بها حين كان الاهتمام بالفنون الشعبية تعبيرا عن الاعتزاز بالهوية الثقافية وتأكيدا للانتماء للجذور، وما أن خرج من الوزارة حتى تراجع الوضع وانحدر.

في التسعينيات من القرن الماضي خصصت وزارة الثقافة إدارة عامة للحرف التقليدية تحولت بعد ذلك إلى إدارة مركزية وعلى مدى سبع سنين تم تطوير مراكز الخزف والنسجيات المرسمة وبحوث الفنون التقليدية ومراكز الفن والحياة وغيرها. وأمكن ضخ دماء جديدة من الأيدي المدربة، وإقامة المعارض والمسابقات والمهرجانات المحلية بتغطية كافة الأقاليم في مصر والدولية. وظهرت فكرة مشروع إقامة مدينة الخزف التقليدية بمنطقة الفسطاط. غير أن هذا المد سرعان ما انحسر فور تغيير المسؤول عن هذا النشاط بالوزارة. وأصبح المشروع في مهب الريح حتى أغلق ملفه. أما المؤسسات الحكومية الأخرى فهي في حالة إرباك ناشئة عن غموض الأهداف التنموية وراء تشجيع إقامة مشروعات حرف صغيرة لخلق فرص عمل للشباب. واكتفت بتقديم المنح والقروض لبعض الجهات الأهلية غير المتخصصة أو لبعض الأفراد من الشباب بلا عائد يذكر. ويرجع فشل تلك المشاريع إلى أنها لا تسند إلى ذوي الخبرة الحقيقية ولا تسبقها دراسات جادة حول وضع الحرف التراثية والظروف الثقافية والمجتمعية المرتبطة بها وآليات العرض والتسويق لمنتجاتها وهي الصخرة التي تحطم عليها أغلب المشروعات الصغيرة للشباب المقترضين لينتهي بهم الحال إلى المحاكم والسجون لعجزهم عن تسديد أقساط الديون

المتغيرات الثقافية والاقتصادية:

عدم وجود الحاجة اجتماعيا إلى منتجات الحرف الفنية لأسباب كثيرة أدت إلى قصم ظهور المشروعات التنموية الصغيرة. لم يعد بناء بيت من الطين ممكنا وسط البنايات الحديثة وازدياد عدد السكان أدى إلى الاستيلاء على الأراضي الزراعية. ولم يعد من الممكن أن ترتدي السيدة ثوب التلي المطرز بزخارف خيوط المعدن اللامع فقد أصبحت النساء يرتدين الأزياء الغربية والخليجية والإيرانية. ولم تعد الأسرة الناشئة تقوم بتأثيث شقتها الصغيرة بطراز الأثاث العربي الفخم واقتصرت على قطع بسيطة صغيرة الحجم تتناسب ومساحة الشقة المتاحة.

هذه أمثلة من منتجات الحرف الفنية الدقيقة التي تتعرض للاندثار الوشيك، فالعروض الاقتصادية لعملية الإنتاج، وعملية التسويق أصبحت عالية الكلفة بالنسبة لأسعار خاماتها ولأجور العاملين فيها خاصة لارتباط تسويق هذه المنتجات بالسوق السياحية. ومن هنا تضاءلت قوة الدفع الاجتماعي من جانب هذه الطبقات نحو التمسك بالحرف المتوارثة بل فضّل أصحابها من الحرفيين أن ينئوا بأبنائهم عن تعلمها واحترافها حتى لا يعرضونهم لما يتعرضون له من كساد وإفلاس.

 

المنظمات الأهلية مشكلات وحلول:

ويقول أن الدولة لا تهتم بدعم الجمعيات الأهلية المتخصصة وصاحبة التجارب والخبرات المتراكمة لأداء رسالتها نيابة عن الدولة ممثلة بوزارة الثقافة. إن محاولة الربط بين النشاط الحرفي وحل مشكلة البطالة جعل من المشروعات المقدمة رخصا للكسب السريع من جانب عناصر احترفت اقتناص الفرص فأدى ذلك إلى البعد عن الهدف المنشود وأدى إلى بطالة وانهيار الحرف معا.

تخلي وزارة الثقافة المعنية عن حماية الحرف الفنية من الاندثار لصالح مفهوم ضيق للتراث يتمثل بالآثار دون إدراك لقيمة التراث الحي الحرف الفنية الدقيقة على رسالة التنمية الثقافية للجماهير، ودور التراث في تأصيل الشخصية المتفردة للفنون الحديثة، التي تستطيع المنافسة في مضمار الثقافة العالمية ومواجهة العولمة.

ويرى الباحث أن الخلاص من المأزق الراهن والانطلاق نحو المستقبل المأمول للحرف التراثية في ربطها بالتنمية الشاملة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

 

العولمة

وفي موضوع (الإسهام العربي في عالمية الثقافة) تحدث الأستاذ علي محمد برهانة عن المأثورات الشعبية فقال إنها «ظلت دائما لصيقة بالإنسان حيثما وجد، وما انفكت تمثل مرجعية في سلوكه تحظى بالاحترام وتتمتع بالسلطة المطلقة هذه السلطة التي لا تستمدها من قرار سياسي أو إداري وإنما تستمدها من طبيعتها الخاصة التي تتربع داخل وجدان الشعب». وقال بأن المأثورات الشعبية أصبحت علما قائما بذاته له مكوناته ومصطلحاته. وإن التعرض هنا للمأثورات الشعبية من قبيل التذكير بالدور الذي يمكن أن تقوم به، وعلاقتها بظاهرة العولمة، ومن ثم معرفة ما يمكن أن تسهم به في هذا المجال.

وقد وصفت المأثورات الشعبية بأنها معنيّة بتكريس كل ما هو محلي، كما أنها اتسمت بالنظرة الدونية، واتهمت بالإقليمية الضيقة. وإن الأمر يحتاج إلى المزيد من المراجعة لرفع الظلم الذي لحق بالمأثورات الشعبية حتى تأخذ مكانها الطبيعي في الثقافة العامة. وقال أن الرواد الأوائل من الفلكلوريين العرب قاموا بتفنيد كل ذلك، وبيان تفاهتها. واستطاع الفولكلور أن يشق طريقه في الكليات والجامعات كعلم وأن تحتضنه المؤسسات الحكومية، وأن تستوعبه الدوريات المتخصصة فيه والثقافية العامة. والناظر في طبيعة المأثورات الشعبية لا بد وأن تواجهه هذه المفارقة المحلية الخالصة من جانب والانفتاح على العالمية من جانب آخر.

ويقول إن هناك ظواهر فلكلورية معنية بنطاقات جغرافية ضيقة، وفي الوقت نفسه هناك عدد لا بأس به من الظواهر الفلكلورية تسود مناطق مختلفة من القارة أو من العالم. مثل تلك الظواهر عادة ما تصبغ الفولكلور بالصبغة العالمية، وتجعل منه ثقافة يمكنها أن تساهم في التقارب بين الشعوب، وسيادة ثقافة الحوار والسلام، وبالتالي إلى اللقاء بين الشعوب وبين الحضارات. ويقرر أنه إذا كانت ظاهرة العولمة تسعى وفقا للمعلن من أهدافها إلى التواصل الإنساني والتقارب فليس أفضل من المأثورات الشعبية يمكن استخدامها لتحقيق ذلك في إطار من الاحترام المتبادل والحوار البناء، ودون ممارسة لأي نوع من الإقصاء لأي مكون من مكونات هذه المأثورات.

وفي مكان آخر يقول لكي نعرف كيف يمكن أن تساهم المأثورات الشعبية في الثقافة لا بد أن نقسم هذه المساهمة إلى أقسام وفقا لطبيعة المأثور الشعبي إن كان ماديا أو غير مادي.

حضور الجانب المادي من المأثور الشعبي في الحياة العامة: على شكل هدايا وتحف للسواح الأجانب وتذكارات، وهو يستقطب شريحة لا بأس بها من اليد العاملة من حرفيين وباعة متنقلين وتجار ويمثل موردا اقتصاديا لهم، ويسهم في التعريف بهذا النوع من الصناعات التقليدية. كما يتمثل الجانب المادي بإعادة الاعتبار لبعض الصناعات التقليدية، وإعادة إنتاجها بغرض تسويقها في السوق المحلية، نظرا للإقبال عليها وجدواها الاقتصادية، فإن الإنتاج قد تطور سريعا ودخلت فيه الميكنة إلى جانب الإنتاج اليدوي.

أما الجانب الثقافي للمأثورات الشعبية: فبالرغم من غنى هذا الجانب وتنوعه وكثرته (أي مكونات المأثور الشعبي العربي وغيره من مكونات الثقافة الشعبية) إلا أن حضوره في الحياة العامة لا يتناسب مع هذا التعدد وهذه الكثرة.

وعن فاعلية إسهام المأثورات الشعبية يؤكد أن المأثورات الشعبية في حاجة إلى استدعاء ومعالجة من نوع خاص حتى تكون لها الفاعلية الكافية في مواجهة ما تقدمه الحياة الحديثة، لذا لا بد من إعادة الاعتبار للكثير من الجوانب الثقافية الشعبية بعد أن تدرس دراسة جادة وينظر للأسلوب الأجدى في تقديمها والذي يكسبها هذه الفعالية.

 

ويوصي الباحث في نهاية طرحه بعدد من التوصيات منها:

- جمع الثقافة الشعبية بشقيها المادي والمعنوي وتصنيف هذه المادة وحفظها وفهرستها وفقا لأحدث الأساليب

- تبادل الخبرة بين الأقطار العربية

- قيام الدراسات الحديثة على المادة المجموعة

- إيجاد الأسلوب الأمثل لنشرها عن  التعليم أو طريق وسائل الاتصال الحديثة

- تشجيع المبدعين للتعامل مع الثقافة الشعبية

- إنشاء جسم إعلامي اقتصادي ثقافي للنهوض بنشر هذه الثقافة وخاصة لفئة الأطفال

- يجب أن يكون هذا العمل حرا وغير حكومي ولا بأس أن تموله الحكومات بالقروض أو الهبات

- الربط بين الثقافة الشعبية والتراث المكتوب مع الأخذ في الاعتبار الحاضر والمستقبل

ثم يختم بالقول “إذا كانت العولمة قدرا لا بد منه فإنه يجب علينا أن ندخلها بإيجابية ونقدم أنفسنا بطريقة كافية لأن تضمن لنا الاحترام والتقدير وتضمن لثقافتنا القدرة على المنافسة والحضور الفعال لتجذب إليها الأنظار محليا وعالميا.”

ثم يأتي الباحث كامل إسماعيل فيرجع في بحث واف سبب زيادة اهتمام العالم بالموروثات الشعبية إلى العولمة لأنها مظهر من مظاهر الهوية الثقافية، وخاصة في المرحلة الانتقالية من أنماط الحياة التقليدية التي تميز كل مجتمع وكل شعب وكل منطقة وحتى كل حي أو قرية إلى نمط يكاد يكون واحدا في كل مناطق العالم وقاراته، نتيجة للثورة التقنية ووسائل الاتصالات والتواصل التي جعلت الناس يتحدثون عن القرية العالمية.

والعولمة في رأيه سلاح ذو حدين فهي من ناحية وسيلة للتعرف على الأخر والاستفادة منه ومن خبراته وثقافته. ومن ناحية أخرى قد تشكل بديلا يهدد الثقافات المحلية التي لها دورها في بناء صرح الثقافة العالمية لأن التغيير في الكم لا بد وأن يؤدي إلى تبدل في الكيف. ويقول بأن العولمة موجودة مذ وجدت الثقافات، وكانت تتم من خلال العلاقات المختلفة بين الأمم والشعوب. وقد عبّر عنها علماء الانثروبولوجيا والفلكلور بنظريات كنظرية الانتشار أو التلاقح الثقافي، ولا ضير من أن تأخذ ثقافة من ثقافة أخرى أو تعطيها طالما أن هذه العملية تتم بعفوية ودون إكراه.

ثم تحدث عن التبادل الثقافي بأنه يتم على شكل موتيفات ثقافية أو أشكال من التعبير الثقافي كالحكايات والأمثال والعبارات التقليدية وكذلك أنواع الطعام، كل ذلك نوع من العولمة السلمية التي تغني التنوع الثقافي. حتى وصل إلى أن العولمة اليوم تتخذ أشكالا أخرى، إما بالدعاية والإعلام أو بالقوة الغاشمة التي تقضي على ثقافات الشعوب المغلوبة.

وتطرق إلى موضوع صدام الحضارات ثم حوار الحضارات. إلى أن قال “أنه مع تصاعد وتيرة العولمة في ظل سياسة القطب الواحد استشعرت الدول والشعوب والمجموعات البشرية أن هناك خطر يتهدد وجودها السياسي والثقافي، وحتى لا تكون مهمشة أمام اللون الواحد من الثقافة، وهي ترى أن تراثها في خطر، قامت بردة فعل  للعودة إلى ثقافتها وتراثها المتجذر في وجدان أفرادها والمهدد بالانقراض بموت حملة كل هذا التراث”.

ويرى أن المبادرات الفردية تطورت إلى شبه منظمة تجلت في الدعوات العالمية لحفظ تراث الإنسانية التقليدي. فكان شبه إجماع دولي لتنظيم تلك الجهود العالمية ضمن أطر قانونية ملزمة لجمع المأثورات الشعبية لدى الشعوب  قاطبة دون تمييز أو عنصرية. تمثلت بشكل خاص في اتفاقيتي منظمة اليونسكو الأساسيتين (اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي) و(اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي).  وإذا ما أخذت الدول بهذه الاتفاقيات والتزمت ببنودها سوف تسهم في إماطة اللثام عن ثقافات عديدة وتراث إنساني مشترك يوحّد بين الثقافات أكثر مما يفرق بينها. وكلما ازداد التنوع الثقافي الإنساني غنى ازداد التفاهم بين الشعوب والأمم.

وفي بحث عن العولمة والمأثورات الشعبية للأستاذ حنا نعيم حنا (عودة إلى الثقافة المادية التقليدية التطبيقية) وبعد أن عرّف العولمة بأنها تعني ببساطة جعل الشيء عالمي الانتشار في مداه وتطبيقه ... وبأنها عملية اقتصادية في المقام الأول ثم سياسية، ويتبع ذلك الجوانب الاجتماعية والثقافية. وذكر التجربة الصينية الاقتصادية في ظل العولمة التي ركزت على الجوانب المرتبطة بالتراث والمأثور وبالجوانب الاعتقادية والاحتفالات الشعبية لبعض الشعوب، وقال أنها بنت صروحا اقتصادية جلب للصين مليارات الدولارات على حساب دول لم تستثمر تراثها الحضاري والثقافي الاستثمار الأمثل. فالصين وجدت حلولا اقتصادية باستثمار ثقافة الآخر، ثم أعادت تصديرها له. ثم يتساءل لماذا نحن لا نستثمر ثقافتنا المادية التقليدية بشكل تطبيقي يعود بالفائدة علينا. ويوضح فكرته السابقة فيؤكد أن الشركات الصينية العملاقة قامت بالاستيلاء على العديد من الصناعات المحلية لبعض الشعوب ثم أعادت تصديرها لهم، ففي مصر مثلا نجد فانوس رمضان الصيني والسبحة الصينية وسجادة الصلاة والجلباب، وحتى نماذج التماثيل الفرعونية صناعة صينية أيضا. ثم يقول «كان الأولى بنا أن نتجه إلى تطوير منتجاتنا الثقافية بشكل يتلاءم مع خصائصها التقليدية، ثم إعادة طرحها للمجتمع كمردود اقتصادي يخلق أسواقا محلية وفرص عمل يواجه بها الاحتكارات».

وفي بحث (المأثورات الشعبية وكونية الثقافة

تنطلق الباحثة زينب صبرة من (كونية الثقافة) أو العولمة، وهي مرادفة لمصطلح النظام العالمي الجديد، وقد وصفتها بالظاهرة التي لا بد من التعامل معها كأمر واقع.  وفي إطار تحليل الأبعاد الثقافية للعولمة دعت إلى بناء ثقافة كونية ذات نسق متكامل من القيم والمعايير لفرضها على جميع الشعوب، والتي قد تؤثر على الخصوصية الثقافية لتلك الشعوب.

ورأت ضرورة الربط بين القديم والحديث، وأكدت أن التراث الثقافي مصدر من مصادر الاستلهام. وضربت مثلا بالفنانين الذين استلهموا من التراث ومن خصائصه الجمالية والفنية أعمالا ليست بعيدة عن أصالة الماضي ولا هي غريبة عن روح العصر.

ثم عرضت لعدد من المحاور منها:

- المفهوم المعاصر للمأثورات الشعبية كمادة إستراتيجية

- المأثورات الشعبية بين الهوية والعولمة

- القيم الكامنة في المأثورات الشعبية

- تحديات الثقافة الكونية لمؤسسة الجامعة

- دور المجتمع في الحفاظ على المأثورات الشعبية.

وختمت بحثها بعدد من التوصيات التي نرى من أهمها ما يلي:

- التوسع والإسراع في عمليات الجمع والتسجيل لأنماط وأشكال مواد المأثورات الشعبية.

- تدريب الكوادر والحرفيين.

- الاهتمام الإعلامي بالمأثورات الشعبية في ظل الخصوصية الثقافية للقطر.

- ضرورة تواصل جهود المثقفين والمتخصصين بصناع القرار للعمل على تحويل النظريات والتوصيات إلى قرارات وتعليمات وقوانين.

ونقرأ للباحث عبدالرحمن الديب موضوعا شيقا حول (لامحدودية التراث الثقافي الشعبي، ومسالة التلاقح الثقافي) الذي استهل بحثه بالقول أن التراث الثقافي الشعبي قد أصبح في صدارة العناية والاهتمام، وخاصة بعد أن جعلته منظمة اليونسكو من أولويات مشاريعها. وأخذت تسن بشأنه التشريعات، وتعقد المجالس، وتتولى البحوث والاستشارات، وتصف جوانب منه (كنوزا إنسانية) ينبغي المحافظة عليها، على مستوى العالم.

ويطرح الباحث سؤالا يفرض نفسه وهو: هل قام إعصار من نوع خاص فاجتاح مراكز إدراك العالم وأيقن الإنسان بعده أن ذاكرته قد أصبحت مهددة بالاندثار؟

ويجيب عليه بأن هذا الإعصار قد حدث فعلا في البلاد التي جرفت في التقنية المفرطة وفي الاقتصاد المعولم الطافح وفي الاختزال الأسري إلى الفردية والوحدانية، وبحدوثه أصبحت ذاكرته التراثية متحفية صرفة من جهة، ومهاراته الميكانيكية ومعارفه التقليدية رجع صدى مبهم من جهة ثانية. فهل يعني هذا أن البلاد الأخرى التي لم تشهد ذلك الإعصار مضطرة بدورها أن تتلقى أمواج الإعصار الجارفة, فيحيل ذاكرتها فتصبح وكأنها مفصومة عنها، ومع ذلك فأنها ما انفكت تمارس تركيباتها الاجتماعية القبلية وغيرها والتقليدية، واقتصادها التقليدي الحرفي، علاوة على (خيالها) المتواتر الذي تصنع منه فنونها ومعتقداتها. وتلك ظاهرة حريّة بالاهتمام.

ويقول في موضع آخر يبقى السؤال قائما هل الإعصار قد حدث من ذاته أي بموجب يقظة ضمير فعلية تنظر إلى أن مكاسب ذاكرة الشعوب مهددة بالاندثار، وذلك نتيجة لمفعول التراكم الهائل لأسباب المعارف التكنولوجية الحديثة، التي تمكنت من إنتاج ذاكرة حديثة حلّت محل الأصلية، قوامها الآنيّة والافتراضية وسرعة التعويض.

وبخصوص جدلية (التلاقح الثقافي) بين الاشتراك والتباين يقول من الضروري التأكيد على جملة محدودة من العناصر المتفقة لدى تراث جميع الشعوب والعناصر الأخرى المتباينة فيها، فجميع الشعوب تصنع وتبني وجميعها تقول وجميعها تفرح وتحزن وجميعها أيضا تقتات كما تحلم بالليل والنهار، ومن هذه الفروع تخرج الأغصان بأزهارها وفاكهتها وأوراقها، وأما الثمار فتختلف من شجرة وأخرى، وكذلك الأوراق والأزهار. وبعبارة أخرى هناك قواسم مشتركة بين مأثورات الشعوب وهي نتيجة للاتفاق القائم أي المشترك بين الإنسان أين ما كان وفي أي زمان كان في إنتاج ما يحقق وجوده ويعبّر عنه إنتاج حسب منظومة واحدة وأنساق متماثلة.

ويستطرد إن تراث الشعوب يمكن أن يبوب إلى أبواب ثابتة ومشتركة بالرغم من طبيعة المكون التراثي وتحيط هذه الأبواب بما يؤسس لدورة حياة الإنسان بشكل مطلق لأن دورة الحياة هذه واحدة لدى الإنسان مهما كان جنسه وموطنه ومهما كانت ملته ومهما كانت الحقبة الزمنية التي عاش فيها. ولكن مضمون مفاصل هذه الدورة هو الذي قد يعكس مستويات التباين بين ثقافات الشعوب من ناحية، وهو الذي قد تبرز من خلاله عناصر (التلاقح الثقافي) بينها كل شعب من الشعوب بل على طائفة إنسانية حددت بمجالها المميز ولسانها المفرد فإن ذلك لا ينفي في معظم الحالات أن يتجلى التماثل في بعض  مكونات مكتسباتها التراثية.

ويرى ان الرحلة عنصر من العناصر الأساسية في مكون التصرف الإنساني، وهو أمر لا ينبغي أن يستهان به في استقراء ما نطلق عليه بالذات الثقافية للإنسان، في هذه الرحلة إذن يلتقي الإنسان بالإنسان، وليس اللقاء بينهما مجرّد مواجهة، بل على العكس فهو استئناس أي انه يحدث لقاء الألسن ولقاء المجالات ولقاء المخيالات فيتم بذلك العطاء والأخذ، ويصير التلاقح أمرا واجبا لكي يتم التعايش والاستئناس، وتصبح مكتسبات اللقاء روافد مستقرة في الذاكرة التراثية لهذا الشعب أو تلك الطائفة الإنسانية. ولا تكون حصيلة المكتسب في ممارسات الإنسان المادية فحسب – في صنائعه وأدواته ومعماره ومأكولاته ومهرجاناته الخ – بل في معتقداته ولسانه وتمثّلاته ورسومه وزينته ومعارفه ايضا، وكذلك في نظرته للكون وما وراء الطبيعة.

ويرى أيضا ان المعطى التراثي بين الأصيل والدخيل، وبين أنه كائن حي دؤوب التفاعل فهو معرض لعداوة التلاقح... وبيّن أن المعطى التراثي للشعوب الفقيرة لعدم التكافؤ باتت كفته متأرجحة بفعل الدخيل المحدث، فإذا صار الأمر واقعا ممارسا فإن الخطاب (المعولم) حول تكريس التراث التقليدي للشعوب بصفة عامة، والفقيرة بصفة خاصة، يصبح خطابا مشروعا وذا مصداقية. وقال إننا نعلم أن هذه الشعوب الفقيرة لا تتوفر لديها وسائل رد تراثها بل تصبح الفجوة بينها وبين الآخر متفاقمة حتى قد يستفحل أمرها.

 

التراث والتنمية

يطرح الباحث الدكتور محمد حافظ دياب تحت هذا العنوان (سؤال التراث وهاجس التنمية) كيف شدّت مشكلات التراث الشعبي وتأصيل الوعي به في قضايا التنمية انتباه المشتغلين في مختلف التخصصات العلمية كالفولكلور والانثربولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والتاريخ وعلم اللغة والآداب والفنون. يدرك الباحثون في حقل العلم الاجتماعي أهمية التراث كرائد مهم في المعرفة التنموية بالنظر إلى قدرته على تحقيق تواصل الجماعة وتأكيد وعيها بذاتها وبلورة مرجعية فكرية وجمالية تواجه مشكلات العيش والتصالح مع الحياة.

وقبل الإجابة على الأسئلة التي طرحها الباحث في مقدمته حول التراث وعلاقته بالتنمية وكيف يمكن استلهامه في عملية التنمية. حاول توضيح مقصوده من (التراث) ومن (التنمية)، تطرق إلى كثير من الموضوعات منها ما يواجه التراث من مشكلات تتعلق بالتراث نفسه من ناحية، وبالمتعاملين معه من ناحية أخرى. واستعرض آراء كثير من العلماء والفلاسفة والمهتمين بالتراث على مر العصور مبينا المحاولات الحثيثة في تناول موضوعاته من وجهة نظر كل واحد منهم،  مصنفا إياهم إلى ثلاثة أصناف:

- التجاوز من قبل الحداثيين.

- الطعن لدى ذوي الميول الاستشراقية.

- التحريم عند رجال الدين.

وتحدث في موضع آخر عن أساليب التعامل الخاطئ لعلاقة التراث بالتنمية ووقف على نماذج منها لها قوة التمثيل والإنابة:

أولا:  التوظيف

 ويقوم هذا الأسلوب على (تشريط) التراث الشعبي وفصله عن سياقه التاريخي وإسقاط متطلبات معاصرة عليه وإنطاقه بما لم يعبر عنه في السياسة والثقافة والاقتصاد.

ثانيا: التقنيع

يعتمد هذا الأسلوب على تحويل التراث الشعبي من علّة وجوده في إطار سياقاته الحضارية والاجتماعية إلى استعمال يفرض عليه من الخارج، بواسطة تزويقه وإعطائه (ترميزات) حداثية وعناصر دخيلة على مقوماته. وضرب أمثلة للتراث المادي بالأزياء الخليجية وللتراث الغير مادي بالسير الشعبية.

ثالثا: التسليع

وهو الاستخدام النفعي للتراث الشعبي بتحويله من موضوع تراثي إلى موضوع استعمالي محقق لمصلحة أو منفعة ذاتية. ويتم ذلك بتسويق المادة التراثية وضرب لذلك أمثلة بالمصنوعات اليدوية والألعاب والموسيقى والغناء والرقص، وبتسويق السير الشعبية العربية باختزالها إلى عوالم مصغرة وتقديمها عبر أشرطة الكاسيت. وفي مسيرة التراث الشعبي نحو الاستثمار السياحي والغنم الاقتصادي تتدخل عوامل كثيرة تساهم في هذا التسليع.

ويسأل لماذا حدث ذلك؟ ويجيب نفسه بأن هناك عدة اعتبارات متداخلة تمثل معا أرضية لهذه الالتباسات:

 جدل التقليد والتحديث

يمارس دوره كآلية كابحة لاستلهام التراث في التنمية

نهج الذرائعية

أنظمة عربية تفرض توجّهات عبر آليات دعاواها ومقتضيات حركتها  وتحويل التراث إلى مجرد آلية دفاعية

الإلحاق كان هو الأسلوب الذي ميز الأنظمة العربية بالتراث حيث أغفلت النظر إلى التنمية كنموذج ثقافي يلبي متطلبات الجماهير

غلّبت تلك الأنظمة الاعتبارات الاقتصادية حين نظرت إلى التنمية باعتبارها صيغة اقتصادية محضة.

تهميش الجماعة الشعبية كإحدى آليات فك الارتباط بين التراث والتنمية وما عانته في السابق من ضغوط التبدلات الاقتصادية والاجتماعية مما تسبب في منع حملة التراث من المشاركة الحرة في تفعيل حيثيات التنمية.

وتحت عنوان فرعي (مغامرة الإبداع) يرى أن هناك أربعة توجهات لعلاقة التراث بالتنمية هي:

أولا: تجاهل هذا التراث

تطور التجربة التنموية العربية المعوّق بسبب العمليات الإجرائية والمشاكل الاقتصادية البحتة التي عطلت التواصل بالتراث وابتعدت عن استلهامه وانتهت إلى الاقتباس من الآخر والاستنساخ على شاكلته.

ثانيا:  مواءمته

ففي بعض البلدان العربية اعتمدت تجارب تنموية توجه الموائمة حين أدرجت البعد التراثي في إطار اهتمامها بشكل عام بما يسمى بالتنمية المتكاملة الشاملة للبنى الاقتصادية والقدرات البشرية والجوانب الروحية والمواءمة بين أصالة الثقافات المحلية وظروف الحياة الحديثة وتأثيراتها.

ثالثا: إلصاقه غصبا بالتنمية

يقوم هذ التوجه على الإلصاق القسري لأشكال كابحة من التراث في حيثيات التنمية. وقد يتخذ هذا التوجه شكل تعميم النظر إلى التراث في فعل التنمية. ويجسّد هذا التوجه صيغة تبسيطية للتراث تعبر عن حذر وتحفظ بإزاء استلهامه حين يقتصر على عمليات جمعه وتسجيله وتصنيفه وفهرسته تحت دعاوى حفظه وحمايته وصونه وهي على جدواها أدعى إلى تخفيض حمولتها التراثية إلى مجرد تركة بما يعني عدم كفايتها وحدها في تأويله وتفعيله.

رابعا: تأويله

وهو توجه يتمثل في النظر إلى التراث لا كمجرد وسيلة لتفعيل خطط وبرامج التنمية بل  كإطار لتواجدها وتحققها، بل دليل على التنمية ومرشد لها ومقياسا لتقييمها. ويقول أن التنمية غير المستلهمة للتراث تبدو مختزلة، أما المستلهمة للتراث فتعد تنمية زمامها المعنى والنوعي.

ويضرب أمثلة حية على استلهام التراث وإعادة إنتاجه في عدد من المجالات كالمعمار والتشكيل والقصيدة والرواية والمسرح . إلى أن يختم بقول تلك أعمال مارست تأويلها المتفتح للتراث لتتحول مأثورا لا تكتمل فعاليته إلا باندراج التواصل معه ضمن مشروع نهضوي لكي «يتسع استلهام التراث ليفتح على هاجس ترجيحه كإمارة خلق وإبداع».

 

التراث والاتفاقيات الدولية:

وفي بحث حول المأثورات الشعبية الفولكلور وبعض الاتفاقيات الدولية وهما (اتفاقية التراث الثقافي اللامادي، وحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي) يستعرض الأستاذ محمد حسام محمود لطفي في مختصر مفيد جميع الاتفاقيات العربية والإسلامية والعالمية لكل ما يتعلق بالتراث بشكل عام وما يخص التراث اللامادي بشكل خاص.

اتفاقية حماية وتعزيز أشكال التنوع الثقافي لعام 2005 تبنتها منظمة اليونسكو بغرض احترام التنوع المثمر للثقافات، وتشجيع الانسياب الحر للكلمة والصورة، واعتبار التنوع الثقافي تراثا مشتركا للإنسانية. واستهدفت هذه الاتفاقية ثلاثة أهداف لإيجاد مستقبل أكثر إنسانية:

- الثقافة والتنمية

- الثقافة والتضامن الدولي المتبادل

- الثقافة والتفاهم

ثم تعرض لمواقف بعض الدول تجاه الاتفاقية والمفاوضات المستمرة بشأنها وما يتعلق منها بالجانب التجاري وعلاقته بالجانب الثقافي. فالاتفاقية أكدت على تميّز وتفرد السلع الثقافية باعتبارها حوامل للهويات والقيم والمعاني. وأوضح الباحث أن هذه الاتفاقية لا ترتبط باتفاقيات دولية أخرى في إشارة ضمنية إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية. 

واتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي والتي اعتمدتها منظمة اليونسكو عام 2003 في دورتها الثانية والثلاثين في باريس. أوضحت مفهوم التراث الثقافي غير المادي في المجالات التالية:

التقاليد وأشكال التعبير الشفهي  بما في ذلك اللغة

فنون وتقاليد وأداء العروض

الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات

المعارض والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون

المهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية.

وبين الباحث هنا معنى كلمة (الصون) وتعني التدابير الرامية إلى ضمان استدامة التراث وتوثيقه وإجراء البحوث بشأنه والمحافظة عليه وحمايته وتعزيزه وإبرازه ونقله عن طريق التعليم النظامي وغير النظامي وإحياء مختلف جوانبه.

ثم أتى على التزامات الدول العربية تجاه التراث الثقافي غير المادي والعلاقة بين اتفاقيات اليونسكو والشرعة الدولية للملكية الفكرية، فأشار إلى مسالة الربط بين الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة وقال بأنه ربط واجب على أمل أن توافق الدول النامية على الاستفادة تفاوضيا لدعم مطالبها المشروعة في الحصول على عائدات مناسبة حال استخدام مواردها الجينية وتراثها اللامادي في التوصل إلى براءة اختراع جديدة أو مصنف أدبي أو فني مبتكر أو تعبيرات لفناني الأداء مما يدخل في مفهوم الحقوق المجاورة أو الحقوق المرتبطة بحقوق المؤلف.

وفي هذا السياق وحول التنمية وعلاقتها بالاتفاقيات الدولية يستعرض الأستاذ الدكتور احمد علي مرسي في بحثه المعنون المأثورات الشعبية والتنمية، جوانب من اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003 واتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي 2005 وما يتصل منها بالتنمية. ويلمح بأنه قد سبق تلك الاتفاقيتين العديد من الإعلانات، كإعلان مبادئ للتعاون الثقافي الدولي ،1966 وإعلان عام 1982 بشأن السياسات الثقافية والذي يؤكد على ضرورة إسهام الثقافة في التنمية.

ولقد أورد الباحث عدة حقائق أكدت عليها تلك الاتفاقيتين منها:

مسؤولية حماية التراث الشفوي غير المادي وكذلك التنوع الثقافي لما فيه من قيمة اقتصادية وثقافية وتاريخية واجتماعية تتطلب تظافر الجهود على المستوى الوطني عن طريق العمل المشترك بين القائمين على برامج التعليم والتثقيف والإعلام وبرامج التدريب والتنمية وغيرهم من المشغولين بهذا التراث سواء أكانوا أفرادا أو جمعيات، لذا ينبغي دعم الصناعات الثقافية ونموها شريطة الحرص على أن يكون إنتاجها وتوزيعها متمشيا مع مقتضيات التنمية الشاملة.

الدعوة إلى الحماية والصون لا تعني التجميد أو منع الآخرين من الاستفادة منها بل العكس هو الصحيح.

إعطاء أصحاب الخبرات والمعارف والتعبيرات حقوقهم يسهم في استمرار إبداعهم وتطويرهم لأدواتهم ومعارفهم وتعبيراتهم ورفع مستواهم فكريا وماديا وتعميق إدراكهم لإنسانيتهم ودورهم الذي لا يمكن الاستغناء عنه.

إن الاتفاقيتين عندما تؤكدان على ضرورة الحماية وأهميتهما في منع الانتهاب وسوء الاستغلال إنما تؤكدان في الوقت نفسه على المنع والتقليل من احتمالات صدام الحضارات... كما تسهمان على تأكيد احترام الآخر المختلف لا نفيه واستغلاله.

ويخلص الأستاذ الدكتور أحمد مرسي إلى القول بأن الجميع يعرف أن التراث الثقافي الفني على تنوع تجلياته وأشكاله يؤدي وظائف اجتماعية وروحية وثقافية عظيمة الأهمية، كما أنه يؤدي دورا لا يقل أهمية في التنمية الاقتصادية بالاستفادة من المواد الثقافية المأثورة المتنوعة وتطوير للمهارات.

وهناك بحث الأستاذة سوزان السعيد الذي تحدثت فيه عن بعض الجهود الدولية العالمية لحماية التراث الثقافي وعن الجهود المحلية المصرية. وتطرقت الى جهود منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في إنشاء لجنة التراث العالمي وصندوق التراث العالمي وثانيا المؤتمرات الدولية كمؤتمرات باريس 1972  و 1989 و 1990  ومؤتمر واشنطن 1999 ومؤتمر جنيف 2001. وأما عن الجهود المصرية للحفاظ على التراث الثقافي فقد أشارت إلى المؤسسات والمنظمات والجمعيات التي أنشئت لهذا الغرض، ومن أهمها المجلس الأعلى للثقافة ومراكز التوثيق والبحوث  والمتاحف.

 

التراث والتوثيق باستخدام تكنولوجيا المعلومات:

تناولت بعض البحوث موضع استخدام الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في ميدان المأثورات الشعبية.

فالبحث الأول كان بعنوان استخلاص العناصر الفولكلورية للأستاذ مصطفى جاد قدم فيه إجراءا عمليا و منهجا واضحا لكيفية التعامل مع المادة التراثية (الفولكلورية) سواء كانت مادة صوتية أو مادة مصورة أو فيديو أو مدونة أو حتى مادة منشورة في مرجع من المراجع .

تناول في بحثه مرحلة مهمة من مراحل أرشفة المادة الفولكلورية وهي كيفية إعدادها قبل إدخالها للأرشيف. وهو ما أطلق عليه (استخلاص العنصر الفولكلوري). فبعد الانتهاء من مرحلة التصنيف باستخدام رأس الموضوع المناسب من (مكنز فولكلور) تأتي مرحلة استخلاص المادة المصنفة. ويعرّف الاستخلاص في علم المعلومات بأنه التحليل من اجل تقديم أهم ما تشتمل عليه الوثائق من معلومات مناسبة. والاستخلاص لغة: استخراج الخصائص أو المكونات الأساسية لشيء ما. والاستخلاص اصطلاحا: فن استخراج أكبر قدر من المعلومات المناسبة من الوثيقة والتعبير عنها بأقل عدد من الكلمات. وهذا المفهوم ينسحب فقط على الوثيقة المكتوبة. ويتسع الاستخلاص في ميدان علم الفولكلور ليستوعب المادة الصوتية والمصورة والفيلمية. ومن ثم فإن الوثائق المشار إليها هنا هي المادة الفولكلورية التي تم جمعها ميدانيا بجميع الوسائط.

وفي خاتمته يؤكد إن حركة جمع المادة الفولكلورية وتوثيقها لم تنعزل عن تكنولوجيا المعلومات التي سادت خلال العقدين الأخيرين، وإن التقدم في حركة الفولكلور المصري والعربي ارتبطا بلا ريب بالاتجاه العالمي في تعدد التخصصات وتكاملية العلوم والفنون ونظم المعلومات.

وكان البحث الثاني عن ثورة الاتصال والمأثورات الشعبية للباحثين هيثم يونس وعاطف نوار، وهي دراسة مبسطة لإلقاء الضوء على كيفية الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات في مجال المأثورات الشعبية. تطرق فيها الباحثان لأصل برمجة الحاسوب (الرقمية)، الأرقام التي حوّلت إلى حروف اللغة ومنها إلى المواد الرقمية الأخرى التي من نماذجها الأشرطة الصوتية وأشرطة الفيديو المرئية والمواد ذات الشكل الرقمي والتي من نماذجها الأقراص المكتنزة وأقراص الفيديو الرقمية.

ومن الأجهزة الرقمية  التي استخدمت في توثيق المأثورات الشعبية

- أجهزة التسجيل الصوتي الرقمية

- كاميرات التصوير الرقمية

- كاميرات التصوير الفيديو الرقمية

- التليفون المحمول

كما تحدثا عن البرمجة وأدواتها ومتطلباتها، وعن الانترنت وعن البيئة الرقمية العربية مؤشراتها ودلالاتها.

وفي ختام هذا الاستعراض لا املك إلا أن اعتذر عن التطويل، وقد ألتمس العذر في ذلك لأهمية البحوث والأوراق التي قدمت في المؤتمر 21 وأعتقد أن الإطلاع عليها ضرورة لأي مهتم بموضوع المأثورات الشعبية والتنمية والعولمة في عالمنا العربي.

أعداد المجلة