فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
67

في الأساطير الشعبية:أسطورة شُجَيْرة حناء وقمر أنموذجًا

العدد 18 - أدب شعبي
في الأساطير الشعبية:أسطورة شُجَيْرة حناء وقمر أنموذجًا
كاتب من المغرب

1 - الأسطورة: تعريفها وأهميتها

إن الأسطورة حقيقة ثقافية معقدة جدا، يمكن التطرق إليها وتأويلها ضمن رؤيات متعددة ومتكاملة. إنها تحكي قصة مقدسة، وتسرد حدثا وقع في الزمن البدائي والزمن العجيب للبدايات. وتعتبر قصة مقدسة حقيقية لأنها تستند دائما إلى حقائق.

عمومًا، فهي تكشف أن للعالم والإنسان والحياة أصلا، وقصة خارقة ذات دلالة، وقيمة، ومثالية1 . وتعبر تعبيرا أرقى وأصدق عن الحقيقة، والتاريخ الصحيح. وهي شكل تعبيري أدبي رمزي، يرمز إلى هدف أو غاية فكرية تعليمية، تتم بالحوار والحكاية، ويكون موضع تبجيل وعبادة وطقوس، وكنز بشري لا تقاس قيمته بأي ثمن.  تشهد من حيث مضمونها على ماضي الإنسان، وإدراكه العالم، وتصوره له. وتشكل من حيث صيغتها لونا من ألوان التعبير الفريد. وتتبوأ مكانة مهمة في ميدان فلسفة العلوم.

و«هي التفكير في القوى البدائية الفاعلة، الغائبة وراء هذا المظهر المتبدي للعالم، وكيفية عملها وتأثيرها، وترابطها مع عالمنا وحياتنا. إنها أسلوب في المعرفة والكشف، والتوصل للحقائق، ووضع نظام مفهوم ومعقول للوجود، يقتنع به الإنسان، ويجد مكانه الحقيقي ضمنه، ودوره الفعال فيه. إنها الإطار الأسبق والأداة الأقدم للتفكير الإنساني المبدع، الخلاق، الذي قادنا على طول الجادة الشاقة، التي انتهت بالعلوم الحديثة، والمنجزات التي تفخر بها حضارتنا القائمة»2. إنها ثمرة الجهد الإنساني لفهم الطبيعة، وتسمية ظواهرها، وتحديد أماكنها. و«نتاج المخيلة الإنسانية، تنبثق من موقف محدد لتؤسس شيئا ما.»3

تكمن أهميتها في أنها بديل عن العلم في تاريخ ما قبل العلم، وفي أنها ذاكرة البشرية التي تحفظ الأحداث والوقائع غضة طرية ناعمة، بشكل رمزي يتطلب سبر أغواره وفهمه امتلاك مفاتيح التفسير4. كما لا يجب نسيان أن العالم كان مشحونا بالرسائل والمعاني بالنسبة للإنسان المتدين في المجتمعات القديمة، وأحيانا كانت بعضها مشفرة، لذا ساعدته الأساطير على فك ألغازها، وإجلاء رموزها5.

وبتعبير مختصر ووجيز، إن الأسطورة تنتمي إلى عالم المقدس أبطالا وموضوعا، وهي أشد سلطة وأقوى فعالية من التاريخ...   

2 - أسطورة شجيرة حناء وقمر:- مضمونها

حين زارت (السَّالِمَة) أهل (كِيمَا) بجبال الأطلس ببلاد المغرب الأقصى، حكت لها النقاشة (بَاشَا) أسطورة، مفادها أن شجرة الحناء كانت في القديم كبيرة، تمتد عروقها في الأرض، وتعلو عروشها وأغصانها في السماء، وتتسع أوراقها لتبلغ راحة اليد، أو لتتجاوزها. وكانت النقاشات ينقشن رسمها على اليد اليسرى اتقاء للعين، وأنواع الشرور الأخرى. بعد ذلك، عظم الشر، وغدا نقش شجرة الحناء غير كاف وحده لدرء البلاء، فأشار الصالحون برسم القمر وسط الراحة، لأن له غيرة على كل جميل، وبرسم الشجرة في مرتفع اليد جهة البنصر، وجعل فروعها ممتدة حتى نهايته. رأت الشجرة أنها مضايقة من لدن القمر، ومتهمة من لدن الصالحين بفقدان تأثيرها، فانكمشت، وتقزم حجمها إلى ما هو عليه اليوم. وبهذا، أصبحت في حاجة ماسة إلى القمر لكي ترد الشر والأذى عن الجميلات.

كما أنه لما مرضت (كيما)، قامت امرأة اسمها (جَامُّو) بعملية إنزال القمر لإشفائها. وهي امرأة في الأربعين من عمرها أو تزيد، ضخمة الجثة، وكثيفة الحاجبين. تجر أكياسًا لا يدري غيرها ما فيها. أخبرت المرأةُ السالمةَ _بعد أن أقامت عندها في بيت منعزلة ثلاثة أيام، وأحرقت البخور في اليوم الرابع_ بأن برج كيما المريضة هو القمر. واشترطت صحن دار عار لا يقربه أحد، وخادمات ستة عازبات، وماء اغتسلت به كيما، وأجرا مقدما، حتى يتأتى لها إنزال القمر ليلة تمامه. وفرت السالمة الشروط كاملة، ووضع الماء في قصعة. حين بلغ القمر كبد السماء، ولمع نوره، وبدا وكأنه لا ينظر إلا إلى صحن الدار، جعلت القصعة وسط المكان المحدد (الصحن)، ووقفت جامو على مرفع في رواق مقابل، وعلى يمينها ثلاث خادمات، وعلى يسارها الثلاث الأخريات، وأخذت تردد أزجالا توسلت فيها إلى القمر لكي ينزل، ويشرب من ذلك الماء، والفتيات ترددن كلامها6.

لقد تحدثت هذه الأسطورة عن قطبين مهمين في الثقافة الشعبية الإنسانية عامة، هما الحناء والقمر. فما دلالة كل منهما؟ وما رمزيته؟ وما موقعه في التصور التراثي البشري؟

2_1_قطب الحناء

إن الحناء شجرة طويلة رفيعة، لها زهر أبيض، وأوراق ناعمة. تنمو في الأراضي الصالحة بإفريقيا الشمالية، وإيران، وفي شبه الجزيرة الهندية. ترتبط بعالم النبات السفلي أو الدنيوي.

يقال إنها من نباتات الجنة، وإن إحراقها يعد ذنبا وإثما. استعملت في الشرق الأوسط وبلاد الهند منذ القديم. تزرع في المغرب بمنطقة مراكش، و(تحَنَّاوْتْ), و(تمْصْلوحْتْ)، وبوادي درعة بالجنوب، حيث تكبر حتى تبلغ قوام الشجر، ومنه تؤخذ، وتسوق في اتجاه بقية الجهات. وهي ليست مثل بقية الأشجار، وخاصة لدى المسلمين، بل هي شجرة مباركة ذات صلة وثيقة بالأفراح والمناسبات، وتوحي بالفأل الحسن في أغلب الأحيان.

لا تخص الحناء المسلمين والمرأة المغربية فقط، وإنما عرفها الإنسان منذ القديم، إذ “ازدهرت صالونات التجميل، ومصانع العطور في مصر القديمة في حوالي 4000 ق.م (...). استخدمت النساء المصريات (...) الحناء لتلوين أصابع اليدين والقدمين.”7

لها منافع كثيرة ذكرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، تتجلى في أنها تطيب ريح الإنسان، وتسكن الدوخة والروع، وتزيد في شبابه وجماله ونكاحه، وأن الملائكة تستبشر بالتخضب بها. قال عليه الصلاة والسلام:«اِخْتَضِبُوا بالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ َطيِّبُ الرِّيحِ يُسَكّْنُ الرَّوْعَ»8-9، وفي رواية أخرى:«اِخْتَضِبُوا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ َطيِّبُ الرِّيحِ، يُسَكِّنُ الدَّوْخَةَ»10، وقال:«اِخْتَضِبُوا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ فِي شَبَابِكُمْ وَجَمَالِكُمْ وَنِكَاحِكُمْ»11-12، وقال:«اِخْتَضِبُوا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَسْتَبْشِرُ بِخُضَابِ الْمُؤْمِنِ.»13

تستعمل في الطب الشعبي لمداواة بعض ما يصيب الأيدي والأرجل من تشققات وانتفاخات، والرؤوس من آلام حادة وقرع14، ولتزيين الجسد، وحماية بعض المناطق التي تعتبر واجهات أو أبوابا مشرعة على الآخر، وتعد أماكن رهيفة حساسة، تتعرض للتأثير، ومنها الفم والأنف15. وتصطاد العين الشريرة، وتطردها16. وتنشرها النساء اليهوديات في مختلف زوايا الغرفة التي توجد بها العروس لحمايتها من أذى الجن والأرواح الشريرة، وترددن أثناء ذلك قولهن:نسألكم الله ألا تمسوا العروسة بسوء ولْيُعْطِ الحاضرُ منكم الغائبَ قليلا من هذه الحناء.17

إن للحناء فوائدَ صحية عديدة، منها:

- بالنسبة للرأس والشعر:

تخفف من حرارة الرأس _تنقي فروة الشعر من الطفيليات، والميكروبات، والإفرازات الزائدة من الدهون _تستخدم لعلاج حالات القشرة، والتهابات الفروة _تغذي الشعر، وتمنحه قوة وحيوية، وتزيده جمالا وبهاء _تقلل من إفراز سائل العرق _تصبغ الشعر دون أعراض وأضرار جانبية، لاحتوائها مادة طبَيعية لونية.

- بالنسبة للأيدي والأقدام:

تمنع من تشقق الجلد، وتمده بالصلابة والحيوية والقوة _تقضي على الطفيليات التي تتسبب في الحساسية بين الأصابع، وفي ثنايا الجسم.

هذا، بالإضافة إلى أن ثمرتها مغلية تفيد في التخفيف من حدة متاعب العادة الشهرية لدى الأنثى، وأن أزهارها يستخلص منها العطر. كما أنه إذا مضغ ورقها أبرأ القروح الموجودة في الفم، وإذا تضمد به عالج الأورام الحارة، وسكن وجعها. والحناء تقوي الأعصاب، وتنشف رطوبتها، وتكثر اللحم الذي يخضب بها من الخارج.

"إن الحناء في المنطوق الجسدي تتدخل لتموه اضطراب الأدلة. تشفي بعض أعراض الحمى عند استعمالها للعذارى، وعند خلطها بالشب تخبر المرأة ما إذا كانت مريضة بالزهري (...) أم لا، وتحمي الطفل من وراثة أمراض الزهري، وتشرب النساء الماء الذي تمرث فيه الحناء لإيقاف العادة الشهرية، كما تصلح لصيانة جمال الجسم، أو افتتان الغريم"18.

وتعتقد النساء في مفعولها السحري، إذ أن أعداء العريس أو العروس لو أخذوا فضلات معجون تخضيبها فبإمكانهم سحرهما، وتسبيب الأذى لهما. لهذا تحضر حناء خاصة بهما، يخضبان بها، في حين تعد حناء أخرى، وتوزع على الحاضرين ليلة التخضيب أو ما يعرف بليلة الحناء، ويتم إيهامهم بأنها هي نفسها التي وضعت على يدي العريسين.19  

من المرددات التي يتم ترديدها أثناء ذلك:

وَالْعْوَارْمْ20 دَايْرَة وَنَا نْحَنِّي لُو

                   وَالْعُقْبَة لْخُويَا هَاكْذَا نْدِيرُوا لُو

 آلْـــحَـنــَّــة يَا لَحْـــنـِيــنَـة

                    حَــنـِّــــــي عْـلــِيـــنَــــا

آعْرُوسْتْنَا دَايْرَة لَحْنَانِي وَتْشُوفْ يَدِّيهَا

                    آعروستنـــا اللـهْ يْنَجِّـيــهـَا

حَـــنـِّــي يَــــا الرِّيــــــمْ حَنِّي

                    وَالْــمَـالْ اللِّـي مْشَى أَيْوَلِّي...

ويبقى أهم دور للحناء هو تضميخ شعور الإناث، وتجميل أكفهن، وتزيين أقدامهن، وصبغها.

2_2_قطب القمر

جاء في (معجم مقاييس اللغة) لأحمد بن فارس:« قمر:القاف والميم والراء أصل صحيح يدل على بياض في شيء، (...). من ذلك القمر (...)، سمي قمرا لبياضه (...) وتصغير القمر قمير. قال:21                    

َوقُمَيْرٌ بَدَا ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْري

                      نَ فَقَالَتْ لَهُ الْفَتَاتَانِ قُومَـا.22

هو كوكب ينتمي إلى العالم السماوي العلوي، ذو مكانة متميزة. يتجلى ذلك في أن الله تعالى قد أقسم به، فقال:( وَالْقَمَرإِذَا تَلاَهَا)23، وحملت سورة قرآنية كريمة اسمه24، وتغنى به الشعراء، واتخذوه رمز الحسن والبهاء، قال أبو الطيب المتنبي مثلا:                                                                                                        

بَدَتْ قَمَرًا وَمَالَتْ خُوَط بَانٍ

                    وفَاحَتْ عَنْبَرًا َوَرنَتْ غَزَالاَ.25

وتقول مرددة شعبية سورية:

 بَِريدْ بَحَنِّيكْ يَا عَــرُوسْ

                يَا شْعِيعَ الشَّمِسْ يَا ضَوَّ الْقَمَرْ.26

تتجلى وظيفته في كونه مصدر النور، وفي أنه يساعد الإنسان على معرفة عدد السنين والحساب، قال عز من قائل:(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُـوا عَـدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَـا خَلَقَ اللهُ ُذَلِكَ إِلاَّ بِالْحـَقِّ نُفَصّـِلُ اْلآيَاتِ لِقـَوْمٍ يَعْلَمُونَ).27

مجده الحرانيون في بلاد (العراق)، وكانوا يصومون لأجله في شهر آذار أو مارس28 ، وتسمت به العرب على وجه المديح والثناء، أو على جهة اللقب29، وعبده الناس منذ القديم، منهم قوم (عاد)30-31، ومنهم العرب الذين اعتقدوا أن إليه يعود تدبير العالم  السفلي، فجعلوا له صنما على هيئة عجل وبيده جوهرة، وسجدوا له وصاموا أياما معلومة من كل شهر، وأتوه فرحين مسرورين حاملين الطعام والشراب،  ورأوا أن له تأثيرا في حمل الأشجار، ووفرة غلاتها.    

يرى بعض هنود القارة الأمريكية أن القمر كان رجلا يعيش مع ابنتين له على الأرض. ذات مرة، سرق روح طفل جميل استهواه، وسجنها تحت قدر. فجاء ساحر طبيب يبحث عنها، فاختبأ القمر تحت قدر أخرى. لكن الساحر كسر القدور كلها، وعثر على الروح، ووجد كذلك سارقها، فقرر القمر أن يصعد إلى السماء رفقة بنتيه، وتولى مهمة إنارة طريق الأرواح البشرية.32

لما كان الإنسان يتأمل مظاهر الكون العجيبة الغريبة حائرا قلقا، رفع رأسه إلى الأعلى، فرأى أول ما رأى القمر متألقا ساطعا في جوف الليل البهيم، ومحتلا كبد السماء. قذف ذلك الرهبة والروع في قلبه، فخصه بالعبادة، وقدسه، ورفعه إلى مقام الألوهية، وتوسل إليه في التفاؤل والتشاؤم، إذ تفاءل ببزوغ هلال أول الشهر، وتشاءم بخسوف القمر حين تبدو صورته حمراء تميل إلى لون الدم.

يقصد بالخسوف توسط الأرض بين القمر والشمس، هاته العملية تجعل الإنسان الشعبي خاصة يتماهى مع القمر، ويتعاطف معه، ويراه في أزمة خانقة، فيدعو له بالتخلص منها، كما تظهر ذلك المرددة المصرية التي تقول:

يَا بَنَاتِ الْحُورْ                  خَلُّوا الْقَمَرْ يْدُورْ

يا بنات الْجَنَّة                  خلوا القمر يَتْهَنَّى

يا سِيدْنَا يا عُمَرْ               فُكِّ خَْنقِــةِ القمرْ

يا سيدنا يا بِلاَلْ      فك خنقة الْهِلاَلْ.33

إن عبادة القمر وغيره مثل الشمس والسماء والنار والعاصفة والبرق والرعد، يدخل ضمن ما يعرف بمذهب عبادة الطبيعة.

لقد اختلفت نظرة الشعوب إلى القمر، فالعرب القدماء مثلا اعتبروه الإله الذكر  الأب، والزهرة الابن، والشمس الأم، وكان من بين أكبر آلهتهم، بل لقد فضلوه على الشمس لكونه معبودًا ذكرا، ورمزوا إليه بالثور، وبقرنيه، وبالهلال، ورمزوا إليه وإلى الشمس بهلال أفقي ودائرة. ويسميه الإغريق الأرض العليا، ويدعوه الأهالي في البرتغال أم الإله، والفلاحون في فرنسا السيدة العذراء34. وتسميه بعض شعوب القارة الأمريكية شمس الليل، والشمس الليلية، والشمس الباردة. ويعتبره معشر (السُّورَارَا) بشمال البرازيل خالقهم، ويرون أن بقية النجوم تأتي بعده مرتبة في سلم الآلهة، وتقوم تجاهه بدور الوسيط والشفيع35. وهو في الهند إله مذكر، وفي الصين إلهة مؤنثة، وفي كمبوديا يجمع بين الألوهيتين المذكرة والمؤنثة36. كما أن شعوبا كثيرة تعتقد أنه يقترن بالمرأة متخذا صفة رجل أو ثعبان، ولذا تتفادى فتيات (الإسْكيمُو) النظر إليه حتى لا تحملن منه. أما إنسان العصر الحجري فيراه إلهة خالدة قادرة على أن تجدد نفسها دائما، وأن تهب عبادها الخلود.37

من ناحية الخلق، تذهب أسطورة سومرية إلى أن القمر أنجبته الإلهة (نِنْليل)38. بعد أن ضاجعها الإله (إنْلِيلْ)39-40. وترى أسطورة من أرض دولة (البنين) أن القمر وُلِدَ توأمًا مع الشمس، خلقتهما خالقة العالم الأم الكبرى (نَانَا بُولوكو)41.

لقد ارتبط في حياة الإنسان بالليالي، واعتبر كائنًا حكيمًا متعقلا متزنا على مستوى السلوك، وجعل رمزًا للخصب والخير والإيجابية، وقرن بالقطر والغيث والمطر.

تحكي شعوب (يُورُوبَا) بدولة (نيجيريا)الإفريقية حكاياتها حول موقد النار على ضوئه، خلال أيام الحر والريح الشرقية42. وفي بلاد )مصر( جبل يحمل اسم (جبل القمر)، ويكمن سر هذه التسمية في أن القمر يطلع عليه دائما، وفي أن هذا الجبل يتغير لونه تدريجيا تبعا لتغير حجم القمر43، ويحول أحيانًا دون لقاء الحبيبين، فيرجوان وقت أفوله ليلتقيا، ويقضيا لحْظاتٍ سعيدة.

خلاصة

إن الحناء والقمر طرفان بالغا الأهمية في الثقافة الشعبية الإنسانية، إلا أن القمر أقدس وأجل، وأعظم مكانة، فهو إله وخالق ينتمي إلى العالم السماوي، عالم الآلهة والقوى فوق الطبيعية، بينما تنتسب الحناء إلى العالم الأرضي، عالم المخلوقات والكائنات العادية. ولذا يحتاج العالم السفلي احتياجا دائما إلى العالم العلوي، وهذا ما يفسره نقش شكل القمر إلى جانب شكل شجرة الحناء، التي غدت عاجزة وحدها عن دفع البلاء عن المحتمين بها...

 

الهوامش والمراجع

1: Mircea Eliade:Aspects du mythe. Collection Folio/Essais, Editions Gallimard, Paris_France 1963, pages:16_17 et 33.

2: فراس السواح:مغامرة العقل الأولى:دراسة في الأسطورة_سوريا وبلاد الرافدين. دار الكلمة، الطبعة الرابعة، بيروت_لبنان 1985م، ص:9.

3: صموئيل هنري هووك:منعطف المخيلة البشرية:بحث في الأساطير. ترجمة:صبحي حديدي. دار الحوار للنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة، اللاذقية_سوريا 2004م، ص:6.

4: فراس السواح:لغز عشتار:الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة. دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الثامنة، دمشق_سوريا 2002م، ص:36.

5: Mircea Eliade:Le sacré et le profane. Editions Gallimard, Paris_France 1965, page:126.

6: أحمد التوفيق:شجيرة حناء وقمر. دار القبة الزرقاء للنشر_مراكش، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء_المغرب 1419هـ_1998م، صص:157_158 و230_232.

7: تشارلز باناتي:قصة العادات والتقاليد وأصل الأشياء. ترجمة:مروان مسلوب. الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع، الخبر_السعودية، دار الخيال للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت_لبنان، الطبعة الأولى، مطبعة جلخ إخوان 2003م، ص:235.

8: علاء الدين الهندي:كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال. ضبطه وفسر غريبه:بكري الحياني، صححه ووضع فهارسه ومفتاحه:صفوة السقا. مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت_لبنان، مطبعة حلب_سوريا 1399هـ_1979م، الجزء السادس، كتاب الزينة والتجمل، الباب الثاني:في أنواع الزينة:الخضاب، رقم الحديث:17303، ص:666.

9: عبد الرؤوف المناوي:فيض القدير شرح الجامع الصغير. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، بيروت_لبنان 1391هـ_1972م، المجلد الأول، رقم الحديث:285، ص:208.

10: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني:المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية. تحقيق:حبيب الرحمن الأعظمي. توزيع:عباس أحمد الباز، مكة المكرمة_السعودية، بدون تاريخ، الجزء الثاني، كتاب اللباس والزينة، باب خضاب شعر اللحية، رقم الحديث:2211، ص:275.

11: علاء الدين الهندي:كنز العمال... الجزء السادس، كتاب الزينة والتجمل، الباب الثاني:في أنواع الزينة:الخضاب، رقم الحديث:17304، ص:666.

12: عبد الرؤوف المناوي:فيض القدير... المجلد الأول، رقم الحديث:286، ص:208.

13: علاء الدين الهندي:كنز العمال... الجزء السادس، كتاب الزينة والتجمل، الباب الثاني:في أنواع الزينة:الخضاب، رقم الحديث:17306، ص:667.

14: بواسطة ما يعرف بوصفة (الخَلْطَة)، وهي خليط من نباتات في مقدمتها الحناء، وسوائل على رأسها ماء الزهر.

15: David le breton:Signes d’identité:tatouage, piercings et autres marques corporelles. Editions métailiés, Paris_France 2002, page:27.  

16: Henri Gougaud _Coulette Gouvion:Voir le Maroc. Editions librairie Hachette Réalités, Les presses des imprimeries Mondadori, Vérone_Italie le 28 Décembre 1978, page:79.

17: إيلي مالكا:العوائد العتيقة اليهودية بالمغرب من المهد إلى اللحد. نشر:الملتقى، الطبعة الثانية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء_المغرب 2003م، ص:36.

18: عبد الكبير الخطيبي:الاسم العربي الجريح. ترجمة:محمد بنيس. دار العودة، الطبعة الأولى، بيروت_لبنان 01_09_1980م، ص:72.

19: لقد مررت أنا شخصيا بهاته التجربة ليلة يوم الجمعة 17 غشت 2007م.

20: العوارم:مفردها:العارم، وتطلق على المرأة. وهو اسم تتسمى به بعض النساء في المغرب. والعارم في اللغة:المرأة الشرسة المؤذية.

21: روي الشطر الثاني بهاته الطريقة:_ نَ له قالتِ الفتاتان قوما.

22: أحمد بن فارس:معجم مقاييس اللغة. تحقيق وضبط:عبد السلام محمد هارون. شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، الطبعة الثانية، القاهرة_مصر 1392هـ_1972م، الجزء الخامس، مادة:قمر، ص:25.

23: القرآن الكريم. برواية الإمام ورش، دار المصحف، بيروت_لبنان، سورة:الشمس، الآية:2.

24: القرآن الكريم. سورة:القمر.

25: ديوان أبي الطيب المتنبي. شرح:عبد الرحمن البرقوقي. شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، بيروت_لبنان 1357هـ_1938م، المجلد الثاني، ص:241.

26: محمود مفلح البكر:العرس الشعبي (الترويدة). بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، الطبعة الأولى، بيروت_لبنان 1995م، ص:204.

27: القرآن الكريم. سورة:يونس، الآية:5.

28: كارل بروكلمان:تاريخ الشعوب الإسلامية. نقله إلى العربية:_نبيه أمين فارس _منير البعلبكي. الطبعة الأولى حزيران 1948م، الطبعة العاشرة شباط (فبراير) 1984م، مطابع دار العلم للملايين، بيروت_لبنان، ص:48.

29: عمرو بن بحر الجاحظ:الحيوان. تحقيق وشرح:عبد السلام محمد هارون. دار إحياء التراث العربي، منشورات المجمع العلمي العربي الإسلامي، الطبعة الثالثة، بيروت_لبنان 1388هـ_1969م، الجزء الأول، ص:325.

30: علي بن الحسين المسعودي:مروج الذهب ومعادن الجوهر. شرحه وقدم له:مفيد محمد قميحة. دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت_لبنان 1406هـ_1986م، الجزء الثاني، ص:44.

31: عاد:هو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. يقال إنه كان رجلا جبارا عظيم الخلقة، وإنه تزوج ألف امرأة، وولد له من صلبه أربعة آلاف ولد، وإنه عاش مائتي سنة وألفا...

32: Claude Lévi_Strauss:L’origine des manières de table. Presses de l’imprimerie Darantiere à Dijon_Quetigny, Librairie Plon, Paris_France 1968, page:34.

33: علي الراعي:مسرح الشعب. الطبعة الأولى، دار شرقيات للنشر والتوزيع، القاهرة_مصر 1993م، هامش ص:206.

34: فراس السواح:لغز عشتار... صص:61 و 66.

35: كلود ليفي ستراوس:الإناسة البنيانية (القسم الثاني). ترجمة:حسن قبيسي. مركز الإنماء القومي، بيروت_لبنان، بدون تاريخ، صص: 196 و 198.

36: خليل أحمد خليل:معجم المصطلحات الأسطورية:_عربي _فرنسي _إنكليزي. رقم:6. الطبعة الأولى، دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر، بيروت_لبنان 1996م، ص:111.

37: فراس السواح:لغز عشتار... ص:380.

38: ننليل:إلهة سومرية، تزوجت الإله (إنليل)، وأنجبا إله القمر(نانا) أو (سن)...

39: إنليل:إله الأرض والهواء، وسيد الشياطين والأشباح والأرواح، وفاصل السماء عن الأرض...

40: فراس السواح:مغامرة العقل الأولى... ص:31.

41: فيرجينيا هاملتون:أساطير الخلق. ترجمة:أسامة إسبر. دار التكوين للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق_سوريا 2004م، ص:43.

 

42: دان بين أموس:مدخل لدراسة الأدب الشعبي_خطاطة أولية - ترجمة:عبد العزيز اعمار. مجلة:المناهل. السنة:25، العدد:64_65_شعبان 1422هـ/ماي2001م، دار مطبعة المناهل، الرباط_المغرب، ص:193.

43: كاتب مراكشي من كتاب القرن السادس الهجري (12م):الاستبصار في عجائب الأمصار. نشر وتعليق:سعد زغلول عبد الحميد. دار النشر المغربية، الدار البيضاء_المغرب 1985م، صص:45 و73.

أعداد المجلة