فصلية علمية متخصصة
رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم
العدد
66

من أدب العراق القديم ترانيم وأدعية سومريّة

العدد 17 - جديد النشر
من أدب العراق القديم ترانيم وأدعية سومريّة
كاتب من العراق

يحفل تاريخ حضارة وادي الرافدين في العراق القديم على أدب غني في مادته، طلي في أسلوبه، جليل الشأن في ما يدل عليه. وقد عني طائفة من علماء الآثار الغربيين بنقل شيء من تراث حضارات العراق الخالد إلى لغاتهم، فكان من ثمار ذلك مجموعة نفيسة من المؤلفات التي استشرفت آفاق تلك الموضوعات.    يروي الدكتور فيصل الوائلي في مقدمة كتابه" من أدب العراق القديم ترانيم وأدعية سومريّة، الصادر عن دار الورّاق للنشر المحدودة في بغداد، وبصفحاته ألـ"112" من القطع المتوسط"، الغرض من تأليفه لكتابه قائلاً:" وما يسترعي إليه الأنظار هو أنّ الخزانة العربية تكاد تخلو ممّا انطوى عليه ذلك التراث العراقي القديم". وأضاف قائلاً:" فرأيت أن أسدّ شيئاً من هذه الثغرة، أن أضع بين أيدي قرّاء العربية جانباً من تلك الكنوز الأدبية فأقدمت على نشر الترجمة العربية لهذه النصوص معتمداً على أحدث المُصنفات الغربية التي ظهرت في هذا الحقل".

توطئة

قسم فيصل الوائلي مفردات كتابه إلى قسمين هما: توطئة، وترانيم وأدعية سومرية- أكدية، تفرّع عن كلّ واحد من القسمين عدّة موضوعات. جاء تحت" توطئة" الموضوعات الآتية:" خلق الإلهة الأم للإنسان، نص العهد البابلي القديم، رُقيّة كونية، أدبا، نرجال وأيرشكيجال، وأترخاسيس.

  

خلق الإنسان

 ذكر المؤلف في أول الموضوعات توطئة إلى" خلق الإلهة الأم الإنسان، أنّ الموضوع الأساس لهذه الأسطورة هو خلق الإنسان من الطين الممزوج بلحم ودم إله مذبوح، وأن النص الذي يرجع إلى العهد البابلي القديم ناقص، وأن الأسطورة استعملت كتعويذة لتيسير الولادة، فكان من نتيجة ذلك أن أُعيدت كتابتها بصورة مجملة فقط. وقال في" نص العهد البابلي القديم" وجه اللوح ما نصه:

 " ما هو نزر سيصبح فيضاً،

عبء الخلق سيحمله الإنسان!

دعوا الإلهة الأم

أكثر الآلهة نفعاً" مامي" الحكيمة:

أنت الرحم الولود،

تلك التي تخلق البشر،

اخلقي إذن" لولو" ودعيه يحمل النير!

النير سيحمله،.........".

 

كما جاء في ظهر اللوح:

" كلا العينين، الزوجة، وزوجها،

أربع عشرة رحماً ولوداً قد جمعت

أمام" نتو"

" وفي مو" عد الهلال

إلى بيت المصائر دعوا المعبدين

أنكيدو جاء.....".

 

رُقيّة كونيّة

   أما في" رُقية كونية"، فعرض المؤلف أنّ من بين الرُقى التي تحتوي على مادة كونية هناك رُقية معروفة جداً تعزو ألم السنّ إلى دودة حصلت على موافقة الآلهة لتستقر بين الأسنان واللثيات. ويرجع تاريخ النص الحاضر الذي سُمِيّ اصطلاحاً بـ" رُقية ضد ألم الأسنان" إلى العهد البابلي الحديث. ومن هذه الرُقية:

" بعد أن خلق" آنو" السماء

السماء خلقت الأرض

الأرض خلقت الأنهار،

الأنهار خلقت القنوات،

القنوات خلقت المستنقع،

و خلق المستنقع الدودة

ذهبت الدودة، باكية أمام" شمش"

دموعها منحدرة أمام" أيا"

" ماذا ستقدم لي من طعام"؟

ماذا ستعطي لرضاعتي؟

سأعطيك التين الناضج؟"

 

أدبا وكلكامش؟

  ونجد قصة " أدبا" تشترك مع الملحمة العراقية المعروفة" جلجامش" في فكرة الفرصة التي ضاعت من الإنسان للحصول على الخلود. وظهرت" أدبا" في أربعة نصوص في حالة مهشمة، في حين نتعرف من المؤلف على" نرجال وأيرشكيجال" أن هذه الأسطورة العراقية تعرف حتى الآن من كسرتين من نصّ مدرسي يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر ق.م، وكانت هذه الأسطورة قديماً تستعمل، كما هو واضح، في تدريب تلامذة اللغات الأجنبية في مصر على تعلم اللغة الآكدية من حضارة العراق، التي كانت في ذلك الوقت وسيلة الاتصال الحضاري في المنطقة كلها. ونقرأ في الوجه" كسرة أ":

عندما كانت الآلهة تُعد مأدُبة،

لأختها" أيرشيكيجال"

أرسلت رسولاً:

" بينما نستطيع نحن النزول إليك،

أنتِ لا تستطيعينَ الصعود إلينا.

أرسلي، لذلك، من يأخذ نصيبك من الطعام"،

لذلك أرسلت" أيرشكيجال" وزيرها" نمتاز"

صعد" نمتاز" إلى السماء العالية...".

أترخاسيس

  وأشار الوائلي في" أترخاسيس" إلى أن هذا الإسم" اقترن بالعهد البابلي القديم، أي الفائق الحكمة، مع أكثر من بطل واحد من أبطال الأدب الملحمي في بلاد ما بين النهرين، ووصلت إلينا كِرَة من هذه الملحمة في نسخ متفرقة من العهد البابلي القديم والعهد الآشوري، كما هو الحال أيضاً في ملحمة جلجامش. وجاء في العمود" 2" البداية مخربة":

" ليجعل في الصباح... يهطل،

وليمتد خلال الليل،

وليجعله المطر،

دعهُ يأتي على الحقل كلص، ودع،

الذي خلقه" أداد" في المدينة،

وبعد أن قال ذلك، صاحوا،

مثيرين ضجّة،

إنّهم لم يخافوا...".

 

   ترانيم وأدعية

   أما القسم الثاني" ترانيم وأدعية سومريةـ آكدية، اشتمل على الموضوعات الآتية:" دعاء إلى الإلهة عشتار، ترنيمة للإله القمر، صلاة آشور بانيبال إلى الإله الشمس، ترنيمة للإله الشمس، تسبيحة حمدٍ لمردوخ، دعاء لآلهة الليل، صلاة لكل إله، ورؤيا العالم السفلي". ابتدأ الوائلي هذا القسم بذكر" دعاء إلى الإلهة عشتار"، الذي اشتمل هذا النص على دعاء" صلاة" يرافقه رُقية طقوسية، وفيه تخاطب عشتار، بصفتها آلهة الشجاعة والحرب، ويصف المتوسل فيها غمته المريرة ويصلي لإعادة رخائه ليسبح بالشكر والحمد هو وجميع مَن يرونه مِن الآلهة.ويقول الدعاء:

" إنني أصلي لكِ، ياسيدة السيدات، وإلهة الآلهات.

 أيا عشتار، ملكة كل الشعوب، التي تقود البشرية باستقامة،

أيا" أرنيتي" المُبَجَلَة إلى الأبد، أعظم" الأجيجي"،

أيا أقوى الأميرات، مَُجلٌ اسمكِ

أنتِ حقاً نور السماء والأرض، أيا ابنة" سين" المقدامة،

أيا معضدة السلاح، التي تنهي المعركة".

 إلى أن يصل في دعائه بقوله:

" لقد بكيتُ لكِ، متوجعاً ومنهكاً ومحزوناً، كخادم لكِ،

انظري إليَّ أيا" سيدتي"، اقبلي صلواتي.

انظري إليَّ بإخلاص واسمعي توسُلي.

عُدِي بعفوي، ولتّطف روحكِ،

رأفةً! بجسمي التعيس المملوء بالارتباك والانزعاج

رأفةً! بقلبي العليل المملوء بالدموع والعّذَاب...".

 

ترنيمتان للإله القمر والشمس

  ذكر مؤلف الكتاب في" ترنيمة للإله القمر" نصاً في لغتين، السومرية، والآكدية، يصور سجايا وصفات" سين" الإله القمر، ورد في وجه اللوح:

" أيّها " الرب" إن إلوهيتك تملأ البحر الواسع بالرعب، كما تملأ السماوات النائية.

يا والد الأرض يا من قد شيّد المعابد، أنت تعطيها كذلك أسماءها.

يا والد الآلهة والبشر المُوجد، يا من يشيد الهياكل ويثبت القرابين،

مُسمي الملكيات، مُعطِي الصولجان، أنتَ مُقرّر المصير لأيام بعيدة.

أيّها الأمير الجبّار الذي لا يدرك كُنْهَ قلبه العميق أحدٌ مِن الآلهة،

يا أيّها الفلو السريع الذي لا تتعب رُكبتَاهُ، الذي يفتح الطريق لإخوته الآلهة...".

 

كما عرض فيصل الوائلي في" صلة آشور بانيبال إلى الإله الشمس" نصاً هو في الواقع ترنيمة حمد للإله" شمش" أُلحقت بها صلاة من أجل خير آشور بانيبال، ملِك بلاد آشور" 668-633 ق.م"، جاء في النص الصلاة:

" أنا خادمك آشور بانيبال، الذي أنـَ أمرتَ بممارسة حكمه في رؤيا،

عابد ألوهيتك الساطعة، مَن يجعل مُلحقات ألوهيتك مجيدة،

المُعْلَن عن عظمتِكَ الساطعة أن يُمجِّد حمدك للشعوب المنتشرة،

احُكُم في قضيته، حوِّل مصيره إلى رخاء".

إلى أن يختم النص قائلاً:

" عسى أن يحكم شعب" أنليل" بوفرة وعدالة.

 إنّ كل مَن سيتعلم هذا النص ويُمجِّد حُكم الآلهة،

عسى أن يُغنيه وعسى أن يجعل أمرهُ فوق الناس مُسِراً...".

 

بينما جاءت" ترنيمة للإله الشمس" ليحمد فيها" شمش" كإله كوني، إنّه يشع فوق كل الأرض بل حتى على العالم السفلي." شمش" يُسر بعباده وولاء جميع أصناف البشر حتى أولئك الذين من بلدان أجنبية، تقول الترنيمة من النص المُكتشف التي اكتشفت في مكتبة الملك آشور بانيبال:

" الرغبات التي يفكرون بها أنـتَ حقاً تجعلها تتحقق.

أولئك الذين هم مُذعنُون، أنتَ تفُكُ مواقعهم.

أولئك الذين يقدمون الطاعة أنتَ تقبّل صلواتهم.

إنّهم عندئذٍ يخافونك، إنّهم يُمجِّدون اسمك،

إنّهم يحمدون عظمتك إلى الأبد.

الأحمق في لسانه الذي يتكلم بالشر،

الذي، كالغيوم، ليس له وجه أو محيا...".

 

تسبيحة حمدٍ لمردوخ

  كما خص مؤلف الكتاب" تسبيحة حمدٍ لمردوخ" بنص بابلي استُنسخ من لوح قديم، الغرض منه تكوين حالة نفسية رضية عند الإله مردوخ" إله بابل العظيم" عند إعادته إلى معبده بعد الانتهاء من الاحتفال الطويل الذي يُعرف عند البابليين القدماء باسم" آكيتُو" أو مهرجان رأس السنة البابلية، جاء في التسبيحة:

" لا تهمل مدينتك نُفّر، أيها الرب، كُن هادئاً، عسى أن يقولوا لك.

لا تهمل مدينتك سُبّار أيها الرب، كُن هادئاً.

لا تهمل بابل، مدينة حبورك، أيها الرب، كُن هادئاً...".

 

دعاء للآلهة الليل

  أشار الوائلي أن مناسبة " دعاء لآلهة الليل" هو احتفال تعبدي يقام في الليل، ولما كانت الآلهة العظيمة التي تسيطر على شؤون الكون مستغرقة في نومها فإنه يطلب من الآلهة الممثلة بعدد من أبراج النجوم الثابتة أن تشهد الأداء وذلك لظهور الحقيقة. وورد هذا النص بالدعاء الآتي:

" الليل مُحجَّب

المعبد وأقدس الأماكن هادئة ومُظلمة.

المسافر يدعو إلهه

والمتخاصم متمهل في النوم

قاضي الحقيقة، والد من لا والد له،

" شمش" قد أخذ نفسه لغرفته.

أيتها العظيمة، إلهة الليل...".

 

صلاة لكل إله

وتضمن هذا القسم" صلاة لكل إله" وهذه لم توجه إلى إله مُعين ولكن إلى جميع الآلهة بصورة عامة، وغرض الصلاة هو طلب التخلص من عذاب يعتقد الكاتب بأنّه ينتج عن انتهاك ما لحُرمَة القانون الإلهي، منه:

" عسى قلبي إلهي أن يهدأ نحوي،

عسى قلبي إلهتي أن يهدأ نحوي.

عسى إلهي وإلهتي أن يهدءا نحوي،

عسى الإله الذي غضبَ عليَّ أن يهدأ نحوي

عسى الآلهة التي غضبت عليَّ أن تهدأ نحوي...".

 وختم الدكتور فيصل الوائلي القسم الثاني لكتابه بـ" رؤيا عن العالم السُفلي" قائلاً فيه: أنه بين السبعة والثلاثين نصاً التي جمعها" أي. أيبلنج" في كتابه" TO und Leben 1931"، هناك عدّة نصوص تتصل بموضوع الأساطير والملاحم. ولكن أغلب الأحيان تُقدّم المادة بهذا الموضوع بصورة غير مباشرة وذلك بربطها بأعمال طقوسية مُعينة..

أعداد المجلة